كاتب الموضوع :
عمرو مصطفى
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ليس الآن بقلمي / عمرو مصطفى
الجزء الثاني
"أتحدث عن الرجال الذين لا يعرفهم أحد.. ولا يتذكرهم أحد إلا كالحلم العابر الذي تنسى تفاصيله بمجرد الاستيقاظ.. لكن يظل مذاقه في حلقك ما حييت.."
(1)
تصريحات شعوب العالم تترا تبعاً لتصريحات الشعب الأصفر، الذي يعتبر نفسه سيداً على شعوب الأرض! ..
إننا نشعر بالقلق لما يحدث ..
استيلاء الظلاميون على مقدرات شعب عريق مثل الشعب الأسمر شيء محزن...
وفي لحظة نسى العالم من الذى دعي للحوار مع الظلاميين أولاً ...
ألم نقل أن النسيان هو أفة الشعوب ..
ودعا السيد الأعظم للشعب الأصفر إلى انعقاد اجتماع طارئ لقيادات شعوب الأرض لبحث الشأن الداخلي لشعبنا الأبي ... نوسام بدأ يتفاءل شيئاً فشيئاً .. كل شيء يمضى كما خطط له الأجداد .. أمة بني الأصفر لن تسود إلا بالتفريق والتحريش .. ظلاميين وسطحيين تافهين .. فلتهدأ روح الأجداد التي خططت .. لم تعد ثمة سلطة أو قيادة لشعبنا يلتف حولها الناس .. الظلاميون ينتشرون في غرب المدينة وغداً سيجتاحون شرقها .. دون مقاومة .. لقد انتصر عقل نوسام على عقل السيد وسام .. كم كان يتمنى أن يرى وجهه الأن .. وجه الرجل الذى أذل أجهزة أمن عديدة على رأسها الجهاز الأمني للشعب الأصفر..
لم يعد هناك من يسد مسد ذلك الرجل الأمني الفذ ..
ـ السلام عليكم ورحمة الله... إليكم هذا البيان الهام ..
انتفض نوسام في مقره تحت الأرض إلى جوار دشرم .. كانت شاشة المرئي تنقل بث حي من شرق المدينة ... لعق دشرم شفتيه وقال :
ـ مازالت هناك قنوات بث في شرق المدينة ؟!
ـ انتظر لنسمع ...
قالها نوسام وقلبه يدق بعنف .. ترى من الذى سيدلي بالبيان .. وعلى الفور احتلت ذهنه صورة شخص واحد ... وسام ..
يسرم كان يتابع من مكتب المسئول الأكبر بعد أن صار مكتبه، ولم تكن حالته بأفضل من حالة نوسام ... كان يجلس على سطح المكتب نفسه وهو يلعق كفيه، وعينيه تترقبان البيان .. كان لتوه قد فرغ من شرب دم أحد رجال السكرتارية ولعله كان أخرهم.. وتركه جثة هامدة خالية من الدماء بجوار مكتبه.. الغريب أن بجواره وقف شخص مألوف عاقداً ساعديه وفي عينيه نظرة خضوع وترقب ..
ـ سيد سليمان .. بصفتك مستشاري الأمني الخاص !.. انصت معي لهذا البيان وقل لي رأيك..
قالها يسرم في برود وعينه تتابع الشاشة بانتظار من سيظهر..
ـ بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا البيان موجه لكل سكان شرق المدينة .. ومن تبقي حياً في غربها ..
صاح نوسام في استنكار :
ـ تباً .. ومن هذا الشاب ؟!..
لعق الظلامي الأكبر دشرم شفتيه وهو يقول في بطء :
ـ انتظر لنسمع ...
كان نادر يرتدي زي رجال السلطة المميز وقد ظهر متجهماً وهالات سوداء تحيط بعينيه.. وخلفه كان علم شعبنا المجيد... كان منهمكاً في إلقاء البيان بنبرة ألية خالية من أي انفعال :
ـ إلى كل أبناء شعبنا.. عليكم أن تعلموا أنه بأيديكم أخرجتم الظلاميين من جحورهم.. وبأيديكم ستعيدونهم مرة أخرى.. شعبنا لم و لن يتوقف مصيره على أحد كائناً من كان.. شعبنا قادر بحول الله وقوته على رد كائنات الظلام إلى جحورها، وسيفعل.. إن شاء الله..
إلى كل من يأبى أن يصير طعاماً لقوى الظلام وما تزال تنبض عروقه بالدماء الحرة الأبية.. حي على الشرف.. حي على شرق المدينة.. فالشرق ما يزال صامداً..
تقلص وجه نوسام وهو يكرر سؤاله بقرف :
ـ من هذا الشاب ..؟
داعبت أصابع ب -1 لوحة مفاتيح حاسوبه النقال بحثاً عن معلومات ثم رفع رأسه إلى رئيسه قائلاً :
ـ اسمه نادر !
التفت إليه نوسام في حده منتظراً المزيد لكنه استطرد في برود :
ـ هذا هو ما لدينا من معلومات...
وعاد نوسام يتابع البيان على الشاشة بوجه محتقن...
ـ إننا هنا نقول لقوى الظلام.. كل قوى الظلام.. تحت الأرض وفوقها .. بالداخل والخارج : نحن هنا في الشرق بانتظاركم... وقبوركم اليوم بأيدينا قد حفرت..
واختفت صورة نادر من على الشاشات وظهرت أفلام تسجيلية تصور عمليات رجال السلطة السابقة على بؤر الظلاميين ..
هجمات بقاذفات اللهب ...
ـ مستحيل .. إنهم لا يملكون شيئاً في الشرق ... المنشئات الأمنية والسلاح كله سقط في أيدينا في الغرب ...
قالها يسرم عبر الهاتف بحقد .. بغل .. فجاءه صوت نوسام ليقول في برود صارم :
ـ لكنهم يملكون وسيلة إعلام مرئي... سيقلبون الدنيا على رؤوسكم.
ـ سنهاجم الليلة شرق المدينة ولن يشرب من دم ذلك الأراجوز غيري ...
ـ يسرم .. أنا لا أرتاح إلى هذا الفتى .. كن على حذر ...
قالها نوسام لكن يسرم نظر لمستشاره الأمني الجديد مستفتياً فهز الأخير رأسه نافياً وقال بلهجة حازمة :
ـ لا تلتفت إلى أراجيفه... ربما كان ما تشاهدونه رسالة تم تسجيلها منذ أيام قبل سقوط السلطة .. لتستخدم فيما بعد لتعطيلكم .
أطلق يسرم فحيحاً حماسياً وأنهى المكالمة مع نوسام ثم قفز من فوق سطح المكتب وتعلق بنجفة عملاقة في السقف صارخاً بصوته الحاد:
ـ إلى الشرق ..
وقفز عبر النافذة التي تطل على فناء واسع محاط بسور ضخم لحماية مقر المسئول الأكبر .. كان به حشد هائل من الظلاميين، لم تكد تري كبيرها يحط بقدميه على الأرض حتى أصدرت فحيحاً جماعياً تصاعد إلى عنان السماء وهي تردد بصوت واحد اسم يسرم...
ومن النافذة التي قفز منها الأخير لتوه.. وقف السيد سليمان يراقب المشهد بوجه جامد ...
***
ـ ينصر دينك ..
ـ عاش .. عاش ..
ـ شعبنا ولاد والله ...
لم يسمع نادر معظم عبارات المديح وهو يشق طريقه عائداً من مبنى البث المباشر لقد صار الشاب المنسي حديث الساعة الأن .. وكان يرى في وجوه الشعب نظرة جديدة حلت محل نظرة الخراف اليائسة إلى شفرة الجزار ... صارت هناك نظرة أمل في غدٍ جديد لا وجود فيه لكائنات الظلام ...
وبرز العديد من رجال السلطة المتوارية وقدموا أنفسهم إليه وحلفوا له على الثبات في مواجهة قوى الظلام .. وبدأ هو في شرح خطة المواجهة ...
ـ سيتم عمل لجان شعبية تحيط بشرق المدينة وكل لجنة تستعد بالمشاعل والحطب الوافر لإيقادها في المساء.. في المساء سيحاط شرق المدينة بالنيران.. الليل هو أفضل وقت لهجوم الكائنات الظلامية ..هي ترى جيداً في الليل بعكس البشر الطبيعيين..
هنا برز له من بين الجموع رجل طويل متين البنيان وقدم نفسه على أنه أحد رجال السلطة السابقين ويدعى جلال ..
كان يتكلم وهو ينظر إليه نظرة فاحصة لا تخلو من شك :
ـ هذا حل مؤقت أيها الـ.. القائد ... وسنظل محاصرين للأبد بقوى الظلام حتى تنضب مواردنا ونستسلم في النهاية ..
ـ من قال أننا سنكتفي بالدفاع فقط .. لابد أن ننتقل للهجوم .. معظم السلاح الخفيف والثقيل و الآلات العسكرية معبأ في مخازن سرية غرب المدينة ولابد أن نصل إليه يوماً ما...
داعب جلال شاربه وهو ينظر لنادر مليا ثم قال مغمغماً :
ـ هذا صحيح ...
وتبادل النظرات مع بقية رجال السلطة المحيطين .. وفهم نادر سر نظراتهم إنه نفس السؤال الذى يتردد كثيراً ..
من أين يأتي ذلك الشاب بالمعلومات ؟
أريد فقط أن أفهم
ليس الأن ....
لماذا ..؟
ليس الأن ....
" لابد من تدريب العديد من رجال الشعب على السلاح ..."
انتزعته عبارة جلال من شروده فالتفت إليه قائلاً بسرعه :
ـ بالتأكيد ... لكن لابد أن نقتصد في الذخيرة .. أعلم أنكم تحتفظون ببعض الذخيرة لكنها ليست بالقدر الكافي .. لذا يجب أن نقتصد ...
مرة أخرى يتبادل جلال النظرات مع بقية الرجال.. ثم عاد يصوب نظراته المتشككة إلى نادر وهو يقول :
ـ أيها القائد... على الرغم من أننا لا نعرفك من بين صفوف رجال السلطة ... لكنك تتحدث كواحد منا ...
نظر إليه نادر في ثبات لبرهة قبل أن يقول في هدوء :
ـ أنا واحد منكم بالفعل ...
ـ كيف هذا؟
سأله نادر بغتة :
ـ ماذا كنت قبل أن تلتحق بالسلطة أيها الضابط .؟
أجابه جلال في حذر :
ـ كنت مدنياً من عامة الشعب ...
ـ وحينما كنت تنتهى من عملك اليومي أين كنت تذهب ؟
ـ أعود إلى بيتي لأمارس حياتي العادية ..
ـ وحينما تحال للتقاعد ماذا ستصبح ؟.
ـ مواطناً من عامة الشعب ...
ـ هل تجد فارقاً ..؟
هنا سكت جلال .. ظل يتبادل النظرات مع نادر قبل أن يقول في خضوع :
ـ لا أجد فارقاً أيها القائد ...
أرسل نادر نظرة إلى أبناء شعبنا وهو يهمس بثقة :
ـ ولا أنا ..
***
ـ كيف حالك يا سمكة ..؟
ضغط الأخير على أسنانه وهو يرد على نوسام عبر الهاتف :
ـ نحن لم نتفق على هذا يا خواجة ؟..
ـ لا تسئ فهمى يا سمكة أرجوك...
ضرب سمكة المائدة الصغيرة التي أمامه بقدمه وهو يزمجر :
ـ جعلتني أشارك في إزاحة رجال السلطة ليركب الظلاميين أكتافنا.. لم نتفق على هذا يا خواجة..
ـ أرجوك أهدئ يا سمكة .. أنت رجلي الأثير في شرق المدينة ولن يمسك أحد بسوء ..
ـ لماذا يا خواجة .؟ هل الظلاميون سيفرقون بين دمي ودم أي واحد أخر ..
ـ هذا هو ما أعدك به .. أنا الأن أحدثك في عمل .. ألا ترى أنني بحاجة إليك ولا أستطيع الاستغناء عن خدماتك ...
حك سمكة ظهره بأظفاره الطويلة المتسخة وهو يفكر.. ثم قال بصوت لم يخلو بعد من رنة غضب :
ـ أنا ما زلت رجلك في شرق المدينة...
ـ فتىً طيب...
قالها نوسام ثم سكت هنيهة.. عاد بعدها ليكمل :
ـ مهمتك تتعلق بذلك الشاب حديث الساعة عندكم.. ماذا يدعي ؟..
ـ نادر يا خواجة .. سيصعدون به للقمر عما قريب ..
ـ لكنك ستجعل روحه تصعد إلى السماء قبلها يا سمكة ..
تقلص وجه سمكة وهو مستمر في حك ظهرة .. تباً لذلك البرغوث الذي...
ـ عظيم يا خواجة .. لكن هذا الشاب يساوى الكثير بكل تأكيد ...
جائه صوت نوسام مرحباً عبر الهاتف :
ـ خمسون آلف ترللي ... بعد أن تقتله ..
ـ مئة يا خواجة ... وقبل أن أقتله ...
***
|