وعندما نزلت الى الطابق السفلي كان بانتظارها وقد اغتسل وغير ثيابه مثلها , نظرا لبعض بحذر .
فتح لها الباب الأمامي للمنزل وانتظر الى ان اقفلته خلفها .
" قد حجزت طاولة في مطعم صغير على النهر يبعد بضعة اميال فقط , إنه متخصص في اطباق اسماك المياه العذبة , اوه .. كان عليّ ان أتأكد انك تحبين السمك"
" نعم احبه " أكدت له ناتاشا.
فتح لها باب السيارة , وكان حذرا ألا يلمسها , فحست انه يتعمد إبعاد نفسه عنها.. لقد قال لها , لنبدأ ثانية .. لكن تبدأ ثانية لأي سبب , وتذكرت عندما أدار محرك السيارة انه لم يجبرها على قبول دعوته وإنها معه الآن بإرادتها..
وخلال الطريق قال بعض التعليقات عن الريف المحيط بالمنزل , فاستمعت بود.ريحانة
وقالت محاولة تقليده بالمناقشة العادية" إن المنزل شيء مثير بالنسبة لليو.. لقد قال لي إنه أحبه في نفس اللحظة التي وقعت عيناه عليه"
" نعم, رغم كل دهاء ليو في امور العمل , إلا انه رومانسي القلب .. والناس احيانا يستغلون ذلك "
هل كلامه تلميح انها ربما تحاول القيام بذلك؟ نظرت اليه بحذر , كان يركز على القيادة , ويبدو طرف وجهه قاسيا داكنا , واكتشفت انه لم تره مبتسما بدفء حقيقي ابدا, فأحزنها اكتشافها.
كان المطعم على مسافة قريبة كما قال لوك , موقف السيارات ممتلئ تقريبا , وسمعت ناتاشا عندما خرجت من السيارة خرير النهر مندمجا مع اصوات الناس .
" من الممكن ان نتناول العشاء خارجا.. في الهواء الطلق "
قال لوك وهو يقودها عبر موقف السيارات , وتابع " لكن من المريح ان ندخل فالجو اقل رومانسية"
وجهت اليه ناتاشا نظرة حذر مرة اخرى , ولم يكن هناك شيء يقرأ في تعابيره , واجابته " مم.. على أي حال سيزعجنا الذباب حتى الموت اذا جلسنا خارجا"

كان المطعم صغيرا ذا سقف منخفض , فرشه مريح وجميل رغم قدمه , ونظرت بإعجاب تتفحص ماحولها , رفضت ناتاشا اقتراح لوك بتناول شراب في بار المطعم , فقادهما النادل بسرعة الى طاولتهما, اعجبت ناتاشا بمكان الطاولة فهي تطل على النهر , وبعيدة عن مشهد الناس الذين يأكلون خارجا , تفحصت قائمة الطعام , وهي تلاحظ ان لوك قد جذب نظرات اغلب النساء الموجودات في المطعم , إنها لا تلومهن, فلوك جيد المظهر , وهي نفسها تشترك معهن في سرعة تأثرها بذلك.منتديات ليلاس
كان النادل لا يزال يحوم حولهما , فأعادت نظرها الى قائمة الطعام واختارت طبقا من سمك الترويت والسلمون .منتديات ليلاس
" سأخذ نفس الطبق " قال لوك للنادل, وسأل ناتاشا اذا كانت ترغب بأي شراب.
هزت رأسها نفيا , فهي غير معتادة على الشراب , وقال لوك للنادل " إذن مياه معدنية لضيفتي" وطلب لنفسه زجاجة شراب.
تشعر وهي معه الآن بخجل مضحك , تشعر وكأنها مراهقة , رغم تناولها الطعام ولمرات عديدة في فلورنسا مع بعض الرجال الذين لم يكفوا عن مغازلتها, لكنها لم تحس بهم كما تحس بلوك .
" حدثيني عن عملك .. وكيف اصبحت مهتمة به"
تحدثت بتلقائية.. كم من المبهج ان يركز اهتمامه عليها , وان يتناقشا في المجال الذي يشتركان بالاهتمام به وإن كان في مستويات مختلفة .وسألته قائلة " ماذا عنك ؟ اعرف انك سافرت كثيرا قبل ان تبدأ الرسم"
لم تقل له كيف عرفت ذلك , وكيف ان ايما تحدثت عن سلوكه واسلوب حياته بشكل لاذع وقاس جدا, وعارضها بفتور متجاهلا اسلوبها اللبق" لم اسافر .. بل شققت طريق حول العالم , لقد فهمت من ملاحظاتك عني خلال اليوم , بأن شخصا ما قد زودك بتاريخ حياتي ..او على الاقل بالوجوه الاقل تشريفا "

امسكت ناتاشا من الخبز ويداها ترتجفان لكي تخفي كربها , فأصبحت فتاتا ناعما.
" إنني آسفة " اعتذرت بنعومة " كان عليّ ألا اقول ما سبق وقلته "
" لا تعتذري فلكي كل الحق في التعبير عن مشاعرك وافكارك , لا احد يحب الاعتراف بأوجه شخصيته , وربما لا اوافق مع كل اتهاماتك لحب , لكن بالتأكيد هنالك الكثير من الحقيقة فيهم تجعلني .."
توقف فجأة وغاب اللون عن وجهه وهو يحدق بشخص ما بعيد عن نظر ناتاشا , فلم تستطع ان تمنع نفسها من الالتفات حولها كي تعرف ما الذي سبب تلك الصدمة التي غيرت مظهره.
ورأت رجلا وامرأة يتعيشيان في طاولة تبعد بضعة اقدام عنهما, كان الرجل فضي الشعر تبدو ملابسه مرتفعة الثمن , اما المرأة فهي اصغر منه عمرا لكنها ليست شابة , ربما كانت في حوالي الخمسين إلا اذا كانت بشرتها المشدودة جدا من خلال جراح , تفحصتهما ناتاشا بشكل مباشر لكن لن تعرف ما الذي سبب هذا التأثير العميق في لوك , اما ملابس المرأة فقد كانت لا تناسب سنها , بل تناسب عمر ناتاشا, وضحكتها عالية جدا كما ان تركيزها على شريكها يدل على يأس اكثر من بهجة .. لكن ما الذي جعل لوك يبدو وكأنه قد شاهد شيئا ؟ لم تكن لديها اية فكرة .
وعندما نظرت اليه ثانية , رأته يرفع كأس الشراب الى فمه ويفرغ محتوياتها, كانت يداه ترتجفان قليلا وحاولت ناتاشا منع الدهشة التي قفزت الى شفتيها.منتديات ليلاس
بالكاد لامس طبقه , ورأته يفرغ ماتبقى من زجاجة الشراب , وخلال الوجبة اخذ يتحدث معها حديثا لكنها كانت مرتبكة , فقد كان اهتمامه الحقيقي منصبا على الرجل والمرأة الجالسين خلفها وتاقت كي تسأ له ماالأمر لكنها لم تقدر .
بعد نهاية الوجبة رفضت تناول الحلوى, وطلب لوك لنفسه كأسا آخر من الشراب, ولكي تشاركه طلبت لنفسها فنجان قهوة.
وعندما نهضا اخيرا لمغادرة المطعم شعرت بالارتياح , فقد كانت وكأنها تحبس انفاسها بانتظار حدوث شيء غير سعيد . ونظرت الى لوك فرأته لم يتأثر بالمشروب , لقد رأت بالتأكيد رجالا يشربون اكثر مما شربه لوك الليلة , ورغم ذلك يبقون متزنين وغير ثملين.

ولاحظت وهما في طريقهما الى السيارة ان افكار ومشاعر لوك بدت وقد ازدادت تعمقا وكأن ناتاشا غير موجودة , لماذا تشعر بأنها مهملة ..؟ لقد أتيا لتناول العشاء وكأنهما صديقان مؤقتان جمعتهما الظروف معاً , وقد عاملها لوك بكل لطف واحترام, اما الآن فهو مشغول البال أليس من الغباء ان تتمنى شيئا شخصيا اكثر ..
وقف لوك امام باب السيارة وقطب قائلا " من الأفضل ان تقودي انت .. إذا لم تمانعي بالطبع"
" إطلاقا " اكدت له .ريحانة
ومما زاد في سهولة الأمر ان السيارة تشبه سيارة والدها التي سبق وقادتها عدة مرات , اعطاها لوك المفاتيح وذهب الى الباب المقابل , وشعرت بأنها قد اخطأت في الحكم عليه قبلا , لقد حسبت فيما مضى بأنه رجل يصر دائما ان يكون المسيطر على نفسه وعلى الآخرين , وطلبه قيادة السيارة يؤكد على انه ليس كما حسبت ابدا.منتديات ليلاس
عبست قليلا وهي تجلس خلف المقود , وجلس لوك جانبها ووضع حزام المقعد عليه, ولاحظت ناتاشا وهي تدير محرك السيارة انها كانت مخطئة عندما ظنت ان الشراب لم يؤثر عليه وسمعته يقول بغموض " إنني آسف لذلك.. تبا لهذا الشراب فهو اقوى مما هو عليه عادة , او ان قدرتي قد خفت قليلا"
وفرك جبهته وكأنها تؤلمه.. واصبحت متأكدة ان المسألة تتعلق بالشخصين اللذين استحوذا على اهتمامه لكنها لم تقل أي شيء .. واخذت الطريق المؤدي الى منزل ليو .. وشعرت بالسعادة فقد كانت السيارة سهلة القيادة بالمقارنة مع سيارتها العادية ..
جلس لوك صامتا يحدق عبر النافذة وهو غارق في افكاره.. لاشك بأنها افكار غير مفرحة , فكرت ناتاشا وهي توقف السيارة في موقف المنزل .منتديات ليلاس
خرجت من السيارة وجسمها متصل من التوتر , وكأن عضلاتها مقيدة بضغط خارجي .
دخلا المنزل معا , وشعرت ناتاشا ببرودة القاعة ترتطم ببشرتها الدافئة مما جعلها ترتجف , واقترحت قائلة " سأذهب لأحضر لنفسي فنجان قهوة , فهل ترغب انت ايضا "

" كي تجعليني صاحيا؟" اجاب لوك بسخرية , ثم عبس فجأة واعتذر قائلا " إنني آسف , نعم , فالقهوة فكرة جيدة"
تبعها الى المطبخ , وشعرت بقوته وقامته تلاحقها , ادارت مفتاح الكهرباء وهي تفكر في هذا المكان غير الرمانسي ستكون قادرة على طرد الأفكار والدوافع التي تقلقها..هنا.. بعيدا عن الظلمة الخفيفة خارجا بإمكانها ان تبعد عن ذهنها تلك الذكريات عن لوك وهو يقترب منها .. ويضع يديه حولها .. بدأت ترتعد قليلا وشعرت بيأس لأنها لم تجد في نفسها القوة على معاملته وكأنه احد معارفها , لذلك قالت بسرعة " لم اشكرك على العشاء .. لقد كان لطفا منك حقيقة "
احست بتوتر حاد يستحوذ لدى سماعها جوابه وهو يقول بصوت أجش " حقا؟ هل تحاولين القول انك استمتعت بالعشاء ؟ لا تزعجي نفسك في الكذب ياناتاشا, لقد كان كارثة .. وكل ذلك بسبب تلك المرأة اللعينة !"
لم تستطع ناتاشا الحراك , ولم تجرؤ على الالتفات وتساءلت اذا كان سيخبرها بالشخصين اللذين اثرا فيه بهذا العمق.
" إنها تشبهها كثيرا , وربما كانت هي, في الحقيقة لست ادري , فهي تعيش في امريكا الجنوبية مع زوجها الأخير"
" زوجها " احست ناتاشا انها مجبرة على السؤال , لكنها تعرف في قرارة نفسها المرأة التي يقصد .
" نعم .. زوجها , امي " اجابها لوك بصوت اجش مؤكدا صحة افكارها , وتابع " المرأة التي جعلتني اكره جنس النساء .. والتي تخلت عني وجعلت والدي يقتل نفسه "
لم تكن لناتاشا أي فكرة اذا كان الشراب هو الذي افقده سيطرته الجديدة على نفسه , ام كان منظر المرأة التي تشبه والدته كثيرا .. أثر فيها منظره وصوته كثيرا مما جعلها تقترب منه آليا وتطوق جسمه الصلب بذراعيها , وتعانقه مطمئنة وكأنه طفل متأذ .. ثم لمست شعر جبهته الناعم وهمست بابتهال من الكلمات المريحة كالذي تستخدمه النساء لعلاج الألم منذ وقت طويل.
ليس لديها اي افكار عن نفسها وعن مشاعرها ورغباتها كل ماتريده فقط هو رغبة عميقة بتقديم العون والمساعدة له .ريحانة
إن عناق المرأة ذو تأثير على الرجل , شرط ان يكون دون رغبة ودون أنانية, بل يكون دعما حقيقيا من شخص لآخر.