كاتب الموضوع :
قَمرْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي
" إنَّ شَمْساً تشرق و تغرب ؛ دون أن تريني إيّاها .. هي ليست شمساً ..
و إنَّ قَمَراً يسهر في كبد السّماء ؛ ولايعكس صورتها .. هو ليس قمراً ..
وإنَّ يوماً يمر ؛ دون أن أطمئن عليها .. هوَ ليس محسوباً من أيام حياتي ..! "
مقتبسة من :
رواية " أنتَ لي "
د.منى المرشود
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
أسعد الله أوقاتكم ..
أحبتي و أخوتي ..
تنويه بسيط .. لمن أراد أن ينقل الرواية يرجى أن يذكر إسمي :
الكاتبة : قَـمرْ !
و من تجاهل ذكر المصدر فليس بحل إلى يوم يبعثون ..
لمن أحب التواصل معي ..
حساب الآسك :
Ask me anything | ask.fm/qamar90writter
أما الآن ؛ سأتيح لكم الجزء الثاني ؛ ليتسنى لكم التعرف و الغوص في الأحداث أكثر ..
أتمنى لكم قراءة ممتعة ..
( 2 )
روما - ايطاليا
هواية عدّ النجوم .. هواية ساذجة لا أكف عنها أبداً .. لا أعرف ما الحالة النفسية التي تسيطر علي في تلك اللحظة حين أقرر أن أفتح نافذتي اللامعة .. أجلب كرسيّ الهزّاز .. أجلس مع فنجان قهوتي و أبدأ بعدّ النجوم دون ملل !
و في كل مرة أخطئ العد .. أما المضحك ، فهو أنني أقوم بالعدّ من جديد !
ألقت نظرة إلى كتبها الملقاة باهمالٍ على مكتبها .. نظرت إليها بملل و قالت في داخلها : افففف وش بيقومني أدرس هالحين ! أنا غبية لو درست من الصبح كان خلصت هالحين و ناايمة و مرتاحة بس أنا كذاا غبيية !!
ضربت رأسها تعاقب نفسها على اهمالها الذي تقع فيه كل مرة ..
في تلك اللحظة دخل أبيها و ضحك حين رآها تتصرف بتلك العفوية و قال : شعندها حبيبة قلب أبوها ؟ لييش للحين صاحية ؟
اقتربت من دفترها و على وجهها تبدو علامات الضيق ..
كتبت : ما أقدر أنام عندي اختبار بكراا !
جلال : و ما درستي ؟؟
كتبت : لاا " و رسمت إلى جانبه وجهاً تعبيرياً حزيناً "
نظر أبيها إلى ساعته ، ثم رفع بصره إليها : شلون بتلحقي الحين ؟ الساعة صارت 1 ما تبي تنامي؟
أشارت له إلى كوب قهوتها بابتسامة ..ففهم أنها ستسهر ..
تذمر و قال : يبه ما يصير لازم تنامي لازم تروحي الاختبار و انتي نايمة كويس عشان تقدري تركزي !
كتبت على دفترها و هي تبتسم بثقة : أفـــآ ياابو سديم ! خايف علي ما أقدر أركز ؟
ابتسم هو الآخر بقلة حيلة : يبه ربي يرضى عليكِ كل شي إلا صحتك اذا حسيتي نفسك تعبتي ناامي و لا تفكري في أي شي ان شالله تاخذي صفر في الاختبار المهم تكوني بخير ..
أشارت له بسبابتها على عينيها و كأنها تقول : من عيوني لا تخاف ..
قبّل جبينها الدافئ بحنيته المعتادة ؛ ثم مضى خارج تلك الغرفة و هو يفكر في كلام صديقه الدكتور .. مشتاق هو لأن يعود و يسمع صوتها بعد أن كبرت و أصبحت صبيّةً في الجامعة ، مشتاق لضجيجها و ازعاجها الذي حُرِم منه منذ خمس سنوات !
لكنه يخاف أيضاً أن يقدّمها لتلك العملية فتفشل ، فتجلس بعدها سديم تبكي حظها و يعودوا إلى دوامة ارضاءها و ايقاف بكاءها ..
*
السعودية - الرياض
لا فرق فيمن تسجد تدعو الله أن يحفظ أبناءها ؛ و فيمن تسجد تدعو الله باكية أن يرد لها أبناءها .. اكتفى فيصل بحثاً ، و قالها كلمة ً ، لو كانوا اختفوا في قاع الأرض لوجدتهم ! لا بد أن هناكَ جنيّةٌ ما سحبتهم و أختفهم في مكان بعيد .. جلس أمامها بعجزٍ ينظر إليها و هي تبكي و تتوسل الله أن يعيد لها طفليها ! ذلك اليوم الرابع من دونهما ..
في أجواء الفجر الهادئة هذه ، و التي يشعر فيها أجمع الناس بالسكينة و هم يقفون بين يدي بارئهم .. طُرِقَ باب المنزلْ ..
لم يترك مجالاً لنفسه حتى أن يفكر في الطّارق ، كل ما أخبرته به أبوَّته أن أحد طفليه سيراه قريباً ..
فتح الباب متلهفاً ، نحيل الجسد أشعث الشعر .. رجلٌ من الأمن يمسك بيده الصغيرة و يضغط عليها ..
نظر إلى طفله بدهشة ؛ لا يصدّق أن ابنه الجميل قد أصبح بذلك الشكل الآن !
انخفض بمستواه فجلس على ركبتيه ، فتح ذراعيه و قال بابتسامة باكية : تعال يا عمر أبــوكْ !
ركض خليل إلى أحضان أبيه و هو يبكي بكاء الطفل الرجل ! الذي لم يستطع أن يفعل لأخيه شيئاً .. الطفل الذي ترك توأمه ملقىً في الأرض دون أن ينقذه ..
نظر فيصل إلى الشرطي بامتنان .. وقف معتدلاً و قال بابتسامة خرجت منه بصعوبة : مشكورين ما قصرتوا ! بس وين أخوه ؟؟
الشرطي : صراحة ما لقيناه ، خليل كان بروحه !
هزّ رأسه ، متوتراً و خائفاً .. أين اختفى الآخر ؟
مدَّ يده و سلّم على الشرطي .. أغلق الباب خلفه .. ثم نادى بصوتٍ فَرِحٍ و خائفْ : ســلــوى .. تعـالي ..
أكْملتْ الآية حتى آخرها .. انتهت منها و هي تقول " صدق الله العظيم " ..
خلعت ثوب الصلاة ، ثم تحركت ببطئ نحو الصالة .. تراكمت الدموع في مقلتيها .. ركضت نحو " خليل " و احتضنته بشدة حتى كادت تخنقه !
بلهفة كانت تتمتم : يا عمري إنتْ يا بعد قلبي ! الحمدلله إن ربي ردك لي الحمدلله
وين أخوك حبيبي ؟ وين غدي ؟
جلس " خليل " أرضاً ، و قال بحقد : ذاك الرجال ضربه و خلاه يموت صرت أناديله أناديله ما رد علي ، ما قدرت أشيله وأهرب ويّاه !
شهقت سلوى و هي تضع يدها على فمها عندما سمعت تلك الكلمة " يموت " ؟؟!
همس لها فيصل : يمكن فقد وعيه استهدي بالله يا بنت الحلال ، خلينا نفهم من الصبي ..
التفت إلى طفله و قال : يبه حبيبي ، وين كنتوا ما تدري وين كنتوا ؟؟
خليل : لا ! كان مكان وااسع و يخوّف و كان الرجال يخووف و معصب طول الوقت و كان ييجي عنده رجال يشتمهم و يضربهم !
فيصل : طيب يا قلبي ما تعرف وش اسمه ؟
هزّ رأسه بـ " لا " .. ثم أتاح لخياله العنان ..
اقتربت منه أمه الباكية وأمسكت بيده : حبيبي تعال نتروش و ناكل ! ما جعت ؟
تجاهل كلماتها و هو يمشي على خطاها : يمه ! الحين منو يعاقب هذا الرجال اللي خطفنا ؟
سلوى : ربنا يعاقبه حبيبي ..
خليل : طيب بيظل كذا ما في أحد من البشر يعاقبه ؟!
ابتسمت سلوى مجبرةً : لا حبيبي شلون عاد ! في شرطة و محققين اهمة يدورونه و يلاقوه ؛ يلا حبيبي وقّف هنا عبال ما أجيبلك شي تلبسه ..
تركته واقفاً أمام الباب ؛ يتخيل نفسه و هو ينتقم لأخيه .. يتخيل نفسه محققاً ترفع له القبعات احتراماً .. لن ينال أحدٌ من ذلك الرجل سوى طفلاً حاقداً أضاع توأمه بين يدي مجرم كذلك !
*
السعودية - جدّة
أطلّ بابتسامته الساحرة ليلقي نظرة على تلك الحسناء التي تقيم هنا منذ أعوام طويلة .. كبرت تلك الفتاة أمام عينيه ، لكنه لم يجرؤ يوماً أن يقول لها " عيناكِ ليالٍ صيفية ، و رؤى و قصائد وردية " ..
كان الحزن الذي يرتسم في معالم وجهها أقوى بكثير من أن يعترف لها بكلمة واحدة .. لكن ، ما كذب من قال أن إحساس الأنثى لا يَخيب أبداً ..
" عـَزَّة " كانت ترى الاعجاب في عينيه دائماً .. نظراته الحادة التي تكاد أن تلتهمها كانت واضحة لها على الرغم من محاولاته في اخفاءها ..
رغم جفاءه في تعامله معها لكنها تعرف أنه يخفي في قلبه عشقاً جباناً لا يجرؤ على البوح به !
في كل مرة يقف خلف الباب بهدوء و يراقبها و هي تسرّح شعرها الحريري القصير .. و في كل مرة تراه أمه و توبّخه ، يشعر بالندم.. و لكن أقدامه تجره إلى المكان ذاته في كل يوم !
تنهد و التفت بجسمه لينزل إلى عمله .. فوجد أمه أمام الباب متكتفة تنظر إليه بعتب : يعني دام إنها عاجبتك ليش مجافيها ؟! حرام عليك البنت متعذبة فييك !
ابتسم بفخر : ما في وحدة شافتني إلاا و تعذبت عشاني
: بس هذي زوجتك ! مو بنت من الشارع
دون أن ينظر إليها و هو يلعب في جواله أجابها : و انا ماتزوجتها حباً فيها أنا تزوجتها عشان مثل ما قلتوا " الحلال و الحرام " ..
أم طلال : يا حبيبي هذي بنت خالتك و بنت يتيمة مسكينة المفروض انت تكون سند لها موو تكون انت و الدنيا عليهاا
طلال اقترب منها و قبّل جبينها : يمه عزة مو ناقص عليها شي ؛ تآمرين على شي ؟
ربتت على كتفه و قالت : الله يهديك و يرضى عليك ؛ انتبه على نفسك
ابتسم لها و أكمل طريقه ليذهب إلى عمله .. عَزَّة كانت تسمع تلك الكلمات الجارحة التي تفوّه بها رجلاً عشقته منذ طفولتها .. لكنه لا يلقي لها بالاً ولا يهتم بها ، و مصر على أن يفي بالعهد الذي أخذه بألا يتزوج بعد وفاة زوجته الأولى !
*
روما - ايطاليا
دققت النظر في ساعتها .. قيل أن د.سيمون .. لا يعطي محاضرة بعد امتحانه الأول ..
تأخر لمدة 10 دقائق ، لا بد أن تنهض من مكانها و تذهب إلى المكتبة لتدرس ، علّها تعوض ما خسرت من درجات في أول اختبار قدّمته لهذا العام ..
سارت بهدوءٍ حتى وصلت إلى باب القاعة .. رأته أمامها قد وصل إلى آخر درجة .. تأففت بخيبة و هي تلاحظ أنه يحمل مجموعة من الأوراق يبدو أنها أوراق الاختبار !
عادت إلى مكانها في الصف الأمامي .. دخل الدكتور بابتسامته التي اعتادها طلابه ..
د.سيمون : good morning
رد الطلاب بأصوات متفرقة : good morning
د.سيمون : there is no class today , I want to give you your marks .. the highest mark in the class is for the student " Sadeem Jalal AlShammari "
( لن يكون هناك درساً اليوم ، سأقوم بتوزيع العلامات ، أعلى علامة حصلت عليها الطالبة سديم جلال الشمري )
نظر إليها و ابتسم ! أما هي فكانت لا تصدق ما سمعته.. تعرف و متأكدة تماماً أنها لا تنجح في هذا الاختبار .. كان جميع من في القاعة يلتفتون إليها بتعجب !
أكمل الدكتور : I've recorded your mark sadeem , its 25/30 , but I'm sorry , I've lost your paper .. please , visit me in my office to make sure from your mark !
( قمت بتسجيل علامتك ، 25/30 .. أعتذر لكنني أضعتها .. أرجو أن تزوريني في مكتبي للتأكد من علامتك "
هزّت رأسها بالموافقة دون أن تستوعب ما سمعت ! اقتربت منها " ريم " و همست ..
ريم : هو انتي مش قلتي انك ما كتبتيش كويس في الاختبار ده ! ازاي يقول انك خدتي أعلى درجة ؟
التفتت إليها بدهشة بنظرة تسألها عن مقصدها .. فكانت ابتسامة ريم الخبيثة هي الرد !
توترت سديم ؛ و بدأت تطرق بأصابعها على ساعتها .. ربع ساعة مرت عليها كربع قرن ؛ تريد أن تفهم ما الذي يجري؟ و كيف حصلت على علامة مرتفعة كتلك ؟
خرجت سديم برفقة ريم متوجهتان إلى مكتب الدكتور .. وصلتا فطرقتا الباب ..
نظر د.سيمون إلى سديم و ابتسم : come
( تعالي ) ..
بتوتر دخلت برفقة ريم .. لكن الدكتور سيمون قال لها : reem , please get out
( ريم أخرجي من بعد اذنك )
نظرت إليها ريم بقلق ، فقالت : ما تخافيش أنا بره ..
خرجت ريم و تركت قلبها الخائف عند صديقتها سديم التي ارتعشت وانتفض جسدها عندما سمعت صوت إغلاق باب المكتب !
اقترب الدكتور بابتسامة ساحرة من سديم .. و طلب منها الجلوس ..
مدّ يده و سحب ورقة عن الطاولة ، ثم مدها لسديم ..
مسكتها سديم و قد عرفت أنها ورقة اختبارها ، و الدرجة التي حصلت عليها في الحقيقة هي 12/30 ..
نظرت إليه بتعجب و استفهام .. أخرجت قلمها من حقيبتها و كتبت على الورقة : why
قال بهمس : because you are luscious
( لأنكِ فاتنة )
ابتعدت حين شعرت أنه يتمادى في التقرب منها .. و ابتعد هو الآخر حين شعر بخوفها ..
: don’t worry , I'll never hurt you ! Sadeem , believe me , I cant think about anything except you .. I love your silence
( لا تخافي ، أنا لن أؤذيكِ .. سديم صدقيني ، أنا لا أستطيع أن أفكر في شيء سواكِ .. أنا أحب صمتك ! )
انتشلت ورقة من دفترها بغضب .. كتبت عليها بأحرف متوترة متشابكة : please doctor , be careful , I'm just a student
( أرجوك دكتور ، انتبه.. إنني مجرد طالبة )
وضعت تلك الورقة على الطاولة و خرجت بقلب ينبض بسرعة و وجه محمر خوفاً وخجلاً .. سيمون قرأ تلك الكلمات بابتسامة مبهمة ! طوى تلك الورقة و وضعها في جيبه ، ثم عاد ليجلس على كرسيه و غرق في أفكاره اللامتناهية !
وصلت سديم إلى الكفتيريا ، جلست و هي تضع رأسها بين يديها و تحاول أن تستوعب ما حدث قبل قليل .. تركتها ريم لتذهب إلى محاضرتها .. فاقتربت منها " رشـا " صديقتهما اللبنانية ..
جلست أمامها و هي ترفع النظارة عن عينيها و قالت : هااي سوسو ! شوبك ؟؟
رفعت نظرها إليها و لم ترد ..
رشا : سديم ؟ صاير معك شي ؟
فتحت جوالها و كتبت عن تصرفات الدكتور سيمون معها !
رشا بدهشة : مجنوونة انتي ! معقول يصحلك تحكي الدكتور سيمــون و ترفضي ؟ انتي بتعرفي انو بنات الجامعة كلن قتلوا حالن كرمال يعملوا معو علاقة ؟ و على فكرة و مش رح اخجل منك أنا من هالبنات !
بس انوو ! هو ما بيعرف إنك مسلمة ؟ كيف بدو يعمل معك علاقة و هوة مسيحي ؟
نظرت إليها نظرات حاقدة ، ثم كتبت : على فكرة ما قال لي أنه يبي يسوي معاي علاقة لا تقعدي تهرجي
رشا : بس طريقتو معك بتدل على هالشي .. خسارة ، حاولت كون رفيقته بس رفض .. مع إني أنا وياه من نفس الديانة ! ما بعرف ليش اختارك مع إنك ..
صمتت حين شعرت أنها ستتفوه بكلمة جارحة.. ابتسمت سديم و كتبت : مع أنني بكماء ؟
قرأت رشا و صمتت .. فكتبت سديم : على فكرة.. تدري شنو قال لي ؟؟قال لي I love your silence !
أمالت شفتها السفلية معبرة عن حرجها : أنا .. مش هيك قصدي .. امم كنت بقصد الديانة ..
ابتسمت لها سديم .. حملت حقيبتها و كتبها ، و سارت في ذلك الطريق الطويل .. مصارعة تحدث في دماغها من الصادق و من الكاذب ؟ ريم تقول أنه لعوب ولا يترك فرصة للفتاة أن تنجح إلا إذا سلمته نفسها .. و رشا تقول أنه لم يقبل أي فتاة في الجامعة عرضن أنفسهن عليه !
*
السعودية - جدّة
العاشرة و النصف مساءاً .. في كل ليلة من هذا التوقيت .. يعود منهكاً ، يدخل جناحه .. يأخذ ملابسه و يستحم .. يستلقي في سريره يتابع برامج الأخبار .. ثم يذهب في رحلة طويلة مع النوم ..
" عـَزّة " ، تقضي نصف الليل و هي تتأمل ملامح رجولته الذباحة ..
شعره الأملس البني .. غمازته المختبأة في قعر خدّه ، الشيب القليل الذي يغزو لحيته متوسطة الكثافة .. ثم و قبل أن تنام تضع يدها على قلبه لتسأله .. هل أنت بتلك القسوة يا طلال ؟
عندما دخلت البيت هذا و يُتِّمت .. عندما قال لها الجميع أنكِ ستعيشي هنا عند خالتك.. كان هو شاباً يدرس في الجامعة طب الأسنان .. و كانت هي لا تتجاوز العاشرة من عمرها .. لآعبها كثيراً و قضى سنين حياته يحاول أن يخفف عنها كربتها .. عشقته و ظلت دائماً تذكر رائحة عطره التي علقت في أنفها عندما احتضنها حين كانت طفلة تبكي ليلاً تناجي أمها !
و في ذلك اليوم الذي تزوج فيه من ابنة الجيران التي كان يعلم الجميع بعشقه لها .. رقصت و ضحكت كثيراً حتى دمعت عيناها .. و عندما استنتجت أنه الآن يجلس في أحضان امرأة ستكون له العالم بأكمله .. فقدت عقلها و بدأت تبكي بهستيرية ..
ها هو اليوم أصبح طبيب أسنانٍ مشهور .. يبلغ الرابع و الثلاثين من عمره .. و هي لا زالت في الثانية و العشرين .. توفيت زوجته .. و اقترحت أمه زواجه من ابنة خالته كي تأخذ راحتها في ملبسها و مأكلها و دخولها و خروجها ..!
لكنه مذ توفيت زوجته توفي معها قلبه .. دفنه معها في قبرها.. يقسو عليها كثيراً .. ويجرحها كثيراً .. لا ينكر أنها جميلة و أن كل من رآها سأل عنها ليخطبها .. لكنه لا يرى الأمر مناسباً أن يعيش مع " عَـزّة " ما عاشه مع " ريتال " ..
*
ربيع 2003 - شهر أيـآر
السعودية - الرياض
" خَليـلْ " لا يعرف ما سرتحفظه على اسم الشارع الذي قرأه على اللافتة حين هرب من بين يدي ذلك السفاح .. ولا يعرف لمَ قرر الاحتفاظ باسمه و لم يذكره أمام أحد ..
الجميع توقع أن يعيش الطفل حالة نفسية سيئة بعد ما مرّ به من اختطاف و فقدان توأمه ..
لكن الغريب في الأمر أن تلك الحادثة زادته قوة و جأشاً ..
أصبح يمتلك من العدائية ما يكفي ليضرب و يتهجم على كل من يحاول ايذائه دون أن يسكت لأحد مهما كان !
في احدى الأيام و هو يجلس على مائدة الطعام ..
سأل أبيه : يبه ، أنا اذا بطلع محقق ايش أدرس ؟
فيصل: حبيبي في مدارس و معاهد خاصة للتدريب على هذي الأمور .. ليش تسأل ؟
توقف خليل عن الأكل و هم بالعودة إلى غرفته : ما في شي .. أنا شبعت ..
تحرك إلى غرفته و تبعته نظرات أبيه القلقة و أمه الباكية ..
التفت فيصل إلى سلوى و قال : شفيكِ يا حرمة على ايش تبكي ؟
وضعت يدها على فمها لتكتم صوت أنينها ، ثم قالت : على ايش أبكي ؟؟ ولدي من 3 شهور ماله أثر في هالدنيا و انت تقول لي على ايش أبكي ؟
اقترب منها و احتضنها محاولاً أن يمنع نفسه من البكاء هو الآخر : قولي يا رب و ان شاء الله الشرطة بتلاقيه لنا ..
بدعوة تنبع من أعماق قلبها : يــــــــا رب ..
*
روما - ايطاليا
مسكت ورقة اختبارها بخوف.. تشعر أنها المرة الأولى التي تتقدم فيها لاختبار جامعي .. هذا تماماً ما يحصل معها كلما دخلت قاعة اختبار .. كانت تلك المرة الأولى التي يقوم فيها سيمون بكتابة أسماء الطلاب على الأوراق بنفسه وسلمهم الأوراق حسب أسمائهم و أرقام جلوسهم..
حين استلمت سديم ورقتها .. صعقت بما رأته مكتوباً بالحبر السائل في طرفها ..
" لا تتوتري أيتها الجميلة ، ستنجحي في هذا المساق .. فقط دعيني أرى ابتسامتك في وجهي لمرة واحدة .. لا أصدق أنها المرة الأخيرة التي سأراكِ فيها هذا العام ! "
مسحت بكفيها وجهها و صوت أنفاسها المتسارع يملأ المكان ..
فتحت قلمها و كتبت بغضب :" أتعرف أن هذا يسمى غُش ؟ و أتعرف أنني لا أقبل به أبداً ! "
وقفت و هي تحمل حقيبتها و وضعت تلك الورقة أمامه ، دون أن يقرأها نادى :
Sadeem , you cant leave now .. you have to wait at least for 30 minutes !
( سديم ، لا يمكنك أن تغادري الآن ..عليكِ الانتظار على الأقل نصف ساعة ! )
نظرت إليه بحقد و بدأت تضغط بيدها على حمّالة حقيبتها .. اقتربت و جلست في مقعدها و النيران تشتعل في داخلها و هي تراه يقرأ ورقتها عابساً ..
*
" في احدى الأيام قطعاً ؛ سيسهر في ليل شعرها .. سيسهر ويطيل السهر ، سيتجول في غابات عينيها حتى تصبح الدنيا .. و ليقطعنّ على نفسه عهداً .. أن يقتل نفسه في جسدها ، و أن يدفن روحه في حجرات قلبها ! "
تأملها كثيراً و هي تقف أمامه مبتلة الشعر .. متزوج بها منذ عامين و لم يصدفها بشعر خيلي مبتل !
ابتسمت خجلاً حين شعرت أنه بدأ يختفي في أعماقها .. كان دوماً يقول أنه لا يحب الفتاة التي تلقي بنفسها إلى الرجل .. " عَـزّة " ، عشقته كثيراً و لم تبح بعشقها يوماً .. ولم تحاسبه قط على اهماله لها !
تهتم بالقراءة و الأشعار .. لا تغريها المسلسلات التركية المدبلجة أو الأفلام الرومانسية .. لا تبكي عند موت بطل في فيلم هندي !
عانت كثيراً في حياتها ، و أغلى ما تمتلكه في الدنيا دمعتها.. و لا تسمح لها بأن تسقط أمام أي شيء لا يستحق .. حتى أنها تدوس قلبها بكعب حذائها .. و تعامله بالجفاء ذاته ..
مرت من أمامه و رائحة عطر جسمها مرت معها : خير وش فيك متنح ؟!
تنحنح و هو يستعيد صوابه : احم؛ لا ما في شي ..بقول لك تنزلي تساعدي أمي في تحضير الحلى جاييني ضيوف ..
جلست أمام مرآتها الصغيرة تنشف شعرها .. ابتسم على طريقة تفاعلها مع الأمور .. تتجاهله و الاهتمام يكاد يخرج من عينيها .. لا تسأله من هؤلاء الضيوف ! على الرغم أنها ستموت لتعرف ..
مكابرة تلك الفتاة .. إلى حدّ لا يطاق ..!
( انتهى )
أعلم أن الجزء قصير ..
الرواية لا زالت في بدايتها و سرد الكثير من الأحداث سيشتت القارئ .. سأكتفي بهذا الحد إلى هنا اليوم ..
و الآن .. ما هي توقعاتكم للجزء القادم ؟
1- إلى أين ستصل العلاقة بين الدكتور سيمون و سديم ؟
2- عـَزّة و عاشقها المتكبر طلال ؟
3- الطفل خليل ..! لماذا يخفي أسراراً كان من الممكن أن تنقذ أخيه ؟!
4- من الصادقة في وصف الدكتور سيمون .. رشـآ ؟ أم ريــم ؟!
أسعدوني بتواجدكم أخوتي ..
أختكم / قَمـرْ !
|