كاتب الموضوع :
قَمرْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي
صباح الخير ، تقبل الله طاعاتكم ، أعتذر عن تأخري في نشر التكملة لكن المنتدى منعني من إضافة أكثر من 10 ردود ، و بعدهاا انشغلت شوي ..
أترككم مع التكملة للجزء 11 ..
*
كم من الصعب جداً على العاشق ، شرقياً كان أم غربياً ، أن يعلم أن حبيبته اليوم ستصبح ملكاً لغيره ، رغم أنه لم يعايش معها حالة حب كما تمنى ، رغم أنه لم يسمع صوتها يوماً ، إلا أنها سيطرت عليه و على كافة حواسه .. كأن الدنيا تغلق أبوابها في وجهه اليوم ، كأنها تقول له لا مكان لك عندي ... منذ طفولته كان يحلم أن يجرب شعور العشق حقاً ، ذاك الذي كان يراه في الأفلام ، العشق الجنوني ، كان يتمنى أن يعيش معها حباً يحارب فيه الدنيا ، كما حارب مجنون ليلى ، لكن القدر و الدنيا كلها كانت تقف ضده ، كان يخاف العشق لكثرة ما سمع عن ذله و تعبه .. لكنه سقط فيه دون أن يشعر ، و دون إرادته ، وجد نفسه غارقاً في امرأة تفاصيلها أعقد من أن يفهمها ، تفاصيل وجهها ، ضحكتها و حزنها و بؤسها و صمتها ، جسدها الهزيل الذي تخرج منه قوة تضاهي قوة الجبال .. دون أن يشعر وقع أسيراً لها ، أسيراً لامرأة لا تعرف أنه أسيرها ، فلا هي قتلته ، و لم تعتقه يوماً ، تركته حائراً بين قضبان عشقها ، لا يجد أي جواب لأسئلته ..
تقدم من الباب و هو يترنح و ينظر إلى ساعته مستغرباً من زيارة أحدهم في هذا الوقت المتأخر ، وصل بصعوبة إلى الباب ، فوجد ريم أمامه تقف بفستانها الخمري ، تنظر إلى حاله الرثة بشفقة و تقول : هل يمكنني الدخول ؟؟
أفسح لها المجال و قال بكلمات مختلة : اووه ريم ! تبدين رائعة ..
دخلت و هي تنظر إلى الصالة التي تملؤها الفوضوية ، و زجاجة خمر فارغة على الطاولة ، و الأخرى في يده ، جلست و قالت : يبدو أنك مررت بيوم صعب !
تبعها إلى الصالة و جلس أرضاً ، شرب الكثير من الخمر قبل أن يرد : كان صعباً جداً ، سديم تزوجت ..
التزمت الصمت و هي تنظر إليه بعتاب ، كيف يشرب الخمر بتلك الشراهة ، و ما علاقة الخمر بالحزن في معتقداتهم ؟ عم الصمت بينهما ، هو يشرب بلا رحمة ، و هي تفكر فيه و تستذكر ذلك اليوم الأول الذي داست فيه بيته ، كان بحالة تشبه حالته تلك ، ثملاً لا يعرف ماذا يفعل ، لكنه لم يكن حزيناً ، كان سعيداً جداً ، حين ترقى في رتبته في الجامعة ، خرج ليحتفل بنجاحه في إحدى الملاهي ، ليجدها هناك تسهر مع صديقاتها ، انتهى الاحتفال ذلك برغبة قضاها كما كان يفعل مع أي فتاة يصادفها في مكان كذلك ، و مصيبة حلت على رأس ريم لا تعرف الآن كيف تتخلص منها ..
قالت بهدوء : سديم ، لم تتزوج .. طالب لم يأتِ .. تركها اليوم ..
نظر إليها بعينين ذابلتين ، كأنه لم يستوعب ما سمع منها ، بدأ يضحك بهستيرية و يتفوه بكلمات بالإيطالية لم تفهمها ريم .. نظرت إليه مطولاً لتحاول أن تفهم سبب ضحكه ، سألته كثيراً : ما الذي يضحكك سيمون ؟؟؟
لم يجبها ، ظل يكرر ذات الكلمات بالألمانية و صوت ضحكاته يتعالى ، ليعديها أخيراً بداء الضحك الهستيري ، فجلست إلى جانبه و أخذت تضحك معه دون أن تعرف السبب !
*
السعودية – الرياض
ودّعه عند باب المنزل بعد أن اتفقا على اللقاء غداً ، تركه راشد ، و توجه هو نحو بيته ، إلا أن ثلاثة رجال ملثمين اقتربوا منه و غطوا أنفه بمنديل عليه مادة منومة ، حاول أن يتفلت منهم لكنها ثوانٍ كانت كفيلة بأن تفقده وعيه ، و يرتخي جسده بين أيديهم ليحملوه إلى السيارة المظللة بسرعة ، و يتحركوا دون أن يُشعروا بهم أحداً ..
خلال ساعتين من الزمن ، في مكان معتم يتوسط سقفه نور أبيض خفيف ، بدأ يفتح عينيه بانزعاج و يشعر ببعض الصداع في مؤخرة رأسه ، شعر بعدم قدرته على الحركة ، عدم اتضاح الرؤية لديه في أول دقيقة منعه من رؤية الحبال التي تربطه فوق الكرسي ، بعد دقائق ، حاول أن يصرخ و لكن هناك أيضاً ما وضع على فمه ليمنعه من الكلام ،
كان يجلس أمامه رجل متلثم و مغطى بالكامل ، لم يستطع أن يعرف من ملامح وجهه شيئاً ، قال بصوت مخيف : يعني يا فواز انت اجبرتنا نتصرف معاك بهالطريقة ..
لم يكن أمامه سوى لغة العيون ، التي سألهم بها : من أنتم ؟ و ماذا تريدون ؟ و لماذا جئتم بي إلى هنا ؟
ضحك بصوت عالٍ و مريب ، ثم قال : انا جبتك هنا عشان أربيك ، هذا ثالث تنبيه لك ، في الأول طلبنا منك تسحب المقال بأدبك و احترامك ما رضيت ، هاجمنا بيتك و ما فهمت ، واضح إن جلدك يحكك ، و ما راح تنعدل إلا لين أربيك بايدي !
حاول أن يحرك الكرسي ليعلن عن غضبه ، بدأت حرب النظرات الحاقدة بينهما ، حتى غمز فواز بعينه لذلك الرجل كأنه يقول له أنه لن يثنيه عما يفعل إلا الموت ..
صرخ على رجاله : توصوا فييه ، ما أبي ينسى هاليوم بحياته ..
*
روما – إيطاليا
استند إلى الباب بعد أن قرع الجرس ، كان مرهقاً من كل شيء مر به اليوم إلا من الضربات التي تلقاها مؤخراً من عمه جلال ، فتحت له الباب لتفاجئ بمنظره .. قميصه الأبيض ملوث بالدم ، و وجهه يقول أنه مر بألف حادث قبل أن يصل إليها .. اقتربت منه لتمسك بذراعه و تقول : طاالب ! شو صاير من عمل فيك هيك ؟
لم يكن قادراً على الرد ، و بالأحرى ، لم يشعر برغبة في فتح أي حديث معها .. دخل بهدوء و حركات بطيئة ، استلقى على الكنبة بارهاق و أغمض عينيه و هو يفكر في كابوس اليوم ، متى سينتهي ؟ ترى ما هي حالتك الآن يا سديم ؟ أتغفري لي ركام الخيبات تلك التي خلفتها في قلبك ؟ لكنني سأكره نفسي تلك المرة إن عفوتِ ، أنا لا أستحق غفرانكِ ، ولا أستحق حتى دمعة تنزف من قلبك الطاهر ، لو تعلمي يا سديم أنني لا أستحق ، لو تثني صفحتي في كتابك إلى الأبد ،أو حتى تمزقيها و تحرقيها ، لأتحول إلى مجرد فتات من الرماد ، يكنّس و يلقى في سلة المهملات .. لو تدوسي علي كما تدوسي على أي حشرة مؤذية ترينها .. فأنا و بكل ضعفي و هواني أعترف ، لا أستحق إلا أن أُسحَق تحت قدميك ، و كم يكون مشرّفاً لي ، أن تسحقيني أنتِ ، أنتِ وحدك من بين نساء الأرض جميعاً ، بكعب حذاءك ..
جاءت من المطبخ و هي تحمل صحناً فيه ماء بارد و منديلاً ، و كيساً من الثلج بيدها الأخرى .. جلست أمامه على الطاولة ، عصرت المنديل بيدها و وضعته عند فمه ، دون أن يفتح عينيه أمسك بيدها و أزاحها جانباً رافضاً مساعدتها ، كأنه يتمنى أن تدوم تلك الكدمات على وجهه عمراً ، علها تمحو ما اقترف من ذنوب بحق محبوبته .. علها تكفر عنه سيئاته ..
رشا : أكيد هيدا أبوها لسديم عمل فيك هيك !
لم يرد عليها و لم يؤكد كلامها ، فأردفت : العمى شو هالهمجية ، شو في تار بيناتكن ليعمل فيك هيك ؟؟ شو هيدا يا عمي شو الجواز بالغصب ؟؟ يعني يا بتتزوج بنته يا بيموتك عالخالص ؟
تأفف من كثرة كلامها المسيء الذي لم يجد له داعٍ أبداً ، قال بهدوء ، و بصوت مبحوح : رشا أتوقع اللي تبيه صار ، ماله داعي هالكلام ، تكلمي عنهم باحترام .. و الأحسن تسكتي لأني مو قاادر أسمع أي كلام ..
ابتسمت بخفوت و قالت و هي تتحسس خده : طيب حياتي قوم خود شاور و ارتاح بغرفتي .. لازم تنام انت تعبت اليوم ..
دون أن ينظر إليها ، و دون أن يرد عليها ، توجه بحركات غير متوازنة نحو الحمام ، كم كان يومه مرهقاً ، يشعر أنه جُلِد كثيراً اليوم ، كل قطعة في جسده تؤلمه .. قلبه يكاد يخرج من بين ضلوعه كثر ما نبض اليوم .. عقله منشغل بسديم ، يود لو يذهب إليها الآن ليطمئن على حالها ، ترى ماذا تفعلين الآن ؟ و ما هي حالتك ؟
خلع جميع ملابسه و ألقاها أرضاً ، أخذ ينظر إليها بندم ، تلك الملابس كانت ما سأرتدي في يوم فرحي ، إلا أنها اليوم لا تذكرني إلا بعزاء أقيم في قلبي ، لا تذكرني إلا بالخنجر الذي غرسته في ظهر سديم ليخترق قلبها و كامل جسدها .. جلس تحت الماء البارد دون أن يشعر ببرودته ، بدأت الدموع تنهمر من عينيه بصمت قاتل ، كم يصعب عليك أن تكون أبكماً في عز حاجتك للصراخ و البكاء .. كم هو صعب يا سديم ..
-
دخل إلى غرفتها و قد بانت على شكله علامات التعب ، كان يبدو أنه عائد للتو من مناوشة كبيرة ، لكن ذلك لم يجعل سديم تتحرك من مكانها أبداً ، كانت تجلس ضامة ركبتيها إلى ذقنها فوق سريرها ، بفستانها ذاته ، تنظر في الأفق ، الدموع متجمعة في محاجرها لكنها تأبى النزول .. تظل في مكانها حتى تجف ، ثم يأتِ بدلاً منها ، شلالاً آخر من الدموع ، يطرق باب عينيها مجدداً ، فتأبى أن تفتح له ..
اقترب منها والدها بإرهاق و قال و هو يعلم أن كلامه لن يغير شيئاً : يبه ، قومي غيري فستانك و نامي ..
رفعت نظرها إليه دون أن ترفع رأسها عن ركبتيها ، كأنها تستهجن طلباً كذلك .. كأنها تقول أرجوكم ، اتركوني أعيش الحزن كما يجب ، اتركوني أقوم بأداء الواجب تجاه قلبي ، لأحزن و لأبكي .. تلك خيبة يا أبي ، لا يمكن تجاوزها كما تتخيل .. أتعرف ما معنى أن تُترك الفتاة في ليلة عقد قرانها ؟ أتعلم ما معنى أن ينتهي يومي هذا دون أن أرقص و أغني و أفرح ؟ دون أن أمسك بيده لأقول أمام العالم كله هذا زوجي و حبيبي ؟ أتعلم ما معنى أن ينتهي يومي دون أن أضع في خنصري الأيمن خاتماً نُقِش عليه اسمينا و تاريخ يومنا هذا ؟
لِم اخترت يومنا هذا بالتحديد يا طالب ؟ لِم لم تتراجع مِن قبل ؟ لماذا أردت أن تذيقني أقسى أنواع الإهانة و الكَسْر ، ماذا فعلت أنا حتى أُعاقب هكذا ؟
كانت عينيها تحكيان كلمات أقسى من كل الأفعال ، كلاماً لا يمكن لأي كان أن يفهمه .. دفنت رأسها بين ركبتيها ، استنشقت نفساً طويلاً ، جعلت أبيها يعلم أنها لن تستجيب لطلبه الآن ، فاكتفى بتقبيل رأسها بألم ، و خرج من غرفتها مخذولاً ..
*
حتى في صورنا لا توجد لنا ذكرى جميلة يا طلال ، حرمتني حتى من ابتسامة مزيفة في صورة يوم كهذا ، كأنك أردت أن توثق هذا اليوم كأتعس يوم في حياتك ..لا أدري ما الذي يرغمني على البقاء معك ، رغم أنك لم تصر علي في البقاء ، و رغم أنك لم تحاول حتى أن تجد حلاً لمشاكلنا العالقة .. حتى حين فرضت عليك أن ينام كل منا بانفصال عن الآخر لم تمانعني ، بتّ متأكدة أن تغيرك معي في المستشفى ما كان إلا شعوراً مؤقتاً بالندم و تأنيب الضمير تجاهي ..
تنهدت تنهيدة طويلة أخرجت كل ما بداخلها ، أغلقت ألبوم صورها ، و خرجت إلى الصالة إذ لا زالت تسمع صوت التلفاز من الخارج ، فقالت بينها و بين نفسها بهمس : معقول للحين ما نام ؟
حين وقفت عند باب الصالة وجدته يغط في سبات عميق ، و قد نسي التلفاز مفتوحاً ، ينام بعمق و هو يضع يداً فوق رأسه و الأخرى على بطنه .. ابتسمت و هي تراه بتلك الوضعية ، كم يبدو الإنسان بريئاً أثناء النوم ، كأن كل الصفات التي ألصقت به رغماً عنه من قذارة الدنيا ، تغفو أيضاً و تختبئ في حجورها أثناء النوم ، فلا يظهر عليه إلا الطيبة و البراءة و الجمال ، ربما هذا سر ازدياد جمالكَ يا وجعي و أنت نائم ، ربما هو ما يجعلني أعشق تأملك في نومك .. اقتربت منه بخطوات هادئة كي لا توقظه ، أغلقت التلفاز ، ثم تقدمت من الغطاء المطوي إلى جانب قدميه ، فتحته و اقتربت منه لتغطأه ، لكنه كان يضع شيئاً ما تحت يده النائمة فوق بطنه ، يخفيه بعناية ، و ربما يحتضنه .. بهدوء لمست يده لتبعدها عن ذلك الشيء ، أخذته لتلقي نظرة إليه ، كم أنت مؤلم يا طلال ، أنا في الداخل أتأملك ، و أنت هنا تتأمل ريتالك .. دققت النظر في شكله و أخذت تقارن ما بين الصورتين ، كان الفرح مترجماً في عينيه ، و شفتيه ، في كل أجزاء جسده الملتصق بجسدها كأنه يود أن يمتزجا معاً ليصبحا جسداً واحداً .. بسرعة وضعت الصورة فوق الطاولة ، و لتوترها تحرك جهاز التحكم من مكانه ليصدر ضجيجاً بسيطاً للغاية لكنه كان كفيلاً بإيقاظ طلال من نومه الخفيف .. نظر إليها و قال بصوت ناعس فيه النوم : عزة ! للحين ما نمتي ؟
بارتباك ردت : نمت ، بس قمت اشرب فـ لقيتك مو متغطي و غطيتك ..
نظر في ملامح وجهها الجامدة ، تفقد الصورة التي كانت في حضنه لم يجدها ، كانت فوق الطاولة ملقاة بإهمال ، عرف أنها رأتها ، و أنها تكتم في عينيها تلك الغيرة الفاضحة .. التفت بجسدها لتذهب ، لكنه فاجأها بقبضة يده تشتد على ذراعها و يقول بهمس : عزة ..
التفتت بنصف جسدها إليه و نظراتها ملؤها العتاب و اللوم ، مدت يدها الثانية لتفك قيد يدها الأولى ، دون كلام .. و تحركت من أمامه نحو الغرفة محاولة أن تخفي ما في قلبها من نيران ..
*
قَبل ساعات الفجرِ الأولى ، حين صمتت الشوارع كلها ، و دخلت في سبات عميق ، وقفت سيارة على بعد كيلومترات قليلة عن مركز الأمن ، فتحت بابها الخلفي و ألقت به إلى الأرض ، فاقداً وعيه ، لم يره أحد .. لكن خطأهم تلك المرة كان فادحاً ..
جاءه الاتصال في قصره و هو يجلس و يشرب كوباً من القهوة السادة ، ليقول : ممتاز .. أنا راح أسافر مع عيلتي هاليومين ، بنهدي الشغل هالفترة ..
،
حين رأى في طريقه نحو العمل جثة ملقاة على الأرض لم يعرف لمن هي ، توقفت سيارته بسرعة و نزل منها ، ليفاجئ بفواز منهكاً من الضرب ، في جميع أجزاء جسده ، ملقى على الأرض كالجسد بلا روح ، بصعوبة اقترب منه و حاول أن يحمله إلى السيارة و هو يقول : فوواز رد علي ! انت صااحي ؟؟؟
لم يأتِه أي رد منه ، وضعه في المقعد الخلفي للسيارة و توجه نحو أقرب مستشفى ...
*
روما – إيطاليا
استيقظ بإنزعاج من صوت المنبه ، أطفأه لينظر إلى حوله بتشتت و يتأفف من الصداع في رأسه ، وجدها أمامه تنام بنصف جسدها فوق السرير و النصف الثاني على الأرض ، بلا غطاء .. صُدِم من وجودها ، فهو لا يذكر أي شيء كان في البارحة ، أزاح غطاءه عنه و توجه نحو الحمام ليغسل وجهه ، و يحضر ماءًا ساخناً ليستحم ، من عندها .. استيقظت ريم على صوت المياه ، فركت عينيها بنعس ، ثم تحركت نحو الحمام و هي تدفئ نفسها بيديها و تقول بلهجة مرتجفة : صباح الخير ..
لم يرد فوراً ، كان يتمضمض الماء بعد أن نظف أسنانه ، و لا زال الصداع يأكل رأسه .. بعد أن انتهى من المضمضة ، نشف فمه و قال : صباح الخير ..
نظرت إليه مطولاً ، و هو يحاول أن يتجاهل نظراتها .. عادت إلى السرير لتختبئ تحت الغطاء ، تفكر في حالته في الأمس ، و تحاول أن تربطها بحالته اليوم ، لو كان يذكر ما أخبرته لكان حاله مختلف تماماً ..
خرج من الحمام و هو يلف المنشفة حول رقبته و ينشف شعره ، نظر إليها و قال : لم أتيتِ إلى هنا ؟
ابتسمت بسخرية : أتيت لأواسيك ، ألم تر كيف كانت حالتك البارحة ؟
اكتفى بالصمت و هو يعرف مقصدها من الكلام ، قال و هو يعطيها ظهره ببرود ممتزج بالقلق : هل حصل شيء ما بيننا ؟
صمتت و هي تفكر ، ألتلك الدرجة بات قربي يخيفك ! كم لدي الفضول لأعرف ما هو الذي وجدته في سديم و لم تجده فيني ؟ كيف استحقت هي بتلك البساطة ما لم أستحقه أنا ؟ دون أن تقدم لك أي شيء ، إنها بخلت عليك حتى بنظراتها ، و في الأمس كانت تتجهز لتصبح امرأة لرجل غيرك ، أنا التي لم أكن يوماً إلا لك ، لكنك لم تنظر إلي أبداً .. كم أشعر بالرخص كلما فكرت في تلك الليلة التي قضيتها معك ، أشعر أنني كنت مجرد أداة قضيت بها شهوتك ، ثم شعرت بالندم كثيراً في اليوم التالي .. لكنكم لا تفهمون ذلك ، فلستم تقدسون الأجساد كما نقدسها نحن ، علاقة كتلك تشبه الطعام و الشراب لديكم ، لا يهم نوعه ، طالما أنه يسد حاجتكم .. التفت سيمون إليها لينظر نظرة بمعنى : أجيبي !
رفعت الغطاء عن جسدها و نهضت عن السرير ، اقتربت من حذاءها و ارتدته ، أخذت سترة سوداء معلقة في الغرفة و قالت : سأستعير سترتك مؤقتاً ..
ينظر إليها بنصف عين و يسألها : إلى أين ؟
ردت و هي تضع السترة فوق كتفها و تعدل شعرها بيدها : سأعود لبيتي ، شكراً على استضافتك ..
*يُتبَع ...
|