كاتب الموضوع :
قَمرْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي
" إنّ الحب لا يتقن التفكير ، و الأخطر أنه لا يملك ذاكرة ! إنه لا يستفيد من حماقاته السابقة ؛ ولا من تلك الخيبات الصغيرة ، التي صنعت يوماً .. جرحه الكبير ! "
مقتبسة من : رواية فوضى الحواس / أحلام مستغانمي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
كيف حالكم ؟
سنستكمل اليوم أحداث روايتنا : كربة بكماء ..
أشكر كل المتابعين .. و الآن أترككم مع الجزء السادس لنرى إلى أين تؤول الأمور بأبطالنا في هذا العام الجديد ؟!
أختكم * قَمـرْ ! *
( 6 )
شتاء 2003- كانون الأول ..
رومـا - ايطاليـا
في الشهر الأخير من كل عام ، اليوم الأخير منه .. كالمعتاد تقضي معظم وقتها في المكتبة للتحضير للامتحانات النهائية .. و قد يطوف وقت المغرب و هي تدرس بنهم في تلك المكتبة الكبيرة التي تتوسط جامعتها .. منذ أسبوعان لم ترى سيمون و لم تعد تجد وردة جورية على مقاعدها .. افتقدته من جهة .. و من جهة أخرى غيابه كان مريحاً لها نوعاً ما ..
انتهت من الدراسة لذلك اليوم بعد أن شعرت بالكثير من التعب .. لمّت كتبها و دفاترها في حقيبة الظهر الجينز التي تحملها .. ارتدت معطفها البني الطويل .. ثم خرجت و هي تضع يديها في جيبها .. بدأت تمشي في الأجواء الماطرة كعادتها و هي تنتظر إن تلتقي أبيها عند السوبر ماركت الذي يبعد بضعة كيلو مترات عن الجامعة .. نظرت إلى الغابة المجاروة للجامعة و ابتسمت حين استنشقت رائحة المطر التي تتخلل ترابها ..تلك الرائحة التي لا يعشقها إلا من يفهمها ! منذ أن دخلت الجامعة و هي تتمنى أن تزور تلك الغابة لترى جمالها الداخلي الذي لا بد أنه يفوق جمالها الخارجي آلاف المرات .. في ظل سرحانها و شرودها .. شعرت بيد قوية تكبلها و تشدها نحو الغابة ! حاولت أن تصرخ أو تشهق أو أن تصدر أي صوتٍ يدل على ذعرها ! لكنها لم تستطع .. أطبقت عيناها بانزعاج حين سلّط عليهما ضوء أبيض من مصباح صغير .. فسمعت صوتاً يقول ..
Sadeem , don’t be afraid .. I'm simon
( سديم لا تخافي ، أنا سيمون )
فتحت عينيها بدهشة حين سمعت باسمه .. بخوف نظرت إليه ثم شتت أنظارها في تلك الغابة التي لا تمر فيها القطة ! شعرت أنه سيفعل بها شيئاً ما قد يؤذيها ، النهاية اقتربت ! ذلك ما كانت تفكر فيه .. حتى أنها لشدة تشتتها لم تشعر به حين أغلق يداه الدافئتان على يديها المزرقتان من البرد .. ثم قال بحنية : I miss you !
( اشتقت لك ! )
كل ما كانت تفعله سديم في تلك اللحظة أنها تتهرب من النظر مباشرة في عينيه ، و تحاول أن تجد مفراً منه .. انتفضت خوفاً حين شعرت بيده الرجولية تلامس خدها الناعم .. شعر سيمون بانتفاضتها و قال : Sadeem .. please
( سديم ، أرجوكِ )
تلك الكلمات و الرجاء الذي كان ينبع مع نبرة صوته أشعرها بالخوف ، كأنه يريد منها شيئاً ما و يرجوها أن تعطيه .. لكنها فعلياً لم تكن تعرف إن كان يطلب حبها ! أم يطلب شيئاً آخر ؟!
بتشتت و ضياع نظرت إلى الأشجار الكثيفة التي لا يتضح لها لوناً مع هذا الظلام الدامس .. ضربته بكفّيها على صدره بقوة و التفتت لتهرب مسرعة من أمامه ، و تركض بصعوبة لثقل حقيبتها .. حاولت أن تخرج جوالها لتتصل بأحدهم لكن من الصعب الوقوف الآن .. سيمون انحنى ليلتقط المصباح الذي سقط منه و اختفى نوره .. أخذه و أعاد تشغيله بخيبة و بدأ يحلق به حول المكان ليحاول أن يرى أين ذهبت سديم ! بدأ ينادي بصوتٍ مرتفع :
" Sadeem ! Comeback !! Please "
( سديم ، عودي أرجوكِ )
لم يكن يسمع أي صوت لحركة أقدامها ، هدوء يعم المكان و الخوف سيطر عليه .. بدأ يمشي بحركات سريعة و هو يسلط الضوء على كل منطقة يمر بها .. و لا زال ينادي عليها بأعلى صوته .. لكنه لا يسمع حتى صوت نفسها ! شعرت و هي تركض أنها قد داست على شيء صلب و ليّن في ذات الوقت ..! طويل و يتحرك بانسيابية تحت قدمها.. التفتت إلى النور الساطع الذي جاء من خلفها و صوت سيمون يقول : Sadeem
لم تستطع الصمود كثيراً .. شيء ما لسعها في قدمها لسعة سامة أدت إلى فقدانها وعيها .. سقطت أمامه و قد بدت علامات التألم على وجهها و الأنين المكتوم الذي يقيد صراخها آلم قلبه .. ركض نحوها ثم جلس إلى جانبها و هو يقول : Sadeem ! What happened ??
( سديم ! ماذا جرى ؟ )
بدأت تغيب عن الوعي تدريجياً ، و سيمون يحاول أن يبقيها مستيقظة من خلال الكفوف الخفيفة التي كان يلطمها بها على وجهها .. لاحظ أن الكفوف لن تعطي نتيجة .. في ظل ذلك الهدوء و الخوف الذي يستبيحهما الآن .. سمع صوت فحيح الأفعى التي دست سمها في دم سديم ثم ولت هاربة !
بجنون حملها سيمون بين ذراعيه و هو يشعر أنه يحمل طفلة في الثالثة من عمرها لصغر حجمها .. كان يقول و هو يمشي مسرعاً : Sadeem don’t worry everything will be okay !
( سديم لا تخافي كل شيء سيكون على ما يرام )
لم يكن يعرف إن كانت تسمعه أم لا .. كل ما كان يراه أمامه هو أن جبينها يتصبب عرقاً و الآلام تتفرع من كل مكان في جسدها ! ركض بها بسرعة و قد وضع في فمه المصباح لينير له الطريق .. وصل إلى سيارته الصغيرة التي تصطف إلى جانب بوابة الغابة .. نيّمها في المقعد الخلفي و هرع ليذهب بها إلى أقرب مستشفى .. في تلك اللحظات لو وضع جهاز أمام قلبه لعجز عن عد نبضاته !
في الجهة الأخرى .. كان جلال ينتظرها بقلق .. لقد تأخرت .. فتح جواله ليتصل بها .. سيمون رأى اسمه " Dad " لكنه لم يرد ! بعد قليل وصلت رسالة تحمل المحتوى " يبه وينك خرعتيني .. اذا مو قادرة تمشي أجيك عند باب الجامعة " ..!
لم يفهم ما كتب بالعربية داخل تلك الرسالة .. التفت إلى سديم التي يبدو أنها ستضيع من بين يديه لو لم يسرع قليلاً ..! بعد 10 دقائق .. وصلوا المستشفى و هرع بها و هو يحملها بين يديه و كل الخوف يتضح على معالم وجهه الحزين .. ساعدوه الممرضين في حملها و نقلها إلى داخل المستشفى .. سأله أحد الممرضين و هم يجرونها
: what happened ?
بخوف و أنفاس متسارعة أجاب
: I think it’s a snack sting !
( أعتقد أنها لدغة أفعى )
ازدادت سرعتهم ليقوموا بالاسعافات الأولية حتى يصل الدكتور المختص !
وقف سيمون في الخارج و هو يضغط على رأسه و يداه تتخللان شعره البني الداكن المتعرق .. أفاق من أفكاره بالرنة الأخيرة القلقة على جوال سديم .. فرد بصوت رجولي متجهم : Hello !
ارتعش جسده عندما سمع رداً على جوال ابنته من رجل غريب .. فسأل بصوت مرتجف : where is sadeem ?
تنهد سيمون بقوة .. ثم قال : we are in SOL ET SALO hospital
بدهشة قال : hospital ?? Why ! What happened to my daughter
( مستشفى ؟ لماذا ؟ ماذا جرى لابنتي ؟ )
سيمون : keep calm Mr Jalal , every thing is okay ..
( اهدئ سيد جلال ، كل شيء على ما يرام )
أغلق جلال سماعة الهاتف بجنون ، التفت إلى طالب و سعود اللذان يقفان خلفه ليقول : بنتي في المستشفى سديم في المستشفى !
بخوف قال طالب : ليش وش صار معاها ؟؟!!
فتح باب السيارة على عجلة و قال : الحين مو وقته خلينا نروح المستشفى ..!
*
1- كانون الثاني - 2004
الخميس
السعودية - جدّة
يفتقد ذلك العشق تدريجياً ، و تلك اللمعة القَمَريّة في عيناها بدأت تنسحب رويداً رويداً .. كان يراها كشمعة بدأت نيرانها تهمد ، و الذوبان يأكل ما تبقى منها ! أثارت لامبالاتها الخوف في قلبه .. ولا يعرف إن كان يخاف خسارتها أو خسارة عشقها .. و إن كان يخاف فما الذي يخيفه بالتحديد ؟ و هل حبه لها هو سبب خوفه ؟ تلك الحيرة ستوقعه في احدى المشاكل يوماً ؛ احدى المشاكل التي ستهدم ما حاولت عزة ترميمه قبل أن يُبنى .. سيحاول أن ينقذ حياتهما ولا يعرف ما الذي يدفعه إلى ذلك ! أم أنه يعرف و يتجاهل .. شفافية عيناها و بعض الكلام لا يحكى ، إنما يغزل في حزن مقلتيها .. حمامة كسيرة قام هو باصطيادها ، ثم لم يتركها تشفى من عشقها له ، و لم يسمح لها أن تموت فيه كما ينبغي ! كالمعتاد في صباحاتهم الميتة .. يشربون القهوة المرة كمرارة الأيام التي تمر على عزة .. في وسط ذلك الهدوء ، وضع طلال فنجان قهوته على الطاولة الخشبية أمامه و قال دون أن ينظر إليها : اليوم معزمين عند أمي عالغداء ؛ جهزي نفسك ..
باللامبالاة ذاتها سألت : متى بتيجي تاخذني ؟
طلال : عال 12 أكون عندك .. كويس ؟؟
هزّت رأسها بالموافقة دون أن ترد و أكملت شرب قهوتها و متابعة برنامجها الصباحي على التلفاز دون أن تعيره أي اهتمام .. من الممكن أن اهمالها له مفتعل و مقصود .. هذا الاهمال الذي يمكن تفاديه و التخلص منه اذا تمكن طلال من السيطرة على نفسه و مشاعره و الاعتراف لها بحبه .. لكن ماذا لو كان ذلك الاهمال عفوياً يخرج من داخل انسانة ملّت من العشق .. هو ذلك الذي لا يمكن معالجته و لو جلب لها ياسمين الأرض جميعه ..
عاد طلال ليلتقط فنجانه بعد أن رفع أكمام قميصه الأزرق .. نظر إلى عزة التي تجلس أمامه تلف قدماً فوق الأخرى و ترتدي روب قميص نومها الباذنجاني .. بابتسامة قال : ليش ما تحطي أطواق الياسمين اللي جبتهم لك ؟
بكل برود ارتشفت القليل من فنجانها و قالت : لأنهم مو لي ..
رفع حاجبه الأيسر و قال : مو لك ؟! أجل لمنو ؟؟
تأففت ، وضعت الفنجان على الطاولة .. وقفت و هي تربط حزام روبها .. و قالت بملل حيث تجاهلت سؤاله : متى طالع شغلك ؟؟!
وقف بسرعة أمامها و هو يبتسم بمكر : ما بروح اليوم !
بتعجب قالت : ليش ما بتروح ؟؟!
مدّ يده ليرفع بها خصلة شعرها التي ترقد بهدوء على خدها ، قال بهمس حنون : لاني ما راح أعرف أشتغل اذا ما شفت ابتسامتك !
أبعدت وجهها عن يده بقلب مرتجف و قالت باستنكار : و من متى يهمك تشوف ابتسامتي ؟!
ببرود قال ليستفزها : ما احب أكسر خاطر المساكين !
بغضب حاولت أن تخفيه لكنه كان واضحاً في نبرة صوتها : أنا مسكينة يعني ؟ طيب الله يجزاك الخير يا ليت تروح شغلك .. ما أصدق و أفتك منك
ضحك بصوت مرتفع ، ليقول بعدها : ما أحب أساوي اللي يريحك !
تكتفت مستفَزَّةً و قالت : ايه ماله داعي تقول عارفة إنك ما بتساوي اللي بيريحني
اقتربت منها و قد لاحظ ارتباكها و احمرار وجهها .. فقال بهمس : انتي متى بتعقلي ؟؟ أتوقع كافي زعل صح ؟؟
ارتبكت وحتى الكلمات بات من الصعب خروجها .. فالتزمت الصمت .. اقترب منها و قبّل جبينها قبلة حارة عبرت عن شوقه .. كان يسمع نبضات قلبها الخائفة من تلك الأيام و ما تخفي لها ..! تلك المرة الأولى التي يحتضنها فيها .. فرّغ مشاعره كلها من خلال عناق لم يدوم طويلاً و لم تبادله فيه عزة الاحتضان .. لا يعرف إن كان احتضانه لها كي يشعرها بالأمان ! أو كي يشعر هو بالأمان ..! ابتعد عنها قليلاً و هو يعلق عيناه بعينيها .. قال بابتسامة خبيثة : أروح العيادة ؟!
مدت يدها لتشده من قميصه نحوها و تأخذه في عناق آخر طويل بكت فيه على كتفه للمرة الأولى و هي تعترف اعترافات ساذجة لم يتنازل هو ليعترف بها ..
ببكاء مختنق قالت : طلال الله يخليك لا تساوي فيني كذاا ! اذا ما تبيني اتركني
ابتسم و هو يضع أصابعه بين فراغات شعرها ، ثم قال : وش هالكلام ، لو ما أبيك كان طلقتك زمان !!
رفعت وجهها لتنظر إليه ببراءة و تقول : يعني انت تحبني ؟!
وجه لها نظرات لم تعرف معناها ، و اكتفى بالسكوت .. استمرت عزة في النظر إليه كي يجيب .. خلال ثوانٍ من الصمت .. انحنى برأسه و راح يقبّلها و كأنّ تلك القبلة هي الاجابة عن سؤالها .. أم أنه يتهرب من ذلك السؤال بقبلة ؟ هو ذاته لا يعرف ..!
*
السعودية - الرياض
ليس هناك أمل في أن تشفى تلك المرأة من جرحها بابنها ، لا زالت كلما خلا البيت تدخل إلى غرفة طفليها ، تحمل بين يديها ملابس " غدي " تستنشقها و تكاد تدخلها في أنفها و هي تبكي و تذكر أيامه .. و تتحسر على ذاك الطفل الذي لم تشعر متى أتى و متى غاب ..!
عن " خليل " أصبحت المدرسة أكثر عناية به .. بعد الظرف السيء الذي مرّ به .. اليوم لم يأتي خليل إلى المدرسة ! الجميع ظن أنه مريض أو متعب .. لم يعرف أحد أنه ليس في المنزل ، و لم يصل المدرسة .. مسحت دموعها حين سمعت رنين الهاتف ؛ لعلها تجد مكاناً لدموع أخرى ستتناثر بعد قليل ..! ردت ببحة في صوتها : آلـو..
صوت رجولي لا تعرفه جاءها من خلال الهاتف يقول : السلام عليكم
بعقدة بين حاجبيها ردت : و عليكم السلام ؛ تفضل ؟!
: حضرتك والدة خليل ؟؟
ابتلعت ريقها بخوف و عيناها لا ترمشان أبداً : ايه نعم أنا والدته !
: حبينا نتطمن على خليل اليوم ما داوم خير ان شالله ؟؟!!
ارتجفت يدها التي تحمل السماعة ، لتقول بخوف : شلون ! شلون يعني ما داوم ؟؟
عقد المدير حاجبيه باستغراب : ايه ما داوم !! فيه مشكلة ؟
سلوى : الييوم أناا صحيته يروح المدرسة شلوون يعني ماا دااوم !!
لم تسمع رد المدير ؛ ألقت بالهاتف جانباً و راحت تركض إلى غرفة خليل التي كانت فيها منذ ثواني !! بدأت تبحث عنه بجنون و تنادي بصراخ : خليييل !!!
أخذت تبحث عنه داخل الخزانة و تحت السرير و ما بين الأدراج .. كل من يرى تصرفاتها في تلك اللحظة لجزم أنها مجنونة !!
في مكان آخر .. كان يقف ذلك الذي لم يعد من المنطقي تسميته بـ " الطفل " .. يراقب ذلك المكان بحقد .. مختفٍ خلف شجرة زيتون شامخة يبدو أنها قد شاخت على عدد ما شهدت من حوادث اختطاف و قتل ..! راقب ذلك الباب كثيراً .. يجلس أمامه منذ الساعة الثامنة صباحاً ، الساعة الآن على مشارف الثانية ولم يجد إنساً دخل المكان ولا جناً خرج منه !! التفت و هو يمد يده الصغيرة في جيب بنطاله المدرسي الكحلي .. ابتسم و هو يرى ما جمّع من مصروف يساعده فيما يريد أن يفهم و يفعل !!
مشى بحركات بطيئة و هو يضع الطاقية على رأسه و يخفي وجهه بشالٍ بارد أسود اللون .. أشار لأحد سيارات الأجرة .. أزال اللثمة عن وجهه و قال : أبي أروح أقرب مقهى انترنت !
بنظرة شك قال السائق : تفضل ..
ركب خليل في السيارة و هو يفكر فيما يفعله في مقهى الانترنت ذاك .. أمه في الجهة الأخرى بمشاركة أبيه يبحثون عنه بجنون ..!
*
روما - ايطاليا
" يا ريتك مش رايح يا ريت بتبقى عَ طول ! "
ترددت تلك الكلمات في ذهنها حين رأته يغادر المكان بابتسامته الخائفة .. نظرت إلى أبيها الذي يجلس جانباً و يرمقها بنظرات غاضبة أو هي أقرب منها للشك ! .. طالب ، وقف مكتوف الأيدي غير مصدق أنها كانت تقف مع سيمون وحيدان في غابة مظلمة ..! اكتفت سديم أن تلاحق سيمون بعيناها باكية و كأنها تعاتبه على ما فعل .. انتفضت حين رأت طالب يرمقها بحقد ، ثم يخرج مسرعاً خلف سيمون .. التفت سيمون حين سمع صوت الباب .. فوجئ بطالب يمسكه من كنزته و يشدّه نحوه بغضب و يقول بالعربية : وش كنت تسوي معهاا ! ايش تبي منها ؟؟
عقد حاجبيه باستغراب اللغة فقال :
i dont understand you !
( أنا لا أفهمك )
ضغط على أسنانه بغضب و قال :
keep away from sadeem .. this girl is mine .. understand now ??
( ابتعد عن سديم ، تلك الفتاة لي .. هل فهمت الآن ؟ )
مسك سيمون بيدي طالب المتشبثتان بكنزته ليبعدهما عنه بغضب و يقول :
no , you must understand that sadeem is just mine ..
( لا ، أنت من يجب أن يفهم أنّ سديم لي أنا فقط )
تجاهل أي كلمات كان سيتفوه بها طالب ، و مشى بثقة حتى خرج من المستشفى .. و قد مرت ذكرى سديم التي تقول بعينيها له " شكراً لأنك أنقذتني ! "
داخل غرفتها .. جلس أبيها إلى جانبها على الكرسي الأبيض بهدوء و هو يشبك أصابعه ببعضها .. نظر إليها بنصف ابتسامة يتضح أنها لم تخرج من قلبه ليقول : الحمدلله على سلامتك يبه ..
لم ترد ، كانت تنظر إليه بعين باكية فقط .. أطلق نظره في الجدار الأبيض أمامه ، ليردف بعدها : قولي لي ، وش كنتي تساوي مع دكتورك في الجامعة لوحدكم في الغابة ؟؟ شلون صارت هالحادثة كلها ؟؟!
حاولت أن تعتدل في جلستها بارهاق و هي ترفع الوسادة لتستند عليها ، صدمت بتصرف أبيها الذي لم يحاول أن يساعدها في النهوض .. بعد معاناة اعتدلت في الجلوس و حاولت أن تمد يدها الصغيرة لتتناول الدفتر عن الكومدينة البيضاء التي تزدحم بالأدوية و الحقن .. لم تستطع أن تصل إليه .. فنظرت إلى أبيها بعين دامعة كأنها تسأله العون .. تنهَد بعتاب ثم قام عن الكرسي مقترباً منها ، أخذ الدفتر و مدّه لها دون أن ينظر إليها .. حدّقت النظر فيه لأكثر من دقيقتين .. فتحت الدفتر بتعب و كتبت بخط مرهق : يبه إنت ما توثق فيني ؟!
انتهت من الكتابة ثم رفعت دفترها في وجه أبيها ليقرأ .. بألم أجابها بعد تفكير دام لثوانٍ قليلة : أنا أوثق فيك ، بس أبي أفهم ايش اللي وصلك مع دكتورك في وقت متأخر لغابة و بروحكم !!
رفعت شعرها الذي تدلى من مقدمة حجابها .. أعادت الدفتر إلى أحضانها لتكتب : دام إنك توثق فيني خلاص ..لا تخاف و تأكد إن ما في شي بيني و بين الدكتور سيمون ..
في تلك اللحظات التي تكتب فيها سديم ما تريد ، اقترب أبيها بكرسيه ليجلس إلى جانبها .. قرأ و لم يعجبه الكلام غير المنطقي الذي تقوله سديم .. فقال بشيء من الغضب : و الحية شلون لدغتك ؟؟ كنتي هاربة منه ؟! قولي اذا حاول يأذيكي أو ساوالك شي ..! يبه حتى لو في بينكم شي قولي ولا تخافي !
جرحت قلبها تلك الكلمات التي تفوه بها أبيها و التي أشعرتها بالنقص .. اكتفت بأن تغلق دفترها بتذمر ، و بعودة احمرار عينيها .. حالما رآها أبيها على تلك الحالة اقترب منها ليحتضنها بخوف و قلق : يبه يا قلبي لا تتضايقي من كلامي أنا والله خايف عليكي النااس ما ترحم والله ما ترحم ..
اكتفت بأن تتشبث بقميصه و تبكي في المكان الذي ترتاح أن تبكي فيه .. المكان الذي تجد نفسها عنده إن شعرت أنها قد ضاعت منها .. حين دخل طالب دون استئذان .. ابتعدت سديم عن جلال.. لترى ريم و رشا قد دخلتا خلفه ..! اقتربتا منها بمحبة لتحتضنها كل واحدة بدورها و تسلم عليها .. جلست ريم على السرير و رشا على الكرسي.. قالت ريم : هوة ايه اللى حصل ازاي حصل كده ؟!
اكتفت سديم بالابتسامة ، أما جلال فأجاب : حادثة بسيطة .. الحمدلله إنها قامت بالسلامة و لحقنا عليها ..
بخبث قالت رشا : كأنو شفنا الدكتور سيمون و هوة طالع من هون ؟! مرق لعندك شي ولا عندو حدن تاني بالمشفى ؟!
رمقتها سديم و ريم بنظرات حادة لتسكت .. لكنها ابتسمت بخبث و هي تنظر إلى طالب و جلال و تقول : هالدكتور كتير بيعزا لسديم يعني حتى بالمحاضرات بيعاملا معاملة خاصة ..
رفع طالب أحد حاجبيه و قال : شلون يعني معاملة خاصة ؟؟!!
ضحكت ريم لتحاول أن تضيع الموضوع بقولها بلهجة مرتبكة : هية قصدها إن هوة بيحب سديم لانها متفوقة و مهتمة في مزاكرتها جامد بس مش اكتر ..!
أنهت كلماتها و هي تنظر بخوف إلى طالب و جلال .. هزّ طالب رأسه بشكّ .. و جلال اكتفى بالنظرات الحادة التي يلقيها إلى سديم .. وقفت ريم و هي تشد رشا من يدها و تقول من بين أسنانها و تصتنع الابتسامة : طيب احنا حنروح عشان ترتاحي يا سديم و ابقي خدي بالك من نفسك ..
رشا باستنكار : شوبيكي ريم بعد ما قعدنا !!
رمقتها بنظرة غاضبة و قالت : زيارة المريض مش لازم تكون طويلة ..يلا يا رشا قومي عندنا مزاكرة !
ابتسمت رشا في وجه طالب لتقول : طيب مافي حدا يوصلنا ؟ ما بحب التكاسي !
سَعَل طالب حين شعر أنها توجه الكلام له .. فقال بخجل : تفضلوا أنا أوصلكم ..
كان يراقب نظرات سديم التي تتجول بينهما باستنكار و دهشة .. ابتسم ابتسامة خفيفة حين شعر أنه يرى في عينيها الغيرة القديمة التي اشتاقها .. في تلك اللحظة قالت ريم : لا معليش احنا نروح لوحدنا ..
بصوت رجولي قال جلال : لا يا عمي ما يصير ، طالب ولا عليك أمر ؛ روح وصلهم يا ولدي ..
طالب : انت تآمر عمي .. تفضلوا ..
مشى أمامهما بسرعة لينزل إلى السيارة .. و كان يعرف أنهما خلفه تتهامسان و احداهما توبخ الأخرى .. ريم لرشا : انتي ايه اللي عملتيه جوا ده ؟ ازاي تقولي عن الدكتور سيمون و تصرفاته مع سديم ؟؟!
رشا و هي تحاول أن تصتنع البراءة : أناا ؟؟! أنا شوو قلت كل اللي حكيتو انو هوة بيعزها معزة خاصة !!
وقفتو تكتفت : انتي عارفة انك بالشكل ده سببتي ليها مشاكل .. بس انتي كنتي قاصدة كل اللي حصل .. و بعدين ازاي تطلب من الشب ده يوصلنا هو انتي خلاص ما بتختشيش ؟!
مشت أمامها بابتسامة خبيثة : ازا ما بدك طلعي انتي بتاكسي انا بدي ارجع مع هيدا الشب الحلو ..!
تنهدت ريم و هي تهز رأسها بيأس من طيش تلك الفتاة التي لا تتخلى عنه أبداً .. و مشت وراءها دون أن تتفوه بكلمة ..
*
السعودية - جدّة
حدّقت فيه بحقدٍ و هي تراه ينام بكل سكينة دون أن يتذكر ما فعل .. وضعت يديها على أذنها لتمنعها من سماع صوته الذي يهدس باسم " ريتال " حتى حين كانت هي بين يديه .. لا زال يفكر فيها و يتخيل وجودها في كل زاوية من زوايا حياته .. لا بد أنه حتى حين يطلب عزة ، فهو في الأغلب يظن أنه يطلب ريتال .. و ليس عزة ! أيوجد عشق إلى تلك الدرجة ؟ و إن كان فلم لا يكون لعزة ؟ ألا تستحق هي أن تراه يحلم بها في صحوه و غفوته ؟
تلك الذكريات الأبدية و العشق السرمدي الذي يستوطن قلب طلال أتعبها .. كان عليه أن يتعب طلال ذاته .. لكنه يتعبها هي.. طلال يحمل كل ما في قلبه من هموم و يلقيه إليها ، تستقبله هي بكل سذاجة و حب .. لينام هو دون أن يفكر بشيء، بينما هي تعصيها عينيها فلا تنام و لا تصحو و لا تموت ولا تحيا !
شَعَر بها حين سحبت اللحاف عنه و لفته على جسدها محاولة أن تكتم بكائها .. التفت إليها و هو يعقد حاجبيه ليقول : عزة ! ليش شلتي عني اللحاف !
وصلت إلى الدولاب لتخرج منشفة و ملابس دون أن ترد .. فقال بغضب : هييه ! شفيك ؟؟ عزة رجعي اللحاف !
ابتسمت بسخرية : أنا مو عزة .. أنا ريتال ..
رفع أحد حاجبيه مستنكراً ما تقول : وش فيكِ ؟!
أنزلت اللحاف عن جسدها و لفت المنشفة بدلاً منه و قالت : اسأل نفسك باسم مين كنت تحلم قبل دقايق ؟!
أخفض بصره بخجل .. يعرف أنه لن ينتهي من ريتال مهما كانت الظروف .. صمت و لم يرد ، لتردف هي بألم : تدري شنو ؟ أنا لاحظت إني اذا لازم أعيش معاك بسعادة .. لازم أكون ريتال ... ريتال مو عزة
رفع عيناه بحدة ليقول : عمرك ما بتكوني ريتال ..
اقتربت منه باستنكار و الدمعة أخيراً سمحت لنفسها بالنزول .. جلست أمامه لتصرخ : ليــــش ؟؟ وش نااقصني لـــيــش ؟؟!
نهض من أمامها و انحنى ليلتقط اللحاف و يعود إلى مكانها بتجاهل تام لصراخها .. بقرفٍ نظرت إليه و قالت : الشرهة علي إني أمنت لك و سلمتك نفسي مرة ثانية و نسيت إنك حيوان ما تهمك إلا شهواتك
بحقد اقترب منها و شد شعرها : احترمي نفسك أنا مو كبرك !
بألم : اترك شعري ..
تجاهل ما قالت و استمر في شد شعرها .. صرخت في وجهه : طلاال طلقني !
بهدوء ابتعد عنها و قال بهمس : شنو ؟؟
غطّت وجهها بكفيها و قالت : طلقني ! أنا مابيك تعبت منك طلقني و خليني أروح أشوف حياتي خلاص تعبت !
اقترب طلال بحنان ليرفع كفيها عن وجهها : عزة .. لا تقولي هالكلام
رفعت وجهها المحمر لتنظر إليه بحقد : ايش اللي تبيه مني ؟؟
مدّ يده ليمسح دموعها بأطراف أصابعه .. داعب أنفها بيده بابتسامة و قال : خلاص عاد عن كلام البزارين !!
أشاحت بوجهها بعيداً .. وقفت دون أن ترد على كلماته وتوجهت إلى التواليت لتستحم .. تلك المشاعر التي يستهين بها طلال ، و يراها طفولية ولا داعي لها تكاد تحرقها .. هي تلك الطفولة التي ستدمر ما بينهما من عشق مستتر في أفئدتهما لا يعترفان به و حتى لا يتعاملان به .. دوماً ما يكون سوء تقدير مشاعر الآخر هو القشة التي تقسم ظهر البعير في أي علاقة .. الاستهانة بالبكاء و الحزن و الشعور بالاهانة و تصنيف كل تلك المشاعر على أنها حركات طفولية هو بحد ذاته أمر يهدم أمتن العلاقات .. كيف لعلاقة كعلاقة عزة بطلال أن تستمر ما دام هو يرى أن له الحق في كل شيء ، و ليس لها الحق في أي شيء ..!
-
كربةٌ بكماء ، تلك الكربة لا تعيش في فتاة فقدت القدرة على الكلام .. البكم عند طلال الذي لا يقوى على الاعتراف بحبه لعزة .. بكم عزة التي لا تستطيع أن تشفق على قلبها و تقف في وجه عشقها لطلال .. البكم بكم خليل الذي لا زال صامتاً و لا يفكر سوى في الانتقام لدم أخيه .. بكم الضمير و الفؤاد هو البكم الذي لن تسعفه الأدوية و لن تعالجه الجراحة .. بكم الحياة هو الذي نعايشه جميعاً دون أن نعرف أو نعترف ..!
*
السعودية - الرياض
نظر إلى الساعة بعجلة ، وضع تلك الأوراق في حقيبته بشكل سريع قبل أن يطرق الباب .. حمل حقيبته على ظهره ثم قرع جرس المنزل .. هرع والديه ليفتحا الباب .. انهارت سلوى على الأرض حين رأته و راحت تبكي و تحمد الله على سلامته .. فيصل لم يكن بتلك المشاعر المرهفة التي تجعله يبكي دون أن يوبخه .. صرخ في وجهه بغضب : ويـن كـنـت ؟؟!
بكذب واضح : كنت في المدرسة !
بقوة ضغط على يده و قال بقسوة : كذااب انت اليوم ما رحت المدرسة قوول وين كنت !
لم يرد ، فقط اجتمعت الدموع في عيناه الطفوليتان .. اقتربت سلوى تلك اللحظة من فيصل بدفاع لتقول : فييصل ! شفيك عالولد، المهم ان رد لنا بالسلامة .. " التفتت إلى خيل و هي تمد يدها له و تقول : " يلا حبيبي تعال نروح الغرفة ..
صرخ فيصل : ســلــوى ، أنااا قاعد أكلم الولــد ، يــظــل واقــف إليــن أنــهـي كلامــي ..
وقفت بخوف و هي تسمع صراخه .. أما خليل فعاد ليقف أمام أبيه بثقة الرجال البالغين .. و قال : يبه.. ما رحت مكان .. الحين أبنام
ركض مسرعاً إلى غرفته و ترك خلفه أمه و أبيه متعجبان منه و من كبره المفاجئ ذاك ! لا زال في الثانية عشر من عمره .. كيف يقف بتلك الثقة و يتحدث كالكبار ؟ ذلك ما كان يخيفهما .. الطفل يكبر قبل أوانه.. و يشيخ قبل أوانه !
*
دخل بغضب إلى ذلك الرجل المتزمت الذي لا يتخلى عن قراراته مهما كانت الظروف .. وضع تلك الورقة أمامه بغضب و صرخ : وش حركات البزارين هذي يا فواز؟!!
بلامبالاة و هو يضع أغراضه في صندوق كرتوني : أي حركات ؟
راشد : ليش مقدم استقالتك ؟؟!
ببرود و دون أن ينظر إليه : لأني ما استاهل أكون في هالمكان ..
جلس على الكرسي الجلدي أمامه و زفر بقوة : شلون يعني ما تستاهل و ليش قاعد تقول هالكلام الحين ؟!
وقف فواز و هو يغلق الصندوق باللاصق السميك .. ليقول : لو كنت أستاهل ما تنسحب مني القضية .. أنا شخص فاشل.. حتى همام و ناصر ما نالوا عقابهم .. و أنا متأكد إنهم بيطلعون مثل الشعر من العجينة ..
بقلة حيلة : و انت وش ذنبك ؟؟!
صرخ فواز بغضب و قلة صبر : ذنبي إني ماا قدرت أساوي شي من يوم ما مسكت هالقضية .. أنا عندي خبرة سابقة يا راشد لكن هذي كانت اقوى القضايا اللي استلمها في حياتي و ماا نجحت فيها و هذاا يدل على إن خبرااتي ما نفعت بشي !
وقف راشد ليقول بهدوء : هذا الكلام كلام مراهقين إنت مو بزر تقول هالكلام .. و ماله داعي تقدم استقالتك و تتخلى عن شغلك اللي فنيت عمرك و إنت تتعب عليه !
ببرود قال : أنا خلاص أخذت قراري ، بستقيل ..
حاول راشد أن يسير على هواه ليقول : طيب ، استقلت .. و بعدين ؟ بتنحل المشكلة ؟؟ من وين بتعيش انت و زوجتك و بنتك ؟؟
فواز : ربك ما ينسى أحد ..
حمل ذلك الصندوق الكرتوني بيديه متثاقلاً منه .. حتى وصل إلى الباب ليقول
دون أن يلتفت : خليت لك الأمانة يا راشد .. و اذا احتجت شي تعرف وين تلاقيني ..
خرج بحركات سريعة يجاهد نفسه ألا يبكي على افتراقه عن عمله الذي قضى سنوات طويلة برفقته .. راشد جلس في مكانه يتنهد بقوة على صديق عمره الذي فارقه بعد كل تلك السنوات التي عايشها معه في المر و الحلو و في كل المشاكل التي واجهتمها دون أن يفترقا ..!
*
آذار
روما - ايطاليا
ألقت بكتبها جانباً و هي تنظر إلى الساعة المعلقة في منتصف الحائط .. تبقى على امتحانها ساعتين .. زفرت بملل و سكون من تلك الحالة المضطربة التي تعم الأجواء بينها و بين أبيها .. وقفت أمام الدولاب و هي تخرج عبائتها ذات اللون البني الفاتح .. و حجابها العسلي .. ارتدتهما باهمال و بشكل سريع ثم وقفت أمام المرآة تنظر إلى نفسها و هي تستعيد تلك الحادثة التي واجهتها قبل أشهر قليلة .. " ايش يبي مني ؟ في أحد يحب وحدة بكماء ؟؟!! "
تقلل من قيمة نفسها دائماً .. تجد أنها ليست بأهلٍ للعشق ، ولا للدراسة .. حتى تلك الحياة الفوضوية لا تجد لنفسها مكاناً فيها .. فتحت علبة الكريم المطري لتضع القليل منه تحت عينيها لتخفي بعض الاسوداد الذي يكحل تلك المنطقة .. أعادت نظرها إلى تلك الساعة التي تشعر أنها لا تحرّك عقاربها أبداً .. اقتربت من كتبها بملل و يأس .. حملتها مع حقيبتها و خرجت ..
*
السعودية - جدّة
في ظل تلك الهموم التي اعترت قلبها ، لم تعد تنتبه إلى أنوثتها .. حدث ذلك الحمل دون أن تشعر به ، هي مجرد آلام في المعدة و بعض الاستفراغ الذي ضايقها هو الذي نبهها لوجود روح تقطن في أحشاءها .. قطعة من ذاك القاسي .. قطعة منه و قطعة منها ، أو من ريتال التي يحلم بها في صحوه و نومه .. اجتمعت أجزاءهما لتكون جنيناً مظلوماً قبل أن يأتي .. جنيناً لأب لم يجمعه بأمه شيئاً سوى السرير و هلوساته بمن ترقد في مكان بعيد جداً عنا ! بدمعة لم تعرف إن كانت دمعة فرح أم حزن .. دمعة شوق أم خوف.. نظرت بدهشة إلى النتيجة التي كتبت في أسفل الورقة : positive !
لا تعرف إن كان ذلك سيفرح طلال ، أم يغضبه ؟ قررت أن تتفادى ردة فعله المجهولة من خلال رسالة قصيرة تخبره فيها بحملها ، لترى الرد عن بعد.. ابتعد من جهته عن المريض و هو يوجه كلامه له : صور الأشعة سليمة و ما فيها أي مشكلة ، بس راح أعطيك مضاد حيوي عشان يطلع السن في مكانه من غير لا يساوي مشاكل ع باقي الأسنان ..
ترك المريض يعدل ثوبه ليعتدل في جلوسه ، أما هو فجلس خلف مكتبه بوقارٍ ليستقبل تلك الرسالة التي كتبت بالانجليزية..
" i'm pergnant "
***
( انتهى )
أتمنى أن ينال الجزء على إعجابكم .. عيدكم مبارك و عساكم من عواده و كل عام و أنتم بألف خير ..
انتظروني قريباً في الجزء السابع ..
دمتم بسعادة
أختكم * قَمـرْ ! *
|