لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > الروايات المغلقة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الروايات المغلقة الروايات المغلقة


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-05-18, 06:45 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2018
العضوية: 329709
المشاركات: 22
الجنس أنثى
معدل التقييم: قَمرْ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 24

االدولة
البلدEngland
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قَمرْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : قَمرْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي

 

خريف 2003 - تشرين الثاني

رومـا - ايـطـاليـا


الحب حياة ، هو نعمة لا يمكن لأحد أن ينكرها .. و لم ينعم بها أحد إلا حمد الله كثيراً عليها .. و لكن الكثير من النعم في الدنيا قد تتحول إلى نقمة بين لحظة و الأخرى .. لا تشعر أنها بامكانها أن تثق بسيمون أو غيره .. قد وثقت من قبل برجل كان حليفها منذ صغرها .. و لكنه خذلها عند أول اختبار الهي تعرضت له ! لكن سيمون الآن يعرف وضعها و لا يبالي ببكمها !
أصبحت تضفي البسمة إلى وجهها حركاته التي لا تدل على دكتور قد يكون معقداً كباقي دكاترة الجامعة .. حين أصبحت تجد وردة جورية على كل مقعد في كل محاضرة تذهب لها باتت تشعر أن يومها أجمل .. لكنها إلى الآن متخوفة منه .. ولا يمكن أن تثق به و لو بدرجة واحدة .. أنهت كوب " النسكافيه " الذي تشربه ، ثم تناولت قلمها الأزرق و عادت لدراستها .. دخل أبيها بعد أن يئِس من الحديث معها .. قال بصوت خافت : حبيبة أبوها فاضية ؟؟
تنهدت بملل لأنها تعرف ما الحديث الذي سيفتحه أبيها الآن .. ابتسمت و هزّت رأسها بـ"نعم " ..
دخل بهدوء و جلس على الكرسي الخشبي أمامها .. ابتسم لها و قال : ربي يسعد هالجمال ..
ابتسمت له ، ثم قامت من مكانها ؛ اقتربت منه و قبّلت خده .. ثم عادت للجلوس مكانها .. تنحنح قبل أن يفتح الموضوع ، فلاحظ تغير معالم وجهها .. قال بهدوء : يبه ، فكرتي بموضوع العملية ؟
تأففت بملل و هي تهز رأسها برفض تام ! ثم مسكت بقلمها و كتبت في طرف الورقة : يبه خلاص انتهينا من هالموضوع ، أنا مرتاحة كذا
جلال : يبه ، الدكتور سعود يقول إنه العملية نسبة نجاحها 90% يعني ما في خوف ! و طالب له دكتور صديقه اهوة اللي راح يشرف عالعملية ، و على قول طالب إن هالدكتور فهمان و ممتاز في شغله ..
دمعت عينها ، لا تريد أن يكون لطالب أثرفي حياتها نهائياً .. كتبت بيد متوترة : يبه الله يخليك مابي أساوي عملية و مابي شي من طالب ماله علاقة بحياتي نهائياً !
تنهّد بيأس .. وقف ثم وضع يده على كتفها و نظر إليها بعتاب .. حاولت قدر الامكان أن تكتم دمعتها .. حين خرج أبيها عادت إلى دراستها بفكر مشوش و كل مشاعر الكره في الدنيا تراكمت في قلبها على ذلك الذي يسمى " طالب " ..!



*


السعودية - جدّة


تلك المرة الأولى التي تداعب فيها رائحة الياسمين صباحها منذ أن تزوجت طلال .. اكتظت الغرفة بأطواق الياسمين التي جلبها ليرضيها بعد طول خصام ! تذكرت و هي تستنشق تلك الرائحة طوق الياسمين الذي تحتفظ به في صندوقها الصغير .. فعلها مرةً و ها هو الآن يكررها بعد سنوات طويلة .. فركت عيناها الناعسة و هي تشعر أن الياسمين يرقد داخل أنفها لشدة قوته .. حين اعتدلت بجلستها ، اتسعت ابتسامة شفتيها و هي ترى صندوقاً خشبياً كبيراً في منتصف الغرفة ممتلئ بأطواق الياسمين .. وقفت بصعوبة و مشت بتثاقل حتى وصلت إلى الصندوق .. مدت يدها إلى داخله لتغرق في بحر الياسمين ..اتسعت ابتسامتها أكثر حين رأت ورقة سوداء كتب عليها بحبر فضي لامع : " ترى بسمتك اللي على وجهك الحين أحلى من عبوسك بألف مرة .. طلال "
ظهرت أسنانها لشدة فرحتها بتلك المفاجأة التي لم تكن تتوقعها ..بنشاط ذهبت إلى المغسلة و غسلت وجهها .. لكنها كانت تفكر .. أيعقل أن أعطيه السماح حالما يطلبه ؟ربما يكون ما يريده هو ذاته الذي أراده منذ شهور ..! لا ، لن أكون سهلة المنال تلك المرة يا طلال .. عادت و هي تبتسم بنصر لتفتح دولابها ، أخرجت قميصاُ باذنجاني اللون ، مع " فيزون " أبيض .. ارتدتهما ثم جلست أمام المرآة و سرحت شعرها بشكل " ويفي " .. اقتربت بهدوء من الصندوق القابع في منتصف الغرفة .. تناولت احدى أطواق الياسمين لتضعه على شعرها بخفة ، فازداد سحرها و تجلت فتنتها !



*


السعودية - الرياض


لا يعرف ما سر ذلك التكتم الشديد على ذكر أسماء رؤوس العصابة ! كم يتقاضى أولئك المغفلون مقابل حياتهم التي يقضونها في السجن بصمت رهيب و قوة تحمل فظيعة ! تلك الاسئلة إن لم يجد لها فواز حلاً فإنها ستقوده في نهاية المطاف إلى الجنون بالتأكيد .. كيف يضحي شباب مثلهم بحياة كاملة مقابل المال ؟ ألتلك الدرجة تلك الحياة التي وهبهم إياها الله رخيصة لديهم ؟ و هل أرواحهم التي تزهق في السجن على المدى الطويل ، بخسة الثمن إلى تلك الدرجة كي يضربون بها عرض الحائط مقابل المال ؟ يشعر تجاههم بحقد من نوع آخر .. ربما يسمى " حقد الشفقة " .. يحقد عليهم لأنه يشفق على شبابهم الذي يفنى فيما لا يرضاه الله ولا حتى عبده ! يحقد عليهم لأنهم لا يشفقون على أنفسهم التي ائتمنهم الله عليها ! إلى أي درجة وصل الانسان إلى عبودية المال ؟ و هل سيكون هناك الأفظع ؟!! وضع رأسه المثقل بالهموم بين يديه و بدأ يضغط عليه بهما : مو معقول ، هذا اللي قاعد يصير مو معقول .. شهرين تحقيقات و سين و جيم و للحين الواحد فيهم ماهو متجرأ يقول كلمة وحدة عن العصابة اللي يشتغل معاها ! هذولا البشر من أي طينة مخلووقين ؟؟
بتلك الحيرة أجاب راشد : والله معاك حق يا فواز الموضوع صار يخوف و احنا لازم نلاقي حل ..! اهمة مو راضيين يعترفوا بالعصابة و قاعدين يقولون إنهم يشتغلوا بروحهم ، مع إنه من يوم ما ألقينا عليهم القبض إلى الآن صار فيه أكثر من 9 حالات اختطاف و قتل ! الأطفال قاعدين يختفون فجأة من بين ايدين أهاليهم بعز النهار ..! صاروا ما يامنوا على أولادهم حتى في المدارس !
بتأييد لكلامه : اييه وطبعاً المسؤولين احناا ! جهاز الأمن ، اللي المفروض نحمي الأمن و نخلص البلد من هذي الآفة ! بس هذانا قاعدين مكتّفين ولا عارفين نساوي شي ! حتى إن الموضوع وصل لبنتي و ما قدرت أحصل شي من هذولا الانذال .. انت عارف إننا جائنا انذار من العقيد عبدالملك ؟ ولو ما تصرفنا بيسلم القضية لأحد غيرنا !
ابتسم محاولاً أن يهدئه قليلاً : ايه أشوى ترى جاني وجع راس من هالقضية لين قلت بس !
رمقه بنظرات حادة و قال : شنو هالكلام اللي قاعد تقوله يا راشد هذي القضية أنا استلمتها من البداية ولازم أنا أنهيها !
راشد : يا فواز انت ليش ما تتقبل الخسارة ! يعني لو أعطوا هالقضية لأحد غيرك وش فيها ؟ هالشي ما بيأثر على مكانتك و مستواك لأن الكل عارفك و عارف خبراتك و انك عمرك ما خسرت قضية ! الحين وش عليه لو غيرنا استلم القضية ؟ ممكن يكون عنده تفكير ثاني يقدر يحل هاللغز ..! ما في شي حكر علينا أنا و انت و احنا خذينا فرصتنا خلي أحد ثاني ياخذ فرصته يمكن يقدر يساوي شي احنا ما قدرنا عليه !
بتعصب و تشبث بالرأي : لا ياا راشد مو فوااز اللي يحط يده في قضية و يطلع منها خسران ! و مو فواز اللي يحاولوا يخطفوا بنته قدام عينه و يظل سااكت .. انت عارف منوو أنا و عارف اني ما استسلم بسهولة !
تنهد بملل من حالة فواز ..فقرر أن لا يرد !
بعد صمت دام ربع ساعة كانت خلالها النظرات الحادة بينهما هي محور الحديث .. قال فواز : بكرا أي ساعة محكمة هذولا الانذال ؟
دون أن ينظر إليه : الساعه 10 الصباح نكون في المحكمة ..
فواز : ان شالله هالمرة ما يكونوا مغيرين القاضي ! المحكمة حقهم تأجلت 3 مرات مو معقول اللي قاعد يصير
راشد : ان شالله يصدر الحكم بحقهم و ننتهي من هالموضوع …



*

السعودية - جدة


" خلي البنت تشوف حياتها "

تلك الجملة التي يعكر فيها عبدالعزيز ، صفوَ طلال ! كان يجلس في عيادته الفخمة في وقت الاستراحة و بعض المرضى ينتظرون موعدهم في الخارج .. وصل عبدالعزيز و استأذن السكرتيرة كي يدخل .. تأفف طلال كثيراً حين رآه قادماً ؛ و عرف أنه الآن سيعكر مزاجه بمجيئه الملغوم ذاك ! اقترب عزيز من الكنبة الجلدية السوداء التي توجد أمام مكتب طلال و جلس بكل هدوء .. قال بطريقة توضح أن السؤال مجرد رفع عتب : شلونك ؟
بنفس الهدوء رد طلال : بخير ، خير شعندك ؟؟
ابتسم عزيز بخبث و قال : أفـا ! جيت أزور الدكتور طلال أخوي ! فيها شي ؟؟
أمال رأسه و هو يحرك حاجبيه بـ"لا " ثم قال : لا ما فيها شي ، بس هالزيارة في وراها إنّ .. قول و اختصر عندي شغل !
استند إلى ظهر الكرسي وهو يتكتف و يطلق أنظاره في أرجاء المكان و يترقب كرسي المرضى الأبيض و عدة طب الأسنان الثمينة التي يعمل بها طلال ، قال بعد صمت لم يدم طويلاً : حلوة فكرة أطواق الياسمين خاصة إن عزة تحبهم ! بس ترى هالشي مابيخليها تسامحك !
عقد حاجبيه باستغراب كبير ؛ اقترب من الطاولة و استند بذراعيه عليها ليقول : و انت من وين عرفت إني جبت لها أطواق ياسمين؟؟ و من وين عرفت إنها تحبهم ؟ من قال لك أصلاً إني أبيها تسامحني !
وقف عزيز بلامبالاة و هو يعدل زر قميصه الكحلي : مو ضروري من قال لي المهم إن هالحركات كلها مالها داعي ..خلي البنت تشوف حياتها !
ضرب الطاولة بقوة ضربة وصل صدى صوتها إلى المرضى في الخارج .. وقف ليخرج من خلف مكتبه و يقترب منه بغضب ، ثم مسكه من قميصه و شده نحوه : البنت حياتها معاي أنا .. و انت مالك علااقة بيني و بيين زوجتي ، و قسماً بالله لو مو اننا في مكان شغل كان عرفت شلون أتصرف معاك !
استفزته أكثر نظراته الباردة و ابتسامته الخبيثة .. فقال و هو يأشر بسبابته نحو الباب : انقلع من هنا مابي أشوفك ! يـلآآآ
رمقه عزيز بنظرة ساخرة أخيرة .. ابتسم ، ثم خرج من العيادة و هو يشعر بالنصر لاستفزازه ! جلس طلال على الكرسي الجلدي و هو يشبك أصابعه ويهز قدمه بتوتر .. وقف و هو يرى الشياطين أمامه ؛ خلع الروب الأبيض " اللاب كوت " الذي يرتديه و ألقى به جانباً ..أخذ محفظته و مفتاح سيارته الكامري ؛ ثم خرج .. ألقى نظرة إلى المرضى ثم التفت إلى السكرتيرة : اصرفي المرضى و أعطيهم مواعيد ثانية .. قولي ليهم صار عندي ظرف ..
السكرتيرة بارتباك : بـس !
لم تكمل جملتها لأنها لم تعد ترى إلا غباره ! نزل مسرعاً من العيادة و ركب سيارته و هو يفكر بجنون " من أين له تلك المعلومات ؟ "
نزل من السيارة حين وصل و قد اصطف بشكل خاطئ .. صعد إلى المنزل بغضب و عيناه لا توحي بالخير أبداً .. حاول أن يفتح الباب بمفتاحه لكن عزّة كانت قد قفلته بالقفل من الداخل ! ازداد غضبه و هو يفكر بأمور جنونية لا تخطر على بال ابليس ! اقتربت عزة حين سمعت صوت المفتاح في الباب .. نظرت من العين فوجدته يقف و يتنفس مسرعاً .. استغربت من قدومه المبكر .. فتحت القفل ثم الباب .. دخل بغضب فسألت : غريبة مروح بد..
لم تكمل جملتها ، فاجئها طلال حين مسك شعرها و شدّه بقوة : ايش اللي بينك و بين عزيز ؟
صدمت من سؤاله فقالت : منوو عزيز ؟!
زاد في شد شعرها : هالحين ما تعرفي مين عزيز ؟؟ قولي ايش فيه بينكم !
بارتباك : وش بيكون فيه يعنيي !!!
ألقاها في الأرض بقوة فسقط طوق الياسمين عن رأسها : من وين عرف إني جبت لك صندوق ياسمين ؟؟ من وين عرف إني أبيك تسامحيني أصلاً ؟ قووولي ؟
بقلة حيلة و هي تبكي قالت : والله مادري !! ماادري
اقترب منها و نزل إلى مستواها ثم قال بتهديد : ما تدري ؟؟ طيب يا عزة .. يا ويلك أدرى إن في بينكم شي ! والله لأشرب من دمك ..
وقف و تركها ملقاة جريحة على الأرض ، كحمامة كسر جناحها ! كانت تعرف و شيئاً ما يخبرها أنها كالمعتاد ستواجه ما ينغص عليها هدوء يومها ، كل أفراحها الناقصة في حياتها كانت بسبب طلال ، ولأجل طلال .. و هو لا زال يقسو و يزيد من قسوته ! و إلى متى ؟ إلى أن تكرهه و تخرجه من حياتها ..
دخل بغضب إلى الحمام ليأخذ " شاور " بارد ليهدئ أعصابه .. خرج و قد هدأ قليلاً و من الممكن أنه قد تندم على تسرعه في الحكم على عزة ! وقف أمام باب الحمام عاري الصدر و يلف المنشفة على خصره .. مسح وجهه بكفيه و هو يرى الغرفة خالية من صندوق الياسمين .. و صوت جره يدل على أنه قد وصل إلى منتصف الصالة .. خرج فوجدها تجر الصندوق بقدميها الصغيرتين و تلهث بقوة .. و دموع عينيها تتناثر فوق أوراقه البيضاء .. وقف و تكتف : وش قاعدة تسوي ؟؟
لم ترد عليه ، و استمرت في جر الصندوق .. اقترب منها و قال : هاتي أنا أجره لك ؛ وين تبي تحطيه ؟
تخصرت و قالت : طلعه باب البيت ، مابيه ..
نظر إليها بطرف عينه و قال : نعم ؟؟
أعطته ظهرها و قالت : اللي سمعته ..
استمرت في سيرها حتى وصلت الغرفة .. جلست أمام مرآتها و هي تعدل الكحل الذي انتزع بسبب بكائها .. أما طلال فقد تجاهل طلبها و دخل خلفها .. كانت تجلس على الكرسي الصغير الأحمر أمام المرآة .. اقترب منها و وقف خلفها .. انحنى ليصل إلى مستواها و هو يحوطها بيديه اللتان استندتنا إلى الطاولة التسريحة المقابلة للكرسي .. قال و هو ينظر إليها من خلال المرآة : عزة ، سامحيني
رمقته بنظرة حادة و قالت بسخرية : على ايش بالضبط ؟؟
همس في أذنها بحنية : على كل شي !
تخدرت من قربه و أنفاسه الحارة التي تلفحها ؛ و أنفه الذي بدأ يداعب عنقها .. في اللحظة الأخيرة التفتت و هي تبعده عنها بقوة و غضب ، و قفت و قالت : لا يا طلال هالمرة مو على كيفك بتمشي الأمور .. أنا ماني لعبة عندك !
استلقت بسرعة البرق في السرير و تلحفت به و غطت وجهها ، و كانت شهقاته مسموعة لدى طلال الذي ينظر إليها بندم و في داخله شتم عزيز كثيراً !



*


شتاء 2003- كانون الأول ..

رومـا - ايطاليـا

في الشهر الأخير من كل عام ، اليوم الأخير منه .. كالمعتاد تقضي معظم وقتها في المكتبة للتحضير للامتحانات النهائية .. و قد يطوف وقت المغرب و هي تدرس بنهم في تلك المكتبة الكبيرة التي تتوسط جامعتها .. منذ أسبوعان لم ترى سيمون و لم تعد تجد وردة جورية على مقاعدها .. افتقدته من جهة .. و من جهة أخرى غيابه كان مريحاً لها نوعاً ما ..
انتهت من الدراسة لذلك اليوم بعد أن شعرت بالكثير من التعب .. لمّت كتبها و دفاترها في حقيبة الظهر الجينز التي تحملها .. ارتدت معطفها البني الطويل .. ثم خرجت و هي تضع يديها في جيبها .. بدأت تمشي في الأجواء الماطرة كعادتها و هي تنتظر إن تلتقي أبيها عند السوبر ماركت الذي يبعد بضعة كيلو مترات عن الجامعة .. نظرت إلى الغابة المجاروة للجامعة و ابتسمت حين استنشقت رائحة المطر التي تتخلل ترابها ..تلك الرائحة التي لا يعشقها إلا من يفهمها ! منذ أن دخلت الجامعة و هي تتمنى أن تزور تلك الغابة لترى جمالها الداخلي الذي لا بد أنه يفوق جمالها الخارجي آلاف المرات .. في ظل سرحانها و شرودها .. شعرت بيد قوية تكبلها و تشدها نحو الغابة !



( انتهى )

هل أعجبتكم الخماسية الأولى ؟

سنكمل في الجزء القادم من النقطة التي وصلنا إليها ثم نواصلها إلى اليوم الأول من 2004 ..

لا تحرموني من توقعاتكم ..
1- من الذي شد سديم نحو الغابة ؟
2- عزيز ، ما الذي يفكر فيه ؟
3- هل سيحكم على المجرمين كما يجب أم أنهم سيغيرون القاضي كل مرة كما قال فواز ؟ و هل ستبقى القضية في يده أم تنتقل إلى محقق آخر ؟
4- هل ستقتنع سديم باجراء العملية لصوتها ؟
5- إلى أين تنتهي الأمور بين عزة و طلال ؟؟



انتظروني قريباً في الجزء السادس و الأول من الخماسية الثانية للعام 2004 ..


أختكم * قَمـر ْ ! *

 
 

 

عرض البوم صور قَمرْ  
قديم 13-05-18, 06:47 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2018
العضوية: 329709
المشاركات: 22
الجنس أنثى
معدل التقييم: قَمرْ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 24

االدولة
البلدEngland
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قَمرْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : قَمرْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي

 

" إنّ الحب لا يتقن التفكير ، و الأخطر أنه لا يملك ذاكرة ! إنه لا يستفيد من حماقاته السابقة ؛ ولا من تلك الخيبات الصغيرة ، التي صنعت يوماً .. جرحه الكبير ! "



مقتبسة من : رواية فوضى الحواس / أحلام مستغانمي



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
كيف حالكم ؟
سنستكمل اليوم أحداث روايتنا : كربة بكماء ..

أشكر كل المتابعين .. و الآن أترككم مع الجزء السادس لنرى إلى أين تؤول الأمور بأبطالنا في هذا العام الجديد ؟!


أختكم * قَمـرْ ! *



( 6 )




شتاء 2003- كانون الأول ..

رومـا - ايطاليـا

في الشهر الأخير من كل عام ، اليوم الأخير منه .. كالمعتاد تقضي معظم وقتها في المكتبة للتحضير للامتحانات النهائية .. و قد يطوف وقت المغرب و هي تدرس بنهم في تلك المكتبة الكبيرة التي تتوسط جامعتها .. منذ أسبوعان لم ترى سيمون و لم تعد تجد وردة جورية على مقاعدها .. افتقدته من جهة .. و من جهة أخرى غيابه كان مريحاً لها نوعاً ما ..
انتهت من الدراسة لذلك اليوم بعد أن شعرت بالكثير من التعب .. لمّت كتبها و دفاترها في حقيبة الظهر الجينز التي تحملها .. ارتدت معطفها البني الطويل .. ثم خرجت و هي تضع يديها في جيبها .. بدأت تمشي في الأجواء الماطرة كعادتها و هي تنتظر إن تلتقي أبيها عند السوبر ماركت الذي يبعد بضعة كيلو مترات عن الجامعة .. نظرت إلى الغابة المجاروة للجامعة و ابتسمت حين استنشقت رائحة المطر التي تتخلل ترابها ..تلك الرائحة التي لا يعشقها إلا من يفهمها ! منذ أن دخلت الجامعة و هي تتمنى أن تزور تلك الغابة لترى جمالها الداخلي الذي لا بد أنه يفوق جمالها الخارجي آلاف المرات .. في ظل سرحانها و شرودها .. شعرت بيد قوية تكبلها و تشدها نحو الغابة ! حاولت أن تصرخ أو تشهق أو أن تصدر أي صوتٍ يدل على ذعرها ! لكنها لم تستطع .. أطبقت عيناها بانزعاج حين سلّط عليهما ضوء أبيض من مصباح صغير .. فسمعت صوتاً يقول ..
Sadeem , don’t be afraid .. I'm simon
( سديم لا تخافي ، أنا سيمون )
فتحت عينيها بدهشة حين سمعت باسمه .. بخوف نظرت إليه ثم شتت أنظارها في تلك الغابة التي لا تمر فيها القطة ! شعرت أنه سيفعل بها شيئاً ما قد يؤذيها ، النهاية اقتربت ! ذلك ما كانت تفكر فيه .. حتى أنها لشدة تشتتها لم تشعر به حين أغلق يداه الدافئتان على يديها المزرقتان من البرد .. ثم قال بحنية : I miss you !
( اشتقت لك ! )
كل ما كانت تفعله سديم في تلك اللحظة أنها تتهرب من النظر مباشرة في عينيه ، و تحاول أن تجد مفراً منه .. انتفضت خوفاً حين شعرت بيده الرجولية تلامس خدها الناعم .. شعر سيمون بانتفاضتها و قال : Sadeem .. please
( سديم ، أرجوكِ )
تلك الكلمات و الرجاء الذي كان ينبع مع نبرة صوته أشعرها بالخوف ، كأنه يريد منها شيئاً ما و يرجوها أن تعطيه .. لكنها فعلياً لم تكن تعرف إن كان يطلب حبها ! أم يطلب شيئاً آخر ؟!
بتشتت و ضياع نظرت إلى الأشجار الكثيفة التي لا يتضح لها لوناً مع هذا الظلام الدامس .. ضربته بكفّيها على صدره بقوة و التفتت لتهرب مسرعة من أمامه ، و تركض بصعوبة لثقل حقيبتها .. حاولت أن تخرج جوالها لتتصل بأحدهم لكن من الصعب الوقوف الآن .. سيمون انحنى ليلتقط المصباح الذي سقط منه و اختفى نوره .. أخذه و أعاد تشغيله بخيبة و بدأ يحلق به حول المكان ليحاول أن يرى أين ذهبت سديم ! بدأ ينادي بصوتٍ مرتفع :
" Sadeem ! Comeback !! Please "
( سديم ، عودي أرجوكِ )
لم يكن يسمع أي صوت لحركة أقدامها ، هدوء يعم المكان و الخوف سيطر عليه .. بدأ يمشي بحركات سريعة و هو يسلط الضوء على كل منطقة يمر بها .. و لا زال ينادي عليها بأعلى صوته .. لكنه لا يسمع حتى صوت نفسها ! شعرت و هي تركض أنها قد داست على شيء صلب و ليّن في ذات الوقت ..! طويل و يتحرك بانسيابية تحت قدمها.. التفتت إلى النور الساطع الذي جاء من خلفها و صوت سيمون يقول : Sadeem
لم تستطع الصمود كثيراً .. شيء ما لسعها في قدمها لسعة سامة أدت إلى فقدانها وعيها .. سقطت أمامه و قد بدت علامات التألم على وجهها و الأنين المكتوم الذي يقيد صراخها آلم قلبه .. ركض نحوها ثم جلس إلى جانبها و هو يقول : Sadeem ! What happened ??
( سديم ! ماذا جرى ؟ )
بدأت تغيب عن الوعي تدريجياً ، و سيمون يحاول أن يبقيها مستيقظة من خلال الكفوف الخفيفة التي كان يلطمها بها على وجهها .. لاحظ أن الكفوف لن تعطي نتيجة .. في ظل ذلك الهدوء و الخوف الذي يستبيحهما الآن .. سمع صوت فحيح الأفعى التي دست سمها في دم سديم ثم ولت هاربة !
بجنون حملها سيمون بين ذراعيه و هو يشعر أنه يحمل طفلة في الثالثة من عمرها لصغر حجمها .. كان يقول و هو يمشي مسرعاً : Sadeem don’t worry everything will be okay !
( سديم لا تخافي كل شيء سيكون على ما يرام )

لم يكن يعرف إن كانت تسمعه أم لا .. كل ما كان يراه أمامه هو أن جبينها يتصبب عرقاً و الآلام تتفرع من كل مكان في جسدها ! ركض بها بسرعة و قد وضع في فمه المصباح لينير له الطريق .. وصل إلى سيارته الصغيرة التي تصطف إلى جانب بوابة الغابة .. نيّمها في المقعد الخلفي و هرع ليذهب بها إلى أقرب مستشفى .. في تلك اللحظات لو وضع جهاز أمام قلبه لعجز عن عد نبضاته !



في الجهة الأخرى .. كان جلال ينتظرها بقلق .. لقد تأخرت .. فتح جواله ليتصل بها .. سيمون رأى اسمه " Dad " لكنه لم يرد ! بعد قليل وصلت رسالة تحمل المحتوى " يبه وينك خرعتيني .. اذا مو قادرة تمشي أجيك عند باب الجامعة " ..!
لم يفهم ما كتب بالعربية داخل تلك الرسالة .. التفت إلى سديم التي يبدو أنها ستضيع من بين يديه لو لم يسرع قليلاً ..! بعد 10 دقائق .. وصلوا المستشفى و هرع بها و هو يحملها بين يديه و كل الخوف يتضح على معالم وجهه الحزين .. ساعدوه الممرضين في حملها و نقلها إلى داخل المستشفى .. سأله أحد الممرضين و هم يجرونها
: what happened ?
بخوف و أنفاس متسارعة أجاب
: I think it’s a snack sting !
( أعتقد أنها لدغة أفعى )
ازدادت سرعتهم ليقوموا بالاسعافات الأولية حتى يصل الدكتور المختص !
وقف سيمون في الخارج و هو يضغط على رأسه و يداه تتخللان شعره البني الداكن المتعرق .. أفاق من أفكاره بالرنة الأخيرة القلقة على جوال سديم .. فرد بصوت رجولي متجهم : Hello !
ارتعش جسده عندما سمع رداً على جوال ابنته من رجل غريب .. فسأل بصوت مرتجف : where is sadeem ?
تنهد سيمون بقوة .. ثم قال : we are in SOL ET SALO hospital
بدهشة قال : hospital ?? Why ! What happened to my daughter
( مستشفى ؟ لماذا ؟ ماذا جرى لابنتي ؟ )

سيمون : keep calm Mr Jalal , every thing is okay ..
( اهدئ سيد جلال ، كل شيء على ما يرام )
أغلق جلال سماعة الهاتف بجنون ، التفت إلى طالب و سعود اللذان يقفان خلفه ليقول : بنتي في المستشفى سديم في المستشفى !
بخوف قال طالب : ليش وش صار معاها ؟؟!!
فتح باب السيارة على عجلة و قال : الحين مو وقته خلينا نروح المستشفى ..!



*




1- كانون الثاني - 2004
الخميس

السعودية - جدّة


يفتقد ذلك العشق تدريجياً ، و تلك اللمعة القَمَريّة في عيناها بدأت تنسحب رويداً رويداً .. كان يراها كشمعة بدأت نيرانها تهمد ، و الذوبان يأكل ما تبقى منها ! أثارت لامبالاتها الخوف في قلبه .. ولا يعرف إن كان يخاف خسارتها أو خسارة عشقها .. و إن كان يخاف فما الذي يخيفه بالتحديد ؟ و هل حبه لها هو سبب خوفه ؟ تلك الحيرة ستوقعه في احدى المشاكل يوماً ؛ احدى المشاكل التي ستهدم ما حاولت عزة ترميمه قبل أن يُبنى .. سيحاول أن ينقذ حياتهما ولا يعرف ما الذي يدفعه إلى ذلك ! أم أنه يعرف و يتجاهل .. شفافية عيناها و بعض الكلام لا يحكى ، إنما يغزل في حزن مقلتيها .. حمامة كسيرة قام هو باصطيادها ، ثم لم يتركها تشفى من عشقها له ، و لم يسمح لها أن تموت فيه كما ينبغي ! كالمعتاد في صباحاتهم الميتة .. يشربون القهوة المرة كمرارة الأيام التي تمر على عزة .. في وسط ذلك الهدوء ، وضع طلال فنجان قهوته على الطاولة الخشبية أمامه و قال دون أن ينظر إليها : اليوم معزمين عند أمي عالغداء ؛ جهزي نفسك ..
باللامبالاة ذاتها سألت : متى بتيجي تاخذني ؟
طلال : عال 12 أكون عندك .. كويس ؟؟
هزّت رأسها بالموافقة دون أن ترد و أكملت شرب قهوتها و متابعة برنامجها الصباحي على التلفاز دون أن تعيره أي اهتمام .. من الممكن أن اهمالها له مفتعل و مقصود .. هذا الاهمال الذي يمكن تفاديه و التخلص منه اذا تمكن طلال من السيطرة على نفسه و مشاعره و الاعتراف لها بحبه .. لكن ماذا لو كان ذلك الاهمال عفوياً يخرج من داخل انسانة ملّت من العشق .. هو ذلك الذي لا يمكن معالجته و لو جلب لها ياسمين الأرض جميعه ..
عاد طلال ليلتقط فنجانه بعد أن رفع أكمام قميصه الأزرق .. نظر إلى عزة التي تجلس أمامه تلف قدماً فوق الأخرى و ترتدي روب قميص نومها الباذنجاني .. بابتسامة قال : ليش ما تحطي أطواق الياسمين اللي جبتهم لك ؟
بكل برود ارتشفت القليل من فنجانها و قالت : لأنهم مو لي ..
رفع حاجبه الأيسر و قال : مو لك ؟! أجل لمنو ؟؟
تأففت ، وضعت الفنجان على الطاولة .. وقفت و هي تربط حزام روبها .. و قالت بملل حيث تجاهلت سؤاله : متى طالع شغلك ؟؟!
وقف بسرعة أمامها و هو يبتسم بمكر : ما بروح اليوم !
بتعجب قالت : ليش ما بتروح ؟؟!
مدّ يده ليرفع بها خصلة شعرها التي ترقد بهدوء على خدها ، قال بهمس حنون : لاني ما راح أعرف أشتغل اذا ما شفت ابتسامتك !
أبعدت وجهها عن يده بقلب مرتجف و قالت باستنكار : و من متى يهمك تشوف ابتسامتي ؟!
ببرود قال ليستفزها : ما احب أكسر خاطر المساكين !
بغضب حاولت أن تخفيه لكنه كان واضحاً في نبرة صوتها : أنا مسكينة يعني ؟ طيب الله يجزاك الخير يا ليت تروح شغلك .. ما أصدق و أفتك منك
ضحك بصوت مرتفع ، ليقول بعدها : ما أحب أساوي اللي يريحك !
تكتفت مستفَزَّةً و قالت : ايه ماله داعي تقول عارفة إنك ما بتساوي اللي بيريحني
اقتربت منها و قد لاحظ ارتباكها و احمرار وجهها .. فقال بهمس : انتي متى بتعقلي ؟؟ أتوقع كافي زعل صح ؟؟
ارتبكت وحتى الكلمات بات من الصعب خروجها .. فالتزمت الصمت .. اقترب منها و قبّل جبينها قبلة حارة عبرت عن شوقه .. كان يسمع نبضات قلبها الخائفة من تلك الأيام و ما تخفي لها ..! تلك المرة الأولى التي يحتضنها فيها .. فرّغ مشاعره كلها من خلال عناق لم يدوم طويلاً و لم تبادله فيه عزة الاحتضان .. لا يعرف إن كان احتضانه لها كي يشعرها بالأمان ! أو كي يشعر هو بالأمان ..! ابتعد عنها قليلاً و هو يعلق عيناه بعينيها .. قال بابتسامة خبيثة : أروح العيادة ؟!
مدت يدها لتشده من قميصه نحوها و تأخذه في عناق آخر طويل بكت فيه على كتفه للمرة الأولى و هي تعترف اعترافات ساذجة لم يتنازل هو ليعترف بها ..
ببكاء مختنق قالت : طلال الله يخليك لا تساوي فيني كذاا ! اذا ما تبيني اتركني
ابتسم و هو يضع أصابعه بين فراغات شعرها ، ثم قال : وش هالكلام ، لو ما أبيك كان طلقتك زمان !!
رفعت وجهها لتنظر إليه ببراءة و تقول : يعني انت تحبني ؟!
وجه لها نظرات لم تعرف معناها ، و اكتفى بالسكوت .. استمرت عزة في النظر إليه كي يجيب .. خلال ثوانٍ من الصمت .. انحنى برأسه و راح يقبّلها و كأنّ تلك القبلة هي الاجابة عن سؤالها .. أم أنه يتهرب من ذلك السؤال بقبلة ؟ هو ذاته لا يعرف ..!



*



السعودية - الرياض

ليس هناك أمل في أن تشفى تلك المرأة من جرحها بابنها ، لا زالت كلما خلا البيت تدخل إلى غرفة طفليها ، تحمل بين يديها ملابس " غدي " تستنشقها و تكاد تدخلها في أنفها و هي تبكي و تذكر أيامه .. و تتحسر على ذاك الطفل الذي لم تشعر متى أتى و متى غاب ..!
عن " خليل " أصبحت المدرسة أكثر عناية به .. بعد الظرف السيء الذي مرّ به .. اليوم لم يأتي خليل إلى المدرسة ! الجميع ظن أنه مريض أو متعب .. لم يعرف أحد أنه ليس في المنزل ، و لم يصل المدرسة .. مسحت دموعها حين سمعت رنين الهاتف ؛ لعلها تجد مكاناً لدموع أخرى ستتناثر بعد قليل ..! ردت ببحة في صوتها : آلـو..
صوت رجولي لا تعرفه جاءها من خلال الهاتف يقول : السلام عليكم
بعقدة بين حاجبيها ردت : و عليكم السلام ؛ تفضل ؟!
: حضرتك والدة خليل ؟؟
ابتلعت ريقها بخوف و عيناها لا ترمشان أبداً : ايه نعم أنا والدته !
: حبينا نتطمن على خليل اليوم ما داوم خير ان شالله ؟؟!!
ارتجفت يدها التي تحمل السماعة ، لتقول بخوف : شلون ! شلون يعني ما داوم ؟؟
عقد المدير حاجبيه باستغراب : ايه ما داوم !! فيه مشكلة ؟
سلوى : الييوم أناا صحيته يروح المدرسة شلوون يعني ماا دااوم !!
لم تسمع رد المدير ؛ ألقت بالهاتف جانباً و راحت تركض إلى غرفة خليل التي كانت فيها منذ ثواني !! بدأت تبحث عنه بجنون و تنادي بصراخ : خليييل !!!
أخذت تبحث عنه داخل الخزانة و تحت السرير و ما بين الأدراج .. كل من يرى تصرفاتها في تلك اللحظة لجزم أنها مجنونة !!

في مكان آخر .. كان يقف ذلك الذي لم يعد من المنطقي تسميته بـ " الطفل " .. يراقب ذلك المكان بحقد .. مختفٍ خلف شجرة زيتون شامخة يبدو أنها قد شاخت على عدد ما شهدت من حوادث اختطاف و قتل ..! راقب ذلك الباب كثيراً .. يجلس أمامه منذ الساعة الثامنة صباحاً ، الساعة الآن على مشارف الثانية ولم يجد إنساً دخل المكان ولا جناً خرج منه !! التفت و هو يمد يده الصغيرة في جيب بنطاله المدرسي الكحلي .. ابتسم و هو يرى ما جمّع من مصروف يساعده فيما يريد أن يفهم و يفعل !!
مشى بحركات بطيئة و هو يضع الطاقية على رأسه و يخفي وجهه بشالٍ بارد أسود اللون .. أشار لأحد سيارات الأجرة .. أزال اللثمة عن وجهه و قال : أبي أروح أقرب مقهى انترنت !
بنظرة شك قال السائق : تفضل ..
ركب خليل في السيارة و هو يفكر فيما يفعله في مقهى الانترنت ذاك .. أمه في الجهة الأخرى بمشاركة أبيه يبحثون عنه بجنون ..!


*

روما - ايطاليا

" يا ريتك مش رايح يا ريت بتبقى عَ طول ! "

ترددت تلك الكلمات في ذهنها حين رأته يغادر المكان بابتسامته الخائفة .. نظرت إلى أبيها الذي يجلس جانباً و يرمقها بنظرات غاضبة أو هي أقرب منها للشك ! .. طالب ، وقف مكتوف الأيدي غير مصدق أنها كانت تقف مع سيمون وحيدان في غابة مظلمة ..! اكتفت سديم أن تلاحق سيمون بعيناها باكية و كأنها تعاتبه على ما فعل .. انتفضت حين رأت طالب يرمقها بحقد ، ثم يخرج مسرعاً خلف سيمون .. التفت سيمون حين سمع صوت الباب .. فوجئ بطالب يمسكه من كنزته و يشدّه نحوه بغضب و يقول بالعربية : وش كنت تسوي معهاا ! ايش تبي منها ؟؟
عقد حاجبيه باستغراب اللغة فقال :
i dont understand you !
( أنا لا أفهمك )
ضغط على أسنانه بغضب و قال :
keep away from sadeem .. this girl is mine .. understand now ??
( ابتعد عن سديم ، تلك الفتاة لي .. هل فهمت الآن ؟ )
مسك سيمون بيدي طالب المتشبثتان بكنزته ليبعدهما عنه بغضب و يقول :
no , you must understand that sadeem is just mine ..
( لا ، أنت من يجب أن يفهم أنّ سديم لي أنا فقط )
تجاهل أي كلمات كان سيتفوه بها طالب ، و مشى بثقة حتى خرج من المستشفى .. و قد مرت ذكرى سديم التي تقول بعينيها له " شكراً لأنك أنقذتني ! "

داخل غرفتها .. جلس أبيها إلى جانبها على الكرسي الأبيض بهدوء و هو يشبك أصابعه ببعضها .. نظر إليها بنصف ابتسامة يتضح أنها لم تخرج من قلبه ليقول : الحمدلله على سلامتك يبه ..
لم ترد ، كانت تنظر إليه بعين باكية فقط .. أطلق نظره في الجدار الأبيض أمامه ، ليردف بعدها : قولي لي ، وش كنتي تساوي مع دكتورك في الجامعة لوحدكم في الغابة ؟؟ شلون صارت هالحادثة كلها ؟؟!
حاولت أن تعتدل في جلستها بارهاق و هي ترفع الوسادة لتستند عليها ، صدمت بتصرف أبيها الذي لم يحاول أن يساعدها في النهوض .. بعد معاناة اعتدلت في الجلوس و حاولت أن تمد يدها الصغيرة لتتناول الدفتر عن الكومدينة البيضاء التي تزدحم بالأدوية و الحقن .. لم تستطع أن تصل إليه .. فنظرت إلى أبيها بعين دامعة كأنها تسأله العون .. تنهَد بعتاب ثم قام عن الكرسي مقترباً منها ، أخذ الدفتر و مدّه لها دون أن ينظر إليها .. حدّقت النظر فيه لأكثر من دقيقتين .. فتحت الدفتر بتعب و كتبت بخط مرهق : يبه إنت ما توثق فيني ؟!
انتهت من الكتابة ثم رفعت دفترها في وجه أبيها ليقرأ .. بألم أجابها بعد تفكير دام لثوانٍ قليلة : أنا أوثق فيك ، بس أبي أفهم ايش اللي وصلك مع دكتورك في وقت متأخر لغابة و بروحكم !!
رفعت شعرها الذي تدلى من مقدمة حجابها .. أعادت الدفتر إلى أحضانها لتكتب : دام إنك توثق فيني خلاص ..لا تخاف و تأكد إن ما في شي بيني و بين الدكتور سيمون ..
في تلك اللحظات التي تكتب فيها سديم ما تريد ، اقترب أبيها بكرسيه ليجلس إلى جانبها .. قرأ و لم يعجبه الكلام غير المنطقي الذي تقوله سديم .. فقال بشيء من الغضب : و الحية شلون لدغتك ؟؟ كنتي هاربة منه ؟! قولي اذا حاول يأذيكي أو ساوالك شي ..! يبه حتى لو في بينكم شي قولي ولا تخافي !
جرحت قلبها تلك الكلمات التي تفوه بها أبيها و التي أشعرتها بالنقص .. اكتفت بأن تغلق دفترها بتذمر ، و بعودة احمرار عينيها .. حالما رآها أبيها على تلك الحالة اقترب منها ليحتضنها بخوف و قلق : يبه يا قلبي لا تتضايقي من كلامي أنا والله خايف عليكي النااس ما ترحم والله ما ترحم ..
اكتفت بأن تتشبث بقميصه و تبكي في المكان الذي ترتاح أن تبكي فيه .. المكان الذي تجد نفسها عنده إن شعرت أنها قد ضاعت منها .. حين دخل طالب دون استئذان .. ابتعدت سديم عن جلال.. لترى ريم و رشا قد دخلتا خلفه ..! اقتربتا منها بمحبة لتحتضنها كل واحدة بدورها و تسلم عليها .. جلست ريم على السرير و رشا على الكرسي.. قالت ريم : هوة ايه اللى حصل ازاي حصل كده ؟!
اكتفت سديم بالابتسامة ، أما جلال فأجاب : حادثة بسيطة .. الحمدلله إنها قامت بالسلامة و لحقنا عليها ..
بخبث قالت رشا : كأنو شفنا الدكتور سيمون و هوة طالع من هون ؟! مرق لعندك شي ولا عندو حدن تاني بالمشفى ؟!
رمقتها سديم و ريم بنظرات حادة لتسكت .. لكنها ابتسمت بخبث و هي تنظر إلى طالب و جلال و تقول : هالدكتور كتير بيعزا لسديم يعني حتى بالمحاضرات بيعاملا معاملة خاصة ..
رفع طالب أحد حاجبيه و قال : شلون يعني معاملة خاصة ؟؟!!
ضحكت ريم لتحاول أن تضيع الموضوع بقولها بلهجة مرتبكة : هية قصدها إن هوة بيحب سديم لانها متفوقة و مهتمة في مزاكرتها جامد بس مش اكتر ..!
أنهت كلماتها و هي تنظر بخوف إلى طالب و جلال .. هزّ طالب رأسه بشكّ .. و جلال اكتفى بالنظرات الحادة التي يلقيها إلى سديم .. وقفت ريم و هي تشد رشا من يدها و تقول من بين أسنانها و تصتنع الابتسامة : طيب احنا حنروح عشان ترتاحي يا سديم و ابقي خدي بالك من نفسك ..
رشا باستنكار : شوبيكي ريم بعد ما قعدنا !!
رمقتها بنظرة غاضبة و قالت : زيارة المريض مش لازم تكون طويلة ..يلا يا رشا قومي عندنا مزاكرة !
ابتسمت رشا في وجه طالب لتقول : طيب مافي حدا يوصلنا ؟ ما بحب التكاسي !
سَعَل طالب حين شعر أنها توجه الكلام له .. فقال بخجل : تفضلوا أنا أوصلكم ..
كان يراقب نظرات سديم التي تتجول بينهما باستنكار و دهشة .. ابتسم ابتسامة خفيفة حين شعر أنه يرى في عينيها الغيرة القديمة التي اشتاقها .. في تلك اللحظة قالت ريم : لا معليش احنا نروح لوحدنا ..
بصوت رجولي قال جلال : لا يا عمي ما يصير ، طالب ولا عليك أمر ؛ روح وصلهم يا ولدي ..
طالب : انت تآمر عمي .. تفضلوا ..
مشى أمامهما بسرعة لينزل إلى السيارة .. و كان يعرف أنهما خلفه تتهامسان و احداهما توبخ الأخرى .. ريم لرشا : انتي ايه اللي عملتيه جوا ده ؟ ازاي تقولي عن الدكتور سيمون و تصرفاته مع سديم ؟؟!
رشا و هي تحاول أن تصتنع البراءة : أناا ؟؟! أنا شوو قلت كل اللي حكيتو انو هوة بيعزها معزة خاصة !!
وقفتو تكتفت : انتي عارفة انك بالشكل ده سببتي ليها مشاكل .. بس انتي كنتي قاصدة كل اللي حصل .. و بعدين ازاي تطلب من الشب ده يوصلنا هو انتي خلاص ما بتختشيش ؟!
مشت أمامها بابتسامة خبيثة : ازا ما بدك طلعي انتي بتاكسي انا بدي ارجع مع هيدا الشب الحلو ..!
تنهدت ريم و هي تهز رأسها بيأس من طيش تلك الفتاة التي لا تتخلى عنه أبداً .. و مشت وراءها دون أن تتفوه بكلمة ..


*


السعودية - جدّة

حدّقت فيه بحقدٍ و هي تراه ينام بكل سكينة دون أن يتذكر ما فعل .. وضعت يديها على أذنها لتمنعها من سماع صوته الذي يهدس باسم " ريتال " حتى حين كانت هي بين يديه .. لا زال يفكر فيها و يتخيل وجودها في كل زاوية من زوايا حياته .. لا بد أنه حتى حين يطلب عزة ، فهو في الأغلب يظن أنه يطلب ريتال .. و ليس عزة ! أيوجد عشق إلى تلك الدرجة ؟ و إن كان فلم لا يكون لعزة ؟ ألا تستحق هي أن تراه يحلم بها في صحوه و غفوته ؟
تلك الذكريات الأبدية و العشق السرمدي الذي يستوطن قلب طلال أتعبها .. كان عليه أن يتعب طلال ذاته .. لكنه يتعبها هي.. طلال يحمل كل ما في قلبه من هموم و يلقيه إليها ، تستقبله هي بكل سذاجة و حب .. لينام هو دون أن يفكر بشيء، بينما هي تعصيها عينيها فلا تنام و لا تصحو و لا تموت ولا تحيا !

شَعَر بها حين سحبت اللحاف عنه و لفته على جسدها محاولة أن تكتم بكائها .. التفت إليها و هو يعقد حاجبيه ليقول : عزة ! ليش شلتي عني اللحاف !

وصلت إلى الدولاب لتخرج منشفة و ملابس دون أن ترد .. فقال بغضب : هييه ! شفيك ؟؟ عزة رجعي اللحاف !
ابتسمت بسخرية : أنا مو عزة .. أنا ريتال ..
رفع أحد حاجبيه مستنكراً ما تقول : وش فيكِ ؟!
أنزلت اللحاف عن جسدها و لفت المنشفة بدلاً منه و قالت : اسأل نفسك باسم مين كنت تحلم قبل دقايق ؟!
أخفض بصره بخجل .. يعرف أنه لن ينتهي من ريتال مهما كانت الظروف .. صمت و لم يرد ، لتردف هي بألم : تدري شنو ؟ أنا لاحظت إني اذا لازم أعيش معاك بسعادة .. لازم أكون ريتال ... ريتال مو عزة
رفع عيناه بحدة ليقول : عمرك ما بتكوني ريتال ..
اقتربت منه باستنكار و الدمعة أخيراً سمحت لنفسها بالنزول .. جلست أمامه لتصرخ : ليــــش ؟؟ وش نااقصني لـــيــش ؟؟!
نهض من أمامها و انحنى ليلتقط اللحاف و يعود إلى مكانها بتجاهل تام لصراخها .. بقرفٍ نظرت إليه و قالت : الشرهة علي إني أمنت لك و سلمتك نفسي مرة ثانية و نسيت إنك حيوان ما تهمك إلا شهواتك
بحقد اقترب منها و شد شعرها : احترمي نفسك أنا مو كبرك !
بألم : اترك شعري ..
تجاهل ما قالت و استمر في شد شعرها .. صرخت في وجهه : طلاال طلقني !
بهدوء ابتعد عنها و قال بهمس : شنو ؟؟
غطّت وجهها بكفيها و قالت : طلقني ! أنا مابيك تعبت منك طلقني و خليني أروح أشوف حياتي خلاص تعبت !
اقترب طلال بحنان ليرفع كفيها عن وجهها : عزة .. لا تقولي هالكلام
رفعت وجهها المحمر لتنظر إليه بحقد : ايش اللي تبيه مني ؟؟
مدّ يده ليمسح دموعها بأطراف أصابعه .. داعب أنفها بيده بابتسامة و قال : خلاص عاد عن كلام البزارين !!
أشاحت بوجهها بعيداً .. وقفت دون أن ترد على كلماته وتوجهت إلى التواليت لتستحم .. تلك المشاعر التي يستهين بها طلال ، و يراها طفولية ولا داعي لها تكاد تحرقها .. هي تلك الطفولة التي ستدمر ما بينهما من عشق مستتر في أفئدتهما لا يعترفان به و حتى لا يتعاملان به .. دوماً ما يكون سوء تقدير مشاعر الآخر هو القشة التي تقسم ظهر البعير في أي علاقة .. الاستهانة بالبكاء و الحزن و الشعور بالاهانة و تصنيف كل تلك المشاعر على أنها حركات طفولية هو بحد ذاته أمر يهدم أمتن العلاقات .. كيف لعلاقة كعلاقة عزة بطلال أن تستمر ما دام هو يرى أن له الحق في كل شيء ، و ليس لها الحق في أي شيء ..!


-

كربةٌ بكماء ، تلك الكربة لا تعيش في فتاة فقدت القدرة على الكلام .. البكم عند طلال الذي لا يقوى على الاعتراف بحبه لعزة .. بكم عزة التي لا تستطيع أن تشفق على قلبها و تقف في وجه عشقها لطلال .. البكم بكم خليل الذي لا زال صامتاً و لا يفكر سوى في الانتقام لدم أخيه .. بكم الضمير و الفؤاد هو البكم الذي لن تسعفه الأدوية و لن تعالجه الجراحة .. بكم الحياة هو الذي نعايشه جميعاً دون أن نعرف أو نعترف ..!


*

السعودية - الرياض

نظر إلى الساعة بعجلة ، وضع تلك الأوراق في حقيبته بشكل سريع قبل أن يطرق الباب .. حمل حقيبته على ظهره ثم قرع جرس المنزل .. هرع والديه ليفتحا الباب .. انهارت سلوى على الأرض حين رأته و راحت تبكي و تحمد الله على سلامته .. فيصل لم يكن بتلك المشاعر المرهفة التي تجعله يبكي دون أن يوبخه .. صرخ في وجهه بغضب : ويـن كـنـت ؟؟!
بكذب واضح : كنت في المدرسة !
بقوة ضغط على يده و قال بقسوة : كذااب انت اليوم ما رحت المدرسة قوول وين كنت !
لم يرد ، فقط اجتمعت الدموع في عيناه الطفوليتان .. اقتربت سلوى تلك اللحظة من فيصل بدفاع لتقول : فييصل ! شفيك عالولد، المهم ان رد لنا بالسلامة .. " التفتت إلى خيل و هي تمد يدها له و تقول : " يلا حبيبي تعال نروح الغرفة ..
صرخ فيصل : ســلــوى ، أنااا قاعد أكلم الولــد ، يــظــل واقــف إليــن أنــهـي كلامــي ..
وقفت بخوف و هي تسمع صراخه .. أما خليل فعاد ليقف أمام أبيه بثقة الرجال البالغين .. و قال : يبه.. ما رحت مكان .. الحين أبنام
ركض مسرعاً إلى غرفته و ترك خلفه أمه و أبيه متعجبان منه و من كبره المفاجئ ذاك ! لا زال في الثانية عشر من عمره .. كيف يقف بتلك الثقة و يتحدث كالكبار ؟ ذلك ما كان يخيفهما .. الطفل يكبر قبل أوانه.. و يشيخ قبل أوانه !


*


دخل بغضب إلى ذلك الرجل المتزمت الذي لا يتخلى عن قراراته مهما كانت الظروف .. وضع تلك الورقة أمامه بغضب و صرخ : وش حركات البزارين هذي يا فواز؟!!
بلامبالاة و هو يضع أغراضه في صندوق كرتوني : أي حركات ؟
راشد : ليش مقدم استقالتك ؟؟!
ببرود و دون أن ينظر إليه : لأني ما استاهل أكون في هالمكان ..
جلس على الكرسي الجلدي أمامه و زفر بقوة : شلون يعني ما تستاهل و ليش قاعد تقول هالكلام الحين ؟!
وقف فواز و هو يغلق الصندوق باللاصق السميك .. ليقول : لو كنت أستاهل ما تنسحب مني القضية .. أنا شخص فاشل.. حتى همام و ناصر ما نالوا عقابهم .. و أنا متأكد إنهم بيطلعون مثل الشعر من العجينة ..
بقلة حيلة : و انت وش ذنبك ؟؟!
صرخ فواز بغضب و قلة صبر : ذنبي إني ماا قدرت أساوي شي من يوم ما مسكت هالقضية .. أنا عندي خبرة سابقة يا راشد لكن هذي كانت اقوى القضايا اللي استلمها في حياتي و ماا نجحت فيها و هذاا يدل على إن خبرااتي ما نفعت بشي !
وقف راشد ليقول بهدوء : هذا الكلام كلام مراهقين إنت مو بزر تقول هالكلام .. و ماله داعي تقدم استقالتك و تتخلى عن شغلك اللي فنيت عمرك و إنت تتعب عليه !
ببرود قال : أنا خلاص أخذت قراري ، بستقيل ..
حاول راشد أن يسير على هواه ليقول : طيب ، استقلت .. و بعدين ؟ بتنحل المشكلة ؟؟ من وين بتعيش انت و زوجتك و بنتك ؟؟
فواز : ربك ما ينسى أحد ..
حمل ذلك الصندوق الكرتوني بيديه متثاقلاً منه .. حتى وصل إلى الباب ليقول
دون أن يلتفت : خليت لك الأمانة يا راشد .. و اذا احتجت شي تعرف وين تلاقيني ..
خرج بحركات سريعة يجاهد نفسه ألا يبكي على افتراقه عن عمله الذي قضى سنوات طويلة برفقته .. راشد جلس في مكانه يتنهد بقوة على صديق عمره الذي فارقه بعد كل تلك السنوات التي عايشها معه في المر و الحلو و في كل المشاكل التي واجهتمها دون أن يفترقا ..!

*

آذار
روما - ايطاليا

ألقت بكتبها جانباً و هي تنظر إلى الساعة المعلقة في منتصف الحائط .. تبقى على امتحانها ساعتين .. زفرت بملل و سكون من تلك الحالة المضطربة التي تعم الأجواء بينها و بين أبيها .. وقفت أمام الدولاب و هي تخرج عبائتها ذات اللون البني الفاتح .. و حجابها العسلي .. ارتدتهما باهمال و بشكل سريع ثم وقفت أمام المرآة تنظر إلى نفسها و هي تستعيد تلك الحادثة التي واجهتها قبل أشهر قليلة .. " ايش يبي مني ؟ في أحد يحب وحدة بكماء ؟؟!! "
تقلل من قيمة نفسها دائماً .. تجد أنها ليست بأهلٍ للعشق ، ولا للدراسة .. حتى تلك الحياة الفوضوية لا تجد لنفسها مكاناً فيها .. فتحت علبة الكريم المطري لتضع القليل منه تحت عينيها لتخفي بعض الاسوداد الذي يكحل تلك المنطقة .. أعادت نظرها إلى تلك الساعة التي تشعر أنها لا تحرّك عقاربها أبداً .. اقتربت من كتبها بملل و يأس .. حملتها مع حقيبتها و خرجت ..


*

السعودية - جدّة

في ظل تلك الهموم التي اعترت قلبها ، لم تعد تنتبه إلى أنوثتها .. حدث ذلك الحمل دون أن تشعر به ، هي مجرد آلام في المعدة و بعض الاستفراغ الذي ضايقها هو الذي نبهها لوجود روح تقطن في أحشاءها .. قطعة من ذاك القاسي .. قطعة منه و قطعة منها ، أو من ريتال التي يحلم بها في صحوه و نومه .. اجتمعت أجزاءهما لتكون جنيناً مظلوماً قبل أن يأتي .. جنيناً لأب لم يجمعه بأمه شيئاً سوى السرير و هلوساته بمن ترقد في مكان بعيد جداً عنا ! بدمعة لم تعرف إن كانت دمعة فرح أم حزن .. دمعة شوق أم خوف.. نظرت بدهشة إلى النتيجة التي كتبت في أسفل الورقة : positive !
لا تعرف إن كان ذلك سيفرح طلال ، أم يغضبه ؟ قررت أن تتفادى ردة فعله المجهولة من خلال رسالة قصيرة تخبره فيها بحملها ، لترى الرد عن بعد.. ابتعد من جهته عن المريض و هو يوجه كلامه له : صور الأشعة سليمة و ما فيها أي مشكلة ، بس راح أعطيك مضاد حيوي عشان يطلع السن في مكانه من غير لا يساوي مشاكل ع باقي الأسنان ..
ترك المريض يعدل ثوبه ليعتدل في جلوسه ، أما هو فجلس خلف مكتبه بوقارٍ ليستقبل تلك الرسالة التي كتبت بالانجليزية..
" i'm pergnant "

***


( انتهى )

أتمنى أن ينال الجزء على إعجابكم .. عيدكم مبارك و عساكم من عواده و كل عام و أنتم بألف خير ..
انتظروني قريباً في الجزء السابع ..

دمتم بسعادة

أختكم * قَمـرْ ! *



 
 

 

عرض البوم صور قَمرْ  
قديم 14-05-18, 07:22 AM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : قَمرْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي

 


هلا وغلا قمر منوره ليلاس

روايتك تمنيت أنقلها لليلاس من بدايتها لكن أكيد من يدك أحلى

ولأني قارئه الفصول اللي نزلتيها ما راح أعلق الآن لكن إن شاء الله لي عوده للتعليق

مستقبلا

وأحب أقول لأعضاء ليلاس الغالين الروايه مميزه وأسلوب الكاتبه حلو وتستحق

المتابعه وماراح يندم اللي يقرأ الروايه إن شاء الله

بالتوفيق قمر وإن شاء الله تلاقي التفاعل اللي يسرك

وقراءة ممتعة آل ليلاس

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي  
قديم 14-05-18, 07:23 AM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2018
العضوية: 329709
المشاركات: 22
الجنس أنثى
معدل التقييم: قَمرْ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 24

االدولة
البلدEngland
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قَمرْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : قَمرْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي

 

" حتى عند الفراق ، كن رشيقاً ما استطعت .. و التزم بقواعد الفراق ؛ لا تحن ، لا تعُد ، لا تندمْ .. ولا تَخُنْ سراً كان يجمعكما .. "

مقتبسة من : رواية حديثك يشبهني / يامي أحمد


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
عساكم دوم بخير قرائي و متابعيني ..


الجزء السابع من روايتنا كربة بكماء ، أصبح جاهزاً .. سأضعه الآن بين أيديكم و أتمنى أن ينال إعجابكم ..

لا تلهيكم الرواية عن الصلاة ..

بسم الله ..


( 7 )


روما - ايطاليا

أقوى عشق حصل عليه دون أي كلمات .. تلك المرة الأولى التي يجد فيها نفسه يحمل روحاً عاريةً أمامها ، تجرده من شهادته و من ثقافته و علمه ، تعريه من كل شيء أمامها إلا عشقه .. يظل هو ملتصقاً بجسده كبقايا أوراق شجر ميتة تفضح أكثر مما تستر ! تناول كوباً آخراً من الخمر و عاد ليجلس مكانه على الأرض دون أن يبوح بأي كلمة .. سَخِر منه صديقه كثيراً .. فتاة عربية ، بكماء .. كيف استطاع أن يفكر فيها أساساً ؟! قال له بسخرية :
simon , what are you doing ? did you forget that you are an assistanat profissor ? it's not good for you to love a girl like sadeem ! please get up from your dreams !
( سيمون ، ما الذي تفعله ؟ هل نسيت أنك ستصبح بروفيسور قريباً ؟ ليس من اللائق أن تحب فتاة كسديم ! أرجوك انهض من أوهامك ! )
ابتلع ما داخل الكوب بسرعة و قال ببرود :
its not important , nothing is important .. just i want sadeem to be with me ..! understand me jack please !
( غير مهم ، لا شيء مهم .. كل ما أريده هو أن تكون سديم معي ..! افهمني جاك أرجوك ! )
اقترب منه بغضب لينتشل من يده الكأس و يقول بصراخ :
you are kiiling your self !! stop drinking simon , did you forget who you are ?!
( أنت تقتل نفسك !! توقف عن الشرب ، هل نسيت من أنت ؟ )
تجاهل سيمون كلماته و سحب الزجاجة ليفتحها و يشرب منها بنهمٍ كأنه يطلب من تلك المسكرة العاجزة أن تأخذ من عقله سديم .. تلك الزجاجة لن تأخذ سديم من عقله ، هي ستأخذ عقله و تترك قلبه يتولى الأمر .. هو أعلم بالعشق الذي يكنه لسديم ! و يعلم كيف يعذبه و يشعل نيرانه دون تكلفة ..! رفع جواله و فتحه .. راح يتأمل رقمها الذي سجله حين وقعت الحادثة .. محتار ما بين الاتصال و عدمه .. نظر إلى إسمها بشغف و ذلك البريق في عينيه لم يضيء إلا مجدداً ..! تنقل بين الخيارات حتى وصل إلى " إرسال رسالة " .. بدأ يكتب الكلمات التي تجول في ذهنه ثم يمسحها خوفاً من ردة فعلها .. كان يقول في داخله " كيف لمجرد فتاة بكماء أن تفعل بي ما فعلت ؟! " .. كتب أخيراً بعد العديد من الكلام الذي دُثِر قبل أن يقال :
how are you ? i'm simon ..
( كيف حالك ؟ أنا سيمون .. )
أغلق جواله لينهض بصعوبة عن الأرض ، اقترب منه جاك فرفض مساعدته بشراسة .. استلقى على الكنبة الدافئة و هو يخلع قميصه الكحلي و يلقيه أرضاً .. أطبق عيناه الناعستان القابعتان على وجهٍ يتصبب عرقاً منذ الصباح .. و كل تلك الهواجس الجميلة منها و القبيحة التي يرى من خلالها سديم ، لا تفارقه أبداً ..


*


السعودية - الرياض

هَرعَت إلى هاتف المنزل الأرضي مسرعة حين قرأت تلك الأوراق البيضاء التي غَفِل عنها خليل لينساها في كتاب الرياضيات على طاولة الدراسة خاصّتَه .. كانت تظن أنها وحدها من يتعذب بمقتل غَدْي .. لا تعلم أن خليل يعيش عذاباً و فقداناً من نوعٍ آخر .. هو عذاب منكّهٌ بالحقد و التوقِ إلى الانتقام .. عذابٌ يرميه إلى البحث و القراءة في كل أمر قد يكون خيطاً رفيعاً يوصله إلى ذاك الطبيب الذي باع ضميره مقابل المال ..! ضغطت على أزرار الهاتف لتدرج رقم مكتب زوجها فَيْصَلْ .. تأففت و ضربت قدمها بالأرض لأكثر من مرة حين تأخر زوجها في الرد و هي تقول : يلآآ فيصل !! رد..!
جاءها صوته المنهمك في الأعمال ليقول : آلــو ..
بتلهف قالت سلوى : فيصل ..
انتصبت قامته بخوف ليسأل : سلوى ؟؟! وش فيك ؟ صار شي على خليل؟؟!
هزّت رأسها بالنفي لتقول : لا .. بس ..!
أطلق تنهيدة الراحة تلك و تنفّس الصعداء .. عاد ليجلس على كرسيه بعد أن شعر أن أقدامه قُصِفت و لم يعد باستطاعته الوقوف .. ثم أردف : الحمدلله ، أجل وش صاير ؟
أخَذَتْ أنفاسها لترد : اليوم لقيت في كتاب من كتب خليل مجموعة ورق ! مطبوعة ..
عَقَد حاجبيه باستغراب : ايه ؟ وش فيها هالأوراق ؟؟!
متسعة العينين و هي تحدق في الأوراق بخوف و يدها التي تحمل الورق ترتجف بقوة : مكتوب فيها معلومات عن تجارة الأعضاء !!
ازدادت عقدة حاجبيه : ايـــش ؟؟!
جلست على الكنبة المفردة بعد أن شَعَرت بعدمِ قدْرتها على الوقوف : فيصل ، ولدنا قاعد يضيع منّا !!
تنهّد و هو يشتت أنظاره ما بين ملفات العَمَل المتراكمة عنده ؛ و ما بين الموظفان زملائه اللذان ينظران إليه بقلة حيلة .. قال بعد صمت : طيب حبيبتي اهدي خلاص ؛ الحين أنا آخذ إجازة من المدير و آجي البيت ..
في تلك اللحظة نظر إليه أحد زملائه " سُلْطانْ " و كأنه يقول له " لاا تفعل ذلك ! " .. لم يأبه فيصل بنظرات سلطان الحادة .. أغلق سماعة الهاتف مع سلوى ، ثم وقف و هو يرتب الملفات على طرف الطاولة .. فسمع صوتاً غاضباً من سلطان يقول : يعني شلون تبي تاخذ اجازة و ترد البيت ؟ إنت عارف إن كل شغلك اللي تتركه هذاا أنا اللي أستلمه ! و أناا مو مجبور ..!
لم يرد فيصل ، فكان " ابراهيم " أسرع منه في الرد : سلطان ، فيصل أخونا و احنا عارفين وش الظروف اللي قاعد يمر فيها ! ماله داعي هالكلام احنا لازم نوقف جنبه مو ضده !
بحدّة رد : أنا مو واقف ضده ! بس أنا بعد عندي شغل و عندي عائلة و بيت و أولاد و هذا اللي يساويه فيصل عشان اهوة يهتم بزوجته وأولاده يخليني أنا ابتلش بشغله و أنشغل عن زوجتي و أولادي !!
بسرعة أجاب فيصل و بصوت مرتفع : لا تشتغل شي ياخوي .. أنا بكرا أساوي كل شي .. مشكور ما قصرت ..
حمل محفظته الجلدية السوداء ليضعها في جيب بنطاله الجينز الخلفي .. ثم خرج و هو يقول دون أن يلتفت : السلام عليكم ..
ردوا بصوتٍ ثنائي : و عليكم السلام ..
انتظره ابراهيم حتى تأكد أنه ابتعد عن المكتب ، ليبدأ بتوجيه الانتقادات الحارة لسلطان : انت وش صاير عليك ما تقدر ظرفه ؟ المسكين فقد ولده قتل و الثاني متعقد و صايبته حالة نفسية !!
ببرود أجاب سلطان : أنا مالي شغل ، أنا بعد عندي حياتي و زوجتي و أولادي .. من يوم سالفة فيصل و أناا مبتلش بشغله و ما عاد قادر أشوف عيالي مثل العالم و الناس !
هزّ ابراهيم رأسه بيأس من سلطان ، الذي رمقه بنظرات حادة .. ثم التفت كل منهم إلى عمله ..



*


السعودية - جدة

ألقى بجواله جانباً حين رأى تلك الرسالة منها .. جلس المريض أمامه و حاول أن لا يظهر توتره .. كتب في " الراشيتا " اسم المضاد الحيوي للمريض .. ثم حدّد له موعداً آخراً لزيارته .. بعد أن خرج المريض من عنده.. جاءه اتصال على هاتفه الأرضي من السكرتيرة تقول : دكتور أدخل المريض الثاني ؟
تأفف بعمق ، ثم قال : لاا، عندي شغلة بسويها و بقول لك عشان تدخليه ..
أغلق سماعة الهاتف بضياع .. ليعاود قراءة الرسالة أكثر من عشر مرات ! حامل ؟؟ أيعقل أن أصبح أباً لطفلٍ من عزة ! رفع جواله ليتصل بها .. فردت بصوت يتضح فيه الخوف و الارتباك : آلـو..
بصراخ قال : شلووون حــامل ؟؟؟!!
رفعت حاجبها الأيسر باستنكار لتقول : شلون ؟؟ والله مادري اسأل نفسك !
طلال : عــزّة ، أنا مابي هالطفل !
دُهِشَت من ردة فعله العنيفة .. كانت تتوقع رفضه لذلك الحمل و لكن ليس بتلك الطريقة : شلون يعني ما تبي هالطفل ؟!
أخذ نفساً عميقاً .. ثم قال : يعني هذا الولد لاازم تجهضيه .. بكرا آخذك على الدكتورة عشان هالموضوع ..
صرخت بصوت مجروح : لاا يا طلال ماا بذبح ولدي!
بقسوة : عزة قلت لك بتجهضيه .. و إلاا ما بخليكِ على ذمتي يووم واحد .. فاهمة ؟
انخفض صوتها لتقول بتعجب : هذا ولدك ياا طلال ولدك !! تبي تذبحه ؟ و اذا ما اجهضت تبي تطلقني ؟؟ " ارتفع صوتها الباكي بقوة " : طيب يا طلال .. طلقني .. أنا هذا الطفل مستحيل أتخلى عنه ..
بسخرية قال : كلل ذاا عشان هالطفل مني ؟؟!!
مسحت دمعتها لتقول : لا والله يا طلال.. كل ذاا عشان هالطفل يحمل شي مني قبل لا يحمله منك .. و اذا تبي تطلقني طلقني ..
أغلق السماعة في وجهها دون أن يرد .. ثم جلس يستند بذراعيه على مكتبه .. و يمسح وجهه بضياعٍ و تشتت ..
عزّة .. لم تسمح لنفسها أن تبقى في ذلك المنزل لأكثر من تلك المدة .. بعنايةٍ حملت حقيبتها الصغيرة ، و راحت ترتب فيها ملابسها بعين دامعةٍ و قلب لم يعد فيهِ مكانٌ لضخ الدم ، فأينما توجهت بذلك القلب تجد فيه جرحاً و خدشاً مهجوراً ، أكل عليه الدهر و لم يعالجه أحد ... بانهيارٍ جلست على السرير و هي تتنفس أنفاساً متسارعةً و كأنها كانت تركض منذ ساعات طويلة ! رفعت رأسها نحو الأعلى و قالت بنبرة راجية كسيرة : يــا رب ، ريــحـنـي يــارب تعــبــت !

عن طلال ؛ استند بظهره إلى الكرسي المتحرك ليسترخي و هو يحدّق في سقف الغرفة و يفكّر في امكانية تقبل هذا الطفل لديه ! و هل يعقل أن يطلقها لرفضها اجهاضه ؟ أفكار متناقضة كانت تشوش عقله .. لا يعرف إن كان يريد عزة أم أنه سيطلقها ! و هل سيحب ذلك الطفل منها أم سيبغضه و يظلمه ؟! كل تلك الهواجس خلقت في داخله خوفاً من قدومه .. و تراءى له الآن أن الحل الأمثل لقطع تلك الهواجس هو التخلص من سببها !



*


روما - ايطاليا


خرجت من اختبارها ترسم ابتسامة خافتة على وجهها الصغير .. أخرجت جوالها لتنظر إلى الساعة ، فتنبّهت إلى وصول رسالة من رقم غريب ! بتعجّب فتحتها و قد توقعت أنها مجرد إعلانٍ أو رسالة من شركة الاتصالات .. عقدت حاجبيها و هي تقرأ بعدم تصديق .. كيف أتى برقمي ؟؟!
بدأت أصابعها بالارتجاف فوق أزرار الجوال مترددة ما بين الرد على تلك الرسالة أو تجاهلها ! لا تعرف ماذا تشعر تجاهه ؟ اهتمامه بها يجعلها تثق في نفسها أكثر و تحب نفسها أكثر ، لكنها في الوقت ذاته تعرف أن تلك العلاقة ليس لها حاضر أو مستقبل ! في تشوشها تقدمت منها صديقتها ريم لتسألها عن الاختبار ..
انتفضت حين سألتها ريم بصوتها المرتفع كعادته : ازااي الجميل النهاردة ؟
ابتسمت بشفتين مرتجفتين و هي تحاول أن تعيد الجوال إلى حقيبتها دون أن تلفت انتباه ريم .. لاحظت ريم ارتباكها فقالت : مالك مش على بعضك كده ؟ في ايه ؟
بسرعة هزّت رأسها بالنفي مبتسمة .. ثم فتحت دفترها لتكتب بحبرها الأزرق : الاختبار كان مرة كويس الحمدلله انتي شلون ؟
نظرت إليها نظرة شك ، تجاهلت سؤالها و قالت : سيمون رجع يدايقك ؟
بسرعة كتبت : لا أبداً ..
التفتتا سوية متجهتان إلى باب الكلية و قد اشتبكت يد ريم بيد سديم الباردة .. ريم لا تعرف بم تشعر تجاه علاقة سديم بسيمون .. و سديم محتارة في أن تفرح لاهتمامه أو أن تخاف ! ظل الصمت سيد الموقف حتى وصلتا إلى الشارع المقابل لبوابة الجامعة .. اتسعت عينا سديم بدهشة حين رأت سيارة طالب تقف أمام البوابة و طالب يقف متكئاً عليها من الأمام .. ابتسمت ريم و اقتربت لتهمس في أذن سديم : واضح إنو بيموت عليكي !
رمقتها بنظرة حادة ، ثم أعادت بصرها إلى طالب .. انتبه لخروجها فاعتدل في وقوفه و ابتسم .. اقترب منها بحركات بطيئة و هو يلتفت يميناً و يساراً ليبتعد عن السيارات .. وقف أمامها بابتسامة و ألقى السلام عليهما ..
طالب بنبرة تحمل شيئاً من الرجاء : تعالي أوصلك ..
أشاحت بوجهها معبرة عن رفضها .. وضع يده على كتفها لتنتفض بخوفٍ و تفتح عيناها باندهاش ! التفتت إليه و رمقته بنظرات غاضبة .. فتحت دفترها بسرعة و كتبت : مو عشاني بكماء كلكم تبون تستغلوني ! ارحمووني حرام عليكم
بعد أن انتهى من القراءة أغلقت دفترها بغضب .. ثم تركته و مضت بحركات سريعة جداً و أنفاسها تعلو و تهبط .. توقفت بعد بضعة مترات لتضع يدها على فمها و تمنعه من اخراج الشهقات .. في تلك اللحظات توقفت سيارة طالب أمامها و أطلق زاموراً لها .. عادت لتنظر إليه بعيناها الدامعة .. ترجل من سيارته و اقترب منها و قد شعر بتأنيب الضمير تجاهها .. كبّل يدها بقوة و شدها مجبرة ليضعها في السيارة .. حاولت أن تتملص منه كثيراً لكنها لم تفلح .. حاولت أن تقول له أتركني ، دعني و شأني .. حاولت أن تصرخ لكنها لم تستطع ! كم هو مؤلم أن تظل على تلك الحال لا يمكنك حتى أن تعبر عن خوفك .. تشعر أنه ليس لها الحق بأي شيء حتى في رفض أمر لا ترغبه ! الجميع يمكنه التحكم بها و استغلال بكمها لأغراضه الشخصية ..
بدأت السيارة تتحرك .. بعد دقائق .. كسر طالب الصمت و هو يتجول بنظراته ما بين الطريق و سديم التي تعلق أنظارها في نافذة السيارة ، ليقول : سديم .. لا تفهميني غلط !
كانت تود أن تصرخ في وجهه أن تحاسبه على كل ما فعله بها أن تنفث في وجهه خيبتها به .. لكن كربتها أكبر من أن تبوح لأي كان بمكنونات قلبها .. التزمت الصمت و البكاء بهدوء .. اصطف طالب بسيارته في منطقة خالية تقريباً من السيارات و الناس .. اعتدل في جلسته لينظر إلى وجهها الحزين .. أطبق عينيه بألم على حالها .. مدّ يده ليمسح بطرف ابهامه الدمع الذي بلل خدّها .. لم تبدِ سديم أية معارضة ، فقط كان يسمع نبضات قلبها و أنفاسها المتسارعة .. فتحت عيناها ببطئ فتعلقت نظراتهما ببعضها .. ليقول طالب بهمس حنون : اشتقت لك مرة يا سديم !
ماذا ستقول ؟ ليس بامكانها سوى النظر في عينيه التي اشتقاتهما كثيراً .. أكمل طالب بالهمس ذاته : و ربي اشتقت لك .. سامحيني !
لم ترد و حتى معالم وجهها لم تكن تدل على شيء ؛ بهدوء اقترب منها برأسه ؛ أماله جانباً و هو يحدق بشفتيها الورديتين .. بات قريباً منها لدرجة كبيرة و لم يعد يفصل بين شفتيهما إلا القليل من الهواء المكبوت .. إلا أنه أخذ نفساً قوياً ، ابتعد قليلاً ثم قبّل جبينها بحنية جعلتها تبتسم من بين دموعها ..
ابتعد عنها ليتركها تأخذ أنفاسها .. أخذ ينظر في الفراغ أمامه و هو يفكر فيما كان سيحدث قبل دقائق ! بعد تفكيرٍ لم يدم طويلاً قال : سديم .. تتزوجيني ؟!!





*


السعودية - الرياض

لم يتحمل أحد ما تحمله هذا الأب لأجل زوجته و ابنه خليل .. لا ينكر أن قلبه ينتفض خوفاً حين رأى تلك المعلومات عن تجارة الأعضاء ترقد بين يدي ابنه الذي لم يتجاوز الثانية عشر ! لكنه يحاول أن لا يبيّن خوفه أمام سلوى حتى لا تتفاقم الأمور لديها !
تنهد بعمق و قال : حبيبتي ما في شي بهالورق كلها شوية معلومات و ما أتوقع إنها بتأثر على خليل !!
بجنون قالت : فيصــل إنت عارف وش يعني يكون ولد بعمر 12 سنة يحمل هالأوراق بين ايديه ؟؟ وش هالبرود اللي فيك يا فيصل اللي بعمر ولدنا المفروض ما يفكروا إلا في اللعب و التسلية موو بهالأمور !!!
كان يحترق من داخله لظن سلوى أنه لا يهتم لأمر خليل : حبيبتي الله يرضى عليكِ لا تتكلمي كذا و كأني مو أبو خليل ولا أعرفه !! أنا أعرف خليل و راح أعرف شلون أتصرف معاه .. ولا تحسسيني إني مو خايف عليه
وقفت و صرخت بغضب : لاا انت مو خايف عليه مثلي ظليت تهدي فيني يوم قصة غدي إليــن جــالنا البيت مكفّن و الحين وش تنتظرر ؟؟ تبيهم ياخذوا منا خليل بعد ؟؟!
وقف محاذياً لها ليصرخ بذات النبرة : ســلــوى تراااكِ مرة زودتيهاا ، أناا مو أصغر عيالك تصرخي في وجهي كذاا ! احترمي نفسك عاد خلاص كــااافي
أنهى كلماته وتوجه إلى الغرفة بسرعة غاضباً .. وقفت سلوى في مكانها متجمدة من انفجاره المفاجئ في وجهها .. جلست منهارة على الكنبة باكية و هي تقول : يــا رب يـــا رب تعبت خايفة على ولدي يــا رب أنا مو حمل أخسر خليل بعد يــارب


*

السعودية - جدة

تركت حقيبتها عند الباب و ألقت بنفسها في أحضان خالتها التي تسألها عن عودتها لها بتلك الحال ! أما عـزّة ، فالتزمت البكاء و الصمت .. لم تتفوه بشيء .. كل ما كانت تفكر فيه هو حياتها البائسة ، تركها أبويها و عاشت وحيدة لزمن طويل ، و ها هي تحكم على شبابها بالتعاسة الأبدية مع رجل أناني لا يرى في الدنيا سوى ريتال ، ريتال و شهواته التي لا تنتهي !

مسحت خالتها على كتفها و قالت : يا قلبي قولي وش فيك ؟ طلال مزعلك ؟؟
كانت تقول في نفسها : ( طلال يذبحني كل يوم و لا أحد يناقشه ولا قانون يحاسبه )
في تلك الأثناء كان يقف عزيز بعيداً ، يبتسم من جهة لعودة عزة إليهم ، و من جهة أخرى يشعر بالحقد على ذلك الذي يجرح طفلة بريئة مثلها ، و يعيدها مكسورة لا سند لها .. كان يتمنى لو أنها تزوجته أو اختارته ، يقسم أنه سيجعلها تنسى كل ما مرت به من ألم و حزن و انكسار .. لكن قلبها ضعيف أمام ذلك الرجل الذي يستحوذ على عقلها و قلبها و جسدها ببضع كلمات تختفي بمجرد أن ينال منها !
دخلت مستندة إلى كتف خالتها الكهلة ، تشعر أنها كبرت اليوم ألف عام .. خرّت جميع قواها أمام ذلك العشق الساذج ، عزيز أتى بحقيبتها من الخارج و جلس معهم في صالة الجلوس يستمع إلى شهقات " عزّة " و يتمنى أن يذهب الآن ليشرب من دم ذلك البارد الذي حرق قلباً نقياً كقلبها !
حدقت أمه فيه بتعجب : عزيز وش مقعدك هنا ؟؟ قوم خلي البنية تاخذ راحتها
قال بنوع من الفضول : يمه عزة مثل أختي و أنا يعني أبي أقولها لو تبي أي مساعدة أنا موجود !
هزت عزّة رأسها شاكرة له و قالت و هي تمسح دموعها : مشكور عزيز ما تقصر ..
انتصبت قامته مبتسماً بشموخ : لو احتجتي لأي شي أنا موجود ..
التفت معطيهم ظهره و صعد لجناحه .. في الصالة ، ابتعدت عزة عن حضن خالتها لتلتقط منديلاً تمسح به دموعها .. بقلق سألتها : حبيبتي قولي لي وش مزعلك هالكثر طلال وش مسوي معاك ؟؟
بصوتٍ باكٍ بالكاد يخرج أجابت : خالتي ، أناا ...
نظرت إليها باستفهام تنتظرها أن تكمل : قولي حبيبتي انتي شنو ؟
-أنا .. حـامل ..
أبرقت الفرحة في عيني أم طلال ، ثم شهقت و وضعت يدها عن فهمها و قالت : صــددق ؟؟؟
هزّت رأسها مؤكدة ، ففوجئت بخالتها تحتضنها بفرحة عارمة تبارك لها ..
- يا قلبي ألف مبروك !! متى صار هالشي ؟؟
- صارلي شهرين تقريباً ، بس ما كنت أدري !
بابتسامة واسعة قالت : و ليش قاعدة تصيحي هالحين يا بعدي انتي ما تبي تصيري أم ؟؟
عادت دموعها تتناثر بعشوائية على خدودها و قالت بصوت متقطع : إلا .. بس طلال .. طلال ما يبي و قال يبيني أذبح ولدي ! طلال ما يحبني يا خالتي اهوة للحين عايش مع ذكرياته مع ريتال ! حتى يوم قرب لي حس بالذنب و حسسني إني سلعة رخيصة عنده !
عقدت حاجبيها متعجبة : هذا الولد بيجنني !! يوم يناظرك أحس كل حب الدنيا في عيونه ، لكن تعامله معاك غير !! بس هذا الولد ما رح تجهضيه ! و لو كلفني هالشي إني أزعل ولدي .. هذي روح وش اللي قاعد يقوله هذا المفهي ؟!

استمرت عزة في بكائها ، كان عبدالعزيز يسمع كل ما دار بين أمه و عزّة .. شيء من الغيرة اشتعل في داخله ! كان يظن أنها ستكون له وحده ، لكنها الآن ستصبح أماً ، و عشقه لها لا زال يشق طريقه نحو التعقيد و الصعوبة ، و ربما الاستحالة !

في الجهة الأخرى ، كان طلال يفتح باب المنزل متوعداً بتلك التي تهدده و تطلب الطلاق في كل كبيرة و صغيرة .. دخل بعينين متسعتين غضباً ينادي بأعلى صوته : عــزّة .. عــزّة يا مـال الوجــع ردي !!
لكنه لم يكن يسمع لها صوتاً .. البيت هادئ على غير العادة ! دخل إلى غرفة النوم فوجدها مرتبة .. لكن الخزانة مفتوحة و ملابس عزّة ليست موجودة ! أين ذهبت تلك الفتاة ؟؟!! ابتسم بخبث في داخله و بدأت الغيرة تشعل نيرانها في قلبه .. هي فتاة يتيمة لا أحد لها سوانا .. بالتأكيد ذهبت كالطفلة إلى أمه لتشكوه إليها .. فهي تفعل ذلك في كل مرة يؤذيها فيها !
قال في ذاته : " أنا أعرف شلون أربيكِ يا عزّة ، و بعلمك شلون تطلعي من البيت من غير اذني "


*

روما - ايطاليا

ظلت تحدّق في الأفق أمامها ، دون أن ترد ! كان طلب كهذا قد نزل كالصاعقة على مسامعها ! هل حقاً يريد أن يتزوجها بعد أن تخلى عنها في كربتها ؟ لا تدري لِم في تلك اللحظة فكرت في سيمون ! ارتجف قلبها حين شعرت أنها قد تكون علقت في عشقه .. كان طالب ينظر إليها مبتسماً ، منتظراً منها الاجابة التي ترضيه ..
أمال برأسه جانباً و هو يقول : اذا تبي تفكري ، خذي وقتك !
هزت رأسها بالنفي القاطع لما طلب ، كان يبدو عليها الخوف ! حاولت أن تفتح باب السيارة لكن ارتباك يديها أعجزها عن فتحه .. شعرت بيد طالب الدافئة تمسك بيدها ، و قال بهدوء : سديم ، ما ابي اضيعك مرة ثانية !
أخذت أنفاساً متتالية سريعة ، أخرجت دفترها الصغير من حقيبتها لتكتب : أنا مو أي وقت تضيعني و أي وقت تلاقيني! و مو علشاني فقدت قدرتي عالكلام تستغل هالشي و تظن إني مالي غيرك !و إني مجبورة أوافق عليك .. أنا ما ظل في قلبي أي شي تجاهك ..
أشاح بنظره بعيداً عن الدفتر حين قرأ فيه ما يزعجه .. حرّك السيارة دون أن يلتفت إليها و قال : رح أوصلك البيت ..
التزمت الجلوس في مكانها .. أفكارها متشوشة جداً .. لا تعرف لم الآن تفكر بسيمون أكثر من أي شيء آخر ! لكن ذلك لا يمكن .. لا يمكن كل الظروف تقف ضد علاقة كتلك !

*

السعودية - الرياض

ربما كان ذلك القرار بالنسبة لـ " سـمـرْ " هو الأفضل لتعيش حياتها بهدوء .. زوجها عاد ليعمل في الصحافة الالكترونية بهدوء .. يقلقها أنه يلاحق في مقالاته تلك العصابات .. لا زال يشعر أن مكانه ليس هنا .. لكنهم حكموا عليه بالذهاب إلى خارج حدود تلك اللعبة .. ربما يرون أنه قد شاخ و لم يعد قادراً على تحكيم عقله في المكان الصحيح في تلك القضايا .. أو ربما هناك مؤامرة تحاك ،و هناك من يحاول أن يضع ستاراً فوق كل تلك الجرائم .. فوّاز يرجح الخيار الثاني دائماً .. على العموم هو على تواصل دائم مع صديقه راشد .. و يحاول أن يكون على علم بمجريات القضية و متابعاً لها ..
جلست زوجته إلى جانبه لتقول بقلق : حبيبي ارحم نفسك و ارحم عيونك ما تشيلهم عن شاشة الكمبيوتر والله بكرا بتأذي نفسك ! لازم ترتاح ما يصير كذا
دون أن يبعد نظره عن الشاشة أجابها : حبيبتي أنا واجبي أخلّص المجتمع من هالعصابة القذرة ، ومن خلال المقالات اللي بنشرها للناس يمكن يصير عندهم وعي بخطورة هذا الموضوع .. و ترى معرفة المجتمع بمجريات القضايا يساعد بشكل كبير بالقبض على العصابات ..
تنهّدت و أمسكت بيده قائلة : حبيبي ربي لا يضيعلك تعب .. طيب خلاص ساويتلك شاي .. اشرب معاي و بعدين كمل شغلك ..
بتركيز قال : لا حبيبتي مو بخاطري .. اشربي انتِ صحة و عافية ..
أطبقت عينيها بيأس منه ثم ابتعدت مكسورة الخاطر تردد في داخلها : عمرك ما اهتميت فيني أو في بنتك كل شي في حياتك شغل شغل شغل حياتي صارت مملة بسببك .. !!!
هل ألوم سَمـرْ على عدم تفهمها ظروفه ؟ و هل أقول أنه من الصحيح أن تكون مصلحة الشعب أبدى من زوجته و ابنته ؟؟
لكن هل يصعب على رجل ناضج كفواز أن يوازن بين أسرته و وطنه ؟
هل علينا أن نهمل أحد الطرفين لكي ننجح في الآخر ؟!!


*

أيـــار - 2004

السعودية - جدّة

وقفت أمام مرآتها تتأمل بطنها الذي بدأ بالتكوّر .. طفلها بدأ يكبر في أحشائها .. سعيدة جداً بتلك الروح التي ترقد في داخلها .. عادت للتو من عند الطبيبة التي أخبرتها أنها تحمل طفلة أنثى .. ابتسمت لوهلة ثم اختفت ابتسامتها حين تذكرت زوجها الظالم .. الذي لم يسأل عنها منذ أن خرجت من ذلك البيت .. حتى حين يزور أهله يتجاهلها كأنها مجرد حائط أمامه وجوده و عدمه واحد !
حدثت طفلها و هي تضع يدها على بطنها و تقول : أبوكِ قاسي علينا كثير يا بنتي ! لكن أنا ما رح أتخلى عنك لو ايش ما صار !!
خلعت عباءتها ، و ارتدت بيجامة الحمل الجديدة التي اشترتها لها خالتها .. كانت باللون الخمري .. تبرز بطنها المكوّر بطريقة جميلة .. تأكدت أن عزيز خارج المنزل .. ثم نزلت بحركة بطيئة و بعناية إلى الصالة لتخبر خالتها بجنس طفلها !
لكنها فوجئت بطلال يجلس مع أمه ، حين رآها وجه أنظاره فوراً إلى بطنها .. وضعت يديها على بطنها بارتباك و كأنها تخجل منه .. ابتسمت لها خالتها و هي توجه لها السؤال: قولي حبيبتي ما قالت لك الدكتورة وش جنس الجنين ؟؟
أخفضت بصرها في الأرض خجلاً .. ثم قالت : بنت !
بخيبة قالت خالتها : ممم مبروك حبيبتي ! الله يعوضك بالولد المرة الجاي إن شاء الله !
عقدت عزّة حاجبيها من تفكير خالتها الذي فاجئها .. فقال طلال : ما في تعويض .. خلاص كافي إني بتحمل هالبنت !
بغضب صرخت في وجهه : بتتحملها ؟؟ ليش اهية مو بنتك ؟؟ مو نتيجة لحبك لشهواتك و غرائزك ؟؟ لو كنت ما تبيها ليش تقرب لي من الأساس ؟؟
وقف غاضباً متجهاً نحوها ، أطبق يده فوق ذراعها بقوة و همس بغضب : وش هذا الكلام الماصخ قدام أمي ؟؟ انتي يبيلك تربية من أول و جديد !
ما هي إلا ثوانٍ و قد وجد أمه تقف بينهما و تقول : طلال اترك البنت بروحها ! كافي انك تاركها تعاني تعب الحمل بروحها !
بسخرية التفت إلى أمه ليجيب : وش رآيك أحمله عنها كم يوم و أريحها ؟
تلك المرة الأولى التي تصفعه فيها أمه على وجهه صفعة كتلك ، أمام زوجته ! عزّة ، وضعت يدها على فمها مستهجنة الموقف !
بغضب قالت أمه : يا خسارة التربية فيك يا طلال ..
تحرّكت مسرعة غاضبة ، تشعر أنها لا تعرف ابنها ، أصبح شرساً بعد وفاة زوجته ، عشقه لها جعله رجلاً آخر لا تعرفه ، و تقسم أنه لم يكن هذا الذي ربته و تعبت في تربيته !!

*

روما - ايطاليا

فكّرت كثيراً في أن تقوم بتلك العملية .. لكنها متخوفة من نتائجها ، ماذا إن فشلت في استعادة صوتها ؟ لا بد أنها ستدخل في كآبة لا حدود لها .. جميع الأطباء يقولون أن نسبة نجاح العملية عالية جداً ، خاصة أنها قد استطاعت التغلب على ذلك المرض اللعين ! بدأت تستعيد ثقتها في نفسها ، و في قوتها.. و في الحياة ..
لكنها بحاجة إلى من يدعمها .. إلى من يمسك بيدها .. هي تحتاج إلى عشق جديد يجعلها تؤمن أنه لا زال في تلك الدنيا ما يستحق أن تحيا لأجله ..

كتبت في مذكرتها " سأستعيد صوتي لأن الكثيرين سيحتاجونه ، سأكون محامية لأدافع عن الحق ، و لن أفرط في حقوق الناس لأجل خوفي .. إن فشلت الأولى سأكرر .. سأكرر حتى أنجح .. سأستعيد صوتي لأجلي ، و لأجل الناس .. و لأجل حياتي التي لم تبدأ بعد .. أنا سأحيا مجدداً .. سأولد مجدداً .. كفاني صمتاً .. حاون الوقت لأنطق "

ارتسمت ابتسامةً واسعة على شفتيها .. ثم خرجت لأبيها حاملة دفتر مذكراتها .. ابتسم و هو يرى في ملامح ابنته شيئاً من الأمل و حب الحياة افتقده منذ زمن طويل .. فتحت دفترها أمامه و هي تزف إليه بشرى موافقتها على العملية ..
نهض من مكانه بفرحة يعتريها شيء من الخوف .. احتضن ابنته بحب و قال : يا قلب أبوكِ .. إن شاء الله راح يرجع لك صوتك و راح ترجعي تغردي في بيتي
أنا الحين راح أكلم الدكتور و آخذ موعد ..
ابتعد عنها و هو يفتح جواله .. محاولاً أن يهدئ من تسارع نبضات قلبه .. راقبته سديم .. و راقبت فرحته .. " لأجل أن لا تنطفي تلك الفرحة يا أبي .. سأشفى ، أعدك .. "





( انتهى )

سامحوني على قصر البارت بعد هذه الفترة الطويلة ..
كان قصيراً لسببين ..
الأول أنني مرهقة و أفكاري مشوشة بعض الشيء ..
والآخر أنني أردت أن أتيح لكم أن تستذكروا بعض الأحداث دون أن أطيلها عليكم ..
الجزء الثامن سيكون جاهزاً خلال يومين باذن الله ..

انتظروني .. و لا تحرموني من تفاعلكم و مشاركتكم ..

أحبكم ..

أختكم / قَمـرْ!


 
 

 

عرض البوم صور قَمرْ  
قديم 14-05-18, 07:27 AM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2018
العضوية: 329709
المشاركات: 22
الجنس أنثى
معدل التقييم: قَمرْ عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 24

االدولة
البلدEngland
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قَمرْ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : قَمرْ المنتدى : الروايات المغلقة
افتراضي رد: كُربةٌ بكماء / بقلمي

 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..



للتذكير : مواعيد الأجزاء كل سبت ..

لا تُلهيكم الرواية عن الصلاة


بسم الله نبدأ ..


" مهما كانت خسارتها بفقدانه كبيرة, فالبكاء من أجله خسارة أكبر. إن كانت تعده اليوم على هامش مستقبلها, فهي كانت طيلة الوقت على هامش حياته "
مقتبسة من : غُربة الياسَمينْ / خَولة حَمدي .




( 8 )


السعودية – جدة


وقفت جانباً و قد انحنى رأسها للأسفل ، لا تمتلك الجرأة للنظر إليه بعد الموقف الذي وُضِع فيه منذ دقائق ..كسر صمتهم دخول عبدالعزيز المفاجئ إلى الصالة ، فاختبأت عزة خلف طلال الذي اشتاط غضباً حين رآه : انت شلوون تدخل البيت كذاا من غير احم ولا دستوور ؟؟؟
بلامبالاة رد عليه : انت اللي ايش جاي تسوي هنا ؟؟ لا تقول إنك جاي تشوف حرمتك !
بنظرات حادة و هو يستعد للهجوم عليه رد : انت وش علاقتك ؟؟ متى بتحترم نفسك ؟
صرخ في عزة دون أن يتلفت إليها : عزة اطلعي جهزي نفسك بنرد البيت .. " التفت موجهاً كلامه إلى عزيز " : و انت غض نظرك خليها تعرف تتحرك ..
صعدت عزّة إلى الغرفة بسرعة و هي تحاول أن تراقب ما الذي سيجري بين عزيز و زوجها .. وقفت في الأعلى تنظر إليهم ، أما في الأسفل .. فقد تكلم عزيز بغضب : عزّة ما بتروح معاك بتظل هناا اهية مالها احد غيرناا
شدّه طلال من ياقة قميصه و صرخ في وجهه : انت منوو علشان تقرر مصيرها ؟ عزة زوجتي و ان ما شلتها من رااسك و رب الكعبة لأذبححــكك !!!
جاءت أمهم مسرعة إليهم و قالت : شفيك انت و هوو شفييكم ؟
استمر طلال في صراخه و هو يؤشر على عزيز بسبباته : يممه ربي ولدك و قولي له يطلع من حياتي و إلا والله والله إني بذببحه ولا بسأل علييه !
عزيز : والله ماني بتركك إلا لما تطلقهاا و أنا اللي رح آخذها و أعوضها عن كل الحرمان اللي عاشته معااك
في الأعلى شهقت عزة مصدومة و هي تضع يدها على فمها ، لم تستوعب ما سمعت !! هل هو محق فيما يقول ؟ و ما هذا الغضب الجامح الذي سيطر على طلال ؟
صرخت أمه في وجهه : استحي على دمك هذي زوجة أخووك ! " ضربت كفاً بكف " ، ثم أردفت : ياا حساافة عليك و عليه .. ما عرفت أربيكم !! روحوا من قداامي انتوا الثنين طيحتووا وجهي حسبي الله عليييكم !!

بالنسبة لعزّة ، التفتت باكية و تحركت ببطئ نحو غرفتها ، أكنت أجلس طوال تلك المدة مع رجل ينظر إلي بعين العشق و أنا أظن أنه أخ لي ؟ أيعقل أن يتكالب علي الزمان إلى هذا الحد ؟ إلى أين أذهب ؟ إلى زوج يستحقرني و يهينني ؟ إلى رجل ظالم يرفضني و يرفض ابنته ؟ أم أبقى هنا أمام أعين رجل يكن لي مشاعراً لا أعرف مدى طيبتها أو خبثها !!
احتارت في قضيتها ، فما كان لها إلا أن ترتمي في سريرها باكية ، راجية الله أن يخفف كربتها و يعينها على ابتلائها !



*


روما – إيطاليا


كأن الحياة بدأت تبتسم له مجدداً .. حبيبته بدأت تستعيد حبها للحياة ، و ها هي الآن تنتظر موعداً لإجراء العملية لصوتها .. لا يعرف ماذا يجب أن يقول ، و ما هو الكلام المناسب قوله في موقف كهذا ، لكنه يعرف جيداً أنه لا بد من أن يقول شيئاً ما .. كَأن يرسِل لها مثلاً : و أخيراً سوف تستعيد أذني عشقها ، و أخيراً سيعود لقلبي نبضه .. عمليتك نهاية الأسبوع القادم ..كوني جاهزة .
حاولت أن تخفي ابتسامتها و هي تقرأ كلماته ، لكن ما كتب كان أقوى بكثير من كل محاولاتها .. سرحت في أفكارها و هي تحاول أن تتخيل كيف سيكون العالم جميلاً حين تستعيد صوتها !
في الجهة الأخرى ، عند طالب الذي ملّ من انتظار ردها .. جاءته مكالمة تأفف كثيراً حين رأى اسم المتصل .. و رد بملل : آلوو
رشا : مرحبا كيفَك ؟
طالب : بخير الحمدلله .. تفضلي أختي ؟
كان الارتباك واضح في صوتها و كأنها اتصلت بلا حجة أو تبرير : أمم كنت بدي آخود منك عنوان بيتا لسديم لأن ما بعرف وين ولا مرة زرتا !
رفع حاجبه بتعجب و قال : كلميها و خذي عنوانها !! ليش اتصلتي فيني أنا ؟
ازداد ارتباكها فقالت : حاولت احكي معا بس مش عم ترد عالموبايل و أنا ضروري شوفا لأن عنا فحص و بدي تدرّسني ..
تأفف طالب و هو يشعر أنها تخترع حججاً و مبررات كاذبة فقال : طيب الحين أبعثلك العنوان برسالة ..
قالت باندفاع : مم شو رأيك تيجي تاخدني ، أنا قريبة كتير من عيادتك فيك توصلني ؟
تعجّب من جرأتها المتمادية و قال : يا أختي عندي مرضى مـ ..
قاطعته بوقاحة : بلييز طالب ما رح اعرف روح لحالي .. وصلني ازا بتريد مش رح عطلك !
شعر طالب بالاحراج منها ، و وافق على طلبها بمضض .. وقف أمام مرآته و هو يخلع روبه الأبيض "اللابكوت " ، عدّل شكله بسرعة و خرج بعد أن أمر السكرتيرة بصرف المرضى و تأجيلهم إلى يوم آخر .. حين نزل وجدها تقف مرتكزة بظهرها إلى سيارته ، تفحصها ، فتاة بيضاء طويلة ، بعينين عسليتين ، جميلة جداً ، كانت ترتدي بدلة رياضية ضيقة .. ابتلع ريقه و استغفر ربه ، ثم توجه إلى السيارة دون أن ينظر إليها و قال : يالله يا أخت رشا مشينا ، تفضلي ..
ابتسمت بخبث و ركبت السيارة و هي تقول بدلع : انت كل البنات بتقلن يا أختي ؟؟
شغل السيارة و تحرك و هو يرد : ايه الكل ..
عضت شفتها السفلية و قالت : حتى سديم ؟
التفت إليها متعجباً من سؤالها ! كيف عرفت بمشاعري تجاه سديم ؟ لاحظت رشا استغرابه فقالت : نحنا بنعرف إنه كنتوا رح تنخطبوا لو ما صارت مشكلة سديم ..
أعاد نظره إلى المرآة و قال : أختي يا ليت تقفلي هالموضوع ماله داعي نتكلم فيه ! هذا شي يخصني و يخص سديم ..
اعتدلت في جلستها و قالت : طيب فيني اطلب قبل ما تاخدني لعندا بدي روح عالبيت تـ اتأكد إني قفلت قنينة الغاز ..
تأفف طالب و قد بلغ حدّه منها : طيب ، تآمرين ..
ظل الصمت سيد الموقف حتى وصلا إلى بيتها ، نزلت من السيارة و هي تفكر في أمر ما ، و حين صعدت تأخرت على طالب الذي مل كثيراً من انتظارها .. رفع سماعة هاتفه و اتصل بها .. بعد طول انتظار ردت لتقول بصوت مرتجف : بلييز طالب تعال لعندي سااعدني بلييز !!!!!




*


السعودية – الرياض

دخل إلى الغرفة متندماً .. كل ما حصل لهم مؤخراً جعل بيتهم كغيمة سوداء مليئة بالهموم و المشاكل .. يعرف أن تلك المصيبة لن تنتهي .. تلك المصيبة هدمت البيت فوق رؤوسهم ! راح غدي ضحية طمع طبيب باع ضميره ، و راح خليل ضحية انتقامه و ثأره .. جلس إلى جانبها على السرير و قال بهدوء : سلوى الله يخليكِ ، ساعديني أنا والله مو متحمل .. أبيكِ تكوني جنبي ، ما أبي أخاف عليكِ .. ان ظليتي كذا والله بتفقدي عقلك !!
بنفس الهدوء ردت : فيصل ولدنا قاعد يمر بمرحلة صعبة .. أول شي الولد دخل في المراهقة و انت عارف ايش يعني مراهقة ! و اللي مر فيه و شافه مو قليل و أنا خاايفة يودي نفسه في مصيبة !!
تنهّد بعمق و قال : طيب قولي .. أعطيني حل ايش تبيني أسوي أنا جاهز !
صمتت قليلاً و هي تفكر ، ثم قالت : نسافر .. خلينا نسافر و نترك كل شي هنا .. خلينا نحافظ على آخر شي بقي لنا .. ما أبي أضيع خليل مثل ما ضاع أخوه !
هز رأسه بقلة حيلة و رفض : وين بنروح و بنترك أهلنا و شغلنا هنا يا سلوى ؟؟ هذا موو حل .. السفر ما راح يساعد خليل إنه ينسى ..
ساد الصمت قليلاً .. ثم قال فيصل بعد تفكير طويل : أنا راح أعرض خليل على طبيب نفسي !

نعم ، من الظلم أن يُعرض على طبيب نفسي و هو لا زال في أوج طفولته .. لكن هذا هو الحل الوحيد الذي استطاع أن يجده أبيه بعد الكثير من التفكير و العناء و القلق ..
أيا خليل ؟ ألا تُشفق على أبويك قليلاً .. ليس من السهل أن تجد أخيك يُقتل أمامك .. من الصعب جداً أن يعود لكم بلا قلب أو كلى .. لكنك يجب أن ترحم أبَويك ، ارحمهم فلم يبقَ في قلوبهم صبر يعينهم على فقدان آخر .. أو ضياع آخر !



*


السعودية – جدّة


منذ 4 أشهر ، لم تدخل إلى هذا البيت ، على الرغم من أنها لم تقضِ فيه فترة طويلة ، إلا أنها تشعر أنها خلّفت فيه الكثير من الذكريات ، المحزنة منها و المفرحة .. في هذا البيت ، أعدّت أول وجبة طعام لزوجها .. غسلت ملابسه و كَوت قمصانه .. في هذا البيت عايشت معه أموراً كثيرة .. أول قبلة طبعت على شفتيها كانت هنا .. أول لقاء حقيقي بينهما كان هنا .. كم من الغريب أن يجمعنا المكان ، و يعود ليفرقنا ذاته في غضون أيام و أشهر قليلة .. ذلك السرير هو ما كان يجمعنا ليلاً ، و يفرقنا نهاراً .. كم التناقض في هذا البيت لا يُفهَم .. دخلت بخطوات بطيئة إلى غرفة نومها و جلست فوق سريرها دون أن تتفوه بكلمة واحدة ..
أما طلال ، فقد وقف عند الباب متكتفاً و هو ينظر إليها بحدة و كره : مبسوطة الحين باللي صار من وراكِ ؟
ردت ببرود و دون أن تنظر إليه : أنا ما سويت شي ..
ضرب الحائط بيده و قال بغضب : شلوون ما سويتي شيي !! كل شي صار اليوم بسببك و تقولي ما سويت شي !!!
انتصبت قامتها و ردت : طلال أرجوك ، أنا رجعت هنا علشان أقصر المشاكل ، يا ليت ما تسمعني صوتك ولا تكلمني ..
اتسعت عيناه و هو يسمع كلامها الذي يخلو من كل الأدب و قال باستنكار : عيدي اللي قلتيه ؟؟؟؟
أخذت تطوي حجابها و قالت بلامبالاة : اللي سمعته ..
انتفض جسدها و ارتجفت أطرافها حين رأته يقترب منها بسرعة و الغضب يتطاير من عينيه ، أمسك شعرها بيديه و قال و هو يضغط على أسنانه : عزة ترى لا تقلي أدبك معااي لأكوفنك ! لا تخليني أمد يدي عليكِ !
: تمد يدك علي ؟؟؟ طبعاً أمك و أخوك يبهدلوك و انت تيجي تستقوي علي !!
صرخ صرخة هزت أرجاء المنزل : عـــزززة !!
لم يسمح لها بالكلام ، ألقى بها أرضاً و بدأ يضربها بلا رحمة أينما سقطت يده .. و هي كالأموات أصبحت بين يديه لا تملك قدرة لا للبكاء ولا حتى للصراخ !!



*


إيطاليا – روما


وقف على الباب منتظراً أن تفتح له ..و حين فتحت لم تسمح له بالكلام ، فقط شدته من يده إلى الداخل و أغلقت الباب .. وقف طالب متشنجاً من منظرها و قال : ايش اللي صار ؟؟!
رشا بدلع : حبيت شربك فنجان قهوة ما بدك ؟؟
أخذ نفساً عميقاً و هو يراقب منظرها ، تلبس فستاناً قصيراً حريراً باللون الأسود ، تخجل المرأة أن تلبسه أمام زوجها !
تنهد و قال : رشا لو سمحتِ ماله داعي هالحركات ، أنا راح أروح و يا ليت لا ترجعي تدقين علي !
اقتربت منه بحركة سريعة و هي تقول : تؤ تؤ تؤ ما بيصير توصل بيتي و ما تشرب شي ..
استمر في صمته بينما تغزلت هي به ، خلعت ثوب حيائها قبل أن تخلع أي شيء ، قالت بهمس : بتعرف إني كتير بحب الدكاترة ؟
و ماذا سنتوقع منه في خلوة كتلك مع فتاة لا تملك في حياتها إلا جمالها ، لا تملك من يردعها عن أفعالها ! اقتربت منه و بدأت تفك أزرار قميصه دون أي مقاومة منه ، فقد كان غارقاً في رائحة عطرها المثيرة .. حتى أنه لم ينتبه إلى رسائل سديم و اتصالاتها المتكررة .. كل ما حدث خطأ ، في الوقت الخطأ .. خسرت يا طالب ..


في الجهة الأخرى ، حاولت سديم أن تمنح نفسها و تمنحه فرصة أخرى .. حاولت أن تفهم الحياة من منظور آخر .. قررت أخيراً أن تسمعه ، تريد أن تفهم ما الذي جعله يتخلى عنها .. تريد أن تسامح ، تشعر أنها تعبت من كثرة العتاب و الألم ، تريد أن تبوح بكل شيء في قلبها .. مجرد قرارها بالموافقة على العملية و إعطاء طالب فرصة أخرى منحها شعوراً بالرضى و الأمل .. واثقة أن الزمن يخبئ لها الأجمل .. تنهدت براحة و استندت إلى سريرها و هي تفكر بتفاؤل في المستقبل ..



-

خرج أخيراً من تلك الحالة السيئة التي كان فيها .. اقتنع مؤخراً أن العشق لا يحتاج إلى ضعف و نوم و ارتماء في المنزل .. العشق يحتاج إلى القوة ، القوة التي ستمنح سديم الأمان و الثقة ..لن يستمع إلى كل ذلك اللوم الذي يتلقاه لمجرد أنه أحب فتاة مسلمة ، بكماء أو ما شابه .. سيمون ، أحبها من دون شروط .. أحبها كـ سَديم فقط .. مجردة من كل الأمور التي قد تقف عائقاً في طريق عشقه لها ..
قرر أن يعود لتلك الأفعال الطفولية التي أعادته إلى أيام مراهقته ، اشترى وردة حمراء ، استنشق رائحتها و ابتسم و هو يتخيل كم ستكون ابتسامة حبيبته ساحرة حين تستنشق تلك الوردة ..



*

السعودية – جدّة

جلس على الكرسي يتنفس بسرعة و العرق يتصبب من جبينه بعد أن شعر أنه قد فرّغ ما في داخله من غضب .. كانت كالجثة ترقد في الأرض دون حراك ، تئنّ بألم و قد ازرقت شفتيها .. قالت بنفس متقطع و هي تشعر أنها ستموت من ألم بطنها و ظهرها : طـ طـلاال .. بـمـ ـوت خـ ـذنـ ـي ..
لم تكمل جملتها ، فقدت وعيها و بدأت قطرات الدماء تلون الأرض تحتها .. نهض طلال من مكانه بسرعة جنونية و هو يرى الدماء تنزف من تحتها .. وجهها الأصفر أرعبه ، حاول أن يوقظها بلطمات خفيفة : عزة !! عزة ايش صارلك ؟؟؟؟؟
حملها بين يديه كالمجنون بعد أن غطى رأسها و نزل مسرعاً إلى سيارته و هو يعض شفتيه ندماً .. قاد بسرعة جنونية و هو يراقبها من خلال المرآة حتى وصل إلى المستشفى بقلب مرتجف .. لا يعلم ما الذي يخيفه .. هل هو خائف من فقدان عزة ؟ أم خائف من فقدان الجنين ؟؟ أم أن خوفه فقط لأنه هو السبب ؟؟!!
جلس أمام الغرفة و هو ينظر إلى الدم الذي لطّخ يديه بحسرة و ألم .. لم يذكر كيف جرى ذلك و كيف استطاع أن يضربها بتلك الوحشية دون أن يراعي حملها !
انتظر لفترة قد مرت عليه كسنة طويلة ، خرجت بعدها الطبيبة مرهقة لتقول : الحمدلله أوقفنا النزيف ..
وقف طلال بخوف و قال : عزة شلونها ؟؟؟؟
تنهدت الطبيبة و قالت : عزة كويسة ، بس الجنين للحين في خطر .. أعطيناها ابرة مثبتة و ان شاء الله ما نخسر الطفل .. لأن خسارته بهالعمر من الحمل خطيرة على عزة !
قالت أم طلال و هي تنظر إلى ابنها بحقد : طيب دكتورة و الحين ايش بتسوون رح تطلع من المستشفى ؟
: عزة لازم تظل عندنا ليوم الولادة ، لازم تظل مرتاحة في سريرها و مريحة ظهرها ، و أنا راح أشرف على حالتها بشكل يومي .. ما نقدر نخاطر و نخرجها بعد اللي تعرضتله ..
قال عزيز بلؤم : و تقدر تشتكي على اللي سببلها هالاذى ؟؟
نظرت الطبيبة إلى طلال بعتاب و قالت : ايه أكيد ، بس المريضة ما تبي ..
نظر الجميع إلى الطبيبة بدهشة .. أردفت : زوجتك عندها قلب طيب و حرام تساوي فيها كذا !!
أطبق طلال عينيه بألم و ندم ، و قال : أقدر أشوفها ؟؟
هزت الطبيبة رأسها بالنفي و قالت : المريضة ما تبي تشوف أحد .. أنا آسفة ..
تركتهم الطبيبة ، ينظرون إلى طلال بحقد و كره .. في الداخل كانت عزة تبكي ألماً و حرقة .. للمرة الأولى تشعر أن لا مكان لها في الدنيا ، تشعر برغبة لو ماتت مع أهلها طفلة ، لكان أهون عليها من عيش ذليل مع رجل كـ طلال ..


*

إيطاليا – روما

جلس على السرير ليربط حذاءه بصمت و هو يفكّر في قذارة ما فعل .. كيف خرت جميع قواه أمامها ؟ ألا أملك من الرجولة ما يكفي ؟ كم أنا مغفل ، مجرد امرأة حسناء أطاحت بي !
أيقظته من أفكاره رشا ، التي احتضنته من الخلف و قالت : بدي اعزمك على العشا عندي بتجي ؟؟
التفت لينظر لها بحدّة و قال : انسي اللي صار من شوي ، و لا تفكري إن اللي صار صار لأني أحبك .. أنا أحب سديم و أبيها ..
مدت جواله له و هي تقول : على فكرة ، اتصلت فيك كتير بس انت ما رديت ، أساساً ما كنت واعي على حالك .. لدرجة إنك ما سمعت موبايلك لما حبيبة قلبك كانت عم تتصل!
سحبه من يدها بعنف ، قرأ رسالتها بألم : " طالب ، ما عندي مشكلة نعطي نفسنا فرصة ثانية .. أبي أسمعك و أفهم منك .. أنا موافقة أعطيك فرصة ثانية .. "
كانت رشا خلفه تقرأ ما كتبت سديم ، و قالت بسخرية : يا حرام يا سديم ، واضح إنها مش عارفة إنك ما بتستحق هالفرصة !
انتصبت قامته و وضع جواله في جيبه و قال و هو يعدل ياقة قميصه دون أن ينظر لها : مثل ما نبهتك ، اللي صار ما أحد يدرى فيه .. و إلا بيصير شي ما يعجبك ..
رمقها بنظرة ذات معنى .. تركها خلفه تبتسم بغرور .. و خرج من المنزل و هو يفكر .. هل سأخفي عن سديم هذا الأمر ؟ هل سأخدعها مجدداً ؟ لمَ الآن ؟ لم الآن يا سديم ؟ لم أنت مصرة على تعذيبي و قتلي .. أنتِ أطهر بكثير مني .. أطهر و أنقى من أن أدنسك بقذارتي .. كيف فعلت ذلك ؟ لا أذكر ما الذي حصل ، لكنني مذنب بالتأكيد .. كنت أعرف أن تلك الفتاة تنوي على أمر ما ، كنت قادراً على فهم نواياها ، لكنني انسقت خلفها دون أن أشعر ، انسقت خلفها فقط لأرضي رغباتي اللعينة .. أرضيتها فعصيت الله ، و خسرت ثقتي بنفسي و خسرت احترامي لذاتي .. حتى أنني خسرتكِ مجدداً يا عِشقي الأزلي !


-

منذ فترة طويلة لم يفعلها !! ما الذي أعاد تلك الحالة الآن ؟ وردة حمراء ذات رائحة زكية متعلقة بيد خزانتها الصغيرة في ممر قسم الحقوق .. عرفت على الفور أنها من " سيمون " .. أخذتها دون أن تبتسم ، خيّبت أمل ذلك الذي راقبها من بعد .. كانت تفكر في التوقيت الخاطئ الذي عاد فيه سيمون لاهتمامه بها .. حين بدأت تحكّم عقلها و تحاول أن تفتح صفحة جديدة في حياتها ، عاد هو للظهور أمامها ، كلعنة تأبى أن تفارقها .. يظهر أمامها كحجر يعرقلها كلما أرادت النهوض .. أخذت تستنشق رائحتها بهدوء و هي تفكر .. أبعدت الوردة عن أنفها حين سمعت خطوات أحدهم .. مر إلى جانبها برائحة عطره التي مرت معه ، ابتسم دون أن يتوقف ليقول :
Good morning
(صباح الخير ) ..
ثم أكمل سيره و هو يحمل حقيبة جهازه المحمول دون أن ينتظر ردها .. وقفت في مكانها و راقبته متعجبة حتى اختفى من أمامها .. " هل أنت صاحب الوردة ، أم من ؟ "
قطعت سلسلة أفكارها ، ريم و هي تقول : الله الله ايه الورد الجميل ده من الصبح !
التفتت إليها بابتسامة باهتة و لا زال عقلها مشوشاً .. قالت رشا بخبث : ما تكون هالوردة من مسيو طالب ؟
اتسعت عينا سديم باستغراب دون أن ترد .. فقط أخذت تحدق فيها بنظرات غير مريحة .. فتحت جوالها لتتفقد ما إذا كان طالب قد رد على رسالتها ، لكنها لم تجد منه أي جواب ! رفعت رأسها لتجد رشا تبتسم في وجهها بكل خبث و كأنها تقول : لا داعي للانتظار .. لن يرد !

*

السعودية – جدة


استيقظت بعد نوم طويل ، نظرت حولها لتجد " طلال " واضعاً رأسه فوق سريرها ممسكاً بيدها ، و غارق في نومه .. لا تعلم لِم نفضت يدها منه بقوة ، فقط تعلم أنها لا تطيق أن يلمسها أو يقترب منها .. قالت بحدة : طلال .. طلال قوم ..
فتح عينيه ببطئ ، ثم نهض و قال بلهفة و هو يتحسس وجهها : عزة ! شلون صرتي الحين ؟؟؟ حاسة بشي أنادي الدكتورة ؟
تأففت و قالت : مشكور ما قصرت .. طلال ما أبي أشوفك هنا لو سمحت ..
طأطأ رأسه و قال بصوت باهت : عزة .. أنا مدري ويش أقول .. أنا آسف .. مادري شنو صار ولا ادري شلون صار كذا !
تنهدت بألم و لم ترد .. كأنها تقول أرجوك اخرج ولا تتكلم .. أمسك بيدها و ضغط عليها و قال : صدقيني لما شفتك بهالحالة مادري ايش صارلي خفت خفت أفقدك خفت أفقد بنتنا .. صدقيني عزة أنا الحين فهمت ايش يعني ضناا .. خفت أفقدكم و ربي .. سامحيني و خلينا نبدا من جديد .. كل شي رح يتغير وعد ..
ضحكت بسخرية و عدم تصديق .. ثم قالت بعد صمت : تدري طلال شنو المشكلة ؟؟ المشكلة إنك كل مرة تعتذر و تقول آسف .. و توعدني إنك بتتغير .. بس بعدين كل شي بيرجع أسوأ من قبل .. ليش ؟ لأني أسامحك دايماً و أعطيك فُرص ! بس تدري شنو ؟ الحين أنا مو حاسة إني قادرة أعطيك أي فرصة .. مو حاسة إن عندي رغبة أبدا معاك من الأول .. حاسة إنه كل شي في قلبي تجاهك انتهى و ماات .. أنا مستحيل أحب رجال ضربني و استقوى علي .. مستحيل أحبك لأنك استغليت ضعفي و وحدتي علشان تفرض أمراضك النفسية علي .. انت راح تظل طول عمرك عايش بعقدة الذنب و حاسس إنك مو لازم تتزوج و تكمل حياتك بعد ريتال .. و أنا آسفة ماني مضطرة أكمل حياتي مع واحد مُعقّد !
لم يستطع الرد ، أو بالأحرى ، لم يجد كلمات للرد .. عزة محقة في كل ما تقول .. أنا أعدها الآن أن أتغير و لكنني لا أضمن انني قادر على تنفيذ هذا الوعد .. من حقها أن تفقد الثقة بي .. لم أكن لها يوماً زوجاً حنوناً .. لكن في داخلي صوت يناديني دائماً ، إنه صوت ريتال .. صوت يقول لي أنني خائن .. لا أعلم لم شعرت بالتقزز من نفسي بعد لقائنا الأول يا عزة .. لا أعلم لم شعرت أنني يجب أن أستحم كثيراً لأخلص نفسي من الشعور بالذنب تجاه زوجتي .. و ربما كرهت حملك لأنني ظننت أنه نتيجة لا تُمحى لحماقتي .. تنهد بألم ، و خرج من غرفتها بهدوء .. تركها تبتسم بنصر .. شعرت بالراحة بعد أن فجّرت كل ما في داخلها ..

( انتهى )

أتمنى أن ينال الجزء إعجابكم ..

ما هي توقعاتكم ؟

1- إلى أين ستصل الأمور بين عزة و طلال ؟
2- هل ستنتهي علاقة رشا بطالب عند هذا الحد ؟ أم أنها ستأخذ أبعاداً أخرى؟
3- ماذا ستكون نتيجة زيارة الطبيب النفسي لخليل ؟
4- ماذا عن عودة سيمون ؟ و هل ستلتقي سديم بطالب و تسمع تبريره ؟
قرائي الجميلين ، لا تحرموني من تفاعلكم و ردودكم .. في انتظار آراءكم ..

موعدنا باذن الله في الجزء التاسع ، السبت القادم ..

في أمان الله .. أختكم / قَـمـرْ !




 
 

 

عرض البوم صور قَمرْ  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
بقلمي, بكماء, كُربةٌ
facebook




جديد مواضيع قسم الروايات المغلقة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:52 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية