كاتب الموضوع :
عمرو مصطفى
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: جزيرة نمنم (قصة قصيرة على حلقات)
حلقة 2
تقدمت من فتحة الكهف وقلت لهم مشجعاً:
ـ ربما كان به مخرجاً كما قال رشيد.. أو على الأقل سيكون ملاذاً مؤقتاً من قبيلة نمنم المتوحشة.
ـ انتظروني!
التفتنا لنجد الطاهي البدين يهرول ناحيتنا و كتل الشحم التي تملأ جسده تترجرج.. هلل البحارة فرحين على حين داعبت لحيتي مفكراً.. كيف تركوه؟
قال حينما وصل إلينا موضحاً :
ـ لقد نظروا لي باشمئزاز ثم تركوني وانصرفوا..
ثم ضحك وهو يرتب على كرشه :
ـ يبدو أنهم لا يحبون السمن..
لهذا تجاهلوا الطاهي وسبع البحار!.. إنهم حمقى يخلطون بين السمنة والضخامة.. هؤلاء اغرب آكلي لحوم بشر يمكن مقابلتهم.. يصابون بالتقزز ويعافون الأكل السمين.. لن تنتهي مشاهداتنا الغريبة في تلك الدنيا حتى نموت.
***
قمنا بجمع بعض الحطب والعشب الجاف وأشعلنا النار لنبصر معالم الكهف من الداخل.. فأشعة الشمس لم تكن تصل إلى الأعماق الغائرة.. وهج النار أظهر لنا هناك رسومات ساذجة بالطبشور على الجدران.. كذلك رأينا في قلب الكهف تلك الأشياء المكومة على الأرض في وضع القرفصاء.. هذه جثث تم تحنيطها بوسيلة ما.. إذن الكهف هو مقبرة الجزيرة المقدسة..
ـ لماذا يجلسونهم هكذا؟..
تساءل حميد .. فابتسمت قائلاً في خفوت :
ـ يبدو أنه نوع من الأدب!..
ـ ولماذا لم يواصلوا مطاردتنا؟
قلت وأنا أخلل لحيتي :
ـ ربما لأن المكان مقدساً..
قال في غيظ :
ـ كيف يدفنون موتاهم إذن؟.. ينقلونهم على البساط السحري..
لوحت له بكفي قائلاً في ملل:
ـ لا شك أن هناك سبب قهري منعهم من مواصلة المطاردة.. المهم أن هذا من حسن حظنا..
ورمقت المومياوات الجالسة القرفصاء وابتلعت ريقي..
ـ حذار يا سيدي...
كذا صاح سبع البحار فالتفتنا إليه مذعورين.. كانت قسمات وجهه تنافس صخور الكهف صلابة وصرامة وهو يشير للمومياوات قائلاً :
ـ إنهم موتى يا سيدي..
ـ أنت عبقري يا سبع البحار.. لوكنت تعتقد العكس فأنت في ورطة..
اختلجت شفتيه وأطرق إلى الأرض قائلاً:
ـ ربما كان دخلونا هذا المكان تدنيساً في عرفهم..
قلت له ساخراً :
ـ ماذا تتوقع منهم سيرفضون أكلنا لأننا مدنسين؟..
ثم أشرت إلى عمق الكهف قائلاً :
ـ دعونا ننظر إلى أي شيء سينتهي طريق المومياوات هذا.. لنواصل السير بين السادة والسيدات.. لكن بحذر..
بالفعل تحرك الرجال بحذر مشوب بالذعر بين الجثث المتحللة كي لا نسقط أو ندهس بعضها فنصاب بلعنة ما..
هنا تصلب سبع البحار وبدأ يتصبب عرقا..
ـ ماذا دهاك يا سبع البحار؟..
كانت عيناه تتسعان ويزداد بياضهما لمعاناً.. وكلماته تخرج متقطعة :
ـ إنني.. إنني أخشى الجثث..
ـ تباً ..
قلتها في غيظ فهذا أخر شيء يمكن أن يخطر لنا على بال.. على حين جثى سبع البحار على ركبتيه وبدأ يصدر أصوات شهيق وزفير كأنما يحتضر.. ثم رفع رأسه وقال بصوت مختنق:
ـ إنها عقدتي منذ الطفولة.. لقد ماتت عائلتي كلها إلى جواري وأنا لا أدري ماذا ينبغي علي فعله.. وظللت نائماً بينهم بانتظار استيقاظهم.. فلم يستيقظوا حتى فتحت عيناي يوماً على مشهد مريع ورائحة بشعـ....
قاطعته في حزم وأنا أرى تنتن وتنتون يلتصقان بي أكثر :
ـ يكفينا ما نحن فيه يا سبع البحار نرجوك..
صاح في ذعر طفولي :
ـ أنا لن أستطيع مواصلة الطريق يا سيدي.. يخيل إلي أن تلك الجثث ستنهض وتلتف من حولي و.. وتأكلني..
أغمضت عيناي شاعراً بالصدمة.. سبع البحار فارس الخاتون الهصور يخشى جثث الموتى المحنطة.. هنا هتف حميد :
ـ يا لك من طفل جبان..
فتحت عيناي فرأيت سبع البحار ينظر لحميد في ذهول قائلاً :
ـ أنا طفل جبان؟!..
اقترب منه حميد بوجهه، و جثى على ركبتيه ليواصل الكلام بحدة أكثر:
ـ جبان ورعديد..
انعقد حاجبي سبع البحار وبدأت أسنانه البيضاء تلمع :
ـ كيف تجرؤ؟..
وبدأ ينهض ببطء وبدأ حميد يرتفع برأسه ليبصر سبع البحار بعد أن عاد لحجمه الطبيعي.. لقد نجح في استفزازه بالفعل.. المهم ألا يتهور سبع البحار فنخسر حميد للأبد.. صحت كي أكبح جماح عملاقي الأثير :
ـ سبع البحار..
التفت إلي في رهبة فواصلت مبتسماً :
ـ عليك أن تشكر حميد فقد عالج عقدتك.. وعلينا أن نواصل السير كي لا نضيع المزيد من الوقت..
تجهم وجه سبع البحار وهو يرمق حميد بنظرة جانبية :
ـ لقد سخر من عقدتي..
أشرت للمومياوات قائلاً في تؤدة :
ـ لا أحد يخاف من عظام بالية يا سبع البحار.. إنها لا تؤذي أحداً.
هنا اعتدلت إحدى الجثث المتحللة وصاحت بصوت حاد :
ـ هل أنت متأكد؟..
التفت لها قائلاً بتلقائية :
ـ طبعاً يا أنسة إنـ...
قطعت عبارتي واستدرت لأدفن رأسي في صدر سبع البحار هامساً :
ـ سبع البحار هل سمعت الجثة المتحللة تتكلم؟..
أغمض سبع البحار عينيه وهز رأسه في عنف أن نعم...
هنا بدأ حفل الصراخ الجماعي... صراخي، وصراخ وحميد، وسبع البحار و...
وصراخ أشياء أخرى كنا نعتقدها جثثاً محنطة لا تؤذي أحداً...
***
|