كاتب الموضوع :
عمرو مصطفى
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: جزيرة نمنم (قصة قصيرة على حلقات)
حلقة 3
كالعادة تشبث بي تنتن وتنتون كي لا أتمكن من الفرار أو حتى الدفاع عن نفسي.. كانت المومياء التي ردت علي تقترب مني وهي تمد يديها المتأكلتين ناحيتي مطلقةً فحيح يليق بكونها جثة فعلاً..
ـ أنت منا..
هكذا صاحت الجثة بصوتها المتأكل.. صرخت فيها وأنا أدفعها برجلي:
ـ لا..
ثم أمسكت بسراويلي خشية أن تسقط بسبب جذب التوأم المستميت.. نظرت لحميد فرأيته يثب متراجعاً ليتفادى هجمة جثة حانقة فقط ليقع في حجر أخرى تلقفته وهي تبتسم له كاشفة عن صفين من الأسنان رائعة الجمال.. وسمعتها تفح كالحية:
ـ فتىً جميل..
سبع البحار كان خوفه قد انمحى مع تحرك الجثث.. وتحول إلى طوفان هائج يهدد أي واحدة تقترب بالسحق والتحول لفتات..
الشهاب والطاهي ورشيد ومعهم بقية البحارة انطلقوا فارين من الكهف وهم لا يكفون عن الصراخ..
نظرة سريعة طمأنتني على حال رفاقي الأشاوس.. إذن فلأهتم بأمري وبأمر الثنائي المزعج الذي سيتسبب في سقوط سراويلي أمام الجثث..
سحقت بقدمي يد إحدى المومياوات التي حاولت جذب تنتون في تصميم..
تراجعت الجثة وهي تصرخ كأني انتزعت حنجرتها.. لقد دهست يدك فقط يا حمقاء.. لما كل هذا الضجيج ؟!
ـ سندباد احترس..
امتقع وجهي لصرخة تنتن المحذرة.. توقعت الهجمة من اليمين فاستدرت بوجهي لليمن مطلقاً صرخة مدوية توقعت أنها ستزلزل كيان تلك الكائنات..
طبعاً جاء الهجوم من اليسار وشعرت باليد العظمية ذات الأظافر المخلبية تنشب في عنقي.. ورأيت وجه مهاجمي.. كل المومياوات تتشابه لكن هذه كانت تبتسم في رقة مفزعة..
ـ نحن لم نذق اللحم منذ عقود طويلة..
صحت مقاوماً شعوري بالغثيان:
ـ اللحم سيكون ثقيلاً على معدتك لو أردت رأيي..
ـ سندباد.. لا..
كذا صاح تنتن وتنتون وهما يثبان فوق ظهر الجثة ويتعلقان بعنقها صارخين في غل:
ـ اتركيه أيتها اللعينة..
ولشدة دهشتي رأيت رأس المومياء ينفصل عن الجسد تحت ضغط تنتن وتنتون.. وتهاوى جسدها على الأرض الصخرية..
صحت فيهم وأنا أركل واحدة أخرى جاءت زاحفة على بطنها وهي تطلق ذلك الفحيح المزعج :
ـ غادروا ذلك الكهف اللعين..
كشر تنتن وتنتون عن أنيابهم و كورا قبضتيهما صائحين :
ـ أنهن هشات للغاية..
ثم وثبن وسط الجثث بشجاعة أذهلتني وبدأوا يوزعون اللكمات والركلات يميناً وشمالاً..
هنا سمعت أنين من خلفي فاستدرت صارخاً في لوعة وقد تذكرت:
ـ حميد..
كان الأخير مازال في حجر المومياء التي تلقفته وهو يفر من أختها.. وحولها التف حشد من المومياوات يتمايلن في نشوة.. مشهد حميد بدا لي للوهلة الأولى كطفل تهدهده أمه.. وقد أثار هذا التصور سخريتي بالطبع .. لكن الموقف كان يستدعي تدخلاً حاسماً لأن المومياء التي على وشك أن ترضع حميد قد سيطرت على ذلك الأخير تماماً.. وبدا في حجرها كالرضيع فعلاً..
لاحظت أن المومياوات يتجمعن عليه أكثر.. ويتحاشين الاحتكاك بنا.. لقد فازوا بغنيمة اليوم..
ـ إلي يا سبع البحار..
هكذا هتفت وأنا أتقدم من الحفل بحذر.. وخف إلي سبع البحار فلما رأى المشهد ظهرت على وجهه إمارات الغباء..
وجاء تنتن وتنتون وهما يلوحان بقبضتيهما :
ـ أين حميد؟..
ثم انتبهوا للمشهد فتجمدوا..
المشهد كان غريباً جداً..
المومياوات يؤدين حركات بأيديهن ورؤوسهن كأنها رقصات.. رقصات على أنغام تصدرها المومياء المرضع.. أنغام من حنجرتها المتأكلة...
إنها تغني لحميد أغنية..
مشهداً أثار قشعريرة في جسدي، وغثيان.. الموتى لا يعودون للحياة إلا يوم القيامة.. ما نراه أمامنا هو من قبيل السحر والشيطنة لا أكثر.. ودون وعي بدأت أتعوذ بالله من الشيطان الرجيم..
هنا رأيت المومياء التي تحتضن حميد تلتفت إلي وتصرخ في غل :
ـ كف.. ستوقظ الطفل..
كدت أتوقف بالفعل معتذراً لها على المقاطعة ثم استدركت أمري
فواصلت التعوذ متحدياً..
هنا رأيت المومياوات من حول حميد ينتفضن..
تمتد أيديهن المتحللة تجاهي كأنهن يردن النيل مني.. ثم فجأة تهاوت أجسادهن على الأرض بلا حراك.. حتى المومياء التي تحتضن حميد
سقطت على ظهرها وإن بقي حميد في حجرها يئن..
ظللنا حيث نحن جامدين.. فقط ظل لساني يلهج بالذكر احترازاً وقلبي يخفق بقوة..
ثم التفت للتوأم وسبع البحار وازدرت لعابي قائلاً :
ـ الجثث لا تعود للحياة.. كان هذا مجرد عبث شيطاني.. هذا كهف مسكون.
قلتها وتقدمت من حميد ومددت يدي إليه لينهض لكنه ظل حيث هو..
ـ حميد هل أنت بخير..
لم يرد علي.. أهويت إليه صارخاً :
ـ حميد رد علي..
جذبته بعيداً عن المومياء التي استرخى في حجرها تماماً وبدأت أضرب خديه بكفي.. كانت عيناه مفتوحتان لكنه لا ينظر لشيء.. يا إلهي..
سمعت سبع البحار يهتف من خلفي :
ـ لقد أصابته لعنة.. اتركه.. ابتعد عنه..
قلت له مستنكراً :
ـ لعنة!.. إنه ممسوس..
هنا سمعت صوته يهمس :
ـ أنا لست ممسوساً..
التفتنا إليه متنفسين الصعداء.. ولم أتمالك منع نفسي من ركله صائحاً:
ـ تباً لك.. لقد أفزعتني أكثر من الجثث المتحللة..
نهض وهو يرمق المومياء التي كان يرقد في حجرها كالطفل الوليد..
ـ رباه.. لقد خيل إلي أنني أجلس في حجر أمي فعلاً..
تبادلت مع سبع البحار النظرات ثم التفت إليه وأنا أقاوم الابتسام :
ـ لقد سحرت عينيك يا حميد.. لا أظنها تشبه أمك.. على الأقل ليس وهي حية ترزق..
ـ أين البحارة؟
ـ لقد فروا من الكهف.. فضلوا مواجهة نمنم على مواجهة مومياواتهم.
هرش حميد رأسه وقال بإعياء :
ـ يجب أن نغادر تلك الجزيرة.. أشعر أنني لست على ما يرام..
قلت مشيراً إلى الجثث :
ـ سنفعلها.. لكن علينا أولاً أن نواجه نمنم بموتاهم.
***
|