كاتب الموضوع :
روتيلا
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: الباسمة
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ..... أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعةٌ ... ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى ... وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي...... ...إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَةُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ... إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ
حفظتُ وضيعتِ المودةَ بيننا ... و أحسنَ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ، العذرُ
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ ... لأحرفها، من كفِّ كاتبها بشرُ
أبو فراس الحمداني
الفصل الرابع
بغرفتها تتلوى من الحزن الذي أطبق على صدرها حتى جعلها تكاد تصرخ وهي تمنع صداها بالصعود لأعلى فيسمعها كل البشر أو الأهم أن يسمعها من يقبع بغرفته فتضغط على فمها بكفيها وهي تميل بجسدها أماماً وخلفاً...
لم تكن دموع تلك التي ذرفتها عندما علمت بمرضه بل كانت دماء نزفتها لأخر قطرة ..كيف هانت عليه وأخفى ما به عنها وكيف علم وتأكد من مرضه ومتى أجرى تحاليل وأشاعات طبية وهي في غفلة عنه... أسئلة كثيرة وجميعها بلا إجابة ..
هي لم تتركة أبداً .. لم يفترقوا أبداً.. فمتى فعل تلك الأمور ..
كانت تراه يئن من الصداع ..كانت تراه يعاني من غثيان و إغماءات خفيفة و انخفاض وزن
وهي كانت بغفلة ..
لكن الأن بعد معرفتها بإن كل ما يعانيه كان بإمضاء ساخر من مرض خبيث أصاب رأسه الغالي تنعت نفسها بالغباء والتراخي ..
فليحق لكِ يا أمي أن تغضبي مني فابنتك لم تراعي الحبيب الذي طلبتي منها مراراً وتكراراً أن تراعيه وأنتِ على سرير المرض ... انشغلت بنفسها حتى إنها لم تنتبه ... يا ربي كيف كان يواظب يومياً على مزاولة عمله الذي كان يتطلب منه التركيز بالسياقة ..
لكن لا ..
لن أظل هنا أسأل نفسي والإجابة عنده لن أدع لحظات ضعفي أمامه حاجز يمنعني من معرفة كل ما يخصه يكفي أسبوعان من الهروب المتبادل بيننا والتي ستنتهي الأن ..
انتفضت من مكانها بتصميم واقتحمت عليه خلوته لتراه ممسكاً بكتاب الله من بعد صلاة الفجر كما عود نفسه فيرفع رأسه بجمود ولم يتوقف لحظة بل أعاد عينيه للمصحف و استمر بالترتيل حتى انتهى بينما هي اتخذت الجانب المقابل له صامتة ومنصتة والعزم بعينيها يخبرانه أن صمته انتهى ليبادرها بقوله
:لم تستأذنِ قبل إقتحام الغرفة وكأنك لازلتِ طفلة لأعلمك أداب الدخول لغرفة والدك هذا أولاً
لتشير له بهدوء وكأنه لم يوبخها هي ابنة الثلاثين : وثانياً
:لن أفصح لكِ عن أي إجابة عن أسألتك التي تدور بعينك الحمراء مثل الدم حتى توافقي على مقابلة أم الطبيب أمجد التي ستأتي اليوم معه لتطلبك للزواج من ابنها وستقابليها كأي عروس فرحة
وكأنها لم تسمعه وكأنها لم تخترقها كلماته عن عريس جديد يريد إراغمها على مقابلته والأدهى القبول به فحركت يديها على وجهها بعصبيها تحاول أن تقاوم الإنهيار ثم اشارت له بيديها مع ثقل لسانها : لماذا لم تخبرني بطبيعة مرضك .. هل لهذه الدرجة غير مهمة عندك
وضع المصحف على المنضده بجانبه بعدما قبله بتقديس لكلمات الله العزيز : بل لأنك أكثر أهمية حتى من حياتي
تبتسم بحزن وهي تحرك رأسها يمين ويسار برفض لمنطقه : هل تراني ضعيفة ... هل تكاسلت أنت او أمي بتربيتي وتنشئتي لأصبح قوية في مواجهة مرضي ولكن أنانية لاشاركك مرضك هل هذا رأيك يا أبي في باسمتك
أجابها بهدوء حزين :باسمة أرجو أن تفهميني ..كل ما أردته أن اطمئن عليكِ من بعدي
الباسمة بإنهيار : وأنا أريدك ...يا أبي أنا احتاجك ...أريدك أن تبدأ بخطوات علاجك كما اقترح الطبيب
حسن وهو يقاوم الاستسلام لضعفها : وأنا لن أفعلها حتى أطمئن عليكِ وأنتِ بجانب رجل يراعاكِ ويحافظ عليكِ ..انا أعرفك جيداً إذا تركتك ستظلي هكذا وحيدة لن تُسلمي بضرورة أن يرافق حياتك زوج و ذرية
الباسمة تمسح دموعها و بتأنيب : أبي كيف تثق كأب بإنسان لم تعاشره لتمنحه ابنتك بعقد زوجية ..وشقة ووظيفة كما تقدمني لهم
كيف تثق وأنت ستتركني بين أُناس لأول مرة نعرفهم أو نسمع بهم ..
كيف تثق لتلك الدرجة بأنه يستحقني ..
كنت دائما جوهرتك الثمينة والتي أبداً سمحت لأي كان بأن يقتنيها..
بل حتى عندما وافقت على أحمد كان لك بعض الملاحظات عليه ...
واجهها بحدة وتقطيبه تعلو جبينه كانت لتصيبها بذعر بوقت آخر : هذا أخر كلام عندي قابليهم اليوم وبعدها نتحدث بترتيبات العلاج ..أنا واثق تلك المرة إنه مناسب ..
ثم تمدد على الفراش مديراً لها ظهره قائلاً: إغلقي الإضاءة وأنتِ بطريقك للخارج
:أبي أرجوك
: أيقظيني بعد ساعتين
وقفت مستسلمة : وإذا وافقت على المقابلة هل ستفكر بالعلاج أم ستعاند أيضاً
أجابها بصوت مرهق : سنرى
تراجعت لإغلاق الإضاءة والباب وهي تردد على مسامعه : نعم سنرى
وبالموعد كانت بالانتظار بالصورة التي أرادها والدها كعروس ولكن برداء أسود من رأسها حتى قدميها ..
و من يرى حمرة خدها ويفسرها إنها خجل فهو لا يعرف الباسمة التي منعت لسانها عدة مرات من النطق بأحرف الطرد ..
كانت تسترق النظر لوالدها الذي يهرب بنظره بعيداً عنها حتى لا تقرأ فيهم رفضه لما يحدث ... يجاوره عمها علي الذي أصبح في عالم آخر بعد معرفته بمرض أخيه فقد أصبح اكثر صمتاً وانزواءً و أحيانا أخرى أكثر غضباً وهياجاً بالاختصار كان متطرف بكل مشاعره حتى أصاب الخالة اعتماد بالجنون ولكنها كانت متماسكة لدرجة كبيرة حتى تشاركت مع أبيها بضرورة الاسراع بتزويجها..لا تدري السبب ولكنها تراها اليوم في قمة سعادتها والوحيدة التي تحاور السيدة الغريبة بأريحية كأنها صديقتها ..بينما العريس الذي لم تنظر له مرتين فهو بالتأكيد سيكون أقصر منها ولكنه وسيم بنظارة طبية يعدلها كل دقيقة هي ورابطة العنق التي تبدو إنها تعاني منه أكثر مما يعاني هو منها ..
قامت بإشارة من زوجة عمها اعتماد بتجهيز واجب الضيافة الذي كان منفذ لها للتنفس بينما رباب التي حضرت جزء من اللقاء نزلت لشقتهم لتستقبل أخيها الذي سمعت صوت سيارته قادمة وهي تردد لنفسها هل كان يعلم باللقاء فجاء مبكراً أم هي صدفة ..
كان يجلس بغرفة المعيشة يريح جسده مغمض العينين عندما دخلت رباب تقذف بحذائها بعنف وهي تتمتم بكلمات غاضبة لم يفهم معناها ولكنه انتبه لكلمة عريس
:ما بك هل جننتِ
جلست بجانبه على الأريكة وهي تنفخ بغيظ : من يوم ما حدث بسهرة الشواء وعلمنا بعدها بطبيعة مرض عمي وخطورته وضغوطه على بسمة زادت حتى توافق على مقابلة عدة عرسان أحضرتهم أمي لها وكلهم تستطيع القول عنهم أنهم نسخة مكررة من خطيبها السابق بل ألعن وكانت ترفض حتى مجرد التفكير بهم فما بالك باستقبالهم .. لا أدري يا أخي ماذا حدث لأمي فجأة أصبحت تشارك عمي حسن هوايته بجلب العرسان لبسمة لم تفعلها معك أو معي أبداً
تحرك هارون وأدار ظهره لها وتوجه للنافذة ينظر بتوه للمحيط الخارجي مردداً : الباسمة لا يستطيع أحد إجبارها على فعل لا تريده
: ذلك في الظروف الطبيعية يا أخي ..
أدار لها وجه بضيق : ماذا تقصدي هل تلمحي لإعاقتها
أجابته بصدمة من قوله : بالطبع لا ..أنا أتحدث عن مرض عمي ..
ثم صمتت دقيقة تفكر : لا أدري ما أصاب بسمة اليوم أصبحت أكثر هدوء وعينيها لا تفارق عمي حتى أنها أخذت عطلة بالرغم من صعوبة ذلك كونها حديثة النقل للمدرسة ... أنا أخاف عليها يا أخي وعلى صحة قرارتها ولا أريدها أن تعاود الخوض بتجربة تكون فاشلة مثل التجربة السابقة التي سرقت ثلاث أعوام من عمرها
مرر يده على رأسه بتنهيدة : ولكنها بالنهاية استفاقت لنفسها ولم تتنازل
أجابته بامتعاض : بالطبع لكن تلك المرة ضغوط عمي أكبر ولم تستطع أن ترفض وأنا أكاد أجزم إنه يساومها على تقبل العلاج مقابل أن تستقبل العريس وأمه
: ولما إصراره هذه المرة
: لأن الطبيب أمجد من وجهة نظر عمي الأنسب
أجابها بعنف بينما استحضرت ذاكرته نظرات ذلك الأحمق لها :ماذا..
نظرت له بتوجس : ألم تكن تعلم
أجابها غاضباً : لا ..
أقتربت تهمس له وهي تتلفت حولها :الغريب أن أمي بمجرد معرفتها بالأمر اتصلت بأمه بعد أن أخذت رقم الهاتف من الطبيب وحادثاتها أمس وتخيل بعد تلك المحادثة جاءت المرأة بابنها اليوم لكن الغريب بالأمر ما رأيته منها
ضيق بين عينه بتوجس : ماذا تقصدي
: هذه المرأة أم أمجد لم تنظر لبسمة أو تحدثها مرة واحدة بل كلامها كله عن شقة عمي هنا وبالعاصمة حتى انها كانت تريد أن تعاين الشقة وتضع شروط بالأثاث وغرفتها التي ستأسسها حتى تقيم فيها كلما زارتهم ..أنا أعلم يا أخي إنه من بلدة مجاورة وأنه رقيق الحال لكن ليس لهذه الدرجة أليس كذلك
كان تركيزه بعيد عن رباب ولكنه لم يكن بعيداً تماما عن ما يدور بشقة عمه قلبه يحدثه أن كل ما يحدث من تدبير أمه لكن لما ..لا يدري... حتى أنها لم تخبره بقدوم أمجد هل كانت تقصد مثلاً
أخذ يغمغم وهو يحرك براحتي يديه على رأسه : لماذا يا أمي ..بما تفكري
قاطع تفكيره قول رباب : هارون أريد أن أصعد أجلب هذه المرأة من شعرها دحرجة للشارع هل حينها تستطيع هذه السيدة أن تقدم شكوى ضدي
يضحك هارون بسخرية وبتنهيدة : بل حينها سنتأكد إنك مريضة وتستحقين عن جدارة مكان مريح بمصحة الأمراض العقلية
رباب برقتها الساحرة : أخي أنا خائفة على بسمة فهي لا تستحق ذلك يكفيها القلق على عمي الذي سرق النوم من عينيها
هارون بتنهيدة : لا تخشي على الباسمة أنا واثق إنها ستتغلب على المشكلة كالعادة ..
ترفع رأسها لتنظر لأخيها الذي يفوقها طولاً : هل تعلم أنك الوحيد بعد عمي الذي يقول الباسمة دون تصغير
:أليس أسمها
: نعم ولكنه ثقيل وطويل بينما بسمة
يقاطعها ضارباً بيده بخفة على مؤخرة رأسها : تريدين أن تساوي بين الباسمة وبسمة
تضيق بين عينيها بتفكير :ولكني أظن أن بسمة أجمل
يضحك بشجن ثم يتجه للنافذة الصغيرة التي تطل على الصفصافه التي عمرها من عمر صاحبتها : بسمة هي اسم على كل شفاة أما الباسمة فهو خاص بها فقط ..كانت أمل وبهجة لكل من حولها دخلت حياة عمي وخالتي أمال فتغيرت أحوالهم وأصبح لحياتهم معنى ولياليهم الكئيبة تحولت للفرحة ..
الاسم الذي ظلت محتفظة بكل معانيه ومنحته برضا لكل من حولها فتمس قلبك وتخترقه... عندما تنظري لوجهها ببسمته التي تزين ثغرها معلنه ثقتها بنفسها مهما كنتِ محبطة أو غاضبة يذهب غضبك أدراج الرياح مقتدية بها و فوراً تشهدي بأنه مادام مثلها موجود أن الحياة بخير .. وأن هناك أمل
ثم صمت قليلاً تاركاً عيينه تتبع اهتزاز الأوراق بفعل الرياح محاولاً فك طلاسم دقات قلبه التي تبدلت فقط من مجرد كلمات توصفها ولم توفيها
وقفت رباب وهي مبهورة كلياً بنبرة صوت هارون
وبهدوء شديد تخشى خدش فقاعة حالمة نادرة الحدوث لأخوها
: حتى الأن
انتبه هارون ودار فجأة ينظر لأخته بتشوش : نعم ماذا قلتِ
اقتربت منه ضاحكة وهي تربت على صدره موضع قلبه : حتى الأن النظر لوجهها يمنحك أمل بالحياة
هز رأسه بهدوء يستوعب كلماتها ثم فجأة تركها لخارج الغرفة
: أين تذهب يا هارون
ضحك بمرح وهو يجري لشقة عمه : تعالي ستحبي ما سأفعله
دخل لشقة عمه وسلم على الجميع ثم أمجد وهو يعصر على يده بقبضة قوية جلبت الألم ليد الأخر وهو يأن بصوت خافت ثم جلس بجانبه دون الالتفات لأم الطبيب وأمه وكأنه يعاقبهم على شيء لا يفهمه قلبه..
بينما اعتماد شعرت بالقلق من عودته المبكرة من عمله بالرغم من حرصها على إخفاء الأمر عنه وكانت تريد إنهاء كل شيء... تريد أن تبعدها عن ابنها فسكون هارون المريب من لحظة معرفته بمرض عمه القريب من قلبه أصابتها بالخوف ... فقد ترك سهراته مع أصدقائه وسفره الأسبوعي لهم ومعظم الوقت يشارك أبيه والباسمة برعاية حسن ..
ثم تنهدت وهي تعدل حجابها وتبتسم بوجه أم أمجد بتوتر وهي تصبر نفسها أن اليوم كل شيء سيعود لوضعه الطبيعي و ستزوج الباسمة للطبيب فبمجرد ما سمعت رغبته بها حتى سارعت بالتواصل مع أمه وجذبها بكل الطرق لاتمام الزيجة حتى أنها كادت تسمع الترجي بلسان السيدة بعد أن عرفتها على امتلاك الباسمة للمال والراتب الوظيفي وشقتين إحداهما هنا والأخرى بالعاصمة أي أنها عروس كاملة حتى لو ينقصها حاسة السمع ..
قاطع أفكارها صوت هارون القوي
: أعتذر لأني تأخرت ..
ثم نظر لوالده
: أين عمي
: إنه بغرفته شعر ببعض التوعك
همس بخفوت : شفاه الله وعافاه ..
ثم لمح بطرف عينه الباسمه تحمل صينية بها أكواب القهوة الساخنة فمد ساقه للحظة فاختل توازنها فوقف سريعاً ليساعدها قبل ان تسقط وهو يزيح الصينية من يدها بصورة مبالغ فيها ناحية أمجد لتقع كل محتواياتها من أقداح القهوة الساخنة عليه.. لينتفض من حرارتها وأم أمجد برعب تساعده برفع بنطاله بعيداً عن جسده محاولة لتخفيف حرارتها عن ابنها وليزيد الأمر سوء برسالة واضحة لإهانته ورفضه يحمل هارون قارورة ماء مثلجة كحل سريع ويغرق بها العريس من رأسه حتى قدميه .. تحت أنظار والده المتفكهة وغضب وإحمرار وجه اعتماد التي وقفت تساعد الطبيب وأمه ...
بينما هارون يعود لمكانه واضعاً ساق على الأخرى شاغلاً نفسه بهاتفه وكأنه لم يفعل شيء ويلمح الباسمة التي تملكها الضحك تجري لغرفة عمه...
لتجده كأنه بانتظارها
يتكئ على فراشه مغمض العينين وبمجرد دخولها : ما رأيك
اقتربت منه وهي تضع يدها على جبينه بأناملها الباردة : كيف حالك الأن ..هل أصبحت أفضل
أزاح يدها برفق وهو يجلسها بجانبه ويفتح عينيه : الحمد لله ..أجيبي على سؤالي
همست له : أنت تعرف رأي
مرر يده على ظهرها بهدوء : ابنتي الغالية هذه المرة لا أوافقك الرأي أبداً ...
أمجد شاب له مستقبل وإن كان على أمه فاتستطيعي بسهولة ان تسايريها
أمالت شفتيها ببسمه ساخرة : نعم مثل ما استطاعت أمي أن تساير جدتي
عنفها حسن : لا تكوني وقحة
نظرت له برفق : أبي نفس هذا الطريق مشينا فيه سابقاً حتى انتهى بي الأمر أن أخسر من عمري ثلاثة أعوام مع أحمد فلا تعيدها أرجوك .. لماذا تعتقد إني بحاجة إلى خانة ذكوريه تلي اسمي كأن يقولوا زوجة فلان ..أنا انسانه تعودت أن تكون مسئولة عن قرارتها ولي عملي الخاص لماذا تريد وضعي بخانة قليلات الحيلة ..لماذا
: لأن مخك أصغر من أن يدرك إنكِ ستكوني مطمع لكل رجل دنئ ..
لن تفعلي بي ذلك أنا أعرفك لن تجعليني أفارق الدنيا وبقلبي حرقة عليكِ
أدمعت عينيها وهي تبلع غصه عند ذكره الموت هكذا بكل بساطه أمامها : ما كنت اعتقد بحياتي أنك ستجعلني أوافق على زوج أنت نفسك ترفضه ..
أبي انظر لي ..إنها أنا
: ولأني أعرفك أكثر من أي أحد وأعرف كم أنتِ هشة من داخلك أفعل ما أفعله..لا تخدعني ثقتك ولا بسمتك التي تقابلي بها الناس
عقدت ما بين حاجبيها : لأني أمامك أظهر ما بقلبي ولا ارتدي قناع القوة .... ألم تكن دائماً تشجعني أن أكون معك واضحة مفهومة بدون أقنعة
أغمض عينيه بتعب : أقبلي بالطبيب أمجد
: ليس قبل أن تبدأ بالعلاج الإشعاعي كما نبه الطبيب
يمسك رأسه بكلتا يديه : ناوليني الحبوب المسكنة
ناولته العلاج المسكن سريعا ثم همست ببكاء : أبي
أغمض عينيه وأراح رأسه للخلف وبهدوء : لا تخافي حبيبتي ..سأصبح افضل بعد قليل أتركيني وحدي
يريدها أن تخرج حتى لا تراه بنوبة صداعه الفتاك الذي يكاد من قوته يسكت قلبه
ظلت تبكي بصمت جانبه حتى سمعت همسه
: هيا يا باسمتي
حينها قبلت يديه وجبينه ثم اندفعت لخارج الغرفة عندما لم تستطع كبت دموعها أكثر من ذلك لتصطدم بطريق اندفاعها بهارون الذي كان بطريقه للاطمئنان على عمه فأمسكها من كتفيها ليثبت أقدامها التي أصبحت هشة وهي تبكي بطريقة أربكته وألمته بنفس الوقت هامساً لها
: أرجوكِ إهدئي ..أرجوكِ
: ظلت واقفة بين يديه فترة حتى أفاقتها همساته المهدئة فوقفت باستقامة وأبعدت نفسها بهدوء و تقابلت أعينهم بنظرة صمت وقلق من ناحيته وتفكير من ناحيتها وإدراك يعقبه تصميم فمسحت دموعها بظهر يديها وهي تتلفت حولها
: أين الجميع
: نزلوا مع أمجد ووالدته
همست : أفضل
ثم نظرت له قليلاً :هارون أريد محادثتك على انفراد
: بالطبع
مدت يدها بإشارة أن يتبعها لغرفة معيشة جانبية
: تفضل
جلس هارون على مقعد وبالمقابل جلست الباسمة ظلت فترة وهي تحاول ترتيب الكلام
فكانت تحت أنظاره مرة تهز رأسها ومرة تعدل حجابها ومرة تضع يديها على وجهها تداري وجهها الفاتن منه ..
لم يتحمل كل مظاهر القلق على وجهها فهتف بهدوء: باسمة أنا اسمعك يا ابنة عمي ..أرجوكِ تحدثي لقد توجست خيفة من هذا الصمت..
لم تستطع أن تنطقها ولكن يدها أرادت المساعدة فانطلقت تشير له وهي تذم شفتيها بصراع بينهما فلا تستطيع ترجمة ما تخبره بها يديها ..كيف تقولها وهل بعد قولها ستكون قادرة على النظر بعينه أم ستريد بعدها ان تنشق الأرض لتبتلعها كما تبتلعها أحزانها الأن بسبب مرض والدها ...
فوجئ بها تتحدث بطلاقة ولكن بلغة الإشارة وكأنها تلبسها جني تحرك أصابعها بحركات منظمة شديدة الرقة وكأنها تقود اوركسترا عالمية دون ان تخطئ في النوتة هكذا حتى استيقظ من تمعنه بأصابعها إنه لا يستطيع فهمها فأغمض عينه بصبر ثم فتحها واشتد ظهره بحمائية لابنة عمه ونطق حروف اسمها بنبرة حانية ولكنها صارمة : الباسمة
اوقفها ندائه هكذا اسمها من بين ثغره يشعرها بالدفء والحماية فتوقفت عما تفعله وأنزلت يديها بحضنها ناظرة للأرض بخجل ..
فابتسم هارون يطمأنها : انظري لي و إهدئي
امر استجابت له فوراً و همست بتردد : ..اعتذر ..هارون أوعدني إن ما تسمعه مني الأن سيكون سرنا
ضرب على صدرة بكفه اليمين بحمائية ورد بقوة : أوعدك يا ابنة عمي .
: أبي يرفض العلاج
: أنا حاولت معه وأبي أيضاً لا أدري ما يفكر به
قاطعتة بإشارة من يدها : أنا أعلم .. يرفض العلاج نهائيا حتى يطمئن علي ..بالله عليك كيف يفعلها ويضعني بهذا المأذق ..أنت يا هارون أملي الوحيد وأمل أبي في تلقي العلاج ..
:كيف ..
:أعرف ..ما سأطلبه في عرفنا جرأة ولكنه في عرفي انقاذ ..هارون أنا لن أقف مقيدة بعادات وتقاليد واترك أبي الذي أصيب فجأة بتحجر الرأي ..
ثم صمتت قليلاً تفكر بأبيها ناظرة لغرفتة المغلقة على أفكاره الجديدة
:لم أعد أعرفه ..كان يعطيني الحرية الكاملة في اتخاذ قراراتي ..
ثم نظرت لهارون الذي يعطيها كامل انتباهه
:هل تصدق يا ابن عمي انه كان سيوافق على عريس عنده ابناء اكبرهم بسني فقط لانه يريد الاطمئنان علي لولا عمي كان فعلها ..هل تصدق ان كل من يأتي للاطمئنان عليه يطلب منه أن يبحث لي عن عريس
عادت للأشارة بيدها و دموعها وشهقاتها منعتها من الاسترسال فترة تحت انظار هارون الغاضبة مما يسمع فأمسك بيدها التي تشير بها يحاول أن يجذب انتباهها و تركيزها له فنظرت ليدها بين راحتي يديه الكبيرة كعصفور صغير مطمئن فرفعت نظرها لها فوجدته يحثها على المتابعة
فرفعت يديها تشير له بلغتها التي تعرفها وتعطيها الثقة وقت توترها يصاحبها تلك المرة ترجمتها :
سأقول لك الحل الذي توصلت له ..حل سيرضي أبي ويمنحني الوقت فيبدأ علاجه ويعود لي أبي الذي أعرفه والذي كان يشجعني أن أسير بالحياة معتمدة على نفسي ...
ثم توقف كل شيء وكانت فقط تسمع دقات قلبها برعب فأغلقت عينيها وأطلقت جملتها دفعة واحدة : أنا اطلب منك الزواج بي
ظل يتأملها فترة وعينه تدور عليها كأنها تتلمس الحقيقة ..حقيقة انها نطقت بطلبها الغريب من الزواج منه ...كثيرات أملن الارتباط لكنه دائماً كان يملك القدرة على التملص والخداع ..وبالتدريب أصبح أكثر خبرة بالتخلص من الفتاة قبل أن تقدم على تلك الخطوة ...فبكثرة عشيقاته أصبح يحفظ المؤشرات ...الباسمة لم تكن عشيقة الباسمة ابنة عمه ... وابنة عمه لم يتخيل بحياته ان يساويها بهؤلاء ..
تبدل موضع عينيه عليها وحتى ملامحه التي تحولت بالتدريج من الطبيعي للشاحب للمحمر بشدة الأن صدمها ثم أخافها فانكمشت على نفسها تعدل طيات ثوبها الوهمية وحجابها الذي لم يفقد موضعه وشفتيها التي تبللها بلسانها ترطب جفافها عند تلك اللحظة وقف وهرول للخارج ...
تتبعته عين الباسمة التي توسعت من المفاجأة هاتفةً:
هرب
ظلت مكانها تشعر كأن روحها سحبت والغريب إنها تخيلتها أمامها تنظر لها من علو تعاتبها من موقعها بنظرات خزي وخجل تقتلها بالتدريج ..
تناقشها بهدوء كي تتفهمها
: صدقيني أنه كان الحل الأنسب ..هارون لم أخذه من زوجة أو من حب بالعكس فهو يهرب بعيداً عن أي تلميح بالزواج والاستقرار وأيضاً كان يكاد يشعرني أني صديقه بالمعنى الحرفي ..فهو لم يوهمني يوماً إنه ينظر لي كأنثى جميلة حتى فلماذا لا يقف الصديق مع صديقه لن أقول من أجل عمه ..
هل تنازلت ..هل سينظر لي الأن أني فتاة فقدت حيائها ..
بل هل قللت من فرصتي معه ان يحبني يوماً
لترد عليها روحها التي فقدتها: لقد تنازلتِ
والتنازل يبدأ بخطوة وأنتِ قطعت به أشواط ....
نهاية الفصل الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
صدق الله العظيم
صورة الأنبياء
لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد
لاتجعلوا القراءة تلهيكم عن الصلاة
|