المنتدى :
الشعر والشعراء
رحلة في اعماق النفس قصيدة روعة
للكاتب د. مروان دويري
في داخل كل واحد منا بئر
للصغار بئر صغيرة
وللكبار بئر كبيرة
احيانا تمتلئ هذه البئر بالماء
احيانا تفيض
واحيانا اخرى تجف
احيانا تكون مياه البئر صافية
نرى من خلالها الاحجار والاصداف الملونة في قاعها
واحيانا تكون المياه عكرة
***
في داخل البئر تتجكع مشاعرنا واحاسيسنا
عندما نخاف ترتجف المياه في البئر
عندما نغضب تكون مياه البئر عاصفة ومعكورة
عندما نطمئن تكون المياه ساكنة وصافية
عندما نفرح ينفتح باب البئر ويدخل الهواء والنور اليه
فتتحرك مياهه بتموجات هادئة وبراقة
عندما نغار لا نرى بئرنا
بل ننشغل في بئر غيرنا نراقب ما فيه
وننسى بئرنا
***
حين نطل على البئر, نستطيع ان نرى الماء فيه
نرى وجهنا على سطح الماء
هكذا نرى ما نشعر بدون مرآة
عندما نكون فرحين نرى الابتسامة على وجهنا
ونسمع صدى ضحكاتنا في البئر
عندما نغضب نرى وجهنا مزموما , معوجا ومشوها
ويختلط صوت غضبنا بصوت مياه البئر العاصفة
***
في صدر كل واحد منا بئر ماء
احيانا يكون باب البئر مفتوحا
واحيانا يكون مغلقا
في الربيع حيث الشمس الدافئة
والهواء الرطب
والينابيع العذبة
والسماء الزرقاء
نفتح باب البئر ليدخل النور والماء والهواء
ولتنعكس السماء الزرقاء على سطحها
عندما نشعر بالسعادة والهناء
في الصيف عندما تكون الشمس حارقة والهواء جافا
لا نفتح الباب الا قليلا
هكذا نحافظ على ماء البئر من الحر والجفاف
في الشتاء تكون الامطار غزيرة
وتهب عواصف برق ورعد
عندها نغلق باب البئر تماما
لنحمي انفسنا من الرعد
ومن الفيضان
في الخريف نفتح باب البئر
لكننا نطل على سماء غائمة رمادية
واشجار عارية وصامتة
تلوح باغصانها
***
الطقس يتغير في الخارج
دون ان نقدر ان نتحكم به
لكننا نستطيع التحكم بباب البئر
نفتحه قليلا
نفته اكثر
نغلقه تماما
هكذا نحكي بئرنا من تغيرات الطقس في الخارج
***
في صدر كل واحد منا بئر ماء
عندما يكون مفتوحا
يدخل اليه النور والماء والهواء
***
هنالك عصافير ضارة تنعق بشكل بشع
واحيانا تلقي باوساخها في البئر
امام هذه العصافير نستطيع ان نغلق الباب
حتى تمر وتبتعد عنا
لكن بعد مرورها يجب الا ننسى الباب مغلقا
والا فلا تعرف العصافير الحلوة عن وجودنا
فتبتعد هي ايضا عنا
ونبقى وحيدين نشعر بالاختناق
دون ان نعرف ما هي حال البئر
احيانا بعد مرور العواصف
او الشمس الحارقة
او العصافير الضارة
نكون بحاجة الى وقت اضافي
نبقى فيه منغلقين داخل بئرنا
اثناء ذلك
تظهر من جديد
صورا قد انعكست من قبل على السطح
وترسبت مع مرور الوقت
تعود وتطفو
نتفحصها , نقلبها
ونرتبها من جديد
الى ان تهدأ مياه البئر وتصفو
بعدها نفتح الباب
لنرى الربيع في الخارج
***
اذا استمر اغلاق الباب
مع تغير الفصول
او اذا وضعنا على غطائه حجر
يبقى البئر دون نور وماء وهوهء
ربما يجف او يتعفن
دون ان ندري ما هو حاله
وحتى اننا ننسى وجوده
***
نشعر بالضبط كما نشعر عندما نتنفس عميقا
او عندما نفتح عيوننا على نور الصباح
او نروي عطشنا بكوب ماء
وعندما يكون مغلقا
يكون معتما ومخنوقا
نشعر بالضبط كما نشعر
عندما نحبس انفاسنا
او عندما نكون في الظلمة
***
عندما تكون هناك عاصفة او شمس حارقة
نغلق الباب
نفضل الانغلاق والاختناق على الخطر
بالضبط كما نغلق ونحبس انفاسنا عند الخطر
يحدث احيانا ان نبقي الباب مغلقا
حتى بعد انتهاء العاصفة وذهاب الشمس الحارة
وهكذا نمنع النور والماء والهواء عن بئرنا
والاهم الاهم.. اننا نبقى لا نعرف ماذا نشعر
لاننا لا نرى الماء ووجهنا على سطحه
لا نعرف اذا كان البئر جافا او مليانا
لا نعرف اذا كانت المياه هادئة او هائجة
الاختناق.. هو كل ما نشعر به
***
في الخارج توجد عصافير جميلة وملونة
عندما يكون باب البئر مفتوحا
تأتي هذه العصافير
تغرد وتشرب من البئر
عندها نكون سعداء وفرحين مثلها
نرى جمالهاوجمال الماء الصافي في البئر
لكن عندما ننسى الباب مغلقا
تبقى العصافير الجميلة بعيدة عنا فنشعر بالوحدة والحزن
لكننا لا نرى الحزن لان الباب مغلقا
يبقى الحزن في داخل البئر, مغلقا في الصدر
وتبقى العصافير الجميلة بعيدة عنا
***
نحن نفتح باب البئر فقط لمن نحب
نفتحه لمن يحبنا ويضحك لنا كالربيع
هنالك اشخاص يؤذوننا ويخيفونا
مثل العواصف الرعدية والشمس الحارقة
او مثل الطيور الضارة
نستطيع ان نقول لهم كفى
ثم نستطيع ان نغلق باب البئر
الى ان يمروا
بعدها يجب الا ننسى الباب مغلقا
بعدها .. نستطيع ان نفتح عيوننا
لنرى ازهار الربيع في ابتسامة الناس
ونأخذ انفاسنا من خلال حب الاخرين لنا
ونفتح بئرنا لتدفق جداول الحب اليه
نفتحه لمن يبتسم لنا
لمن يحبنا
ونطلب المزيد
***
لكي لا ننسى الباب مغلقا
نستطيع كل صباح ان نفتح باب البئر
لنبدأ نهارنا
بانعكاس الشمس المشرقة على سطحه
لنرى الربيع والجمال
ولنستقبل النور والماء والهواء
في الليل.. قبل النوم
نستطيع ان ننظر الى البئر ونرى ما فيه
ونغط داخله في نوم عميق هنيء
|