كاتب الموضوع :
Enas Abdrabelnaby
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: أسيرٌ من الماضى (2) سلسلة جروح العشق الدامية
بما إني أنهيت امتحاناتي.. ساستأنف تنزيل الفصول
الفصل الحادى عشر
شفا القلب مرهونا بيديكِ
يا من ملكته وهربتى
أبغى الوصول ولكن لا فائدة
فضياعى بطريق الحب كارثة
أعشقكِ وكان جزائى النبذ
ولأنى لا أطيقه
سأركض خلفك مغمض العينين
يا من هواها يضطرب بداخلى
وهوايا يلوح بعينيها
حين العشق تذرف الدموع
فالعشق أثم .. والآثام خطئا كبير
العشق أثم حين يرتبط بالشخص الخاطئ
وعشقها لمؤيد هو أكبر أثم إرتكبته !
تطلعت أمامها بتعب ، لقد خرجت اليوم من عملها باكرا بسبب الارهاق والدوار المسيطر عليها من الصباح الباكر مع نوبات متتالية من التقيؤ .
عبرت الشارع بسرعة لتقف على الجهة الآخرى تنتظر ما يقلها الى منزلها .
لاحظت بعينين مترقبتين تلك السيارة السوداء الفارهة التى وقفت على مقربة منها ، لتجد صاحبها يخرج منها وكان ما توقعته صحيحا ... كان مؤيد .
هى تعلم جيدا حبه للسيارات الفارهة ، وكيف كان يبدلها كما يبدل النساء بين يديه .
أشاحت عنه حين رأته يخرج كن يسارته بخفة متجها إليها .. لتشعر بعد لحظات بظله يقع عليها .
وقف أمامها بطوله المميز .. فرفعت عيناها بحدة تنظر إلى وجهه وعيناه التى أخفاها خلف نظارة الشمس السوداء ..
للحظات كانت عيناها تأسر عينيه التى لم يحل بينهما الزجاج الأسود ، إلى أن غدرتا بها عينيها وطافت على جسده ، تستشف منه بعض الاطمئنان على حاله .
كان يرتدى بنطالا أسود من الجينز ، مع قميصا أسود ممشوقا بإعتدال على صدره العريض ، وبالطبع كان يرتدى ساعة فارهة سويسرية ..
كان حاله كما المعتاد .. مؤيد بأناقته المعهودة ، وهيئته الصاخبة فى حضوره .
مطت شفتيها بإمتعاض ، لتشيح عنه مزفرة بحنق .. وجوده فقط قربها بهيئته تلك تجعل عقلها يدور بتناقداته قاصفا تفكيرها وقراراتها .
سمعت صوته يقول بلهفة حاول كبتها فأبت حروف كلماته ألا تفعلها :
_ ميساء أنتِ تعبانة ؟ .. وشك مرهق أوى و واضح أنك مش بتاكلى كويس .. تحت عينك أسود ..
كان يشير إلى فقدانها الوزن .. والهالات السوداء التى تنامت تحت عينيها .. وشحوب وجهها .. وبالطبع لا يعلم بأن نظرها قد ضعف وجسدها يأن ألما .. والغثيان كان التكملة لمشقة تعبها فى حمل ابن مؤيد .
نظرت إليه بإستهجان مستنكر ، لتشيح قائلة بغلظة :
_ مؤيد عاوز إيه ؟ .. جاى مكان شغلى تقولى وشك بهتان ..
أثار كلامها حنقه الفظ حنقه ، بالطبع هو يخاف على صحتها وعلى حالها ولكن إستنكارها للأمر يجعل منه وحشا وهو لا يقبل أن يكون كذلك .
فقال من بين أسنانه بغيظ :
_ ميساء اولا احنا لسه فى العدة وممكن أرجعك لعصمتى تانى .. ثانيا أنتِ فعلا تعبانة وهتيجى معايا للدكتور علشان نشوف إيه السبب فى تعبك .
السبب فى تعبى أيها الأجدب أنتَ وأبنك الذى يشابهك على ما يبدوا .. فهو يستمتع بتعبى وتعذيبى .. بينما أنتَ تحاول إرتداء هالة البرائة لتعاود إقترابك الحنون غير المقبول .
إدعت البرود وهى تجيبه بتحفظ :
_ أنا عارفة كويس أنك مش هتقدر تعملها .. مش هترجعنى لأنى مش عوزاك ، ولآخر مرة هقولها أبعد عنى يا مؤيد أنا مش عاوزة قربك .. كل اللى بتحاول تعمله مش هيفرق معايا فى حاجة .
كادت تغادر إلا أنه إعترض طريقها كالجبال الشامخ عاقدا ذراعيه على صدره ، ليقول بلهجة باردة بطيئة :
_ مش هبعد يا ميساء .. واللى بعمله مش علشان أنا ندمان بس .. لأ علشان أنتِ مهما حصل مراتى وهترجعيلى ، ودلوقتى هتيجى معايا للدكتور بإحترام ولا أستخدم طريقتى ؟
نظرت له بحنق وهى تحاول تخطيه ولكن أيا من محاولاتها لم تنجح .. فكلما حاولت السير بعيدا عنه عاود الوقوف امامها عاقدا ذراعيه على صدره بكزم ، فصرخ بإعتراض :
_ لو مبعدتش عنى هصوت وألم الناس عليك .
نظر حولهما بسخرية ليعود بنظره إليها قائلا بتشفى :
_ الطريق فاضى .. شوفى مين هيساعدك .
ودن إضافة أى كلمة آخرى كان يهبط قليلا ليمسك بقدمها ويحملها على ظهره "كشوال البطاطا"
لوهلة لم تصدق ما فعل .. لكنها سرعان ما فاقت من صدمتها لتصرخ ضاربة إياه بذراعيها ... ولكن دون فائدة .. فقط كانت تتعالى ضحكاته المغيظة .
وبعد لحظات كانت تستقر فى سيارته لينطلق بها بخفة وهو يضحك بإستمتاع .
بينما صرخت ميساء غاضبة :
_ نزلنى .. نزلى يا مؤيد ... نزلنى .
كلما زادت صراخا كان يزداد ضحكه باستمتاع إكتسى بتشفى ، ليقول أخيرا بمرح وهو يلتفت ناظرا إلى وجهها الأحمر :
_ بس إيه رأيك فى الحركة دى .
وأنهى جملته بغمزة خفيفة ، لتشتعل وجنتاها أكثر ولكن هذه المرة خجلا وليس غضبا ، فخفضت وجهها لتبدأ بسبه بخفوت غاضب .
حين شعرت بأن غضبها قد هدأ ، أخذت نفسا عميقا .. عميقا للغاية وهى تعد حتى العشرة ، لتقول بصوتا حاولت أن يكون هادئا قدر الامكان :
_ مؤيد لو سمحت روحنى بيتى .. أو نزلنى وأنا هاخد تاكسى وأروح .
" الصبر .. الصبر على تلك المعتوهة الغبية التى للمصادفة أن قلبى هو عاشق لها "
عقد مؤيد حاحبيه بتفكير ليقول بهدوء :
_ لو قولتيلى مالك .. وإيه سبب تعبك .
ابتسمت حين إستشعرت نبرة الخوف والقلق فى كلماته ، لتقول بهدوء مماثل إكتسب لهجة عملية باردة :
_ مجرد إرهاق مع فقر دم .. وقلة نوم .
نظر إليها باستنكار ليسألها بشك :
_ متأكدة ؟
اومأت برأسها دون كلام ، لتدير وجهها للنافزة ناظرة للطريق أمامه بشرود .
أنتبهت فجأة لسؤال قفز بعقلها ، فقالت دون أن تلتفت إليه :
_ هتعتمد ورق الطلاق رسمى أمتى ؟
رد بإقتضاب قائلا :
_ قريب .
لم يكن يعنيها بالكلمة .. بل أراد ألا يدخل معها فى نقاشات وجدالات بالأمر الأن ، وفضل تركه لحين وقته .. ولكن لابد أن يعيدها قبل فوات الأوان .
صمتا عن الكلام ، بينما كانت تجلس منتظر أن تنتهى الدقائق بسرعة وتذهب إلى منزلها تاركا إياه .
ولكن ما كانت تمنى نفسها به لم يحدث ، فها هى فى منزلها الحبيب مع مؤيد الذى رفض الرضوخ لطلبها وتركها .
لقد تجادلت معه كثيرت حين علمت بنيته فى الصعود معها .. وبالبطع حين حاولت الصراخ عليه كان يحملها ويخرج مفتاح شقتها من حقيبتها بأريحية ، ليدخل بتملك وكأنه صاحب المكان .
وحتى الأن لم تنفع معه عباراتها الحارقة فى اخراجه من بيتها .
نظرت إليه بحنق وهو يدخل إلى مطبخها ليتفقده بأريحية أغاظتها ، خرج بعد ثوانى متذمرا :
_ مفيش أكل خالص جوه .. أنتِ عايشة أزاى ؟
مطت شفتيها بضيق لتقول بسأم :
_ لما بجوع بطلب أكل .. وأغلب وقتى بقضيه فى المستشفى فباكل هناك ..
زفر مؤيد بغضب .. الحمقاء تقتل نفسها بالبطئ بتلك الطريقة ... بالطبع ستكون على هذا الحال من الارهاق والتعب .
قال بهدوء يحاول مجاراتها فى تبلدها :
_ طب هنعمل أكل أزاى دلوقتى ؟
_ نعمل ؟
سألته بتعجب امتزج بالاستنكار ليبتسم ويقول بتفاخر مصطنع :
_ آه طبعا هنعمل .. أنتِ متعرفيش أنى شيف قديم ؟!
إرتفع حاجبها بإرتياب لتسأله بشك :
_ متأكد ؟
ضحك مؤيد بإستمتاع ليجيبها بفخر :
_ طبعا ...
بصى أنا هروح المحل القريب أشترى منه مستلزمات الوصفة اللى عملها وآجى .
أشارت له بأن ينصرف بوجوم ، فأخذ أحد المفاتيح الموضوعة على الطاولة ليقول بهدوء :
_ بلاش تقفلى الباب من جوه لأن رد فعلى مش هيعجبك .
طالعته بملل قبل أن تقول بسأم :
_ عمرك ما هتتغير يا مؤيد .. روح شوفت هتعمل إيه .
بعد ساعة
كانت خلالها تشكت بأنه سيعود ، فراحت فى سبات عميق على الاريكة .
لتستفيق على حركة رقيقة لـ يده التى تلامس وجهها بنعومة ... ففتحت عينيها ببطئ لتطالع عينينه السوداء .
اقترب بوجهه منها ليهمس بإبتسامة رقيقة داعبت شفتيه :
_ كملى نوم .
مسد شعرها الاسود بروية وخفة فشعرت بأن حصونها أنهارت ، وأنهارت معها جفنيها لتنام بعمق مسترخية .
*****
فتحت عينيها بسرعة تنظر حولها بتعجب ، أين هى ؟ .. آآه هى فى غرفتها .. ولكن أين هو ؟
سمعت صوتا فى الخارج فـ رجحت بأنه هو .
ألتقطت حجابها بغضب حين علمت بأنها كانت نائمة بدونه ، وخرجت لتجده قد أعد لها الطعام المكون من .
_ بطاطس !!
عقد حاجبيها وهى تنظر إلى طبق البطاطس الذى توسط سفرتها .
ضحك مؤيد على مظهرها بعقدة حاجبيها ، ليقول بصدمة مصطنعة :
_ مستقلة بطبق البطاطس .. ده أختراع .
إرتفع حاجبها بإستنكار ، إلا أنه لم يمهلها الكثير من الوقت وهو يدفعها برفق لتجلس أمام طبق البطاطس .
جلس بجوارها ليشير إلى الطبق قائلا بمرح :
_ دى مش بطاطس عادية .. دى بطاطس مسلوقة عليها بقدونس وجبنة كذه نوع ، وطبعا توابل .. بعد كده بنشكلها على شكل دوائر او بالطول وبيض وبقسماط وهب للفرن تكون جهزت .
شوفتى تعبت أزاى .. وأنتِ مستقلية بتعبى .. طب دوقى وقوليلى رأيك .
تذوقتها من يده بإرتباك ، لتقول بتوتر وهى تحاول الابتعاد عنه :
_ حلوة .. حلوة .
مد يده بقطعة آخرى لتأكلها ، إلا أنها هذه المرة أخذتها منه بإرتباك وهى تطلب منه العودة إلى مكانه .
تناولت البطاطس التى أعدها كلها بأمرا منه ، لتستكمل تنفيذ أوامره بشرب كوب اللبن الذى أحضره لها ، لتنتهى أوامره بالإسترخاء والراحة .... ولعجبها كانت تنفذ دون نقاش ، بينما بداخلها ترتسم البهجة لشعورها بأن أحدهم يهتم بها أخيرا .
جلست وإياه على الاريكة أمام التلفاز الذى فتحه مؤيد على احد افلام الرعب .
كانت تتابع مؤيد بتعجب ، تنظر إليه عدة مرات .. تتأكد حقا أنه هو .
لقد صدمت عندما دخلت المطبخ ووجدت الكثير من المشتروات .. كمان أن المطبخ كان نظيفا ومرتبا بعناية تعجبتها .
لتخرج وتصدم من حال المنزل الذى كان مرتبا ومفتوح النوافذ لتبديل الهواء .
فى الفترة الماضية كان الحمل يقضى على صحتها ولازال ، فما عادت تستطيع التنظيف والطهى ودائما تريد الراحة والإستلقاء .
وبعد كل ما رأت عادت لذات النقطة .. هل هذا مؤيد ؟؟
لقد أحضر لها ڤيتامينات وكالسيوم ، وكاد يطلب لها الطبيب إلا أنها رفضت قطعا .
هل هذا مؤيد ؟
هل يستحق منها فرصة ؟
أيستحق أن تخبره أنها تحمل طفله ؟
همست بإسمه فتقطعت حروف كلمتها ، ولكن الهواء الغادر حملها إلى أذنه الحساسة .. ليلتفت لها بسرعة فتلاقت عيناهما وصمت الحروف والكلمات فى عجز عن وصف حالهما ، وتعالت همسات العيون بشفرات سرية لا يقدر قرائتها سوى الطرف الثانى .
همس زمردتيها فى مواجهة همس سواده .
وتُرك لهما الوقت ، ولكنها أختارت الخجل لتبعد عينيها عن عينه وتقول فى ضيق مصطنع حاولت به اخفاء إضطرابات قلبها الغادرة :
_ مش هينفع قعودك معايا هنا لوحدنا ، الساعة عدت تمانية بليل .. أمشـ...
_ همشى .
قالها بحسم وهو يأسر عينيها من جديد ولكن بقوة منعتها من محاولة ابعادها ، ليكمل بثقة مبتسما :
_ علشان أنا خايف عليكِ من كلام الناس ، وبالنسبة لموضوع الطلاق .. أنا متأكد أن هيجى اليوم اللى تقبلى ترجعيلى فيه ، ووقتها أبدا مش همشى .
" ولن أتركك لتمشى "
لم تستطع قولها بشفتيها ولكن عينيها قالتا وكفى بحديثهما .
............................................................ ........................................................
بداية الطريق للحقيقة .....
أنطلقا منذ ساعتين فى طريقهما الى البلد .. تلك التى تربى بها والدها لسنوات ، التى شهدت مقتل والد زوجها .. التى ستشهد معرفتها الحقيقة .
التفتت لتنظر الى زوجها ، ذلك الذى يقود السيارة موليا لها اهتماما أكثر منها ..
تأملته بحب لم يخفى .. وخوفا سيطر على عقلها .
أ تحبك ؟
لا بل أعشقك .
أ اكرهك ؟
لا بل أمقت اسلوبك
أتحبنى ؟
لا اعلم .
كان هذا السؤال دائما المسيطر على عقلها .. يحبها أم لا ؟
فى رسالته الشنعاء قال بأنه كذلك ، ولكن فعلته بعدها تؤكد عكس ذلك .
حياتهما على حافة ضياع ، فقط حقيقة هى التى تتحكم بهما .
تحدثت قاطعة الصمت الذى دام منذ بدأ الطريق :
_ أنت حطيت حياتنا تحت تهديد حقيقة مش عارفة هى ايه .. سواء كان بابا القاتل ولا لأ هتطلقنى ؟
التفت إليها ناظرا لعينيها بغموض ، لطالما حاكه حول نفسه ولم تفهمه هى وحين حاولت صدمت برداته السريعة .
ولم تكن تلك المرة مختلفة عما قبلها ، فأيضا جهلت بمعرفة ما يرموا اليه .
أنتبهت فجأة إلى قوله الهادئ :
_ حياتنا محكوم عليا من زمان أنها تكون مجرد حياتى وحياتك ، بالنسبالى معنديش حياتنا .
إجابته أحرقت صبرها وقطعت حبل الترقب ، فصرخ غاضبة محتجة عن تصنيفها كشئ مهمل :
_ وليه أتجوزتنى .. ليه تممت الجواز .. ليه موت بابا .
وخرجت العبارة الاخيرة قاذفة حارقة ملتهبة ، لترمقه بنظرة خاطفة وهى تلعن اللسان الغبى المندفع وقت الغضب ، بينما كانت يداه تعتصر مقود السيارة بقوة .
والعجيب أنه لم يبدى سوى هذا الانفعال !!
فوجهه الذى كان يراقب الطريق بثبات لم يحمل أى انفعال ، فقط عينين جليديتين إزداد جليدهما .. تراقبان الطريق .
ليقول أخيرا بصوتا مخيف جامد :
_ لو كنت عاوز أنتقم من والدك وأقتله مكنتش كشفت نفسى ولا عن نيتى تجاهك .
صرخت بانفعال لم تملك سواه :
_ قولى أنا ليه أصدقك .. أحنا مفيش بنا أى ثقة يا أدهم , فطبيعى أنى أفضل شيفاك قاتل بابا ..
وزى ما قولت مفيش أحنا ، فيه أنا فراغ كبير أنت ..
لم يبرر ولم تكن لتسمح له ، فهى الان كالبركان الثائر فى أتم الاستعداد للانفجار .
ألا يمتلك هذا الرجل قلبا .. أم ربما لأنه قادما من الجليد قد تركه هناك .
يستفزها بروده القاتل ، وردود أفعاله الغير مبررة ، مع صلف كلماته الثلجية فتشعر بالتخمة من الحقد والغضب تجاهه ..
تتسائل دائما حين تنظر لرماد عينيه الفانى ، أليس لهذا الرماد شعلة أمل تغييره .. أما آن للجليد بمقلتيه ان يذوب لتشرق شمس جديدة على حياته ..
ولكن دائما الاجابة جائت فى نظرة منه فى همسة مستنكرة .. فى قلب صنع من قالب جليد ...
وصلا أخيرا الى حجر الضباع كما لقبت المكان من أول وهلة .. وقد صدقت !!
هبطت من السيارة تنظر الى ما أمامها من سرح ضخم .. فهذا المبنى لا يلقب ابدا بالمنزل !
فقد كان كبيرا باتساع قصر .. الا أنه حمل من القدم مبلغ أتساعه , مع طرازه القديم الذى بدا ظاهرا فى نوافذه الطويلة الضخمة , ذات الاخشاب القوية اليابسة .. وبابه الرئيسى مفتوحا على حدى أتساعه , بالاضافة الى ألوانه القاتمة ذات الاطلالات القديمة .
أزدرت ريقها بتوتر ما أن لمحت أحدهم يقف أما باب المنزل بانتظارهم .
كان رد فعل أدهم الذى كان يراقبها, أن أمسك يدها البارده ودفعها برفق لتسير معه .. بينما أعطى حقائبهما لأحد العمال .
صعدت السلالم الرخامية الصلبة لتقف بجوار أدهم أمام رجلا تحشم بجلباب رمادى واسع .. مع عصى بنية يتكئ عليها .
كان أدهم من تحدث ليقول بهدوء :
_ أزيك يا عمى .
وكان الرد متوقع وقد تكون فى نظرة حادة شرسة من العم الذى باغته قائلا :
_ جايب بنت القاتل بيت أبوك وجدك يا أدهم .. جايب بنت حسن العامل الفلاح صرح جدك .
رمقه أدهم ببرود .. بينما كانت زهور بجواره ترتجف من وقع الكلمات الحادة على مسامعها .
لتكون أول المصدومين فى كلام أدهم الذى قال :
_ عزت بيه متنساش أن الصرح او البيت ده بتاعى , وزهور مراتى .. يعنى صاحبة البيت.
نظرت له زهو بدهشة وهى تحاول استيعاب ما قال ..
_ البيت مفتوح لكل الناس يا أدهم يابنى , بس أنت عارف كويس بنت مين دى .
قالها عمه بحدة مزمجرا , ليبتسم أدهم بسخرية ويجيبه :
_ وأنت عارف يا عزت بيه أنت مين .. صمت يرمقه بنظرة ذات مغزى ليكمل بتهكم .. للاسف يا عزت الماضى مبيتنسيش .
أزداد الحقد بعينا عمه ليقول صارخا :
_ وأخدت بتارك زى ما بنعمل .
صدرت عن أدهم ضحكة مستهزئة , ليقول ببطئ وكأنه يحاول أن يفهم من لا يفهم :
_ تارى باخده بده " وأشار بيده تجاه عقله " زى ما كل حاجة عملتها كانت بيه .. وزى ما قدرت أرجع ورثى وحقى .. وزى ما قدرت أشترى بيه البيت ده .. وآخرهم زى ما كونت بيه أدهم عاصم العامرى .
كانت تراقب بصمت صراع الضباع الكلامى , لتتهلل أساريرها بخبث طفولى وهى تجد زوجها الفائز .. وهو يمنح عمه نظره صاعقة بمعنى مبطن .. أنا لم أنسى .
قال أدهم بتهكم :
_ ايه يا عمى مش هتعزمنى ندخل .
وجاءت الاجابة بتهكم مماثل :
_ البيت بيتك يا أدهم يا بنى .
دخلت الى المنزل الكبير بخطى وئيدة .. تنظر الى ما حولها بانشداه .. فكما حمل من الخارج الطابع الزمنى القديم , حملت نقوشه ذلك الطابع .
أنتبهت الى عمة أدهم التى زارتها هى وابناتها .. لتنتهى زيارتهم بأثر كوب الشاى الذى حرق بشرة ظهرها مع ذلك الجرح الذى تسبب به كسر الفنجان على ظهرها .
وقبل أن تستوب ما يحدس .. وجدت نفسها بين ذراعى المرأة بحبور مزيف .
لم يخطر على بالها حينها سوى .. كم تلك العائلة مخادعة !!
وما ينتظرنى معهم ليس بقليل !
............................................................ ........................................................
_ أنا مش موافق .
قالها قصى بنبرة حازمة صارمة ، لتنظر له رغد بتعجب وهى تسأله :
_ ليه يا قصى ؟
غمغم قصى بضيق وهو يشيح عنها :
_ كده يا رغد .. ياسين مش الراجل اللى هيبسط وهينسيكى اللى شوفتيه .
إعتدلت رغد فى جلوسها لتقول بقوة :
_ بس أنتَ متعرفهوش ومتعاملتش معاه كتير فـ ليه بتحكم عليه كده وعلى أى أساس .
حمقاء وغبية تظن الحقير يحبها كما قال ، تجد به الخلاص لدوامة إكتسحت طاقتها فتريد الخلاص بدعوى أنه الحل الأنسب .
_ مهو أنتَ مش هترفض كده وخلاص ، لازم يكون فيه سبب وأنا عاوزة أعرف السبب ده !
أشاح بوجهه عنها ليقول بصرامة :
_ ده رئيى يا رغد ..
رموقته بنظرة حزينة كسيرة لتقول بألم :
_ أنتَ كده مش بتساعدنى يا قصى ..
همست همستها المتألمة ودفعت قدميها لتخرج من الحجرة التى يجلس بها .
لقد أصبح أخاها كشبح ، يمر بها مرور الكرام كل يوم مع سؤال جيد عن حالها ، بينما حاله لا يعجب أحدا .
من المنزل للمسجد .. حتى أصبك يومه كله فى المسجد معتزلا جميع الناس وأولهم هى .
ولكن فى الفترة الاخيرة بدأ يعود لعمله ولكن هناك ما يؤرقه كما أنها سمعت منه أحد المرات أنه سيباشر فى التحقيق عن أمر الحادث .. فهل يشك بأنه مدبر ؟
شعرت فجأة بذراعين قويتين تحيطان كتفها وتجذبانها إلى صدر قوى ، بينما الصوت الدافئ الذى إعتادته يعود قائلا :
_ رغودة دايما كانت بتثق فى قصى .. هتثقى فيا دلوقتى ؟
رفعت عينيها التائهتين إليه ، ليلاقيها إبتسامة الرقيقة المشرقة والتى قد نستها منذ أعوام .. فقالت وهى تجاريه فى الابتسام :
_ أكيييد .. أنا بثق فيك يا قصى أكتر من نفسى .
ربت على كتفها مواسيا ليهمس لها :
_ وأنا مش هخيب ثقتك فيا .
كان وعدا بمطن بالبحث عن المزيد من الأدلة ، فهو بين جريمتين .. جريمة حادثة زوجته وعائلتها التى إكتشف مؤخرا بأنه كان مدبرا .. وجريمة ياسين الخفية المتمثلة بالخيانة .
وهو بين ذلك وذلك أصبح محققا يبحث عن الادلة والشهود ليصل إلى الحقيقة .
............................................................ ........................................................
وبين أبا فاشل وأما مستهترة ينشأ الخلل وبالتالى يكون المتضرر الاول هو طفلهما .
كانت تنظر إلى زياد بغضب ، تراقب كيف يهمس لها بخفوت ما حدث معه فى المدرسة اليوم .
زياد ورغم كرهها لهذا المكان إلا أنه عشقها ، تحبع بجنون وترى به طفلا ذكى فطين يستحق المزيد من الاهتمام ليخرج ما لديه من ابداع .
ولكنه كأى طفل منغلقا على نفسه .. لا يجيد التحدث والكلام بطلاقة مثل الاطفال ، يعانى من قلة إهتمام تجعله ينظر إلى رفاقه .
ولكن مشكته تعدت ذلك ، فها هو يقص عليها لأول مرة ما يحدث معه فى مدرسته ، فزياد يتعرض للتنمر من قبل أطفالا بعمره وأكبر منه .
التنمر قد تكون مشكلة عادية ويقابلها جميع الاطفال ، ولكن يبدوا أن أمره تزايد عن الحد ، فاليوم عاد وحقيبته ممزقة .. كذلك أخبرها بأن طفلا بعمره أحضر أخوه الاكبر سنا ورفاقه ليضربوه ..وقد حدث ذلك معه عدّة مرات .
وحين سألته عن إخباره لأحد معلميه قال لها بأن أحدهم لم يقدم له المساعدة وأدعوا بأنه لعب أولاد لا مشاكل به .
صمتت بعدما أنهى زياد سرد ما حدث معه ، ليقول لها بخفوت :
_ متقوليش لنانا .. أنتِ وعدتينى .
رفعت رأسها بحزم بعدما أتخذت القرار ، لتقول بهدوء حمل الصرامة :
_ مش هقول لنانا .. لكن هقول للى المفروض مسئول عنك .
نظر لها زياد بفزع وبدأ فى ترجيها ألا تخبر والده ولكنها كانت مصرة .
فإلتقطت كفه الصغير ، وخرجت به من الغرفة بسرعة وقادته إلى غرفة المكتب الخاصة بوالده .
طرقت الباب بقوةوسرعة ، وقبل أن تسمع الرد إندفعت إلى الداخل ..
رمقها أوس بتعجب لتقول بهدوء وهى تقف معتدلة رافعة الرأس :
_ زياد هيقولك حاجة .
نظرت إلى زياد بحزم فخفض وجهه ، ليقول متلعثما :
_ بابا .. أصحابى .. أقصد زمايلى .. آآ .
وظل يتلعثم بالكلام ، وهو لا يعلم كيف يستخرج جملة مفيدة .
فنظر له أوس بتعجب أنتقل منه إليها يسألها ، فقال مباشرة لها :
_ قوليلى إيه اللى حصل معاه ؟
_ لأ هو اللى هيقول علشان يتعود أنه يصارحك باللى بيحصل معاه .
قالتها بحزم قوى وهى تنظر إلى زياد ، فتحدث أخيرا قائلا :
_ بابا فيه عيال بتضربى فى المدرسة .. و واحد منهم قطعلى الشنطة بتاعتى .
أرجع أوس ظهره مستندا على كرسيه ليقول ببساطة :
_ فيها إيه ؟ ... النهاردة تتخانقوا وبكره تبقوا اصحاب ، لازم تقابل كل ده فى المدرسة عادى الموضوع مش كبير .. ولو على الشنطة تجيب غيرها .
بساطته إستفزتها .. جعلتها تصل إلى حدود الغضب الثورى ، لتقول بهدوء يخفى خلفه الكثير :
_ زياد روح لـ اوضتك دلوقتى ، هتكلم مع بابا شوية وأجيلك نكمل الواجب .
ونفذ الصغير طلبها باستغراب ، لتنظر إلى أوس بغضب بعدما خرج زياد .
_ الولد بيقولك أنه أتعرض للضرب على أيد زمايله كذه مرة .. وبيجيبوله عيال أكبر منه تضربه ، غير أن الشنطة مقطوعة بأداة حادة !
عقد حاجبيه قليلا بتفكير ، ليقول بالاخير بصوتا هادئ :
_ خلاص هكلم حد يروح المدرسة ويشوف الموضوع .
_ بجد ؟ ... ده اللى وصله تفكير حضرتك .. أسمحلى أقولك أنك كده بتضيع أبنك أكتر ما هو ضايع .
زياد ذكى جدا وكل رد فعل ليك على موقف ليه بيعمله سيناريوا ويشيله فى ذاكرته .. وفى يوم هيطلع كل ده وهتبقى أنتَ الوحيد اللى خسران .
فيها إيه لو قربت منه وسألته لوحدك ماله ، ساعدته يخرج من عالم المزاكرة والكتاب ، خليه يتعامل مع الناس ويتعامل معاك أنتَ قبلهم .
بأى أساس مسمى نفسك أب !! ... الابوة مش مجرد طفل أخد أسمك .. الابوه أكبر من مجرد فلوس بتجيبله اللى يربيه ، الابوه هى علاقتك بإبنك وحبك ليه ...
أنهت كلامها بصوتا شابه الصراخ لتقول بتهكم ساخر :
_ آسفة على المحاضرة دى .. نسيت أن حضرتك بتفرط فى الغالى بالساهل ومش بيفرق معاك .
وألتفتت بسرعة مغادرة وكأنها إن ظلت قليلا ستقتل أحدهم .
إلا أن يديه أوقفته قبل أن تخرج من غرفة المكتب ، ليدفعها إلى الداخل ويغلق الباب بعنف مسندا إياها إليه ولازالت يده تعتثل ذراعها بقوة .
لينظر إليها بغموض و يسألها :
_ قصدك إيه بعبراتك الأخيرة ؟
أجابته بتحدى وعينيها تنافس عينيه فى القوة والسلطة :
_ مش عارفة .
هزها بعنف ليهمس من بين أسنانه وهو يقترب منها :
_ مش شايفة أنك بتعدى حدودك .. أنتِ مجرد عاملة هنا فى البيت ، بتاخدى مرتبك من صاحبه اللى هو أنا .
ضحكت بسخرية لتقول بمرارة :
_ ودى النظرية الديقة للأغـ ... ولا أقول للاذكياء .
إقترب منها حد الخطر لتكتشف فجأة أن أنفاسه تلفح وجهها ، ليعلوها التوتر وهى تسمع همسه الحار فى أذنها :
_ بلاش تتخطى الحدود .. أنتِ مش عارفة مين أوس الزهيرى .
قلبت همسه بتحدى سافر لتقول مزمجرة :
_ وأنا مش خايفة منك .. لأنى بدور عن حقيقة .. وعارفة أن الحقيقة هنا .
أبتعد عنها قليلا لينظر إلى عينيها الشرستين ، ليبتسم قائلا بهدوء :
_ طبعا بنت علام صفوت مش هتشتغل مربية أطفال علشان الفلوس .
أجفلت قليلا من المفاجأة ، لتتملكها ابتسامة تحدى وهى تقول برقة :
يبقى عرفت أنا مين .. بس الغريبة أنك لسه سايبنى فى بيتك ؟!
ضحك بسخرية ليهمس وهو يراقب شفتيها بتعمد أن يستحوذ خجلها ويربح فى الجولة الاولى فى التحدى :
_ أكيد هسيب القطة تلعب وتدور حوليا ، علشان أوصل للسبب الحقيقى لوجودها .
دفعته عنها بحده وهى تستشعر لمسات يده التى فكت القيد حول ذراعها لتتحول لآخرى تتلمس برقة .
فقالت بغضب وهى تشيح عنه :
_ مبروك الجولة الاولى .. بس صدقنى دى الأخيرة ، وكويس أن اللعب بقا مكشوف ..
فتحت الباب خلفها وكادت تغاد ، إلا أنها وقفت تقول دون أن تلتفت له :
_ لكن زياد ملهوش علاقة .
وأنتهت الجولة .. بفوزه ولكنه وجد نفسه خاسرا .
سؤالا استحكم عقله .... " أهلّة علام ماذا تريدين منى ؟ "
............................................................ ........................................................
|