لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-03-18, 10:05 PM   المشاركة رقم: 26
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2017
العضوية: 326474
المشاركات: 120
الجنس أنثى
معدل التقييم: Enas Abdrabelnaby عضو له عدد لاباس به من النقاطEnas Abdrabelnaby عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 124

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Enas Abdrabelnaby غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Enas Abdrabelnaby المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: أسيرٌ من الماضى (2) سلسلة جروح العشق الدامية

 


الفصل السادس

مهما دام العناق ، ف الفراق مكتوب .
فهما ثبت الوقت والزمان ، يبقى عائق النفس جدارا منيعا لهما لكى يبتعدا .
فابتعدا وما كادا يفعلان ، بعدما تشابكت قلوبهم وقد لقيت المسكن لألمها .
بعد فراق طويل .. وقد آن للنفس أن تجد مسكنا لألامها .

نظرت له طويلا بعينين مظلمتين ، ليست شوقا هذه المرة .. إنما أنتظار وترقب للقادم .
عينيها عكست عواصف مشاعرها بريقهما القوى .. بل وحتى جفاءهما .
وسؤالا يحاكى سؤال .. لما جاء الأن؟!
ماذا يريد؟
كيف دخل حجرتها بمنزل خالتها ؟
هل تغير ؟
هل سيعيدها ؟
هل ندم ؟
والكثير من الاسئلة تتشابك مع بعضها البعض لتشكل متاهة اسئلة عاصفة ليس لها جواب
_ جيت ليه ؟
كان السؤال الوحيد الذى خرج من مخبأه ، ليخرج متأوها من بين شفتيها الناعمتين بعذوبة خالصة اطارت صوابه .
بينما كان يراقبها بشغف، متشبعا لكل ملامحها بشوق إضمحل على بحيرة عينيه السوداء ... يهيم بها بإفتتان يتأمل ملامحها بعشق .. وجهها .. عيناها .. أنفها .. شفتيها .. لتنتهى جولة تفقده عائدة إلى شفتيها .

فتح شفتيه ينوى الرد ، ولكنه سارعان ما اغلقهما ، بعدما عجزت الحروف عن الخروج ، ومالت الكلمات إلى الصمت تشدوه بأن يظل قائما .
فقط يريد أن يضل طريقه بعينيها ، يسير بمتاهاتها عله يجد الطريق لسبرهما ، أو نيل مطلب الإعجاب من لؤلؤتيها .
زرقاء العيون أسرت قلبه ، وأسقطته راكعا تحت قدميها .
من كان يظن بأن مؤيد عبدر الرحمن الراجحى يُكتب له الوقوع تحت قدمى امرأة يبتغى رضى عينيها ، يطالبها بالسماح هامسا دون أن يجرأ على الكلام لكى لا يفقد الموقف هيبته .
إلتمعت عينيها بدموع حبيسة منذرة ببكاءٍ صامت ، ونفس كسيرة تهمس له " لا أستطيع الغفران بسهولة ، ليس بيدى فأنا بشر "
تنهدت بألم لتقول أخيرا بهمس ميت :
_ إيه اللى جابك يا مؤيد ، مش خلاص كل حاجة أنتهت .
نظر إليها بقسوة محاصرا عينيها وكأنه يتحداها بأن تصدق القول بنظراتها فقال بحزم إرتبط بالرقة رغم القسوة التى تنضح من عينيه فى عبارة نازفة القوى :
_ وحشتينى .
وتنهيدة قصيرة مضطربة كانت من نصيبها ، وتبلد الملامح بحزن كان المؤشر لهبوط الامطار غزيرة ..
اعادت اسمه بيأس علّه يفهم أن الآوان قد فات :
_ مؤيييد .......
وتقطعت الكلمات بعد رقة نطق إسمه ، ليكمل هو بقوة وعيناه لاتزال تحاصرانها :
_ ميساء .. أحنا حياتنا مرتبطة ببعضها ، لا أنتِ هتقدرى تفكى الرباط ده ولا أنا .. الرباط ده أقوى منا .. الرباط ده هو اللى جمعنا وهو اللى مش قادر على بعدنا ..
تنهدت محاولة إلتزام قواعد ضبط النفس والهدوء إلى أبعد حد لتقول بصوتا باهت حاولت قدر الإمكان إظهاره حازم :
_ مؤيد لو سمحت متضغطش عليا ، مفيش احنا .. فيه مؤيد مسافة ميساء.
عاوز إيه؟؟ ... وجودك هنا ودلوقتى غلظ .. دخولك بيت خالتى من غير إذن أهله مش صح .. أوضتى اللى واقف معايا فيها لوحدنا غلط .. كل حاجة بتعملها دلوقتى غلط ، حتى كلمتك دى غلط "وحشتينى" .
أنا خلاص مبقتش مراتك ، يعنى كل اللى فاكر أنه مسموح ليك بقا مش مسموح .
هز مؤيد رأسه برفض ، وقال بصوتٍ هادئ محاولا إقناعها :
_ لأ يا ميساء أنتِ غلطانة ، والزمن هيكون كفيل بأنه يعرفك الحقيقة ، وأنا مش جاى علشان أقولك الاسطوانات الهبطانة دى .. أنا جاى علشان أخدك معايا فى مشوار مهم .
عقد حاجبيها فجأة بإستنكار، لتهمس بتوتر ممتزج بالإرتباك وجهازها الاستشعارى يبلغها بخطر هذا الامر :
_ لو سمحت يا مؤيد بلا...
زفر بنفاذ صبر قائلا بعجلة وهو يمسكها من يدها بحزم :
_ يلا يا ميساء .. أنا مش هقعد أتناقش طويل فى الموضوع ، هتيجى معايا وهتعرفى أنا عاوزك ليه وبعدها هرجعك هنا متخافيش .
تركته ميساء يمسك يديها ويقودها بإستسلام تام إلى الخارج ومن ثم سيارته .
تابعته عينيها وهو يقود بشرود ملامحه المنعقدة بتفكير عميق .. يديه العضلية ممسكة بالمقود ببأس وكأنه فى صراع خفى مع شئ ما .
إرتفعت عينيها إلى مقدمة صدره الظاهرة من فتحة قميصه ، راقبت كيف يرتفع وينخفض بسرعة وكأنه يصارع الهواء فى دخوله وخروجه .
اكملت عينيها الصعود إلى أن وصلت لوجهه الوسيم .
كم هو وسيما ولا مجال للمراوغة أو الخداع ، أولم تلحظ يوما مقدار وسامته تلك ؟!
إنها تتفحصه بتدقيق وكأنها المرة الاولى التى تراه بها ، تتعجب من كونه وسيما ولم تلحظ ذلك ، يا الاهى ألهذه الدرجة لم تكن تشعر به ؟!
بلى لقد كانا كزوجين مبهمين ، يعيشان بمنزل واحد ولم يعرف أيا منهما طباع الآخر ؟!
ألهذه الدرجة كانت بعيدة عنه ؟!
وكيف لا تكون وقد كانت ترى نفسها هدية ذهبية لفتى عابث لا يستحق سوى كذبة كبيرة تودى بكل ثقته وغروره المبالغ بهما .
كانت تظن نفسها دمية الماريونت الشهيرة ، ولكن لا يتحكم بها شخصا واحد بل أثنين .. زوحة والدها سها و مؤيد الذى كانت تظنه يتلاعب بها .
ولكن هل حقا كان جديا معها ؟
ألم يتلاعب بها؟؟
حين وجدها تطالبه بالبعد إبتعد بعدما نال ما أراد وكان أول رجلا فى حياتها؟!!!
مهما أنقضت الأيام والساعات .. لاتزال ترى نفسها ضحية له ولـ سها الماكرة.
والتى أجادت التلاعب بها بتصوير خيالات سوداء لها ولذلك الحقير شادى ابن أختها .. ثم بيعها وقبض الثمن من مؤيد ، لتصله الرسالة الغادرة لإحدى الصور مع ذلك الحقير .
لتترك الباقى لمؤيد والذى لم يتهاون عن صفعها ليلة زواجهما ، وأخيرا إتمام الزواج وظهور برائتها بالدليل الواضح .
فكيف لها تنسى .. بل وتتغاضى عن كل شيئ ؟!!!
ليس باليسير أن تبعثر ايامى وتفر هاربا .. ثم تعود طالبا إعادة ترتيبها، لتحظى على أجمل الذكريات .. وتتغاضى عن البقية فهى لا تروق خيالاتك!!

شردت عينيها وهى تناظر وجهه ، شردت لتغيم زمردتيها ويتسلل سؤال فوق كل الهالات السوداء ليطفو بفضول
" أين سيذهبان ؟! "
خطرت إجابة مفاجأة لتوقعاتها فجأة فى رأسها ، هل سيذهب بها إلى المأذون ؟!
هل سيرجعها إلى عصمتها ؟!
مؤيد ورغم كل شئ .. يمتلك نزعات جنونية وقد يفعلها بلا أى تردد .
ولكن ....
ولكن الفكرة تروقها تماما!!
بدأت بتخيل صدمتها حين يفاجأها .. بردات فعلها وما عليها قوله فى تلك اللحظات ..
يهمس لها طالبا بأن تعود إليه ، يترجاها بأن تسامحه وتقبل به .
ولكن هل ستقبل ؟!
بالطبع ستقبل ما إن يقولها ستقبل على الفور ، فهى تشتاق إليه .
تشعر بأنه حاميها الوحيد رغم كل ما حدث ، تريد ظله لتختبئ به فهو من بقى معاها بعدما غادر الجميع وتركوها ، فقد إنزاح قليلا من الغضب ووضعت نفسها بمكانه لتعرف بأن ما صنعه .. كان قليلا مع الموقف الحقير الذى ذرعته زوجة أبيها برأسه .
هل الراحة سبيلها أنتَ ؟
وماذا إذا كنت ؟
فهل لى نصيبا منها ؟
ولما لا وأنا أستشعر الأمان بظلك !
هل لنا لقاء ؟
إلتفت إليها بنظرة لم تستطع تفسيرها ، ليرى الابتسامة الحالمة على شفتيها ، فأعاد النظر أمامه وهو يقول بخشونة :
_ شايفك مبسوطة بعد ما كنتِ مش عاوز تيجى ، على فكرة أحنا مش رايحين رحلة .
الغبى .. صاحب الدماء الثقيلة ، عليك اللعنة بلسانك السليط الذى قطع لحظات التخيل .
إستعادت برودها لتشيح عنه حانقة ، وتقول بصوتا قاتم :
_ ومين قالك إنى فرحانة بقربك ، أنا بس بمنى نفسى بالراحة اللى هلاقيها بعد مشوارك .
ابتسم بقسوة وأشاح هو الآخر إلى الطريق ، ليقول بشرود :
_ أشك فى كده .
لا تعلم لما إرتعبت لتلك القسوة على وجهه ،إنه ينوى شيئا ، والله وحده يعلم ما ينتويه ، فلتصبر وتعلم .
استفاقت من شرودها لتجد السيارة تنحدر من الطريق السريع إلى طريق صحراوى متعرج ، ظلوا يسيرون به قرابت النصف ساعة كانت خلالها تشعر بالخوف وتلاحقه بنظراتها فى تسائلات عدّة ولكنه كان يتعمد التجاهل ويكمل بطريقه ، لتجده أخيرا يقف أمام مصنع مهجور فى طريقا ضائع وسط الصحراء القاحلة .
نظرت له برعب ، فبادلها بجمود وهو يفتح الباب المجاور له ، ويدور حول السيارة ليفتح بابا ويخرجها بقوة ساحقا إعتراضها .
جذبها من ذراعها بقوة أرعبتها تجاه المصنع ، فصرخت دون القدرة على التمسك بقناع البرود :
_ أنتَ مودينى فين ، عاوز منى إيه .. أبعد عنى .
إلتفت إليه بعنف ووجها إستحال لونه إلى سواد قاتم ليقول بغضب :
_ اخرسى .
وأكمل سحبها إلى الداخل ، لتجد على باب المخزن رجلين ضخمين الجثة ، ما إن رأوه حتى أومأوا له بهزة من رأسهم ، فإزداد رعبها وتعثرها وهى تتبعه .
دلفت إلى المخزن بقوة دفع يد مؤيد .. لتدجده يسوقها إلى حجرة مغلق بابها ، ما إن فتحها حتى وقفت مذهولة من المنظر بداخلها .

............................................................ ........................................................

كل هذا عانيته يا حبيبى .
كل هذا تلقيته لسنوات .
كيف غفلت عن تلك الندوب التى ملأت صدرك وذراعيك المفتولتين ؟!
كيف لى ألا أشعر بالالم يملأ نظرات ؟!
كيف يكون الماضى قاسٍ إلى هذه الدرجة ؟!
ولكن .. لما ، لما أنا من يفرغ بى شحنة الكبت ؟!
ألاننى أحبه .. وسأتحمله .
تعالى إلى يا حبيبى ، تعالى إلى وسأنسيك العالم بين ذراعى .

نظرت بحزن إلى الشارع المظلم ، تحبه وحبه يؤلما ، يعذبها به وهى على رضى تام ..
تريد أن تزيل جراح الماضى .. لكنها جراح لا تزال تئن بالدماء ، لاتزال قائمة وكأنها صُنعت بنفس اللحظة التى يلاقيها بها .
هى علامة الماضى بالنسبة له ، هى المفتاح السحرى للألم .
هى الدمية التى يود أن يفرغ بها شحنة كبته ، هى مستقر الحياة .
لماذا يا أدهم أتخذتنى مجرد لعبة صماء .. ترضى ذاتك بها .. وذاتى أنا ضائعة فى بحورك .. أهواك وهواك يسحق قلبى المغرم بغبائك .. ألك أن تتخيل قسوة الأيام وهى تدفعنى بطريقٍ مظلم ليس له نهاية ..
هذا هو طريقى داخلك للوصول إلى قلبك المتجمد فى منتصف جبال القطب الجنوبى .
وبالأخير ألا تمتلك بعض الرحمة .. لتتركنى أنعم ببعض السلام الداخلى مع نفسى التى تجاربنى ؟

............................................................ ........................................................

نظر إلى القصر المظلم امامه بشرود .. كم يهاب هذا القصر وبالوقت ذاته يشعر بأنه مالكه وسيده .
بلى هو كذلك ، هو مالك القصر والاموال ولكنه لم يكن يوما مالكاً لحياته.
فبتجربة واحدة ... لا لا بل تجربتان ، إعتزلها متجها إلى العمل وكأن الحياة أنحصرت لديه بالعمل والطعام والشراب فقط .
ولكن لكل تجربة نتيجة، وكانت نتيجة هذا الفشل طفل صغير ليس له ذنب سوى أنه جاء إلى دنيا الاضطرابات .
لقد عنفه أدهم وكذلك فعلت جدته ووالدته لكى يأتى إلى هنا ويلاقى إبنه المشتاق إليه .

ولكن يقول مثلا قديم " فاقد الشيئ لا يعطيه "
هذه العبارة تنطبع عليه بشدة ، فهو فقد الحنان فى طفولته وفى حياته ، فكيف سيمنحه لإبنه وهو لا يعرف كيف يمنح ؟!
لقد إعتاد منذ صغره بأن يكون الانسان الالكترونى ، يتحكم فيه عن بعد بالضغط على جهاز التحكم لينفذ الاوامر دون جدال .
ردات فعله دائما عملية ، وجهته تنظر للحياة فقط من الإطار العملى ، بضع قوانين وحل منضبط سيسير العمل على أكمل وجه .
ولكن أن يتعامل بعواطفه ، هذا ما لم يعرفه يوما .. بل عرفه وليته لم يعرفه ، لأن معادلة العواطف كما قال له والده .. معادلة فاشلة .. لا تتساوى بها الكفتين .
فقط واحدة تزيد عن الأخرى .. ولابد أن يكون هو بالطرف الرابح .
أما إذا تساوت الكافتين ، فهذا هو قمة العدل لكيان الرجل .
لم تكن زيجته من ملاك .. زيجة رومانسية ، بل كانت عمليه تحكمها المصالح ، شيئ مقابل شيئ ... هكذا أتفق مع والدها رجل الاعمال ، ولكن الصغيرة ذات الاحلام الرومانسية لم يعجبها ذلك .
حاولت مرارا أن تغيره وتجعل منه شاعر ، متغنى فى جمالها .. على الأقل صاحب عواطف حساسة .. إلا أنها فشلت بجدارة .
وبعد محاولات عديدة يأست ، وإنسحبت ببطئ من حياته .
ولكنها خلفت ورائها ضحية صغيرة ، فلم يكن منه إلا أن تركه له ليرعاه .. غير عابئة بما سيلاقيه وهو معه .. فقط ما يهمها أن تكون حرة ولتبحث عن شاعرها المهمام .
زفر بتثاقل ضاغطا بيده أعلى انفه .. سيحاول أن يكون لطيفا مع إبنه وينزع رداء الظلام الذى يرتديه .. عله يشعر براحة البال بجواره .

دلف من باب القصر العالى .. بعدما فتحت له الخادمة ، ليناظر بعينيه علو القصر المهيب .. بألوانه التراثية ، ولوحاته العتيقة .. وأثاثه القديم ولكن ذا طابع أكمل صورة القصر الملكى الخاص بعائلة الزهيرى .
أتجه إلى الصالون ، حيث وجد جدته تجلس بإتزان ممسكة بفنجان من القهوة ، ترتشف منه بأناقة وكبرياء لطالما أغرق افراد العائلة .
ألقت عليه نظرة خاطفة لتشير بطرف عينها إلى الكرسى المقابل، فإقترب منها إلى أن جلس على المكان الذى اشارت إليه ، لتخفض فنجان القهوة وتقول بعملية :
_ شغلك أخباره إيه بره ؟!
ابتسم بسخرية لحالها ، تسأله عن العمل قبل الحال .. لا بأس أيتها الجدى الفضلى فهذا ما أعتاد عليه، فقال ببرود:
_ من غير ما تسألي ، الاوراق بتوصلك كل شهر .
رفعت الجدة رأسها بكبرياء قائلة :
_ وفيها إيه لما اسألك .
تحولت الابتسامة الساخرة إلى آخرى قاسية ، ليهمس بغضب :
_ فيها إن الترتيب المنطقى للكلام ، أوله سؤال عن الحال وآخره سؤال عن الفلوس .
سمع ضحكت جدته المتهكمة ..قبل أن تقول ببرود هادئ:
_ يعنى هى بتفرق معاك يا أوس إن كانت البداية معنوية أو مادية ؟!
هز رأسه بيأس وهو ينهض ، قائلا بإيجاز :
_ لأ ..
إتجه إلى غرفته بسأم ، هذه العائلة لن تتغير .. ما يورث يظل بالدماء .
بدأ بنزع ملابسه ببطئ وأتجه إلى الحمام ليرتاح ، وبعد وقت طويل كان يسترخى فيه نائما على سطح المياه ، وجد أحدهم يطرق الباب بقلق وصوت رقيق يتسائل :
_ سيد أوس ؟!
ذلك الصوت غريب ، لم يسمعه من قبل .. نحى التفكير بصاحبة الصوت .. وأكمل إستلقائه المسترخى ، متمنيا أن تستدير وتخرج من غرفته كى لا يخرج هو ويدق رأسها بالحائط .
ولكن الصوت الرقيق القلق عاود الارتفاع بنبرة اعلى:
_أوس بيه ، أنتَ كويس .
وطرقات كثيرة تتابعت مع صوتها الرقيق وهى تسأله إن كان بخير .
زفر حانقا .. ألا يستطيع الناس تركه وشأنه يهنأ ببعض الراحة بعيدا عن المتطفلين !!
ألتقط منشفته القصيرة ولفها حول خصره ، وإتجه إلى الباب ليفتحه بقوة ، ناظرا بملامح سوداء إلى من قاطع فترة إسترخائه .
ليجدها فتاة بطول كتفه تقريبا ، تنظر إليه مذهولة .. وبلحظة تحول الذهول إلى خجل وإحمرار ينهش وجهها كله .
لتستدير ثانية وتركض !!
بلى لقد ركضت أمامه مثل طفلة خرج أمامها غول أسود أمامها!! فلاذت بالفرار !!
ثانية واحدة كان يضحك بسخرية على مشهدها الطفولى وهى تركض هكذا ، قبل أن يستدير عائدا إلى حمامه الدافئ .

............................................................ ........................................................

لم يعبأ بتلك الواقفة أمامها الدهشة تستحكمها ، بل إندفع بقوة إلى ذلك الرجل والذى للمرة الاولى يراه ، عدا رؤيته فى الصور التى بعثت له بليلة الزفاف .
انقض على الشاب مثل الأسد ، ينهال عليه باللكمات والركلات القوية .. لا يعبأ بصراخ الواقفة أمامه مذعورة أو بتلك التى تخاف ان يشابه مصيرها مصيره .
وقف يلهث بعنف ، لا لم يشفى غليله بعد ، كلما يراه يتذكر الصور التى كان فيها يجاور ميساء بالفراش .
والسؤال يتردد بخلده " إلى أى مدى رأى جسدها ؟! ... وهل حطت يداه القذرة عليها ؟! "
خلع حزامه بعنف .. والافكار السوداء لا تغادر تفكيره ، بل إنها تنتشر كالوباء .. ليهيج الأسد أكثر .
ربط مقدمة الحزام حول يده وإنهال بعنف يشبع الآخر بضرباته ، يستمع إلى صرخاته بدون رحمة ، يزيد من ضربه وهو لا يرى أمامه وكأنه قد أصابه مس من الجنون .. لا يريد سوى أن ينتقم مْن مَن سلب منه حياته وكان السبب ببعد ميساء عنه .
إنتفضت ميساء بذعر وهى تلاقى هشام ابن أخت زوجة أبيها سها .. مكوما على الأرض ، وجهه مغطى بالدماء ، ويبدوا بحال سيئ ، وقد يموت بين يدى مؤيد .
مؤيد ... !!
هكذا سيتأذى ؟!
دفعت بنفسها بقوة لتحيط مؤيد بذراعيها من الخلف ، بعدما يأست من أن يستمع إلى كلامها .
كانت تقريبا تجذبه إلى الخلف ، تحاول إبعاده بالقوة ، دافنة وجهها فى ظهره ، تبكى بحرارة علّه يرأف بها ويترك ذلك الآخر .
ألتفت فجأة لها وكأنه أستفاق لما يفعل ، ففك رابطة ذراعها حول خصره ، وجذبها من ذراعها بقوة .. إلى أن أوقفها أمام تلك المرأة المشعوذة ، ليصيح بميساء بصوتا أرعبها :
_ دى الى كانت السبب فى بعدنا ، دى اللى خلتك تتجوزينى ، ودى اللى خسرتك وخسرتنى كل حاجة .
تعالت شهقا ميساء بنشيج متألم ، وهمست تترجاه :
_ أرجوك يا مؤيد متأذهاش ، مهما كانت دى مرات بابا الله يرحمه .
صرخ بها مؤيد بعنف وهو يهزها :
_ دى اللى كانت السبب فى كره أبوكى ليكِ ، دى اللى سرقت حقك .
ترجت ميساء بصوت متألم مذبوح :
_ أنا سامحتها .. سامحتها ، سيبها بقا .
ترك ذراعها بعنف ، وصاح بها :
_ غبية .. وهتفضلى علطول غبية ، دى فرصتك ، أنتقمى منها .
هزت رأسها برفض متشنج
_ لأ .. لأ أنا مش عاوزة آذى حد .
اخفضتت وجهها دافنة إياه بكفيها ، تبكى بصوتا عالى متشنج ، أثار بعض الحزن الممتزج بالألم .
لكنه سرعان ما عاد ، وأحضر أوراق رسمية للتنازل !!
وضع الاوراق أمام سها أرضا ومعها قلم ، وقال أمرا بصوتا ميت :
_ أمضى .
نظرت سها للأوراق برعب ، وشهقت بذهول لتهز رأسها بقوة :
_ مستحيل أتنازل عن كل حاجة .
علت ضحكته المتهكمة ، ليقول بصوتا شرس أرسل الرعب إلى عروقها :
_ أولا كده ، الحجات دى مش بتاعتك ، ثانيا أنا مش بإختيارك ، هتمضى ولا تطلعى جثة ؟!
وتلى الكلام بالفعل وهو يطبق على عنقها بقوة ، لم يفكر للحظة وهو يزيد من ضم قبضته على عنقها ، فجحظت عينا سها برعب وصاحت بصوتا مختنق وهى تجده أمامها لا يمزح وسيخنقا بحق ودون أن ترمش له عين :
_ خلاص .. خلاص .. همضى .
غرس أصابعه فى عنقها وهمس بفحيح أمام وجهها :
_ ياريت لو فضلتى على موقفك الاول ، كنت ريحت العالم من قذارتك .
ألتقط الورق ووجهه لها ، فأمسكت القلم بيد مرتجفة ، وبدأت تخط أسمها ، إلا أنها فجأة تعثرت وأخطأت .
فتابع خطأها كفه القوى يهبط على وجنتها ، مصدرا صوت إنتفضت له ميساء الواقفة تراقب بإرتياع .
_ هنبتديها أستعباط ياختى ، وعزة جلال الله لو ما مضيتى وخلصتينى لكون مفرغ ده فى دماغك .
وأخرج من جيب بنطاله مسدسا أسود واضعا أياه بمنتصف رأسها .
صرخ بأحدهم أن يجلب له عقد آخر ، همست سها بصوتا متقطع من شدة الخوف :
_ اللى بتعمله ده مش قانونى .
ضحك مؤيد بتهكم ، وبيده الأخرى أمسك شعرها بعنف .
_ قانونى !! .. ولما أجبرتى ميساء تتنازل عن أملاكها مكنش قانونى ياختى ، أمضى يا سها ولا والله ما تخرجى من هنا سليمة .
ناولها الاوراق ، فمضت بإسمها بتلعثم ليلتقط الورق منها بعنف ويترك شعرها بعنف أكبر .
وقبل أن يلتفت إلى ميساء .. لم ينسى أن يبصق بوجهها ثابا بلفظ نابى .
أمسك بيد ميساء يقودها خلفه ، وأشار للرجلان بأن يدخلا ..
همس لنفسها بذهول " هل سيقتلهما ؟! "
أنتفضت مسديره لمؤيد ، تقف أمامه لتقول به صارخة بذعر :
_ أوعى تقتلهم ، هتضيع هنفسك ، دول ميستهلوش أنك تضيع نفس علشانهم ، أرجوك يا مؤيد .
إقترب منها واضعا كفيه الكبيرين على وجنتاها ليهمس بخفوت وهو يقترب بوجهه :
_ خايفة عليا ؟!
شهقت ميساء باكية ولم تجبه ، فإقترب برأسه من رأسها .. إلى أن حطت بسلام على جبهتها ليهمس بصوتا دافئ :
_ متاخفيش ، أنا مش هقتلهم .. مش علشان هما ميستهلوش ، لكن علشان أفضل جمبك ومفيش حاجة تفرقنا .
رفعت عينيها الحمراء إلى عينيه ، وصمت من حولهما فجأة ، كما توقفت الانفاس .. لتعطيهما ثانية من الوقت حداد على حب لم يجد الوسط الملائم للنمو .
تنهد بتعب وإبتعد عنها قائلا بخفوت مشتت :
_ يلا .. هرجعك بيت خالتك وبعد يومين تقدرى ترجعى لبيتك ، وكل حاجة هترجع ملك ليكِ .
سمع شهقة بكائها الحادة ، فلم يستطع أن يلتفت لها ، فهو يعلم بأنه سيضعف لسلطانها ، وسيجذبها إلى أحضانه وربما سيفعل أكثر .
ولكن ما هو متأكد منه أنه لن يتركها ترحل ، وهى لاتزال تحتاج إلى الوقت وكذلك هو .

إستقلت السيارة بجواره ولا تزال شهقاتها تشق الصمت بعنف .. بينما حال سهت وهشام لايزال منطبعا فى مخيلتها .
رغم أنه مشهد يشفى الغليل .. ويبرد القلب الملتهب من حرقة ما ذاق من القسوة والإضطهاد .. ولكن لا يزال قلبها رقيقا .. لا يقبل تلك الأفعال المروعة .
إلتفتت ببطئ إلى مؤيد ، لتقول بصوتها المتألم :
__ ليه عملت كده .. قولى أنا إستفدت إيه لما شوفت المنظر ده ؟
أنتَ كراجل أستريحت لما حسيت أنك رجعت حقك ، لكن أنا أخدت إيه .
إلتفت مؤيد إلى ميساء بوجهٍ يقدح شررا ، مع قوله الخافت الخطير :
_ هتفضلى ضعيفة .. بدل ما تبقى فرحانة لأن حقك رجعلك قاعدة تعيطى عليهم وتقوليلى مرات بابا ، مرات أبوكى من أنهى ناحية ...
فوقى يا ميساء زمن الطيبة ده مشى من زمان ، لو مش هتبقى قوية وتاخدى حقك بإيدك محدش هيخدهولك ..
أشاح عنها بعنف ليعود إلى الطريق ، ويقول بعد لحظات من الصمت :
_ صدقينى دلوقتى هتعيطى .. ولما تنامى على سريرك هتحسى براحة كبيرة ..

............................................................ ........................................................

اتجه إلى حجرة ابنه التى لا يدخلها سوى بضع أيام شحيحة بالعام .
طريق باب الغرفة ، فسمع الصوت الطفولى الهادئ يدعوه للدخول .
دلف إلى الغرفة ليجد ابنه جالسا أمام مكتبه الصغير ينهى فروضه المدرسية .
ابتسم بسخرية لمرأته بهذه الحالة ، الصغير ورث چينات العائلة العملية .
سحب كرسى صغير بأحد زوايا الغرفة ووضعه بجوار المكتب الصغير ، ليجلس قائلا بابتسامة متفائلة :
_ عامل إيه فى الدراسة ؟!
نظر له الولد بنظرة باردة لا تحمل أى معنى ، فتفاجأ أوس من نفس ، لقد سُؤل منذ قليل سؤالا مشابه من جدته ، وكانت إجابته من المفترض أن تطبق الأن .
شعر بقبضة باردة تستحكم قلبه، بينما اختنقت انفاسه بضيق حاول اخفائه ..
انتبه إلى ابنه الذى عاد ليكمل فرضه ، فقال بصوتا حاولا جاهدا ان يكون لطيف:
_ عامل إيه يا زياد ، وحشتنى .
اعاد الولد نظراته إلى أباه ، وكأنه يقول له بتحدى " أنتَ كاذب "
ولكن الاب إستدرك نفسه سريعا قبل أن ينطق زياد بما فى عينيه :
_ ماما عاملة إيه ؟!
علت هذه المرة السخرية على ملامح زياد فقال بهدوء :
_ تقصد ملاك .. هى مبتحبش أنى أقولها ماما ، وهى كويسة .
حاول تغيير الجو المشحون بينهما فقال :
_ زياد حبيبى جيبتلك لعب تعالا نشوفها سوى .
نهض أوس وهو يقدم لابنه يداه ليمسها ، ولكن الطفل نظر له بقتامة غير عادية وأرجع نظره إلى كراسه قائلا بجمود:
_ مش بحب الالعاب .
علت الدهشة ملامح أوس .. محاولا تذكر معلقات ابنه إلا انه فشل .
ان ابنه طفل فى السابعة من عمره ولا يحب الالعاب ؟!
ما هذا الطفل الغريب ، هل هو حقا ابنه ؟!
حاول اعادة المحاولة عله ينجح:
_ايه رأيك نتفرج على فلم كرتون سوى .
نظر له زياد بملل قبل أن يقول بهدوء :
_ بابا .. أنا مش بحب الافلام ، بخناقاتها بأفكارها الغبية ، ودلوقتى اصلا وقت المذاكرة .
نظر أوس له بذهول أكبر ، للتو شعر بأنه تلقى صفعة قوية على وجهه .
إنه لا يعلم أى شيئ عن أبنه !!
إبنه بكل المعنى لا يطيقه ، ولا يريد النظر بوجهه ، وكأنه يقول له أخرج لافعل ما هو اكثر اهمية من حديثى معك .
إستدار أوس شاعرا بأحاسيس لم يشعر بها من قبل ، إحساس بلالم وثقلا جسيم يخيم على روحه وقلبه .

............................................................ ........................................................



 
 

 

عرض البوم صور Enas Abdrabelnaby   رد مع اقتباس
قديم 30-03-18, 10:06 PM   المشاركة رقم: 27
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2017
العضوية: 326474
المشاركات: 120
الجنس أنثى
معدل التقييم: Enas Abdrabelnaby عضو له عدد لاباس به من النقاطEnas Abdrabelnaby عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 124

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Enas Abdrabelnaby غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Enas Abdrabelnaby المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: أسيرٌ من الماضى (2) سلسلة جروح العشق الدامية

 

انتهي تنزيل الفصلين
قراءة ممتعة ولا تنسوا تشاركوني برأيكم❤

 
 

 

عرض البوم صور Enas Abdrabelnaby   رد مع اقتباس
قديم 09-04-18, 04:04 PM   المشاركة رقم: 28
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2017
العضوية: 326474
المشاركات: 120
الجنس أنثى
معدل التقييم: Enas Abdrabelnaby عضو له عدد لاباس به من النقاطEnas Abdrabelnaby عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 124

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Enas Abdrabelnaby غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Enas Abdrabelnaby المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: أسيرٌ من الماضى (2) سلسلة جروح العشق الدامية

 


الفصل السابع

احبك ؟!
لا ... لا أحبك !!
معجبة ؟!
لا لستُ بمعجبة !!
ماذا فعلت بى لتصنع موجة التداخل بمشاعرى أيها الاحمق .
بت لا أدرى ما هى مشاعرى تجاهك ، فكل ما أشعر به هو أمتزاج لمشاعر عديدة ، منها اليائس ومنها الأمل .
مَزج السعادة مع الخوف يعطى الراحة المؤقتة ، هسيس النفس و صدى الروح يمزجان أغنية الغرام القاتل .
أ أحبك ؟!
لا .. لا أحبك !!
أمعجبة ؟!
لا .. لستُ بمعجبة !!
وضعتنى بطريق الحيرة أيها اللعين ، ألقيتنى بدوامة لا قرار لها الا الضياع ، بعدما عانيت من ضياع النفس .. جعلتنى اعانى من تلف فى المشاعر .
تعالا وضمنى إليكَ رجاءا ، فأنا بحاجة إلى احضانك الدافئة .
اخفنى عن العالم بين ذراعيكَ فأنتَ لى الملجأ الوحيد .
احبنى كما تريد ، وعملنى الحب كيفما تشاء .
احكى لى قصص العُشاق ، واطربنى بنغمات القلب .
أ احبك ؟!
لا .. لا احبك !!

طرقت برأسها الحائط من خلفها ببطئ ، لا هى لا تحبه ولن تحبه .. فتوقف أيها العقل اللعين عن التفكير فقد أضعت الباقى من فكر مجرد منه .
اسبوع مر مثل الريح ، لم تره او تسمع عنه شئ ، كأنه شبح أسود .. خرج فجأة واختفى فجأة .
إقتص لروحها المعذبة ثم اختفى بكل شهامة، تاركا شعور السعادة المنتشبة يتملكها.
لقد عشقت ما أنزله بزوجة أبيها وابن اختها .. لقد شعرت بالسعادة لمرأها تتعذب بعدما عذبتها لشهور وسنوات فائتة ..
لقد رأت فيها ذنب طفلة تتلقى التقريع العنيف لأنها السبب فى موت أخاها "زوجة ابيها الحامل" ، رأت ذنب مراهقة وشابة ليس لها حضن دافئ تلجأ إليه فوالدها كان دائم الإنشغال بزوجته .. رأت ذنب امرأة صدمتها آخر كلمات والدها الموجه لها بالشكر والإمتنان بينما هى .. لا شيئ !!

مؤيد أعاد لها حقها كامل وفوقه أيضا ، قدم أوراقها التى لا تعرف من اين حصل عليها إلى المشفى الذى كانت تعمل به وتم قبول عودتها للعمل .
أعاد لها شقة والدتها التى كانت تعيش بها و أعاد لها حقها المهدور .. أعاد لها جزءا من السعادة فى رد حق مظلوم ..
اعاد لها الشعور بأن لها رجل تحتمى به .. رجل هو سندها وداعمها الأول فى الحياة .. أعاد لها الشعور به ، السعادة والأمان فى وجوده .. والخوف فى بعده .. أعاد لها ابتسامة غادرة تتقافز على شفتيها حين تراه ، أعاد لها نظرة دافئة تشرق بزمردتيها حين تلقاه ... أعاد لها جزءا ليس بالقليل من ميساء .. وأحتفظ بالباقى لنفسه .
وبعد كل هذه الشهامة التى واجهتها للمرة الاولى منه إختفى بأكثر منها شهامة ونبل ، تاركا خلفه ذكرى تدمع لها العين كلما تذكرتها .
لماذا هو بمثل هذه القسوة ؟!
حين عادت لرشدها بعد فترة طويلة من الضياع .. تجده يتركها !!
أفلا ينتظر قليلا كى تتعافى ويعود ليحميها بجناحيه كيفما تمنت وحلمت !
لقد أهانته فى يوم طلاقهما بشدة أخرجت كل ألامها عليه دفعة واحدة .. وهى تلاقى به ضعف لم تستطع تقبله وخنوع شعرت بأنه يكتم أنفاسها ، ولكن اين العذر الذى قدمه لها حينها !
لقد كانت بحال نفسية سيئة للغاية ، وبدلا من وقوفه بجانبها .. نفذ لها طلبها بطيب خاطر وعن رضى تام أو بإستسلام متناهى الحدود لن تفرق المعانى كثيرا .
لقد تركها هو وألقى بأحمالها الثقيلة بمحض إرادته !! ، فكيف تقول له لا تتركنى بل وعد لى !
ورغم كل تصارعات العقل والقلب ، تبقى مشاعر خجلة فى المنتصف .. تهمس لها بأن تجرى اتصالا معه وتشكره .
تعلم بأن شكرها له أبسط من التصور ، لكن التنفيذ أصعب من التخيل .
بين قلب وعقل هى تتأرجح .. تراودها مشاعر ناعمة هوجاء لم تنتبه لها مسبقا تدفعها لتحادثه بحجة واهية وهى الشكر او الإعتذار لا تعلم أيهما ، الأهم بالأمر أن تحداثه .
إلتقطت هاتفها الذى جاورها منذ ساعات بالتحديد منذ إثنا عشر ساعة ، على الارض الباردة القاسية فى نفس الزاوية التى كانت تختبأ بها قديما حين كانت زوجة أبيها تصرخ بها بجنون ، كانت زاويتها المفضلة فى المنزل فهى معزولة ولا يستطيع أحد غيرها الوصول إليها .
باصابع مرتعشة دقت على شاشة الهاتف ، وبلحظة خاطفة .. لحظة شجاعة زائفة نقرت على زر الاتصال به .
وضعت الهاتف على أذنها بإرتباك ، وهى تشعر بقلبها يكاد يقفز من بين أضلعها ويصرخ من شدة توتره .
طال الانتظار ، وأستمر الرنين دون إجابة له ، حتى أستمد بها القلق والخوف .. إلى أن انقطع تماما ، فإنقطعت أنفاسها لثوان وهى تشعر بأنها دهور .
إنه لم يرد !!
وللسؤال مئة جواب ولكن من يبحث ، فالعقل فارغ سوى من فكرة واحدة ، وهى أنه لا يريد الرد .
بإنهزام وضيق أخفضت الهاتف ومعه تهدل كتفاها بحزن أمتزج باليأس ، لا يريد أن يجيب عليها .. لا يريد أن يحادثها ، لا يريدها للحقيقة !
ومن يلومه ؟!
ولكن هل تستسلم بهذه السرعة ؟!
هى بحاجة إليه ، مثلما هو بنفس الحاجة إليها .
لحظات الضعف تتملكنا .. فى نطاق الوهم تأسرنا ، بين قصص الماضى والحاضر نتخبط .. بين أوهام فرض الظنون وصراحة الواقع نصدم ..
ولكننا نبقى فى حاجة إلى الدعم ! .. كلمة واحدة تأخذنا إلى قمة السعادة ، وكلمة آخرى تأخذنا إلى قاع الحزن ..
ويبقى الأمل ما يحينا ، رغم الألم !

رفعت رأسها إلى الاعلى بحزن ، وعيون دامعة لتهمس بصوت عالٍ :
_ أنا مش عارفة إن كنت بحبه ولا لأ ، مش عارفة أنا عاوزة إيه .. أوقات ببقا عوزاه جنبى وعوزاه يساندنى ، وأوقات ببقى مش عاوزة أشوفه .
أعمل إيه ، يارب أهدينى للطريق الصحيح .
أنهت كلماتها بدعاء مترجى ، وعيونها متعلقة بالسماء السوداء أمامها..
ظلت لدقائق الى حالها .. لتكفكف فى النهاية دموعها وتنهضت بتكاسل لتعود إلى غرفتها .
ألقت بجسدها المنهك على السرير بتعب بينما حدقت عيناها فى السقف دون هدى .
نظرت إلى سطح الغرفة بشرود غائم منذر بسقوط الامطار .

أ احبك ؟!
لا .. لا احبك !!
أمعجب ؟!
لا .. لستُ بمعجبة !!
إذا فما هى وما موقع مشاعرها من الإعراب .. وكيف للقلب أن يعيش كل هذا التنافر والتناقض بين شيئ لا مجال لجمعهما معا .
الحب والكراهية
الأمل واليأس
السعادة والحزن
الخوف والأمان !!
مشاعرها تستق قول الدوامة الساحقة ، تلك التى تجرفك بلا هوداة إلى أعماقها .. حتى تغرق فى النهاية ..
فهل نهاية مشاعرها البائسة الغرق !!
إستفاقت من شرودها على صوت هاتفها فإنتفضت بسرعة تلتقطه وتجيب بلهفة أنستها أن تقرأ اسم المتصل .
_ مؤيد ؟!
عذاب الشوق منعه من الرد ، كبل لسانه عن الحركة ، فقط شكر لحاسة سمعه التى إلتقطت كم اللهفة والشوق التى قفزت من إسمه الذى نطقته حبيبته لتوها بوله .
زفير حاد متهدج أخبرها بأنه هو ، وبأن قلبها الذى يشدوا بهذه اللحظات قد صاب حظه بأنه سيتصل بها ، ولكن لما لا يجيب لما لا يملك أن يريحها فى المقابل !!
_ مؤيد ؟!
وأستمر السكون ، وطال .. طال إلى أن تسللت الخيبة بخبث إلى قلبها ، فهمد بمكانه متعبا مرهقا من مجافيه بعدما كان يتقافز من شدة الفرح منذ لحظات .
_ لو مردتش عليا يا مؤيد أنا هقفل .
قالتها بحزم يائس .. علّه يجيبها ويريح قلبها المتعب ولكن ظنونها خابت ، فقد عمّ السكون مرسلا إليها الرد الواضح ، فلم تشعر بالدمعة الحارة التى إنسابت على وجنتها ولا بيديها التى أخفضت الهاتف بعدما أغلق الطرف الآخر الخط .
لقد اغلق الهاتف !! ، لا يريد الحديث معها ، فقط يعلمها بأنه بخير وهذا يكفى .
شهقت باكية بعنف ، بقوة لم تعهدها منذ زمن .. بألم تريد أن تخرجه من جسدها لتعود ميساء التى يعرفها الجميع ، تريد أن تتخطى مأساتها وتبتعد عنه .. إلا أن عقلها وقلبها يأبيان ، فما السبيل للراحة ؟!

............................................................ ......................................................

أغلق الخط بعدما وصل إلى ما يريد وبأسهل الطرق .
الغبية تظنه ذلك الأحمق مؤيد !
لقد ساعدته كثيرا بإندفاعها اللامحسوب فى الرد ، فلم تلحظ بأن الرقم غريب ولا ينتمى إلى أسم محدد .. بل وجارت ظنونه بولعها الحاد فى محادثة مؤيد .
الأن يمكنه اللعب كيفما يريد بعدما تأكد من أن الطعم جاهز للإستخدام .
أمر الإنتقام برمته من مؤيد ما هو إلا جولة جيدة فى الصيد .. والأذكى والأكثير أنتباها هو من سيربح فى النهاية ..

تلاعب بالهاتف بين يديه ، يقلبه من فوق لأسفل والعكس .. إلى أن إستفاق لصوت يقطع تفكيره .
نظر إلى أسم المتصل بسخرية .. شذى !
ماذا تريد بيدقه الأن وفى هذا التوقيت اللطيف ، وفى عزلته التى تعلم جيدا بأنه لا يحب أن يقاطعه أحد فيها .
سيجيب وسيعرف فى الحال ماذا تريد .
فتح الخط فإندفع صوتها الرقيق ذو اللكنة الناعمة ينساب بسرعة متعجلة، وكأنها تخشى تفلت الكلمات أو نسيانها .
*****
_حسام من غير مقدمات ملهاش فايدة أنا مش هكمل الخطط بتاعتك دى ، أنا تعبت ومش عاوزة غير أبعد ، لو سمحت أمسح رقمى وانسانى وبعدنى عن كل المشاكل دى .
جائها إجابة متهكمة ، فسارعت للرد :
_ حسام .. أنتَ عارف كويس إنى كنت عاوزة اقطع علاقتى بمرام قبل موتها ، فبلاش تخلينى الحقيرة اللى أتخلت عن حق صاحبتها .
مرام مكنتش مثال للنزاهة والشرف ، ولا أنا فلو سمحت أنا مش عاوزة أتكلم كتير فى الموضوع .. أنا هسافر لبابا بره البلد .
وقبل أن تسمع الرد من الطرف الآخر .. أغلقت الهاتف بسرعة مزفرة بقوة .
لم يكن سهلا عليها أبدا أن تتصل به وتقول له ذلك ، لقد كانت تتعذب طيلة الفترة الماضية ، من الارق والاهراق وقلة النوم والكوابيس .
ما دخلها هى بمرام منذ البداية ؟! ، الجميع كان يعلم أن مرام لم تكن منضبطة بالكامل .
كانت دائما تتصرف بغرابة وتلقى بنفسها بكل ما هو سئ .
وليس هذا فحسب فهى أيضا كانت تهوى الإيقاع بكل من هم أفضل منها ، ولذلك كان لها نصيب من حب مرام الاسود .
تتذكر بأحد الايام ، اتصال مرام بها تستنجدها بأنها ذهبت إلى شقة صديقتها لتبيت عندها بعد حفل استمر للصباح كما هى عادتها ، ولكنها حين استيقظت لم تجد صديقتها ، وهى تشعر بالدوار والغثيان ولا تستطيع الوقوف وتريد مساندتها لتعود لمنزلها .
وبكل طيب خاطر وببلاهة غير طبيعية إنساقت تجرى لتلحقها .
حين وصلت للفيلا الواقعة بمنطقة راقية ، وجدت الباب مفتوح فإنتفض قلبها خوفا على مرام ، وبدأت تبحث عنها بأرجاء المنزل إلى أن وصلت لغرفة النوم ، دخلتها بسرعة تنادى على مرام لتفاجأ بأحدهم يهجم عليها من الخلف .
تتذكر رعبها حينها ، وصراخها المترجى ، وربما بكاء متوسل أيضا .
ولكن لم يكن ليرحمها ، ومن بين قبلاته القذرة كانت تسمعه يتهدج قائلا بأنه تمناها طويلا وبأن مرام هى من حققت له الحلم .
وكادت تفقد كل عزيز بذلك الموقف الذى لا يزال يترك فى نفسها البغض لمرام .
ولكنها استطاعت فى النهاية الهرب ، بضربة قوية بزجاجة خمر ملقاة بجوار السرير .
وحين ذهبت لها منهارة تبكى بذعر وتسألها لما فعلت ذلك ، إدعت ببرائة أن صديقتها جاءت وأخذتها وهى نسيت الاتصال بها .
لا تعلم حينها إن كانت قد صدقت كذبتها بسهولة أو تعمدت ذلك ، ولكنها ظلت ملتصقة بها .
قد يكون الامر هو الغباء برمته ، ولكنها انساقت مع تيارات الغباء .. وظلت قائمة على صداقة واهية ، أساسها دمار النفس .
وها هو حسام قادم ليكمل على البقية الباقية من روحها المعذبة ، وكأن القدر لا ينوى تركها بدون أن يضع علاماته الدائمة .

............................................................ ........................................................

صاحت به فى ضيق :
_ سيف كان المفروض تقولى مش تصدمنى كده ، وبعدين أنا أصلا مش بحب بنت عمو عز .
نظر لها متعجبا ، ليقول بهدوء :
_ مفيش داعى لكل ده يا نهاد ، هى مجرد زيارة .. عز باشا هيطمن فيها عليكِ قبل السفر .
زفرت بحنق وهى تنظر إلى سيف الذى عاد إلى حاسبه موليه إهتمامه .
لقد جائها اليوم سيف محملا بالأخبار .
فأولا قال لها بأنهما سيسافران بعد غد إلى مصر ، وثانيا يخبرها بأن السيد عز سيزورهما غدا وليس وحده .. بل معه زوجته التى لم ترتح لها وإبنته اللزجة .
هى لم تكد تتعامل مع أمر سفرهما إلى مصر ، حتى تأتيها صدمة الزيارة اللطيفة .
لقد زارتها سوليا مع ابنتها كنزى فى منزل والدها عندما كان مريضا ، ولم تروقها تماما .. بملابسها الفاضحة بطريقة لا تريح .. وزينتها الأنيقة التى تبرز جمالها الفاتن الذى لا تستطيع نفيه ، ومع أسلوبها المترفع ونظراتها المدققة التقيمية .. عرفت بأنهما لن تتوافقا معا .
فماذا إن جائت تلك " الصاروخ " التى فتنتها إلى زوجها !
زفرت للمرة التى لا تعلم بحنق ، لتسمع سيف الجالس على الأريكة قبالتها يقول وعينيه لا تفارق شاشة حاسبه :
_ كفاية يا نهاد .. أنا مش فاهمة إيه سبب ضيقك ، عادى زيارة عادية جدا !
تحدث ببساطة ، لتقول بغيظ وهى تتأمله :
_ وليه من أصله الزيارة العادية ، عمو عز لو عاوز يطمن عليا .. يكلمنى بالتلفون وخلصنا ، لكن ....
قاطعها سيف بثبات وهو يضع حاسبه جانبا :
_ مفيش لكن يا نهاد .. خدى الموضوع ببساطة ، ولو على تجهيز الأكل فأنا ممكن أطلبه من محل عربى وخلاص .
تنهدت نهاد بقلة حيلة لتقول أخيرا :
_ مفيش داعى .. انا هجهز الأكل ، وربنا يستر بقا .
القلق وعدم الراحة تؤرقانها من الأن ، فلماذا ذلك الخوف ؟
هى زيارة عادية رغم كل شيئ .. هدفها نبيل وهو الإطمئنان عليها !
لماذا إذا تكبر الأمر وتجعله يستحوذ على تفكيرها ويخنقها بتلك الطريقة !!

............................................................ ........................................................

_ اختفت تانى ؟
قالها بغضب نارى ، ليقول رفيقه فى محاولة لتهدئته :
_ معلش يا راشد .. بكره تلاقيها .
صاح راشد بعنف :
_ ألاقيها فين ، كل ما أقول أتحلت وهلاقيها تختفى تانى ..
ترك صديقه سراج الذى كان ينادى عليه ليغادر حانقا بسيارته بسرعة كبيرة .
لقد جاء إلى مصر من أجلها ، وعندما عثر على طرف الخيط للوصول إليها وجد نهايته بسرعة ، ليفقد الأمل مرة آخرى .
أخته الغبية التى يمقتها تصر على الإختفاء والتلاعب به .
ما ذنبه ليدور باحثا عنها ؟
أهى وصية أمه العالقة برقبته ؟ .. أم ربما حنين لمعرفة من سلبت عقل والدته ؟
انتفض فجأة عندما راى شبح أسود يظهر أمامه ، فضغط على المكابح بقوة ولكن كان متأخرا للغاية .. فقد صدم الشبح الاسود .
خرج من سيارته بسرعة ليجد ذلك الشبح قابعا على الأرض يتأوه .
إقترب ليحاول المساعدة فأمسك بالذراع وهو لا يعى إن كان رجل أو امرأة ولكن فجأة شعر بألم حارق فى يده .. ليفاجأ بأن ذلك الشبح فتاة وقد نشبت مخالبها فى يده فأدمتها .
إنتفض مبتعدا عنها ليقول لها بسرعة لم تخلوا من التعجب :
_ بعتذر منك كتييير .. كيف فينى ساعدك .
صرخت به الفتاة غاضبة وهى تحاول النهوض :
_ بتعتذر إيه .. رجلى شكلها أتكسرت بسببك .
إقترب منها وهو يمد يده كى ينهضها ، إلا أنها صفعة باطن يده بقوة وهى تقول صارخة :
_ أبعد عنى .
نظر إلى يده التى تحول بياضها إلى احمرار خفيف بسبب فعلتها ، فزفر بقوة شاتما .. ليعاود الاقتراب وهو يجدها بدأت تنهض وتستند إلى السيارة :
_ تعى نروح المشفى القريب .
نظرت له بجنون لتهتف به :
_ تروح جهنم يا غبى .
كاد يرد عليها ردا لاذعا بعدما سأم قلة تهذيبها ، ولكن وجد مجموعة من الشباب يقفون له ويسألونه ماذا حدث .
فأراد إخبارهم ولكنها نحته جانبا وهى تقول بصوتا عالى :
_ الراجل ده خبطنى بالعربية .. وعاوز يخلص الموضوع ويودينى المستشفى .
نظر لها مستنكرا ، ليقول بوجوم :
_ أنتِ عم تقولى رجلى أتكسرت وأنا عم قولك تعى نروح المشفى نطمن عليها ... شو عملت أنا ؟
قالها متسائلا بحيرة ، ليجدها ترد عليه بإندفاع :
_ أنتَ عاوز تهرب ومتتحملش نتيجة اللى عملته ، وعاوز تريح ضميرك بأنك تودينى المستشفى .. بس أنا مش هسكت .
وألتفتت تنظر لرقم السيارة فعل بأنها تحفظه لتبلغ عنها ، فقال بهدوء قاطعا لها :
_ لا تتعبى حالك .. هى مانا سيارتى ، أنا اصلا مانى من هون .. وبكره بسافر بلدى .. بدك وديكى المشفى ولا المغفر ؟
تدخلت بعض الفتيات كانت تقف وتراقب المشهد ، ليحاولوا إقناعها بالعدول عن رأيها وترك الفتى وشأنه ، فقالت أخيرا بحقد :
_ ودينى المستشفى .. بس أنا مش مسامحة فى حقى .
زفر غاضبا وهو يحاول تمالك نفسه والصمود كى لا ينفجر بوجه الوقحة ويعلمها قدرها ..
نظر إليها والفتيات يقتدنها تجاه سيارته ..
حقا أنها شبح أسود !!
كيف للفتيات الرقيقات .. الناعمات .. الحنونات المعطائات .. أن تتحول لتلك النسخة البشعة من التقلبات ..
_ شبح أسود !
قالها بحنق وهو يعود لسيارته ليأخذها إلى المشفى لينتهى الأمر ويغادر تلك البلد .

............................................................ ........................................................

خرجت من سحابة الذكريات السوداء على صوت جرس الباب .. فنهضت بتكاسل لتفتح باب الشقة التى إلتجأت إليها بعد شجار والديها الأخير منذ يومين .
هذه الشقة هى شقة الهروب ، الهروب من والديها .. ومن العالم أسره .. ومن حسام بالطبع .. ومن نفسها أيضا .
لم تسأل عن الطارق فـ بالطبع هذا رجل توصيل الطعام الذى طلبته منذ قليل .
فتحت الباب فرجة صغيرة لتصدم بهالة سوداء قاتمة .. تمثلت بجاكت أسود وقبعة سوداء تخفى ملامحه .
اندفع الباب بقوة ، وألتصقت يد الملثم المكسية بقفاز جلدى أسود بشفتيها تمنعها من الصراخ وتدفعها لأقرب حائط .
وجدت يده الآخرى تلتقط مسدسا أسود وتدفعه بقوة الى خصرها .. لتسمع صوته الذى جمدالدماء بعروقها :
_ عاوزة تسيبى كل حاجة يا شذى ؟ .. هتسيبينى أنا .. وأنا حبك .. ماشى يا شذى زى ما أنتِ عاوزة أنا هبعدك عنى بطريقتى أنا .
حاولت الصراخ عندما سمعت صوت زناد السلاح .. بينما كان يقترب منها مع كل كلمة يقولها لتلتصق شفتيه بعنقها وهو يكمل بصوتا بفحيح :
_ لكن بعد ما أخد اللى عاوزه .
أنتفضت فى محاولة فاشلة لإبعاده بعدما صدمتها شفتيه التى عرفت الطريق من عنقها إتباعا الى شفتيها ..
كانت تقاوم قبلاته التى أنهمرت حاره تحرق عنقها ، بينما تسمع همسه يجمدها من شدة الخوف :
_ روحك حلوة .. بس آخرها تربة .. وعلى أيدى أنا يا شذاى .
شعرت بشفتيه تقتربان من شفتيها ، فبكت بألم وهى تحاول جاهدة إبعاده .. إلا أن ضغطه على جانب خصرها بالمسدس جعلها تتألم أكثر .
تملك شفتيها !!
بلى تملكها بقوة .. بإكتساح .. مانعا المعارضة ، وفاتحا المجال للمبادلة !!

وكخائنة فى محراب العشق والأدمان لحبه اللعين ، كانت تتجاوب معه ببطئ .. ليزداد أندفاعه .. وهو يبادلها الرقة بقسوة لم تعهدها ..
ليعيث فسادا بشفتيها .. يجرح ما جرح .. ويقتل ما قتل .
ترك شفتيها أخيرا ببطئ .. آخذا عدة شهقات طويلة .. بينما عيناه الباردتان لم تفارق عينيها .
إنتقلت نظرته من أسر عينيها إلى شفتيها التى إستحال لونهما من الوردى إلى الاحمر وقد ظهره أثر عنفه بدمائها التى إنطبعت على شفتيه .
همس بصوتا جاف وهو لايزال موجها سلاحه لخصرها :
_ مش هتقدرى تبعدى .. أنتِ ملكى .. من يوم ما حبتينى وانتِ ملكى .. وأنا بس اللى أقرر بعدك .
جلمود قاسى .. وقح .. حقير وغبى .
أحبك فتقابل حبى بالألم ؟
أهجرك فتقابلى بسلاح ؟
تدمى شفتىّ ومن قبلهما قلبى ؟
ألا تشعر بى .. أتريد قتلى مرتاحا ؟
مما صُنعت أنتَ ؟ ... من قسوة أو ربما جحود ؟
تركها منتزعا سلاحه بقوة ، ليضعه بسترته .. وهو يدلف إلى منزلها بمنتهى البرود ليستلقى على الأريكة بكل راحة واضعا قدمه على الطاولة أمامه .
كادت تصرخ به .. تسبه وتخرج شياطينها ، إلا أنه أنتفضت عندما سمعت جرس الباب ، لتركض إليه كأنه النجدة من كابوسها .
فتحت الباب لتجده فتى التوصيل ، يناولها الطعام الذى طلبته .
كادت تصرخ بطلب مساعدة ، إلا أنها شعرت بالسلاح يغرز بظهرها بقوة ألمتها .. فتناولت الطعام بإرتباك لتغلق الباب وتلتفت إلى الظل الأسود الذى تمثل أمامها .. بكل ما تلبسه من ملابس سوداء كان حقا ظل أسود بائس مخيف .
قال ببطئ وهو يناظر عينيها :
_ بلاش يا شذى تاخدى الدور ده .. دور المهددة بالقتل .. الدور فعلا صعب .
أبتلعت رقيها بصعوبة ، لتقول له بتوتر :
_ أمال إيه ده ؟
إقترب منها الخطوة الفاصلة بينهما ليقول لها بغضبا أسود :
_ ده الحب الأسود .. حب الأنتقام .. حب القتل .. حبك انتِ يا شذى .
أعليها الرقص لأنه يقول بأنه يحبها ، أو البكاء على عمرها الذى سيفنيه حسام من أجل الحب .
قالت بهدوء تحاول تمالك نفسها :
_ حسام إذا سمحت أمشى ، أنا مش هقدر أتكلم ولا أفكر فى خططك المبهرة دلوقتى .
_ أنا اللى بخطط وأنتِ تنفذى .
قالها بنذق جعلته ترتعد من الداخل ، إلا أنها تظاهرت بالثبات وهى تقول :
_ زى ما أنتَ عاوز يا حسام ، بس يلا من هنا ... مش عاوزة حد يعرف أنك هنا .. أنا مش عاوزة مشاكل يا حسام .
ضحك .. بلى ضحك بسخرية وهو يعود للإستلقاء على الاريكة ، ليقول وهو ينزع الاقبعة عن وجهه :
_ من أمتى وشذى بيهما آراء الناس ، ولو كنتِ فعلا مهتمة كنتِ مشيتى مع مرام ؟
اسمعينى كويس يا شذاى .. دى آخر فرصة ليكِ .. لأن أى حاجة بتقترن بحسام هتبقى زيه ، وأنا شيطان .. و نهاية الإقتران بالشياطين مش حلوة خالص .
أرتعدت أوصالها من لهجته الباردة الصادقة !!
هل هذا وعيد بالقتل ؟
لم تستطع سوى الهمس بإرتجاف :
_ أنتَ .. أنتَ تعرف مرام منين ، وليه كل الاصرار ده على الانتقام من مؤيد ..
رفع سلاحه أمام عينيه .. ليدقق بجسده المعدنى بتفحص ، ليقول أخيرا بهدوء وهو مازال على تفحصه :
_ مش هتسألى الفنان بتحب الفن ليه ؟ ... ولا هتسألى القاتل بتحب القتل ليه ؟
وأنا بين ده وده .. بهوى الفنون .. وبذات الوقت عنى الدافع للقتل .
أما مرام .. فدى ممكن تقولى مجرد دافع من مجموعة دوافع ..
وبالنسبة لمؤيد .. فهو صديقى !
هزت رأسها بعدم فهم .. لتقول له بإختناق وهى تجاهد لإخراج الكلام :
_ انتَ عاوز إيه يا حسام ، منى ولا من مؤيد ولا من ميساء ولا من شريك جديد؟؟ .. أنا مش قادرة أفكر وأخطط .. فلو سمحت أمشى دلوقتى ونتكلم بعدين .
عاد إلى ضحكاته العالية ، لينتهى قائلا بسخرية :
_ لا يا شذاى .. أنتِ ليكِ مهمة التنفيذ بس ، وأنا بفكر .. ومفيش مجال تانى للكلام ، أنا قولت كل حاجة ولو عاوزة تتحدى الشيطان الأسود واجهينى .
لينهض بسرعة من الأريكة ليقترب منها واضعا مسدسه على رقبته وهو يهمس بأذنها :
_ كل ده مش عروض إستعراضية ، دى رسائل خفيفة كده .. أعتبريها حب بشكل جديد .
ليتقط قبلة سريعة من شفتيها ويغادر .
غادر !!
تنفست الصعداء لتقع على الأرض من هول ما رأت .
لقد كاد يودى بحياتها ، وبدون أى إحساس !!
أى حبا ذلك الذى تكنه له ، بل كيف لها برقتها أن تحب امثاله ؟!
ياإلاهى لقد ذهبت لحجر الشيطان الأسود بقدميها ، فأصبحت أسيرة لا يحررها سوى الموت وبيده هو !

............................................................ ........................................................

كانت تلف فى دوائر مغلقة ، تدور فى الغرفة مثل الحبيسة .. تفكر بغيظ مترقبة لمرور الدقائق بل والساعات القادمة .
لقد أستعدت وأعدت كل شيئ للزيارة اللطيفة ، ولكن لازال الضيق يقتلها والخوف أيضا ..
زفرت بقوة وهى تحاول تهدئت نفسها .
" لا عليكِ نهاد إن الأمر مجرد زيارة ، لا تقلقى فزوجك ملكٌ لكِ فقط "
أنتفضت على ضوت جرس الباب ، تلاها عدّة أصوات رجحت بأن سيف يستقبلهم ..
فأخذت عدّة شهقات متلاحقة لتخرج راسمةً ابتسامة أنيقة على ملامحها ... لتسلم على صديق والدها السيد عز ، تلته زوجته سوليا التى ناظرتها ببرود أوربى متعارف ، أخيرا كانت الابنة كنزى .. التى كانت ترتى فستان أقل ما يقال عنه أنه فاضح ..
لمع الحنق بعينيها وهى تجد الفتاة تناظرها بإستحقار ولا ترد على يديها الممتدة فى الهواء ، لتجدها تدخل بسرعة لاحقة بسيف .

" يارب صبرنى "
همست بها لنفسها ، لتعود إلى المظبخ وتخرج الطعام .

بعد أنتهائهم من الطعام ، توجهوا إلى الصالون حيث جلست تراق كيف ألتصقت تلك الباعوضة كنزى بزوجها ، لتقول له بصوتا رقيق واثق :
_ حدثنى والدى عنك سيف .. وقال بأنى سأتدرب معك .
كان الحديث بالألمانية التى لا تزال تتعلمها ، ليزداد حنقها وهى تتعرف لبعض الكلمات وتجهل البعض .. فلا تتكون لديها جملة مفيدة .
أكملت كنزى وهى تضع قدما فوق الآخرى ليرتفع الفستان الأحمر أكثر ويظهر جمال ساقيها البيضاء .
_ أخبرنى والدى بأن علىّ الذهاب للشركة وتلقى التدريب المكثف لأستطيع أن اصبح مديرة بوقت قياسى كى يتقاعد هو عن العمل ، وحين طلبت منه من يدربنى ذكر لى أسمك على الفور وقال أنه يحبك ويراك أكثر من تستطيع إفادتى .
زفر بضيق وحاول الابتعاد قليلا ، يكاد يشعر بإنطباع جانب جسدها على جانبه ، مع قدميها ال... عاد يزفر بحنق وهو يذهب بتفكيره لمكان آخر بعيد ..
إلا أنه إنتفض حين شعر بجسد كنزى يبتعد عنه وآخرى تجلس بدلا منها .
نظر إلى زوجته التى إلتفتت لكنزى لتقول مصطنعة ابتسامة باردة :
_ معلش أصلى مش بعرف أقعد غير جنب جوزى .
وأنهت عبارتها بقوة تثبت لها بأن سيف ملكيتها الخاصة وليس مسموحا لها الاقتراب ، فوجدت الآخرى تترفع عنها بالرد وتبتعد بوجهها .
بإنتهاء الجلسة العقيمة وحينما جاء أخيرا موعد ذهابهم ، وجدت السيد عز يقترب منها ويقول لها بطيبة :
_ خلى بالك من نفسى يا نهاد .. وأبقى كلمينى على طول ، أنا زى والدك .
اومأت له برأسها مبتسمة برقة .. فهى للحق تشعر بوجوده بالإطمئنان ، شيئ من رائحة والدها الراحل .
ألتفتت لتجد تلك " الباعوضة" التى عاودت الإلتصاق بزوجها مرة آخرى لتقول له بنعومة وغمزة من عينيها السوداء الشقية :
_ سنلتقى قريبا .. ولكن للعمل فقط .
تصنع ابتسامة عادية ، ليجدها تقترب منه فجأة فى نية واضحة لتقبل وجنته !
كاد ينتفض إلى الخلف ويتداركها ، ولكن وجدها تبتعد عنه بقوة .. وكان الفضل ل زوجته !! التى أبعدتها بقوة عنها .
نظرت لها نهاد بغضب لتقول من بين أسنانها :
_ سيف مش بيسلم على ستات .. وأكيد مش بالاحضان والقبلات.
نفضت كنزى يدها بقرف ، لتنظر لها بترفع وهى تقول بالألمانية :
_ سنرى .

............................................................ ........................................................


 
 

 

عرض البوم صور Enas Abdrabelnaby   رد مع اقتباس
قديم 09-04-18, 04:05 PM   المشاركة رقم: 29
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2017
العضوية: 326474
المشاركات: 120
الجنس أنثى
معدل التقييم: Enas Abdrabelnaby عضو له عدد لاباس به من النقاطEnas Abdrabelnaby عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 124

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Enas Abdrabelnaby غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Enas Abdrabelnaby المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: أسيرٌ من الماضى (2) سلسلة جروح العشق الدامية

 


الفصل الثامن

لا أريد أن أحلم بعد
أن أرى أحلامى تهرب من خلف نافذتى
ما إن حل الصباح حتى سقتنى من أوجاعها
وبقت الذكرى تصفع وجهى
_ _ _ _ _ _ _ _
تبا لى لماذا نمت تلك الليلة ؟
ليأتى ذلك الحلم الذى أبكانى مع طلوع الفجر وجعل فى حنجرتى غصة لا مفر منها سوى الدموع التى تحرق ورد الصباحات
(إهداء المبدعة : لمياء)
............................................................ ........................................................
تشغلين بالى وتولين بالفرار
أبحث عنك يمينا ويسارا فلا أجد سوى السراب
ملكتِ العقل ولا أعلم إن كان القلب
لكنى أعلم أنى أشتاق لرؤياكِ
فأين أنتِ يا ملاك أحلامى

أنتهى من رسم لوحته ، ليبتعد ناظرا إليها بشرود ..
لقد كانت اللوحة تحمل نصف وجه ، لفتاة ذات عينين خضراوتين .. وملامح رقيقة باسمة ..
لقد كانت تحمل ملامحها ، ملامح نهاد الشافعى .
لن ينسى أبدا مقابلته الأولى لها
( فلاش باك )
وقف آسر مذهولا بين اللوحات ؛ من دقتها و جمالها ، و الفن الرقيق الموحي الذي أمتزج فيها .
فاجأه وجود لوحته وسط اللوحات ، تلك اللوحة التي كلفته مجهودا كبيرا .
إلتفت إلى تلك الفتاة التي تقف تناظر لوحته بفضول ؛ ليقف بجوارها و يسألها و هو مستغرقٌ بالنظر إلى اللوحة :
_ السر يكمن في الالوان ، أليس كذلك ؟!
إلتفتت إليه الفتاة ؛ فإصتدمت عيناه بعينيها الزرقاء ، لتقول له باسمة برقة :
_ أبدعت في الرسمة دى ، أنا بحييك عليها .
ابتسم بتلقائية لابتسامتها ، و عيناه تطوف في وجهها الرقيق الأبيض ، عيونها الواسعة غلفتها رموشٌ طويلة ، أنفٌ دقيق ينحدر إلى فمٍ باسم برقة ، غرة ذهبية خرجت معترضة من حجابها البني .
أخفض عينيه بتوتر قائلا :
_ شكرا ، واضح أنك مصرية ؟!
أومأت برأسها و هي تتابع لوحته بتأمل :
_ أيوة .
مد يده لها وهو يعرفها عن نفسه :
_ آسر الهواري ، خريج تجارة بس عاشق للرسم .
إلتقطت يده قائلة بإبتسامة خجولة :
_ نهاد الشافعي ، خريجة فنون جميلة و برضو بحب الرسم .
_ إتشرفت بمعرفتك يا نهاد ، إنتِ من ضمن فريق الأستاذ هشام ؟!
هزت رأسها برفض :
_ مش في الوقت الحالي ، بس إحتمال أنضم قريبا .

وأكتملت ساعدته مع اللقاء الثانى ، حين جائت تطلب من الاستاذ هشام الإنضمام إلى الفريق ..
ولكنها عاودت الإختفاء ولا يعلم لما ؟ .. وعوضا عن نسيانها ، حارب للبحث عن أى خيط يوصله لأخبارها .. رغم إضطراب مشاعره وطوفانها بلا هداية أو إستقامة ، يظل الفضول وشيئا آخر مجهول يدفعه إليها .. نهاد .
أخفى اللوحة بالغرفة الخاصة به فى المعرض ، ليتوجه بعدها إلى الاستاذ هشام .
دلف إلى غرفة مكتبه ، ليلقى عليه السلام .. ويقف متسمرا يحارب خجله لكى يسأل أستاذه هشام عنها .
ليقول أخيرا بعد لحظات من الصمت :
_ هى .. أقصد الانسة نهاد مش هتنضم للفريق ؟ .. احنا محتاجين مساعدة علشان المعرض الجاى موعده قرب واللوحات المطلوبة لسه منتهتش .
نظر له السيد هشام بدهشة مستنكرة ، إلى ان قال ببساطة :
_ اليوم نهاد هتسافر مع زوجها لبلدهم .. وحين تعود ستأتى للعمل معنا .
قالها السيد هشام باللغة الألمانية .. فظل آسر ينظر له بذهول .

لحظة .. لحظة ، سكوووووت
من ستسافر .. مع من .. إلى أين ؟؟؟؟؟
نهاد ستسافر مع زوجها ، زوجهاااا .. متى تزوجت ؟
كيف .. وهو ؟ .... يا الاهى !!
شحب وجهه بشدة وأعتذر بخفوت من السيد ، ليهرع إلى الخارج ولا يزال أثر الصدمة يحاوطه .. والعديد من الاسئلة يطرق باب عقله .
لقد عاش بعالم الاحلام منذ رآها .. ظل يتقلب بين أحلامه بلا هوادة .. يصوغها بقلمه برسوم رقيقة .
تزوجت !!
كانت العبارة صادمة .. مؤلمة ، لتزيد من هوجان المشاعر بلا قرار .
ألقى بجسده على كرسيه فى غرفته ، ينظر إلى ما حوله بشرود فى اللا شئ .
يشعر بنفسه أحمق ، غبى .. أبله !!
كيف يعلق نفسه بمن رآها مرة واحدة ! ... كيف تجذبه بتلك الطريقة التى أنسته كونه لا يعلم عنها سوى تفاصيل قليلة .
حين جاءت منذ شهرين .. لم تحمل فى يدها أى خاتم يدل على إرتباطها ، واليوم يقول له السيظ هشام بأنها تزوجت !
أى هراء هذا !
لا يعلم أعليه لومها أم لوم غبائه المفرط .. لكن فقط عليه أن يهدأ من خفقات قلبه الابله ، فقد اخطأ فى تصويب خفقاته ..
وها هو الزمن يعود ليصفعه مرة آخرى فى ثالث امرأة تدخل حياته .
شاهى .. ليال .. و نهاد !

............................................................ ........................................................

هبطت الطائرة على أرض مصر !
فكرت بذعر وهى تتشبث بذراع سيف بتلقائية والذى بدوره استشعر خوفها فابتسم بثقة ليطمئنها .
هو يعلم سر خوفها من العودة ، فليس خوفا طبيعيا ، بل خوفا من المواجهة ..
والمواجهة ابدا لم تعنى لابن عمها كمال ، بل لعائلة والدها التى ستسارع بالإنقضاد عليها وإفتراسها .. بعدما ترقبا اللحظة منذ موت والدها وزواجها له .
ولكنه أقسم بحمايتها ، ذلك اليوم الذى عقد قرانه عليها أقسم فيه بأنها أصبحت تخصه ، أصبحت ورغم كل شيئ امرأته وملكه .. فكيف لا يمدها بالشجاعة ويعدها بالصمود .
شدد من إحتضان يديها التى لجأت إليه فى إستغاثة ضعيفة منها ، لينظر إليها مبتسما يشجعها على المضى قدما ..
همس مقتربا منها بخفوت :
_ متخفيش .. أنا معاكى .
أهو وعدا بالدعم الكامل لها ؟ .. أهو تأكيدا بأنه لن يتركها .. أم هو مجرد شفقة تجاهها ؟
عادت لتناظره بعيون مستفهمة ، لتلاحقها نظرته الباسمة بحنان رقيق .. فابتسمت لأول مرة ببعض الراحة ، وزادت من التمسك بيده .

وصلا إلى ساحة المطار حيث وجدا أخته ووالدته .
كانت تراقبه بشرود ، كيف أخذ والدته وأخته بين أحضانه بشوق ، كيف قبل يد والدته ورأسها بعمق .. وكيف أحتضن أخته وهدئها بكلماته الرقيقة الحنونة ..
أعيبا أن أحبه ؟
أيلومها أحدا لحبها الا محدود له ؟
شعرت بجسدها يتجمد حين إلتفتت العيون إليها فى هيئة نظرات ..
منها من يترقب ، ومنها الغاضبة بهدوء .. ومنها الحزين .. وبقى هو يطالعها باسما بتشجيع !!
وجدته يقترب منها ليأخذ يدها ويقدمها لأمه وأخته قائلا ببسمة رقيقة :
_ نهاد الشافعى .. مراتى .
"مراتى" لم تتصور أن تلك الكلمة قد تكون بمثل تلك العذوبة من شفتيه .. كلمة قالها بثبات امتزج بالقوة وكأنه يثبت لها قبلهم أنها امرأته .. زوجته .
وتسمكت بلحظة بظنٍ أهوج بأنه لين يتركها ، وسيكمل معها الطريق .. إلا أنها سارعت بتنحية الفكرة بحزن وهى تذكر نفسها بكونها شخص متطفل قفز إلى حياته دون سابق إنذار ليقتحمها و يشتتها بفظاعة .

إستفاقت من شرودها البائس على مبادرة والدته بالتحرك ، لتقترب منها وتأخذها بين أحضانها .
لتستكين هى بمحبة ، وهى تشعر بألفة لم تعهدها وشوقا إلى حضن دافئ ينسيها مرارة الفقد الذى تعانى منه منذ غياب والدتها عنها حين أتمت عامها السادس .
فذرفت عينها دمعة رقيقة .. سارعت لمسحها قبل أن يلحظ أحدهم ، إلا أنه كان يراقبها بتفحص .. كل حركة .. كل ردت فعل ، وبالطبع مشاعرها التى صاغتها تلاعب الدموع فى حجريها الخضراوين .
كان الدور التالى لزهور شقيقته الباسمة بحزن ، والتى إحتضنتها أيضا مهنئة برقة :
_ مبروك يا نهاد ... من دلوقتى بقيتى أختى رسمى .
أخت !
كم هى عبارة رقيقة حالمة تمنتها منذ زمن ، كم تمنت أختا تحتضن ألامها .. تدعمها وتشكر لها ، تشاركها فرحها وحزنها .. تنصحها وتكون لها الحضن الدافئ المواسي لمشكلاتها ..
أخت تقضى معها اليوم بطوله فى الحديث ، والليل فى الجدال .. ليأتى الصباح بتصالحٍ رقيق و وعدا بدوام الأخوة .
حين إبتعدت عن زهور تمسح دموعها اللتى خانتها ، وجدتها هو .. إلى جوارها ، يلف ذراعه حول كتفيها ويقربها منه برفق ، ليهمس إلى أذنيها :
_ من النهاردة دى عيلتك زى ما هى عيلتى .
أسندت رأسها إلى كتفه بخجل ، لتشعر بذراعيه تشتد حولها .. وتزيد من إحتضانها .

............................................................ ........................................................

دخلت غرفتها بعدما تحدثت قليلا مع أخاها واطمأنت عليه لتتركه ليأخذ قسطا من الراحة .
هى تعلم القادم .. تعلم بأن لحظة الدفئ التى عمت المنزل منذ حضوره ستتحول إلى بركان ثائر ، تعلم بأن بداية الأمر من نظرته المدققة بها منذ راها .. وسينتهى بإساجواب حازم يستخلص منه الإجابة لكل اسئلته .. ليعرف من أدهم ، وما قصة القتل القديمة ، وأى إنتقام تدفع ثمنه هى ، سيهدأ الان ومن ثمّ يثور ..
لينتهى الأمر بنتائج عاقبتها طى الكتمان .
ودت لو تغاضى عن الأمر ولم يتحدث بموضوع زواجها اللازواج ، ودت فقط لو يعطى لها بعض الوقت لتحدد موقفا فيما حدث معها وتجهز كل الإجابات لاسئلته التى لن تنتهى .
الأن هى لاتزال خائنة ، بعقلها الغبى .. وقلبها الأكثر غبائا .. الخاضع لسلطان عيون الرماد القاحلة .
أدهم ... تعددت اخطائه بلا حساب .
بداية من زواجهما والذى افسده لها بإتهامه لوالدها ..
طلاق وإنتقام .. ولاقت منهما أجلها بأقسى الطرق .
فلم القلب خانع .. يجرى بمتاهاته الخاصة فلا يجد من ينقظه ولا يريد لأحدهم فعل ذلك .
النهاية لقصة الانتقام لم تخط بعد .. فمن سيفعل ، هى ام هو ؟

استفاقت من شرودها على صوت هاتفها معلنا وصول رسالة ..
فتحتها بملل وعدم رغبة فى قرائتها ، ولكن إسترعى أنتباهها كونها من أدهم !
" أظن جه الوقت اللى لازم كل واحد ياخد فيه حقه "
حق ماذا ايها الغبى !!
ألا تزال لم تنل حققك حتى الأن ؟
ماذا يريد ؟ .. بل ماذا تعنى ؟
دقت بأصابع مرتعشة شاشة هاتفها لتبعث له برسالة .
" تقصد إيه ؟ "
ولم يطل الانتظار ، فوجدت رسالته تهدم لها قصور القوة التى كانت تبنيها فى غيابه .
" أقصد أن حقى هو أنتِ يا زهور "

............................................................ ........................................................

طرقت باب غرفته ببطئ .. لتسمع صوته المنهك يدعوها للدخول .
طالعته ما إن دخلت وعينيها تلاحق هيئته بحزن .
لقد تغير قصى كثيرا بعد موت غنى ، أصبح أكثر تقوقعا على نفسه .. بعيدا عنها أو يتعمد البعد عنها .. لا بل بعيدا عن كل العالم .
حياته أصبحت عبارة عن غرفة يمكث بها أغلب الوقت ، وطريقه إقتصر على المسافة بين المسجد والمنزل ..
فقط يلقى عليها السلام بخفوت حين يخرج وحين يعود ، ليكمل طريقه إلى غرفته بصمت ويقضى بها ساعات حياته بائسا وحيدا .
أهذا هو نهاية حب قصى لغنى ؟
أولم تحبها هى .. بل وكانت تعشقها ؟
لما الأن تشعر بالمقت لهذا الحب الذى لا يجلب سوى الألم لأصحابه ؟
أولم تجرب هى ألم الحب .. ولكن الفارق أنها جربت ألم الحب من طرفٍ واحد ، بينما الآخر لا يأبه لأيا من مشاعرها !

إقتربت رغد من قصى الجالس أرضا بأحد أركان الغرفة المظلمة ، لتجلس بجواره وتلتصق به ناظرة له بابتسامة ناعمة .. تذكره بأيام طفولتها حين كانت تلتصق دائما به وترفض بعده .
وجدته يلف ذراعه حولها ليأخذها بين أحضانه دون أن يلتفت لها ليقول بشرود حزين ولايزال ناظرا أمامه بلا هدف :
_ وحشتى يا رغد .
أتم عبارته بتنهد ميت قاتم ، لتكسو ملامحها الحزن وهى تجيبه بحنين مشتاق لأيام أصبحت مجرد ذكريات :
_ وأنتَ كمان يا قصى .. وحشنى قربك منى ، دعمك ليا .. وقوفك جنبى .
لم يجبها لبضع لحظات ليكمل بعدها بصوت تقطع من الغصة التى إستحكمت حلقه :
_ مكنتش عامل حساب لليوم ده ، لكن .. لكن هى عملت حساب لليوم ..
تفتكرى سبقتنى للجنة ؟
لمعت الدموع بعينا رغد وهى تراجع ذكريات حياتها .
هل فعلت هى ؟
هل قدمت ما ينفعها لتلك اللحظة ؟
بماذا تجيبك يا أخاها وهى لا تعرف ماذا تجيب نفسى !!
_ إن شاء الله .
كانت العبارة الوحيدة التى خرجت من فمها إختصارا للإختصار .
ولكن قصى أبى السكوت دون أن يكمل بحزن شارد :
_ تعبت يا رغد فى بعدها ، صورتها مش بتفارقنى .. ودايما فى خيالى وأحلامى .
بسأل نفسى كل يوم ليه سبتها لوحدها ؟ ..
ربتت رغد على صدره وهى تقول بهدوء مواسية :
_ ده قدر .. والقدر مفيش مهرب منه ، وأنتَ ملكش أى ذنب فى حاجة .. فخلى عندك ثقة فى كده .. لو أتفرقتوا دلوقتى إن شاء الله هتتجمعوا فى الاخرة ..
أحتضنها بقوة ليقول لها بابتسامة حزينة :
_ عاملة ايه دلوقتى .. قابلتى أصحابك ؟
عاوزك تنسى كل حاجة وتفتكرى بس أنى جنبك وهفضل معاكى .
ابتسمت بحزن وهى تشعر بالشفقة تجاهه ، لا يكاد يخرج من محنة حزنه .. إلا ويفكر بها .
لا يعلم أن والدها يكاد يلقيها فى الجحيم بأى لحظة ولأى أحد .
تارة يقنعها بالعودة إلى طليقها الحقير و تارة آخرى يرشدها إلى الزواج من ابن عمها العزيز ياسين .
والذى تحول فجأة من حجر مراقب .. إلى متفاعل مع ما حوله .
أجابته بخفوت تخفى خلفه الكثير من المشاعر المعقدة :
_ أنا مبدئيا كويسة ، ناوية على الشغل وهبدأه مع صاحبتى زهور .. وأيوة قابلت أصحابى لكن أتصدمت لما عرفت أن حالهم زى حالى .. لأ ده أسوأ ..
ومتقلقش ناوية أنسى ، لأنى مش هسمح لحد يبوظلى حياتى ومستقبلى بعد كده .
وجدته يربت على كتفها بحنان وهو يومأ بحزن شارد .
لتقول فجأة بحماس إندفع عبر كلماتها :
_ تعرف أنتَ شبه زهور .
ألتفت لها قصى موليا لها إهتمامه ، لتكمل هى بنفس الحماس :
_ زهور هى أول واحدة ساعدتنى أتغير .. مسكت بإيدىو وجهتنى للطريق اللى كنت علطول ببعد عنه .. دعمتنى وساندتنى علشان أتغير .
دايما بحس بالأمان .. والراحة فى الكلام معاها ، بتفكرنى بيك فى دعمك ليا ووقفتك جنبى علطول .
بحس أنها قوية مبتتكسرش ، الضربة القوية اللى بتجيلها بتحولها لقوة مختزنة عندها تدافع بيها عن نفسها .
برأيك ممكن أبقى زيها ؟ .. ممكن أبقى قوية ؟
نظر بحب إلى عينيها ، ليبتسم لها بحنان :
_ أكيد يا رغد .. علشان أنتِ قوية بطبعك ، وتقدرى تقفى على رجلك بسرعة بعد كل مشكلة .
صدقينى القوة بنكتسبها من الصعاب ، القوة بنكتسبها من القرب بربنا ، خليكِ دايما مع ربك وهتكونى بخير ، أتمسكى برأيك مهما دارت الأيام .. ومتخليش حاجة تردك عن طريقك .
أنتِ رغد القوية .. اللى واجهت بابا وطليقها ، واللى هتكمل باقى مسيرتها فى الحياة بنفس قوتها .
أنا واثق أنه هيجى اليوم اللى تلاقى فيه اللى يكون مصدر قوتك .. اللى يكمل معاكى باقى الطريق ويكون هو سندك اللاكبر فى الحياة .
أنتهت كلماته لتشرد رغد بوجوم .. تفكر بعجز عن إمكانية أن تتوافر هذه الخصائص بـ ياسين ؟
هل حقا سيكون سبب قوتها .. بينما ضعفه وتردده ظاهرا للجميع ؟
هل سيصدقها فى كونها بريئة مما أتهمت فيه ؟ ... بينما عينيه تحاكى قصة النفور منها !!
نفضت رأسها بقوة ، لتنهض متعثرة وتقول لأخاها بشرود :
_ هروع أعمل الأكل .

............................................................ ........................................................

" حقى هو أنتِ يا زهور "
تركت الهاتف من يدها بذعر ، لتلتفت إلى النافذة تنظر إلى الطرقات بشرود .. تحول إلى توتر جعلها تتحرك فى محيط الغرفة بلا هدى .
ماذا يريد منها ذلك الأدهم ، ألم يكتفى بما فعله وسببه لها ؟
ألم ينتهى إنتقامه ليتركها وشأنها ؟
جلست على سريرها متنهدة بقوة ، تخفى وجهها بين يديها تارة .. ثم ترفعه بقوة شامخة تارة .
ومن ثمّ يجد لخفضه الراحة فيهبط متألما .
الذعر يلعب بعقلها .. وأفكارها تجاه ما خططت له فجأة تبخرت .
أين هى قوتها التى ظنتها وقالت بأنها ستحاربه بها ؟
آآه منك يا أدهم .. كيف تبدل حالتى برسالة موجزة بسيطة ؟!!
تقلب حالى بين يدك بسهولة يستنكرها عقلى البسيط فى مواجه عقلك الشيطانى .
انتفضت بذعر حين سمعت صوت الباب .. تلتها صرخة غضب من أمها .
وفكرة واحدة إستحكمت عقلها .. لقد جاء لأخذ حقه كما قال !

خرجت بخطواتٍ متعثرة .. تقترب من الباب شيئا فشيئ .. لتجده واقفا فى إطار الباب ، بمنتهى الهدوء يحادث والدتها .. ويقول لها بأنه قادم لإصطحاب زوجته !!
أجن هذا الرجل أم ماذا ؟
أى زوجة يا هذا وأنتَ قد طلقتنى ورميتنى وكأنى خرقة بالية ؟
عن أى زوجة تسأل وتأتى لتأخذها بمثل هذا البرود ؟

لم يكن البرود بالكلمات فقط ، بل و طريقة وقوفه وشرحه للأمر بمنتهى الثقة والهدوء .
لتنتفض شاهقة بذعر وهى تراقب أخاها الذى إندفع إلى أدهم بلهيبا أسود من شدة الغضب ..
ليمسك بأدهم من مقدمة قميصه ويصرخ به :
_ إيه اللى رجعك .. وعاوز إيه من أختى .. أكيد جاى علشان أخلص عليكِ يا حيوان .
ولم يمهله الكثير ليبادر بلكمه إتجهت مباشرة إلى فكه بقوة وغل طال كبته من تجاه سيف .
وكانت هى تراقب ، بقلقٍ وخوف وعجزا تملكها بلحظات غادرة فلا تملك سوى تلك المشاعر فى هذا المشهد الذى فقدت حتى التعبير عن ذعرها بصرخة ..
والذعر تحول لرعب حين رأت بادرت أخاها فى مواجهت أدهم .
إلا أنه للعجب كان رد فعل أدهم إرتفاع مرتاب فى حاجبه بعدما إستعاد توازنه من تلك اللكمة القوية مع نظرة مستنكرة علّت عينيه ، ليقول ببرود مبتسما بسخرية وهو يفرك ذقنه :
_ رجعت ليه .. فعلشان مراتى ، وعاوز إيه من أختك .. فعاوز مراتى .

ما هذا البرود ؟ .. أليس لديه بعض الدماء الحارة لتفور وتحدث غضبا ، إنه لا يتأثر بشئ بينما أخاها يكاد ينفجر من الغضب والغيظ .
وأمارات الجنون تستفحل وجهه .
ترك سيف مقدمة قميصه ليدفعه إلى الخارج وهو يقول بعنف :
_ أنتَ ملكش زوجة هنا ، وأختى لو كنت رديتها فالمحاكم هتطلقها تانى .. ومش عاوز أشوفك هنا تانى .. ولا قريب منها .
ولكن الثلجى لم يتحرك من مكانه قيد أنملة ، بل ظل جامدا بفعله ونظراته ..
ليقول بصوتا صارم قوى :
_ هتسمع أنا جاى فى إيه ولا هتفضل على نفس الغباء .
كاد سيف أن يلكمه فى وجهه ثانية لقلة تهذيبه إلا أن يد زهور هى من أوقفته ، لتقف شامخة رافعة الرأس بينهما وتقول لأخيها بهدوء بينما نظراتها لم تبتعد عن الآخر :
_ أستنى يا سيف أما نشوف هيقول إيه .. لأنى عارفة أدهم .. كلامه القليل دايما مهم .
وكيف لا تعلم ورسالته خير دليل ، ومن قبلها أتهامه لوالدها يوم الزفاف ..
فلنرى ماذا تريد يا أدهم .
وقفت تناظره بتحدى وهى تخبره ذلك ، لتجده يراقبها بابتسامة مقتضبة وكأنه يرسل لها رسالة .
" لن يعجبكى ما سأقوله غاليتى "

جلسا بالصالون البسيط بمنزلها .. أدهم على كرسى فى مقابله سيف المتحفز .. وعلى الاريكة كانت زهور تنقل نظرها بين الأثنين بعدم راحة .
تارة تراقب أخاها فتشعر بأنها ليست وحيدة فى مواجهة هذا الكائن الملقب بزوجها أو طليقها ..
وتارة تنظر إلى أدهم فتشعر بالقلق يتسلل لها من محوى كلماته التى تقصها عينيه بشفراتٍ سرية ..
ولكن يطغى عليها الشعور بالأمان والراحة !!
رغم ملامح أخاها المتحفزة لضرب أدهم ، ورغم هدوء أدهم المستفز ... إلا أنها تشعر بالأمان بحضورهما ...
مشاعر غريبة وحمقاء بحق !

بعيدا نسبيا .. كانت تقف تراقب المشهد بتعجب إمتزج بالذهول والخوف ، مِن المفترض أن الجالس فى مقابل زوجها هو زوج أخته .. فلما يعامله سيف بس مثل تلك الحقارة .. هل لأنه طلق أخته زهور أم لأنه أعادها دون أن يقول لهم ؟
ولما ضربه حين رآه ؟
ظلت الاسئلة تعبث بعقلها إلى أن وجدت ذلك المدعو أدهم هو من تكفل بتوجيه دفة البداية فى الحديث قائلا بهدوء :
_ أولا أنا رجعت زهور لعصمتى .
صدمة .. تلك التى تلقتها ، لتلتفت إلى أدهم الذى كان بدوره ينظر لها بقوة آسرا عينيها فى نظرة مبتسمة قوية .
لم يخرجها من صدمتها سوى صراخ أخاها الذى إنتفضت له شاهقة بإستنكار .
_ إيه الجنان ده ، لو كنت فاكر أن أختى ملهاش حد تبقى غلطان .. أنتَ أخدتها أول مرة وأنا مش موجود لكن دلوقتى لأ .. وهتطلقها برضاك او بالمحاكم مض هتفرق .
عاد البرود يستحكم ملامح أدهم وكان رد فعله يعاكس المعتاد ، ليقول بتجهم :
_ أختك أخدتها من إيد والدك وبإرادته ، واللى بعمله هنا مجرد إستعادة لحقى .
أيريد ذلك الاحمق الهلاك على يد أخاها ؟
يا ألاهى ماذا يقول .. ولما جاء الأن ؟
أتبع أدهم كلامه بذات البرود الثلجى ولكن موجها حديثه لزهور :
_ آخر فرصة أننا نعرف قاتل والدى بين إيدك ، يا تتعاونى معايا وندور على عمتك .. يا تصدقى أن والدك هو القاتل .
وكان القرار لها للمرة الاولى ، ولكن قرارا صعب ..
فالعودة بحد ذاتها أقسى عقوبة لها ، والعيش مع الشك يقتلها .
والجملة أصبحت فارغة خلف قاتل والده ....
إذا فعليها وضع النهاية ، ربما لتنمية حبه وتحويله إلى عشق دون شوائب ..
ولتبرئة والدها المظلوم ...
إذا لا مفر من القدر ..
نهضت بحسم لتقول بصوتا قوى قاطع لكل سبل المجادلة :
_ أنا هرجع لأدهم .

............................................................ ........................................................

نظرت له بألم .. تراقبه منذ قرابة الساعة يجلس على نفس الحال .
شاردا حزينا ومتألما ، لم يتخيل قط أن تعترض أخته على رأيه .. بل وتقف أمامه متحديةً إياه .
لقد أراد أن يحميها من ذلك الوحش الاسود الثلجى أدهم ، ولكنها آثرت إلقاء نفسها داخل حممه البركانية المختبئة خلف بريق البرود .
أغمض عينيه بقوة ولايزال يتذكر رده حين قالت بأنها ستعود للحقير .

_ أنتِ أتجننتى ، مفيش رجعة لحد .. وده قرارى الأخير ..
وقفت أمامه زهور شامحة الرأس لتقول بحزم حاكته حروف كلماتها :
_ آسفة يا سيف .. لكن دى حياتى ومش من حقك تقرر عنى .. أنا خلاص اتخذت قرارا ، ومفيش مجال أنى أتراجع .
علّت الصدمة ملامح .. ليس من كلامها لكن من ثباتها وعدم ترددها فى الكلام .
خرجت الجملة باردة ثلجية منها بقوة وكأنها لا تأبه حقا برأيه .
ليجيبها بعجز حاول إخفائه :
_ مش هيسعدك .. وهترجعى مكسورة ، أنا عاوز أختصرلك كل المقطع المؤلم الجاى من حياتك .. زهور ......
همس أسمها بترجى مترفق ، ليرى الحزن بعينها .. ورغم ذلك قالت بثبات :
_ أنا مش هرجع علشانه ، أنا راجعة علشان حق بابا فى أنه ميبقاش قاتل .
هز رأسه ببطئ مصدوما ، ليقول بخفوت متألم أستغلب عليه روح الإستسلام :
_ ربنا معاكِ فى اللى ناوبة عليه .
وكان ردها مجرد ابتسامة متفائلة .. ولكن متموجة بالقلق .

سمع خطوات تقترب منه ، فإلتفت إليها بوجوم ..
كانت تعانى من معاناته الصامته ، فملامحه وحدها كانت كـفيلة بأن تجعلها تتألم لألمه ..
كانت تسأله نفسها لما لا تقترب منها وتسانده كزوجة ؟
فمهما كان سبب الزواج وكيفيته ، تبقى هى زوجته !
من يلجأ إليها حين يستشعر ضعفه ، من تتلقفه أحضانها حين يضيق بها الحال .. من تهمس بكلمات المواساة فى رقة ونعومة .. من تخفى ألمه بصرها ، وتمنحه الراحة والأمان .

ظلت على حالها من التردد إلى أن حسمت أمرها واقتربت منه لتجده يلتفت لها ويلاقيها بنظراتٍ لم تعتدها منه .
ليست باسمة وليست متفائلة ، بل هى مزيجا بين الألم والحزن وشيئا بعيد أعطى عينيه لمعة حزن غير تلك التى تبرق حين الفرح .
ابتسمت له برقة حاولت إخراجه مما فيه :
_ على فكره أنتَ معرفتنيش المكان .. أنا تانى مرة آجى القاهرة فى حياتى .... لانى كنت عايشة علطول فى المنصورة ..
نظر إليها بتعجب .. ليلتفت ناظرا حوله بإستنكار .. فشعر بها فجأة تميل على أذنيه بهمسا ناعم :
_ متخفش زهور التوليب قوية .. وألوانها دايما مشرقة .. غير كده هى عطرة والكل بيجبها .
لم يعرف أهى تتحدث عن اخته أم أزهار التوليب ، ولكنه استنتج بأنها صنعت خليطا بين الأثنين لتريح باله .
فوجد نفسه يبتسم لها ، ويقول بصوتٍ هادئ حكيم :
_ ماشى يلا أجهزى ، هعرف المنطقة شبر شبر .. ده انتِ متعرفنيش هنا كنت عامل إيه .
ضحكت بسعادة تستشعرها لأول مرة ، ها هى تستكشف الجانب المرح الشقى منه .. فما القادم ؟

............................................................ ........................................................

 
 

 

عرض البوم صور Enas Abdrabelnaby   رد مع اقتباس
قديم 09-04-18, 04:09 PM   المشاركة رقم: 30
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2017
العضوية: 326474
المشاركات: 120
الجنس أنثى
معدل التقييم: Enas Abdrabelnaby عضو له عدد لاباس به من النقاطEnas Abdrabelnaby عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 124

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Enas Abdrabelnaby غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Enas Abdrabelnaby المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: أسيرٌ من الماضى (2) سلسلة جروح العشق الدامية

 

[COLOR="black"

الفصل التاسع

أشتاقكَ يا من لم تشتقنى
أذوب بكَ عشقا وأنتَ غافلا عنى
غمامة تلك التى إستحكمتنى
لتبعدنى عنك .. يا هوى القلب
*****
طريق مظلمة كانت تخوض بها ، خطواتها سريعة تارة وآخرى بطيئة وئيدة ..
ظلام أستحكم ظلام ، وعمقا أزداد برودة ..
وحدّة تلك التى صارعتها ..
أنها الأن فى عمق البحر الواسع !!

وكيف لا تكون وهى معه وتنظر إلى عينيه ، تلك التى إستحكمتها بقوة آسرٌ إياها فى عمق البحر المظلم .. بحره المظلم .
عيناه الرمادية أشتدت قسوة .. وضياع ! .. ضياعا من نفسٍ وربما من عالم .. بل هو إلى عالم الماضى .
أحبك فلا تبعدنى ..
_ أنا لا أعلم الحب ..
سأعلمه لكَ ولكن لا تتركنى ..
_ لا أجيد الحب يا صغيرة ..
كلنا نتعلم يا فارسى ، فقط اتركنى لأعلمك ..

همس أدهم بصوته الصلب يقطع إسترسال حديث العينين الصامت :
_ نورتى بيتك من تانى .
وغد .. حقير ربما ؟ .. ما الكلمة التى تفى غروره وسماجته فى هذه اللحظة ؟ ...
سارعت بتمالك نفسها لترسم الهدوء البارد على صفحة وجهاا والذى من الواضح أنها إكتسبته منه وله كل الشكر على تعليمها إياه :
_ بيتى منور بيا وبوجودى وبس !
قالتها ببطئ .. سمج ، وكان رده ابتسامة باردة لامعة بخبث ، ليشير إلى غرفتها بطرف عينه ويقول بوقاحة :
_ مش هترتاحى ؟
لن ارتاح وأنتَ تلاحقنى أيها الوغد ... كزت على أسنانها بقوة وهى تشيح عنه .
لتصمت ذامة شفتيها بإمتعاض لتوقف لسانها عن إلقاء السخافات .. وربما الصراخ الحانق عليه .
لتعود بوجهها مرتسما عليه أمامرات الجنون ، وتجيبه :
_ أكيد هرتاح .. لكن لما تبعد عنى .
ارتفع حاجبه بتقدير مصطنع ، ليضحك بصخب عاليا أنتهى بقوله السمج البارد :
_ وحشتينى زهورى .. زهور التوليب بتاعتى .
وأحكم الضغط على ياء التملك .. وكأنه يثبت لكها ملكيته التى دمغها بها منذ آخر لقاء .
لتشتعل وجنتيها من وقاحته ، وتطوف بخيالها تلك الليلة الغافية فى ظلمة السماء .. حيث كانت هى بكل حب تسلمه نفسها ، بينما هو تملك بروح الغدر جسدها .. مع وعد خفى بإذاقتها المرار كؤسا باليوم التالى ، وقد فعل !
ورغم ما عاشت وما شعرت بتلك اللحظات التى أمسكت بها ورقة رسالته القذرة .. لا تزال تشتعل خجلا لـليلة عاشرت بها شيئا مختلفها ، شيئا جمع بينهما .. شيئا خاص ، يلمح له الأن .

أنعكس ردها بمرايا عينيها الصامتة ، لتقول له بحزن أخفته خلف قوة متزنة :
_ كنت فاكرة أنكَ انتقمت يا أدهم وأرتحت من عذابك الطويل ، لكن واضح أنه لسه عندك كتير ..
إيه الخطوة التانية فى إنتقامك ، من باب العلم بالشيئ يعنى .
صمتت بترقب مبتسمة بسخرية ، بينما عيناها تواجهه ببسالة .. رافضة محاولاته فى الهروب من أسرهما .
وأستمر الصمت دون إجابة ولكن لم ، لينقطع بضحكة ساخرة افلتت من بين شفتيه ، مع قوله الماكر وهو يقترب منها :
_ الخطوة التانية على سلم الانتقام هو ده .
وأشار بيده تجاه قلبها الذى قفز بلوعة لا يعلم مستقرا لدقاته ، ليكمل ببطئ :
_ زهورى الغالية .. لعبة الإنتقام مش مجرد جولة .. فيها كسبان وخسران .. تؤ تؤ .. دى لعبة طويلة وعاوزة روح ، وأنا كسبت دور بس محدش عالم الدور ده مين هيكسب ..
اللعبة لسه مستمرة ، و دى فرصتك علشان تاخدى حقك .. ويا تكسبى الدور يا أكسبه انا .
أنهى كلماته وهو على بعد إنشات قليلة من وجهها ، لتلفح أنفاس الساخنة وجهها بقوة .. ويزداد إقترابه وهبوطه إلى شفتيها ، إلا أنه قال بترقب خافت مقابلا عينيها بنظراته القوية :
_ لكن للوقت اللى تتحسب فيه نتيجة اللعبة ، أنتِ هتفضلى مراتى .. هتفضلى زهور التوليب بتاعتى .
وختم بسيطرة .. وقوة فى الأخذ ، ولكن برقة مذيبة وتحكم وصل حد التبادل .
فبادلت قبلته الغادرة بآخرى مشتاقة .. ملتاعة بخوف ، ولكنه إستطاع السيطرة والتمالك .. ليدفعها برفق تجاه غرفة نومها ، تلك الغرفة التى شهدت حربهما النارية الخاصة مرة ، ويبدوا بأنها ستشهدها ثانية .
حين انتبهت إلى أنها أستقرت على الفراش الوثير وهو يشرف عليها همست بتشتت :
_ بتحبى ؟
وحينها إحتدت أنفاسه بل وتسارعت بعنف ، لينهل ثانية من شفتيها بقوة علّه يثبت ما عجز اللسان عن قوله .

............................................................ ........................................................

فتحت باب شقتها ببطئ .. لتدلف بخطى مضطربة .. تنظر إلى حالة الشقة لتجدها كما تركته لم يتغير بها شيئ ..
أغلقت الباب خلفها لتضع حقيبتها جانبا ، وتتجه إلى غرفتها التى لا طالما كانت ملجأء لها من عواصف سها .
جلست على سريرها تتلمسه بشرود ، لقد أوفى مؤيد بوعده لها .. أعاد لها كل ما سلب منها بالقوة ، اعاد كل شيئ ولكنه ترك قلبها معلقا لا يجد من يعيده إلى صاحبه .
متى احبته ؟ ... لا تدرى فقط وجدت نفسها تحبه ونقطة ونهاية السطر .. حب أندفع فجأة من وسط الظلام ..
أستلقت بإرهاق على السرير ، تنظر إلى السقف بشرود .. لقد كان يومها يوما مرهقا للغاية .
فبداية من عودتها الجديدة للعمل فى المشفى ، وبعدها مقابلة زياد التى كانت تتجنبها لتصطدم به ويواجهها بكل ما كانت تريد إخفائه .

إلتفتت بأحد الأرواق لتصطدم بأحدهم ، فإبتعدت بسرعة معتذرة .. إلا أنها وقفت مصدمة تنظر إليها .... زياد !
إبتعدت عنه قليلا ، لتقول بصوتا خفيض :
_ آسفة .
كادت تكمل طريقها إلا أنه سارع بالوقوف أمامها ليسد الطريق .
_ ميساء ؟
أكان سؤال أم إستغاثة ؟
نظرت له واجمة ، ليقتله الوجوم المسيطر على نظرتها .. وهاله أن يستشعر كم الألم الذى لمع فى بريق زمردتيها .. ليقول بألم وهو يناظرها :
_ رجعتى ؟
والعودة ليست من نصيبه ، بل هى لحياة مملة ولعملا أصبحت تمارسه بدون حماس ، لتجيبه بهزة من رأسها ، ليكمل :
_ عاملة إيه ؟
سؤال بسيط بصوت متقطع ، والإجابة نظرة وربما همسة أبت الظهور .. لتصمت وتخفض رأسها ، فلن تستطع الكذب والقول بأنها على خير ما يرام .
_ ليه ؟
سأل .. وكان المتوقع إجابة .. ولكن ظلت معلقة .. ليسمع قولها الهادئ .
_ قدرنا نلاقى ناس تترك بصمة على روحنا .
_ القدر بإدينا يتغير .
_ عمره ما هيتغير طلاما ناس ملكتنا .
_ مين ملكك ؟
_ مؤيد .
صمت عاجزا عن الكلام ، ليناظر ملامحها المنهكة التى تحلت بقوة غريبة ، نظراتها كانت متجمدة بعكس ما كانت سابقا ..
لقد علم أنه تم طلاقها من ذلك الحقير مؤيد ، لم يكن من البداية شاعرا بالرضى عن كونه زوج لميساء الرقيقة .. وكما أتضح فمويد ذلك قتل بها زهرة الياسمين .. لتبقى ذابلة ، تتحلى بقوة واهية تتكسر مع رياح الشتاء الباردة ..
ميساء كانت له حلما ورديا ، الدواء لداء أستمر لسنوات .
لطالما رأى فيها فتاة الأحلام .. هادئة متزنة رقيقة .
ولكن كل هذا تبخر مع زواجها الذى تعجبه من مؤيد .
يعرف جيدا بأن ميساء ليست من نوع الفتيات التى تجرى خلف المال أو الفتى الوسيم المدلل ، إلا أنه تعجب الأمر .. وعرض عليها المساعدة أيضا حينها .

دلفت إلى غرفة مكتبها ليجدها تجمع بعض أغراضها من مكتبها ، فقال بسرعة ودون مقدمات :
_ ميساء أنا بحب .. وعاوز أساعدك .. أنتِ أكيد مش هتتجوزى اللى اسمه مؤيد ده .. قوليلى فى إيه وأنا هساعدك .
طالعته بنظرات ميتة .. ملؤها الحزن لتقول له بتعاسة حملتها حروفها :
_ مش هتقدر للأسف يا زياد ، القدر هو الى بيسيطر علينا .. وإن كان نصيبى أتجوز مؤيد فمحدش هيقدر يغيره .
همست لها بتركى سكن نظرة عيناه :
_ ميساء !
هزت رأسها نفيا ، لتحمل علبة جمعت بها كل أغراضها وتغادر المكتب بهدوء .

عادت من ذكريات يومها البائس لتغلق عينيها بقوة وهى تحاول نسيان ما حدث .. بل وتمنى نفسها بذلك .
هدأت أنفاسها وإنتظمت ، لتبدأ بالغرق فى النوم بعمق .
فلم تشعر بذلك الذى دخل منزلها بهدوء ، ليتجول به ويصل إلى غرفتها حيث وجدها نائمة .
إقترب مؤيد منها ببطئ ليجلس على حافة السرير .. بينما يديه وجدت الطريق لشعرها المعقوص بإحكام ..
فلم يستطع سوى فكه بهدوء و تركه يتحرر من قيده البالى .
أخذ يراقب ملامحها المسترخية بإرهاق ، بينما يداه لم تتوقف عن مداعبة خصلاتها برقة وبحركاتٍ تساعد على الإسترخاء .
همس برفق وهو يقترب بوجهه منها :
_ ميساء .. أنا بحبك ومش قادر أبعد عنك ، فقربينى ليكِ .
وجدها تجيبه بهمهمات خافتة وهى تستلقى على جانبها لتوليه ظهرها .. فنظر إليه عاجزا ، ليكمل بألم :
_ للدرجة دى .. حتى فى نومك مش قادرة تستحملينى ! .... بس أنا فعلا معملتش حاجة كويسة علشان تحبينى .
انا سرقتك من حياتك السعيدة ، لأدخلك كابوس حياتى اللى مش بينتهى .. ودلوقتى جاى أطالبك بحب .. أعذرينى يا ميساء أنا أنانى جدا .
إستلقى بجوارها على الفراش الضيق بهدوء ، ليهمس وعيناه تتنقل على ملامحها المسترخية :
_ بقيت عبئ على كل الناس .. فى شغلى فاشل وفى حياتى أكتر فشل ، والدى مش عارف يلاقيها من مصايبى ولا من أختى اللى أتطلقت ..
حتى أصحابى اللى كانوا علطول معايا .. فجأة لقيتهم كلهم أختفوا .. اللى سافر واللى أستلم الشغل مع والده ، وكله راح لحاله .
أما أنا فخسرت كل حاجة ، خسرت حياتى .. وخسرت أغلى حاجة .. أنتِ يا ميسائى .
إحتضن خصرها النحيل ليجذبها إليه ويدفن وجهها بصدره ورأسه بعنقها ، علّه يجد راحته فى قربها .

............................................................ ........................................................

_ البقاء لله يا رغد .
أنتبهت رغد الشاردة إلى ذلك الذى مد يده مصافحا ، فإرتبكت قليلا قبل ان تصافحه بتوتر .
قال لها بهدوء وهو يطالع ملامحها :
_ أنا كلمت أخوك وطلبت منه أننا نتكلم شوية لوحدنا بره .
عقدت حاجبيها بضيق ، إلا أنها سارعت فى الرد وقد وجدت بها فرصة :
_ أنا هلبس بسرعة وآجى .
أخذها إلى مقهى قريب من المنزل الذى تعيش فيه مع أخاها ، ليطلب لهما قدحان من القهوة .. وما إن وضعت أمامها حتى نظر إليها بشرود .. لتقاطعه رغد بلجهة حادة بعض الشيئ :
_ ياسين أنتَ أكيد مش جايبنى هنا علشان تشرب قهوتك ؟!
أنتبه ياسين لها فغمغم بضيق :
_ أكيد لأ يا رغد .
بصراحة ومن دون مقدمات عاوز رأيك فى طلبى .
أدعت البرود وهى تجيبه :
_ طلبك بالنسبة للجواز ؟
اومأ برأسه لتتنهد بيأس وتنهار حصون قوتها بلحظة غادرة ، لتهمس بصوتا متألم :
_ أنا مش عارفة أرد بإيه يا ياسين ، فى يوم فجأة لقيتنى متجوزة ومتطلقة بنفس اليوم .. وبعدها دخلت فى دوامة الحياة وحادثة غنى ، وأخيرا عرضك الغريب .
قولى يا ياسين بصراحة ، أنتَ عاوزنى ليه ؟ .. علشان شرف بنت عمك وخلاص ؟ .. لو كده فالبعد أحسن لأن الشفقة والضغط عمرهم ما بيبنوا بيت سعيد .
كان يراقب كل كلمة تخرج من فمها ، يترجمها ويحدد ما سيقول ، ليقول لها بهدوء متزن :
_ اولا يا رغد وعلشان تشيلى الموضوع من دماغك .. أنا مش مجبر على حاجة زى ما فهمت منك ، أنا جيت بكل إرادتى وطلبتك من أخوكى وقبل ما عمى يطلب منك الرجوع لطليقك.
ثانيا .. مفيش شفقة بينا ، الموضوع تقليدى إلى أبعد نظر ، أنا شايف فيكِ المواصفات للبنت اللى هتصون أسمى وهتربى أولادى وأظن أنى شخصية تتوافق إلى حد ما تخيلاتك .
ثالثا .. أنتِ شرفك مضعش .. ببساطة لأنك معملتيش حاجة تندمى عليها ، ولو كان زى ما الكل متصور مكنش الحقير طليقك رجع وعاوز يرجعك لعصمته .

نظرية سليمة دقيقة ومتزنة ، إلا أنها لا ترضى قلب أنثى تعب من كثرة البحث عن الحب فلم يجد سوى المعادلات .
نعم إنها معادلات الحياة ، وعليها أن تجعل كفتى الميزان متعادلتان لتنجح حياتها ، أما بالنسبة للقلب فهو مجرد عضو .
حسمت قرارها لتقول له بصلابة :
_ أنا موافقة أتجوزك يا ياسين .
ابتسم ياسين لها وكأنه يعلمها بأنها أجادت الإختيار ، ليقول لها بهدوء :
_ أحنا مش هنحتاج لفترة تعارف أى خطوبة لأننا عارفين بعض ، فهنستعجل وندخل فى كتب كتاب ودخلة .
_ والفرح ؟
تسائلت بتعجب ، لتجد ملامح تغيم بعاصفة غامضة وهو يجيبها :
_ مفيش فرح يا رغد .. أنا مش عاوز فرح وانتِ عملتى فرح قبل كده .
أبتلعت غصة مؤلمة بحلقها ، لتنهض بضيق قائلة :
_ خلاص أتفق مع بابا وعمى .
وألقت سلاما خافت .. وسارعت بالمغادرة ، فحتما إن ظلت بجواره لدقيقة فلن يكون للقهوة مكانا سوى على وجهه الغليظ .

............................................................ ........................................................

راقب أشعة الشمس التى بدأت تكتسح المكان فى دقائق الصباح الأولى ... بينما تعالى صوت زقزقت العصافير عاليا ليعلن صباحا جديد .
بينما هو وقف جامد يطالع خروج الشمس من مخبأها بخوف ...
إنه يخاف عليها من ذلك الوحش الاسود البارد ..
لقد كان أنانيا حين هرب إلى بلادا غريبة باحثا عن العمل والمال ، وترك عائلته فريسة لذلك المخادع .
لو كان هو بينهم فلم يكن لأدهم أخذ زهور ، لم تكن ستتغير هكذا ، بل كانت ستظل زهوره التى يحبها .. طفلته التى تنتظره بالحلوى .
زفر بغضبا مكتوم .. هو لا يعرف كى أمضت ليلتها مع ذلك الحقير .. يتسائل بين كل ثانية وآخرى عن ما فعل بها .. هل ضربها ؟ .. هل تعدى عليها ؟ .. هل هى وحيدة ؟
وبعد كل تلك الإستفهامات ، كان الأرق هو ما استحكمه ، فكيف يواتيه النوم وهو غير قادر على الراحة والنسيان .

إلتفت بجانبه ليجدها بجواره !!
متى وكيف أتت .. لا يعلم ، كل ما يعلمه أنها خرجت له من الضباب كساحرة وردية .
بشعرها الاشقر الذى تركته ممتدا إلى آخر ظهرها ، وعيونها التى لمعت بها الخضرة مع أشعة الشمس البرتقالية لتعطى لونا براقا ..
إلتفتت له هى الآخرى مبتسمة لتسأله برقة :
_ بتعمل إيه ..
سؤالا غبى ، ولكنه أجابها بهدوء متأملا ملامحها بشرود :
_ بفكر .
_ فيها ؟
سألته بغموض ليومأ برأسه ، فتابعت مبتسمة :
_ رغم أنى متعاملتش مع زهور أوى .. لكن قدرت أقول أنها قوية ، أقوى منى أنا شخصيا .. فيها حاجة تجذب وتريح فى نفس الوقت ..
زهور وهى بتقول أنها هترجع لجوزها شوفت فى عينها إصرار كبير .. مش متأكدة إذا كان الاصرار ده علشان تعرف الحقيقة ولا علشان تغير زوجها ، لكن شوفت الحب اللى مش ممكن أجهله .
صمتت مبتسمة برقة لتجده يدقق النظر لها ، ليقول بالأخير متعجبا :
_ أزاى قدرتى تفهمى كل ده من مجرد لحظات .
_ مش محتاج تعرف حد لسنين علشان تفسر نظرة .
أخفض ناظريه بوجوم .. بينما كانت تراقب إنفعالات وجهه بقلق متسائلة عن ذلك الضيق الذى بدا جليا على ملامح .
لتجده قد رفع رأسه فجأة ليقول بحسم قاطع :
_ حياتنا مش هتستمر كده .

............................................................ ........................................................

خرج من غرفة ابنه غاضبا وحانقا إلى أبعد ما يكون ... لقد دخل له منذ قليل ليحاول التواصل معه فقط التواصل فهو غير طامع !
ولكن الولد فاجأه بكل ردات فعله ، مما دله أنه لا يعلم أى شئ عنه .
لطالما سأل نفسه بوجوم .. ماذا كسب من حياته الفاشلة ؟
أرقاما كثيرة لحسابه فى المصرف ، أراضى عائلته الواسعة .. أملاكه فى بلاد الخارج وهنا .
طفل يمقت وجوده !!
بلى إن أبنه يمقت وجوده بكل شئ ،بل إن نظرات عينه تحمل من الغضب الساكن مبلغها ، وكأنه يقول له عد من حيث أتيت فلا أريدك بجوارى .
ولكن للحق .. الصبى معه كل الحق .
فهو الاب الفاشل .. المهمل ، الذى لا يعي من الاساس لوجوده فى حياته .
يكفى عدد رفقاته التى يصاحبهم فى كل نزهة ، يكفى شهرته الواسعة فى مجال الاعمال فى بلاد الخارج .
يكفى عبثه ولهوه بعيدا عن كل شئ له علاقة بالماضى .
فالماضى هو الوثمة السوداء التى تعكر صفو الحياة ، لا أنت َ قادرا على محوها ولا قادرا على تخطيها .
من كذب وقال ان الماضى يمحى او ينسى ، بالطبع لم يقابله .
فالماضى لعنة لا تفكر شفراتها .

سمع صوتا رقيقا خلفه يقول بتوتر :
_ لو سمحت ينفع أدخل .
إلتفت لها بوجهٍ قاتم ، فلاحظ ذلك الخوف الذى تجلى على ملامحها .. فقال بغضب أسود :
_ أنتِ مين .. ودى مش أول مرة أشوفك هنا .
كان يشير إلى تلك المرة التى كانت بغرفته ، فوجد وجه الفتاة يتحول إلى الوردى المضطرب ، لتجيبه بتلعثم :
_ أنا بشتغل هنا من فترة .
قالتها بتوتر لتجده يناظرها بشرود ، يدقق فى عينيها بعمقا لم تعهده .. بل أنه كمن يبحث عن شيئا ضائع وسط قتامة عينها .
لينته أخيرا لنفسه ويزيح عينيه عنها بغضب منه نفسه .
_ أنتِ مسئولة عن إيه هنا .
سارعت بالرد تجنبا للغضب البادى على وجهه :
_ أنا مسئولة عن زياد .
صرخ بها بغضب ودون دافع حقيقى :
_ تبقى حدود رجلك اوضت زياد بس .. وبعدين أنا دخلتله دلوقتى ولقيته مش عامل الواجب بتاعه وبيلعب .. فين شغلك بقا ؟
أنتفض من صراخه الغاضب ، إلا أنها تماسكت بقوة لتجيبه بقسوة تفاجأ منها :
_ أنا عارفة كويس شغلى .. ودلوقتى وقت البريك بتاعه وأنا كنت داخله دلوقتى علشان اكمل معاه .
حضرتك لو عاوز تعرف نظام شغلى مع زياد فأنا مرحبة بالفكرة ، لكن مش بحب الاتهامات .
أنهت كلامها بحزم قاسى تعجبه ، لتشير له بأن يبتعد عن الباب .. لتدخل وتغلق الباب خلفها بوجهه !!

............................................................ ........................................................



[/COLOR]

 
 

 

عرض البوم صور Enas Abdrabelnaby   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أسيرٌ, الماضي, الدامية, العشق, يروح, سلسلة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 06:29 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية