كاتب الموضوع :
Enas Abdrabelnaby
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: أسيرٌ من الماضى (2) سلسلة جروح العشق الدامية
الفصل الرابع
الحب يقابله الكره
وكذالك يتناسق الإشتياق مع الجفاء
وبالأمر كان للعشق نقائض ..
عشقه طاغٍ على روحها ، أزكمها بمشاعره الجياشة .. فطمس كل القواعد للإدراك أو محاولته ..
ومن يتذوق عقشه ويطيب له التفكير بالهجر ؟!
فالكلمة تعنى فراق .. والفراق يعنى ألم .. والألم ما هو إلا مسكن للإحتياج !!
********
شهران مرا !!
ك يومان طلعت لهما شمس ، وبعد ساعات غربت .. فغطى الظلام دامسا النور ..
لم يحدث بهما أى شيئ يذكر .. سوى ترقب ، أنتظار وربما لهفة لشخصا غفل عنها ، أودعه الغباء مكانه .. لا يعرف بأن من أستوطنت منزله بفعل عقد زواجهما ... هى عاشقة له !!
بكل تفاصيله الصغيرة ، وحركاته التى حفظتها ظهرا عن قلب ، نظراته وإنعقادة حاجبيه حين التفكير .
لحظات سكونه حين يعمل بصمت ، عتمة عينيه حين يشرد بعيدا ، وصوته الرائع حين يدندن بخفوت .. ربما متذكرا أيام لم يكن لها وجود بحياته فيها .
لم تكن تتصور أن ذلك الوسيم ضخم الجثة .. يتمتع بصوتا رائع مثل ذلك !!
إنه يخجل من أن تسمعه ، لذلك حين يبدأ بالانشاد .. يتجه إلى غرفة المكتب ويسكنها .
عمله بالمقام الاول ، فهو شخص عملى للغاية ، مهتم بأدق التفاصيل .. منظم لأدواته بغرفة المكتب فقط ، فهى الاستثناء لفوضاه الدائمة .
لديه العديد من المشاريع المستقبلية المذهلة ، والتى يركز عليها جام تفكيره .
إنها معجبة به حد الهوس !!
تراقبه فى كل أفعاله حين يتواجد معها بنفس المكان ، تتحجج بأى شيئ لتدخل المكتب وقت عمله به ، بالرغم من معرفتها بأن ذلك يضايقه ويغيظه بشدة .. ولكنها مغرمة به وبكل ما يفعل وهذا ما لا تستطيع السيطرة عليه .
كان المنظور إلى حياته العملية رائع ، ولكن بالنسبة للزوجية .. أو كونها زوجته ، فقد كان راسبا وبجدارة .
حين يعود من عمله تراه بالمصادفة ، وحين يذهب كذلك .. فهى بمعظم الاوقات تكون نائمة .
وبأيام إجازته ينشغل بالعمل وبلوحاته اللعينة المعقدة ، فإن ترك اللوحات والدوائر المتداخلة .. إتجه إلى حاسوبه ليكمل الرسم الهندسى للأدوات الميكانيكية .
لا تعلم لما لا يشعر بأى نوعا من المشاعر تجاهها ، إنه يكاد يعاملها كصديق سكن !!
أكبر مجهود يتكبله حين يسألها بوجوم عن حالها ، وتكون الاجابة هى نظرة تخبره بدوام الحال .
الحب مشقة ، وتتفق بشدة مع هذه الجملة ، فهى غير قادرة على جذبه ولا هى قادرة على بعده .
فاشلة وغبية ، لما لا تكون مثل النساء النبيهات وتوقعه فى شركها ؟!
لما تتجسدها البرائة اللعينة وتجعل منها خجلة من مجرد النظر لعينه ؟!
أفلا تحبه ؟!
وكما يقال كل شئ فى الحب مباح !!
زفرت بحنق ، إنها تعانى .. تعانى من جهل ذلك الرجل بالمشاعر .
أتعلمه الحب ؟!
ولكن كيف ؟؟
إتجهت إلى شرفتها المفضلة ، جلبت أدوات الرسم الغالية .
أدوات الرسم ليست بغالية السعر فقط ، بل وهى أيضا غالية على القلب .
فلكل أداة قصة عشق منفردة ، لغزف الألوان المتناغمة ، ولكل فرشاة رقصة تؤديها بإتقان وقت الحاجة ، ولكل قلم منحنيات يمتاز برسمها .
وبعد كل ذلك .. أفلا تعشق أدواتها .
الرسم لم يكن يوما ما فرض أن تدخله ، ف برغم مجموعها العالى فى الثانوية والذى كان سيدخلها كلية الهندسة .. إلا أن قلبها حكم عليها بأن تنمى موهبتها ، وكان الطريق هو عصيات العائلة وأولهم والدها ، والإلتحاق بالفنون الجميلة .
فأصبحت راسمة محترفة .. من الدرجة عالية الجودة ، إلا أن هذه الدرجة ستتراجع بالطبع إن ظلت موهبتها ساكنة دون منافسات أو تحديات .
جذب إنتباهها علبة الألوان الزيتية والتى خُط على علبتها الخارجية إسمه المميز " آسر الهوارى "
ابتسامة رقيقة إرتسمت على شفتيها ، إنه آسر من قدم لها هذه الهدية الخاصة بيوم مولدها منذ حوالى شهران .. بعدما ألتقته لأول مرة فى معرض صديق والدها .. وكان يسألها عن كونها تعمل معهم أم لا .
بعدها باسبوع .. أراد والدها أن يسعدها فأقام حفل مولدها بذلك المعرض ، وكانت هدية آسر لها ، هذه العلبة ولوحة غريبة .. ذات شفرات غريبة .
وحين سألته عن غرابة اللوحة قال بإستمتاع والشقاوة تقفز من عينيه :
_ سؤال ذكاء .. بصى دى شفرة سرية .. لكلام خطير ، حاولى تعرفيها وأنتِ هتعرفى معنى اللوحة .
ولكن تداخل الأحداث وزواجها من سيف الذى أتم شهره الأول منذ عدة أيام هو ما جعلها تنحى التفكير فى اللوحة جانبا ، وحتى هذه اللحظة لا ترغب بفهم شئ ... بل ترك نفسها للرياح لتسيقا أينما ذهبت .
نظرت من الشرفة ، إنها بالطابق الثلاثون .. ببناية شاهقة ، تخاف المرتفعات إلا إنها تعشق النظر من هذه الشرفة إلى ما حولها ، وخاصة تلك الحديقة الظاهرة أمامها .
تريد أن تطلب من سيف أن يذهب بها إلى تلك الحديقة الرائعة ، إلا أنها تخجل منه وبالوقت ذاته هو مشغول للغاية فلا تريد أن تزعجه .
إن الملل يكاد يقتلها وهى وحيدة بين جدران هذه الشقة ، تفكر بالخطوة القادمة بحياتها ، هى لن تبقى هكذا معلقة ، زوجة ولا زوجة .
وتريد أيضا أن تعمل مع صديق والدها بمعرضه مع مجموعته الخاصة والتى لطالما عرض عليها الإنضمام لها .
الوحد قاتلة ، والافكار كثيرة للتنفيذ .. ولكن المعضلة واحدة .. وهى خجلها من مفاتحته بالأمر .
من المفترض أن يتعجب المرء من خجلها المتزايد نحوه ، وبعد شهر وعدة أيام من الزواج ... ولكن حقيقة زواجهما تخزيها وتشعرها بالخجل ، وموقف كلا منهما تجاه الآخر مبهم ..
حياة على الخط المستقيم ، ليس بها أى تغير .
هو لم يحدد حتى الأن مدة زواجهما ، أو إذا ما كان سيكمل معها أم يتركها ، هناك الكثير من الأشياء عليهم أن يحددوها ويضعوا النقاط على الحروف .. ولكن من المفترض أن البداية لديه وهو من عليه البدأ .
يبدوا أنها ستنتظر ، وهو سينتظر ويعيشوا عمرهم على الإنتظار .
كما أن الأكثر رعبا هو قراره بالعودة إلى مصر لكى يعرفها على والدته وشقيقته .
تتذكر ثورة والدته حين علمت بزواجه المفاجأ وحزنها منه ، وكم قضى من أيام يحاول التواصل معها لكى يرضيها ، إلى أن طلبت عودته محملا بها فى أقرب وقت ممكن .. وهذا يزيد من توترها .
بينما الافكار تتقلب فى عقلها ، ضاربة جدرانه بقسوة جعلتها لا تشعر بذلك الباب الذى فُتح ، أو ذاك الذى دخل منهكا ليلقى حقيبته على الكرسى ويقترب منها .
أجفلت من افكارها وهى شعر بذلك الوشاح الذى وضع على رأسها ، فإلتفتت سريعا لتجده خلفها مباشرة ينظر لها بلوم ، لتسمعه يقول ببعض اللطف اللائم :
_ ينفع تقفى كده بشعرك ؟
نظرت إلى ما ترتديه ، بيجامة وردية قطنية ببنطال طويل يلامس الارض وسترة ذات أكمام طويلة .. ما المشكلة ؟! .. أهو الحجاب فقط ؟
أشار لها إلى الداخل فتبعته بإذعان ، لقد أدركت بأن ما ترتديه يحدد جسدها قليلا .. لذا شعرت بالخجل من نفسها .
جلس على الاريكة واشار لها بأن تجاوره ، حين جلست بجواره .. تنهد ليقول بصوت هادئ :
_ أولا : ما أحبش أنك تخرجى فى البلكونة بهدوم البيت وشعرك يكون مكشوف ، مش تسلط منى لكن أنا بحافظ عليكِ من عيون الناس .
أخفضت وجهها بخجل لتقول متلعثمة :
_ أنا مأخدتش بالى ، والبيجامة واسعة وأحنا أصلا فى الدور اللى قبل الأخير .
علق بهدوء متابعا :
_ أيوه احنا فى الدور الأخير ، لكن ده ميمنعش أن حد يشوفك ..
همست بإعتزار خافت :
_ آسفة ..
أكمل كلامه بجدية :
_ دلوقتى احنا قدامنا على ما نسافر مصر أسبوعين بالظبط ، أنا خلاص حجزت التذاكر وظبطت شغلى على الفترة اللى هغيبها ، وقبل ما نسافر عاوزة ننظم حياتنا ونتكلم فى اللى جاى .
اومأت برأسها ليكمل بصوتا جاد حازم :
_ جوازنا جه فجأة ، مأظنش إنك مستعدة ليه ، علشان كده أحنا محتاجين فرصة نفهم بعض ، بالنسبة للناس احنا اتنين متجوزين عادى ، وطبعا لأهلى نفس الشئ ، اللى بينا هيفضل بينا ومحدش هيعرفه .
هزت رأسها بموافقة ، فابتسم بمرح تعرف بتميزه به بالرغم من شحوحه فى الظهور معها .
لتسمعه يقول بابتسامة عريضة :
_ ممكن تقولى أن أنا اطردت النهاردة من الشركة ، المدير بذات نفسه جه وقالى لو مخرجتش نهاد و وريتها لندن متجيش بكره ، أنتِ شكياله منى ولا إيه ؟!
قالها بمرح ولكنها اجابته بسرعة :
_ لا لا والله أنا مقولتش لحد إنى ...
ضحك بمرح ليقول محاولا تهدئتها :
_ أنا بهزر معاكى ، يلا روحى ألبسى ... عاوزين نقضى اليوم من أوله بره .
أسرعت إلى غرفتها راكضة ، هى لم تصل إلى ما أرادت فى حديثه ولكن لا يزال أمامها وقت حتى تفكر وتخطط وتحاول استخراج الانثى اللعوب من داخلها ، علها تجدها وتجذبه إليها .
............................................................ ........................................................
أ اشتكى إلى الجدران وأصراخ " لقد ظلمتنى الحياة "
أم أظل بمخدعى أبغى المنية السريعة .. علها تُريحنى .
شهران مرا .. بدونه كالرياح العادية ، تصدمها بقوة وهى جالسة بمكانها ، تبغى النهوض والوقوع مرة آخرى .
اربع حوائط احتضنتها بألم ، بعدما تركها الجميع .
لم تعرف لمن تلجأ ، أو بمن تستغيث .. فهى هجرت الجميع وبالتالى هجروها .
كان الحل الوحيد لعدم بقائها فى الشارع هو الذهاب لخالتها والارتماء بأحضانها .
فأوتها بمنزلها بحنانها المعتاد .
هل الخسارة هى التى تلاحقها الان .. خسارة روح أم نفس ؟!
بعيدا عن كونها فقدت كل شئ مادى ومعنوى بحياتها .
ولكن هل تبقى لها أنفاس غائرة لتلفظها ام لفظتها وانتهى الأمر ؟!
لم تكن تعرف يوما للضعف مكان بقلبها ، كان الجميع يحيط بها ومهما أزداد الألم تجد من يحتضنها ، وتجد هى من تخفف عنه ألمه .
حتى زهور المتألقة ، اختفى بريقها وذرفت آخر قطرات رحيقها مع زيجة فاشلة ، لإنسان دمره الماضى و أذاب عقله الإنتقام .
ومن لا يصدق بأنها يحدث لها ذلك ولزهورها نفس الشئ ، بنفس اليوم .
أو ليس مؤيد وأدهم صديقان ، وبالتأكيد هما وجهان لعملة واحدة صدئة ؟!
ما العمل الأن يا ميساء ؟!
لقد ضاق بكِ السبيل ولم تجدى من ترتكزى عليه ، ولإن ظل الحال على ما هو عليه ، ستفقدين آخر رمق بهذه الحياة .
الترتيب أولا
وبقدمة الخطط ، لابد من أن يدفع كل شخص ثمن أفعاله .
واولهم بالائحة .. زوجة والدها سها ولكن ماذا ستفعل لها ؟
انتفضت من شرودها على صوت هاتفها ، فتركته يصرخ كما يريد ، مرة وآخرى .. حتى سأمت من أن يتركها المتصل بشأنها .
تعجبت من الرقم الغريب ولكنها اجابت لعل الأمر هام .. ليأتها الصوت الذى لم تتوقعه ، مبحوح ويحمل بين نبراته الكثيفة الألم !!
_ ميساء ؟!
والاجابة كانت زفرة حادة ، وشهيق طويل .. ثم تلاهم إغلاق لجفون العين ، ودموع تلالأت فى مضجعها تحارب لنيل حريتها من أسرهما .
الغبى الابله ، لما عاد .. أعاد ليذكرها .. أولم يطلقها ويحررها ، أولم تنتهى منه .. فلم الأن .
جائها صوته ضائعا مستغيث بها :
_ ميسائى ...
وإن انتظر الاجابة .. فسيطول إنتظاره .
عم الصمت بينهما ، لا يقاطعه سوى صوت أنفاسهما الثائرة ، فأنفاسها متسارعة بإنفعال والآخر بشوق ولهفة مع لمسة من الألم .
كان عليه أن يقطع الصمت ، كان عليها أن تجيب ، فأجاب هو ليريحها من تلك المعضلة :
_ عاملة إيه ؟!
والسؤال كان بمنتهى الغباء ، والاجابة كانت أكثر غباءا :
_ تفتكر الدبيحة بعد ما تطلع الروح بتحس بحاجة ؟!
لا هى لم تفقد إحساسها ، فها هى أنفاسها تتسارع بسببه ، وروحها تصرخ بها " أريدك فلا تتركنى " ، وقلبها يتقلب بمضجعه يريد أن يخرج من موضعه ويقول له " لا تتركنى "
سمعت همسه الأجش الخشن :
_ لا يا ميساء .. أنا مدبحتكيش ، لو فكرتى بمنطقية ، هتلاقى أن اللى عملته معاكى كان رد فعل ضعيف بالنسبة للصدمة اللى أخدتها .
أيريد أن تمطره سبابا وتخرج الكائن الهمجى بداخلها ؟!
الوغد .. بدلا من أن يقر بذنبه ، يتبجح بكونه كان لطيفا فى المعاملة مع الوضع الشنيع .
لا تعرف لما وبهذه اللحظة تماما ، إندفعت ذكرى ليلة الزفاف بعقلها .. لتعصف بكل مشاعرها الحمقاء تجاهه .
فها هو المتيم بحبها كما لقب نفسه ، يقف امامها كالوحش .
يترقب الفرصه ليهجم على فريسته
اخذت نفسا عميقا .....وواجهته بقوة :
_ أنا معملتش حاجة غلط .
صاح بغضب اعمى فى وجهها :
_ بتقولى ايه ......امال الصور دى لمين ؟!
توترت نظراتها واختفت الشجاعة من صوتها :
_ سيبنى اشرحلك .
كانت تلك الكلمات التى نطقت بها كافية بأن يهجم عليها ويلتقط شعرها بين يديه
ليهمس لها بفحيح بجوار أذنها :
_ أقسم بالله لتشوفى ايام محلمتيش بيها ... أنا مؤيد عبدالرحمن واحدة ذيك تضحك عليا .
صرخت بغضب وهى تحاول أن تتملص من يديه:
_ أنتَ تعرف ربنا اصلا .
هوى بكفه على وجهها بقوة ... فترنحت من شدة كفه ولكنها لم تسقط ارضا .
صاح بها بغضب شديد :
_ متعليش صوتك عليا
، أنتِ لسه مشفتيش حاجة .
اتجه الى خاج الغرفة فظنت أنه سيتركها ولكن بعد بضع دقائق عاد محمالا ببعض الاوراق .
مد لها الاوراق قائلا :
_ امضى .
التقطت الوراق بيد مرتعشة وعيناها تلتهم السطور ، رفعت ناظريها من الوراق الى عيناه الغاضبتان لتقول بسخرية :
_ عاوزنى اتنازل عن كل حاجة ادتهالى ... أنا بالفعل اتنازت عنهم .
اتقدت عيناه بشرارة غضب اعمى والتقطت شعرها بقوة اكبر حتى كاد أن ينتزعه من مكانه :
_ أنتِ بتقولى ايه .. أتنزلتى عن كل حاجة علشان حبيبك .
ودون أن تجد الفرصة للرد كان كفه الآخر يهبط على وجنتها .
تشوشت الرؤية امام ناظريها من قوة تلك الصفعات التى تلقتها .
احست بتمزق فستانها بفعل يديه المتوحشتان وصوته يهمس بأذنها :
_ أنتِ هتبقى هنا مجرد خدامة عندى .
يداه أتخذت طريقها لتكشف جسدها بفظاظة ... فكادت أن تسمح له بنيل ما يريد ولكنها قررت أن تعزبه فهو ليس مثال الشرف ،
فهمست بصوت ضعيف
_ هتقرب منى بعد ما قرب منى غيرك ؟!
احست بتوتر عضلات جسده المحيطة بها ... وشعرت بجسدها يلقى على الارض بقوة .
انتفضت من شرودها والذى كانت صوره تتلاحق أمام ناظريها وكأنها تحياها بهذه اللحظة .
_ ميساء .. أنا عاوز أقابلك .
إن كان الغباء داء فهو مصاب به !! وعلاجه مستحيل المنال .
_ مؤيد .. لو سمحت ، أحنا مبقاش فيه حاجة بينا ، فمتتصلش عليا تانى .
وكادت أن تغلق قبل أن يرق قلبها له ، ولكنها أوقفها قائلا بجمود :
_ اظن أن اللى هيشفى غليلك منى ومن مرات أبوكى اللى هتشوفيه .
انتفضت بإنتباه لتقول بحذر :
_ مؤيد .. أنتَ عملت إيه فى سها ؟! ... أنا قولتلك سيبها .
سمعت ضحكته المتهكمة ، تلاها صوته الخشن يهمس بفحيح :
_ أصل أنا مش اللى يتلعب بيه اللعبة القذرة دى ، ولازم تدفع تمن غلطها ، والتمن بقا غالى أوى يا ميساء وأنا مش بحب أسيب حقى .
صرخت به مذهولة :
_ أنتَ أتجننت يا مؤيد ، عملت فيها إيه ؟!
همس بإشتياق غلب على كلماته :
_ تعالى وأنتِ تشوفى .
تلبستها حالة البرود المعتادة :
_ أنتَ فاكر أنها تهمنى فى حاجة ؟! .. أنا مش عاوزة مشاكل بس .
أتاها صوت ضحكته ليقول بسخرية :
_ منا عارف أنها متهمكيش ، لكن أنتِ تهمينى وتهمنى سعادتك .
والتهكم كان من نصيب الأخرى ، وكلمة السعادة تصف موصوفا آخر لا يمت لها بصلة :
_ سعادة ؟! ..
علّ الحنق الاسود نبرة صوته وهو يقول بإيجاز :
_ ماشى يا ميساء ، لما تيجى وتعرفى اللى أنا عملته علشانك ، هتعرفى إنى بدور على سعادتك .
واغلق الهاتف حانقا ، فسكنت هى بمكانها .. وسكنت كل حواسها .. فلتنتظر ولترى من مؤيد ، وهى تجزم بأنها سترى العجب !!
............................................................ ........................................................
العمل المتراكم .. كم يبغضه ويبغض ضغوطه عليه .
القى نظرة خاطفة على الجالس أمامه منكبا يطالع الاوراق بإنتباه .
لقد تجاوزت الساعة الحادية عشر !!
كل هذا الوقت أضاعاه فى هبائا وهما لا يشعران بشئ سوى تلك الارقام والاحجيات الصعبة .
صفقات تُعد ، وحسابات تراجع ، وأموال ضائعة ، والفضل يرجع للتائه من نفسه مؤيد .
زفر حانقا ، لقد تعب منه ومن أفعاله الطائشة ، هو ليس بوالده لكى يشعر بهذه المسؤلية تجاهه .
ولكنه كالطفل المشاغب ، حين يريد شئ .. لا يكف عن البحث عنه حتى يجده ، فلا يوقفه تنبيه ولا عقاب .
قال اخيرا منحيا التفكير عن ذلك المؤيد :
_ كفاية كده يا أوس ، نكمل بكره .
ألقى أوس الاوراق من يده بسرعة وكأنه تم الافراج عنه للتو ، ليرجع رأسه إلى الخلف ويتنهد بإرهاق قائلا :
_ أنا مش عارف شركة مؤيد دى كانت ماشية أزاى ، بالبركة !! ...ده كل الشغل بايظ تقريبا .
اغلق أدهم عينيه بإرهاق مماثل ، فهو الآخر يتعجب من سير الشركة بمثل هذه التدبيرات الغريبة .
ولكن ماذا يفعل ، ضياع شركة مؤيد .. سيؤثر على شركته وشركة أوس بالخارج .
لأنهما ثلاث شركات متحدات ، وضرر واحدة من ضررهم .
نهض بألم متشنجا من الجلوس على الكرسى طويلا ، ليشير إلى أوس وهو يلتقك سترته :
_ يلا يا أوس ، ولا هتبات هنا ؟!
نهضت الآخر متململا .
_ كان بودى والله .
ألقى أدهم نظرة ساخرة وقال :
_ ليه مش عندك بيت وعيال .
زفر أوس بحنق مجهد ، ليقول بحدة :
_ مش عاوز أرجع البيت ، وأشوف جدتى وأمى وكلهم بيغنوا على نفس الوتيرة ، هات أم لأبنك .
إرتفع حاجب أدهم بإستنكار ، ليقول بهدوء :
_ وده اللى المفروض تعمله ، وبعدين إيه السبب فى إنك تبعد عن ابنك كده ؟! .. أنتَ كام مرة شوفته من وقت ما جيت ؟!
أغمض أوس عينيه بسألم ليقول بإهمال :
_ ولا مرة يا أدهم ، عاوز إيه ؟!
إلتفت له أدهم مذهولا ، ليقول بسخرية :
_ وبتقولها بنفس راضية ، وبتسألنى ببرود عاوز إيه .. هو ده مش أبنك ولا إيه ؟!
وأزاى متشفهوش من وقت ما جيت ، إيه الأهم فى حياتك أكتر من أبنك ؟!
مضى أوس إلى المصعد ، ليغلقه بعدما دخل أدهم ويقول بوجوم :
_ أدهم ، أنا مش بحب دور الأب النصوح ، ده ابنى وأنا حر فى تربيته .
صدر عن أدهم ضحكة مستنكرة قصيرة :
_ ده على أساس أنك موجود معاه علشان تربيه ولا حتى تشوفه .
أسمع يا أوس ، أنا مش بحب دور الاب الناصح ولا بحب حد يعيشه عليا ، لكن اللى بتعمله ده غلط ، أنتَ مش عارف أن ممكن فى اللحظة دى يكون ابنك محتاجك وأنتَ مش جنبه ، ممكن يكون عاوز يشكيلك وأنتَ مش مهتمله ، متكونش أب بالأسم وأنتَ مجرد هامش فى حياة أبنك ، لأن هيصادف يوم وهتحتاجله .. أو هتحن ليه ، ووقتها هتلاقى بذور البعد اللى زرعتها بينكم نمت وكبرت وغطت على شوق الاب لابنه ، والابن لابوه .
وابتعد مغادرا ما إن فُتح المصعد ، ليقف أوس تارة بمكانه .. ثم يتحرك مغادرا .
حق قول أدهم رغم عدم أتفاقه مع فى بعض الأراء .. ولكن كيف السبيل إلى القرب ؟
............................................................ ........................................................
تشتت ، ومن ثمّ ضياع !!
نظر الى الأوراق أمامه بضيق ... منذ بضع ساعات وهو منكب على هذه الاوراق بجهد ... يريد أن ينهيها الا أن عقله أبى أن ينصاع له .. فصورتها دائما ما تداهمة بقوة ،تجتاح عقله عاصفة بأفكاره وتخطيطاته .
ولا يعلم لما تتجسد صورتها وهى تبكى بألم .. تزرف الدموع ببطئ ... تناجيه بدموعها أن ينجدها ... يلحقها ولا يتركها لضياعها ..
لقد إعتقد منذ زمن بأنه نساها ... بعد أن تركته غاضبة حانقة ... وقد أهانته أمام جميع موظفيه برفضها له العلنى بوقاحة ....
لا يستطيع طرد تلك العينين الخضراوتين من مخيلته ... وهى تبدوا الان حزينتان متلهفتان له ... تناشدانه كى لا يتركها فى ألمها .
يتسائل وجدانه ماذا بها ؟ ... يكاد يخرج من مضجعه ويهرب إليها ... لربما سبر أغوارها وعرف ما تكن له .
زفر نفسا ملتهبا وهو يلقى بالقلم من يديه ... تلك المحتلة ...إحتلته كليا ...إحتلت عقله .. قلبه وسكنت روحه .... فبأى حق تهرب بهذة السرعة ،وبأى حق تتركه مولية له ظهرها .
وبأى حق يخنع القلب عند قدمها متوسلا رضاها .
أغمض عيناه بقوة محاولا إبعاد صورتها التى تنهش عقلة بقوة ...تحتال على أحاسيسه .. وتتلاعب بدقات قلبه .
يا إلهى أنا مقدما على زواج ولا أزال متعلقا بتلك ... والاسوأ أنى أدعيت حبها ؟!
وقف تفكيره عند تلك النقطة البعيدة ... وشردت عيناها على ذكرى قريبة ...
حين إتجه بكل عنفوان إلى منزل أخاها طالبا يد إبنة عمه لم يكن هذا ما صدمه .. بل تلك الكلمة التى خرجت بسلاسة غريبة من بين شفتاه ... لا يعرف أكانت تُقصد بها هى أم سواها ... كلمة كالسيف صدمته قبل أن تصدم أخاها الذى تسمر من وقعها عليه
" أحبها " متى أحبها وقلبه متعلق بأخرى ...
كيف أحبها وهو لا يزال على عشق أخرى هجرته ...
أهو عته أصابه فى تلك اللحظة التى سأله أخاها بحنق لما يريدها وهو الذى لم يريدها يوما ....
فتسلسلت الاجابة من بين شفتاه دون حساب أو تفكير ... لتُصدمن من صُدم ... وتُسكت من سكت .
ليكون هو أول الصادمين ..... وآخر الساكتين .
وهو يدرك ببلاهة ذلك السهم الضارب الذى رماه لتوه ... سهما لم يتوقعه ولم يحسب حسابا لقوة وقوعه على ذلك الواقف أمامه حينها .
فتح عيناه بقوة وهو يزمجر بنفسه
هل أصبحت الأن مشتت ولا أعلم ما أريده؟ ... هل أصبحت ضائع القلب .. تائه الروح ؟!
ماذا أريد .....
هذه أم تلك ؟!
وكانت المقارنة سريعة بين هذه وتلك
لتصبح النتيجة مفترق طرق ... أما هذا وأما تلك ....
وبكلا الطرق الهلاك ...ولكن هلاك عن آخر يختلف
فهناك الهلاح الحلو ... والهلاك المر .
وهو من المفترض أن يقرر أى الهلاكين يختار
نهض عن كرسيه بعنف متجها الى شرفة المكتب ...ليقف واجما .. مكتفا ذراعيه .. مستندا بجانبه إلى الجدار بجواره .... رافعا نظراته إلى السماء المظلمة والتى إختفى منها القمر .
أى ليلةً مظلمة هذة والتى تشابه ظلمة روحه وعقوق نفسه ...وجحود عقله وقلبه .
فك عقدة يديه ليرفع إحداهما إلى قلبه متنهدا بألم .
" لما أنت هنا تسبب الالم ... لما لا تكون عضوا صامتا كالباقى ... كانت لتكون معادلة الحياة أفضل لولاك ... فأنا قط لم أحسب لك حساب ايها المخادع المراوغ "
تقع بهوى من تحب .. وتزرف دموعك من أجل من تحب .. تكسر رجلا لأجل إمرأة تركتك .. وتذل رجولة لأجل من تهواها أيها الوغد .
تذكر حديثهما الاخير ، حين ذهب إلى منزل شقيقها ، استقبلته بالحديقة الخارجية .. وعلم حينها ما حدث لأسرة زوجته .
كان يريد أن يذهب معها إلى مصر ولكنها أوقفته بحزم :
_ ياسين .. إلى هنا وكفاية ، انا مش بحب اللف والدوران ، أنا وأنتَ ملناش حياة مع بعض .. وموضوع الجواز ده لازم ينتهى ، أنا مش عاوزة جواز على أساس الشفقة ، لأنه ملهوش أى قيمة ولا لزمة وهيتهدم بأسرع من لما يتبنى .
حاول الإعتراض لكنها باغتته :
_ أياً كان اللى قاله او عمله عمى خلاك توافق تتجوزنى فأنا مش موافقة ... اللى حصلى مزدنيش إلا قوة والقوة دى هحارب بيها اللى هيحاول يوجعنى تانى .
ثم وبكل هدوء أنهت الجلسة ، وذهب بطريقها إلى المطار .. وذهب هو بطريقه إلى الضياع
............................................................ ........................................................
" الموت هو سنة الحياة "
ومن لا يؤمن بذلك ، ولكن نقطة الضعف هى الفراق ، وإن كان فراق الاحبة فهو نقطة كسر .
الضربة تلقاها كاملة على رأسه ، عائلته كلها وقف ليحملهم إلى قبورهم .
والأكثر ألما حين حملها هى ، ليهبط بها بهدوء إلى الارض الباردة الموحشة ، ويلقى عليها التراب مدثرا إياها تحت الارض .
فيصبح وحيدا ، بعدما غادرته الروح ساكنة بجوارها .
يحلم ويتخيل ما تلاقيه بعيدا عنه ، يمنى نفسه بأن يسارع للحاق بها .
يعد أيامه للوصول إلى النهاية .
انفلتت دمعة من أسرها ، لتهبط على المصحف الذى يمسكه بيده .
لقد فر من الناس جميعا إلى بيت الله " المسجد " ، يقضى به اليوم بطوله ، وحين يأتى وقت النوم .. يذهب إلى بيته غير متعجلا ، يوم لو تختضنه الشوارع المظلمة عوضا عن الكوابيس المؤلمة .
رفع رأسه إلى الاعلى مغمضا عينيه ، ومتمتم بألم يدعوا الله :
_ يارب أغفر لها ذنوبها ، واغفر لى ذنوبى واجمعنى بيها فى الجنة .
هذا كان دعائه على مدار شهرين متتابعين ، يستغفر ويصلى ويدعوا ويبتهل بالليل كى يغفر الله ذنوبه وذنوبها ، ويجمعهم فى الجنة فقد فارقت بينهما الحياة .
التفت إلى هاتفه الجديد ، لقد ترك هاتفه الآخر فى المنزل لأنه لا يريد أحد أن يتواصل معه ، أو ببساطة لأنه هرب من الناس !!
ولكنه أحضر هذا لكى يستطيع التواصل مع شقيقته التى تسكن معه فى شقته .
رفع الهاتف إلى أذنه ليقول بهدوء :
_ السلام عليكم .. آه كويس .. وأنتِ .. هتروحى فين ؟! ... عندك اصحابك .. طيب روحى بس متتأخريش واتصلى بيا طمنينى إنك وصلتى .
اغلق الهاتف معها على وعد بإتصال قريب حين تصل إلى رفيقاتها .
............................................................ ........................................................
|