كاتب الموضوع :
Enas Abdrabelnaby
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: أسيرٌ من الماضى (2) سلسلة جروح العشق الدامية
الفصل الثانى
أحيانا ..
لا يعود بوسعنا أن نفتح صفحة جديدة ..
لأن دفتر تسامحنا السميك قد نفذ ببساطة ..
و عندما لا يغفر لك قلبا طيبا في أصله فلا يعني ذلك أسوداده أنما يعني
أن خطؤك فاق عفوه .. أوليس العفو مرهونٌ بالمقدرة !!
******
القوة .. ليست دائماً فيما نقول أو نفعل .. أحياناً تكون فيما نصمت عنه .. فيما نتركه بإرادتنا .. أو فيما نتجاهل عن فهمه
R_M
******
الحياة عاصفة عند البعض وهادئة عن البعض الآخر .
دلف إلى المنزل المظلم ... فتحسس جدران حائطه بحذر إلى أن وصلت يداه إلى مفتاح الإضاءة .
فأنارت الشقة أمامه ....نظر للشقة الواسعة بتعجب ... وعينيه تتجول بها باحثة عنها .
إتجه مباشرةً إلى غرفتها أو غرفته التي إحتلتها بعد زواجهما .
فتح الباب سريعا ليتسمر أمامه وهو ينظر للداخل .
لانت ملامحه المرهقة ....وإرتسمت ابتسامة دافئة حنونة على وجهه .
إستند إلى إطار الباب بكتفه .....وعقد يديه بإستمتاع وعينيه تطوفان بتلك التي أستوطنت سريره بأريحية .
لوحة من الجمال ارتسمت أمامه .. لطفلة بريئة الملامح ....نائمة فى فراشها بوداعة لطيفة .
تناثر شعرها الأشقر الطويل على الوسادة .... فبدت لوحة من البرائة ممزوجة بجمالها الأخاذ .
مع بيجامتها الزهرية .....والتى نقشت عليها فراشات صغيرة ملونه بألوان مبهجة .
فكانت كقطعة حلوى زهرية و شهية .
اقترب منها ببطئ وكأن مغناطيسا يجتذبه إليها بقوة لا يقدر على ردعها .
وقف أمامها يتأملها عن قرب .. يتشرب ملامحها الطفولية الرقيقة .
بوردية وجنتاها وذلك لبرودة الطقس ... و عينيها الزرقاء بلون الموج الثائر والتى أسدلت عليهما ستار جفنيها .
نمشاتها البنية الرقيقة و التى تألقت تحت عينيها وعلى أنفها ...و عند حاجبها الأيمن .
شفتاها المكتنزتان .... باللون الوردى الغامق شهيتان ، تجعلانه يفكر برعونة غير معتادة !!
اندلعت من بين أفكاره فكرة عاصفة ...ملتهبة تقوده إلى تذوق تلك الشفتين .. وإرتشاف بعضٍ من رحيقهما .....و تذوق ما لم يذقه من قبل .
أشاح بوجه وهو يلعن أفكاره الغبية الغريبة !!
إنها المرة الأولى التى تنتابه تلك الهواجس .... كيف له أن يفكر بمثل هذه الامور ....ومعها هي ؟!
إنها أمانة لدية ... أهكذا سيحافظ عليها ؟!
نهر نفسه بقوة وهو يعقد حاجبيه بإستغراب .. كيف ذهب تفكيره إلى تلك النقطه البعيدة ؟!
ولكن الأن ... يشعر بأنه لم يعد يطيق الصبر ... لم يعد يقدر على كبح نفسه عنها .. فما هو سر إنجذابه لها ؟!
تلك الطفلة النائمة فى سريره بملائكية .... أشعلت به ما أطفأه منذ سنوات .
نفض رأسه مرة أخرى بحزم .....ولكنه لم يقدر على الإشاحة بعينيه عنها ....فنظر لها بعمق .... وهو يعاود تأملها .
لم يستطع منع يديه من أن يبعد خصلاتها الشقراء التي تعوقه عن تأمل وجهها .
لامست أطراف أنامله بشرة وجهها الناعمة .... وسكن كفه على وجنتها وكأنه فقد القدرة على التحكم بجسده .
كفه على وجنتها ...تتلمسها بمحبة ..تستكشف نعومتها .
يداه طالبت بالمزيد من اللمسات الجريئة ... فلم يقابل الرفض من العقل .
فتجرأ إبهامه على ملامسة شفتيها ....واستقر على شفتها السفلى المكتنزة ..... يتحسسها بشرود .
أشرف عليها بجسده ...ومد يده الحرة ليجذب الغطاء عليها .
لم يشعر بنفه وهو ينخفض اليها ببطئ ..... يلتقط شفتها فى قبلة سريعة .....خاطفة .
بعد لحظات إنتفض واقفا بسرعة ... ينظر اليها بذهول .
هل يخيل إليه أم أنه قبلها ؟؟!
تردد السؤال بعقله .....وهو يقف مذهولا لا يعرف هل حقا ما فعل .
أي سلطانٍ تمتلكه تلك الفتاة على جسده .... لتلغي به عقله ....وترسله إلى عالم الضياع
وتتحكم بجسده .
تلك الفتاه لها سحر خاص .
نغمة منفردة ... شعر بها فى أول لقاء لهما .
تلك الفتاة و التي أصبحت تمتلك أسمه .... وتحتل غرفته ....وتنام على سريره ....
لها لونٌ آخر من ألوان الأنوثة ... لها لونٌ مختلف ... يجذب به الكائن الهمجي الخفي من شخصيه المهندس المتزن ..... العاقل !!
*******
الحب كان بالنسبة لها تجربة ، أرادت المضي بها مع آخر شخص قد تفكر به .
أتلوم نفسها على حبه ؟! .. أم تصرخ به مطالبة بحقها فى نظرة من قلبه الأسود المفعم بالكراهية والحقد فقط .
أهو الغباء برمته أن تحب شخصا مثله ؟!
سعي حياته هو الإنتقام !!
دائرة الانتقام دائرة مغلقة
يدور بها الجميع حول بعضهم البعض
لا أحد يعلم أسبابها
ولكنهم يعلمون مركزها
ومركزها هو مقتل مرام !!
مرام .. لقد كانت رفيقة الروح ، إلا أنها لم تكن الملاك الذى تصورته فى البداية ، فمع مرور الوقت على صداقتهما ، كانت تخلع رداء البرائة بمكرٍ ودهاء ، لتصل إلى غايتها ، وغايتها كان هو .. مؤيد !!
حسام كان طرفا قصي فى المعادلة ، فلم يتدخل يوما بشئون مرام ، هي حتى الأن لا تعرف ما العلاقة التى تجمع مرام وحسام .. فكلاهما غامض ، من الصعب إستخراج الكلمات من فمه ، يحكمان الخطط بدهاء ، ليوقعا الفريسة أيا كانت .
للحق هى تشفق على مؤيد ، فهو كان فريسة مرام والأن هو فريسة حسام .
وكلا الأثنين لم يتخلى يوما عن الإيقاع بفريسته .
ولكن مرام كانت أول من تخلت عن الفريسة حين ودعت الحياة بطريقة درامية دامية .
أغمضت عينيها وطافت ببحور الماضي ، لتتذكر تلك اللحظات القاسية التى شهدت بها إنتحار مرام .
ألقت الهاتف بألم ، لم تعد تطيق تلك الفتاة .. منذ تعرفت عليها وهى لا يأتِ من ورائها سوى السوء ، عالما لم تعرفه يوما ولم ترغب بمعرفته يوما ذلك الذى سحبتها إليه ببطئ .
أُناس غريبون ، وعالم أسود أكثر غرابة ، وتصرفات مجنونة ، لم ترق لها .
التفتت إلى هاتفها مرة أخرى والذى لم يكف للحظة عن الرنين .
ألتقطته بسأمٍ وضيق لتجيبها بصراخ :
_ مرام لو سمحت أنا مش عاوزة أعرفك تاني .
جائها صوت مرام غريبا ، وكأنه ميت تقول لها :
_ دي آخر مرة ، تعالي على العنوان ده .... وهاتي معاكي مؤيد وحسام .
صاحت بقلق بعدما تعجبت صوتها :
_ مرام إنتِ صوتك ماله ، وعاوزة إيه مننا ؟!
ولكن الهاتف قد اغلق ، فنفذت ما طلبت بدون إقتناع .
وصلت برفقة مؤيد وحسام المتعجبان إلى بناية عالية ، فإستقلوا المصعد للطابق الأخير .
طرقوا باب الشقة التى أخبرتها بها فى الهاتف ، ليفاجئوا بأنه مفتوح .
دلف ثلاثتهم إلى الشقة ، ينادون عليها إلى أن سمعوا صوتها يناديهم من إحدى الغرف .
أتجهوا سريعا إلى الغرفة ليجدوها تقف على سور الشرفة .
لن تنسى أبدا ملامحها الغريبة ، وجهها الخالى من مستحضرات التجميل ، حول عينيها أسود بطريقة مخيفة ، شفتيها زرقاوتان ، ووجها شاحب للغاية .
نظرت لهم ببرود وقالت بصوتا متجمد :
_ اللي هيقرب من هرمي نفسي .
هتف مؤيد الذي كان إستفاق من ذهوله أولا :
_ مرام ليه كل ده ، أنزلي علشان نتكلم براحة .
وجهت نظرها له لتقول :
_ معدش فيه حاجة نتكلم فيها .
قالت بقلق وإرتعاب من أن تلقي نفسها :
_ مرام مفيش حاجة فى الدنيا تستاهل أنك تنهى حياتك .. إنزلي .
تحركت شفتيها الزرقاء بهمس ، ثم تعالى الهمس قليلا :
_ أنتِ عارفة أنا قد إيه أذيتك ، ومع ذلك خايفة عليا بالرغم إني مش حاسة بأي ذنب تجاهك .
صمت قليلا لتنظر إلى من كان يقف خلفي أنا ومؤيد
_ حسام القلادة فى البير ، دور كويس وهتلاقيها .
إمتدت يدها لتأخذ شيئا ما من بنطالها ، لترفعه إلى رأسها ويتضح بأنه مسدس .
_ ياه .. ياما فكرت أموت نفسي ازاي ، بالبرشام ولا المخدرات ولا الرصاص ، لحد ما قررت إني هموت نفسي بكل الطرق .
صرخت بها وهى تقترب منها ببطئ ، ولكن كان قد فات الاوان وقد إنطلقت رصاصتها فى طريق مستقيم إلى رأسها ، ليتهاوى جسدها إلى الأسفل .
فكأن أبشع منظر رأته بحياتها ، تكفى مشاهدت جسدها الذى يطير فى الهواء بسرعة ، ليحط على إحدى السيارات المتواجدة بالأسفل بقوة .
صرخت حينها .. صرخت بقوة ولا تكاد تلتقط أنفاسها ، وكذلك كانت تسمع صرخات مؤيد وصوت بكائه ، إلا أن ما لفت انتباهها هو وجوم حسام .
فهو لم يتحرك لإنش واحد !! .. لم يتأثر بأي شئ ، بل إلتفت مغادرا الشرفة بهدوء عجيب أثار فى نفسها الريبة .
ولكنها وجدته ينزع ملائة السرير المتواجد بالغرفة المجاورة ، وهبط إلى الاسفل ، ودخل بين الحشد المتجمع حول مرام ، ليضع الملائة عليها بهدوء .
لتتلاحق الأحداث ، ويبتعد الجميع عن بعضهم .. هى حتى الان لا تعلم كيف عاد حسام لرفقة مؤيد ..
نفضت رأسها بقوة تبعد عنها ذلك الموقف البائس الذى كان يطاردها لمدة عامين ، ولا يزال كذلك .
******
نظرت إلى المبنى المتكون من عدة طبقات قديمة الطراز ....متهالك الجدران .....
الاطفال يلعبون عند مدخله ......
فى هذا المبنى نشأت فيه و ترعرعت بجوار عائلتها بحب وحنان غلفهم جميعا .
لم تكن تعلم بأن ذلك الغلاف المتين الذى جمعهم سيأتى أحدا ويمزقه .....وبأقسى الطرق على قلوبهم .
والدها ....سندها بالحياة ....مركز قوتها .... إختفى فجأة من حياتها ....ليتركها مشتتة ...
ضائعة فى دوامة إنتقام ليس لها قرار .
بل ومتهم أيضا بالقتل ! ..
ومن من .. من زوجها ... لا بل طليقها .
كيف واتته الجرأة أن يقول هذا عن والدها ... كيف إستطاع إتهامه بالقتل ....؟!
وكيف يطلب منها التصديق ....وإقرار بأنه الجاني ....وهو ليس بجاني .
تبا لك يا أدهم ....تتلاعب بعقلي .... تحوم حول أفكاري وتبعثرها ....تمزق رابطة نفسي ببطء ....بعدما مزقة رابطة روحي .
ماذا تريد مني بعدما خذلتني ....
تسللت إلى نفسي لتبعثرها ....ثم إلى تفكيري لتشتته ....وماذا بعد ؟!
قتلت روحي بنصل إنتقامك الواهي .. وماذا بعد ؟!
إستفاقت فجأة من شرودها على صوت طفلٍ يطلب منها أن تركل الكرة التى أمامها له .
فخفضت عيناها إلى الكرة بجمود .....
" لما الانتقام حكرا عليه "
تلاعبت العبارة بعقلها وهى تنظر إلى الكرة بشرود ......
لم تأبه بصيحات الطفل المتذمرة ....لم تأبه بأى شئ سوى بتلك الخطة التى بدأ عقلها بنسج خيوطها .
أتريد لعب الإنتقام يا ملاكي
إذا فلنلعب ....ولترى أنثى غير من رأيتها .
لترى أنثى أشعلتها الكرامة للإنتقام
لترى أنثى ولدت بين يديك
لترى أنثى حطمت كرامتها بيديك
ركلت الكرة بقوة تجاه الطفل المتذمر .... ليبتعد بذعر وهو يستشعر قوة ركلتها .
جذبت حقيبتها الصغيرة خلفها وهى تسرع لتدخل من باب المبنى .....
صعدت السلالم المتهالكة إلى أن وصلت إلى الطابق الثالث ......
وقفت امام الباب مترددة ....متألمة ...رغم ما تحلت به من شجاعة على النهوض .....إلا أن ما ستفعله الأن سيكون أكثر ألما لها ....حين تعود إلى والدتها الوحيدة تجر أذيال الخيبة .
رفعت كفها الصغير إلى الباب بتردد ....ولكنه تسمر أمام خشب الباب بإنشات ....
نظرت مطولا الى الباب ....وهبط كفها إلى جوارها عاجزا ....
لم تشعر بتلك القطرات الدافئة التى إنسابت على وجنتها الناعمة ....تأخذ طريقها إلى الأسفل بروية مهلكة .....مع إنحنائة رأس أثقلتها الالام .....
شعرت فجأة بأحدهم يقف خلفها ....لم تستدر ولم تعر له أى أهمية .....بل تتصارع بداخلهل رغبة بأن يرحل سريعا قبل أن تنفجر به ، ويكون اول ضحايا اليوم .
ولكنه لم يرحل بل ظل يقف خلفها ويتفحصها بعيناه بإهتمام .
فزفرت بغصب " عليه اللعنة ، هل هو بأتم الاستعداد لملاقة الوحش "
إلتفت لذلك المتطفل بعدما مسحت دموعها بيديها بقوة ......كادت تنهال عليه بالعبارات الحارقة علها تشفى الغليل المتقد بداخلها .
ولكنها تسمرت بمكانها حين رأته .....ينظر لها بعينين متلهفتين .....يسئلها بعيناه قبل لسانها ماذا حدث معكى يا ملاكي ؟!
أخفضت رأسها بخجل من نظراته .....لا تعلم لما وضعه القدر أمامها الأن .....وهى بتلك الحالة ... ليرى ضعفها وهزيمتها .
سمعته يهمس بصوته الدافئ وهو يلاقيها بنظراته المهتمة :
_أزيك يا زهور .
السؤال عاديا .....ولكن الإجابة ليست عادية
عندما يُسأل هذا السؤال ....فما الإجابة المعتادة عليه ؟!
سألت نفسها بغباء ....لتهمهم بكلمات من المفترض بأنها إجابة على سؤاله ...ولكنه إكتفى بها .
ليتبع قائلا بهدوء :
_سيف عامل إيه فى بلاد الغربة .....وحشني أوي و نفسي أكلمه بس مش عارف رقمه الجديد ، وأول ما جيت من سفرى قولت لازم أنزل أخد الرقم من والدتك .
همست بصوتا غريب ، مجهد ومتعب :
_كويس الحمد لله .
أمن المفترض أن يقبل هو بتلك الإجابة ، سأل نفسه بجزع ، ليكمل محاولاً الخوض بمجالٍ آخر :
_وأنتى يا زهور عاملة إيه ... أخبار الجواز إيه ؟
و تحشرج صوته فى نهاية كلامه .....ليصمت متألما من تلك الحقيقة التى رفضها منذ علمها .....رفض التصديق أن الفتاة التى أختارها لتكون ملكة حياته سُرِقت فجأة منه ....لشاب أقل ما يقول عنه أنه كامل المواصفات المطلوبة بعريس ......
أخفض عيناه بألم ليواري تلك النظرة المتألمة .. عندما سمع تنهيدتها المختنقة وصوتها المتحشرج يجيبه ببرود مصطنع :
_ الحمد لله .
اجابته بإختصار ليس باردا ولكنه مُرضي لها ... فماذا تقول ، يكفيها قولاً فالفعل أصدق من الكلام .
فلم يعد للكلام معنى فيما يحدث معها ، فقط هو صراع القلب والعاطفة ، وعليها إجبار العاطفة هذه المرة على الخضوع للعقل .
ولتخرج عقل المهندسة الأصيلة ، ذو الدوائر والاسلاك الشائكة ، ولتجعل أدهم يمسك بالأسلاك الممغنطة ، علها تعدل من شحنات عقله .
إستفاقت فجأة على ذلك الذى تنحنح أمامها وهو يشير تجاه باب شقتهم :
_ أنتِ مش هتدخلي ولا إيه ؟! ... أنا هاخد الرقم بسرعة من والدتك ..... أو لو معاكي الرقم يبقى أفضل .
نظرت له بحيرة وهى تفكر ، أين تحتفظ برقم شقيقها ؟! إنها بالتأكيد بحاجة لجلسه هادئة وإعادة ترتيب الأفكار و الأولويات بعقلها ، الذى من الواضح أنه أصابه فيروس قضى على معلوماته .
لم تفكر كثيرا وهى تطرق باب شقتهم ، لتفتح والدتها الباب وتناظرها بدهشة لتلقي بنفسها بين ذراعها ، غير عابئة بأي شئ سوى إحتياجها لمثل هذا الحضن الدافئ .
كان يراقبها بحسرة وألم ، يخشى بأن تكون أساءت الإختيار أو تعجلته ، فكانت هذه هي العاقبة ، ترى ماذا فعل معها هذا الذى تزوجته ؟!
كيف إستطاع تمزيق زهور التوليب ؟!
أوليس لأحد أن لا يعشق زهور التوليب ؟! فكيف إن أذاها ؟! .. إذا فهو غبى .
بدأ العد للعشرة ، واحد .. أثنان .. ثلاثة ..... عشرة ، إلتفت عائدا إلى منزله فهو لا يريد أن يقطع هذه الأحضان الباكية ... إلا أن والدتها أستوقفته قائلا :
_ رايح فين يا معاذ ؟! .. كده برضوا تمشي منغير ما تاخد اللي عاوزه ، ومش تسلم علىّ وتقولى وحشانى يا أم سيف ؟!
قالتها بعتاب لائم لمعاذ الذى إلتفت لها ليسلم عليها مبتسما ، فلطالما أحس بأن هذه المرأة مثل والدته بحنانها وحبها لجميع أطفال الحي .
ابتسم بحب لها ، وعينيه تطوف بمن وقفت جوارها تخفي وجهها الباكي خلف والدتها ، لطالما ظلت زهور التوليب هى زهور التوليب ، بنفس صفاتها وحركاتها ... فقد كانت دائما تهوى التخفي بوالدتها ، وها هي عادتها لم تتغير .
_ الواد سيف واحشني أوي ، وحبيت اطمن عليه وقولت أخد رقمه من حضرتك .
ابتسمت بحبور رغم خوفها مما جاءت عليه إبنتها :
_ حضرتك برضوا ؟! واضح انك عاوز إعادة برمجة زي ما بتقول زهور .. طب اتفضل جوه وانا هجبهولك .
إعتزر بأدب قائلا :
_ معلش يا أمي ابقى أجي يوم تاني .
أعطته الرقم فإنصرف على الفور ، فإتجهت إلى غرفة إبنتها التي كانت تفرغ حقيبتها .
وما الإنكسار إلا رداءاً أُجبرت عليه .
هكذا كانت تمني نفسها وتصبرها وهى تفرغ حقيبها بقوة ، لتسمع صوت والدتها الهادئ :
_ سيبي الشنطة وتعالي نتكلم سوا .
جلست بجوارها زهور على الأريكة ، لنجد والدتها تبتسم بشرود حزين .. وكأنها تتذكر أحدهم ، لم ترد مقاطعة شرودها فتركتها إلا أن والدتها قالت بشوق حزين :
_ تعرفي يا زهرتي ، أنا من يوم ما شفت أبوكي وأنا مغرمة بيه ، بشخصيته وشكله وتعامله وسيرته بين الناس وحبه للمساعدة والمشاركة ودوامه على الصلاة بالمسجد ، كنت شيفاه ملاك بعيد المنى ، استناه كل يوم فى البلكونة علشان أطمن إنه رجع من شغله .
وهو ولا كان بياخد باله ، وبصراحة أنا مكنتش عاوزة أبين أي حاجة كل اللي كنت بعمله إنى أدعي ربنا إنه يجمعنا فى الحلال .
فى يوم فقدت الامل أننا نتجمع ، واتقدملي عريس وقولت خلاص أنا راضية وهنسى وهعيش مع رزقي ، واتخطبت وكنت على وشك الجواز بس حصلت مشكلة كبيرة بين اللي كان خطيبي وجدك ، والجوازة باظت قبل يومين من الفرح ، وطبعا عارفة كلام الناس اللي مش بيرحم وكمان اللي كنت هتجوزه كان راجل شيطاني اوي وطلع كلام بطال ، وبرغم أن كل الناس عارفة أخلاقي في المنطقة لكن طبعا كان فى نفوس مترقبة .
قعد سنة بعد الموضوع ده ، لا عريس ولا شُغله ولا مشغلة ، وطبعا كنت زي الحمل على أهلى ، وبقي همهم إزاي يجوزوني لأيٍ كان .
أراد السميع العليم أن أول حد يخبط الباب هو أبوكي ، وجدك قال مبدهاش وجوزني ليه خايف من أنه يهرب .
والدك بعد موضوع خطوبتي أختفى ، ورجع ظهر بعد سنة لما أتقدملي ، أنا معرفش حاجة عن الفترة دى ، معرفش كان فين ولا بيعمل إيه .
شغل أبوكي كان بسيط ، يادوبك بيكفينا ، بس كنت مبسوطة جدا معاه ، وحملت فى سيف بعد كده أنتِ يا زهرتي .
تعرفي أنا ندمانة لحد اللحظة دي ، عارفة ليه ؟!
نظرت لها زهور مستفهمة ، لتكمل والدتها بصوتا مشروخ :
_ لأني التلاتين سنة جواز ، أنا مقلتش لأبوكى إني بحبه .
إتسعت عينا زهور بذهول ، لتطالع وجه والدتها الحزين وعينيها التى بدأت تذرف الدموع بأسى .
سئلتها زهور مستفهمة بإستغراب :
_ طب ليه ؟! ، ده أنتِ كان قدامك سنين !!
ردت والدتها فى أسى :
_ فى أوقات يا زهرتي بيبقى الإعتراف بالعواطف صعب ، وخوف من تقبل الطرف التانى ليها ، الموضوع معقد والكلمة مش بسيطة .
" فى أوقات بيبقى الإعتراف بالعواطف صعب ، وخوف من تقبل الطرف التانى ليها "
فكرت بتشتت والعبارة تدور بحلقات داخل رأسها .. وعلامات الإستفهام تعلوها بتخبط ؟!
******
كهف الظلام
هذا الاسم هواللقب الذى أطلقه على المكان ، منذ أتاه للمرة الأولى مع مرام .
مكان غريب ، بمنطقة أغرب ومن الداخل أكثر غرابة وكآبة .
لدى الظلام أسرارنا ، فيه تتساوى النفس مع ما حولها من أسوداد .
كذلك هى نفسه ، لا تجد نفسها إلا وسط الظلام .
لا تنضج أفاكره إلا بتربة ملائمة ، والظلام بالطبع هو تربته ، والنبيذ هو مائه ، والشهوة هى أملاحه المغذية .
هكذا يخرج أفضل ما عنده ، بعقدة وثيقة ، أو بمصيدة قوية ، ليحكم حول فريسته بعنفوان فهد أسود !!
فلنترك اللعب لوقتٍ آخر ، وليمضي بتخطيطه ولكن لن يخرج الأن بما يحمل ، فما يحمله من كوارث ، ستحط فجأة ومتلاحقة حتى تقسم وسط الفريسة ، بعد ذلك يبتلعها لتنتهي آخر مراحلها بين أنيابه .
وهو لن يكون حسام سعيد فؤاد إن لم يفعل !
*******
الموت هو سنة الحياة الأولى و الأخيرة .
و المصير دائما للحياة هو الموت .
ولكن ماذا إن لم تخرج الروح وظلت معذبة بداخل جسد فارق الحياة بقلبه ؟!
فراق الروح للجسد موت .. وفراق العقل والقلب للجسد موتٌ آخر .
قد لا تكون بنفس الموازنة ، إلا أنها الحقيقة ، وهذه هي حقيقة ما يعيشة الأن .
بهذه اللحظة التى يجلس بها على أرض المشفى ، يستند برأسه إلى الحائط من خلفه .. ينظر بضياع إلى ما حوله .. محاولا التأكد مما هو فيه .
لقد أودى الحادث بزوجته ، وخالته او أمه ، وبزوج خالته أو والده .
أيا كان رأي القدر فيما حدث ، فهو عاجز .
لقد ذهبت أغنية حياته .. غناه وعشقه وسيواريها الثرى بعد قليل .
أغمض عيناه الحمراء بقوة، يحاول استيعاب فكرة أنه عاجز عن القاء النظرة الأخيرة لوجوه من يحب .
كيف يدخل الى ذلك المكان البارد، ليخرج له الطبيب جثة والدته والده وزوجته!!
كيف يراهم بعدما أصابهم شحوب الموت .. وضاعت ملامحهم بين كدمات الحادث .
كيف يستطيع تحمل تلك القسوة التى تفوق طاقته .
أنتفض رافعا رأسه حين سمع صوتا قريب يهمس له برفق:
_ ربنا يقويك يابنى .. برضوا مش هتدخل تشوفهم ؟؟
نظر إلى الممرضة التل وقفت أمامه تناظره بحزن وشفقة ..
هل طلبت منه أن يراهم للمرة الأخيرة؟؟
المرة الأخيرة!!!!
الاخيرة!!!
أحقا لن يراهم ثانية؟؟
نهض ببطئ وجسد متهالك، ليرتمى بثقله على الحائط من خلفه .. ليقول بوجوم:
_ هدخل .
قادته إلى الغرفة المنشودة، ليقف أمام بابها صامتا، يناظر الموت المحتم على بعد خطوة واحدة منهم .
رائحة الغرفة كانت تعبق برائحة الموتى .. كانت خالية من أى ألوان غير الأسود الذى أغشى عينه .. كانت باردة ومظلمة .
خطى أول خطواته ببطئ إلى الداخل ، ليقف متجمدا حيث أشارت له الممرضة برفق الطبيب المختص .. والذى سارع بفتح باب ثلاجة الموتى ليسحب جثة غُظت كامل ملامحها بالأبيض .
وقبل أن يزيل عنها غطائها .. كان قصى يتهاوى أرضا فاقدا لوعيه .
*****
|