كاتب الموضوع :
Enas Abdrabelnaby
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: أسيرٌ من الماضى (2) سلسلة جروح العشق الدامية
لا شىء يستحق ان تمنى النفس
وهم هناك يسرقهم النسيان عنك
يادربنا الخالى لعلك تتذكرنا عندما تلتقى خطانا
كلنا أنصاف ........نكمل أجزائنا معأ
أن تغيب وأن تحضر ...
مجهول أنت أم غريب أم قريب .........أنت عندما لا تكون أنت
لآنك لم تتسنى لك ان تعرف حقآ من أنت
المجهول ........حقيقة الانسان بما لايستطيع ان يظهره لك
فاذا أردت أن تصل اليه .........عليك أن تصغى الى مالا يقوله
*********
_ هنتكلم .. هنتكلم بس أكيد مش هنا .
تقبلت وعده بنفسا راضية وهى تتبعه ليخرجا من المشفى ويستقلا سيارته .
طيلة طريق العودة كانت صامتة ساكنة، تنظر إلى الطريق بعينين غائمتين .. تتذكر بدايتها معه .. حين كانت نظرة!!
نظرة عابرة آسرة بذات الوقت، قوية جذبتها إلى المجهول .. وهى ترى بعمقهما ما لم تراه، حزن ... ألم ...جرح.
كانت نظرة غريبة وجاذبة جعلتها تعلق برأسها بطريقة غير معتادة، بينما كانت التخيلات تعبث برأسها وترسم لها مئات الحكايا لتلك النظرة الغريبة .
ولكن كانت الحقيقة أبشع من أى خيال..
قفز إلى عقلها مشهد جمعها بوالده وزوجها، ليلة زفافها .. حين ألقى بوجهها الصدمة .
لايزال صوته البارد القاسى عالقا بأذنيها كلما تذكرت تلك الليلة .. حين أتهم والدها بقتل والده!!
كانت ليلة من أبشع ما رأت، وهى تصدم بأقرب الناس لقلبها .. قدوتها التى تتبعها، والده!!
فجأة يصبح مجرما .. والأسوأ انه لا يجيب على هذا الإتهام؟!!
لا تعلم قد تكون تسرعت فى الحكم حينها على موقف والدها ولكن بعد ما عرفت ما عرفت عن قصته، ترى أنه لم يحاول الجدال لأنه تعبه منذ سنوات .. منذ أتهم بالقتل وهو بريئ!!
بلى هى ابدا لن تصدق بأن والدها قاتل، والدها الذى رباها على القيم والأخلاق .. الذى انشأها وأخاها بتلك التربية الحسنة لا يكون ابدا كما يقال عليه ... مهما قالت الألسنة أن والدها هو القاتل ستقف بوجههم وتقول بكل صلابة ... لا .
هى لا تعلم القاتل الحقيقى، لكنها تعرف والدها وهذا كاف لها .
إلتفتت لتلقى نظرة خاطفة على وجهه، فكان كما اعتادته قاسيا .. شاردا بالطريق أمامه ..
لما يقع القلب بحسابات غير عادلة ويسقط المرأ فيما يريد؟؟
لو لم تكن تحبه كانت لتتركه منذ زمن ولا تأبه لأى ماضى، لكنها تحبه .. تعشقه بجنون وهذا قدرها ولا تستطيع أن تتحداه بالإبتعاد عنه .. فلا تملك سوى قول "لو" بندم!!!
عاودت النظر إلى الطريق، ليجذب إنتباهها تغير المسار .. فعاودت النظر إليه مستفهمة، إلا أنه لم يحد بنظره عن الطريق .
أخذت نفسا عميق وهى تعاود النظر للطريق، لن تقلق .. ستترك له المجال كى يخطو هذه المرة ..
إن كان يريد الحديث فهى تريد أكثر منه، تريد حسم الحوار الذى لم ينتهى حين وعدها بهدنة، لكنها لم تقدر على تحملها .
بعد نصف ساعة .. كان يقف بسيارته أمام كافيه أنيق .. على ضفاف النيل .
سكنت مكانها للحظات تنظر للمكان بلا فهم، لكنها تفاجأت حين فتح الباب المجاور لها بفعل أدهم الواقف أمامها بحاجب مرتفع بإرتياب!
بإرتباك كانت تخرج لينتابها الذهول وهى تعاود الإلتفات لأدهم الذى أغلق الباب بعدما خرجت .
أكان حقا هو؟؟
أدهم يفتح لها الباب؟!!
حاولت إستعادت تركيزها وهى تسير بجواره إلى داخل المكان، حيث أشار النادل الذى بدا يعرفه إلى احدى الطاولات البعيدة .
جلست قبالته بإرتباك ليسألها بهدوء عن طلبها، أجن هذا الرجل ام جنت هى؟؟
أهما فى أول لقاء تعارف؟؟!!
يصطحبها لمقهى على النيل كى يتحدث معها؟!!
أخبرته عما تريد ليطلبه من النادل .
أنتظرت أن يتحدث بعدما طلب يا يريدانه، إلا أنه ظل صامتا ينظر لصفحة النيل السوداء بلا تعبير .
هل جلبها لهنا كى يهنأ بالنظر للماء!!
حاولت لفت إنتباهه عدّة مرات إلا أنه بدا شاردا بأمر جلل، سلب عقله بالكامل.
يأست من محاولة جذب أنتباهه، فأشاحت عنه بضيق .. إلا أنها صدمت حين سمعت قوله الهادئ:
_ بابا مات فى نفس اليوم ده من خمسة وعشرين سنة، كان يوم صعب .. كله لابس أسود وبيزعق .. لحد ما فجأة لقيت جدى بياخدنى من حضن أمى بعيد، لمكان مش عارف لحد دلوقتى هو إيه .. قالى بكل شدة، أنتَ دلوقتى بقيت الراجل بعد أبوك .. مش لازم تعيط .. مسموح ليك تعيط غير لما تاخد حق أبوك بس .
متخيلة أن طفل عنده خمس سنين يسمع الكلام ده، كان ممكن أنساه بسهولة زى أى حاجة، لكن لأن جدى كان دايما يفكرنى بالجملة دى فكانت محفوظة ..
أنا مكنتش بفكر أنى انتقم من حد، كنت نسيت خلال السنين اللى فاتت بعد موت جدى، لكن هو السبب ... هو اللى رجع .
عقدت زهور حاجبيها بقلق، لتسأله بحذر:
_ تقصد مين؟
ابتسم أدهم بسخرية وهو ينظر إلى الطاولة الخشبية، بينما اصبعه كان يطرق عليها بحركات رتيبة لا تتوقف ..
ظل الصمت بينهما قائما حتى قال أدهم مقاطعا إياه ببرود:
_ والدك .
اتسعت عينا زهور بصدمة، ليكمل أدهم دون أنتظار تبعات انفعالها:
_ والدك طلب يقابل عمى عثمان، وطبعا فى البداية عمى قال مش هقابله، بعدها وافق وفعلا عمى سافر القاهرة علشان يقابله بعد ما والدك رفض يجيى البلد .
لما سأله عمى عن اللى عاوزه، قاله الصلح .. وده كان أكبر دليل ليا أن القاتل هو، عمى قاله الصلح مش هيحصل إلا بواحد من عيلتكم .. وبالنسبة لأن عيلتكم ملهاش أصل فى البلد، فكان المقصود هو أخوكى سيف .
طبعا والدك رفض وقاله أنه مستعد يدفع فلوس لكن ميقتلش ابنه .. عمى وقتها رفض وأنتهت القاعدة بخناقة ومجبتش أى نتيجة .
عمى بعد ما قابله جالى علطول، وقالى تقبل العوض؟
سألته هو إيه .. فقالى روح أخوكى .
أنا مهما كرهت حد .. وحقدت عليه طول حياتى، ابدا ما هفكر أقتل وده اللى قولته لعمى .
ولأنى عارف أنه مش هيسكت بدأت أدور على والدك، وأجمع معلومات عنكم كلكم .. لحد ما قررت أنى أنتقم فى العضو الأصغر فى البيت .. أنتِ .
صمت أدهم قليلا دون أن يرفع ناظريها لها، ليقول بعد ثانية متهكما:
_ عارف أنها كانت ندالة منى أنى أنتقم منك .. أضعف كائن فى البيت، لكن يوم ما شفتك فى المطار وأنا مقدرتش أخرجك من بالى .
ممكن تستغربى أزاى شخصية زي مش بتتأثر بسرعة تتعلق ببنت من نظرة واحدة، لكن تعلقى بيكى مكنش من مرة .. لا من مرات وأنتِ مش عارفة .. أنا كنت أعرفك قبل ما تعرفينى بوقت طويل ..
أنا اللى بعت لأخوكى فرصة السفر والشغل فى الشركة الالمانية .. كنت عاوز أفكك العيلة، واحدة واحدة أبعد كله عن بعضه وده كان أنتقامى الاول ..
كنت عاوز أشوفكم زى ما أنا طلعت، لوحدى المفروض اقرب الناس ليا بيكرهونى!! ... وطبعا كنت محمل الذنب ده كمان لوالدك .. بصراحة أنا حملته الذنب فى كل حاجة حصلتلى .. لأن اللى خسرته بسبب قصة تافهة كان سبب فى تغيير حياتى .
كانت الخطوة التانية فى أنتقامى أنى أكسر والدك بيكِ، كنت عارف قد إيه هو بيحبك ومتعلق بيكى .. كنت عاوز أقوله أنا كنت بحب والدى وأنتَ أخدته منى، جرب الاحساس ده لما تفقد حد عزيز عليك .
وفعلا أتقدمتلك وهو وافق على اعتبار المعلومات اللى أنا بوصلهاله، وفى يوم الفرح كان لازم أكسر فرحته ..فقلتله أنى ابن الراجل اللى قتله .. وأنتِ كنتِ شاهدة اللحظات دى .
هتسألينى كسب السعادة اللى بتطمح ليها؟ .. هقول آه ولأ .. أيوه كنت حاسس أنى وصلتله ألمى ... ولأ لما لقيته كشف نيتى بنظره محتوية عرف فيها كل حاجة أنا مكنتش عاوز أقولها .
صمت أدهم قليلا قبل أن يعاود بنفس الهدوء:
_ لو هنبدأ من جديد .. يبقا لازم أقولك على كل اللى عندى، علشان كده قولتلك مشاعرى فى كل اللى مريت بيه .. لأنى عاوز أنسى، عاوز ابدأ من جديد .. انسان بدون ماضى.
كتمت شهقتها وهى تحاول تمالك نفسها، كم المعلومات التى حصلت عليها لتوها منه تشعرها بالإضطراب .
أعليها أن تشفق عليه أم تشمت فيه؟؟
لقد أراد بعائلتها سوء؟!!
أراد تفرقتهم؟؟
ولكن .. لكن ماذا؟!!!!
أغمضت عينيها بقوة عاجزة عن النظر إليه، تشعر بأن رأسها سينفجر ..
لم تعرف يوما بأن معاناته كانت أكبر بكثير مما تخيلت .. لقد تعاطفت معه حين قالت لها والدته ما حدث له من عائلته وهو صغير، لكن حين تسمع منه كل هذا فلا تعرف ما تفعل فهذه بادرة غير جيدة تماما .
هزت رأسها ببطئ تحاول نفض أفكارها المتخاذلة، لقد جاء فاتحا دفتر الماضى ليخطا به سويا النهاية ويلقيا به إلى بحر الكراهية بلا عودة .. فلما لا تحاول مساعدته كى يفعلاها سويا؟!!
مسحت دموعها بعنف وهى لا تعرف متى هبطت على وجنتيها او كيف لم تشعر بها؟ .. لكن لها العذر فإنتباهها الكامل مع حديث جعلاها لا تشعر بأى شئ حولها سوى تلك الصور التى كان يقذفها إلى مخيلتها خلال كلامه .
إستعادة رباطة جأشها سريعا وهى تقول بقوة:
_ قبل ما نقفل صفحة الماضى لازم نكشف كل الحقائق ... مين قتل بابا؟
حاولت بقدر الإمكان ألا تتعثر او تهتز منها حروف كلماتها فى آخر سؤال .. والذى بات أكثر اهمية عن كل ما قال .
رغم تكرارها الكثير أنه هو من دبر لقتل والدها إلا أنها أبدا لم تصدق ذلك، لم تكن لتجمع بينه وبين الدم فى مكان واحد .. أدهم رغم القسوة والجفاء إلا أنه كما قال لن يلوث نفسه بأى دماء .
حينها رفع رأسها .. بعد سؤالها المنتظر، ليأسر عينيها بقوة .. قبل أن يقول بهدوء:
_ لأ .. أنا مقتلتش والدك، لكن أعرف اللى قتله....
وقبل أن يكمل كانت تقاطعه بحزم:
_ عمك عثمان هو اللى دبر ودفع للناس اللى خبطت بابا بالعربية؟؟
كان اقرار بأمرا واقع أكثر منه سؤال، فاومأ برأسه عاقدا حاجبيه .
لتأخذ نفسا عميقا محاولة لملمت شتات نفسها، قبل أن تقول بصوت حزين:
_ أكيد مش هسألك مقولتش ليه أنه قتل والدى .
كانت تعلم بأن أدهم رغم كرهه لما فعله به أهله، إلا أنه لم يكن ليلقى بعمه فى السجن، ببساطة لأن بداخله طفل صغير يقف وسط الرجال .. يرى والده ينزل إلى مكان غريب، لا احد يربت على كتفه مواسيا .. لا أحد يحنو عليه ببسمة، لا أحد يشعر بأنه طفل فقد أباه .. بل إنه رجل والرجال لا تبكى أو تجزن .
لقد كان ينتظر ضمة حانية من عمه، كلمة مواسية وإن كانت غير حقيقة.
فتوره وبرود مشاعره ما هو إلا نتائج لسنوات عانى خلالها من قسوة البشر، فكيف تلومه؟؟
صمت وكذلك فعلت .. لينظر كلا منهما للآخر بحزن منجرح .
"سُلطة أسمك على قلبىّ حين اذكُره , تُشبه هيبة اللقاء الاول"
أخفضت وجهها مبتسمة بحزن، هل لهما عودة؟
أ لهما عودة بعد كل ما كان؟؟ .. احقا بيدهما الفرصة أم ضاعت منذ زمن؟
هل للندوب أن تختفى؟
هل للغمامة أن تنقشع؟
لم تشعر بنفسها وهى تهمس بخفوت دون إدراك، لتلتقط همسها أذن أدهم الحساسة، فقال مجيبا إياها بهدوء مبتسما برقة جعلتها تشعر بالذهول فى اللحظات الأولى قبل أن تذوب عشقا بجمالها .
_ الندوب مش بتختفى، لكن نقدر نحولها لشئ مبهج اوذكرى حلوة، والغمامة أنتهت من يوم ما فوقت لفكرة أنى مش أسير لأفكار الماضى .
صمت مخفضا وجهه قليلا، إلا أنه عاود رفعها بابتسامة حزينة قائلا:
_زهور التوليب .. أنتِ استحملتى حجات كتير بسببى، استحملى قسوتى عليكى .. استحملتى جرحى لكرامتك، رضيتى ترجعيلى رغم إنك كنتِ تقدرى ترفضى وتحتمى بأخوكى، ساعدتينى علشان أتغير وأخرج من أسر الماضى ..
مش هقدر أجبرك تانى على حاجة، عاوزة تكملى حياتك معايا هتكونى بهجة لحياتى .. ولو قررتى البعد مش هقدر أمنعك .. اللى عاوز أقوله ومش عاوزه يأثر عليكى .. أنى بحبك.
ختم كلماته بتلك الكلمة الموحشة التى تمنتها طويلا، رغم قراءتها لها عدّة مرات فى رسالته إلا أنها لم تشعر بعذابها كما الأن
"يمكننى أن أرى ألمك , ألمسه واشعر به حارا يلسع قلبىّ"
أغمضت عينيها لتنساب الدموع على وجنتيها، لم تعد قادرة على حبسها بعد الأن .
فتحت عينيها ثانية لتقول بحزم:
_ قبل ما تاخد قرار إننا نرجع لبعض لازم تعرف حاجة .. لازم تعرف مين قتل والدك .. لازم تعرف الحقيقة وبعدها تقرر .
............................................................ ........................................................
بعد أسبوع
كانت تدخل إلى غرفته، ببطئ تنظر إلى جسده الساكن على فراش المشفى .
لقد تحسن حاله كثيرا بالنسبة لآخر مرة رأته بها، حينما أخرجه حسام من المصنع .
لقد كانت لحظات قاسية إلا أنها مرت وأنتهى الأمر.
جلست على كرسى بجواره، لتقترب قليلا منه واضعة كفها على وجنتها برفق .
راقبت بيعينيها المتفحصة ملامح وجهه المجهده، شحوبها الظاهر .. كدماته التى مازالت تترك أثرا خفيف.
لقد أخبرها أدهم عن حاله من اليوم الأول، لكنها لم تشعر بهذا الألم كما الأن .. أن تراه بمثل هذا العجز الغريب عليه لم يكن بالأمر السهل عليه وعليها .
كلما أغمضت عينيها ترى نظرته الأخيرة لها قبل أن تندلع النيران، كانت نظرة نادمة .. متألمة .. بينما غرق جفنيه بدموع لأول مرة تراها .. دموع العجز التى تعلم جيدا قسوتها عليه قبلها!!!
لقد همست له حينها بحبه عله يفهمها، إلا أنه لم يقدر على ذلك .. فضاعت الهمسة وأنقضت الدموع وما عاد لأحدهم أن يلاقى الآخر .
خلال تلك الفترة القصيرة التى قضتها وحيدة بعد الحادث كانت تفكر .. هل لتلك المشكلة أن تبعدهما عن بعضهما أم تعيد ربط شملهما؟؟
كان هذا هو سؤالها الشاغل .. حاولت معرفة الاجابة وحدها إلا أنها عجزت، فمثل هذا القرار لا يتأخذ إلا منهما سويا!!
لن تنكر بأنها لاتزال تحمل بداخلها الكثير مما مرت به بسببه، لكن قبل الحادث كانت تشعر بأنها أصبحت أفضل، تخلصت من كل السلبية التى كانت تحملها ضده ... لقد عقدت العزم على اخباره بالحمل ... الذى لم يكتمل!!
أخفضت وجهها بألم لتمسح دموعها التى أنتهزت الفرصة لتجرى على وجنتيها .
جذبت يدها الآخرى إليها إلا أنها تفاجأت حين شعرت به قد أمسك بها بقوة واهنة .
إلتفتت له بسرعة لترى عينيه قد فتحتا أبوابها إليها .. وتزينت شفتيه بابتسامة رقيقة خشنة لم تعهد مثلها قبلا .. وبالأخير يده التى اعتقلت يدها .
أشاحت عنه بضيق وهى لاتعلم متى أستيقط، لقد كانت تظنه نائما .. أم لم يكن من الأساس؟!!!
أنتبهت حين قال مؤيد برقة خشنة:
_ وحشتينى .
توردت وجنتاها بخجل وهى تود الفرار من أمامه، إنها لا تريد المواجهة .. حقا لا تريد، يكفيها ما عانت فى الايام السابقة من الوحدة عدا مجيئ زهور .. لكن الشعور بالوحدة كان يقتلها .. وتزايد أكثر حين فقدت جنينها .
لا تريد المزيد من الألم .. والعبث بخطايا الماضى، تريده بجوارها .... كلا ينظر إلى عيون الآخر بأمل دون كلام .
رفعت عينيها بحذر إلى عينيه، لتشعر بالدهشة تنتابها وهى تلحظ البريق الغريب عليها يلتمع بعينيه، وكأنه حصل لتوه على كنز ثمين!!
تابع مؤيد حين وجدها صامتة تنظر إلى عينيه بإنشداه غريب:
_ كنت فاكر إنك مش هتيجى تزورينى .
إرتبك مشيحة بوجهها عنه، كيف علم بانها كانت تنوى ذلك، بلى لقد عقدت العزم عدة مرات ألا تذهب إليه وحين يأذن لها الطبيب بمغادرة المشفى فستذهب إلى منزلها دون رجعة .. لكن القلب الأحمق حطم كل النوايا وهو يدفعها إلى غرفته ما إن اغلن الطبيب قدرتها على المغادرة.
حاولت التركيز فى اجابة جيدة لا تؤذى أحدهما:
_ كنت محتاجة أرتاح .. وأنتَ كمان كنت محتاج الراحة دى، لكن مقدرتش .. ولقيت نفسى هنا فل أوضتك، مش عارفة حتى بعمل إيه .
قالت كلماتها الأخيرة بضياع حقيقى، هى حقا لا تعلم لماذا جائته؟ .. لقد أرادت أن تؤخر المواجهة فلما عجلت بها بمجيئها إلى هنا؟؟
إلا أن قوله التالى جعلها تنصدم بنفسها قبله:
_ وأرتحتى؟؟
إتسعت عيناها بذهول .. لقد وجدت راحتها بقربه وهى لا تشعر بنفسها!!!
عضت على شفتيها بقوة وهى تخفض وجهها، المواجهة صعبة للغاية .. بل أصعب مما تتخيل، تشعر بأنها تواجه نفسها فى مرآة .. عليها الخلاص سريعا قبل أن تفقد اعصابها .
قبل أن تتحدث كان يقاطعها قائلا بصرامة:
_ ميساء قبل ما ندخل فى تفاصيل للى حصل، هسألك سؤال ومحتاج اجابتك .. أنتِ مصدقة اللى حسام قاله عن حكايتى مع مرام؟؟
رفعت رأسها ببطئ لتواجهه .. عينيها تعلقت بعينيه دون جواب ..
عم الصمت للحظات طويلة، كان مؤيد يشعر خلالها بالخوف وكأنه أمام أمر مصيرى .. ولكن جاء رد ميساء هادئلا:
_ حسام مرة كلمنى .. قالى تعرفى مؤيد، قولتله آه .. قالى تعرفى مرام .. مقدرتش أجاوب، فقالى أن مرام هى ماضيك .
لما سمعت حكاية مرام من شذى قبل حسام، مصدقتش .. مقدرتش أصدق أنك ممكن تعمل كده، رغم كل حاجة شوفتها منك .. إلا أنى أقدر أقول مش أنتَ اللى تعمل كده .
تنهد مؤيد مرتاحا .. ليبتسم لوجهها بحب، لقد صدق حدسه .. ميساء لم تصدق ذلك الحقير .. ولن تصدق سواه .. إنها إشارة لبداية جديدة جيدة .
قال بعد فترة من الصمت :
_ ميساء تقبلى ترجعيلى؟
أنا عارف أن اللى عملته كتير أن حد يتقبله، عارف أنى كنت انسان سيئ فى حياتى، أنتِ غيرتينى وأنا للأسف غيرتك للأسوأ .
أنتِ خلتينى أرجع أشوف حياتى بعيون تانية ناقدة، وبعدها ابدأ اصلح فيها ..
عاوز أنسى اللى فات .. عاوز أنسى كل حاجة معاكى ونرجع سوى تانى، عاوز ناخد فرصة تانية لحياتنا ..
قبل ما أعرض عليكى فكرة أننا نرجع لبعض، وبعد اللى مرينا بيه تحديدا .. كنت عارف أن شفى جروحنا فى قربنا .
مش هقول أنى أتغيرت تماما، لكن هحاول أكون زى ما أنتِ عاوزة .. هحاول أكون الزوج اللى بتحلميه بيه .
"لن أكون متطلب كمن حولي من الرجال ، لن أطلب منكِ أن تتواجدي دائماً ، ولن أمتلك مدونة أجدول فيها ساعات يومك وبرفقة من وأين تقضيها ، لن أتصل بكِ يومياً ، ولن أطلب منكِ أن تكتبي إلىّ الرسائل الطوال ، وإنما فقط اكتبي لي كلمة صغيرة كل يوم ، لا حاجة حتّى لأن تكون بليغة ورقيقة"
إتسعت عينا ميساء وهى تسمع كلماته الرقيقة المعبرة عن حاله ببلاغة أذهلتها.
ألهذه الدرجة يحبها ويريد قربها؟؟
لكن صدمتها لم تكتمل .. فأكمل هو بنفس اللهجة الدافئة:
_ ذاك العجوز الذىّ ملأ قلبه من الدنيا حتى أرتوىّ تكور على ذاته عند الزاوية
يغمض عينيه هربآ ,يُنفض كفيه من وسخها .. فهل تقبلين به بعد كل ما كان؟؟
"فهل تقبلين به بعد كل ما كان؟؟"
أغلقت عينيها عند رجائه الأخير، لتنساب الدموع برقة .. جارفة معها آخر دموع الحزن والألم، لتنبثق آخرى مستبشرة بالقادم .. فرحة بما جاء .
مؤيد تغير .. تغير طيلة تلك الفترة التى كان البعد حليفهما، تغير كما تغيرت ..
لا تكاد تصدق بأنه هو من قال لها تلك الكلمات، لا تصدق بأنها ممن يقال لهم مثل ذلك الكلام .. الذى للعجب لم يكن حبا .. لكن تعبير عن ذاته يريد إيصاله لها .
نهضت بسرعة بعدما شعرت بأنها ستنهار، الحواجز المنيعة التى وضعتها لنفسها كى لا تنهار تهدد بالسقوط الأن، كبت الأيام السابقة وحتى ذلك الذى حدث يومها .. كله سينهار الان بلا هوادة إن لم تهرب من أمامه .
لكنها أستفاقت على يده التى تعتقل يدها بقوة غير راغبة فى تركها .. فقالت بسرعة شاهقة ببكاء:
_ سيب أيدى .
لكنه ببساطة هز رأسه رفضا، قبل أن يجذبها إليه بقوة لتسقط على صدره .. وكأنما كان يعلم بأنها محتاجة إلى صدره الدافئ كى تترك لنفسخا العنان وهى تبكى بصوتا عالى كما الأطفال .
تركها تخرج ما بداخلها، ليستمع بإنتباه إلى كلامها المتعثر أسناء بكائها العالى .
" كنت ... كنت عاوزة أقولك أنى .. أنى حامل، أنا آسفة .. ابنى راح .. راح بسببى، أنا لوحدى "
كانت تتمتم بتلك الكلمات دون وعى، بينما كان يحاول ربطهم ببعضهم ليحصل على جملة مفيدة ..
ليفهم بعد لحظات أنها نادمة لأنها لم تخبره بأمر الحمل، كما إنها تحمل نفسها ذنب موته!!
لم يشأ أن يخبرها بأنها غبية وبلهاء، فتركها تخرج كل ما بداخلها ثم يخبرها هو بما لديه .
لتنقضى الدقائق بسرعة .. بسرعة أكثر مما تخيل!!
وتبقى بقايا الدموع عالقة على أطراف رموشها الطويلة، بينما كانت شهقاتها تقطع صمت المكان .
يداه لم تتركها للحظة، بل كانت تربت على كتفها برفق .. لم ينبت ببنت شفة خلال عاصفة بكائها .. بل تركها تخرج ما بداخلها على صدرها .
بعدما هدئت تماما قال بهدوء متغزلا:
_ أنتِ جميلة ك ذاك الشعور الذى أستسلم له كُليا وأنا مُغمض العينين .
إتسعت عينا ميساء بذهول وهى تنظر إليه، إلا أنه أكمل بنفس الهدوء:
_ الحمل مش مكتبله يكمل وده قدره، موضوع حسام ومرام لازم يخلص وكل واحد ياخد حقه .. شذى قالتلى على كل حاجة .. قالتلى أنها قابلتك وقالتلك على كلام كدب حسام كان عاوز يوصلهولك، هى كانت بتشتغل معاه فى الأول ... لكن لما عرفت أنه مش ناوي على خير قررت تبعد وتساعدنا .
هى لقيت اللى يعرف قصة مرام من أول يوم لآخر يوم، بعد شوية هخليه يدخل ويقولنا الحقيقة .. أنا لسه معرفهاش .
أما بالنسبة لحسام فأنا قررت أسامحه فى حقى، لكن حقك وحق ابنى هيدفع تمنه .
إلتفت له مشيرا باصبعه إلى عينيها وهو يقول مضيقا عينيه:
_ قبل ما تبصيلى كده .. القضاء هو اللى هياخدلى حقى منه، لأن الموضوع بقا تحقيق رسمى .
بالنسبة لموضوع إنك لوحدك .. لأ أنتِ مش لوحدك وأنا جنبك وهفضل دايما جنبك حتى لو رفضتى وجودى .
صمت قليلا وهو ينظر إلى وجهها القريب من وجهه، قبل أن يزفر حانقا ويقول بضيق:
_ وأبعدى عنى علشان أنا تفكيرى راح لبعيد وأحنا مش متجوزين .
أحتقن وجهها فجأة وهى تعى صدق ما يقول، لم يعد يربط بينهما أى شيئ لتستلقى بحضنه الأن!!
هبطت بسرعة عن السرير وهى تشيح عنه شاعرة بالضيق من نفسها، لكن يده يالتى تشبثت بمعصمها لم تدع لها المجال كى تبتعد أكثر .. بل كان يعاود تقريبها منه هامسا أمام وجهها بشغب:
_ تيجى نروح عند المأذون دلوقتى .. أنا معنديش أى مشاكل، وأهو نرتكب فضيحة علنية على سرير المستشفى .
شهقت واضعة يدها على فمها ... الحقير نواياه قد ذهبت بعيدا .. بعيدا للغاية .
حاولت إزالت حرجها فقالت بغيظ:
_ أنتَ أصلا تعبان ومينفعش تتحرك من السرير .
حينها قهقه بمرح قبل أن يقول غامزا:
_ على فكرة أنتِ كنتِ رامية نفسك على جانبى اللى فيه ضلعين مكسورين .
إتسعت عيناها بصدمة .. قبل أن تهتف بسرعة دون وعى:
_ أنتَ كويس؟؟ .. أكيد.....
قاطعها حين قربها أكثر حتى باتت مشرفة عليه بوجهها، ليهمس بحرارة:
_ علشانك ممكن أستحمل أى حاجة .. هتتجوزينى دلوقتى ولا إيه يابنت الناس ..
تورد وجنتيها ثانية وهى تحاول الابتعاد عنه لتجيب بخفوت:
_ أنتَ قولت أن الدكتور منعك من الحركة .
تهللت أسارير وجهه وهو يقول:
_ بسيطة .. نكلم أدهم ونخليه يجيب المأذون هنا .
يرضيكى أنى أقعد لوحدى هنا من غير حد يسلينى، حتى أدهم اللى افتكرت أنه صاحبى باعنى وقالى أنه مش فاضيلى.
تزامن قوله مع دخول أدهم من باب الغرفة عاقدا حاجبيه، قبل أن يقول ببرود:
_ أنا مش فاضيلك؟؟
أشاح مؤيد بوجهه مغتاضا، بينما وجدتها ميساء فرصة لكى تبتعد عنه .. فإتجهت إلى آخر الغرفة .. بينما تقدم أدهم إلى مؤيد ليقترب منه هامسا:
_ أنا بعتك؟؟ .. ماشى .. تحب أكمل على الضلعين اللى فاضلين لك؟؟
هز مؤيد رأسه قائلا بتذمر كطفل مشاغب:
_ كدبة بيضة بقا يا أدهم علشان الحال ستصلح .
اومأ أدهم برأسه وهو يبتعد عنه، لينتبه إلى سؤال ميساء:
_ زهور عاملة إيه؟؟
لم تكن تقصد السؤال عن الحال، بل كانت تقصد السؤال عن حاله مع زهور .. ولكنه أدعى عدم الفهم وهو يجي. باختصار:
_ كويسة .
إلتفت إلى مؤيد وهو يقول موجها كلامه لميساء:
_ خلى بالك منه .. علشان أنا مش فاضى خااالص .
إلتفت مغادرا، إلا أنه توقف عند باب الغرفة قائلا لمؤيد بهدوء:
_ كريم مستنى بره .. أدخله ولا؟؟
اومأ له مؤيد برأسه، قبل أن يشير لميساء كى تقترب منه .. ليقول بهدوء:
_ كريم هو اللى يعرف قصة مرام والحقيقة كاملة .. عاوزك تسمعيه للآخر .
أخذت نفسا عميقا وهى تومأ برأسها، لتمضى لحظات قليلة قبل أن يُدق باب الغرفة ويدخل شابا بدا فى أواخر العشرينات من عمره .
عرف عن نفسه قائلا بهدوء:
_ كريم عماد الدين ..
قريبا ألتقيت بشذى وهى قالتلى عن حكاية مرام اللى سمعتها من أخوها حسام .
انا كنت أعرف مرام من أول يوم ليها فى الملجأ لأننا كنت سوى فى ملجأ واحد .. مرام كبرت قدام عنيا .. كان فيه بنا نوع من التجاذب وأحنا صغيرين .. ولما كبرنا عرفنا أنه حب .
فى سن التخرج من الدار عمى تكفل بتربيتى بعد ما رجع من السفر، وهى كملت بعدى فى الدار لخمس سنين .. مقدرتش خلالها أنى أتواصل معاها .
فى يوم اتفاجأت لما قابلتنى وقالتلى على اللى حصلها.. لما اتخرجت من الدار راحت لأخوها بعد ما قالت لها واحدة من المشرفات أنه أخوها وأنها لازم تاخد حقا منه .. لأنه كان معروف ان مرام لقيطة ... وهى فعلا راحته فقال لها الحقيقة أنها فعلا لقيطة .
أنا قولتلها تنسى كل اللى عاشته، وطلبت منها تستنى لحد ما أتخرج من الجامعة وهنبنى بيت سوى، وهى فعلا وافقت لكن قالت هتعيش فى الشقة اللى حسام كتبها بأسمها وهتاخد من الفلوس اللى حطها بأسمها فى البنك .
أنا كنت شايف أن ده أفضل ليها .. لما تعيش مع أخوها حتى ولو مش فى بيت واحد، لكن أفضل ليها .
وتواصلنا متقطعش بعد المرة دى، وكنا دايما نتقابل وتحكيلى عن اللى بيحصل ليها .
لكن اللى لفت انتباههى أنها أتغيرت، مكنتش مرام اللى أعرفها .. كانت حد تانى .. كانت دايما تقولى أنها هتنتقم لنفسها من كل اللى أذوها .. وللعجب كنت أول واحد فى القايمة .
لحد دلوقتى أنا مش عارف ازاى مرام وصلتنى للحالة دى .. حالة الأدمان!!
طول السنة اللى كانت بعد خروجها من الدار، كانت بتحطلى فيها نوع من المخدرات .. فى العصير فى الأكل فى أى حاجة متاحة قدامها .
فى يوم جت وقالتلى أننا لازم نتجوز، وانا استغربت جدا وقولتلها أنى لسه مخلص جامعة .. طلبت ممها تستنى اسبوعين، بس هى رفضت وقالت نتجوز عرفى .
كان بالنسبالى صدمة أنها تطلب نتجوز عرفى وأنا عاوز نتجوز علنى قدام الناس، لكن طلعت لى بحجة أنك أتقدمت ليها وأن أخوها عاوز يجوزها ليك علشان يخلص منها .
وفعلا وافقت تحت إلحاح منها بس أن الجواز يكون مجرد ورقة لحد ما أقدر أتقدملها من غير ما حد يساعدنى .
وهى وافقت وكله ماشى كويس، لكن فجأة أختفت من حياتى .. شهرين بقيت عامل زى المجنون، مش لبعدها .. لكن لبعد المخدرات عنى .. أنا مكنتش أعرف أنى بقيت مدمن مخدرات، لكن خلال الشهرين دول عرفت ..
وظهرت بعدهم مرام من تانى لكن بشكل مختلف، طار قناع البراءة وظهرت الحقيقة الشيطانية .
أنا كنت بحب مرام بجنون ورغم أنى كنت عارف أنها من الاول طفلة غير سوية، لكن كنت مكمل معاها .. وكنت بوعد نفسى أنى هغيرها لأنى بحبها .. ولأن الحب بيغير وكل القصص دى .
لكن فوقت لواقع أن الحب مش بيغير حاجة، وأنى وقعت فى طريق المعصية والأدمان .
كان حالى بيزداظ سوء بالأيام، ومرام جنبى ومش بتفارقنى .. كأنها بتراقب موت ضحيتها الأولى .. لحد ما قالتلى فى يوم أنها حامل منى .. وبعدها أختفت من حياتى وعرفت بعد فترة أنها أنتحرت .
متصور كمية السعادة اللى حسيتها لما ماتت؟ .. رغم أنى كنت بعشقها ومستعد أخليها ملكة ومحدش يقرب منها؟!!!
مرام فعلا كانت غير سوية، او كانت عاوزة تثبت لينا أنها مش هتبقى أحسن وهتكمل المسيرة اللى جت فى الدنيا بسببها .
بعد ما عرفت أن مرام أنتحرت، بصراحة حالى أزداد سوء لحد ما عمى عرف وحجزنى فى مصحة لعلاج الادمان .
بعدها أنا محاولتش أعرف هى ليه عملت كده، ليه أذتنى رغم أنى كنت بحبها، لكن لما شذى قالت لى على بقية القصة .. وجزء أخير من حسام .. قدرت أجمع خيوط الحكايا .
بتمنى أن القصة دى تكون مجرد عبرة، لكن مش عقبة فى حياتكم .. أنا عرفت كل اللى عمله حسام ولما قولتله على الحقيقة أن مرام كانت عاوزة توقع بينكم كان ندمان جدا .. ده كل اللى أقدر اساعدكم بيه .
أنهى كلامه ليلتفت مغادرا .. بينما نظر مؤيد وميساء إلى بعضهما بصمت .
............................................................ ........................................................
ألقى بجسده المنهك على الأريكة، ظل ساكنا بمكانه للحظات، قبل أن يرفع يده إلى أعلى أنفه فيمسها .
تلك الخبيثة أختفت كما يختفى السكر فى الماء، بحث عنها طويلا مع رجاله .. بحث فى منزلها القديم وذهب لعمها ولكن دون أى خبر يذكر .
لقد اختطفت ابنه و ولت بالفرار دون أن يمنعها!!!!
عليه التصفيق لها فقد اجادت اللعب عليه، حتى سقط مثل الأبله أسفل قدمها طالبا رضاها .
ما يزعجه ليس خطفها لابنه؛ لأنه يعلم جيدا بأنها ستراعيه أكثر منه .. لكن ألمه الاكبر يكمن فى كونه أحبها وأرادها بصدق أن تكون زوجته .
أمن العدل أن يحب فتاتين مريضتين بنفس الامراض العقلية؟!!!
هل إن عادت سيخوض معها هى الآخرى حربا لتتعالج قبل أن يفوت الآوان؟!!
أم سيتركها لحال سبيلها وينسى أمرها؟
ابتسم بسخرية حين مرت تلك الخاطرة بباله، من هذا الذى سينسى؟؟
لقد تزوج بعد موت أسما .. وعايش الكثير من الفاتنات فى أوربا .. إلا أنه ابدا لم ينسى جرحه العميق من أسما، والذى جائت شقيقتها لتعيد بفتحه بقوة .. لتتركه ينزف دون أن يجد من يضمده .
أغمض عينيه بإرهاق بعدما تعبت تلك الافكار التى تصارع عقله منذ عدّة ساعات .
لقد مرت فقك عدّة ساعات منذ إختفائها وها هو يقلب إلى رجل مجنون .
إلتقطت فجأة أنفه رائحة عطر غريبة فى المكان، إنه يأتى إلى هذا المنزل حين يحب الانعزال والبعد عن أجواء القصر، لكن هذه الرائحة بدت غريبة على انفه .. رائحة عطر أنثوى!!
فتح عيناه ببطئ لتبدأ الصورة فى التشكل أمامه ...وقد كانت أهلّة!!!
كانت عيناه تتسع حتى جحظت من ذهوله، لقد كانت تتجسد أمامه فى صورة واقعية!!!
كان يبحث ويدور بحثا عن خيط رفيع يوصلها له بينما كانت هى تتلاعب به وتجلس بمنزله!!
ابتسمت أهلّة بلا تعبير، لتقول بهدوء عاقدة ذراعيها حول صدرها:
_ إيه أخبار لعبة القط والفار؟!! .. وصلت للفار ولا لسه بتدور عليه؟!
لم يتحرك من مكانه .. بل ظل جالسا يراقبها بعيون متفحصة، حتى قال بالأخير:
_ لأ واضح أن الفار قرر يخرج من مكانه ..
صمت قليلا قبل أن يتبع بنفس الهدوء:
_ خلينا نبدأ من جديد .. نورتى بيتى!
ابتسمت بسخرية وهى تتحرك من مكانها لتتجه إلى النافذة القريبة .. فوقفت قبالتها تنظر للطريق المظلم .
_ كام ساعة عدت بعد آخر لقاء؟
أجابها بثبات:
_ ستاشر ساعة وعشرين دقيقة .
ضحكت برقة ملتفتة إليه، لتقول:
_ واضح أنك كنت بتعد الساعات علشان توصلى .. تعرف أكتر حاجة مسلية فى اللعبة دى إيه؟؟
تجاوب معها خلال حديثها ليقول بهدوء مستفهما:
_ إيه؟؟
إقتربت منه حينها ببطئ وخطوات ثابتة حتى وصلت إلى الأريكة التى يجلس عليها، فجلست بجواره قائلة ببرود:
_ نظرت العجز فى عينك وأنتَ شايفنى ماشية مع ابنك ومش قادر تعمل حاجة .
تقلبت ملامح أوس إلى آخرى صخرية قاسية، قبل أن يقول بصلابة:
_ بس أنتِ لجأتى للغش يا أهلّـة .
زفرت أهلّـة نفسا مرتجفا وهى تشيح عنه، لتقول بعد لحظات:
_ ينفع نقفل الصفحة دى من حياتنا .. ينفع كل واحد يروح لطريقه، أنا مش قد الانتقام وده ظهر بعد كام ساعة من آخر لقاء .. ابنك نايم فوق فى سريره، خلى بالك منه لأنه محتاج رعايتك أكتر من أى حد .
قالت كلماتها بألم وهى تعاود النهوض لتغادر، إلا أن يده القاسية التى أمسكت بذراعها لم تدعها لتنهض .. بل عاود جذبها بعنف لتسقط ثانية على الأرسكة بجواره ليقول بفحيح أمام وجهها بعدما قربها منه:
_ طبعا هو بمزاج حضرتك .. نقفل الصفحة لما متقدريش تكملى أنتقامك، نفتحها لما ترجعى تانى علشان تنتقمى .
أنا قولتلك بحب!! ... أعارفتلك بحب وبرغبتى أنك تكملى معايا حياتى، كنت صادق فى كل كلمة بقولها وأنتِ كنتِ عارفة كده كويس .. ودلوقتى جاية تقولى كل واحد يمشى فى طريقه .
للأسف يا أهلّـة مش كل حاجة وفق ترتيباتك، وبما إنك مش عارفة تنتقمى أنا هنتقم ..
لكن فى الاول هقولك الحقيقة وهجيبلك الأوراق اللى تثبت أن أختك مريضة، وحتى الدكتور اللى كانت بتتعالج معاه ..
بعد ما أتجوزت أختك وعيشنا مع بعض لفترة هى حملت وكان وقتها لازم نواجه عيلتى بالحقيقة، كنت مسافر فقلتلها تستنى لحد ما أرجع .. لكن هى راحت بكل جنون للقصر .. وقالت أنها صاحبته وغلطت فى جدتى، وكانت دى أول بادرات جنونها .
أنا أفتكرت أنه حاجة عادية وأنها ممكن تكون أنفعلت زيادة، لكن بعد فترة بدأت تصرفاتها تتغير .. وفجأة رفضت الحمل بعد ما كانت مصرة عليه .
لما دورت فى سجلات العيلة عرفت أن والدتك كان عندها مشكلات عقلية، فعرضت أسما على دكتور نفسى وقال أنها محتاجة تتعالج بسرعة، أنا مقصرتش مع أختك وكنت معاها خطوة خطوة .. لكن فجأة كل حاجة خرجت عن السيطرة.
أنا مكنتش وقتها فى مصر، وهى أنتحرت .. بسلك التليفون .. وكتبت رسالة بتقولى أنى السبب وأنى اللى وصلتها للحالة دى ..
بعد موتها روحت للدكتور بتاعها و وريته الرسالة، قالى أن الضغوط اللى أتعرضت لها خلال حياتها .. غير العامل الوراثى خلاها تفقد التمييز، متعرفش مين عدوها ومين حبيبها .
أنا لحد دلوقتى مش عارف مين اللى قالك أنى قتلت أسما؟!!
أخفضت أهلّـة ناظريها عنه، لتقول بصوتا متحشرج:
_ عرفت كل ده لكن متأخر .. واللى قالى كانت أسما .
إنعقد حاجبيه بإستنكار وقبل أن يسألها كانت تكمل:
_ أسما زى ما سابت ليك رسالة، عملت معايا نفس الشئ .. حكتلى فيها عن قصة ظلمك ليها وإنك فى الآخر حبستها فى مكان معزول علشان تقتلها ومحدش يعرف وتخفى اللى عملته .
وأنا بقرأ رسالتها كنت حاسة أن جوايا نار بتغلى لحق مظلومة قبل حق أختى، أنا فى الحقيقة محامية .. علشان كدد قدرت أجمع عنك معلومات كتير، ولقيت فكرة أنى أشتغل فى القصر ... ويوم بعد التانى بدأت أكتشف أن ليك ضحية جديدة وهى ابنك، لكن لما عرفتك كويس فى الفترة اللى قضيناها على البحر .. عرفت إنك كنت بتحبها وعمرك ما هتأذيها ..
لما يبتك من كام ساعة روحت للمكان اللى كانت عايشة فيه وبدأت اسأل الناس عنها لحد ما وصلت لصاحبها القريبة .. واللى صدمتنى بأن أختى كانت بتكرهنى .
آه أسما كانت بتكهرنى وكانت عارفة كويس أنى هثور لرسالتها وهبدأ أنتقم منك، كانت عوزانى أدخل فى حرب أكبر منى علشان أخسر وأضيع باقى عمرى .
أنا قولت ليك كل اللى عندى، لأنى خلاص تعبت من أنتقام ملهوش أسباب!!!
آسفة لو كنت أذيتك أو أذيت زياد .. بس بتمنى فعلا تقرب منه وتنسانى .
أشاحت عنه وهى تحاول النهوض، إلا أن يده التى كانت ما تزال تتعلق بها لم تتركها .. بل زاد من تعلقها بها ..
ليجذبها أوس إليه قائلا أمام وجهها الباكى بحزن:
_ وقلبى؟! .. هينساكى أزاى؟؟
أغمضت عينيها بقوة لتشعر بيده تلامس وجنتها برقة لتزيل دموعها التى أغرقت وجهها دون أن تشعر .
ليتبع قائلا بهدوء حزين:
_ أنا بحبك .. وزياد بيحبك، أنتِ بقيتى جزء من عيلتنا الصغيرة، بقيتى الزوجة اللى بتمناها والأمر اللى بيتمناها .. وفجأة عاوزة تختفى .
برأيك ممكن أسيبك بعد كده؟؟
هزت رأسها رفضا وهى تشهق باكية، لتقول من بين بكائها:
_ أنتوا كمان بقيتوا جزء من حياتى .. بس .. بس أنتَ مش هتقدر تستحمل حمل تانى جديد عليك، أنا بشفق عليك من الحمل ده .
إحتضنها هذه المرة بقوة بين ذراعيه هامسا:
_ أنا قدها وأنتِ هتساعدينى، وإن شاء الله سوى هنتخطى كل ده .. لكن مع بعض .
قال كلمته الأخيرة وهو يشبك أصابع
|