كاتب الموضوع :
Enas Abdrabelnaby
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: أسيرٌ من الماضى (2) سلسلة جروح العشق الدامية
الفصل التاسع عشر
أنا وحيدة !!
ضائعة .. فاقدة للأمل !!
***
أهز راسى آبيآ أن اعلق بشركك
اطردك من مخيلتى كأنك فكرة شيطانية
أصرف ناظرى عن قراءة شيئا منك
تعويذة أنتَ ألقت عليا
داء بلا اجر ولا عوض
أنفض غبار تمتماتك الخفية عن ذاكرتى
كف عن اللحاق بى
طريقى بلا وصل
وفى نهاية الممر
نيران وأسلاك شائكة
فخ أنا ....لا تعلق به
*****
مضت الساعات بسرعة عجيبة .. ساعة ترجل تلازمها شقيقتها .. إلى ان تفاجأت بنفسها توضع أمام الواقع المرير .
لقد وصل أخاها منذ بضعة ساعات، تولى أمر المشفى وساعده الدكتور عمرو لإثبات قرابتهم بعمتها ..
وخلال القليل من الوقت .. كانت الاجرائات الروتينية للدفن قد تمت .
شعرت بأحدهم يجلس بجوارها مزفرا بإرهاق، فنقلت نظرها إليه ليتجد أخاها .
ابتسم بحزن وهى تنظر لوجهه الحزين المرهق.
_ آسفة ياسيف .
إلتفت إليها سيف عاقدا حاجبيه باستغراب، ليسألها متعجبا :
_ آسفة على إيه ؟؟
دمعت عينا زهور بألم وهى تشيح عنه قائلة بصوتا متهدج :
_ آسفة أنى مسمعتش كلامك وروحت معاه .. كنت غلطانة، افتكرت أنى ممكن أغيره .. بس للاسف هو غيرنى .
نظرت سيف إلى وجه زهور الباكى بأسف، يشعر بأنه مقيد بأغلال حكمته منذ فترة ... منذ عاد ليفاجأ بأخته متزوجة ومطلقة !!
تلك الأغلال اللعينة لا تكاد تترك له المجال كى يتحرك .. أو يجيد أتخاذ خطوته .
حاوطها بذراعه مقربا إياها منه، لتستند برأسها المتعب من كثرة التفكير على كتفه ..
فقال سيف متنهدا بتعب :
_ مش مصدق لحد دلوقتى اللى أنا فيه .. عارف أنه مش وقت اللى هقوله، بس أزاى متقوليش أن عمتى عايشة .. او كانت عايشة.
أغمض زهور عيناها بتعب لتجيبه بخفوت :
_ وانا مكنتش مصدقة يا سيف .. لكن كل حاجة جت بسرعة .
كان عندى عيلة بيجمعها الحب والمودة، وفجأة أختفى العمود الرئيسى فى العيلة وإنهارت وكل واحد راح فى طريق .
متخيل أن الوحيدة اللى تعرف قصة القتل ماتت، متخيل أن بابا هيفضل فى نظر أهل بلده قاتل وهارب .. أنا مش قادرة أصدق اللى بيحصل معانا ..
أنهت زهور كلماتها بصوتا باكى متقطع، فربت سيف على ظهرها برفق .. لا يعلم ماذا يقول او يفعل فى مثل تلك اللحظة .. فهو لايزال على أثر الصدمة ..
صدمة التهمة الملقاة على والده .. صدمة وجود عمته ثم اختفائها للابد .. صدمة بقاء شقيقته وحيدة حائرة وضعيفة .
لن ينكر القول .. إنه الأن فى أضعف وأشد حالاته تشتتا .
ولكن ما يراود عقله ويشغله بشدة هو فكرة واحدة وهى أن يتجه لزوج أخته النذل ويلقنه درسا فى كيفية أن يصبح رجل .
ولكن عليه التريث الأن .. سيدفن عمته فى البداية ويتلقى عزاها ثم سيتفرغ له، فأبدا لن يصفح عنه لكل ما فعله باخته .
همس محاولا تغيير مجرى الحديث :
_ أنا هكلم ماما زمانها قلقانة علينا، لما نزلت مقدرتش أقولها عن موت عمتنا .. بس يارب تقدر تستحمل .
اومأ له زهور برأسها فنهض متهجا إلى أحد الزوايا فى الممر لكنها استوقفته قائلة بهدوء شارد :
_ هنزل أجيب حاجة أكلها من الكافيه عاوز حاجة ؟
_ ياريت قهوة علشان أقدر افوق .
اومأت له ثانية وإلتفتت مغادرة .
بعدما أحضرت ما أرادت من الكافيه إتجهت إلى حديقة المشفى الخلفية .. لتجلس على أحد الكراسى المتهالكة .
نظرت زهور إلى السماء السوداء بشرود .. كانت دائما تحب النظر إلى السماء والبحث عن النجوم حين تشعر بالهموم تتحامل على كتفيها .
بحثب بعينيها كما أعتادت على النجوم الصغيرة اللامعة بالسماء، لكنها لم تجد شيئا .. وكأنها عاندتها فى الظهور بمثل هذا الوقت الذى تحتاجها به لتروح عن نفسها .
أخفضت رأسها متنهدة بعدما لم تجد شيئا بالسماء، امتلأت عيناها بالدموع الحارقة .
لم تعد تقدر على التماسك، تشعر بأنها تهاوت .. تهاوت مع كل أحلامها وأمانيها .
تهاوت فى تلك اللحظة التى غادرها بها بكل برود، وكأن شيئا لم يكن .. وكأنها مجرد شئ زائد فى حياته إرتاح من حمله أخيرا .
تهاوت فى تلك اللحظة التى عرفت بأنها لم تكن تتحرك سوى بحماس الشباب ولهفتهم .. وحين إنقشعت تلك المشاعر الثائرة إتضح بأنها لم تصل لشيئ ولم تكن لتصل .
أمن العدل أن ندفع ثمن خطايا الغير ؟؟
بالتأكيد لا .. ولكنه فعلت ودفعت الثمن غاليا لثانى مرة تتذوق طعم الذل والإهانة على يديه .. للمرة الثانية تشعر بأنها لا شئ بالنسبة له .
ولكن هذه المرة لن تعقد العزم على الإنتقام منه .. فإنتقامها دائما خانع .. ضعيف ولا يرد إلا فيها !
أفلتت شهقة متألمة من بين شفتيها .. لتتبعها آخرى وآخرى أبت ألا يتوقف الدور عليها .. لتنساب الشهقات متألمة مختنقة من بين شفتيها ..
بينما تسابقت الدموع فى الجريان على وجنتها بلهفة لتكمل حالة الضعف التى وصلت لها .
............................................................ ........................................................
فتحت عيناها ببطئ .. ترمش بها ثانية وتعود لتغلقها لتفتحها شاعرة بنفسها تدور فى متاهة من الضياع .
جذب إنتباهها صوت همس قريب منها، ففتحت عينها بسرعة تبحث عن مصدر الصوت لتجده رجل مثلم يخفى ملامحه تماما عنها يقف أمامها يهمس بكلمات حاولت فهمها لرجل خلفها .
رفعت ناظريها بإجهاد لتجده ينظر إليها وبعينه نظرة حاقدة زكارهة .
لم تمض سوى ثوان كانت خلالها تستعيد وعيها الكامل، لتفاجأ برجل آخر يقترب منها ليمسك بذراعها ويكشفه ليدس حقنة سريعة بيدها .
حاولت التململ وهو يعطيها تلك الحقنة الغريب إلا أنها لم تقدر على مقوامته، لتتنهد بإجهاد حين ابتعد عنها ناظرة إلى الذى يقف أمامها عاقدا ذراعيه على صدره بترقب .
همس بإجهاد وهلا تشعر بالرؤية تغيم على عينيها :
_ إيه ده ؟؟
صدرت عنه ضحكة خافتة ساخرة، اتبعها بقوله البطيئ :
_ عامل مساعد .
فتحت فمها بإجهاد لتأخذ نفسها منه شاعرة بنبضات قلبها تتزايد بسرعة غير محسوبة، لتعاود القول بتعب :
_ أنتَ عاوز إيه .
إنحنى الرجل ليكون بمواجهتها هامسا امام وجهها :
_ عاوز أنتقم من مؤيد .
أغمضت عيناها حينها وهى تشيح عنه لتقول بإرهاق :
_ أنا مش هفرق مع مؤيد .
أصدر حسام صوتا معترضا .
__ تؤ تؤ .. واضح إنك مش عارفة قيمتك عند مؤيد، وإلا كنتِ عرفتى أن اللعب بمؤيد يبدأ بيكى .
فتحت ميساء عيناها على إتساعهما حين شعرت به يقترب منها، لتجده يهمس فى أذنها :
_ وأكيد بابنه .
إتسعت عينا ميساء بذهول وهى تشعر ببطنها تؤلمها .. فصرخت :
_ أنتَ .. أنتَ عملت ايه .
تعالت ضحكات حسام المنتشية، ليقول بتشفى :
_ ده البداية يا ميسا .
لحظات سادت خلالها الصمت .. كانت ميساء تشعر بالألام تتسلل إلى ظهرها .. بينما حسام يراقب تعابير وجهها المتعبة بنظرات جامدة دون أى تعبير .
صدح فجأة صوت أحد مساعديه مخبرا إياه بوصول مؤيد .. فإلتفت لها باسما .
_ مؤيد وصل اخيرا .
عاد يلتفت للرجل الذى اخبه بحضور مؤيد، ليقول باسما :
_ استقبلوه .
كانت كلمته وحيدة إلا أنها شعرت بالريبة من لهجته .. اتتأكد بعد دقائق ثقيلة، حين دخل مؤيد مدفوعا بقوة .. بينما يعتقل ذراعيه رجلان أشداء .
شهقت بصدمة حين نظرت له وهو يحاول التخلص من الرجلين .. ويصرخ بهما ان يتركاه .
إلتفتت بسرعة إلى الرجل الملثم حين تعالت صيحته :
_ نورتنى يامؤيد ... بعتذر عن سوء الإستقبال ده .. سيبوه .
ابتعد عنه الرجلان ولكن ليس كثيرا، لينظر مؤيد حوله بريبة ويعود بنظره للملثم قائلا باستغراب :
_ أنت مين وعاوز منى ؟
إعتدل حسام فى وقفته ليقترب من مؤيد حتى أصبح أمامه مباشرة فقال بحقد :
_ قبل ما تسأل أنا مين .. وعاوز إيه، اسأل نفسك أنتَ عملت إيه يستحق اللى هيجرالك .
عقد مؤيد حاجبيه بعدم فهم ليسأله :
_ وإيه اللى عملته علشان تيجى تنتقم منى .
إقترب حسام خطوة آخرى من مؤيد ليهمس بفحيح :
_ عملت كتير يامؤيد .. كتير اوى وجه وقت الحساب .
............................................................ ........................................................
_ عمى أنا عاوز أتقدم لبنت حضرتك .
قالها إياس بثقة أمام مختار، الذى نظر إليه بذهول امتزج بالدهشة .
لحظات وكان مختار يبتلع دهشته بسهولة، ليرسم ملامح التودد على وجهه ويجيب :
_ إياس يابنى أنتَ سمعتك مفيش كلام عليها فى السوق .... لكن ...
وصمت مراقبا لردات فعل إياس الذى أجاد إخفائها ليسأل مستفسرا :
_ ولكن إيه ؟؟
إعتدل مختار بمجلسه ليضع قدما فوق الآخرى:
_ لكن أنتَ لعبت من ورايا ببنتى، وأخدت نص الشركة .. وكده أنتَ تعرضت ليا شخصيا وأنا مش بسامح اللى يتعرضلى .
ابتسم إياس بسخرية، ليقول ببساطة :
_ بعتذر ياعمى لو اسأت ليك .. لكن أنتَ عارف أن ده شغل .
تعكرت ملامح مختار لتتحول من الثقة إلى الغضب .. حيث ظهر جليا فى كلمته التالية :
_ إيه السبب اللى خلى رغد تتنازل عن نص الشركة .
إلتوت زاوية وجهه بسخرية ليجيب بثبات :
_ نفس السبب اللى هيخليها تتنازل عن باقى نصيبها فى الشركة ..
بقول أنه الافضل منتكلمش فى الشغل دلوقتى، ممكن نبقى عيلة ونجمع المصالح ..
أنهى إياس كلماته ببطئ ليوصل المعنى المبطن إلى مختار الذى ابتسم شاعرا بأنه على وشك الإنتصار فى المعركة .. بينما الآخر يناظره بسخرية وكأنه قد أوقعه فى مصيدة قد أعدها له .
فإتبع مختار قائلا بحبور مصطنعة :
_ أنتَ عارف يا ابنى أن الرأى يرجع لرغد، مش هقدر أجبرها على حاجة .. أنا هعرفها بطلبك وهى ليها حرية الإختيار .
حينها نهض إياس بخفة لينظر إلى مختار من علوه قائلا بابتسامة باردة :
_ وأنا هستنى رأيك ياعمى .
وشدد على كلمة عمى الأخيرة، وكأنها تؤكد له بأنهم عائلة .
غادر إياس ليظل مختار بمكانه مبتسما بخبث، الفرص الذهبية تصله دون أى مجهود يذكر .
لكن ليس الخوف على الفرصة الذهبية هو ما يشغل باله، بل الخوف من ابنته التى لن تقبل او ترفض إلا باختيارها الغبى وبالطبع إن وجدته موافقا سترفض، لذا عليه اللعب بالأمر جيدا حتى تقع هى وذلك الشاب تحت خيوطه ثانية .. وعله ينجح هذه المرة .
............................................................ ........................................................
أنتهى الإجتماع
فكرت ساعرة بالراحة حين بدأ الأعضاء بالمغادرة .
كأى اجتماع يقوم بعقده إياس باشا، يترأسه ببسالة دون أن يترك لها المجال كى تشارك حتى برأيها .
الحقير يلعب على وتر جهلها وقلة خبرتها بمجال إدارة الأعمال .. إنها هى الغبية من البداية لدخولها مجالا لا تفهم به شيئا .
نهضت بعزم متجه إلى إياس الذى كاد يغادر القاعة، لتوقفه قائلة بحزم :
_ باشمهندس إياس .. ممكن دقيقة .
رفع إياس حاجبه مستنكار لينظر إلى ساعة معصمه قائلا :
_ قدامك خمس دقائق علشان عندى ميعاد مهم .
كتمت رغد كلمة حادة كادت تلقيها بوجهه، لتومأ برأسها مدعية الهدوء .
_ أنا عاوزة أتنازل عن باقى نصيبى فى الشركة .
إرتفع حاجباه تلك المرة باستنكار حقيقى، ليسألها مرتابا :
_ ليه ؟؟
إعتدلت رغد فى وقفتها لتجيبه بحزم :
_ لأنى مش قدر المسؤلية .
_ وإيه تانى ؟
رفعت رغد حينها عينيها لتقابل عيناه السوداء القاسية، فأجابة بخفوت :
_ ولإنك مش هتسيبنى فى حالى .. وأنا تعبت .
أنهت كلمتها مزفرة بتعب وكأنها تؤكد له صدق كلماتها .
ليظل يحدق بعينيها محاولا الوصول إلى ما وراء عدستيها اللامعة كرخام بارد .
همس حينها إياس وهو لايزال يحدق بعينيها:
_ أنا عاوز أتجوزك .
لمعت حينها الدموع بعينها، لتقول بمرارة :
_ أنا مبقتش صالحة للإنتقامات .. أنتَ قولت أنى مرآة متكسرة .. مش هيفيدك الإنتقام منى فى حاجة .. أنتقم من أصل مشكلتك، انتقم منه وسيبنى فى حالى .. لانى فعلا مش هفيدك بحاجة .
أنهت كلماتها لتشيح عنه شاعرة بالألم يمزق قلبها .. سارعت بالمغادرة إلا أنه اعترض طريقها ما أن حاولت الابتعاد ليقف أمامها كحاجز صلب لا يتحرك .
ظل ينظر إلى ملامحها التى أغرقتها الدموع فى لحظات .. إلى أن قال بهدوء صلب :
_ أنا أتقدمت لوالدك .
شهقت رغد بصدمة، لتنظر إليه بعيون متسعة بينما شعرت بالكلمات تخونها .
وقبل أن تخرج من صدمة ما قال إتبع بجمود :
_ أنتِ عملتى معايا زى ما هى عملت مع والدى، بس هى كانت اسوأ منكِ .. مكنتش مصدق إنك ممكن تكونى بالبراءة دى .
زى ما قولت .. أنا أتقدمت لوالدك، أنتِ ليكِ مطلق الخيار توافقى او ترفضى، قرارك بلغينى بيه مباشرة .
بس اللى عاوز أقوله أنك لو هتهربى من العالم كله هتلاقينى وراكى، مش علشان عاوز أنتقم .. لكن علشان اساعدك .
صمت بعدما أنهى كلماته ليتنحى عن طريقها تاركا لها المجال كى تكمل طريقها .. فنظرت إليه بصدمة عاجزة عن الكلام .
............................................................ ........................................................
همس متنهدا حين فتح الخط :
_ وحشتينى .
داعبت ابتسامة خجولة ملامح وجهها النضرة، لتجيبه بصوت خافت :
_ أنتَ اختفيت فجأة من غير ما تقولنا، أنا وماما كنا خايفين عليك جدا .. أنتَ فين دلوقتى ؟
نظر سيف بشرود إلى الشارع الخالى من الناس من نافذته .
_ تصورى أن زهور لقت عمتى .. واللى مكنتش أعرف أنها موجودة اصلا، ودلوقتى أنا ماشى فى اجرئات دفن عمتى !!
إلتقطت أذنه شهقت نهاد المصدومة لتغيم عيناه بحزن غير قادر على ترجمته لكلمات .
بينما كانت نهاد على الطرف الآخر تتشبث بالهاتف بقوة، لا تعلم ماذا تقول أو كيف تواسيه ولا تستطيع إستيعاب الصدمة .. فكيف كانت عليه ؟؟
أكمل سيف بعدما أخذ نفسا عميقا :
_ زهور حالتها صعبة جدا .. بتحاول تظهرلى انها قوية ومن ورايا شايفها بتبكى ومش قادر اقربلها .. حاسس بعجز كبير يا نهاد، عجز مسيطر على تفكيرى ..
كل دى حقائق فجأة أترمت فى وشى، مش قادر أستوعبها ولا قادر أتخذ رد فعل مناسب .
حاسس أنى زى اللى أترمى فى متاهة ومش قادر يخرج منها، وأكتر حاجة تعبانى أنى مش عارف أتعامل أزاى مع زهور .. مش دى زهور اللى ودعتها قبل سفرى، مش دى زهور اللى اعرفها .
أنهى كلامه متنهدا بتعب، لتشعر نهاد بأن كلماته تجرحها وتؤلما مثلما تؤلمه ..
إن كان قد عجز عن إختيار افضل الحلول فى مثل تلك اللحظة فماذا ستفعل له وهى تستشعر نفسها أكثر ضياعا منه .
الموقف يحتم أن تتدخل بقوة وتدعمه بشكلا خفى كى يتخطى أزمته، ولكنه تجد نفسها بتلك اللحظات أضعف منه!
بللت شفتيها المتشققتين بلسانها، لتقول محاولة الحصول على أكبر قد من الصلابة :
_ أنتَ تقدر يا سيف، تقدر تقف جنب اختك .. تقدر تقف فى جنازة عمتك .. تقدر تستحمل اللى جاى لإنى أعرفك دايما رجل حكيم .. صابر، شجاع .
مش هقولك أخفى مشاعرك وأدعى القوة والصلابة، لكن أختار أفضل حل يريحك أنتَ وزهور ..
قرب منها فى الفترة دى، أدعمها ولو بنظرة إسندها لو وقعت .. متبينلهاش إنك محتار زيها، متسألها عن التفاصيل دلوقتى .. متسألها عن زوجها، استنى لحد ما تيجى هى وتقولك ..
متفتكرش أنها مش بتثق فيك، لأنها لو كانت كده مكنتش لجأت ليك لما بقت لوحدها .. زهور عنيدة وقوية لكن لكل واحد نقطة ضعف ونقطة ضعفها كانت فى قلبها، فبلاش تزيد الحمل عليها واصبر .. أنا متأكدة من إنك قدها .
اخفض سيف رأسه مبتسما بحزن، ليرفعها ثانية ناظرا امامه بشرود قبل أن يسألها بخفوت :
_ زهور ممكن تسامحنى ؟؟
قالت نهاد بهدوء :
_ زهور سامحتك قبل ما تطلب .
_ لكن أنا سبب اللى هى فيه، أنا السبب فى أنها تتجوز الراجل ده .. أنا السبب أنها تبقى وحيدة، أنا اللى مكنتش جنبها من الأول لما إحتاجتنى .. انا كنت بعيد وهى بتطلب أنى أرجع، أنا كنت أنانى وهى بسببى بتعانى .
خفت صوته فى آخر كلماته بحزن، إلا أن نهاد قالت بصوتا صاخب مرتفع :
_ أنتَ غلطت فى بعدك عنها ماشى، لكن الحياة مشاغل .. وده حقك، أيوه أنتَ غلطت لكن مش لازم تحمل نفسك كل حاجة .. بدل ما تلوم نفسك على كل اللى بيحصل فكر فى أزاى تخرجها من اللى هى فيه، أزاى ترجعلها ثقتها بيك .. أزاى تساندها فى لحظة هى مش عاوزة حد يشهد ضعفها ..
إنك تحمل نفسك الذنب وتعاقب نفسك باللوم والعتاب مش هفيدك أو هيغير حاجة، زهور محتاجة منك صبر .. صبر ونفس طويل، موت عمتك مش اللى كسرها .. بعد زوجها عنها وأنه تركها هو اللى عمل فيها كده .
ابتسم سيف على الطرف الآخر بمرارة قائلا:
_ للاسف .. زهور مش هتقدر ترجع لنفسها إلا برجوعه، زهور بتحبه بجد .. الحالة اللى فيها لأنها عارفة أنهم مش هيقدروا يكملوا مع بعض، ولانها عارفة انه هيتعب بسبب الماضى .. زهور خايفة عليه، وخوفها وحزنها هو اللى وصلها للحالة دى .
نظرت نهاد إلى الهاتف بيدها بعدم فهم، أحقا قد يحب أحدهم بتلك الطريق؟؟ .. أيصل به الحب كى يخاف ويحزن على من تتذب على يديه ؟؟!!
زهور رقيقة وقوية بذات الوقت، إلا أنها لم تتصور ان تكون حساسة بتلك الدرجة !!
تسائلت نهاد بحيرة وهى تشعر بأن الأمر أكثر تعقيدا مما ظنت :
_ هتعمل ايه ؟!
سمعت زفر سيف المرهقة إتبعها بأن قال بوجوم :
_ هقف معاها وأساندها لحد ما تمر الفترة دى، بعدها لازم أقابل الحقـ .. أقصد أدهم، لازم أفهم منه باقى القصة .. وأزاى عرفوا مكان عمته وليه مكناش نعرف عنها حاجة طول السنين دى .. عندى اسألة كتير، ومفيش غيره هيقدر يجاوبنى .. بس الفترة دى تعدى .
اومأت نهاد برأسها لتتوقف بعدها بثانية شاعرة بالغباء، فسارعت القول :
_ ربنا معاك .. بس ...
عقدت سيف حاجبيه مستغربا ليسألها :
_ بس إيه ؟؟
_ ماما ..
زفر سيف واضعا يده على جبهته بارهاق، يا الاهى لم يكن ينقصه سوى أمى والدته التى سيقلب عليها موت عمته الالامها .. وستعاد التسائل على مسامعه مستنكرة ..
لو كان بيده فلم يكن ليخبرها، يكفى انها لاتزال متعبة وحزينة بعد موت والده .. فماذا بعمته التى بالطبع لم تكن لتعلم عنها شئ .
_ قوليلها يا نهاد .. بس خليكى جنبها، أنا بكره هكون عندكم ان شاء الله .
تمتمت نهاد موافقة لتودعه بقولا لطيف، ليغلق الهاتف مغمضا عيناه بإرهاق ومستند بظهره على الحائط من خلفه .
............................................................ ........................................................
_ بدون مقدمات ياميس .. أنا عاوز أتقدملك .
ابتسمت ميس بهدوء متزن، لتقول:
_ اظنك تملك رقم والدى .
أخذ قصى نفسا عميقا قبل أن يجيب :
_ ايوه .. لكن أنا عاوز أكلمك الاول قبل ما أتقدم .
أنتِ عارفة أن مراتى توفت فى حادثة، وأنى لسه مرتبط بيها .. وأنتِ كنتِ خلال الفترة دى بتساعدينى علشان أحاول أرجع لحياتى ..
يعنى أنتِ تعرفى عنى كل حاجة، وعارفة اللى أنا فيه، فهتقدرى تستحملى رجل لسه بيبنى حياته من جديد .
أحتست ميس القليل من فنجان القهوة الموضوع أمامها قبل أن تقول مبتسمة :
_ كمل يا قصى .
ابتسم لها شاعرا بالرضى .. أن يجد من يفهمه من النصف الآخر هذا كل ما كان يبحث عنه .. وقد تمثل ما تمنى فى ميس .
الفتاة التى لم يظن يوما بأنها تمتلك تلك الشخصية الرائعة، لن ينكر اعجابه الخفى بشخصيتها المميزة .. بإتزانها ومرحها بذات الوقت، قوتها وضعفها .. تفهما وتقبلها لكل ما مر به .. فكيف يضيع الفرصة من بين يديه .
_ أنا مش هخفى عليكِ أنى متردد من فكرة الجواز .. لكن ناوى اخوض التجربة، أنتِ ليكِ حرية الاختيار يا ميس وأنا مش عاوزك ترتبطى بشخص لسه خارج من محنة عاطفية، ممكن يتخطاها وممكن لأ .
أنهى قصى كلماته مشيحا عنها، ليسمع كلامها الهادئ :
_ أنتَ عارف ومتأكد أن اقرارى بتخذه بعقلى بعد تفكير طويل، وبالنسبة لكل اللى قولته أنا عارفة كل ده .. ومقدرة جدا للفترة اللى بتمر بيها، جوايا جزء بيلومك لإنك تسرع فى فكرة الإرتباك .. والتانى شايف إنك لازم تكمل حياتك .. بس اللى أقدره أقوله إنى موافقة أكمل معاك، لكن فى حالة إنك مش هتقدر تتخطى حبك لغنى .. فللأسف أنا هنسحب .
عقد قصى حاجبيه باستغراب .. ليقول متعجبا:
_ بصراحة يا ميس .. أنا أحيانا مش بفهمك، ليه تقررى ترتبط براجل زى .. وفى نفس الوقت بتعلنى انسحابك ؟!!
ضحكت ميس برقة لتجيبه بالعربية :
_ دى بقا مهمتك .. أنك تفهمنى من غير ما أقول .
أنهت كلماتها مبتسمة وهى تلعب بخصلة شاردة من شعرها .
ليبتسم قصى شاعرا بسعادة خفية تلامس قلبه .
............................................................ .......................................................
حين المواجهة تتشتت القلوب، وتبقى العقول هى المسيطرة .. إما أن تَغلب او تُغلب فى الجدال !!
وقفت أمامه بحزم .. عاقدة ذراعيها على صدرها، عينيها حملت نظرة جادة حادة مترقبة .. بينما كان أمامها يقف شاعرا بنفسه مشتت، بين ماضى بعيد وماضى قريب .. بين اسم تلك واسم هذه .. بينه وبين رجل لا يمتل إلى ذلك إلا بصلة الاسم المشترك .
ها هى اسوأ كوابيسه تعاوده فى مواجهة آخرى تستنذف ما بداخله من طاقة تحمل ..
خرج من شروده حين قالت أهلّة بحدة :
_ أسما تبقى أختى .
إتسعت عينا أوس بصدمة .. شعر فجأة بنفسه بطيئ الفهم .. لا يعمى ما قالت أهلّة منذ لحظة ...
أختها ؟!!!!!!
لحظة من هو بينهم ؟!!
بلى لحظة .. لقد أخبرته أسما بذلك، أخبرته بأنها تملك شقيقة .. لكن.........!!!!!!!!
تابعت أهلّة بحقد دون أن تنتظر رده :
_ أيوه أسما هى أختى .. اللى أنتَ ضيعتها .. اللى حبتك وغدرت بيها، أسما اللى كانت حامل منك ولما عرفت قتلتها .
صاحب بآخر كلماتها بحرقة .. ليشعر بكلماتها كلكمات متتالية فى فكه بدون رحمة ..
لم يكد يتقبل صدمته الأولى فى كونها شقيقة أسما حتى أنهالت عليه بسيل الصدمات تلك .
هز رأسه بقوة حين شعر بالدوار يستحكمها، ليقول بعد ثانية محاولا التركيز :
_ أنتِ فاهمة غلط ؟؟.... أسما كانت....
صرخت أهلّة بحقد مقاطعا إياه :
_ أسما كانت بتحبك .. كانت بتعشقك، وأنتَ خدعتها .. وكنت سبب فى الحالة اللى وصلت لها ..
لا وبكل بجاحة بعد ما قتلتها، جبتها جثة علشان تقول أنها كانت تعبانة ..
أنتَ إنسان........ مش لاقية وصف ليك .
شهقت باكية مع آخر كلماتها .. ليقف أمامها أوس عاجزا .. يشعر بأن مكبل لا يعلم كيف يخرج مما فيه دون أن يخذل أحدهم .
بعد لحظات دام خلالها الصمت بينهما، حزمت خلالها أهلّة أمرها لتمسح دموعها بعنف وتلتفت إلى أوس الواقف امامها مخفضا رأسه بتخاذل .
_ هتدفع تمن اللى عملته فيها .. لإنك كنت عارف أنها يتيم فقولت صيد سهل، لكن أنا مش هسيب حق أختى .. أنا هنتقم منك .. هنتقم....
قطعها أوس واضعا يده أمام شفتيها، ليقول بهدوء حزين:
_ من حقى تسمعينى .. وبعدها تحكمى عليا .
ابتسمت اهلّة بسخرية .
_ هتقول حاجة جديدة عن اللى أعرفها ؟؟ ... لأ يبقا مش محتاجة أسمع اللى هتقوله .
إلتفتت لتغادر مسرعة، إلا أن أوس أمسكها من ذراعها بحزم ليديرها له .. لترى ملامحه قد تبدلت .
فإختفت تلك المشتتة الذاهلة، لتحل محلها آخرى غاضمة غامضة .
ابتلعت ريقيها المتحجر، لقد تغيرت حتى نظرته .. فأصبحت أكثر قسوة وغضبا اسود .. لكنها لن تضعف أمامه ستتمسك بقوتها أكثر منه .
حاولت إزاحة يده عن ذراعها إلا أنه زاد من قبضه عليها حتى شعرت بالألم يغزوا ذراعها، فتوقفت عن دفعه لتنظر إليه بصلابة بينما قال بغضب :
_ عاوزة تحكمى عليا يبقا لازم اسمعينى الأول.
أنا عرف أسما فى نشاط جامعى .. وبدأت أتعرف عليها وأقرب منها لحد ما حبينا بعض ..
فى الفترة دى كان المفروض أنى أتزوج بنت صاحب والدى، وأنا كنت رافض لفكرة زواج المصلحة .. فرفضت أنى أتزوجها وأعلنت قدامهم أنى بحب بنت وهتجوزها .
وفعلا فى اليوم ده أنا روح لأسما وطلبت منها أننا نتجوز، وكتبنا الكتاب عند المأذون .. لأنى عمرى ما فكرت ألعب بأسما أو أتجوزها عرفى، وعلشان أحط أهلى ادام الواقع .
أسما خلال الفترة دى كانت طبيعية، زى ما عرفتها دوما .. لكن بعد فترة من زواجنا بدات تتغير .
فى الأول كنت فاكر أن تغيرها نتيجة للظروف اللى أحنا فيها.. فمقدرتش ألومها، لكن لما حسيت أن اللى بتعمله فيه حاجة مش طبيعية بدأت أشك .
صمت آخذا نفسا عميقا وقبل أن يكمل قاطعته أهلّة بحدة :
_ أنتَ كذاب .. من أول كلمة قلتها، أسما مكنتش مشتركة فى أى نشاط جامعى لأنها مش بتحب الاختلاط بالناس، وأنتَ متجوزتهاش عند مأذون .. أنتَ ضحكت عليها واتجوزتها عرفى ، وأسما مكنش فيها أى حاجة زى ما أنت بتقول ..
أنت كذاب وعاوز تبين أنك مش غلطان، لكن أنتَ مجرم وأنا مش هسكت على اللى عملته و.......
هزها أوس حينها بعنف، ليصرخ بها قائلا :
_ انتِ اللى مكنتيش تعرفى أسما، لإنك كنتِ دايما بعيدة عنها .. وهى ابدا ما كانت بتحب، كانت دايما تقولك إنها بتحقد عليكِ علشان أنتِ عايشة أحسن منها .. كانت.......
صمت حين عبطت يدها على وجهه بقسوة، لتشتعل عيناه بحقد .. ليرفع يده ويهم برد صفعتها، إلا انها أوقفتها بقوة حين رفعت ذراعها بوضع الحماية ..
لتنفض ذراعه بقوة وتبادر بإخراج شيئا حاد من إحدى أكمام قميصها الطويل لتضعه على رقبته قائلة بعنف :
_ متفكرش تقرب منى، أنا مش ضعيفة زى أى حد قابلته .. تكون غبى لو فكرت أنى جاية علشان أتكلم معاك وأقلب فى ذكريات الماضى بتاعك ..
سبق وقلت ليك .. أنا جاية أنتقم .
قالت عبارتها الأخيرة ببطئ وكأنها ترسل له رسالة، فعقد أوس حاجبيه قليلا قبل أن تتسع عيناه بذهول .. وقبل ان يبادر بفعل أى شيئ .. كانت تسارع بالإنحناء وضرب قدميه بقدمها بحركة سريعة غير متوقعة جعلت توازنه يختل ويسقط أرضا بقوة .
نظر لها أوس من مكانه على الأرض بصدمة، يشعر بأنه يعايش فلما غريبا هو بطله !!
همست حينها أهلّة مبتسمة وهى تلاحظ ملامح وجهه المصدومة :
_ وأعرف إنك بطيئ فى ردت الفعل .. صدقنى يا أوس أنا مكنتش هقدم خطوة واحدة غير لما أحسب حسابها ..
أنهت كلامها بأن أنخفضت إليه لتهمس بجوار أذنه :
_ بتمنى يكون نومك هانئ .. ومتخافش على زياد، هيكون كويس معايا .
وقبل أن يفهم أوس أى شيئ، شعر بجسده يتخد .. وبرأسه يثقل .. ولكنه همس قبل أن يغيب عن الوعى :
_ بلاش زياد .. أرجوكِ بلاش ابنى .
ابتعدت أهلّة باسمة بسخرية، لتتلاشى الرؤية عن هذا الحد ويعم ظلام أسود سكن به بسلام .
............................................................ ........................................................
المرأة قربها ممطر ورحيلها برد قارس ......
جنونها كل الحياة.
المرأة لاتلجآ لاستعمال المنطق ....فالعاطفة تقودها.
فإذا بغضت كانت شبيهة الحجارة أو أشد قسوة.
*****
فى اليوم التالى كانت زهور تقف بجوار أخاها ووالدتها .. تنظر من خلف الزجاج الأسود لنظارتها إلى الأرض التى دفنت بها عمتها لتوها .
إلتفتت ثانية لأخاها الذى ربت على كتفها وأقترب هامسا بأذنها :
_ خلى بالك من ماما .. انا هكمل مع الرجالة .
اومأت له برأسها دون أن تتحدث، لتقترب من والدتها محتضنة إياها .
بينما عيناها لم تترك ذلك المكان الذى رأت عمتها تدخله ..
كانت نهاد تقف على جانبها الأيمن، تنظر بحزن إلى زوجها الذى عاد ليساعد الرجال فى دفن عمته .
إنها تشعر بأن تلك المرأة هى عمتها .. تشعر بان والدته هى والدتها .. وأخته هى أختها .. هل هذا هو معنى أن تصبح لها عائلة ؟؟!
لم يكن لها يوما عائلة، كانت دائما شيئا زائد بحياة والدها .. وكذلك كان اشقائه، ولكن الشعور بأن هناك من تبكى عليه إذا فارقها .. الشعور بأن هناك من يحتضنها حين تبكى .. الشعور بأن لها سند .. هذا ما لم تجربه يوما .
لا بل جربته .. جربته حين مات والدها ووقف سيف إلى جوارها، جربته حين علمت بموت والدتها وكان سيف ووالدته إلى جوارها ..
جربته حين دخلت إلى تلك العائلة فقط .
وها هى تتقاسم معهم الحزن فى تلك اللحظة .
عاودت النظر إلى سيف الذى كان يقف فى مواجهة زوج أخته ادهم الذى تفاجئا به اليوم يقف معهم منذ خروجهم من المشفى إلى الان، بل أنه يساعد سيف فى دفن عمته أيضا .
لكن حين سأل سيف اخته عن سبب ظهور زوجها المفاجأ، لم تبدوا أنها تفاجأت بل قالت له ببرود تام أنه يؤدى واجبه ..
حينها منعت سيف بالقوة من التدخل بينهما فى مثل تلك اللحظات، وأصرت عليه بأن يتمهل .
أنتبهت فجأة حين تلاقت عينيها بعينا سيف الذى أنتهى لتوه .. لتهز رأسها ببطئ وكأنها تشجعه على المضى قدما .
فإلتفتت ليتلقى التعازى وبجواره كان أدهم يقف صامدا .. بوجه قاسى متجمد .
بعد مغادرة جميع الناس، إتجهت زهور إلى القبر المجاور لقبر عمتها .. لتجلس أمامه واجمة تنظر إلى أسم والدها بشرود .
لقد أنتظرت تلك اللحظة من زمن، من ودعته فى نفس المكان .. تحتاج الان وفى تلك اللحظات الصعبة ضمته الحانية، بسمته المتفائلة .. همسه القوى الدافع فى لحظات الشدة كتلك التى تعاشرها الأن ..
هى تحتاجه، كإحتياج طفلة لحضن والدها ... تحتاجه كاحتياج النبات للماء كى ينمو، تحتاجه كى تنسى ما مرت به بين ذراعيه ..
تشوت الرؤية من خلفت نظارتها بسبب غلالة الدموع التى إستحكمت عينها، لقد أقسمت ليلة أمس ألاتبكى ثانية .. اقسمت أن تذرف آخر دموعها على صدره .. ثم بعدها لاتبكى ثانية ..
لكن مثل تلك الوعود أتخذت كى لا تفعل، اتخذت كى يتم فصمها ..
كم تحتاج إلى لحظات الخلاء تلك .. تحتاج أن تعيد ترتيب أولوياتها .. تتعرف على ما عليها فعله وما عليها تجنبه، تبدأ بحذف الأشخاص الغير مرغوب بهم وتضيف آخرين قد أهملتهم .
ميساء .. رغد .. ونفسها، كلهم تركتهم على قارعة الطريق .. لتجرى مثل العمياء خلف السراب، وحين ظنت بأنها أمسكته .. تبخر بسرعة لم تتخيلها !!
شعرت بأحدهم يقترب ببطئ ليقف ورائها، لم تحتج الكثير من التفكير كى تخمن بأنه هو .. تكفى رائحة عطره التى غزت حاسة الشم لديها ما إن اقترب .
ظلت على حالها من الجمود .. لم تعره أى اهتمام، لم تلتفت إليه ولم تطلب رحيله، فقط ظلت بموضعها جامدة الملامح .. تخفى نظارتها السوداء نظرة الجليد التى سكنت عيناها بعدما إختفت الدموع ولم يبقى سوى الوجوم .
أنتظرت أن يتحدث فلم يفعل، ولم تكن لتفعل، لذا تركت حالة الصمت تلك تتلبسهما .. بينما نظرهما مركز على مكان واحد .. اسم والدها .
اخيرا وبعد دقائق بطيئة من الصمت، تحدث أدهم قائلا بهدوء :
_ البقاء لله .
لم يبدوا على زهور أنها سمعته للحظات، قبل ان تتشكل ملامح السخرية على وجهها مع قول خفى "فيك الخير" .. إلا أنها تماسكت قائلة بصلابة :
_ الدوام لله وحده .
أجابته بإعتياد كأى شخص غريب لا تعرف، وقد وصلت الرسالة له فقال بنفس الهدوء :
_ لو أحتجتى أى حاجة .. أنا موجود .
حينها لم تستطع السكوت أو التمسك بغلاف اللامبالاة .. فإلتفتت له بحدة، لتقول بحقد صارخة :
_ الكل موجود علشانى .. علشان يغنونى عن العوزة ليك .. أتفضل يا باشمهندس .. أظنك أديت الواجب .
ظل أدهم للحظات واقفا أمامها شامخا دون أن تهتز له شعرة، ولكن ملامحه بعد لحظات بدأت تأخذ شكل اللين .. والحنان !!
_ ورغم أنى عارف كده .. لكن عارف إنك مذ هتقدرى تحتاجى لحد غيرى .
ثقة بالنفس لا محدودة .. عليها اعطائه وسام الاستفزاز العالمى، ببروده المغيظ وإتزانه الامحدود .
على من كانت خائفة هى ؟؟! .. على هذا الرجل الثلجى .. القادم من القطب الشمالى ؟!!
على من ؟؟؟!!!!!
بحث بكلماتها جيدا عن عبارة تفيد فى استفزازه او على الأقل تهديد جبل الجليد وجعله يحدث أنهيار ثلجى، علها تتمتع قليلا بمرآه يغضب مثل باقى البشر الطبيعيين ..
ولكن بعد بحث دام لدقائق لم يقاطعه هو خلالها، أعلنت الراية البيضاء .. لايوجد ما يثير غضبه .
زفرت بحنق محاولة إخراج أكبر قدر من الطاقة المختزنة بداخلها، لتقول بهدوء متماسك :
_ اظن كده كفايا يا أدهم .. كل واحد لازم يروح فى طريقه، وبتمنى اجرائات الطلاق تخلص بسرعة .. سلام .
إلتفتت بعد كلمتها الأخيرة مغادرة، إلا أنها توقفت مصدومة حين سمعت رده الهادئ :
_ للاسف يا زهور .. أنا مش ناوى أطلق، لو مصرة اوى على الطلاق .. فيبقا الافضل تروحى للمحكمة .. سلام .
أنهى كلماته بأن عدل من وضع سترته السوداء، قبل أن يضع نظارته السوداء ويلتفت مغادرا مشيحا لها بيده .
ظلت للحظات تنظر إلى ظهره مصدمة قبل أن تلتف وتسير بشرود إلى أن وصلت لأخاها الذى كان يراقبهما من بعد مسافة قصيرة .
إستقبلها أخاها بأحضانه، هامسا فى أذنها :
_ قالك إيه ؟؟
دفنت زهور وجهها بصدره هامسه بألم :
_ قالى لو عاوزة أطلق أروح المحكمة .
ربت سيف على ظهرها بحنو .
_ مش مهم ... المهم إنك تخلصى منه وترتاحى .
شعرت زهور بالدموع الحارة تبلل وجنتها، فهمست شاهقة بإختناق :
_ برأيك ممكن أرتاح لو بعدت عنه ؟؟
هز سيف رأسه ببطئ قبل أن يقبل رأسها هامسا :
_ أكيد .
_ بس أنا بحبه !
_ وهو مكنش عاوز غير ينتقم منك !!
شهقت زهور حينها بألم .. فزاد سيف من احتضانها هامسا برفق :
_ ان شاء الله هتكونى احسن .. خليكى واثقة من كده .
اومأت زهور برأسها وهى تبتعد عنه، ستصبح افضل ..بلى ستصبح كذلك ..لن تسمح لأحدهم أن يؤلمها ثانية، لن تسمح له بالإقتراب من حياتها .. سيكون الخط الأحمر الذى ليس عليها الإقتراب منه ..
لأن هلاكها بقربها منه !
............................................................ ........................................................
أمسك حسام مؤيد من قميصه بقوة، ليهمس بفحيح أمام وجهه :
_ تعرف أنا مين .. أنا أكتر شخصية وثقت بيها، أنا أكتر حد أعرف عنك كل حاجة .. أنا صاحبك وصديقك .. أنا عدوك، أنا أكتر واحد بيكرهك .. أنا كابوسك الأسود ..
أنا حسام !
خلع حسام قناعه الأسود تزامنا مع قوله بأن هو، ليلقيه بعيدا ناظرا لمؤيد المذهول بتشفى .. قبل أن يسدد لكمة قوية إلى خاصرته .
فتراجع مؤيد إلى الخلف صارخا بألم، ليعاود حسام الإقتراب منه ويقول بحقد :
_ أيوه أنا حسام .. صاحبك فى كل حاجة، حسام اللى بتحكيله مغامراتك .. حسام اللى بتطلب نصايحه .. حسام اللى غدرت بيه فى أكتر شخص قريب منه .
عاود حسام ضربه ولكن بقدمه فى نفس المكان الذى تلقى به مؤيد كلمته .. ليسقط مؤيد على جانبه الآخر صارخا بعنف أكبر .
ليقول حسام بتشفى :
_ أيوه انا عارف أن نقطة ضعفك جنبك ده .. او ضلعك اللى فى الجنب ده ..
سمعت المثل اللى بيقول أنك تخاف من عدوك مرة ومن صديقك ميت مرة، أنا جاى أتجسدلك من اسوأ كوابيسك يا مؤيد ..
أنهى كلامه بأن عاود جذب مؤيد من قميصه الأسود ليرفعه ويجعله يواجهه .. ليعاود الهمس بفحيح :
_ عارف إنك مستغرب ضعف ومستغرب إنك مش قادر تعمل حاجة .. بس أنا عملتلك خدعة بسيطة فى القهوة بتاعة الصبح .. كنتد بديك السم بإيدى يا مؤيد .. من صديق لعدو .
عاود حسام ضرب مؤيد بعنف فى خاصرته، ليرتمى مؤيد على الأرض ثانية بقوة .. كثور ضعيف فقد قوته .
نظر مؤيد لحسام من مكانه، شاعر بجسده متشنج متصلب، لا يستطيع رفع إصبع به ..
الصدمة التى تلقاها لتوه لم تكن هينة ابدا .. لماذا .. لماذا يفعل معه اقرب اصدقائه ذلك ؟!
همس مؤيد بصوت خفيض مرهق :
_ ليه .. ليه ياحسام ؟! .. أنتَ كنت صاحبى؟؟ ، ليه تعمل فيا كده ؟!
ابتسم حسام حينها بجنون .. وكأن شيطان أسود قد تلبسه، فتغيرت ملامحه لتصبح موحشة قاسية وهو يجيب :
_ لإنك غدرت بيا الأول يا صاحبى .. غدر بيا فى أقرب الناس ليا .
شعر مؤيد بأنفاسه تثقل، فبات يعدها بإنهاك قبل أن يهمس :
_ مين .. تقصد مين ؟!
_ مرام .
جاء أسمها كقذيفة حادة ضاربة لرأس مويد .. فنظر له مصعوقا غير قادر على إستيعاب الامر ، او ربط حسام بمرام !!
ولكن إن ظن بأن ما تلقاه كانت صدمات فى هيئة حروف كلمة، إلا أن الآتى كان حقا صدمات حين قال حسام :
_ مرام اللقيطة .. تبقى أختى .
............................................................ ........................................................
_ رغد فيه واحد أتقدملك وأنا شايفه مناسب جدا ليكِ، هحدد معاه ميعاد قريب للخطوبة .
كانت رغد تتابع حديثه من بدايته، حين بدأ بكلمات ناعمة رقيقة يكسب بها قلبها، ثم تقلب الموضوع ليتخذ مجرى الزواج ومنافعه ولأول مرة كانت تجد والدها حكيما فى إلقاء النصائح !!
واخيرا دخل إلى صلب الموضوع .. بعد جولة ظريفة ادهشها خلالها بتغير اسلوبه لإقناعها .. او تحويلها لسلعة !
إلا أنها فضلت مجارات هيئته الجديدة، فقالت برقة :
_ بس بسرعة كده!! .. من غير جلسة تعارف؟!
أشرق وجه والدها فجأة بسعادة، ليقول بخبث محاولا اخفاء سعادته :
_ زى ما تحبى يابنتى .. عاوزة جلسة تعارف، نعمل جلسة وتقابليه وتتكلمى معاه .. بس أنا عارف إنك اتعاملى معاها قبل كده ومش شايف إنك اشتكيتى منه فقلت نعجل وكله خير برضوا .
يا الاهى تكاد تصفق له من شدة إعجابها بطريقته الجديدة .. حقا عليها أن ترفع القبعة وتنحنى له!!
إعتدلت فى جلستها باسمة لتقول بهدوء :
_ آه أكيد أنا عارفة إياس، ومش محتاجة اتعرف عليه .. لكن....
وصمت بنعومة عند آخر كلماتها، ليقول والدها بسرعة :
_ لكن ايه؟؟
عقدت رغد حاجبيها مدعية التفكير، قبل أن تقول ممتعضة :
_ لكن لازم تعرف اللى هتناسبه ده يبقى مين، غير أنه هيودى الشركة لطريق الضياع .. و...
صمتت مبتسمة برقة متابعة بعينيها تقلبات ملامح وجه والدها .. فاتبعت بسرعة كى تكمل الطرق على الحديد وهو ساخن :
_ تعرف حد من عيلة المغيرى ؟؟
هنا أنتفض والدها فى مكانه ناظرا إليها بصدمة، فابتسمت بنصر متشفى ..
كان عليها أن تضغط زر تشغيل المكر والدهاء الذى ورثته عن والدها العزيز .. لتقلبه ضده فى مثل هذا الامر .
أنتبهت حين قال والدها بصدمة :
_ تعرفيهم منين ؟؟ .. عرفتى اسم العيلة دى ازاى ؟؟
ظهر التفكير العميق على وجه رغد، قبل أن تقول ببطئ :
_ أنا افتكرت إنك دور ورا إياس كويس .. علشان تعرف ان اسمه الرابع المغيرى .
كيف فاتته تلك الملحوظة ؟؟ .. لقد بحث عن الاسم الثالثى فقط ولم يشغل باله سوى بأرباح شركاته السانوية!!
عادت به الذاكرة لخمسة وعشرين عاما .. حين كان مع صديقه احمد يجلسان على طاولة فى أحد المقاهى القديمة ..
كان الحوار الدائر بينهما على امكانية فتح شركة تضم اسمهما .. وقد فعلا فيما بعد ونجحا سويا ... ولكن ....!
أنتفض من شروده حين تابعت رغد :
_ وشك ليه اختفى لونه فجأة يا بابا؟ .. هتكلم إياس امتى علشان نحدد معاد للخطوبة؟؟
هز والدها رأسه برفض، ليقول متلعثما :
_ لا مش دلوقتى، اصبرى لحد ما اسأل عليه تانى .. وممكن فى الفترة دى تحاولى تقربى منه وتعرفى هو عاوز يتقدملك ليه .
اومأت رغد برأسها بتفهم، لتقول وهى تهم بالنهوض :
_ اكيد يا بابا .
............................................................ ........................................................
_ مرام اللقيطة .. تبقى أختى .
نزل قول حسام كصاعقة على رأس مؤيد قسمتها نصفين .
مرام كانت شقيقة حسام؟!!!
مرام اللقيطة كانت شقيقته؟!!
ماذا .. او كيف؟؟!
اومأ حسام برأسه وكأنه قرأ ما يدور برأسه، ليقول بصوت قاسى:
_ أيوه مرام لقيطة .. واختى فى نفس الوقت.
مرام كانت النقطة السودة فى تاريخ العيلة، مرام كان سبب فى أنى أكره نفسى قبل ما أكرها ..
كانا فى يوم عيلة عادية جدا، لحد ما أمى حملت ومش متذكر أوى إيه السبب اللى خلى والدى يشك فيها .. والشك أتحول ليقين لما جت مرام وأتضح من التحاليل أنها متقربش لوالدى بأى صلة .
وقتها أتعرف للكل أن والدتى خاينة، فإتطلقت وهربت وسابت مرام لينا بعد ما اللى خانت والدى معاه رفض يعترف بيها، بابا رفض مرام وده أكيد كان حقه .. فوداها دار رعاية .
كنت دايما بروح لمرام الدار واقابلها على أنى واحد عاوز يساعدها بس .. لكن فى اليوم اللى مرام اتخرجت فيه من الدار واحدة من المشرفات قالتلها أنى أخوها .
وقتها مرام جاتلى بثورة تقولى أنها عاوزة حقها فى اسم والدى وفى ورثها، وأنا مقدرتش مقولهاش الحقيقة ..وأنها فعلا لقيطة .
مرام من وقتها وكأنها فقدت الخيط الأخير لها فى الدنيا، أتحولت وأتقلب الملاك إلى كائن غامض ..
قولتلها أنى هصرف عليها وهتكفل بتعليمها وأنها تشتغل وقبلت .
كانت عارفة كل اصحابى، وفى يوم طلبت منى اعرفها عليك .. وأنتَ باعتبارك أعز اصحابى "قالها بمرارة ساخرة" عرفتها عليك .. وبعد فترة لقيتها بتحبك وجاية بتعط وتقولى أنها خايفة ترتبط بيك علشان هى ملهاش أسم وأن الكل هيأذيك بيها .. بس انا قولتلها وقتها لو فعلا بيحبك هيقف قدام الكل علشانك وهى صدقتنى .
بعد شهرين جاتلى تانى، لكن بحالة غير الحالة، كان شكلها مكسورة مخذولة .. لما سألتها عن السبب قالتلى أنك ضحكت عليها، أوهمتها أنك هتقف جنبها وخذلتها .. مكنتش متصور إنك تعمل كده ..
وبعد شهر كمان عرفت أنها كانت حامل منك وأنتحرت بسببك .
كان مؤيد ملقى أرضا متسع العينين .. لا يعرف ماذا يقول أو ماذا يفعل؟!
تلك الصدمات القوية التى تتمثل فى هيئة كلمات لازعة لاتجعله يفوق منها، واحدة تلو الآخرى بسرعة ومتتالية حتى ما عاد يقدر على التحمل .
همس مؤيد بتعب :
_ مرا... مرام مكنتش بتحبن....
وقبل أن ينهى لكته كان حسام يعاود ضربه بجنبه الأيمن بقدمه بعنف وهو يصرخ به :
_ مرام مكنتش بتحبك .. كانت بتعشق يا حقير .
مع تعالى صراخ مؤيد كانت تبكى هى الآخرى بولع فى إحدى الزوايا ..
لقد وضعها ذلك الحقير حسام بتلك الزاوية كى لا يراها مؤيد .. فهل علم بها محتجزة هنا أم ماذا؟؟
تأوهت بقوة حين شعرت بالألام تعاود تمزيق بطنها بلا توقف .. الحقير ماذا أعطاها؟؟
كادت تلتفت لتنظر إلى ما حل بمؤيد، إلا أنها تفاجأت بحسام يقف أمامها وينحنى ليقترب منها مواجها وجهها، ليهمس بفحيح :
_ جه وقتك يا ميسا .
أتبع كلامك بالفعل، فإنتزعها بقوة من الأرض ليتجه بها إلى حيث كان مؤيد ملقى منطويا على نفسه يتأوه بتعب .
لتتسع عيناه بصدمة ما أن رأى حسام يمسك بميساء من ذراعها ويجذبها بقوة تجاهه .
توقف حسام أمام مؤيد .. ليبتسم بشر ويقول :
_ العين بالعين يا مؤيد ... وأنتقامى ابدا مش هيكون فيك لأنك لعبة خسرانة من البداية، لكن ميسا ... أكيد ليها فرصة .
أنهى كلماته ببطئ متلذاذ بنظرة الخوف التى سكنت عينا مؤيد وهو يحاول النهوض بكل ما يعتمل بجسده من طاقة .. لكنه ابدا لم يقدر على رفع جسده أنشا واحد .
فضحك حسام بتشفى قائلا :
_ ياترى ايه شعورك وأنتَ شايف نفسك عاجز ومش قادر تحمى أقرب الناس منك .
يا ترى يا مؤيد أنتَ تعرف إنك كنت هتبقى أب، كنت ها؟؟
نظر مؤيد بصدمة إلى ميساء التى بدأت تبكى بألم وهى تفهم ما كان يقصد حسام، أنها تفقد طفلها فى تلك اللحظة .
لم يترك حسام لهما المجال كى يسائلا بعضهما إلى اين وصلا بسبب عنادهما .. فقال بتشفى :
_ أحسن حاجة أعملها ليكم أنكم تموتوا مع بعض .. عشاق بقا منحبش نفرقهم فى اللحظة دى .
ببصلها كويس يا مؤيد وهى بتموت جنبك، وأتمنى كتير إنك تموت قبلها ... بس لسه .. لسه يا مؤيد دورك مجاش علشان تموت .
ألقى حسام بميساء على مؤيد مع نهاية كلماته، ليتأوه مؤيد كاتما صرخته حين سقطت ميساء على جانبه المصاب .
إلتفت حسام متجها إلى أحد الصناديق الضخمة، ليجلس عليها باستمتاع مراقبا إياهما .
همست ميساء باكية وهى تستكين برأسها على صدره :
_ أنا آسفة .
أخذ مؤيد نفسا عميقا معبئا برائحتها القريبة منه، ليهمس بتعب :
_ انا اللى المفروض اعتذر .. بصر وصلتك لفين .
أغمضت ميساء عينيها بألم .. قبل أن تقول :
_ مؤيد أن بخسر بنتى .
أغمض مؤيد عيناه هو الآخر شاعرا بنصلا حاد يغرس بقلبه بدون رحمة، فقال بصوتا متقطع:
_ كله بسببى .. حتى موت ابنى بسببى ..
شهقت ميساء باكية بعنف .. قبل ان تقول من بين شهقاتها:
_ لأ يا مؤيد مش أنتَ .. أنا بعنادى اللى ضيعتنا .. أنا....
هنا تعالى تصفيق حسام قبل أن يقول بتقدير مصطنع :
_ بجد لايقين على بعض جدا، بس للاسف هضطر أقاطعكم .. لأننا لسه مخلصناش .
قولى يا مؤيد .. إيه رأيك رجالتى ياخدوك لأقرب مستشفى علشان تتعالج من اللى فى جسمك بسرعة قبل ما يضيع الوقت؟؟!
أشاح مؤيد بوجهه عن حسام، وصاح بكل ما عنده من قوة :
_ هتندم يا حسام .. لو عشت يوم زيادة صدقنى هندمك على كل اللى عملته .
ضحك حسام باستمتاع، ليقول بسخرية:
_ حتى وأنتَ فى اسوأ حالاتك فاكر أنك قوى، فوق يا مؤيد أنتَ مش قادر تقف على رجلك!!
بس انا مش محتاج رأيك فى سؤال، لأنك فعلا هتعيش يا مؤيد .. أنتَ هتعيش وأنا وميسا هنموت .. وده قمة العدل .
............................................................ ........................................................
|