كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
عدنا.. تسلمولي حبيباتي على تعليقاتكم ودعمكم اللي يشرح الروح :)
بحاول أنزل بارت كل يوم لين الجمعة عشان يكتمل عدد بارتات الأسبوع الأربع.. ومن بعدها نكمل البرنامج الأول..
الثالثة عشر
=
=
=
كانت جدة عبد العزيز في استقبالهم حال دخولهما بيتها، تقف تشير إلى عبد العزيز بالاقتراب. ابتسمت كادي لرؤية عبد العزيز ينحني في وقوفه ليطبع قبلة حانية على جبين جدته، بينما احتضنت جدته كفيه بين يديها تبدو كأن الدنيا لا تسعها فرحا لمرآى حفيدها واقفا أمامها.
ابتعد عبد العزيز خطوة حتى يوجه نظر جدته إليها: "هذي كادي، زوجتي.."
نظرت لها الجدة بنظرة مقيمة شبه ناقدة قبل أن تسأل: "هذي اللي..؟"
قاطعها عبد العزيز مبتسما، وألف معنى يلوح لها في ابتسامته تلك: "إيه.."
وكأن جوابه ذاك كان سحرا، تحولت نظرة الجدة لتصبح أدفأ وأعطف، تشير إليها بالاقتراب، تنظر إليها برضا وحنو. تساءلت كادي ما الذي كانت بعزم قوله قبل أن يقاطعها عبد العزيز، ولماذا قاطعها بادئ الأمر.
=
=
=
قضيا يومهما الأول في بيت الجدة ما بين أخذ الراحة وطمأنة الأهل، بين قلق أمها ولمار وتشكيك خالها واستجوابه، من زجر هدى الصارخ لعبد العزيز وطلبها السماح منها لتوريطها به. كانت اتصالات حافلة بحق.
بقي عبد العزيز يتسامر مع جدته إلى وقت متأخر من الليل. حاولت كادي انتظاره لكن بدون جدوى، فهي كانت تتبع نظاما دقيقا في النوم قلما خرقته. كم من مرة أغاظتها لمار بوصفها بـ"الدجاجة"؟
وكما أصبح حدثا محرجا بتكراره، استيقظت لترى أن الشمس أشرقت منذ فترة، وأن عبد العزيز قد استيقظ قبلها. لكن على غرار المرة السابقة، كان يجلس على السرير جانبها، منشغل بتفحص شيء في جواله. سألته بضيق: "ليش ما صحيتني للفجر؟"
أجابها بفكر منشغل: "حاولت بس ما رضيتي تصحين.."
لطالما كانت خفيفة النوم وتستيقظ من أخفت نداء لها. ألتلك الدرجة كانت مرهقة؟
استغفرت ربها وصلت ما فاتها، لتسأله عندما لاحظته ما زال مشغولا بجواله عندما انتهت: "وش قاعد تسوي؟"
رد: "أجاوب على زميل لي يستشيرني في حالات جاته.."
أولا جدته، ومن بعدها عمله؟ هل كان من الأنانية أن تتساءل أين موقعها في تلك المعادلة؟
لم تسأله شيئا بعدها، لكنها لم تخفي عدم الرضا في ملامحها. قررت أن تستحم لتشغل نفسها بشيء ولو كان بسيطا.
=
=
=
كان ما زال يقرأ رسائل زميله عندما سمع شهقة عالية من الحمام، ليتجه بأسرع ما يمكن جهته ويرى كادي تهرع خارجه ومنشفة تستر جسدها فقط.
على الفور دخل الحمام يتفقده بعيون متوعدة شرا، لكنه لم ير شيئا خارج المعتاد. رجع ليسألها بقلق: "شفتي شي؟"
أومأت له بنعم تشد منشفتها حولها جزعا: "عنكبوت وش كبره! خلع قلبي لما شفته!"
حدق عبد العزيز بها لوهلة قبل أن يسأل، غير مصدق لما يسمع: "اللحين كل ذي الدراما.. عشان عنكبوت؟"
نظرت كادي إليه كأنها لا ترى خطبا في هذا الوضع: "أجل عشان وش؟"
عدد الخيارات: "عشان حرامي، عشان قاتل، عشان واحد صايع يتجسس على بيوت خلق الله.. بس عنكبوت؟"
لوحت بسخط بيدها، تهتف كأنها تكلم نفسها: "من يوم ما دخلت ذا البيت وأنواع الكائنات تجي قدامي! ما كفاني أم الأربع والأربعين اللي شفتها في الحوش عشان يجيلي ذا العنكبوت؟!"
إذا هذا كان قصد هدى من عدم استحمال كادي لبيت جدته. بالكاد منع ابتسامة متسلية من الارتسام على شفتيه، لا يريد أن يزيد غضبها وهياجها ويحوله عليه: "وش تتوقعين؟ البيت قديم ومعمر حده.."
أشارت إلى الحمام برجاء وجده مضحكا: "روح دور على العنكبوت واقتله.. مقدر أرجع وهو موجود..!"
لا يحتاج للبحث، فالعنكبوت الذي كانت تتحدث عنه كان يزحف على جانبها المغطى بالمنشفة. وقبل أن تلحظ أين اتجه ناظره وترى العنكبوت، شدها إليه يحتضنها واضعا يدا على جانبها، يهمس: "سمعت عن حركات قمصان النوم ومدري وش، بس مناشف وفقاعات صابون؟ موضة جديدة والله.."
شعرها تتصلب خجلا بين ذراعيه، تتذكر كيف تبدو. غلب خجلها ذعرها وأبعدته لتتجه، تهرب، إلى الحمام، تاركة له يشتعل من قربها له، ومبتسما من عفوية تصرفاتها.
نظر إلى العنكبوت المسحوق في قبضة يده: "كنت برحمك، بس لمست اللي ملكي.."
=
=
=
ارتدت دراعة أنيقة باللونين الرصاصي والعنابي، وتزينت بحليها وكحلها. ربطت شعرها بعقدة بسيطة أظهرت التدرج في طوله بشكل أبهى.
عندما نظرت إلى نفسها في المرآة، بدت أخيرا كعروس في صباحية عرسها.
قد لاحظت تلصص عبد العزيز النظر إليها منذ أن بدأت بتزينها، مشتت الانتباه من زميله المزعج. وكم كان من الصعب منع ابتسامة رضا من الارتسام على شفتيها والتظاهر بأنها لم تلاحظه. وعندما بدأت تضع أحمر شفاهها، بدا كأنه نسي ما كان يفعله أصلا، كل اهتمامه منصب ناحيتها.
سمعته يبدأ بالقول وهو يتجه إليها، يديرها نحوه: "تدرين.."
وجدت قلبها يقرع طبوله من نبرته هذه، استحتثته مغمغمة بـ"همم؟"
اقترب أكثر، حتى لم يعد يفصل بينهما كثير: "ليلة عرسنا كبرتي المخدة ونمتي على طول، ما لحقت استوعب شكلك بالأبيض.." أردف بتسلي: "شخيرك لكن.. استوعبته وحفظته."
هتفت تدافع عن نفسها، ناسية للحظة الموضوع الذي كان يُطرح: "أنا ما أشخر..!"
زادت نبرته استفزازا: "مو إنتي اللي كنتي صاحية ذاك الوقت.. وبأية حال، الشخير مو عيب، ويمكن يكون من الدلائل الأولى لمشكلة أكبر.." نظر إليها بتقييم: "يبغالي أدرس نومك وأتابع نمط تنفسك.."
زفرت بحنق: "عبد العزيز..!"
رفع يديه باستسلام: "طيب، طيب.. كنت أكذب، كنتي زي النسمة. ما سمعت منك صوت ولا شفت إلا ظهرك اللي عطيتني إياه، يا الظالمة..!"
رمشت تتذكر ما فتح موضوع "الشخير" أصلا، لترجع خصلة من شعرها وراء أذنها بتوتر: "اللحين كل هذي اللفة عشان إيش؟"
كان على وشك النطق بإجابته عندما أتى طرق على الباب، ثم صوت خادمة جدته تعلمهما أن الفطور جاهز.
تركها لتتنفس بحرية أكبر، لتشعر بخيبة غريبة، بإحباط بعد خمود ترقب لم تلحظ أنه كان يتصاعد في نفسها.
=
=
=
عندما انفردت بها جدة عبد العزيز بركن بعيد عن سمع حفيدها، قالت لها بنصح حان: "أدري بوليدي، راسه يابس ويولع على أتفه سبب، بس قلبه مافي أحن منه.. اعرفيله وإن شاء الله يعيشك عيشة طيبة.."
حكت لها أكثر عن عبد العزيز وصباه، كيف أن أباه كان يرسله في العطل ليبقى مع جدته، على أمل أن هدوء هذه المنطقة وقلة سكانها سيخفف من وطأة طبعه النزق وعدد عراكاته. أخبرتها جدته أيضا أنه على الرغم من طباعه السيئة وشدة تمرد مراهقته، فإن عبد العزيز كان بارا حنونا مطيعا لها، وزياراته المتكررة لها جعلتهما قريبين من بعضهما، وكانت جدته له حافظة لشكواه وهمومه وأسراره كما لم يكن له أحد من عائلته وأصدقائه.
بسبب الفكرة التي كونها الناس عنه وعن أطباعه، فإن إصرار عبد العزيز على دخول مجال الطب لقي العجب ممن حوله في أحسن الحالات، والاستهزاء الصريح في أسوأها. لكن جدته بقيت واثقة منه ومن إمكانياته، بل وأخذت تكاليف دراسته في الخارج على عاتقها عندما واجهت أباه مشاكل مالية ذلك الوقت، مقتطعة من ورثها الخاص.
وكما حكت لها جدته، فإن عبد العزيز لم ينس دعمها ذاك، وحال عودته وحصوله على مركز في مستشفى تكفل هو ببيتها والقيام فيه من إصلاحات وتجديدات، وزيارتها بشكل مستمر دون انقطاع.
كل كلمة حكتها أثرت في كادي، جعلتها تتمنى أن تعرف أكثر وأكثر حتى توافه الأمور وأصغرها.
=
=
=
عندما حل الليل ورجعا إلى غرفتهما، سألته كادي: "لما كنت تعرف جدتك فيني، ليش قاطعتها لما هي استفسرت..؟"
ليسألها بدوره، يحاول صرف انتباهها: "كم بتدفعين عشان أقولك؟"
أجابته بحزم موقف وإصرار: "اللي تباه."
وكان على وشك استخدام إجابتها تلك ضدها عندما صدح صوت ذئب يعوي، لتقفز كادي بذعر تحتمي به تحضنه بقوة من خوفها. مسح على ظهرها يحاول تهدئتها: "ما يجي البيوت لا تخافين."
صوتها كان مرتجفا مكتوما بسبب ضغطها وجهها على صدره: "وليه أصلا فيه ذيب في محافظة؟!"
رد وقلبه يخفق لقربها الخانق له، لتهدم حصون صبره أمام غزو عطرها: "بيت جدتي في آخر المحافظة وما وراه إلا الصحرا، عشان كذا نقدر نسمع صوته، ولا هو ما بيطب بين الناس.."
وكانت قريبة من الاستكانة والتحرك بعيدا عنه عندما عوى الذئب مرة أخرى، لترجع تحتضنه بشكل أقوى.
من تجربته يعرف أن الذئب سيواصل عواءه طول الليل، وربما سينضم إليه آخرون من بني جنسه..
هل كان من اللئامة أنه كان شاكرا لذلك؟
همس لها وقد فاض به التوق: "تبيني أشتت انتباهك عنه..؟"
ارتجفت بين أضلاعه لسؤاله، لكنها لم تبتعد. أخذ ردة فعلها تلك كنعم.
وعندما اقترب منها أكثر، لم تقاومه.
=
=
=
استيقظت على تلمسه الرقيق لتلك الندبة على ذراعها، تلك التي جمعتها به لأول مرة.
انكمشت من الحرج، من وضعها الحالي.. ولاحظ هو ذلك ليضحك بخفة.
لا تستطيع رؤيته بوضوح في ظلمة هذا الوقت المتأخر من الليل، لكنها لا تحتاج، فملامحه وهو يضحك طُبعت على قلبها من المرة الأولى التي رأته يضحك فيها.
الضحك والبسمة يغيرانه بشكل عجيب، يظهران الروح والحياة خلف خشونة مظهره وتصرفاته. كم من مرة وجدت نفسها تحدق به، كأنها مأخوذة به.. طبعا لا، ما زالت أسوار قلبها كالجبال حتما.
الفضول، نعم. فقط الفضول ما كان يسيرها نحوه، فضول يجعلها تتساءل عن معقولية وجود تناقضات كثرى في شخص واحد.
من يرى تلمسه الحريري لندبتها لا يظن أنه كان من خاطها بكل آلية وعملية. من يرى ويحس بلطف أنامله على بشرتها لا يظن أن تلك الأنامل نفسها جُمعت في قبضة هددت وضربت كل من وقع غضبه عليه.
من يراه وديعا هكذا لا يظن أنه نفسه المجنون الذي كان على وشك قتال مجرم يلوح بساطوره.
(عجبك عريس الغفلة، عجبك للآخر!)
أعجبها عندها، ويا للغرابة ما زال يعجبها بل زاد..!
"لا يا كادي، لا.."
بصرامة، أبعدت نفسها عن التفكير فيه بكل ذلك العمق الجارف، الذي حتما سيودي بدب نبض عاطفة لا تريدها إذا استرسلت فيه.
=
=
=
في الليلة التي سبقت عودتهما، استدعتها جدة عبد العزيز إلى المجلس لوحدها. أهدتها صندوقا خشبيا عتيقا، صغير الحجم خفيف الوزن.
فتحته لترى أنه يحتوي على بخور فاخرة وحلي أثرية رائعة البهاء. الصدمة ألجمت لسانها للحظة قبل أن تنطق أخيرا: "مقدر أقبل فيها.."
لترد الجدة بحزم وعناد لا يتزحزح شبرا من محله، وعرفت كادي لحظتها من أين ورث زوجها عناده ذاك: "حالفة من أول ما يأخذ ذا الصندوق إلا عروس عبد العزيز، وهذاني ألاقيك اللحين." وقبل أن تعترض كادي صفقت يديها بابتسامة عريضة وأردفت بحماس: "إلبسي الحلق أشوف..!"
فعلت كما أمرت بعد ثانية من التردد، لتسأل وأقراط ذهبية تتدلى برنين خافت من أذنيها: "حلو؟"
ازدادت ابتسامة الجدة عرضا عندما أجابت: "قمر! والله عرف وليدي كيف يختار!"
=
=
=
أصرت الجدة أن يرافقهم سائقها الخاص في طريق العودة، تقول بضحكة متسلية شابهت تلك لحفيدها: "أدري بك تضيع دربك لو كان قدامك يا عزوز!"
لم تزعج كادي نفسها في كتم ضحكتها بدورها، تتجاهل تماما نظرة الغيظ التي وجهها عبد العزيز نحوها.
افترقوا على وعد زيارة قريبة، وعلى الرغم من المشقة التي مرت بها، فإنها لم تندم على هذه الزيارة أبدأ.
سألها عبد العزيز مقاطعا ضجيج خواطرها: "وين تبين تسافرين لشهر العسل؟ أول ما بلاقي فرصة بسوي حجز.."
نعم، صحيح أنها لم تندم على هذه الرحلة، لكنها تعلمت دروسا منها أيضا، وأبدا لن تخاطر في السفر لوحدها مع عبد العزيز إلى بلد آخر!
أجابته أخيرا: "خلينا في الديرة أحسن.."
انتهى البارت..~
|