كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
عدنا. تعليقاتكم تثلج صدري الله يسعدكم بس..
التاسعة
=
=
=
"بعد شهرين"
=
=
=
بعد وفاة أبيهما، كادي ولمار انتقلا للعيش في بيت جدهما عبد المحسن مع أمهما.
تحددت ملكة وعرس كادي في نفس اليوم، وبقي على ذلك الموعد أسبوعان.
منال مشاعرها متضاربة ما بين فرحتها لرجوع ابنتيها لها وعرس كادي القريب، وحزن لا تعترف به للملأ على فقدانها للرجل الوحيد الذي أحبت.
عبد المحسن فرح لفرحة ابنته ومكوث حفيدتيه عنده، ومثقل أيضا بالوعد الذي قطعه لراضي قبل وفاته.
شاهين يوازن ما بين مسؤولية بنات أخته وعمله وهمومه الشخصية.
أسيل تبني الآمال مع كل تلميح تتلقاه من جهة منال.
أرملة راضي تقضي مدة عدتها، ومستقبلها مجهول.
عبد الرحمن يمضي قدما في بناء شركته وينوي تقديم استقالته حالما ينتهي من آخر ارتباط بمشروع لدى عمه.
غادة وسامر فقدا الصبر من عناد جلال وترانيم في أمر الزواج.
عبد العزيز ما بين ترقب وتوجس من زواجه القريب.
الوليد عقد عزمه للتقدم بخطبة قريبا.
سالم استلم أول معاشين له وأصلح سيارته، وبدأ في الإدخار لهدفه.
شادية ما زالت الصلة بين عمها الغافل و غالية اللحوحة، والهدف للنغزات واللمزات كلما رفضت خاطبا أو تزوج خاطب سابق لها بأخرى.
نواف ما زال بلا دليل يقوده لمعشوقته الهاربة.
=
=
=
دخلت كادي المجلس لترى لمار كالعادة تلعب على جهاز البلايستشن مع ابن خالتها سيف. قالت لتغيظها: "وإنتي عمرك ما بتكبرين؟"
التفتت لمار جهتها مضيقة لعيونها بامتعاض: "عشتوا! خلاص الأخت بتتزوج وصارت تشوف نفسها علينا!"
احمرت وتوترت: "وإنتي كل مرة تشوفيني فيها لازم تطرين زواجي؟"
غمزت لها لمار بابتسامة عريضة: "طاريه هو اللي بيأدبك."
كانت كادي سترد بانحراج عندما لمحت ما يُعرض على الشاشة لتبتسم بخبث: "والله اللي شايفته هو إنك إنتي اللي قاعدة تتأدبين.."
للحظة نظرت إليها لمار بعدم فهم إلى أن توجهت بالنظر إلى الشاشة مثلها ورأت أن سيف قد استغل انشغالها ليتقدم عليها في السباق: "يا غشاش، يا لئيم!"
وبدأت تتوعد وهي تضغط على الأزرار بكل سخط وسيف يضحك متسليا.
ابتسمت كادي بحب وهي تراقب أختها، تلاحظ حالها المتحسن يوما بعد يوم.
كانت شديدة القلق عليها في الفترة الماضية، فوفاة أبيها كان وقعها الأعنف على لمار، وأصبحت تعيش في قوقعة أحزان صامتة.
تحمد الله على زيارات ابن خالتها سيف المتكررة لبيت جدها، فاللعب معه كان ما ساهم في إخراج لمار من الصمت الذي غلفت فيه روحها، شيء شاركته أباها المرحوم فيه، تلك النزعة للكتمان.
شيئا فشيئا، بدأ ألق طبعها المعهود عنها يعود.
=
=
=
بدا على وجه عبد الرحمن التفاجؤ عندما فتح الباب ورآه. لا يتعجب شاهين من ردة فعله هذه، فمنذ سنوات وعلاقته بعبد الرحمن يشوبها البرود، ويعترف أن له ذنبا في ذلك.
دعاه داخل شقته بصمت مذهول، ليجلسا بعدها في غرفة الجلوس في صمت لحظي قبل أن ينطق شاهين: "سمعت من أبوي إنك ناوي تقدم استقالتك.."
أجابه عبد الرحمن: "إيه.."
لا يعرف كيف يبدأ القول، لكنه حاول: "إذا كان قرارك هذا بسببي.."
عندها ابتسم له عبد الرحمن بطيب خاطر ذكره بوقت مضى، يقاطعه: "مو كل شي له علاقة فيك يا المغرور." استطرد مفسرا: "السالفة وما فيها إني أبي أبني شي خاص فيني، وبصراحة قلبي في التجارة مو البنوك.."
عقد شاهين حاجبيه بتشكيك: "متأكد..؟"
أومأ له عبد الرحمن بنعم، ثم سأل بتردد: "ليش ما تدور لك شي برا البنك بعد.. وضعك.."
ولم يكمل، لأنه أمر لا يحتاج الإطالة.
ابتسم بسخرية على حاله الذي لاحظه الكل: "قاعد أثبت لأبوي نقطة.."
منذ تلك الحادثة، سحب أبوه كل الدعم منه وطرده خارج بيته.
كان صعبا، الوقوف على قدميه وحيدا بعد عيشه تحت كنف ودلال أبيه، لكنه عقد عزمه وجاهد ليؤسس نفسه بنفسه، حتى تقدم بعد سنوات بطلب عمل في فرع بنوك الجبر الرئيسي، مقر عمل أبيه. قبل أبوه طلبه، وعينه في أدنى الرتب وشدد عليه إلى درجة عدم معرفة الناس بحقيقة علاقتهما كإبن ووالده، حتى صعد رغما عن العوائق التي وضعها أبوه لمنصب مسؤول.
لم يعد للعيش في بيت أبيه إلا بعد طلاق منال وبطلب راج منها هي. وبكل صراحة، توقع رفض أبيه ليصدمه بعدم قول كلمة معترضة وتجاهل وجوده فحسب، وهذا جعل شاهين أكثر إصرارا في البقاء وجعله يعترف به بدل الهروب وبدء شيء بعيدا عن كل هذا.
(لسان حاله مع أبيه أصبح: أنا هنا.. أنظر إلي.. اعترف بي وبما أنجزته.. سامحني على ما فعلت ولم أفعل..)
قال يخرج نفسه من غمرة أفكاره تلك: "تعرف إن أبد ما كان عندي شي ضدك، صح؟"
رد الآخر بكل جدية، لأن كلاهما يعرف سبب التحفظ القائم بينهما: "أدري.."
لطالما كانت أم عبد الرحمن المعكرة لصفو علاقتهما. شيء مؤسف بحق.
لم يكن لشاهين إخوة رجال، لكنه منذ الصغر رأى عبد الرحمن في محل الأخ.
=
=
=
جلست شادية على "الفرشة" التي كان ينام فيها جدها في الحوش، وهزت كتفه بلطف توقظه من قيلولته التي أخذها بعد عودته من صلاة الظهر: "قم يبه، حطيت الغدا لك.."
نهض جدها وجلس أمام السفرة التي وضعتها له، وجلست هي جانبه، فجدها لا يحب الأكل وحيدا. قال بامتعاض بعد تفحصه السفرة بنظرة مقيمة: "نسيتي اللبن يا بنت. تعرفين معدتي ما عادت مثل أول وشابت، يبغالي من ذا اللبن عشان أمشي حالي.."
قامت من فورها وقالت: "يوه، نسيت! وكمان وش قلنا عن طاري الشيب، مو أنا وإنت اتفقنا على إنك أبو الشباب كلهم؟ شوفني أنا شيبة مقارنة فيك."
ابتسم جدها بحبور: "إنتي اللي سويتي السالفة ذيك كلها، ولا أنا مالي دخل!"
شهقت بمبالغة طريفة: "ذي خيانة عيني عينك يبه! ذي فيها قطع أرحام!"
عندها هتف بتهديد عرفت شادية أنه لن ينفذه بسبب تلك الضحكة التي أفلتت منه: "قومي جيبي اللبن قبل لا أكسر راسك بالشبشب! ذلتينا الله لا يذلنا!"
أسرعت في خطواتها تمثل الخوف من تهديده، وابتسامة عريضة مرتسمة على شفتيها. كم تحب هذا الرجل، جدها علي الذي كان أبا ثان عوضها عن حنان أبيها المرحوم، أولاها اهتماما ومداراة لم يعطها أحد. رجل عزيز النفس والكبرياء. رجل أعند من صخر وأشجع من أسد. رجل من شدة حبها وتعلقها به ربطت أمر زواجها فيه.
جدها يحتاج إلى مراعاة وعناية لكنه يرفض اعتناء أي أحد به سواها هي وأحيانا عمها سالم، ويرفض أيضا الانتقال من بيته هذا إلى أي بيت آخر. دائما ما قال أن هذه القرية دفنت فيها جدتها صفية، وسيموت ويدفن فيها إذا أتى أجله ولن يبرحها لأي مكان.
لا تستطيع الزواج والمضي قدما في حياتها وقلبها غير مطمئن عليه، فهي تعرف أنه مع غيرها سيكابر ويخفي ويضر بنفسه.
لذا وضعت شرطها، ذاك الذي بسببه رفضها الكثيرون: إذا تزوجت سيكون على زوجها السكن معها في هذا البيت، فهي لن تخطو خطوة واحدة خارجه.
الكثيرون رأوا في شرطها استنقاصا لهم ولما يملكونه من خير، من إمكانيتهم على توفير العيشة المرفهة لها. لِمَ تفضل هذا البيت المتهالك على الشقق الحديثة والفلل الفخمة والمزارع الشاسعة؟ هل كانت تريد إظهارهم بمظهر عديمي الكرامة، تتفضل عليهم هي ببيت أهلها؟
لم تخبر أحدا سوى غالية أن السبب الحقيقي لشرطها كان جدها، فهي خشيت من إجبار جدها لها على الزواج إذا علم بالحقيقة، وهي لا تستطيع رفض طلب له إذا أمر.
صوت جدها الحاني أيقظها من خواطر ذهنها، لتدرك أنها كانت تقف وبيدها اللبن بشرود: "خير يا بنيتي؟"
ابتسمت له تطمئنه: "ولا شي يبه.. ولا شي.."
إذا كان عليها الإنتظار طول عمرها لتجد رجلا جديرا يقبل بشرطها، ستفعل، لكنها أبدا لن تتنازل قدر إصبع عن عهدها.
=
=
=
تنهدت منال بضيق مجيبة لشاهين عن سبب قلقها البادي وشرودها المهموم: "خايفة يا أخوي يأخذوا لمار مني.."
استفسر: "قصدك أعمامها؟"
أومأت له بنعم: "كادي خلاص مخطوبة وما ينخاف عليها، لكن المشكلة في لمار.. أخاف يطالبوا فيها ويورونها الشقى، ذولا ناس ما يرحموا.."
على غرار راضي، فإن إخوته كانوا أولي مصلحة وطمع، اتكاليين لا فائدة ترجى منهم. لم يكن لهم حضور سوى لأخذ المال من أخيهم.
تعرف منال أنهم سيتخذون لمار وسيلة في لي ذراعها وسحب كل ما يستطيعون منها، لن يداروها ولن يهتموا بها مطلقا.
بدا أخوها كأنه يفكر في خطة بعيدة المدى عندما قال: "لمار بتبقى عندك إن شاء الله، لا تخافين.."
=
=
=
أجاب عبد العزيز سؤال أمه وهدى: "ما عندي جدول أمشي عليه ولا بسوي واحد، شغلي حاليا ما يساعد. لاحقين على شهر العسل وخرابيطه بعدين.."
لتقول أمه تنظر إليه بمعنى: "ولاحقين كمان على زيارة جدتك.."
استرجته هدى: "واللي يرحم والديك لا تفشلنا في كادي! حرام عليك توديها بيت جدتي اللي في آخر الدنيا وهي توها عروس!"
رد ببرود: "وأنا قطعت وعد لأمي مريم أزورها ومعي زوجتي بعد ما أعرس على طول، ومو ناوي أخلف به.."
وضعت أمه يدا على خدها بقلة حيلة، وهدى هزت رأسها بأسى: "صدقني بيت جدتي بيخلي كادي تهج من عندك من الخوف.. أبدا ما راح تستحمله!"
لم يلقِ لمخاوفهم بالا، وعدم مبالاته ذاك جعل هدى تتحلطم بيأس: "عشرة وصداقة سنين بتروح في المشمش بسبة ولدك هذا يمه!"
=
=
=
تنهدت لمار بضجر، تركب السيارة بصمت.
متى ستتعلم أن تتفقد الرسائل قبل أن تتجهز للذهاب للجامعة؟ ها هي الآن قد ذهبت دون علم أن لا محاضرة لها اليوم بسبب اعتذار الدكتورة عن الحضور، لتكتشف أن رحلتها كانت بلا فائدة بعد وصولها.
كانت تفكر بشرود إلى أن لاحظت أن مسار السيارة بدا مألوفا لها، ولا عجب.
في طريقها لبيت جدها من الجامعة، كان السائق يمر بالشارع المؤدي إلى بيتها القديم. كل يوم كانت لمار تصد بالنظر عن ذاك الشارع والذكرى التي أحياها مرآه، لكن اليوم، طلبت من السائق الاتجاه جهته، إلى ما كان البيت الذي جمعها بأبيها المرحوم.
تساءلت وهي ترن الجرس إذا كان هناك أحد في البيت، وهل حقا بقيت زوجة أبيها فيه لأجل عدتها؟ إذا فعلت فلابد أنها بمفردها، فميشا رافقتها وكادي إلى بيت جدها، وكذلك فعل السائق.
كانت ستستسلم وتذهب بعد بضع دقائق قضتها دون إجابة، لولا ذلك الصوت الذي دل على أن أحدهم أجاب على الإنتركوم وينتظر تعريفها بهويتها. على الفور قالت: "فيه أحد؟ أنا لمار.."
مرت لحظات قبل أن يُفتح لها الباب دون رؤية من فتحه لها، لكنها سرعان ما رأت زوجة أبيها واقفة ورائه عندما أغلقته.
لاحظت لمار الحذر في تصرفات زوجة أبيها ولم تتعجب، فامرأة لوحدها بدون أي أحد معها ستكون عرضة للخطر.
نظرت لمار حولها لترى أن البيت ظل كما هو، لا تغير باد فيه.
سألتها زوجة أبيها بفضول وهما تتجهان نحو مجلس النساء: "فاقدة شي؟"
تكفلت كادي بنقل كل ما يحتاجانه من غرفتيهما إلى بيت جدها، ولم تأت لمار مرة قط بدلا عنها. أتتعذر بغرض تحتاجه تبرر فيه سبب زيارتها، أم تخبرها بالحقيقة؟
أخيرا أجابت وبصدق: "لأ.. جيت أشوف حالك.."
ستقتلها كادي حتما، ستجرح أمها قطعا.. لكن..
لكن..
لم تستطع إلا أن تحزن من أجلها، هذه المرأة أمامها، ولم تشعر سوى بانفطار قلبها لرؤية نظرة عدم الاستيعاب تكتسي عيونها، كأنها لا تصدق فكرة سؤال شخص عنها.
=
=
=
قد استخار وفكر مرات عدة في قراره هذا. أجل تنفيذه لحين حتى اليوم.
في مجلس الخال سامر قال الوليد يعلن عن هدفه من هذه الزيارة بالذات: "جايك يا خالي أطلب قربكم ويد بنتكم الكبيرة.."
انتهى البارت..~
|