كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
اشتقت لكم..! امتحاناتي بدت وسرقت كل وقتي حاليا، بس لقيت فرصة أنزل شي حتى لو ما يعوض بقدر كبير..
السابعة والأربعون
=
=
=
كان عليها توقع كون خالها سيأخذ كلامها على محمل الجد، فما أن استقلت كليا عن المشي بمساعدة العكازات حتى أعلن نيته في أخذهم في رحلة لشاليه في الخبر، شاليه تذكر استئجارهم له قبل سنوات في رحلة مماثلة.
عدت في ذهنها من تعذر سفره معهم، كالخال عبد الرحمن وزوج كادي الغائب حتى الآن وزوج ترانيم الذي سافر قبل يوم من إعلان خبر الرحلة، ولا تنسى طبعا زوج خالتها سامر. فقط أربعة.
وبعد رحلة دامت ساعات قلة، وصل الجميع للشاليه الذي بدا كما تذكرته بل أبهى وأجمل. وبينما تفرق الكل ليرتبوا أنفسهم وحاجياتهم، اتجهت لمار من فورها جهة القسم الذي اقتطعه الشاليه من الشاطئ، تمتع عيونها بمنظر البحر. حقا منظر ينعش الروح!
بعد فترة انسحبت للغرف، خصيصا تلك التي ستشاركها مع كادي وابنتي خالتها، لترى أن كادي كانت مستغرقة في النوم وترانيم عابسة منزوية منطوية على نفسها وسمية مشغولة في عالمها الخاص تحدث صديقاتها.
"وش الجو الأوف لاين ذا؟"
خرجت دون تعليق لتتجه للغرفة التي تتشاركها أمها وخالتها غادة وزوجة خالها منتهى، لتلقى خالتها غادة نائمة وأمها في دورة المياه تستحم.
على الأقل زوجة خالها انتبهت لحضورها، وما إن حيتها حتى جرتها لمار معها بحماس لعثورها على شيء تفعله: "خليني أعرفك بالشاليه عشان ما تضيعي فيه!"
=
=
=
حاول جلال كل ما بوسعه حتى لا يظهر الإحباط الخانق الذي اعتراه عندما تكلم خاله شاهين قبله، يعلن أنه سيشاركه هو وسيف غرفة ويترك الغرفة الباقية لجده ليستريح فيها بالكامل دون أي إزعاج قد يحدثونه.
كانت خطته في أن يجعل خاله يشارك سيف غرفة وهو سيشارك جده عبد المحسن الغرفة الأخرى، يريد استغلال كون جده من النوع الذي يبكر جدا في النوم ليتسلل خارجا ويروي شيئا من شوقه لمرآى لمار.
لكن بوجود خاله معه، خاله الذي كان أشبه بحارس ليلي في جدول نومه، فإن خطته تلك ذهبت مهب الريح: "ما تحسها زحمة شوي يا خال؟"
ابتسم خاله بتسلية، ولمعة مكر واضحة جلية في عيونه: "أبد، الغرفة وش كبرها."
أيده سيف: "إيه والله، توسع فريق كورة حتى!"
نهره جلال بحدة: "مو وقتك يا سيف!"
أمال خاله رأسه بتخمين بريء يعرف كلاهما أنه تمام البعد عن البراءة: "اللي يسمعك بيقول إنك ما تبيني أبيت معكم.."
أنكر: "لا أبدا يا شوشي!" حاول من زاوية أخرى، لعل وعسى سيأتي بفائدة: "الغرفة غرفتك، لو تبي خذها لحالك حتى!"
ضربه خاله بخفة على رأسه: "أصغر عيالك أنا تناديني شوشي؟" أردف، يحطم آخر آماله وهو يخطو خارج الغرفة: "رتبوا أغراضكم، لا أشوفها مرمية على الأرض لما أرجع."
تنهد جلال بعد مغادرة خاله: "الطيب ماله نصيب يا سيفوه.."
وكان جواب سيف الغير مدرك لما يجري هو عدم الاكتراث التام، يتحلطم من كثرة الأغراض التي يجب عليه ترتيبها: "أكثر من نص الأغراض لك، ليه أرتب فيها؟!"
=
=
=
بدأت لمار بتردد يحكي عن اعتراف آت وهما في طريقهما إلى المحطة الأخيرة في الجولة التعريفية بهذا الشاليه وبقعة لمار المفضلة فيه، تتخليان عن العباءات بعد ضمانها بخصوصية المكان: "لاحظت تغير في خالي.."
كررت منتهى وراءها: "تغير؟"
توقفت لحظة قبل أن تهز رأسها، تصحح: "لا.. مو تغير بالضبط. أحسه بدا يرجعله شي من نفسه.." استطردت عندما لقيت صمتها المصغي: "خالي شاهين قبل كان.. كيف أقولها؟ إيه، كانت الفرحة والروح تبان عليه. كان يبتسم ويضحك أكثر.. اللحين لكن.."
أكملت منتهى عنها: "صار يشيل هم محد عارف وش ثقله؟"
أومأت لمار رأسها: "بالضبط!"
قطبت منتهى حاجبيها قبل أن تسأل، تستقصي لتتأكد من شكوك راودتها منذ فترة: "من متى لاحظتي تغيره من حاله الأول؟"
أخذت لمار تفكر لثوان قبل أن تجيب: "مدري متى بالضبط، كنت صغيرة، بس أظن إن تغيره كان قبل أكثر من عشر سنوات."
أكثر من عشر سنوات؟ فترة طويلة بحق، لكنها تفسر الكثير..: "والناس اللي حوله، جدك، أمك، خالتك..؟"
لتجيب كأنها أدركت شيئا: "أمي ما تغيرت طريقة تعاملها معاه.. بس جدي وخالتي غادة، تغيروا بزود عليه. أذكر فصغري إن خالي كان قريب منهم. بس اللحين جدي وخالي باليالله يتكلمون بكلمتين لبعضهم، وخالتي غادة تتجنبه.." اكتسى القلق نظرة عيونها عندما سألت: "تظنين خالي سوى شي عشان يخليهم اثنينهم يتغيروا عليه زي كذا؟"
لطالما استغربت من توجه أبو شاهين بالكلام إليها أكثر من ابنه، من كون العلاقة بينه وبين ابنه بذاك الجمود العجيب. تراكمت الاستفهامات والشكوك حتى وصلت ذروتها عندما لاحظت قلقه على ما كان يفعله شاهين بنفسه بعد حادث لمار، قلق لم يعبر عنه بكلمة، كأنه لا يريد، أو ربما لا يستطيع.
(لو عندك ولد تعزيه ورافعة راسك فيه وما شكيتي فيه مرة، وصار إنه فيوم اختفى وبعد فترة لقيتيه مغمى عليه فمستودع ودمه مليان مخدرات.. بتقولي عنه مدمن وضايع؟)
(تعلمت ما أحكم الأمور بظواهرها..)
لم تكن مجرد قصة.
أخيرا أجابت لمار، بثقة لم تعد تتعجب منها عندما يتعلق الأمر بزوجها: "خالك ما سوى شي، يمكن السالفة كلها مجرد سوء تفاهم بينهم وبتنحل إن شاء الله.."
وبينما استكان قلق لمار لطمأنتها، كانت منتهى تفكر في حل لهذه العقدة.
=
=
=
خطى شاهين حتى وصل لمنطقة منعزلة من الشاليه ومقتطعة من الشاطئ، ليرى لمار ومعها منتهى.. ولرؤيتها، تجمد في مكانه، يتأمل..
كانت رافعة تنورتها الفضفاضة لمنتصف ساقيها، تمشي حافية على رمال الشاطئ المبتلة، تلعب بقدميها بما امتد إليها من أمواج البحر بإيقاع أشبه بالراقص، تبتسم ابتسامة صغيرة مليئة بالحبور، وشعرها يتحرك بهدوء مع الريح.
خطف منظرها ذاك أنفاسه، هذا أقل ما يستطيع قوله.
أتاه صوت لمار عندها، يوقظه من لحظة الحلم تلك: "خذ لك صورة أحسن خالو.."
التفت ليرى لمار تبتسم ملء شدقيها تسلية. قبضته بالجرم المشهود، ولا يعرف منذ متى!
بدت فخورة وهي تردف: "ما خيبت ظني فيك، عرق الرومانسية ما فاتك!"
وقبل أن تفسر ما الذي تقصده من كلامها، انسحبت من الساحة تاركة له مع منتهى لوحدهم.
سألته منتهى عندما اقترب منها بفضول: "وين راحت لمار؟"
أجاب بشتات، لا يزال وقع رؤيتها هكذا يؤثر به حد الارتجاف توقا..: "مدري عنها.."
صمتت عندها، تنظر إليه بطريقة باحثة، تبدو بعزم قول شيء قبل أن تتركه لتقول، توجه نظرها نحو البحر، لضياء الشمس الغارب: "الشاليه جميل حده.. يكفي ذا المنظر.."
كان يفكر بم كانت تريد قوله عندما لاحظ الطريقة التي سقط الغروب عليها، يضفي عليها ألقا ساحرا مشتتا، ورباه، كم وجد هذه المرأة مشتتة..!
لم يعني شاهين البحر عندما رد: "وإنتي الصادقة.."
=
=
=
كان بعد صلاتهم العشاء أن اجتمعوا على طلب طعام من الخارج، يتحملون امتعاض الجد للفكرة وتغنيه بـ"أكل البيت".
وعلى الرغم من كون المشويات من أكلاتها المفضلة، لم تطق كادي النظر إلى طبقها حتى، تبعده جانبا وتنسحب لمطبخ الشاليه التحضيري بوهن وشئ من الغثيان. منذ سفر عبد العزيز وأعراض حملها تشتد وتبرز أكثر، كأن ألم الشوق في روحها ترجمه جسدها لألم حسي.
لم تدرك أن أمها لحقتها إلا عندما سألتها والعتاب ينضح من عيونها: "إلى متى ناوية تخبين حملك عني؟"
اتسعت عيون كادي تفاجؤا، للحظة لا تستطيع الرد بكلمة: "لمار قالتلك؟" الثرثارة! ألم تقل لها أنها غير مستعدة لمشاركة الخبر؟!
اكتست نظرة أمها حدة: "لا، ما قالتلي لمار شي. لاحظت تغيرك وبس.." استطردت بدراية: "وما أظن تغيرك له علاقة بالحمل وحده، صح؟"
صمت كادي كان إجابة كافية.
سحبتها أمها وراءها لركن منعزل من الشاليه، تجلسها جانبها، تضم يديها بين كفيها. سألت سؤالها بنبرة شبه هامسة: "وش اللي صار؟"
وكأن السؤال بداية دمار سد، لتفيض كادي دمعا، تفصح لأمها عن الذي حدث، كيف قادتها هواجسها لهذا الوضع الكئيب بينها وبين عبد العزيز، إلى درجة تبادل مكالمات رغم انتظامها، إلا أنها كانت قصيرة باردة.
اعترفت، تحتمي بأحضان أمها عن الألم، تسأل سؤالا أرادت طرحه منذ فترة: "مابي يصير لي زي اللي صار لك.. كيف قدرتي تنسين يمه؟ كيف تحملتي تتعاملي معاها عادي، كأنها ما سوت شي؟"
شعرت بنفس أمها يتهدج بشهقة، وعلى الرغم من أنها لا تراها هذه اللحظة، تعرف كادي أن أمها كانت تبكي: "مين قالك إني نسيت..؟ كل اللي صار هو إني عرفت الحقيقة والسبب اللي خلى أبوك يسوي سواته.."
ابتعدت كادي عن أمها عندها، تنظر إليها بذهول: "سبب..؟ مو واضح السبب؟!"
ردت بجمود، بندم: "هذا اللي كنت أظنه، واللي خلى الغيرة تغلب عقلي وتخليني أصر على فراقه.. استسلمت وبعته.. ما تعبت نفسي أحاول أستقصي ورى السالفة مرة.."
حكت لها أمها عندها عن الحقيقة التي اكتشفتها، الحقيقة التي جعلتها تنظر إلى من كانت لها ضرة بعين أخرى.
لم تستطع كادي نطق حرف، فكيف تفعلها وكل اعتقادتها تتحطم كالزجاج أمام صخر الواقع؟
قالت أمها بحزم ناصح: "لا تكرري قصتي يا كادي، لا تستسلمي وتتخلي عشان هواجس مالها صحة، لا تخلي مجال للندم يدخل أفكارك.."
=
=
=
كان جالسا مع جده وخاله في شرفة الغرفة الرئيسية المطلة على البحر، يتمتعون بجو الصباح والمنظر الرائع قبل اشتداد الحر.
شارد في أفكاره، لم يعر المكالمة التي أجراها جده إلا عندما قال قبل النهاية: "يلا عجلي طيب، ترانا ننتظرك.."
سأله جلال بشيء من الفضول: "أمي؟"
أجابه غير داري بما فعله به: "لا، لمار. شفتها صاحية من بدري وقلت لها تجيب لي قهوة."
كم ود لو هب واقفا واحتضن جده بكل ما أوتي من قوة. أخيرا الحق ينتصر وغمامة الظلم تنقشع! التفت إلى خاله يغيظه بنظراته، لعلمه أنه لن يمنع ما سيحصل..
لكن لخيبته فإن خاله لم يبدو عليه الغيظ أبدا، بل التسلية والمكر.
على الفور توجس جلال منه ريبة.
ما الذي يخطط له؟
فُتح باب الشرفة بصخب بعد فترة قصيرة، ليُسمع صوت لمار تعلن حضورها: "وهذي أحلى قهوة لأحلى جد وأحلى خال.. لمين الفنجان الثالث لكن؟"
من نبرتها عرف أنها لم تكن على علم بوجوده، فصفى حلقه ينبهها لوجوده. سمع شهقة ناعمة منها، ثم وقع خطواتها المرتبك إليه، تضع فنجانه عنده.
كل هذا دون أن يسمح لنفسه بالنظر إليها مرة، يعاني أشد المعاناة. هذا التحدي القائم بينهما أنهكه بحق، استنزف قدرته على الاحتمال، لكن فكرة كونه خاسرا في شيء كانت مريرة، وفكرة فوزه وتمكنه من تقديم موعد حفل الزفاف دون أي مشاكل كان مغريا لحد تزويده بالعزيمة!
هتف خاله عندها بسرور: "تعالي لمار واجلسي عندنا، من زمان عن أخبارك.."
يستطيع سماع الخبث المختبئ بين السرور والحبور. خاله كان يعرف! يعرف بأمر التحدي، يعرف بكونه مقيدا عن النظر إلى لمار حتى لو وقفت أمامه!
"وش فيك علي يا خال، ليه النذالة ذي كلها؟ قاعد تفرغ احباطاتك فيني ولا وش؟ فيه مشاكل في الشغل؟ مشاكل مع المدام؟ ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء يا شوشي!"
طبعا، لم يصل أي من حديث النفس ذاك لخاله الذي انخرط في الحديث مع محبوبته، يشتت انتباه لمار عنه كلما حاول الحديث معها، ليمضي الوقت وتذهب برفقة جده للخارج، تاركين له وخاله وحدهما.
سأله خاله: "مو إنت قلت إنك ما بتشتت لمار؟"
وهو التزم بكلمته تلك لحد ما، فأغلب لقاءاته مع لمار كانت بمحض صدفة ليس إلا: "إيه..؟"
كثير من المعاني ارتسمت في ابتسامة خاله عندما قال وهو بصدد الذهاب أيضا: "شكلك ما حاولت زين، لأن البنت كانت مشتتة. بالها وعيونها ما كانوا معي."
فرحة وليدة كادت تنفجر في صدره لاستيعابه ما قاله خاله، لكنه سأل ليتأكد: "أجل مع مين؟"
خالط صوت خاله ضحكة عندما أجابه: "مين برأيك؟"
=
=
=
صحيح أن الوليد أعلمها بموعد سفره، وصحيح أنها أصرت على البقاء وعدم أخذ اقتراحه أن يوصلها لأهلها قبل يوم من سفره، لكنها لم تتوقع أن يذهب دون أن يوقظها، لتستيقظ على رنين جوالها وصوت جلال المغيظ يستعجلها بالتجهز للبيات معهم.
إحباط غريب اعتراها. حتى وهي في هذا الشاليه البديع، لم تستطع إزاحة الوليد وفعلته بها جانبا. حاولت الاتصال به، لتوبخه، تعاتبه.. لتطمئن عليه، لكن جواله كان مطفئا.
تنهدت بحرقة، تأخذ لحظة حتى تعيد تعابيرها إلى الحياد بدل الوجوم الحزين. حتما لا تريد أن تثير تساؤلات عائلتها.
دخلت الغرفة التي تشاركها مع أختها وبنات خالتها لتراهم مجتمعين على فيلم رعب، مخفضين من الإضاءة ويبدو عليهم تمام الاندماج. بدا على ملامح كادي وسمية الجزع الخالص، تكادان تحتضنان بعضهما البعض وجلا مما كانتا تشاهدانه، بينما لمار كانت تلتهم الفشار بترقب متوتر.
منظرهم هذا كان كفيلا في تحسين مزاجها، لتنضم إليهم وتنخرط معهم في مشاهدة الفيلم، في الذكريات التي أثارها تجمعهم هكذا من جديد.
تحلطمت كادي بضعف: "أنا وش حادني أشوف ذا الفيلم وأنا دارية إنه بيخوفني..؟"
أسكتتها لمار بحدة: "قلتلك لا تشوفيه بوضعك، لا تقعدي تشتكين اللحين!"
قالت ترانيم تعبس لتفويتها آخر مقطع بسبب جدال ابنتي خالتها: "رجعي المقطع كم دقيقة يا لمار، ما أمداني أشوف.."
التفتت سمية إليها بجزع: "تستهبلين إنتي؟! ما صدقت خلص المقطع عشان تجين إنتي وتطلبين إعادة!"
وكان بعد إنتهاء الفيلم وتفرقهم للاستعداد للنوم أن تساءلت لمار: "غريبة أمي ما جت تقولنا ننام.."
لتجيبها سمية: "لما رحت للحمام شفتها تتكلم مع أمي وباين إنهم بيطولون."
سألت كادي عندها، بهدوء غريب استغربنه: "وزوجة خالي معهم؟"
هزت سمية رأسها بـلا، تجيب بتردد واضح: "شفتها مع خالي برى يتكلمون.."
قالت لمار عندها بمرحها المعهود: "شكل الخال يبي يعوض اليومين اللي راحت فيها لبيت أهلها..!"
تستغرب حقا علاقة ابنتي خالتها مع من كانت ضرة أمهم في زمن ما. تستغرب أكثر ما تستشعره في خالها من مشاعر إيجابية اتجاهها.
لكن إذا نتج شيء بين خالها وزوجته تلك رغم حواجز صلاتهم ببعض، ألا يعطي هذا أملا لها ولعلاقتها مع الوليد؟
خرجت من الغرفة بعزم محاولة الاتصال مرة أخيرة قبل أن تنام، ويا لحظها، فقد كان جوال الوليد مفعلا وأجابها بتفاجؤ: "ترانيم؟"
لترد: "إيه.." لم تستطع منع الغيرة من التسلل لصوتها عندما أردفت تسأله: "كنت تتوقع أحد ثاني؟"
أجابها بصدقه الذي تحب: "لا والله.. بس ما عمرك سويتيها.."
تعرف ذلك، وتعرف أنها ضعيت على نفسها الكثير..: "بغيت أهاوشك على سواتك فيني."
كان في صوته ضحكة، وللحظة شعرت كما لو أنها عادت لتلك الأيام الأولى: "صوتك مو صوت واحدة ناوية تهاوش.."
كيف عرف؟ كيف عرف أن توعدات العتاب تبخرت لحظة سماعها لصوته ينطق باسمها؟ قالت بصوت متحشرج: "أجل وش؟"
قال بدل الإجابة، كأنه استدرك وضعهما الحالي، ليعود ذاك البرود الذي تكره لصوته: "تأمرين على شي؟ لازم استعد لرحلة بكرة.."
لثانية أرادت البكاء من غيظها، ولا تدري كيف وجدت في نفسها القدرة على إجابته: "لا، سلامتك.."
أقفلت الخط متوعدة، فليست هي من تُرفض!
دعه يعود، دعه يرجع.. لن تستسلم! ستسترجعه!
ستسترجعه..
=
=
=
مبتعد عنها ليوم والشوق إليها قد بلغ منه الإنهاك. حالته ميؤوس منها بحق..
كان اتصالها به كالحلم، وسماع صوتها بتلك النبرة التي يكاد يقسم أنها حكت عن اشتياق تعذيبا. توقع أن يهدأ حاله مع البعد، فالبعيد عن العين بعيد عن القلب، أليس كذلك؟
يبدو أن حالته كانت الاستثناء، وبعده عنها زاد حالته سوءا، زاده ضعفا، لينسى نفسه معها للحظات ويحتاج للتعذر بعذر سخيف ليقفل الخط عنها، متجاهلا صرخات قلبه ألا يفعلها.
"أتعبتيني يا ترانيم.. أتعبتيني.."
=
=
=
صحيح أن علاقتها بأخيها تلاشت لسنوات طويلة، لكن ذلك لا يعني أنها لا تكترث لأمره.
بعد زواجه الأول الكارثي، أوصت غادة أختها منال أن تبحث عن عروس جديرة مرة أخرى ولا تتبع أراء وإرشادات الآخرين. وعندما شاورتها في أمر ترشيح ابنة صديقتها أسيل، أبدت غادة تمام الموافقة.
لكن شاهين رفض حتى الخوض في نقاش عن الأمر، وظل لوقت لا يبدي اهتماما في الارتباط مرة أخرى.
ليأتي يوم ويصعقهم فيه بخبر زواجه بمن كانت السبب في طلاق منال!
كانت تكن لتلك الضغينة منذ سماعها بخبر طلاق منال، وبموافقتها على الزواج من شاهين بعد عدة أبو كادي مباشرة، حقدت غادة عليها أكثر، ولم تتخل عن تلك الضغينة إلا عندما صارحتها منال بالحقيقة المخفية عن الجميع.
حتى ولو.. لم تكن حقا من تخليتها زوجة جديرة بأخيها ومكانته، من سيكون أبناؤها وريثوا ثروة عائلتهم.. لكن ماذا عساها تفعل. يبدو شاهين مقتنعا نصيبه لسبب خفي..
وبالحديث عن "الأبناء"..
قالت غادة مباشرة عندما دخلت زوجة أخيها للصالة في هذا الوقت المبكر من الصبح، على الرغم من نومها في وقت متأخر ليلة الأمس: "السهر الزايد مو زين لصحتك وصحة الولد.."
رمشت زوجة أخيها بعجب، من مخاطبتها إياها أو مما قالته، أو ربما من صراحتها، تكرر: "الولد..؟"
فسرت مما فهمته: "منال قالتلي إنك تعبتي في المستشفى مرة أيام لمار كانت تنام هناك.. لو الحمال متعبك، مفروض تهتمي بنفسك أكثر وتعدلي من وضعك.."
الذهول ثم الحرج التام ارتسم على ملامح زوجة أخيها، يبدو عليها الضياع، عدم المعرفة بم ترد. أخيرا، ردت عليها بخفوت: "إن شاء الله.."
راضية بإسداء نصيحتها تلك، ظنت غادة أن ذاك كان آخر عهدها في التعامل مع زوجة أخيها، لكن على ما يبدو فإن زوجة أخيها كان لديها أفكار أخرى: "إنتي أخت شاهين الكبيرة صح؟"
تعجبت غادة من السؤال. هل هي بلهاء أم ماذا؟: "توك تعرفين؟"
ارتسمت على شفتيها ابتسامة متهكمة كانت أبعد ما يكون عن البلاهة، وأقرب إلى الاستدارج المدروس: "أتأكد.. السموحة لكن ما حسيت مرة إنك أخته وبكل بساطة.. نسيت.."
كيف.. كيف تجرؤ؟!
كانت غادة على وشك الرد عليها بزخم لاذع عندما انضم الباقون لهما، لتستقر على الغلي في أفكارها. تلك الوقحة! كيف لها أن تشكك بصلتها بأخيها الصغير، من كانت تتقاتل على حمله وهو رضيع مع منال؟ من كانت تحل معه واجباته؟ من كانت تلعب معه كلما طلب..؟
صدح صوت في باطنها عندها سائلا..
كيف لا تشكك بصلتها مع شاهين وهي قد قطعته بالكلية، لا توجه له إلا السلام..؟
(أهكذا أصبح الناس يرون الحال بينها وبين أخيها.. غرباء؟)
كون الإجابة "نعم" هو ما جعل غضبها يخمد بثرى الحزن.
انتهى البارت..~
|