كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
السلام عليكم.. طولت الغيبة آسفة.. بس زي ما قلت، وقتي صار ضيق حده، خصوصا مع اقتراب امتحاناتي..
السادسة والأربعون
=
=
=
لاحظت منتهى اكتساء الجمود لتعابير شاهين عندما أخبرته برغبة عمها في بياتها عنده: "هذا مو الكلام اللي قاله لي.."
قالت، تستشعر عدم الرضى في كلامه: "لو ما تبيني أروح.."
قاطعها: "تبين تبيتين عنده؟"
أومأت له بنعم: "أحس إن فيه أشياء بنطول في الكلام عنها.." ابتسمت لنفسها بسخرية: "تصدق؟ قبل لا ألتقيك ما ظنيت إني بكلمه مرة ثانية، بس اللحين جات الفرصة.."
سألها، بشيء من الغيظ يغطيه العجب: "ليه تهتمين له؟"
لتكمل عنه باقي السؤال: "وهو ما اهتم لي؟" أخذت لحظة كي تستجمع أفكارها، كلمات تفسر بها غرابة تعلقها: "عمي حامد إنسان نظامي، وما يرضى بالتسيب والاستهتار." ضحكت بشجن، تداهمها ذكرى: "كان يجبرني آكل لو لاحظني ما أمد يدي لصحن. كان يأمرني أروح لغرفتي لو شافني سهرانة على كتاب. كان يحاسبني على غيابي عن المدرسة، على نتايجي، يمنع زوجته تأمرني أشتغل فالبيت لو عندي امتحانات. كان يصحيني للصلاة بدون ما ينسى مرة، حتى لو غايب بسفر يتصل. أشياء بسيطة، أدري، بس أنا ما كنت متعودة عليها قبل لا أجي عنده. يمكن يقول إنه ما يهتم، بس أحسه كان مهتم.. أتمنى، على الأقل.."
رفعت نظرها تفيق من فيض الذكريات لترى شيئا في نظرة شاهين قد لان، يتنهد بقلة حيلة قبل أن يقول: "الخميس بنروح مع العايلة لشاليه في الخبر، فبخليك عند عمك لين مسا الأربعاء.."
ابتسمت، تجد في المهلة التي أعطاها لها شيئا طريفا. ابتسمت بالامتنان الذي تحسه نحوه: "اليوم أحد.."
ليرد الابتسامة لها بأخرى مائلة: "عشان تشوفي كرمي."
وكان في صباح اليوم التالي أن أوصلها شاهين بنفسه لبيت عمها وترى خياله ينتظرها عند الباب. قال قبل أن تترجل من السيارة: "اتصلي علي لو احتجتي شي.. أو بغيتي تروحين بدري."
=
=
=
حثها عمها أن تأخذ راحتها في البيت، فحاليا لا يعيش فيه إلا هو وزوجته وخادمة، ربما مستسلما لطلب زوجته الأزلي بمن يساعدها عندما اختلى البيت بهما بعد زواج ابنتيه وتفرق أبنائه أرجاء البلد بعائلاتهم.
بدت غرفتها القديمة مختلفة، بأثاث أكثر حداثة، مطلق البعد عن صورتها في الماضي. خمنت أنها تحولت لغرفة ضيوف بعد ذهابها.
وجدت عمها وزوجته في المجلس الذي اختلف أيضا، باديا عليهما انتظارها. لم تدر بما تبدأ سوى: "حلو المجلس.."
تهللت أسارير زوجة عمها، نورة، لما قالته. لطالما كانت محبة للثناء، خصوصا لذوقها ومقتنياتها. كم من مرة استغلت منتهى تلك النقطة حتى تتحايل من مرافقتها للسوق، تتحجج بجمال ذوقها وسبقه الكل في المعاصرة، بكون كل مافي السوق نظيرا أٌقل وهجا مما تمتلكه واشترته حديثا، وأبدا لم يكن هنالك داعي أن تذهب معها وهي تختار الأفضل.
لم تكن زوجة عمها بتلك المقيتة حقا.. سريعة الانزعاج وكثيرة التطلب، لكن يمكن العيش معها. مشكلتها الأساسية في بيت عمها كانت مع ابنتيه اللتان لم تخبآ ضغينتهما وغيرتهما تجاهها، من ماذا؟ لا تدري. الأدهى أن التأثير على زوجة عمها كان سهلا، واستغلت ابنتاها ذاك الطبع حتى تحرضاها عليها.
قالت زوجة عمها بفضول: "وين كنتي فيه يا بنت؟ عمك قال تزوجتي بس ما رضي يقولنا من مين..!"
قالت بتمويه سيحبط زوجة عمها، ما دام عمها لم يفصح عما حدث لها، فلن تتكلم: "قريبة.."
وقبل أن تعاود زوجة عمها بالسؤال، قاطعها عمها بنظرة ذات معنى، لتتحجج بتأفف وامتعاض واضحين بتفقد الضيافة، تتركها وعمها في المجلس لوحدهما.
قالت تعني زوجة عمها: "ما تغيرت بالمرة.."
ليقول عمها بتهكم: "وما أظنها بتتغير.."
ردت: "أشوفك مقتنع فيها زي ما هي، فليه تتغير؟"
أفلتت من عمها ضحكة، يقول بدفء خالطه الشجن والأسى: "وإنتي ما تغيرتي، تحرفين كلامي ضدي، مثل أبوك بالضبط.." فاجأها ذكره لأبيها بحق، فاجأها أكثر القلق والتوجس في نظرته عندما أردف سائلا: "وش صار لك بعد ما توفى راضي؟"
أخبرته نبذة عامة، بدون التفصيل في الأحداث، بدون الإفصاح عن دواخل نفسها، تتوقف كلما دخلت زوجة عمها تحمل الضيافة وتتلكأ لتسترق شيئا يرضي فضولها بدون جدوى. ليسأل أخيرا: "زوجك ذا، وش طينته؟"
كان جوابها فوريا، قاطعا، لا يحتاج للتفكير فيه حتى: "شاهين رجال طيب، وقليل اللي مثله."
بدا على عمها التفاجؤ، ثم القبول، ثم الراحة المطلقة: "طول عمرك تعرفين تحكمين على الناس، فما دام تقولين عنه كذا.. الحمد لله.."
دخلت زوجة عمها عنده للمرة العاشرة ربما، ليتنهد عمها ويقترح عليها أن ترتاح لوقت الغداء، في نظرته وعد بإكمال كلامهم لاحقا.
=
=
=
بدا أبوهما تمام التوقع لمجيئهما، يتشدق بسخرية: "ما شاء الله! طول ذي الفترة تتعذرون إنكم ما تقدرون تجون عندي، وأول ما تسمعوا إن بنت عمكم جاية أشوفكم طايرين هنا!"
قالت روعة تحاول مسايسة أبيها: "تلومنا نسلم على بنت عمنا بعد طول غياب يبه؟"
لتؤيدها روابي: "كنا شايلين همها. محد داري وين هي كانت فيه!"
شخر أبوهما بعدم تصديق: "كذبتوا الكذبة وصدقتوها..!" أردف بصرامة نظرة ونبرة: "على العموم الغدا بينحط بعد شوي، تفضلوا. ما أبي أشوف وحدة من حركاتكم معاها، فاهمين؟"
للحظة شعرتا أنهما عادتا لسنين الطفولة: "فاهمين يبه.."
وعندما دلفت ابنة عمهما منتهى للصالة لتشاركهم الغداء، تجمدت تعابيرهما ذهولا من تغير حالها..!
بدت بكل بساطة.. أفضل. صحيح أن منتهى كانت جميلة لحد موجع محرق غيرها بالغيرة، لكن جمالها ذاك كان معيبا بالنظرة الخاوية في عيونها، برودها وقلة تعبيرها، ذبولها وعدم اهتمامها بصحتها.. وزادت حالتها تلك سوءا بعد طلاقها من نواف المرزوق.
لكن الآن.. الآن بدت إنسانة مختلفة. بدت بصحة أفضل وضحت في لمعة عيونها، في نضارة بشرتها وصفائها. بدت بنفسية أفضل أيضا، تشارك في الحديث وتبدأه.. تبتسم حتى..! كان المنظر عجيبا بحق، هل ابتسمت ابنة عمهما تلك مرة معهم؟
التفصيل الذي استوقفهما بحق كان فخامة ما كانت ترتديه، فجلابيتها البيتية ذات اللون الأحمر القاني لوحدها بدت كما لو أنها كلفت ضعف ما تلبسانه في المناسبات. وليزيد الطين بلة، لاحظتا مع حركة يدها اليسرى بريق انتمى لخاتم ثمين من الماس!
وإذا عرف السبب، بطل العجب. فأبوهما أجاب عن منتهى قائلا أن بعد طلاقها من نواف، تزوجت منتهى بصديق قديم له، لتتزوج بعد وفاته ابن عائلة الجبر الشهيرة.
ساسرت روابي روعة: "يعني ما يكفي تزوجت نواف ذاك، تجي تتزوج شاهين الجبر! كيف لقطته والحريم بيقطعون نفسهم عشان يعطيهم نظرة؟!"
هزت روعة رأسها بعد تصديق: "علمي علمك.. حظها يفلق الصخر بنت الذين!"
صفى أبوهما حلقه بتقصد منذر، ليكفا فوريا عن التساسر.
=
=
=
في صباها، كان مكتب عمها مكانها المفضل في الدنيا. تذكر أنها كانت تتسلل إليه لتقرأ ملفات القضايا التي كان يعمل عليها عمها، وأحيان أخرى تقرأ الروايات البوليسية التي كان يمتلكها. أغلب المرات كان يؤنبها طاردا إياها من مكتبه، لكن في أحيان أخرى، أحيان قلة، كان يتركها لشأنها، وفي أحيان بينها، يطلب منها الفرز بين الملفات لإيجاد ملف معين.
(ما عمري شفت بنت أغرب منك..)
تذكر تمتمته بتلك الكلمات ذات مرة، تشاركه بالحل الذي توصلت إليه من قراءة ملف قضية ما. تذكر تمتمته تلك الكلمات بابتسامة أشبه بالفخورة، وربما كانت كذلك.
مضت سنوات منذ ذاك الزمان، ولم تعد تلك الفتاة. لم يعد هذا المكتب بذاك الملجأ من الوحدة، تغوص في غموض حيوات أخرى غيرها لتنسى..
قال عمها، يجذب انتباهها إليه: "كان فبالي كلام وكلام، بس أول ما شفتك.. تبخر.." نظرته لها كانت مثقلة بالذنب والخزي: "آسف.. اللي سويته فيك.. ما أظن يقدر يتنسى حتى بعد كل ذي السنين، ماله عذر ولا حجة.."
ألجمها ما تراه في عمها هذه اللحظة، ألجمها هذا الشرخ في درع صلابته، هذا الضعف..! لم تظنها سترى مثل هذه النظرة تمر في عيونه، والآن وهي كانت السبب، لم ترد رؤيتها..: "كنت دوم تمثل لي فكرة عن الإنسان اللي يمكن يكون أبوي. ذيك المرة لما رديتني، عرفت إن ما عاد لي أحد.."
الألم اعتصر ملامح عمها لسماع ما قالته، لترى التماع الدمع في عيونه، وكم هزها المنظر!
أردفت تكمل: "مدري وش اللي خلاني أطلب عونك مرة ثانية بعد اللي صار، يمكن كان عندي أمل باقي..؟ المهم، ذيك المرة ما رديتني، بالعكس وعدتني ووفيت بوعدك.. حتى لو أبعد صاحب قديم عنك.." صمتت لحظة قبل أن تعترف: "كنت أبي أتصل عليك مرة وأشكرك، يمكن عشان كذا ما مسحت رقمك من جوالي.. بس أنا بعد وعدتك بالقطع."
قال ليقطع نفسه: "منتهى.."
نطقت بكل اليقين الذي تحسه، بكل الراحة التي غمرتها بسبب اختيارها المواجهة بدل الهروب: "ويا عمي، صحيح إن يمكن مقدر أنسى، بس أقدر أسامح." الصدمة بدت على محيا عمها واضحة جلية، كأنه لم يفكر أبدا بكونها قد تسامحه. ألهذا لم يسأل الصفح؟
لا يهم، فمسامحته كان القرار الذي ارتاحت إليه، القرار الذي ستغلق به فصلا آخر من الماضي: "سامحتك.. سامحتك اليوم اللي جبت لي ورقة طلاقي فيه."
=
=
=
-: "كلمني عن أبوي.."
فاجأه سؤال منتهى المباغت بعد فترة قضياها بصمت في مكتبه، كل شارد بأفكاره. لم يسأل عن الأسباب وبدأ يحكي، هذا أقل ما يستطيع فعله لأجلها: "أبوك كان يشبهك بنواحي ويختلف عنك بنواحي ثانية. ورثتي عنه ملامحه إلا العيون. لا، عيونك كانت لجدتك أم أبوك.. كان صوت فيصل يوصل قبله أغلب الوقت، بس أوقات يصير هادي بشكل تتشابهون فيه. كان متمرد ومتهور ومستهتر. ما يسمع كلام إلا من جدك ومن بعد وفاته.. أنا.."
ابتسم بحنين وشجن، كما أصبحت عادته كلما تذكر أخاه المرحوم حديثا، ولم يكن شعور الذنب بعيدا عن ذاك الحنين، يلحقه خطوة بخطوة: "ما كان فيه أحد يتوقع إنه بيصير أب مسؤول، وتوقعت لما قال لي إنه بيطلق أمك بسبب مشاكل بينهم إنه بيتركك عندها، بس فيصل فاجأنا وجابك معاه وإنتي بنت خمس شهور، وفاجأنا أكثر بقدر اهتمامه ومداراته لك. صار يتصل فينا يسأل شور اللي عندهم عيال منا عن أتفه التفاصيل. كان مدلعك دلع ما شفت أب يعطيه لبنته.. وإنتي بدورك ما كنتي ترضين تفترقين عنه للحظة. قالي إنه سماك منتهى لأنك بالنسبة له كنتي منتهى فرحته."
أخبرها أكثر وأكثر عن أبيها. كل ما يعرفه عنه، كل أثر كان لديه منه، وكم فطر قلبه اندماجها التام بما يحكيه، الدموع المتشكلة بصمت في عيونها، تتبعها لملامح أبيها في إحدى صوره برقة مرتعشة، كأنها تخشى على الصورة الزوال.
اعترف في النهاية: "غلطنا فحقك.. غلطنا فحق أبوك. أظنه ما كان يفتعل مشاكل إلا عشان يحصل منا اهتمام بدون فايدة.. عقولنا وقلوبنا كانت مقفلة بحجر، وحملناه ذنب خيانة أبونا لأمي.."
مسح الدمع من عيون ابنة أخيه، يقول لها بحب صاف: "بس إنتي كنتي له العوض يا منتهى.. أغنيتي قلبه عن الكل.."
=
=
=
يعرفه، ذاك الرجاء بالحصول على ود ورضى الأب، من كان بمنزلة الأب، وذاك الحامد اعتبرته منتهى بهكذا مكانة. لا يحتاج لبصيرة خارقة ليعرف، فنظرة عيونها تكفي.
لم يكن الفضول وحده ما سير شاهين ليزور عم منتهى، بل شيء من الغيرة أيضا، احساس يدفعه ليرى كل من كان له قدر في قلبها.
طول اليوم حاول تجاهل واقع عدم وجودها بانتظاره في البيت، يشغل نفسه بعمل وراء عمل ليجد العمل ينتهي وأفكاره عنها تتجدد بلا هوادة.
وعندما عاد للبيت، اختار الجلوس في الحديقة بدلا عن الذهاب لجناحه، يتطلع بشرود نحو الشجرة الضخمة في الوسط. لم يدرك جلوس أبيه جانبه إلا عندما سأل: "متى بترجع زوجتك؟"
أجاب، ما زال متفاجئا من اختيار أبيه الجلوس معه: "الأربعاء.."
توقع نهوضه بعدها، لكنه ظل جالسا، يبتسم بشجن عاشق: "لما أمك كانت تبيت عند أهلها، ما كان يجيني لا نوم ولا راحة البال. كنت أرجعها أبكر من اللي اتفقنا عليه، أتحجج بأي عذر له علاقة بالشغل عشان ترجع عندي وتحت عيني. شكلك ورثت ذاك الطبع مني.."
تحشرج النفس في صدره، فكم مضى من زمن لم يحادثه أباه بهذه الأريحية؟ يخرج من غلاف الجمود والهيبة لدثار الحنان الأبوي..؟
وقت طويل. طويل جدا.
عندها فقط نهض والده من عنده، يقول: "تصبح على خير.."
ظل شاهين ينظر في إثره إلى أن اختفى.
(ربما.. ربما هنالك أمل في الصلاح بينهما.)
=
=
=
لا يدري شاهين كم مضى من وقت قضاه في مكتبه بعدها، يفضل السهر بين أوراقه على محاولات نوم يعرف أنها ستبوء بالفشل.
رن جواله ليلتقطه تلقائيا دون النظر لمن اتصل به، مخمنا أن المتصل كان مسؤولا يتوقع منه ردا على المعلومات التي أرسلها إليه، لكن الصوت الذي حياه لم يكن ذاك للمسؤول، لم يكن مزعجا ناخرا للمخ بحدته، بل العكس..
كان ذاك الصوت المغوي في هدوئه، بإيقاعه الرخيم. صوت يعترف أنه فتنه منذ أول كلمة: "ليه صاحي للحين؟"
عتابها المتسلي جعله يبتسم، يزيح كل فكر عن معاملات من باله ليعطيها كل انتباهه: "تشرفين على نومي حتى وإنتي فبيت عمك؟"
لترد ونبرة التسلي في صوتها تزداد درجة: "لازم أضمن إنك ما بتنام عالمكاتب.."
خالط صوته ضحكة: "إلى متى بتذليني على اللي صار؟" أردف بعمق متقصد: "ومو أنا قلتلك وقتها إن ما كان فيه شي يخليني أشتاق لنومة على سريري؟ أبشرك صار عندي، بس للأسف انقطع عني ذي الليلة.."
لم تنطق بكلمة، لكن شاهين سمع نفسها يتهدج بشيء من الارتباك، وذاك دفعه ليستمر: "أقولك الصدق؟ صرت ما برتاح إلا بدفاك جنبي.."
وكم سره سماع ارتباكها يزداد، يكتسب ألقا خجولا لم تستطع إخفاءه: "بديت تهذي من السهر.."
ليرد هو: "يمكن يكون هذيان، بس ما أظن إن السهر سببه.."
سألته عندها، بترقب وفضول، بذاك الخجل الذي لا يستطيع الاكتفاء منه: "طيب.. وش السبب؟"
قد لا تستطيع رؤية الابتسامة الخبيثة التي ارتسمت على شفتيه لحظتها، لكن مرادفاتها تسللت إلى صوته عندما أجاب: "بخليك تحزرين لين تلقين جواب.."
=
=
=
كتمت منتهى ضحكة من تساسر ابنتي عمها حولها، تساسر ظنتا أنها لا تسمعه، لكنه واضح فاضح لكل من جرب وتوقف ليستمع.
زوجة عمها أصرت ألا تقوم بأي عمل وكلفت بناتها بضيافتها. انقلبت الآية مما كانت عليه قبل سنوات. ابنتي عمها لاحظتا ذلك، ليشوب الامتعاض والسخط تعابيرهما.
سألتاها كثيرا وبإلحاح عن شاهين، وعن حياتها في بيت عائلة الجبر، لتجيب عليهما بإجابات قصيرة مبهمة لم تستطيعا الحصول على شيء منها. ربما كانت "نذالة" منها، لكن إحباطهما بأجوبتها كان مسليا.
حل المساء ليأتيها اتصال من شاهين، يتضمن كلمات قلة دون الإسهاب: "اطلعي، أنتظرك برى."
تفهم عمها اضطرارها للذهاب مبكرا، وعلى عتبة الباب استوقفها: "لو طلبتيني، ما بردك. أوعدك أكون السند والعزوة اللي ما حصلتيهم فيني قبل.."
ابتسمت له، تستشعر صدقه وإخلاصه. لم يكن عمها بالذي ينطق بالوعود عبثا: "إن شاء الله.."
=
=
=
كان أول ما قالته عند ركوبها لسيارة شاهين هو: "قلتلي مسا الأربعاء، والليلة ثلاثاء.."
ابتسم كأنه تذكر مزحة قديمة: "صارت تطورات في الشغل وما بيمديني أوصلك وقتها.."
اقترحت، ربما لتغيظه: "كان خليتني لصبح الأربعاء.."
ليسأل يلتفت إليها للحظة قبل أن يرجع بنظره للطريق: "إنت معترضة على جيتي اللحين؟"
أجابته بابتسامة وراء نقابها: "لا، مو معترضة.. اشتقت للبيت.."
انتهى البارت..~
|