كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
الله! وش السيناريوهات الفتنة اللي أشوفها هنا؟ إبداع وربي. أهم شي إنكم سميتوا زوجة الأب واسم حلو بعد! تسلمولي يا حلوات على التفاعل :) (وبلومي لا تخافي أعرف إنك مو قاعدة تغشين لأن اللي حطيته لسى ما جا لنقطة اسم زوجة الأب ولا قصتها..)
الخامسة
=
=
=
ديوانية أم سطام، محل تجمع نساء القرية وتبادل الأخبار بينهن.
تذكر شادية أول مرة دخلت فيها هذه الديوانية وانبهارها الشديد بكل ما فيها من أثاث وضيافة وجموع النساء. كانت في الخامسة عشر، تلتزم جانب عمتها غزيل التي تولت الاعتناء بها بعد وفاة والديها في بيت الجد، إلى أن تزوجت بضابط يعيش في الخبر وأصبحت تزورهم بانقطاع.
عرفتها عمتها بهمس طريف على كل من في الديوانية وبأطباعهن المشهورة، وعلمتها التعامل مع كل واحدة منهن، حتى أصبحت شادية في الثالثة والعشرين مشاركة مخضرمة في الديوانية تعلم المبتدئات كما فعلت عمتها معها.
دخلت لترى أنها كانت مبكرة، فلا زال هناك عدد من مرتدات الديوانية لم يحضرن بعد. جالت بنظرها على الحاضرات لترى أم سطام تجلس في رأس الديوانية كالعادة، ترفع صوتها بالترحيب بالكل.
أم سطام، زوجة أكثر رجال القرية ثراء، إنسانة مدمنة للتجمعات والصخب، لا يخلو مجلسها من ضيفة ولا حديث، حلوة المعشر وصافية الروح.
بجانب أم سطام كانت تجلس أم ضاري، جارتها وصديقتها منذ عقود. كانت أم ضاري النقيض التام لأم سطام، إنعزالية مُرة المعشر سليطة اللسان. لا تعرف شادية كيف صمدت صداقة المرأتين كل تلك السنوات وأطباعهما بذاك الاختلاف.
أبخرة البخور تصاعدت أمامها، ورأت شادية أم مزون تبخر الديوانية غير سامحة لأخرى غيرها بفعلها، كعادتها المحبة لإقحام نفسها في كل عمل حولها. تزوجت أم مزون سطام، بكر صاحبة الديوانية الذي رجع من سفره وتزوج بعد غياب سنوات، ليقيم أبوه حفلة دام ذكر ضخامتها وبهرجتها في القرية حتى بعد خمس سنوات من إقامتها.
سمعت تحلطما، وحاولت شادية منع نفسها من الانطلاق بالضحك لرؤية جارتها أم خليل تعاني في تهذيب صغارها المشاكسين دون جدوى، فلا شيء يستطيع الوقوف أمام ثورة هؤلاء الأشقياء بالذات.
دوت ضحكة مجلجلة في الديوانية، وعرفت شادية دون النظر أن أم صيتة قد وصلت برفقة بناتها، فتون وسميرة. أم صيتة التي أنعم الله عليها بورث من "الحلال" يُنشد من أقطار البلد كافة، مفتخرة بكونها المتكفلة بالذبائح لأي مناسبة حدثت في القرية.
وعندما التفتت بالنظر، رأت بطرف عينها بنات أم ضاري سلمى ومناير يتهامسن على موضوع تعرف شادية أنه حولها.
منذ فترة وهي لا تحضر تجمعات الديوانية. شرطها الذي قيدت فيه ارتباطها بزواج بعث في النفوس التحفظات، فليس الرجال وحدهم من استنكر رفضها، بل أقربائهم من النساء أيضا.
تجاهلت شادية نظرات سلمى ومناير، تتشاغل بفنجان القهوة الذي قُدم لها. يبدو أن رفضها لأخيهما عوض ما زال مرا.
-: "وش سارحة فيه واحنا تونا على الجلسة؟"
ابتسمت لسماع ذاك الصوت المألوف: "هلا وغلا! تو ما نورت الديوانية!"
صدقا، فاجأها حضور غالية الليلة، فهي مثلها كانت تتجنب الحضور لما ستتلقاه من لمزات حول الفصال بينها وبين عمها، فقط لأنها لن تستطيع التحكم بأعصابها وستفتعل مشكلة.
أخذت غالية مكانا جانبها، تبعد خصلا من شعرها وراء أذنها بتأفف، ورنين بناجرها البراقة يصدح مع كل حركة: "ما جيت إلا لأنك قلتي إنك جاية، وقلت أفزع لك."
ضحكت شادية، فعلى الرغم من مظهر غالية شديد الأنوثة، إلا أن كونها الوحيدة بين خمسة إخوة رجال وتطبعها بأطباعهم يتسلل أحيانا في حركاتها وكلامها: "وأحلى فزعة والله." غمزت بمكر: "لكن بصراحة.. أشك إنك جاية عشان تفزعين لي وبس."
"صدقي اللي تبينه." مثلت غالية برودا تعرف شادية أنه سيتلاشى بعد لحظات، تنظر بتشتت إلى أظافرها المطلية بالأحمر القاني: "سمعت إنه توظف.."
صحيح أن عمها منعها من إخبار غالية، لكنه لم يحسب حساب أن يكون لغالية علم بأخباره من مصادر أخرى: "إيه، توظف في بنك.."
تهللت أسارير غالية بالفرح، ليس لكسب زوجها وظيفة وحسب، بل كسبه راحة البال التي سلبت منه منذ فقده وظيفته. فرحة لانفراج محنة عن محبوبها.
لكن سرعان ما اكفهرت ملامحها بالسخط: "وراه إن شاء الله لساته قاعد ما جاء؟ ينتظر إيش حضرته؟!"
أسكتتها شادية بسرعة عندما اتجهت أنظار النسوة نحوهما، فلا ينقصهما كلام آخر يُحاك عنهما. همست بحدة: "لا تفضحينا بين العرب! خلي سالفة عمي لبعدين لما أجي عندك.."
عندها تذكرت غالية موضعها لتصمت على مضض، تأمرها: "تعالي الصبح بدري. ما راح تروحين إلا لما يكون عندي التفاصيل كلها."
تنهدت بقلة حيلة: "حاضر عمتي." منعت ابتسامة من الإفلات، لأنها تعرف مدى كره غالية أن توصَف بـ"عمتي" من قبلها.
ضربتها تلك بخفة على كتفها: "عمتي فوجهك، ما الفارق بيننا إلا كم سنة!"
من يرى تعاملهما مع بعضهما سيظن أنها وغالية صديقات منذ الأزل، لكن الحقيقة كانت أن كلاهما لم يختلطا ببعض إلا بعد زواج عمها بغالية وسكن غالية في ملحق البيت. قبل ذلك، عرفت غالية فقط من خلال الحكايا التي كان يحكيها عمها لها، ومن رؤيتها في تجمعات الديوانية. كان انطباعها عن غالية أنها شابة نزقة سريعة السخط والهياج، متهورة لا يحكم عقلها لسانها. لكن عندما تعرفت عليها أكثر تبين أن مع كل مساؤها تلك، كان لديها قلب صادق شديد الوفاء والولاء، وعدم رضا بالسكوت عن ظلم، وعندما يقتضي الأمر، صبر عظيم وإيمان راسخ. تعرف أن كثيرات في محلها كن ليطلبن الطلاق، لكنها لم تفعل ولا مرة.
(أجابتها مرة عندما سألتها: "إذا ما صبرت معاه ذا الوقت، متى أصبر؟")
شيئا فشيئا، اكتمل عدد الحاضرات وصدحت أصوات أحاديث النساء في الأرجاء، إلى أن وقفت أم ضاري واسترعت الانتباه والصمت المتسائل.
من النظرة المتقصدة التي ألقتها جهة شادية، خمنت ما كانت تعزم إعلانه.
وصدق إحساسها، فأم ضاري أعلنت أن الخميس القادم سيُقام عرس ابنها عوض في قاعة القرية الأثرية وكل الحاضرات مدعوات. وبدورها أعلنت أم صيتة أن العزائم جميعها عليها.
تجاهلت شادية النظرات التي وُجهت تجاهها، تسمع لهمس غالية الساخر جانبها: "يعني نلطم الخدود ونشق الجيوب لأن عوض بيعرس؟ أبركها من ساعة يا شيخة وفكة من وجهه النحس..!"
صحيح أنها لم ترد حقا الزواج بعوض لأسباب لا تتعلق بشرطها حتى، لكن رؤية شابات القرية يتزوجن واحدة تلو الأخرى تاركات لها خلفهن أحبطها.
انتهى مجلس الديوانية على ذلك الإعلان، وأخذت كل حاضرة تجهز نفسها للخروج.
قالت لها غالية وهي تمشي جانبها تحت ضوء الشمس الخافت في المغيب: "بيجي يوم ونفرح فيك إن شاء الله. لا تفكري تتنازلين وترضي بشي مو مقتنعة فيه.."
ابتسمت وراء غطاء وجهها: "لا تحاتين، لساتني بيباس راسي."
بإذن الله، سيأتي دورها يوما ما.
=
=
=
قلبها دق طبولا عندما دخلت قسم الطوارئ. أخبرت كادي نفسها مرارا وتكرارا أنها هنا فقط لمراجعتها، وليس لأهداف أخرى.
(إذا، لم شعرت بالخيبة عندما قيل لها أن الدكتور عبد العزيز لم يكن متوفرا حاليا؟)
الفضول ربما، فأي شابة في مكانها كانت لتشعر بنفس الشيء.
=
=
=
بدا على ملامح الطبيب المناوب التفاجؤ لرؤيته: "دكتور عبد العزيز؟ مو إنت قلت بتتأخر لساعات؟"
رد وهو يلبس معطفه الطبي بعجلة، أبدا لا يحب التأخير في عمله: "فرجت على الأخير ولقيت أحد يوصلني.."
أعطاه ملف مراجعة: "إذا كذا روح عندك مراجعة. كنت بعطيها لدكتور ثاني، بس ما دامك جيت فخلاص ماله داعي.."
عندما قرأ الملف وعرف من كان يخص، احترق غيظا لفكرة أن يتولى أمر المراجعة طبيب غيره.
وحقا وجدها، تلك التي خطبها وأضنته انتظارا لموافقتها.. وكانت لوحدها هذه المرة. أتراها عرفت؟
سألها، بنبرة سيلحظ من يعرفه أنها كانت أدفأ من المعهود عنه: "أخبار الجرح؟ آجعك كثير..؟"
أجابته، ولاحظ التوتر في صوتها: "مو بالمرة، في البداية بس.."
طلب منها عندها بلطف: "وريني ذراعك.."
لحسن الحظ لم تماطل هذه المرة ومكنته من رؤية جرحها بعد أن جهزت نفسها كزيارتها الأولى. وضع جرحها كان مطمئنا ويلتئم بصورة جيدة.
كطبيب، فإنه منذ عهد تعود على رؤية كل من يعالجه بصفة مريض فقط، لا فرق في العمر أو اللون أو الجنس. مهما حدث، لم ينس مهنيته ومسؤوليته..
لكن الآن، بعد معرفته أن هذه الشابة أمامه كانت كادي، خطيبته، أنه كان ينظر إلى جرح أفسد صفاء بشرة ذراعها.. لم يستطع رؤيتها أبدا كمريضة فقط، لم يستطع التجرد تماما من عبد العزيز الرجل مقابل عبد العزيز الطبيب في تعامله معها.
عندما انتهى من عمله، قال قبل أن تنهض: "أبي أشوف وجهك.."
عيونها التي أظهرتها فتحة النقاب حكت عن صدمة، لكنها سرعان ما تخطت ذلك وأجابته باقتضاب خجول: "الشوفة بعد أسبوع.."
تركها تذهب وابتسامة تشق طريقها إلى شفتيه من ردها.
"بعد أسبوع، ها..؟
نشوف.."
=
=
=
وجد سالم ينتظره في طاولتهما المعهودة عند دخوله المطعم، وحال جلوسه في مقعده، هتف: "تصدق إني خبل؟"
رمش عبد الرحمن بعجب، غير مستوعب لإهانة من أصبح صديقه لنفسه: "إيش؟"
استطرد الآخر، مفسرا: "إنت من أول قلت إن الجبر اسم عايلتك، بس أبد ما حطيت في بالي إنك من ذيك العايلة بالتحديد!"
ابتسم عبد الرحمن، إذا ذهب سالم وجرب حظه: "بشر؟ انقبلت؟"
ضيق سالم عيونه: "تسألني وإنت معطيني أكبر واسطة تمشيني؟ أكيد انقبلت!"
ضحك: "لو كنت أبي أعطيك واسطة تمشيك كان وجهتك لأي مسؤول ثاني مو شاهين. صح إن طريق شاهين أسرع من الصفوف المتروسة عند المسؤولين، بس أبد مو سهل. عنده معايير عالية بزود وما يقبل بأي شخص.. إنه قبل فيك معناته إن عندك اللي يدور عليه.."
بدت راحة غامرة في ملامح سالم بعد سماع رده، لمعرفته أنه لم يُوظف إلا بسبب مؤهلاته. ابتسم ابتسامة بالغة العرض: "عشان كذا موظف الاستقبال كان متعجب حده لما قلت إن عندي مقابلة مع ولد عمك ذاك."
صدق احساسه أنه شخص نزيه، عزيز النفس. أصاب عندما قرر مساعدته.
=
=
=
أخيرا سمحت للوليد الفرصة بزيارته في بيته وضيفه سامر كما يريد ويرتاح به. قد سئم سامر من لقاءاتهم في المقهى، مفضلا كنف بيته الدافئ. لكن لسوء الحظ لم يكن بوسع الوليد سوى لقائه هناك.
سأله جلال عندما خرج الوليد مودعا واعدا له بزيارة أخرى بعد إلحاح سامر: "اللحين هذاك ولد عمتي من الرضاعة..؟"
أومأ له سامر بنعم: "ما بتتصور فرحتي بلقياه. كنت أحاتي أمه وانقطاع أخبارها عن الناس.. الله يرحمها.."
ردد جلال ترحمه، ليسأل بعد لحظة صمت: "جا يخطب ترانيم؟"
تنهد، غير متعجب لسؤال ابنه، فأي شاب يزور مجلسه هذه الأيام كان من أجل التقدم لخطبة ابنته: "لا.. بس لو جا عندي خاطب ما برده.."
رفع جلال حاجبه بعجب: "هذي نبرة جديدة.."
ابتسم بتهكم: "يمكن.."
أو من الممكن أن الكيل طفح به.
=
=
=
تثاءبت بعد جلسة مذاكرة مكثفة، وخرجت من غرفتها تبتغي كوب قهوة "يعدل المزاج".
وجدت زوجة أبيها في المطبخ عندما دخلت وبيدها كأس ماء، وترددت لحظة على عتبة الباب قبل أن تكمل ما كانت بهم فعله.
كثيرا ما وجدت نفسها مع زوجة أبيها في ظل غياب أبيها وكادي في أشغالهما ودوامها المتقطع في الجامعة. كل مرة تلاقت معها في ظل تلك الظروف، كانت تتجاهلها والأخرى تردها بدورها.
لكن.. منذ أن منعتها زوجة أبيها من الذهاب لحفلة شذى المشؤومة، شعرت لمار بفضول متزايد نحوها لم يكن بوسعها تجاهل وجودها بسببه.
سألت وهي تعد كوب قهوتها، تستوقف تلك قبل أن تخرج: "ما تطفشي كذا لحالك؟"
لطالما كانت لمار هي المبادرة لمصادقة والحديث مع من رأتهم وحيدين، بل ذاك كان ما جعلها تصادق هيفاء، لتثمر بادرتها تلك صداقة امتدت منذ سنين الإبتدائية. لم يفتها وحدة زوجة أبيها في بيتهم هذا، وتجاهلت ذلك الواقع سابقا.. إلى هذه اللحظة..
بدا على زوجة أبيها الاستغراب من سؤالها، أو ربما كونها تسأله أصلا، لكنها أجابت في النهاية بـ: "لأ.."
وعندها أدركت لمار أنه في ظل انشغال بالها بزوجة أبيها، فإنها دون قصد أعدت كوبي قهوة. بصمت، لا تدري ما الذي يدفعها في المضي قدما في خطوتها هذه، قدمت كوبا لها.
وجدت لمار ابتسامة زوجة أبيها الصادقة بعد انحسار التفاجؤ عن ملامحها غريبة، فلا تذكر أنها ابتسمت هكذا قط.
أخذت الكوب وهمست: "مشكورة.." قبل أن تخرج وتترك لمار مداهمة بفيض جديد من التساؤلات نحوها.
انتهى البارت..~
|