كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
يا ليل ذا الانترنت.. يقطع علي وأنا أرسل!
احمم.. مرحبا مرحبا بكم.. :)
التاسعة والثلاثون
=
=
=
بلا دليل يقوده لمرسل الرسائل المجهولة تلك، ترقب نواف وصولها إليه.
مضى وقت منذ آخر رسالة، تلك التي أخبرته بحقيقة وضع منتهى الاجتماعي. مضى وقت كاف ليظن أن مرسل الرسائل قد اكتفى منه.
لكن تبين أنه كان مخطئا.. فاليوم لوحده وصلته رسالتان.
الأولى كانت تحوي اسم مستشفى معروف فقط، وبتوجس اتجه إليه على الفور. أيمكن أن يكون للمستشفى علاقة بمنتهى؟ أيمكن أن تكون هناك؟ هل كانت مريضة؟
الثانية أتته بعد وصوله للمستشفى مباشرة، تُعلمه أن مرسل الرسائل كان على علم بتحركاته. وكان سيعطي ذاك التفصيل اهتمامه لولا قراءته لما احتوته الرسالة..
#روح عند المقاهي. طليقتك هناك.
بخطى تقودها اللهفة، اتجه إلى المنطقة المطلوبة، لكن مهما بحث لم يجدها.. أكان مرسل الرسائل يعبث بعواطفه؟ يحركه ويتسلى به كالدمى؟
كان بصدد الخروج والغضب الخائب يملؤه عندما لفت انتباهه صبي يحادث امرأة ويتجهان لجهة المصاعد، ليدق قلبه مسرعا لسماع صوت المرأة المجيب على الصبي باختصار. يعرفه..! يعرف ذاك الصوت!
إيقاع مشي المرأة الهادئ كان تفصيلا آخر أكد إحساسه، لينطق لسانه مناديا بما كان يصرخ به قلبه: "منتهى..!"
توقفت المرأة ثم التفتت نحوه، تراه، لكن قبل أن ينطق بكلمة أخرى، وقف رجل بينه وبينها، يكلم الصبي الذي كان يرافق منتهى: "كملوا طريقكم فوق، بلحقكم.."
فعل الصبي كما أمر وتبعته منتهى دون أي نقاش، وكان رؤية ظهرها المبتعد عنه ما أثار جنونه. لن تفلت من بين يديه مرة أخرى!
لكن قبل أن يلحقها، وقف الرجل في طريقه بشكل جعله يصطدم به، ولم يبدو عليه الاكتراث بذلك، بل شد على ذراعه بطريقة أنبأت بغضب بركاني مجنون ينافس جنونه. سأله الرجل بهدوء ناقض النيران في عيونه: "مين إنت؟"
ليرد عليه نواف باغترار: "نواف المرزوق، تاج راسك! مين إنت حتى توقف فطريقي؟!"
اشتدت قبضة الرجل على ذراعه، وبدا عليه القرب من إبراحه ضربا: "شاهين الجبر.." الجبر..؟ من تلك العائلة المشهورة؟ لا يعقل. أكمل مردفا، يشدد على الكلمة: "زوجها."
كان ذلك تصريحا مهددا بأن يلزم حدوده، لكن نواف لم يهتم، لم يهتم حتى بالتجمع الذي بدأ يتشكل حولهما. كيف يهتم وأمامه من سرق حبه منه؟: "إنت!"
وقبل أن يرد عليه ذاك الشاهين بكلمة أو لكمة، أتى ذاك الصبي الذي كان يرافق منتهى يناديه بفزع: "خالي! تعال بسرعة!"
وكان نداء الصبي ما جعل شاهين يفلته ويمشي مبتعدا عنه بعجلة، ليترك نواف وراءه مشتت الانتباه بألم ذراعه، غير مستوعب لاحتمالية كون عودة الصبي بسبب منتهى، لا ينتبه لأين اتجه الصبي وشاهين، إلا بعد فوات الأوان.
سحقا!
=
=
=
بكل صدق، لم يفهم سيف ما كان يجري حوله.
من كان ذاك الرجل؟ كيف يعرف زوجة خاله؟ لم كان خاله شاهين غاضبا؟
أراد سؤال زوجة خاله عن كل ذلك، لكن ما إن وصلا للطابق الذي كانت فيه لمار، حتى تهاوت زوجة خاله عن الأرض جالسة، ترتعش كمن كان يتجمد، وتتنفس كشخص مخنوق، لا تستجيب لأي شيء قاله.
لم يعرف كيف يتصرف، وبماذا يبدأ، فرجع على الفور إلى الأسفل وهو مذعور، فهذه أول مرة يرى فيها شخصا بهذه الحالة.
لحسن حظه وجد خاله ما زال واقفا مع الرجل الغريب، وبدا عليهما القرب من التعارك قبل أن يناديه.
عندما وصل برفقة خاله للمكان الذي ترك زوجته فيه، لقيا مجموعة من الممرضات والأطباء يضعونها على سرير ويذهبون بها لمكان آخر. وفور وضعهم لزوجة خاله في غرفة وأدركت هي وقوف خاله جانبها، تشبثت به تحتضنه مرتجفة، تردد شيئا بهمس لم يسمعه أحد سوى خاله.
وكان عندما أمرهما الطاقم الطبي بترك الغرفة لكي يتعاملوا معها أن سأله خاله عند عتبة الباب: "وش اللي صار؟"
أخبره سيف بكل ما عنده، من لحظة رؤيته لها وهي تخرج من غرفة لمار، إلى دعوتها له للنزول للمقاهي، إلى لقائهم بذاك الرجل، إلى حضوره، وإلى انهيار زوجة خاله..
سأله بدوره قبل أن يعود: "بتكون بخير؟"
تنهد خاله مجيبا: "إن شاء الله.." نبهه والصرامة تكتسي صوته: "لا تقول لأحد عن اللي صار مهما كان."
كانت هذه أول مرة يأتمنه خاله على شيء، ولن يخذله: "لا تخاف يا خال، ما بقول كلمة!"
=
=
=
أجابت أمها استفسار أسيل عن تأخر زوجة خالها في الرجوع، فجميع الحاضرات تفرقن ولم يبقَ سوى أمها وخالتها غادة وصديقة أمها نوال وابنتها أسيل معها في الغرفة: "مدري والله.."
قد لاحظت لمار اهتمام أسيل الزائد بخالها وأخباره منذ سنين طوال، منذ بدايات زيارات أمها للخالة نوال برفقتها وكادي. كانت أسيل تستهدفها غالبا بأسئلتها، تستغل طبعها الثرثار لتحصل على الإجابات التي تريد. في البداية لم تهتم لمار لأسبابها، لكن مع الوقت أدركت عمق المشاعر التي تكنها أسيل لخالها شاهين، وتوقعت أن ينتهي المصير بهما معا كما نصت القصص التي تحبها.
بزواجه من نسيم ثم الخالة منتهى دون التفات لأسيل مرة، فإن خالها أثبت أن الحياة مليئة بالمفاجآت والتفرعات، ولا تسلك نمط القصص التي تتردد على ألسنة وأقلام الناس.
لكن أسيل على ما يبدو لم تتلقى تلك الفكرة، فغيرتها من زوجة خالها كانت مفضوحة لها. منذ مصادفتها إياها في حفلة زفاف ترانيم.
على عكس كادي التي كانت تستلطف أسيل، فإن لمار لم تكن تكترث بها لذاك الحد. تحب الخالة نوال، نعم، لكن أسيل؟ فقط الحياد كان شعورها تجاهها. على الأقل، كانت المشاعر الحياد متبادلة، ولولا صلتها بخالها شاهين وقربها منه، لما أزعجت أسيل نفسها في محادثتها مرة.
قالت لمار بنبرة تخمين، تتقصد رفع صوتها، لعل وعسى ستفهم أسيل الوضع وتمضي في حياتها قدما دون انتظار من لا يريدها: "يمكن خالي وداها البيت.. سمعته مرة ينبهها على سهرها عندي.."
كما كان المتوقع، بدا على أسيل الاشتعال غضبا وغيرة.
ربما ستفهم في يوم آخر.
=
=
=
من يرى منتهى وهي تنام بسلام لا يظن أن نوبة ذعر شديدة أصابتها، ومع قلة نومها، فإن نوبتها تلك قاربت حدود الانهيار العصبي.
بعد حقنها بإبر مهدئة وإيصالها بمغذيات، استسلمت لنوم أشبه بالغيبوبة. جلس شاهين جانبها، يفكر ويربط ويحلل..
تزوج منتهى وهو يعرف أنها تزوجت قبله مرتين، تزوجها مع درايته بكونها لغيره قبله، كما كان هو لغيرها قبلها.
لكن مواجهته مع طليقها أثرت به لدرجة لم يتوقعها، جعلت دمه يغلي وأعصابه تشتعل بنيران لم يعهد مثيلا لها قط. ود لو فتك بذاك لكمات، ود لو اقتلع عيونه التي وجهت تلك النظرات المتلهفة الوالهة جهة منتهى. وربما كان ليفعل، لكن سيف أتى باستنجاده له.
هوى قلبه للقاع لرؤية طاقم طبي يهرعون بها، لينفطر عندما تشبثت به، تقول له بهذيان، بضعف وانكسار لم يسمعه فيها: "لا تخليني.. لا تخليه يقربني.."
وكان تشبثها ذاك ما جعله يحكم إحاطته لها بحمية، يقاوم لفترة محاولات الطاقم أخذها منه..
اتجه نظره إلى ساعدها الأيسر المكشوف بسبب الفحوص التي أجريت لها، إلى علامات الحروق التي امتدت على طوله. لم تبدو حديثة العهد، تعافى الجلد وبقيت الندوب تخبر بقصة دفينة.
يتذكر نظرات الممرضة المتهمة له حال رؤيتها لما كانت منتهى تخفيه طيلة فترة تواجدها معه. والآن..
الآن عرف سر حرصها على ارتداء كل ما كان كمه يتخطى حد اليدين طولا، ولديه فكرة متشكلة عن السبب الذي جعلها تجفل من أي لمسة.
لطالما كان لديه الشك، لكن أن يكون لشكه إثبات..؟
لم يطق الفكرة.
تنهد بضيق، يدلك صدغيه ليدفع ألم صداع يكاد يفتك برأسه.
لديه الكثير ليسأل ويستجوب عنه بعد استيقاظها.
=
=
=
عندما طال غياب أخيها عنهم حتى بعد تفرق الضيفات وبقائها هي وغادة فقط مع لمار، انتاب منال القلق وأخذت تتصل عليه، لتلقى عدم رده كجواب. لم تستسلم وكررت اتصالها، ليرد عليها في المرة الخامسة، يخبرها أنه لم يبرح المستشفى، بل كان في غرفة فيه. وعندما ألحت عليه بجزع عن مكانه، أخبرها، لتترك لمار مع غادة لتتفقد حاله.
أيمكن أن جسده استسلم لإرهاقه أخيرا وانهار وهم غافلون عنه؟
لكن على عكس توقعاتها، لم يكن شاهين من وجدته مستلقيا بتعب على السرير عندما دخلت إلى الغرفة المنشودة، بل زوجته: "وش صار؟"
أجابها أخوها: "تعبت وهي راجعة لكم.."
نظرت إلى زوجته. كانت أول مرة تراها وهي نائمة، وكم بدت أصغر بكثير هكذا: "أكيد كله من قلة نومها، ما أردى منك إلا هي.."
ابتسم أخوها متهكما: "يمكن.."
لم ترد إزعاجهما بالإطالة في البقاء، فقالت له خارجة بعد اطمئنانها على الحال: "ارجع بها البيت لما تصحى، وارتاح إنت بعد.."
رد: "يصير خير.."
كان ردا مختلفا عن الذي عهدته هذه الأيام منه، فكل مرة نصحته كان رده الصمت والتشاغل بشيء آخر. ربما ما حل بزوجته كان دافعا كافيا لكسر عناده.
مهما بذل من جهد لإخفائه، فإنها تستطيع رؤية قلقه على زوجته، قلق خالطته مشاعر عاصفة. ليست عمياء، رأت كيف اختلفت نظرته لمنتهى عن تلك التي كان يلقيها لنسيم، فبينما كان شاهين يعامل نسيم روتينيا بما وجب عليه كزوج، كان تعامله مع منتهى العكس تماما، وليس محصورا بنطاق الواجب وحسب. ملاحظتها تلك كانت من الأسباب التي جعلتها تترك فكرة تزويجه من أخرى.
وحسنا، لم تكن منتهى بالسيئة حقا. قليلة الكلام، نعم. غريبة الأطوار، نعم. لكن إنسانة سيئة؟ لا أبدا.
(يكفي أنها تدخلت بينها وبين شاهين لتصلح بينهم. يكفي أنها أخفت أمر صفعها لها رغم وجود كل الحجج والفرص لديها، وبتسترها ذاك منعت خلاف جديدا من النشوء.)
ربما، لم يكن شاهين يحتاج لامرأة مثل أسيل، بل مثل منتهى.
=
=
=
فتحت عيونها ببطء، تستوعب مرآى السقف الغريب فوقها واستلقائها. احتاجت لحظات حتى تدرك أنها كانت في غرفة مستشفى، ولحظات أكثر لتتذكر ما حدث لينتهي الأمر بها هنا. شهقت تعتدل في جلوسها، لتستكين لسماع صوت شاهين جانبها، يقول: "هدي، مافيه إلا أنا وإنتي هنا.."
لن تراوغ وتسأل عما حدث متصنعة عدم الدراية. لذا اختارت سؤالا أكثر إلحاحا: "الساعة كم؟"
أجابها: "ستة ونص المسا.."
إذا.. استغرقت في النوم لساعات، لدرجة تفويت عدة صلوات حتى. كانت على وشك النهوض عندما تصلبت متذكرة، وعلى الفور تفقدت ساعدها الأيسر. كان مغطى بكم قميصها. حمدا لله.
وكان عندما قضت صلواتها أن بدأت: "شاهين.."
ليقاطعها: "بنرجع البيت ولنا كلام هناك."
لم تتوقعه سيتغاضى عن الأمر وكانت محقة. لكنها لم تتوقع أن يؤجله.
تركا الغرفة بعد الاستماع لتوصيات طبيب ومرا على غرفة لمار، لتتلقى هناك توصيات أخرى من لمار وحتى أم كادي وأختها أم جلال.
طيلة طريق العودة إلى البيت، انتاب منتهى شيء من الارتباك من حيادية شاهين، لا يفصح ولا يعبر بشيء تستدل به على أفكاره.
مهما حدث.. تعرف أنها لم ترتكب ما يخل، وعادة يقينها بنفسها ذاك جعلها لا تكترث بافتراضات الناس عنها. لكن.. ليس اليوم، ليس مع شاهين. وجدت نفسها تكترث لظنونه وافتراضاته عنها.
كلما اقتربا للبيت، كلما خنقها الترقب.
انتهى البارت..~
|