كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
الحمد لله لقيت حل للمشكلة (والله كرف التعامل مع شركات الاتصال في الغربة)
بجاوب على سؤال شفته في رد: متى بتنتهي الرواية..؟
بصراحة، عندي نهاية مرسومة فأحداثها، ولساتنا مو قريبين ذاك الزود لها، بس أقدر أقول إننا خلصنا من أكثر من النص. أتمنى ما طفشتكم معاي ببطء الرتم، بس إذا في شي حسيت فيه فرواياتي اللي قبل، هو إني تسرعت شوي فبعض الأحداث، فقاعدة أعوض (ويمكن زودتها؟) فذي الرواية..
الثامنة والثلاثون
=
=
=
على الرغم من رؤيتها للمار طريحة فراش مستشفى مرات لا تحصى، لم تستطع منال التعود على مرآى ابنتها بهذه الحالة.
تكره الهدوء عندما ارتبط بلمار، فهدوء لمار عنى قربها من النهاية. تكره هدوء لمار لأنه عنى أنها لم تكن معهم، فلو كان فيها ذرة من وعي لاستغلته في الثرثرة، سواء بلفظ لسان أو تعبير وجه أو نظرة عين.
لكن الآن، كانت لمار أشبه بدمية جميلة، لا أثر لضرر جسيم، ولا أثر لحياة سوى من تنفس بطيء الإيقاع.
دموعها هلت ونزفت حتى أصبحت كوقع النفس، تدعو الله بكل جوارحها أن تعود ابنتها سالمة لها ولكل من انتظر استيقاظها من غيبوبتها هذه.
كشاهين..
(شاهين الذي سبق الكل إلى المستشفى واستقصى عن الحال بقلق نافسها، فلمار كانت بمنزلة الابنة عنده. مكث جانب لمار ومنع منال من الذهاب حتى استقر وضع ابنتها، ربما يفكر بفاجعتها لرؤية ابنتها مباشرة بعد الحادث، غارقة مضرجة بالدماء. ليخبرها بما جرى عندما وصلت وفق أقوال نور الذي لم تلحقه سوى إصابات طفيفة على عكس السيارة وجواله.
كان السبب إلحاح ابن عم لمار على الحديث معها، وعندما سألت منال شاهين عما حصل لابن العم ذاك، رد عليها أنه تولى أمره بتعبير مظلم، يؤكد لها أن إخوة راضي لن يعودوا لمضايقتهم بعدها.
لم تر مثيلا للمشاعر التي رأتها مكشوفة في أخيها قط، مثيلا لذاك الغضب والقلق والذنب، مثقل مرهق لا يستمع لقول إنسان أن يترك جانب لمار ليرتاح ولو لغفوة.)
وكادي..
(كادي التي اعترضت على قرار شاهين بمنع الزيارات بصخب، التي وصلت قبلها تغرق الجميع باستجواب هلع. لطالما كانت كادي مثقلة بهم صحة أختها، بماض مليء بالزيارات للمار لسبب أو لآخر. لولا تهدئة وحث زوجها لها على الراحة، طمأنته لهم برأيه كمختص في مثل الحالات، ربما كانت كادي لتزاحمها وخالها شاهين في اتخاذهم مكانا جانب لمار حتى تستيقظ.)
وجلال..
(جلال الذي ما إن سمع بالخبر حتى أصبح زائرا يوميا للغرفة التي تمكث فيها لمار، يستجوب ككادي ويسأل مثلها. فاجأتها لهفته الفاضحة وقلقه البالغ على لمار، غضبه الثائرعند معرفته بما جرى الذي ضاهى وربما فاق غضب خاله. لم تظنه يكن لابنتها ذاك القدر من المشاعر خصوصا وهما لم يلتقيا منذ سنين الطفولة، حتى في تلك الفرصة الذهبية المتمثلة في ملكتهما. لكن، وياللغرابة، لاحظت فيه أنه لم ينظر لجهة لمار مرة عند زياراته.)
وغيرهم..
(كأبيها الذي رجاها أن ترتاح وحاول التحايل ليطلب من شاهين المثل ليفشل. كغادة التي جالستها وفعلت مثل أبيها. كهيفاء صديقة ابنتها التي لولا حياؤها وأهلها لمكثت جانب لمار أيضا.
حتى زوجة شاهين كانت من ضمن الزائرين السائلين عن لمار، بل سهرت معها جانبها. مرات وجدت منال نفسها تغفو على تلاوتها الخافتة لوردها. تعرف أنها كانت تحادث لمار ولم تمانع رفقتها، لكنها لم تظن أنها سترى ذاك القلق على ابنتها فيها، ليتبين أنها كانت تهتم، تهتم وبكل صدق.)
مضت أربعة أيام بخوف وقلق ووجع قبل أن تفتح لمار عيونها أخيرا.
=
=
=
لا تتذكر حقا لحظة استيقاظها الأولى، قد قيل لها أنها كانت قصيرة خاطفة لكن مبشرة بالخير. تذكرت فقط الشعور بالتلبد الذي حتما سببته الأدوية التي تجري في عروقها.
تتذكر لحظة صحوها للمرة الثانية، كاستيقاظ من نوم مزعج مليء بالمقاطعات. ما زال نفس الشعور بالتلبد موجودا، لكنها تجاهلته بتشاغلها بالأعين المتلهفة التي تراقب أبسط رمشة عين منها.
كان وجه أمها أول ما لاقاه ناظرها، ورغم أنها لم تقوَ على الابتسام بعد، ابتسمت لها في قلبها.
مضت ثلاثة أيام بعد ذلك، ما بين فحوص وزيارات ومداراة أهل واستيعاب لما حدث لها.
وضعت أمها بوكيه ورد في حضنها، تجذب انتباهها، تحثها بابتسامة أن تتفحصه. تساءلت لمار بصمت عن الذي ميز هذا البوكيه بالذات عن سائر البوكيهات والهدايا التي تلقتها.
الصدق يقال، كان بوكيها رائعا فخما. أعجبها للغاية. بفضول فتحت لمار البطاقة المرفقة، لتلقى أبيات شعر غزلية عن رجعة حبيب تحت التحية والدعاء أشعلتها خجلا، ليزيد كلام المرسل المكتوب تحت الأبيات على خجلها.. السرور..!
*الحمد لله على السلامة يا الأميرة النائمة..
ترى ما شفت منك شي، ما أحب أفوز بذيك السهولة. أول مرة أشوفك فيها لازم تكون وإنتي واعية، تضحكين، تتحلطمين، تذوبين ففخامة وبهاء صورة لي.. أنا قنوع.
لا عاد تخوفيني عليك مرة ثانية. كفاية سالفة الشجرة.
زوجك: جلال*
ضحكت أمها بخفة، تجعلها تدرك أنها كانت تقرأ البطاقة معها: "يحليله ولد أختي، طلع حنين.."
تلعثمت لمار من إحراجها: "قر.. قريتي كل شي؟!"
لتزيد ابتسامة أمها اتساعا: "لما أشوفك شاقة الحلق زي كذا؟ أكيد بقرا." قطبت حاجبيها بريبة: "وش سالفة الشجرة لكن؟"
كان رد لمار الفوري الآمل بإنهاء هذه المحادثة، تصيبها القشعريرة لذكرى تلك الحادثة المخجلة: "ولا شي! ولا شي!"
تحمد الله على عدم إمساك أحدهم لها ولجلال بذاك الوضع. وكم كانت محظوظة أن خالها رجع للبيت بعد دقائق قلة من عودتها لغرفتها! دقائق أبكر وكانت لتنفضح! لا تدري كم مضى من الوقت حتى استطاعت النظر إلى شجرة الحديقة دون أن تحمر.
لطالما ربطت شعور اضطراب نبضات قلبها بالمرض، مقدمة لإقامة أيام في مشفى.. لكن منذ أن دخل جلال حياتها كزوج ارتبط مصيرها فيه، وقلبها يضطرب نبضا بطريقة جديدة لم تعهدها، بطريقة أشعرتها بزخم الحياة.
=
=
=
تنهدت كادي بتأنيب خالطه الحب: "اقعدي بس بلا شكاوي. توك صاحية من غيبوبة من كم يوم وتشتكين من الطفش..؟!"
لترد لمار بامتعاض: "يختي ذولا الدكاترة موسوسين بزيادة..! وش فيها لو حطوا علي كم جبس وطلعوني يعني؟ ماله داعي القعدة ذي كلها."
تستطيع تفهم ضيق لمار من البقاء في المستشفيات، فترددها الشبه دائم عليها في صغرها زرع فيها تحفظا وكرها للبيئة والمفهوم بأكمله: "إنتي بس سوي اللي يقولونه لك هالكم أسبوع وبتطلعي بأسرع وقت.. والله لو مني ما طلعتك إلا بعد سنة وشي!"
حقا، كان كلا من نور ولمار برعاية الله وحفظه، فضربة الحادث لو مالت بزاوية صغيرة كانت لتكون لها نتائج كارثية!
انتفضت لمار جزعا من الفكرة: "أعوذ بالله من شرك! مو معناته تزوجتي دكتور وحبيتي طاري المستشفيات بتلزقينا فيها!"
لا تستطيع تخيل فكرة فقدها، أختها الصغرى التي بقيت الابتسامة والمرح متألقين فيها حتى في مواجهة محنة كهذه.
احتضنتها والدموع تتشكل تنطلق كالسيل، لتخفف عليها لمار بتسلي دافئ: "وش فيك صايرة حنفية ذي اليومين يا بنت؟ شوفيني بخير وبألف عافية..!"
=
=
=
قبل أن يبتعد عن عتبة باب غرفة لمار في المستشفى، استوقفه صوت..
-: "تقدر ترتاح اللحين على ما أظن."
يا لها من مفاجأة: "أشوفك تنازلتي وكلمتيني يا غادة.."
لا يدري متى كانت آخر مرة تكلما فيها بغير التحايا الباردة وشعر شاهين بالمرارة من ذلك، فبينما كانت منال له الأم، كانت غادة له الأخت والمثال. على عكس علاقته بمنال التي كان يملؤها الحنان والمداراة، كانت علاقته بغادة علاقة صراحة وصداقة، تعامله بالحزم الذي افتقرته منال. كانت مثل أبيه، تتوقع منه الكثير، ليخيب ظنها بعد تلك الحادثة..
لترد بحزم ظهر في عيونها العسلية المشابهة له: "شايفة حالتك ما تسر العدو قبل الصديق.."
سألها متهكما، يتذكر الاستهجان الصريح الذي عاملته به في تلك السنوات الأولى، محاولاتها إبعاد أولادها عنه وعن "تأثيره"، ليقاوموها ويبرد استهجانها ذاك إلى تحفظ: "وإنتي العدو ولا الصديق؟"
صمتت هي، لتعتريه الخيبة.. ما الذي كان يتوقعه منها بكل صراحة؟
تنهد وأكمل مشيه مبتعدا.
=
=
=
راقبت غادة ظهر أخيها المبتعد بأسى، تلوم لسانها الذي لم يرضَ بإجابة سؤاله ذاك..
"إنت أخوي.."
كان رؤية قلق شاهين على ابنة أختها فاتحا للبصيرة. كم شابه أبيها في خوفه وقلقه الأبوي. كم شابهت تعابيره تعابير أبيها عندما اختفى شاهين في تلك الحادثة، قبل فاجعة اكتشاف ما أودى به نفسه.
ذكرها مرآه بمن كان، ومن هو، وبما كانا عليه في الماضي..
ربما عليها الخروج من أنقاض خيبتها.. خمس عشرة سنة مضت، أما آن الأوان لتفعل؟
=
=
=
ازدحمت غرفة لمار بالزائرات من معارف منال وأختها غادة، فانسحبت منتهى بهدوء. صدقا، ليس لديها الطاقة لاحتمال الأصوات التي ستنتج من هكذا لقاء.
وجدت ولد غادة الأصغر سيف خارج الغرفة، يبدو عليه الضجر التام، ليسألها عندما رآها: "كيف لمار اليوم؟"
أجابته: "طيبة.." سألته باستغراب، فغالبا ما كان هذا الصغير أول من يحيي ويطمئن على لمار إذا زار: "لساتك ما شفتها اليوم؟"
ليرد بسخط طفولي: "كنت بشوفها، بس قبل لا أدخل صديقات خالتي وأمي جوا واحتلوا الغرفة!"
وراء نقابها ابتسمت: "طيب تعال إنزل معي على بال ما يخلصون، أبي أشتري لي شي من تحت.."
وافق الصغير دون اعتراض، ربما مسرور لشغل نفسه ولو بشيء بسيط.
في طريقهم لمقاهي المستشفى، سألته: "وين خالك؟"
ليجيب: "مع دكتور لمار يتطمن على أحوالها.."
هذه الحادثة وضعت بصمتها على شاهين. لا تظن أنها رأته بهكذا حالة، بل إن حالته بعد أحد كوابيسه كانت أهون وأخف. جادلته مرات عدة بالرأفة على نفسه والارتياح، لكن عناده كان جلموديا ولم يستمع لكلمة. قد اعترف لها مرة عن ظنه أن الذنب كان ذنبه في الحادث الذي أصاب لمار، فلو تصرف بطريقة أخرى ولم يتساهل مع أعمام لمار، فلربما لم يكن ليحصل ما حصل، ليتدارك نفسه ويستغفر من ظلمة أفكاره تلك. لم يرتخي من استنفاره ذاك إلا بعد استيقاظ لمار من غيبوبتها، وعندما رأت الطمأنينة تعود إلى روحه، وجدت منتهى نفس الطمأنينة تعود لها أيضا، تنبئها بمبلغ قلقها على حاله.
لحظة.. منذ متى أصبحت تفكر به كـ"شاهين"، مجردا دون الكنى التي رصفت بها حواجزها؟
أيقظها سيف من غمرة أفكارها، ينبهها: "وصلنا يا خالة."
وفي المقاهي طلبت لها كوب كابوتشينو وشجعت سيف على طلب ما يريد، ليخضع بعد رفض متردد.
وكان عند اقترابها مع سيف للمصاعد عائدين أن استوقفها صوت تعرفه جيدا، كيف لا وذاك الصوت كان المرافق الدائم لكوابيسها؟
-: "منتهى..!"
عندما التفتت للوراء، رأته..
نواف.
انتهى البارت..~
|