كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
مهما كتبت فما راح أقدر أعبر عن فرحتي بتفاعلكم..
السابعة والثلاثون
=
=
=
كان على وشك تخطي المطبخ عندما استوقفه صوت لمار المتذمر يتبعه صوت منتهى المتسلي بهدوء.
دخل ليرى الكاونتر عامرا بأصناف من الحلويات. لمار، في خضم عجن عجينة، ومنتهى، في خضم تزيينها لمجموعة من الكب كيك.
سأل بفضول دهش: "وش اللي قاعد يحصل هنا؟"
لترد عليه لمار، تشير بسخط طريف إلى منتهى التي لم يبدو عليها الاكتراث بأصابع اللوم الموجهة إليها، تكمل تزيينها بعناية ودقة: "استغلال تام لي يا خالي..!" أردفت وهي تكمل العجن، بنبرة مسرحية مأساوية: "صحيت والطفش والنشاط واصلين حدهم. جيت على حرمك المصون واستشرتها في كيفية تفريغ طاقاتي واقترحت علي نسوي حلويات. ما دريت وش اللي وافقت عليه إلا بعد ما قضيت ساعات ما بين عجن وتذويب وتزيين..! ما تتعب زوجتك يا خالي! ما ترحم!"
كتم شاهين ضحكة قبل أن يقول يوجه كلامه لمنتهى: "توني أدري إنك تحبين الشغلة ذي.."
ردت عليه تناقض الرضى التام الذي يراه في ملامحها وهي تعمل: "مو لذاك الزود.." التفتت للمار والعجينة التي كانت تعمل عليها: "خلاص، غطيها بنايلون وخليها ترتاح." نظرت للكب كيك الذي زينته بنظرة تقييمية قبل أن تخطو مبتعدة، تذهب لتفقد شيء في الفرن.
قالت لمار عندها بحماس دل على أنها لم تكن معترضة على عملها هذا لتلك الدرجة: "سوينا كل اللي تحبه العايلة، حاسة كأني في العيد!"
ابتسم شاهين، يوافقها الرأي: "وأنا أشهد.."
لم ير هذا القدر من الحلويات مصفوفة منذ أيام الصغر.
توجهت لمار بالنظر إلى منتهى، تحثها: "ذوقي خالي من التيراميسو اللي سويتيه، تراه يموت فيه..!"
وبصمت، راقبها تتجه إلى الثلاجة وتخرج صينية احتوت على التيراميسو المذكور. قطعت منه قطعة ووضعتها في صحن له مع شوكة. تذوق قسطا ليقول: "همم، فاقد طعم شوي.."
قطبت منتهى حاجبيها، تأخذ شوكة أخرى لتتذوق ثم تقول بتشكيك: "طعمه زي المطلوب."
أخذ شوكتها من يدها عندها، يجرب مرة أخرى، ليصحح قوله بابتسامة مائلة: "معك حق، كنت غلطان. طعمه يهوس.."
بدا على منتهى الرضى برأيه ذاك، تحثه على إكمال صحنه قبل أن تتجه إلى الفرن مجددا، هذه المرة لإخراج ما بدا ككيكة شوكولاة، المفضلة لدى لمار.
كانت لمار تنظر إليه بذهول غير مصدق، محمرة الوجه. غمز لها شاهين وأشار لها ألا تتكلم عما رأت.
=
=
=
قالت له شادية ذات ليلة: "بقول لجدي.."
عرف ما كانت تقصده دون تفسير: "ليه؟"
لتجيب: "مقدر استحمل نظرته لك.. إنت طيب وما تستاهل يعاملك كذا.."
ابتسم بحب حان: "قلتلك كم مرة إني فرحان إن جدك حريص عليك، وتدرين أكثر مني وش بيصير لو قلتيله."
زفرت بضيق: "أدري، ما بيرضى أتم عنده.."
قال هو عندها: "خلاص، خليك مني وساعدي جدك.." ابتسم يحاول التخفيف عنها: "وبأية حال، جدك مسوي لنا أكشن بدورياته.."
ضحكت: "عاد ذا الأكشن ما يقارن بأكشن جدي فشبابه مع جدتي.. قلتلك عن القصة؟"
ذاك الجد الصارم و "أكشن" شباب؟: "لا، ما قلتيلي.."
بدأت شادية تحكي: "جدي كان من المدينة، ومرة ضيع طريقه فسفر وبات فذي القرية. جدتي كانت ماسكة محل أبوها المتوفي وقايمة فيه لأنها كانت البكر وباقي إخوانها كانوا أصغر بفارق كبير. صار إن جدي مر بالمحل كم مرة ولفتت انتباهه جدتي بحشمتها وأمانتها، وصار يتقصد يجي للقرية بس عشانها ويتحجج ببضاعة يبي يبيعها. ما مضى كم أسبوع إلا وهو خاطبها.."
ليسأل: "وانتهت القصة كذا؟"
هزت شادية رأسها بـلا: "جدتي رفضته، قالت إنها ما راح تترك إخوانها عشان تتزوج."
فضوله وصل أقصاه: "وش كان رد جدك..؟"
ابتسمت ابتسامة عريضة: "بنى له ذا البيت في القرية، وحول كل شغله هنا. قال لها إنه بيسكن إخوانها معهم في البيت. جدتي قبلت فيه بعدها، يمكن حست إن جدي مصر عليها وقصرت السالفة قبل لا يسوي شي أكبر، وما استبعدها من جدي بصراحة."
طيلة سماعه للقصة، لم يستطع إلا أن يلاحظ أوجه الشبه بينها وبين قصته هو.
إذا، لديه قواسم مشتركة مع جد شادية أكثر مما كان يتخيل.
=
=
=
مع الوقت صفا ذهنه ليفكر بواقعية، يدون كل الاحتمالات التي بدرت له ويدرسها كل على حدة.
لطالما ظن أنه سيستطيع الانفصال عن زوجة إذا حدث واكتشف أنها كانت مجبرة عليه حتى وإن كان غارقا في حبها. لكن الواقع كان أصعب بكثير، وفكرة تركه لترانيم كانت لا تطاق، وفكرة كونها ستمضي قدما وترتبط برجل غيره كانت قاتلة، تشعله غيرة وتملكا.
يحبها. يحبها وبكل صدق. يحب حركتها الخرقاء في الصباح، وتأخرها ومبالغتها في التأنق كل حين. يحب ضحكتها الغريبة وطبعها النزق التنافسي. يحب حماسها في تأثيث الشقة واحتضانها الخانق له في نومها. كانت كوردة برية زاهية أضفت لونا لحياته الباهتة.
والآن عرف أنه كان خانقا لتلك الوردة دون أن يشعر. كان بين نارين، عزة نفسه التي لا تسمح باستمرار هذا الزواج، وحبه الذي لا يرضى أن تترك ترانيم جانبه.
على مائدة إفطار يوم جديد سألته هي بنبرة اتهام: "ليه ما قومتني للفجر؟"
كانت هذه أول مرة يكلمان بعضهما منذ تلك الليلة.. ولم يجد الوليد جوابا سوى: "نسيت.."
لم يبدو عليها تصديق ذلك، ليردف: "وأظنك كنتي تقدرين تقومين للفجر بدون ما أصحيك قبل."
حقا لا يريد تعذيب نفسه بمرآها وهي نائمة، ليخضع لإغراء مضايقتها ومشاكستها حتى تستيقظ بصوت يحكي عن إنزعاج. لا يريد الانسياق وراء إغراق وجهها برفيف قبلات حتى تفتح عيونها ببريق ضحكة.
يعرف نفسه، سينسى واقعه بكل سهولة.
عقدت ذراعيها بحزم لترد: "مانيب وحدة تصحى عالمنبهات، وما أظنك بتخسر شي لو صحيتني، ولا تبي ذنبي فرقبتك؟"
تنهد، لا يستطيع فهم لم كانت تضغط على هذه النقطة بالذات، لكنه سيسايرها: "طيب، لك اللي تبين.."
بدل الرضى، لم ير سوى الأسى في عيونها.
صدقا ما الذي تريده منه؟ هو من اكتشف أن مشاعره لم يكن لها جواب ممن اختاره قلبه، ليس هي. ألا يجدر بها الشعور بالراحة لعدم اضطرارها للاستمرار في التمثيلية التي كانت زواجهما؟ ألا يجدر بها الشعور بالسرور لإجباره نفسه على البعد عنها؟
=
=
=
بعد التقصي عن نهلة، كان السؤال التالي هو: لم سعت أم عبد الرحمن لتوريط ابنة أختها بقضية الاختلاس بهذا الإصرار والترصد؟ لابد من سبب لذلك.
لكن لسوء حظها، فالشيء الذي كان يشتت انتباه أم عبد الرحمن بدا أنه هدأ، لتعود لتركيز اهتمامها عليها. لديها الاحساس أنها كانت تتعقب حركتها، خصوصا وهي لم تكن من النوع الذي يخرج كثيرا..
ربما عليها تغيير ذلك.
باغتتها بسؤالها: "مرتاحة مع شاهين؟"
على عكس سؤال أبو شاهين ولمار الصافي النية، تعرف منتهى أن سؤالها ذاك سيجر وراءه كلاما: "الحمد لله.."
ظهر القلق على ملامح الأخرى، تلح في سؤالها: "متأكدة؟ لا تخبي شي عني حبيبتي."
قررت منتهى أن تأخذ بالطعم لترى ما كانت تصبو إليه: "ما أكذب عليك، مرتاحة بوضعي.. ليه، فيه شي ما أدري عنه؟"
لتقول تلك بأسى: "مدري كيف بقولك، وبصراحة ألوم نفسي إني ما حذرتك قبل بس.. تعرفين إن بنت أختي كانت متزوجته صح؟"
أومأت منتهى بنعم، لتكمل أم عبد الرحمن: "كانت تشكي لي عن حالات تجيه، ما كان طبيعي تقول، وكثير كان يأذيها.."
(آسف لو أذيتك وأنا نايم..)
كلماته تلك ترددت في ذهنها هذه اللحظة، لتجد نفسها تقاطع أم عبد الرحمن: "شاهين ما أذاني ولو بكلمة يا أم عبد الرحمن، فلا تشيلي هم.."
تعرف أنها تنسف فرصها في استدراج والحصول على ثقة الأخرى في اختيار ردها هذا، لكنها لم تهتم.
ابتسمت بسخرية وهي تردف، ترى عدم الرضى والسخط يغزو ملامح أم عبد الرحمن ليدفع بوادر القلق الزائفة بعيدا: "وإذا على قولتها إنه مو طبيعي، فأنا بعد مو طبيعية.. وافق شن طبقة، ولا وش رأيك؟"
=
=
=
فور دخول لمار للسيارة، طرق أحدهم على زجاج نافذة السائق، يقول: "لحظة، أبي أكلم بنت عمي فموضوع..!"
نظر السائق لها بتوتر وحيرة، لتخبره بنفس التوتر، متوجسة: "طنشه يا نور، ما علينا منه.."
وهكذا فعل، وكان بعد فترة من انطلاق السيارة بعيدا عن الجامعة أن لاحظت تتبع سيارة لهما، وإشارة سائق السيارة لهما بالتوقف. كان الرجل نفسه الذي كلمهما في موقف الجامعة، ابن عمها المزعوم.
شجعت نور على الاستمرار في تجاهله وإكمال طريقه، وذلك جعل الرجل يزاحمهما في الطريق بشكل بدأ يقترب للخطورة.
"وش اللي يبونه مني اللحين؟!"
كانت بصدد الاتصال بخالها شاهين عندما شعرت بالسيارة تنحرف عن مسارها بقوة مخيفة وترتطم بشيء بعد لحظة خاطفة.
سرعان ما اكتسح عالمها السواد.
=
=
=
غريب، مهما اتصلت بجوال لمار أو نور، لم يأتها جواب..
شعرت منال بشيء أشبه بقبضة تخنق على قلبها خوفا، خوف نقلته إلى أخيها الذي حاول مثلها الاتصال دون جدوى أو جواب يشفي.
عندها صدح جوال شاهين بالرنين، ينبض برقم غير مسجل، ليجيب عليه ويقول بعد لحظات تكلم فيها المتصل: "نور..؟"
لحظة سماعها للاسم نهضت منال من مكانها وتوجهت لجانب أخيها، تلاحظ جمود تعابير وجهه والشحوب الذي اكتساه، يقول بنبرة أنبأت بما لا يسر: "بجيك اللحين، لا تتحرك من مكانك..!"
تبعته عندما خرج تسأله بإلحاح باكِ: "وش صار لهم يا شاهين؟ وش صار فبنتي؟!"
وكان جوابه لها ما جعلها يغمى عليها في مكانها..
.
.
.
حادث..
انتهى البارت..~
|