كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
أدري بارت قصير حده.. بس! إن شاء الله بيكون فيه تنزيل ثلاثي (البارتات 34 و 35 و 36) يوم الجمعة.
الثالثة والثلاثون
=
=
=
كان جلال يتناول الغداء مع خاله عندما رن جوال الأخير بإصرار، ليطفئه على الفور. حاول جلال تخمين المتصل: "أعمام بنت الخالة؟"
ليؤكد خاله تخمينه: "عليهم عناد.."
حرك جلال رأسه بعجب من حالهم هذا: "كل هذا عشان يسكونها معاهم بدلا عنا؟"
نظر خاله باستغراب إليه، يسأله: "تحسب إنهم يبون يسكنون لمار عندهم وبس؟"
رفع جلال حاجبا: "أجل وش يبون بعد؟"
ليكون وقع إجابة خاله على قلبه كالزلزال: "يزوجوها من واحد من عيالهم."
رمش جلال بعدم تصديق قبل أن يهتف: "وشهو؟!"
تابع خاله ببرود، مكملا تناول غدائه: "وش غيره يبون من لمار برأيك..؟"
عندها تذكر كلامهم له عندما أزعجوه باتصالاتهم في فترة غياب خاله عن البلاد، كيف أنه ماثل ما قاله خاله.
ضرب جلال يده على الطاولة بكل القوة التي زوده بها غضبه، يقوم من مكانه: "على جثتي يأخذونها! ليش ما قلتلي؟!"
نبهه خاله: "اهجد لا تفضحنا بين العرب.." ليكمل عندما عاد جلال إلى الجلوس على مضض، مدركا أنه لفت الأنظار: "على بالي تدري بنيتهم، بس تبين إنك بريء حدك.."
سأل جلال بحدة: "طيب وش نسوي اللحين؟"
ليرد خاله: "ولا شي، نطنشهم وبس. أملهم يخلونك تطلقها، ولو تمسكت بموقفك ما بيقدروا يسووا شي بإذن الله.."
=
=
=
منذ البارحة وهو يلاحظ شيئا غريبا في وجه منتهى، شيء من الاختلاف في اللون في بشرتها، وعندما تقدم إليها يمرر إبهامه على خدها، اكتشف أن السبب كان طبقة من مستحضر تجميل. على الفور بدأ في الشك: "وش صار لوجهك؟"
بدا عليها التفاجؤ قبل أن تخفيه، تجيبه: "بشرتي حساسة، وصار إني تحسست من كريم.."
لم يجد في نفسه تصديقها بالكامل، لكن قبل أن يستجوبها أكثر، سألته: "ليه أخذوا الكنبة اليوم؟"
ليجيبها بكل أريحية: "مالها داعي خلاص.."
سألته عندها بتوجس: "وين بنام فيه طيب؟"
سألها بدوره بابتسامة تسلية: "وين برأيك..؟"
صمتت لحظات قبل أن تقول بسكون، تعطيه ظهرها وهي خارجة: "لو تبي مني شي، قول بدل التلميحات.."
ليستوقفها يقول بسلاسة حكت عن غيظ مكتوم، يجعلها تواجهه، يكاد يلصق وجهه بوجهها: "ما تطيقين لمسة إنسان وتتكلمين عن اللي أبيه؟ مو أنا اللي أجبر نفسي على أحد، فاهمة؟"
نظرت إليه بكل حيرة، تجزئ كلماته جزيئات لتحللها، قبل أن ترد: "فاهمة يا أبو نادر.."
لم يستطع منع ابتسامة تحكي عن قلة حيلة، فيبدو أن هذه عادة يجب أن يكسرها: "وش اتفقنا عليه؟"
عندها ابتسمت، وبدت الراحة مرتسمة بصدق على ملامحها: "فاهمة يا شاهين.."
(وربما، ربما أخطأ في إصراره على مناداتها له باسمه مجردا، فسماع اسمه ينسل من بين شفتيها، وبابتسامة خاطفة للأنفاس كتلك، كان مسكرا.)
نام قبلها ليلتها، واستيقظ بعدها. لكن أثر عطرها ودفء الجانب الآخر من سريره أخبره أنها رقدت جانبه كما أراد.
=
=
=
-: "وش كنت تسوي بعد؟"
مثل سالم التأفف: " ما تطفشي؟ هذي عاشر مرة أعيدها."
ألحت عليه غالية بطريقتها اللعوب: "مستخسر تعيدها لي؟ يلا كمل!"
وكيف عساه أن يصمد أمام هكذا هجوم؟: "كل صباح كنت أوقف عند بيتكم وأنسى عمري، وكل ما ألمح أحد يطلع منه أقعد فمكاني انتظر، ويا سبحان الله ولا مرة طلعتي إنتي، بس إخوانك..!"
ضحكت غالية عندها، لتقول بسرور عندما هدأت ضحكاتها، تغيظه: "كنت تقدر بكل سهولة تدخل وتطلب ترجعني، بس ياذا العناد اللي راكب براسك..!"
ليضحك هو: "وش نسوي، تزوجتي بواحد خبل ومخه مصدي..!"
لترد وهي تحتضنه: "وأنا راضية بذا الخبل مهما صار."
=
=
=
بعد صلاة المغرب افترشت شادية لهم مكانا في الحوش، يتمتعون بنسيم القرية العليل ويتسلون بالتسالي الخفيفة التي أعدتها لهم. كان الجد جالسا في زاويته يستمع للمذياع بينما هو وشادية كانا في زاوية أخرى، يعطيانه ظهرهما.
قال عندما حثته شادية على الأخذ من طبق الحلا: "يبغالي أتعلم كيف أقاوم أكلك، وإلا العواقب بتكون وخيمة."
وليناقض كلامه، لم يقاوم البتة عندما أطعمته شادية من الطبق بنفسها: "خلي العواقب تجي وش فيها؟"
وطبعا، كان الحلا رائعا ككل ما تصنعه زوجته: "المشكلة إني ما كنت أكول زي كذا فحياتي، بس طحت على طبخك وتغير كل شي." لف خصلة من شعرها الليلي حول إصبعه، ليردف هامسا بمعنى: "واللحين طحت على شي أحلى وأغلى.."
وكأنه أحس بهنائه، صدح صوت الجد مطالبا لحضور حفيدته، لتبتعد شادية كالملسوعة عنه وتنافس الطماطم في حمرتها.
تبادلا النظرات، هو والجد، الجد باستهجانه المعتاد وعبد الرحمن بابتسامة وهدوء مصطنع. لن يخرج من طوره ويغضب لكي لا يجد الجد حجة عليه، سيفوز بهذه المعركة مهما حدث. لن يخسر شادية التي مثلت له هذه العيشة المسالمة، الصافية من أي ضغائن.
=
=
=
كانت مفاجأة للمار عندما وجدت أمها توقظها لتفطر، فأيام ثقال مرت دون أن تعطيها أمها بالا، دون أن تلتفت لأي شيء تقوله. لم يكن بوسع لمار إلا أن تسأل: "سامحتيني؟"
مسحت أمها يدا على شعرها بابتسامة حانية: "ما أظني كنت زعلانة عليك من جد. كانت صدمة لي، وبغالي صدمة ثانية عشان أفهم.."
لم تفهم عليها لمار أبدا: "وش قصدك يمه؟"
سألتها أمها بدل الإجابة: "وش اللي خلاك تكلميها؟"
المقصودة كانت معروفة. استفسرت لمار بتردد: "تبيني أقطعها..؟"
فاجأتها إجابة أمها، إجابة لم ترافقها تلك المرارة التي تتوقع: "لا.. اعتبريه فضول وبس.."
فكرت لمار للحظة قبل أن تجيب: "ما عمري شفت شخص وحيد مثلها.."
حكت لها بعدها عن الذي كانت ترى في سنوات أبيها الأخيرة، عن غرابة العلاقة التي شهدتها. أخبرتها بكل ما تستطيع عن زوجة خالها، خليط من محاولة إرضاء أمها ولو بإجابة سؤال، والدفاع عن امرأة وجدت صحبتها مريحة.
=
=
=
عندما زارت منتهى أم عبد الرحمن اليوم وجدتها تعد نفسها للذهاب. اعتذرت منها بدماثة، لا تلمح عن وجهتها ولو بكلمة، قبل أن توصي الخادمة أن تضيفها كما تستحق.
وهكذا وجدت منتهى نفسها هدفا لثرثرة الخادمة اللطيفة وهي تقوم بضيافتها، نفس الخادمة التي أوحت بقلة الكلام والسؤال، ربما قناع ترتديه أمام أم عبد الرحمن يخفي طبيعتها الحقيقية. كانت تحكي لمنتهى عن سرورها في كونها تزور أم عبد الرحمن، فزمن طويل مضى دون زيارات تذكر.
سألتها منتهى عندها عن اللواتي كن يزرن أم عبد الرحمن سابقا، لتعطيها بضع أسامي، منها ما توقعته كتلك الطليقة، ومنها ما استوقفها تماما كتلك التي تدعى نهلة.
عبرت الخادمة عن استغرابها لانقطاع نهلة المفاجئ عن أم عبد الرحمن، فهي كانت صديقتها الصدوق، منذ أيام الدراسة حتى!
كان لدى منتهى تخمين عن سبب ذاك الانقطاع، فإذا كانت هذه الـ"نهلة" نفسها نهلة الجليل، فلديها وبصدق كل الحجج لعدم الزيارة، فهي كانت تقضي فترة عقوبتها في السجن لقضية الاختلاس التي تورطت بها.
=
=
=
دعاهم أبو قاسم اليوم إلى الغداء في بيته جانب مبنى الشقق الذي يعيشون فيه. ارتاحت كادي لامتداد الدعوة إليها أيضا، فهذا يعني أن أبو قاسم كان مدركا لوجودها، وربما، كانت تبالغ في الشكوك والارتياب ولم يكن له مشاريع مخططة لعبد العزيز.
كل ارتياحها ذاك تبخر عندما دخلت مجلس النساء ووجدت من عرفت نفسها باسم غدير، ابنة أبو قاسم، في استقبالها.
ابتسمت لها غدير بإشراق: "تفضلي حبيبتي. حياك البيت بيتك!"
ألم يكفها ذكرها الذي أشعلها غيرة..؟
لم تكن كادي بالتي تحط من قدر مظهرها، لكنها كانت واقعية: لو تمت المقارنة بينها وبين غدير، فإن غدير ستفوز بلا شك.
بشعر بني طويل وبشرة مائلة للسمرة، بطول ممشوق وملامح رائعة التكوين.. احتاجت أقصى طاقاتها لكي لا تنفجر غيرة، من فكرة حط عبد العزيز عينا عليها صدفة في أحد زياراته المتكررة لهذا البيت.
لم تلحظ غدير أين كانت تقودها أفكارها، مستلمة دفة الحديث عندما لم تكن كادي متعاونة معها.
عرفت أنها خريجة لغات، وأنها الابنة الوحيدة لأبيها المنفصل عن أمها. عرفت طموحها لبناء معهد، وأنها تفتقد صحبة النساء في عمرها منذ أن طُلقت.
عندها، وجدت كادي نفسها تسأل: "عادي لو سألتك ليه؟"
لترد عليها بكل أريحية: "عادي حبيبتي، مو مخبية السالفة عن أحد بأية حال." استطردت، متنهدة بسخط: "ما كان يبين عليه لدرجة إنا انخدعنا فيه، بس طليقي كان صايع وما يخاف الله، كثير سفر وبلاوي. حاولت أصبر عليه وأنصحه، بس ما فاد. وخلاص، قررت إني أقطعه من حياتي."
أيدتها كادي بصدق: "أوافقك الرأي.. ليه تضيعين عمرك معاه؟"
ابتسمت غدير عندها بشجن: "تصدقي إنك الوحيدة اللي أيدتني غير أبوي؟ الكل لامني لأني ما صبرت عليه أكثر، حتى أمي.." أردفت وابتسامتها تعود لألقها المشع: "يختي من جد مرتاحة لك بشكل..! أتمنى ما ننقطع عن بعض وتظلي تزورينا.."
ربما في ظروف أخرى كانت كادي لترتاح لها أيضا، فواضح أن غدير شابة طيبة وعانت الكثير، ومن حق والدها أن يبحث لها عن رجل جدير بها.
لكن، عندما كان مرشحه الأول زوجها؟
المعذرة، لن تتخلى عنه من أجلهم.
=
=
=
منذ أن حثها عبد الرحمن على اتباع تعليماته في أخذ كرة أطفال أم خليل والتظاهر بعدم سقوطها عندهم وهي تلاحظ انعدام ازعاج النهار المرافق لضرب تلك الكرة لرؤوسهم. قد ابتسم عبد الرحمن بشيء من الخبث عندما أعلمته بذلك، قائلا: "إنتي وسالم على نياتكم وما تعرفون للف والدوران، والوضع ذا يبغاله تكتيك مدروس.."
مضى يوم منذ ذهاب عبد الرحمن لعمله، يودعها بتوقع رجوعه اليوم أو الغد. وعندما سمعت طرق الباب نهضت من مكانها وابتسامة ترتسم على ملامحها، لتحل محلها الخيبة سريعا لتذكر أن عبد الرحمن أصبح لديه مفتاح لهذا البيت كما كان لعمها سالم. فكرت وهي تتحجب بجلال صلاتها، تتجه للباب.. من كان يزور دارهم هذا الوقت؟ ليست غالية بالتأكيد، فغالية لديها طريقة خاصة بها لطرق باب بيتهم.
رأت من فتحة الباب امرأة متشحة بالسواد تقف لوحدها. سألتها: "مين؟"
ردت المرأة بسؤال بدورها: "هذا بيت المنصور؟"
أجابتها بنعم، لتقول المرأة: "أنا أم عبد الرحمن زوجك."
انتهى البارت..~
|