كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
السلام عليكم يا حلوين.. جدا جدا آسفة على تأخيري، واجهتني مشاكل في الاتصال من كم يوم وشوي وكنت بتهاوش مع شركة الاتصالات لين ما لقوا حل ولله الحمد والمنة..
الواحدة والثلاثون
=
=
=
جواله كان يرن باتصال من ممثل البنك المتعاقد معهم، بالتأكيد يريد تفقد تقدمه.
تجاهله شاهين تماما، مركزا كل اهتمامه على الأوراق بين يديه. وربما كان ذلك طبعا سيئا فيه، كونه لا يريد مقاطعات أثناء عمله مهما كان سبب المقاطعة، لكن ذلك كان طبعه ولن يغيره.
وما إن توقف جواله عن الرنين حتى بدأ ينبض باتصال مرة أخرى، لكن هذه المرة لم يكن المتصل ذاك الممثل، بل زوجته.
(حسنا، ربما لديه بعض الاستثناءات..)
بردة فعل يقودها الاستغراب، وضع أوراقه جانبا والتقط جواله مجيبا للاتصال، ليأتيه صوتها يحييه: "السلام عليكم أبو نادر. مشغول؟"
أجابها: "لا.. صار شي؟"
ردت: "ما صار شي. لقيت كتاب لك في مجلسك وعجبني.. عندك واحد مثله؟"
قال بدل الجواب، يعرف بالضبط أي كتاب كانت تقصد: "ما توقعتك مهتمة بمجال السياسة.."
لترد: "أقرا أي شي ألقاه، عادي عندي.."
فكر للحظة قبل أن يقول: "على ما أظن فيه كتب تناقش مواضيع مماثلة للكتاب اللي قريتيه فمكتبي.."
سألته عندها، بسخرية، بعجب، باستغراب.. لا يهم، المهم كان ماهية سؤالها: "وبتأمني لوحدي فمكتبك؟"
ليقول وابتسامة تسلية ترتسم على شفتيه: "سؤالك ذا معناته إنك لساتك ما دخلتيه، مع أن كان عندك الفرصة.." بقيت هي صامتة، ليردف بعمق: "إيه، أمنك على مكتبي.."
لا يدري لم، لكنه متيقن أن هذه المرأة لن تضره.
رغما عنه، رغم عظم الأسباب التي جعلت من الريبة والحذر منهجا له، وجد شاهين نفسه يرتاح لها.
=
=
=
كما وعد، عاد عبد الرحمن بعد يومين، وكما نصحتها غالية، بذلت أقصى ما عندها جهدا لاستقباله.. لتعويض شيء من انشغالها الدائم عنه..
لكن.. رغم وضوح تأثره بما فعلت وملاحظته لجهدها، رأته شادية مثقلا بهم شيء، يشرد في التفكير فيه..
انتظرت حتى اختليا في غرفتهما لتضع يدا على عضده تشد انتباهه من سرحانه، تسأله بقلق: "فيه شي يا عبد الرحمن..؟"
ابتسم عبد الرحمن لها يطمئنها، لكن زخم ابتسامته كان ضعيفا مزيفا وعرف هو ذلك.. ليتنهد ويجيبها: "قلت لأمي عن زواجي بك.."
أمه.. تلك النقطة التي وجدت تفكيرها يرجع إليها، تؤرق خاطرها في أكثر اللحظات سكونا. ارتاحت لمعرفة الخبر: "الحمد لله تدري عنا.."
تعبير يحكي عن ألم مر كرمشة عين على ملامح عبد الرحمن، ولم تفهم شادية لماذا. ألم تكن أمه؟ ألم تكن نفس المرأة التي حكى عبد الرحمن بحب عنها إذا تطرق الحديث إليها؟
سألته مردفة: "وش قالت..؟"
وضعت شادية بضعة احتمالات في بالها، من الرفض والهياج التام إلى القبول البارد.. لكن على ما يبدو، لن تصل للاحتمالات التي فكر بها زوجها.
بدل إجابتها، قال لها بكل جدية، كأنه يتحدث عن كارثة قادمة: "خذي حذرك من اللحين ورايح.. توقعي أي شي.."
استفسرت بإلحاح: "وش قصدك..؟"
ليرد: "أمي.. صعبة شوي.."
مهما كان الذي يثقل خاطر عبد الرحمن، كانت شادية الآن متأكدة أن حماتها لم تكن مجرد "صعبة شوي"..
صدقا، من أي نوع من النساء هي؟!
=
=
=
انحنت ترانيم في وقوفها بترقب، تراقب الوليد يأكل لقمة من الأرز الذي حضرته، الطبق الأول الذي أعدته منذ أيام حصص التدبير المنزلي في المدرسة، ليقول يجيب عن سؤالها الصامت: "ما شاء الله كريمة مع الملح.."
ضيقت ترانيم عيونها: "قول رأيك بصراحة، ما بزعل.."
بدا على الوليد الشك التام قبل أن يجيبها أخيرا: "الرز مالح بزيادة وبعضه محروق، والدجاج يبغاله بهارات.. بس بينأكل، أكلت أردى.."
لتقول تدافع عن نفسها: "الرز صعب..!"
ليقول هو بدوره: "مو لذيك الدرجة.."
سألته: "عمرك سويته؟" وعندما هز رأسه بالنفي، أردفت متحدية: "سويه طيب، ولو طلع أحسن من حقي لك اللي تبي!"
وفي وقت آخر من هذا اليوم، خسرت..
كان الأرز الذي أعده أفضل بمراحل، كالفرق بين الثرى والثريا. سألته ذاهلة: "كيف؟!"
ابتسم بفخر: "كنت أشوف أمي وهي تسويه فحفظت الطريقة منها.." أشار إلى خده بإصبع: "على ما أظن وعدتيني بجائزة..؟"
بطبيعتها المحبة للفوز، أغاظتها خسارتها، لكنها تمهلت في التفكير للحظة قبل أن تبتسم بخبث استغربه الوليد وهي تتقدم مقتربة، وبدل طبع قبلة على خده طبعتها على شفتيه، وكانت رؤية تعبيره المصدوم الشبه دائخ عندما ابتعدت عنه تعويضا كافيا عن خسارتها.
=
=
=
كان متجها لبيت سالم عندما استوقفه على الطريق رجل. رفع عبد الرحمن حاجبا لرؤية البغض يقطر من نظراته.. لا يذكر رؤيته مرة.. لحظة، ألم يكن هذا الرجل الذي تعارك مع سالم أمام الجامع تلك الليلة؟ نفس الرجل الذي..
(واحد سوى سالفة على إن بنت أخوي رفضته وعصبت عليه)
اكتسى تعبيره الجمود وعلى ما يبدو، صمته قد نجح في إغاظة الرجل، ليهتف: "ما كنت أحسب إني بشوف رجال بيرضى المذلة على نفسه ويعيش تحت سقف مرة! بس وش نتوقع من الغُرب؟"
ابتسم عبد الرحمن بكياسة أخفت الغضب المتفاقم داخله، ليس من كلمات الرجل، لا، بل من فكرة سبقه في التفكير بشادية زوجة له، من فكرة أنه خطبها ذات مرة، من فكرة أن كلماته الحاقدة أتت من غيرة من موضعه.
قال عبد الرحمن دون تردد: "بنت محمد جوهرة تستاهل أسكن في الخلا لخاطرها، ولو ناس رضوا يضيعونها من يدهم، أنا ما برضى.."
قال مردفا وابتسامته تختفي، بحدة نظرات ونبرة، يحذره: "لو دريت إنك جبت طاري بيت المنصور بأي شكل صدقني.. بلقى طريقة أخليك تندم على اليوم اللي شفتني فيه.."
مشى متجاوزا الرجل دون اكتراث بعدها، مكملا لطريقه.
=
=
=
منذ فترة وابن خالتها سيف لا يمر بها مطالبا بجولة لعب على جهاز البلايستيشن خاصته، بل بدا كأنه يحاول تجنبها كلما التقى بها.
قررت الاستقصاء وحاصرته عندما زار جدها كالعادة: "ليه تتجنبني يا سيفوه؟ انطق يلا..!"
أكملت عندما رأته لم يجبها بعد: "يمكن تجنبك ذا له علاقة بشخص؟ أبوك أو أمك؟ وحدة من أخواتك؟ أخوك..؟" كان الأخير من جعل سيف يتصلب تفاعلا. استنطقته: "أخوك اللي قال لا عاد تمر علي؟"
لم يرد، لكنها لم تحتج الإجابة وهو يمط شفتيه بطفولية. طلبت منه جواله لتبحث بين الأسماء وتتصل بجلال على الفور. أتاها رده بعد عدة رنات: "هلا سيف.. خير، وش تبي؟"
ردت عليه بصرامة مفتعلة: "إنت اللي قلت لسيف ما يجي لي؟"
كان الصمت جوابها لثانية ثم ثانيتان ثم ثلاث.. ثم: "نفسي أعرف متى بتتصلي بجوالي أنا بدل ما تتسلفي جوالات إخواني.." تحولت نبرته المتسلية إلى أخرى حازمة عندما أردف: "إيه، أنا اللي قلتله.. عندك مانع؟"
سألته بدورها، لا تستطيع بصدق رؤية السبب: "طيب ليه؟"
ليقول: "لأنه خلاص بدا يكبر ويبغاله نرسم له حدود.." قال بعدها بنبرة لم تفهم ماهيتها، لكنها بعثت فيها الخجل، خصوصا محقونة مع كلماته: "وبصراحة كنت غيران منه.. هو يقدر يملي عيونه بشوفتك وأنا لا؟"
نظر إليها سيف بفضول عندما أعادت له جواله فوريا، يتضح تساؤله عن السبب الذي احمرت لأجله كما تحس أنها فعلت.
قال بصدق وإخلاص طفل بدأ يخطو خطواته نحو الشباب وهو يكلم أخاه: "هيه جلال، أعرف إني خلاص صرت كبير وكل ذا، بس أبي ألعب مع لمار مرة أخيرة.." انتظر لحظات قبل أن يبتسم بعرض بعدها، وعرفت لمار جواب جلال دون الحاجة للسؤال.
هتف سيف بحماس عن كل الألعاب التي يجب أن يلعباها معا، يقودها إلى المجلس بخطى راكضة.
وكان بعد عدة ساعات أن خطت زوجة خالها داخل مجلس النساء، تقول وهي تجلس: "لساتكم تلعبون؟"
ضحكت لمار بخفة: "إيه اليوم سيفوه ناوي يهلكنا لعب..!" وعندما لم يؤيد سيف كلامها، التفتت لتراه ينظر إلى زوجة أبيها بانبهار فاضح، ردة فعل لأول مرة يراها فيها.
ضيقت لمار عيونها.
"جلال كان معاه حق فسالفة الحدود ذيك.."
لكن سرعان ما تشتت انتباهه عن زوجة خالهما عندما عادا إلى اللعب، أحيانا يجعلونها حكما يحكم أيهما غش بانتصاره وأيهما خسر ظلما، وأحيانا أخرى يجعلانها تجرب لعبة.
(-: "يا خالة.. إنتي قاعدة تتعمدين تفشلين في المهمة؟"
هزت زوجة خالها كتفا بلا مبالاة: "أشكال الأعداء تضحك لما أهاجمهم بدل شغلة التسلل ذي..")
كانت أمسية ممتعة.. إلى أن دخلت عليهم أمها بنهايتها، تقول لسيف أن أخاه أتى ليرجعه للبيت، لتتوقف عند رؤية زوجة خالها جالسة معهم، باديا عليهم كلهم الإندماج فيما كانوا يفعلونه.
لم يلاحظ سيف الوضع ولملم أغراضه قبل أن يودعهم، مستغربا من الصمت الذي حل بالكل ليسرع بخطواته عندما أتى اتصال له يستعجله الخروج.
بدت زوجة خالها مترددة في أمر الخروج، لكنها فعلت في النهاية، تقول: "أنا اللي جلست عندهم.."
وكان بعد ابتعاد وقع خطوات زوجة خالها أن تكلمت أمها: "تعرف تكذب.. بس مشكلة الكذب إنه بينكشف، خصوصا لما تكذب عن شخص.." استطردت: "من فترة وأنا ملاحظتكم متصاحبات.."
كانت هذه فرصتها في الإنكار، في وضع كل اللوم على كتفي زوجة خالها.. لكن لمار تعبت أن تُحمى من خيبة أمها، تعبت من تحمل زوجة خالها اللوم كل مرة حتى تجنبها هذا الوضع..
لذا، جاوبت فقط بـ: "إيه.."
سألتها أمها عندها، بحيادية أرعبتها: "ومتى قربتوا من بعض لذي الدرجة؟"
ابتلعت لمار غصة ثم أجابت بسكون: "بعد شهرين من وفاة أبوي.. كنت أزورها فبيتنا القديم.."
صمتت أمها، وظل الصمت خانقا بينهما حتى حاولت لمار إفهامها: "يمه هي ما عند.."
قاطعتها أمها بهدوء، تخطو مبتعدة عنها: "مابي أسمع شي.."
=
=
=
اتصل بها عبد العزيز يخبرها أنه قريب من الشقة، يسألها إذا كانت تحتاج شيئا من السوبرماركت جانبهم.
لكن.. مضت ساعة ونصف منذ اتصاله ذاك. أمر غريب، فهي لم تطلب أكثر من غرضين، والسوبرماركت كان على بعد دقائق قلة بالسيارة.
الأغرب، والأكثر إثارة للقلق، أنه لم يكن يجيب على جواله..
لذا، سألته كادي فور دخوله الشقة: "وين كنت؟"
أجابها يضع الكيس الذي يحتوي على ما طلبت على كاونتر المطبخ، يتثاءب تعبا، ولا عجب فقد كان لديه مناوبة من ليلة البارحة حتى صباح اليوم: "في المبنى، أبو قاسم شافني وحلف علي أدخل أتقهوى عنده.."
كررت وبراكين تفور داخلها من ذكر ذاك الاسم وما ارتبط به: "أبو قاسم..؟"
ليجيبها عبد العزيز غير ملاحظ لما تكمنه داخلها، ولا حدة نبرتها عند نطقها اسم مالك المبنى: "قلتلك عنه مرة، رجال عالجته وساعدني ألقى ذي الشقة.." خالط صوته الضحكة عندما قال بعدها: "تخيلي! لساته متذكر السالفة ويذكرني فيها مع أنه كان واجب وبس.."
"أكيد يذكرك، مو عنده مخططات بعيدة المدى لحضرتك؟!"
وفي انخراطها في التفكير لم تسمع عبد العزيز يقول أنه سينام قسطا قبل صلاة الظهر حتى رأته قد ذهب.
زفرت بضيق وغيظ وهي تتهاوى جالسة، محظوظة في وحدتها اللحظية هذه حتى تفكر.. تفكر بحياتها مع عبد العزيز وكيف خالفت كل ما صبت إليه عندما وافقت عليه.
أرادت حياة لا أثر لهياج العواطف فيها. أرادت زوجا لم تشعر سوى بالاحترام نحوه..
(أرادت شخصا لن تنجرح بسبب هجرانه..)
لكن عبد العزيز عاصفة أتت لتقلب توقعاتها، ولم تندم كادي على دخوله حياتها بكل الفوضى التي ترافقه.
أتاها صوت أختها عندها، يصدح بما قالته في أحد الزيارات عندما أقفلت الخط من محادثة مع عبد العزيز، مغيظة متسلية..
(اعترفي وريحي نفسك يختي.. واضح إنك ميتة لأقصاك فيه..!)
رغما عنها قلبها تمرد عليها، زاد دقا عندما أرادت تثبيطه، زادها ألما لتخيل تكرار قصة طُبعت على جدران هواجسها.
لم تر رجلا يعبر عن حبه لزوجته كأبيها المرحوم، لكن حبه ذاك لم يمنعه من نسيان العشرة والسنين، من الرضى بتركها، أليس كذلك؟
عبد العزيز لم ينطقها، لم يخبرها مرة أنه يحبها.. ما زالا في البداية مقابل سنين السابقين..
مقارنة بأمها..
وضعها كان أسوأ.
انتهى البارت..~
|