كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
التاسعة والعشرون
=
=
=
لا يدري شاهين لم طلب من منتهى أن تحزم له أغراضه عندما أتى له خبر عن سفر عمل قريب. ألم يفعلها بنفسه مرات لا تحصى دون الحاجة لأي مساعدة؟ ألم يكن حريصا مرتابا من عبث أي أحد بأغراضه..؟
قد وجد الطلب يتشكل على لسانه، ينطق به قبل أن يلحقه إدراكه. شيء وجده يكرره معها هي فقط..
فتح الحقيبة التي رتبتها له، يرفع حاجبا لما رآه. ناداها، لتدلف داخل غرفة النوم بعد لحظات، تنظر إلى الحقيبة المفتوحة ثم إليه، تصل لاستنتاج نطقت به: "نسيت أحط لك شي؟"
رد: "الشنطة شوي وتنفجر من كثر ما حطيتي فيها، وتقولين وش نسيتي بعد؟"
كان دورها لتستغرب منه، تنظر إلى الحقيبة لتتأكد: "ماني شايفة شي.."
فسر لها عن طبعه في حزم الأغراض لسفر، وكونه يقتصر على الأساسيات القليلة فقط وترك كل الكماليات وراءه. لو احتاج شيئا سيشتريه من أي مكان حال وصوله.
لكن يبدو أن طبعه ذاك لم ينل إعجاب منتهى على الإطلاق: "كيف تقدر تركز على هدفك من السفر وإنت مشغول تعوض اللي تركته؟"
حسنا، كان لديها نقطة هنا. يذكر مرات عدة صادف وصوله إغلاق المحلات في بلد ما. لكن..: "مشطين فيها مبالغة شوي.."
كان ردها فوريا: "عشان لو ضاع منك واحد يكون الثاني موجود.."
من كان يعرف أن زوجته كانت بذاك الحرص؟
لأول مرة معها، ابتسم شاهين ضاحكا: "شكلي بخليك ترتبين لسفراتي من اللحين ورايح."
أجابته، باديا عليها كل التأييد: "يكون أحسن، ما توقعتك تكون مهمل."
سألها والتسلية تغمره: "يعني أفهم من كلامك إنه كان عندك توقعات عني؟ لي الشرف بصراحة.." ظلت هي صامتة، تشيح بنظرها عنه.
وضع يدا على كتفها بلطف، يسترعي انتباهها ورجوع نظرها إليه. وبينما شعر بها تجفل بسبب فعله، لم تبتعد عنه كأنه نار تلاحقها هذه المرة، بل ظلت في مكانها تنظر إليه بثبات سائل.
ربما بدأت تتعود عليه. وغريب، كيف أن تلك الاحتمالية سرته للغاية.
قال ببساطة ناقضت التعقيد في شعوره حيالها: "يعطيك العافية.."
=
=
=
اعترضت لمار بضجر، فليس لديها الرغبة في الخوض في روتين إزالة مساحيق تجميل عن وجهها: "ما تطفشي مني إنتي؟ كل يوم لازم أصير فأر تجاربك..؟"
مطت هيفاء شفتيها بضيق: "وش أسوي لو عندي أخت متزوجة وعايشة برى والأخت الثانية لسى أبدل حفاظاتها؟"
هزت لمار رأسها بلا، لن تسايرها هذه المرة: "طلعي مواهب المكياج حقتك فغيري. أنا أستقيل."
تأففت هيفاء بسخط لسماع ردها، لكن سرعان ما انسحب السخط منها ليحل محله التفكير: "لمورة.. مو إنتي قلتي إن خالك سافر الصبح؟"
أومأت بنعم، فقد كان سفر خالها سببا في قبول هيفاء المكوث هذه الليلة عندها. لكن لم تفهم ما الذي كانت ترمي إليه صديقتها بسؤالها ذاك.
قالت هيفاء تفسر: "معناته زوجته ما عندها أحد معها صح؟"
استوعبت الهدف الذي تريده: "من جدك؟"
أجابتها: "إيه من جدي. من زمان وأنا ودي أجرب اللي تعلمته عليها. أحس إني بطلع بنتيجة إبداع!"
قالت لمار تعيد صديقتها المتحمسة لأرض الواقع: "لحظة يا بيكاسو، خليها توافق أول بعدين فكري بالنتايج."
نظرت هيفاء إليها بمعنى عندها، لترفض لمار على الفور: "إنتي اللي تبغين تشتغلين عليها، روحي طيب!"
لتعترض هيفاء برجاء: "بس عمري ما كلمتها بغير السلام. ما ينفع أجي عندها فجأة وأطلب منها! إنتي اختلطتي فيها، فخلاص، اطلبي منها..!"
تجادلا طويلا إلى أن خرجا بحل وسط.
وهكذا وجدت لمار نفسها واقفة برفقة هيفاء أمام باب جناح خالها، ينتظران الإجابة بعد طرق الباب.
نظرت زوجة خالها إليهما باستغراب عندما فتحت الباب بعد لحظات بدت كدهر، ترد سلامهما المتوتر بهدوء.
فسرت لمار وقوفهما هذا: "صديقتي هنا ودها تجرب عليك مكياج.."
نظرت زوجة خالها نظرة مطولة إلى هيفاء قبل أن تشير إلى الجناح: "هنا؟"
تبادلت لمار النظرات الذاهلة مع هيفاء قبل أن ترد الأخيرة: "لا، عند لمار، كل أدواتي هناك.."
لم ترد زوجة خالها بشيء بعدها، ورافقتهما بصمت.
انخرطت هيفاء في عملها على زوجة خالها التي سايرتها ولم تعترض كما كانت تفعل لمار، وبدت هيفاء كأن العيد حل مبكرا.
وكما توقعت هيفاء، كانت النتيجة النهائية رائعة، خصوصا عندما كانت مهارات هيفاء أكثر صقلا بعد تلك الدورة التي أخذتها قبل شهور.
التقطت لمار لها صورة، توثق إنجاز صديقتها وجمال زوجة خالها البهي.
أصرت هي وهيفاء على زوجة خالها البقاء معهما أطول، يقضين الوقت ما بين مشاهدة فيلم إلى ربع قبل أن تتعطل بطارية لابتوب هيفاء عليها فجأة، إلى الأخذ من وليمة السعرات الحرارية التي اشترتها لهذه الليلة، وإلى تفحص ألبوم الصور العائلي الذي لاحظته زوجة خالها موضوعا على المنضدة وسألت عنه.
تحب لمار ألبوم الصور ذاك، وتحب تفحصه والشعور بالحنين لأيام جمعت الكل.
انخرطت هيفاء في الضحك عندما عرفت لمار بحرج عن الذين ظهروا في أحد الصور، بينما بدا على زوجة خالها التسلية التامة.
كانت صورة تجمع أربعة: ابنة خالتها ترانيم وأختها كادي، جالستان كالأميرات، بينما ولد خالتها جلال كان يحملها كطفلة، يبدو عليه الإنزعاج وهي تمام البهجة لارتفاعها، تلوح بيديها للسماء. قد قالت لها كادي أنها أصرت وألحت وبكت في سبيل جعل جلال يحملها، وكان المنظر الذي انتهيا به طريفا موثقا بهذه الصورة.
قالت هيفاء تغيظها: "الله! شوفي بعلك الموقر كيف شايلك. واضح إنه راعي واجب منذ الصغر!"
أسكتتها لمار بزخم ضعيف، تفكر للحظة في كون جلال يفكر بها كطفلة تحمل إزعاجها في الصغر.. وكم كانت تلك الفكرة كئيبة.
لفتت نظرها صورة أخرى، لتتناسى أفكارها تلك وتوجه انتباهها لها. قالت تعرف بالصورة: "خالي المسكين تبلش فينا وهو لساته صغير. أذكر إن خالتي وأمي كانوا يعتبروه واحد منا مو أخوهم."
عرضت الصورة خالها وهو مراهق، وحوله أطفال أختيه. وبحق بدا فيها كالأخ بدل الخال. حكت أمها كثيرا عن تلقيه الحلوى والألعاب مثلهم من الأقارب والأصدقاء رغم اعتراضاته. وحكت أيضا عن كونه متطلعا لزياراتهم لبيت جدها، يعطيهم ما عنده ليلعبوا به. كان قدوة لهم في الصغر، خصوصا لابن خالتها جلال.
(جلال.. لِمَ يرجع فكرها إليه بشكل مفرط هذه الأيام؟)
تفحصن صورا كثيرة بعدها، ولاحظت لمار اهتمام زوجة خالها، ابتسامها لسماع حكايا كل صورة، لاحظت أيضا اهتمامها بالصور التي كان خالها شاهين فيها خاصة، يبدو عليها تحليلها، التفكير بعمق بها..
وكان بعد استئذان زوجة خالها للخروج واستسلام هيفاء للنوم أن تذكرت لمار الصورة التي التقطتها لزوجة خالها وهي تحادثه على "الواتس" بعد وصوله لوجهته، تتذكر ما همست به هيفاء لها..
(والله زوجة خالك هذي صاروخ زي ما يقولون..! مفروض خالك ما يخليها تطلع للناس!)
ابتسمت بخبث قبل أن ترسل له الصورة.
#تعرف الحلوة ذي؟
لم يرد عليها خالها إلا بعد دقائق:
#من عنده الصورة غيرك؟
ردت، مستغربة من جفاف نبرة خالها حتى لو أتت بشكل نص:
#بس أنا خالو
رده هذه المرة كان فوريا:
#امسحي الصورة والمحادثة. لو رجعت ولقيتها لساتها عندك إنسي إن كان عندك جوال
لم تخطط لمار للاحتفاظ بالصورة لوقت طويل، وطبعا ستكون حريصة ألا تقع في يد غيرها. لكنها لم تعترض بتلك الحجج وردت:
#حاضر بيغ بوس! إنت تامر أمر!!
وعندما انتهت محادثتهما، أدركت لمار أن خالها لم يبد رأيه بالصورة كما أرادت.
=
=
=
كانت منتهى تقرأ في أحد كتبها المفضلة عندما رن جوالها ينبض باتصال من أبو نادر. أتاها سلامه عندما أجابت بعد شيء من الصعوبة، فجوالها مرهق في بطئه وتعطله المتكرر: "وعليكم السلام أبو نادر.. وصلت؟"
أجابها: "إيه وصلت من فترة.." أردف بعدها يفاجئها: "كويس إني خمنت صح وإنك لساتك ما نمتي."
رفعت هي حاجبا بفضول: "صار شي؟"
خالط رده لمحة من ضحكة: "ليه؟ يبغالي سبب عشان أكلمك؟"
للحظة لم تعرف منتهى بم ترد على سؤاله ذاك، متعجبة مستغربة: "توقعت فيه سالفة تبغى تقولي إياها.."
رد هو بأريحية وتسلية لاحظتها تزداد في صوته هذه الأيام: "ما عندي شي مصيري أقولك عنه.. بس أعلمك بوصولي وخلاص. تمانعين؟"
أجابته بصدق: "لا.."
أحست في نبرته الرضا، ليقطع رده تثاؤبه: "يلا أترخص، بخليك تنامين. تصبحين على خير.."
ردت: "وإنت من أهل الخير.." تمهلت لحظة قبل أن تضيف: "لا تنام عالمكاتب هناك.."
وكان جوابها ضحكة متعبة منه و "إن شاء الله" قبل أن يقفل الخط.
ابتسامة باغتت شفتيها على حين غرة.
ربما استغربت اتصاله بها، لكنها قدرته.
انتهى البارت..~
|