كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
أهلا عزيزاتي وحبايب قلبي الصغير والنجمات في سماء حماسي (فيس يراضيكم)
زي ما قلت، ثلاث بارتات اليوم :)
وموعدنا الأحد بإذن الله..
الثامنة والعشرون
=
=
=
الصوت الآتي من جامع القرية، يصدح بالأذان لصلاة الفجر، كان كفيلا بإيقاظه. وجد عبد الرحمن نفسه وحيدا على السرير ولا أثر لشادية جانبه. تساءل أين ذهبت قبل أن يقرر الاغتسال وإكمال تساؤلاته عن زوجته لاحقا.
"اللحين.. وين قالتلي شادية إن الحمام فيه..؟"
وكان عندما وجد دورة المياه ووقف تحت رذاذ الماء أن أدرك برودته اللاسعة، ليقفز شاهقا لحظة لمسه لجسده. ما الذي كان يجري في أنابيب هذه القرية، ثلوج؟!
ثلوجا أم لا، قد تورط ودخل وعليه تحمل العواقب.. سيبحث عن حل لاحقا..
ببطء وتردد شديدين، دخل تحت رذاذ الماء وعانى حتى انتهى من الاغتسال، ليجد شادية تقف أمامه عندما خرج، تنظر إليه باستغراب وهو يجفف شعره: "لا تقول إنك تسبحت.."
أومأ لها بنعم، متعجب من سؤالها الغريب: "عندك حل للموية؟ باردة بزيادة."
عندها بدت شادية كأنها تكبت انطلاق ضحكة: "شكلك ما سمعت كلمة قلتها لك البارحة.." وعندما بدا عليه الاستغراب، أشارت إلى الدلو الموضوع جانبها، ممتلئ بماء يتصاعد بخار خفيف منه، يخبر عن دفئه: "أمس قلتلك إن الموية في الفجر بتصير ثلج وإن السخان خرب علينا من فترة ونسينا نصلحه. فلازم أسخن الموية.." استطردت: "كنت راجعة من عند جدي ناوية أصحيك لما شفت إنك تسبحت وخلاص.."
صدقا كان عليه أن يستمع لما كانت تقوله. كان ليوفر على نفسه المعاناة التي خاضها هذا الفجر!
=
=
=
كان زوج حفيدته من الذين يحضرون صلاة الفجر في المسجد.. عليه الاعتراف أن ذاك التفصيل أرضاه على الأقل..
قد لاحظه يتعمد التباطؤ في المشي جانبه في طريق عودتهم من الجامع، يبقي عينا عليه. أربما كان يظنه عجوزا هرما يحتاج إلى عونه ومراعاته؟ حتى ابنه سالم بالكاد رضي هذا النوع من المداراة منه، ويأتي هذا الغريب يريد التفضل عليه وهو ليس أهلا للثقة؟
لا، لا يمكنه الرضى.
وطيلة هذا الصباح، رآه يريد بدء محادثة معه، لكنهما لم يشتركا لا في الأراء ولا في الاهتمامات.. كل محاولة باءت بالفشل، وبينما كان هو مرتاحا بذلك، كان زوج حفيدته ممتعضا لصعوبة طبعه. ليس هو من ينساق وراء ملامح سمحة وتهذيب كلام. ما دامه لم يعط حفيدته ما تستحق، فلن يعطيه فرصة.
=
=
=
حسنا، يبدو أنه اكتسب معارضا في جد شادية. لكن عبد الرحمن عنيد إذا أراد، ولن يتزحزح عن موقفه ورغبته في كسب ود الجد، خصوصا عندما كانت شادية متعلقة به وبشدة..
وبالحديث عن شادية.. لم يرها منذ أن تناولت الإفطار معهما، تأكل قسطا قليلا قبل أن تستأذن وتنصرف. لأين، لا يدري، لكنه سيكتشف.
ربما كان بيت عمه عبد المحسن أكبر بأضعاف مضاعفة من بيت المنصور، لكن إلى الآن لم يستطع معرفة طريقه فيه. قد أخطأ أكثر من مرة بين المجلس والمخزن، دورة المياه وغرفته، المطبخ والباب الذي يؤدي للحوش.
أخيرا وجد شادية في المطبخ، تغمغم بلحن مرح وهي تغسل الصحون. قال يعلن حضوره، يقترب منها حتى كاد يلتصق بها: "وأنا على بالي رحتي ارتحتي.."
لم ترفع شادية نظرها إليه، لكنها ابتسمت بخجل وتوتر، تعود إلى عملها بارتباك فاضح: "مقدر ارتاح.. وراي أشغال.."
رفع حاجبا وهو يقترب منها أكثر: "بس إنتي عروس فصباحيتها. مفروض ترفعين يدك عن الشغل.."
"وتعطيني وجه.." كان جزءا أبقاه بين خوالج أفكاره.
وكم كان مسليا رؤيتها تحمر حتى أذنيها، ترد بصوت متهدج: "ما فيه أحد يقوم في البيت غيري، لو تركت الشغل بيتراكم علي.."
وكان على وشك اقتراح إحضار من يساعدها في أشغال البيت عندما صدح صوت الجد يطالب بالقهوة، لتنسل شادية من بين ذراعيه وتتجه إلى الإبريق المصفر وراءها.
حسنا إذا.. لديه هذا الوضع ليحله أيضا.
=
=
=
بسبب تكوينها فكرة مسبقة عن زوجها وحياته السابقة، توقعت شادية أن يحتاج وقتا طويلا كي يتأقلم مع العيش في هذه القرية. توقعت التشكي والتسخط منه، لكن بدلا عن ذلك كله، كان عبد الرحمن يحاول كل ما بوسعه التكيف مع وضعه الجديد بإصرار وصبر رفع من قدره عندها.
كادت تضحك عندما أتى لها يقول وعدم التصديق مرتسم في ملامحه: "توني انسرقت من قطوة.."
على الفور عرفت ما كان يقصده: "يعني تقابلت مع بوند.."
كرر: "بوند؟"
أومأت بنعم: "قط معروف في القرية. سماه عمي سالم بوند لأنه زي الجواسيس في الأفلام الأمريكية، يجي وما تعرف من وين."
بدت عليه التسلية عندها: "وليه تاركينه حر كذا؟"
أجابته: "صح يسرق أكلك، بس بوند راعي نخوة. مرات يدافع عن العيال الصغار لو ضاعوا من أهلهم، مرات الحريم من قليلي الأدب.. سالفته عجيبة.."
ابتسم: "كل شي فذي القرية عنده حكاية تشدك، ولا وش رأيك..؟"
فكرت للحظة قبل أن توافقه.. ثم وجدت السؤال يفلت من بين شفتيها عندها: "يعني مو نادم على عيشتك هنا؟"
اكتسبت ابتسامته فيضا من الدفء عندما رد: "كيف أندم وإنتي قدامي كل يوم؟"
وبلحظة اشتعلت خجلا. سمعت كثيرا عن أناس يقطرون شهدا في كلامهم، والآن وجدت مثالا حيا في زوجها.
=
=
=
كانت هذه أول سيذهب فيها زوجها ليعمل على أشغاله في المدينة، يعدها أنه لن يطيل في الغياب. كان في خضم سؤاله عن حاجتها لشيء يحضره معه عندما أتت كرة وضربته على رأسه.
اقتربت منه تتفقده من ضرر، ليطمئنها أنه بخير، فقط متعجب من الكرة التي ضربته على حين غرة.
قالت له تخفف عنه بمرح: "صرت من أفراد البيت رسميا اللحين ما دام كرة عيال أم خليل ضربت فيك.."
رفع حاجبا، يلتقط الكرة عند قدميه: "عندك خبرة يعني؟"
أومأت له بنعم، مبتسمة بتسلية: "كل اللي في البيت عندهم خبرة مع الكرة ذي. لحظات وبيجون العيال يطلبون كرتهم."
وحقا لم تمض ثوان إلا والباب يقرع، تتصاعد أصوات أطفال أم خليل وراءه.
أمرها عندها عبد الرحمن، يعطيها الكرة متوجها للباب: "خلي الكرة عندك، لا تعطيهم.."
بفضول تبعته، تقف في زاوية لا يراها فيها أحد تستمع لما سيقوله زوجها. هل سيوبخهم يا ترى؟
تبين أن الإجابة كانت لا، لم يوبخهم بكلمة عندما سأل الأطفال عن الكرة، بل حدثهم بكل أريحية: "لا، ما شفت شي. متأكدين إنكم شفتوها تطيح عندنا..؟"
سمعت الشك يدب في ردود الأطفال، ليتركوه ليجربوا البيت الملاصق لهم.
سألته بفضول متزايد عندما أقفل الباب والتفت إليها: "ليش ما هاوشتهم؟"
ابتسم عبد الرحمن بمكر: "لا تشيلي هم، وضع الكرات السايبة ذي بينحل قريب."
استغل فرصة عجبها من كلامه ليطبع قبلة على خدها، يودعها بدفء خصصه لها.
=
=
=
منذ أن خرج من حدود القرية وعبد الرحمن يلاحظ سيارة معينة في الطريق. في بادئ الأمر ظن أن رؤيته لها كان محض مصادفة، لكنه وصل الرياض وتوغل بين طرقها متجها إلى مقر شركته الجديدة، وما زال يراها تلحقه.
لم تكن مصادفة إذا..
عند وصوله خرج من سيارته وجواله في يده، يتظاهر بالإحباط والسخط، تمثيلية لرجل تعطل جواله عليه. توجه إلى السيارة المركونة جانب الطريق، يبتسم بتهذيب لصاحب السيارة الذي توتر بحق لمرآه.
سأله: "لو سمحت يا أخوي تقدر تعطيني جوالك لحظة؟ وراي شغلة مهمة وجوالي خرب علي.."
من شدة توتر الرجل، وربما عدم معرفته بم يفعل، أعطاه جواله بصمت، وعلى الفور جرب عبد الرحمن إدخال أرقام دون الاتصال بها، فلا يريد أن يتتبع الرجل ما فعل ويدرك أنه اكتشف أمره. وفي بداية إدخاله للرقم الثالث، تكفل جوال الرجل في إكمال باقي الرقم تلقائيا، إشارة على أنه قد تم الاتصال بهذا الرقم سابقا.
كبت عبد الرحمن غضبه لاكتشافه هذا، وأرجع الجوال إلى الرجل وما زال يبتسم بزيف: "مشكور يا أخوي، شفت زميلي جاي من بعيد فماله داعي اتصل وأكلف عليك.."
=
=
=
حال انتهائه من عمله اتجه لأمه، يعلن لها: "قبل كم يوم كان زواجي يمه.." أردف بتهكم: "بس أظن كان عندك خبر بدون ما أحتاج أقولك، صح؟ مو إنتي مكلفة رجال يلحق وراي ويستقصي أخباري؟ شفت رقم سواقك فجواله.."
على الأقل لم تتعب أمه نفسها بالتمثيليات: "كنت أحاتيك.. لاحظت إنك متغير علي وصدقت. للحين مقدر أصدق إنك بتسويها وتتزوج وحدة ما تسوى ظفرك!"
تنهد بضيق، يقول بحزم: "أنا راضي فيها."
لترد هي: "وأنا مو راضية ولا برضى! أبي لك وحدة ترفع من قدرك مو تحط منه!"
سألها بسكون عندها: "زي نسيم؟"
تجمدت أمه تماما لسماع ذاك الاسم.
خالته سلوى تزوجت برجل من نسب عريق وثراء فاحش، لتصبح مكانة ابنتها نسيم في مجتمعهم مطلوبة محسودة. كانت مثالية كما كانت تحكي عنها أمه..
أكمل، يسترجع ذكريات لم يفكر بها منذ فترة طويلة: "تتذكرين لما كنتي تمدحي فنسيم لين ما حطيتها فبالي ونويت أخطبها، لكن فجأة مديحك لها توقف وبديتي تشككين في أخلاقها وتترجيني ما أخطبها؟" استطرد مكملا، يُعلم أمه أنه كان يعرف تفصيلا خبأته عنه: "بعدها بفترة قصيرة يجيني خبر خطبة ابن عمي شاهين لها، وعرفت إنك إنتي اللي رشحتي نسيم له.. أظنك تعرفين وش صار لهم بعد ما تزوجوا.."
ظلت أمه صامتة، ليقول بأسى خنق صوته: "أدري.. غلطان إني ما قلت لك، بس تعبت أشك فيك بالشينة يمه، تعبت أحس إني جزء من خطة تلعبينها.. عشان كذا قررت أتزوج من خياري، على الأقل لو خربت السالفة، ما بلوم أحد إلا نفسي.."
مضت لحظات قبل أن تشير أمه عليه بالذهاب، وبدون أي كلمة فعل كما أمرت.
انتهى البارت..~
|