كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
على كل تعليق ومرور، شكرا. أفرحتوني من جد بتقبلكم لروايتي، وإن شاء الله يستمر الحال للنهاية :)
السادسة والعشرون
=
=
=
تنهد شاهين بسأم لرؤيته الرقم المتصل به بإصرار..
منذ فترة وإخوة راضي المرحوم يرهقونه وأبيه بالاتصالات والزيارات المهددة مطالبين بلمار لمشروع زواج، فعلى حسب قولهم يكفي زواج كادي من رجل خارج العائلة. لن تتبع لمار نفس المسار.
كان شاهين سيحترم قدرهم ووجهة نظرهم لولا غيابهم الملحوظ في جنازة أخيهم، واستمرار غيابهم حتى عرس كادي، ليرجعوا بعدها للساحة، ربما يريدون اللحاق بفرصتهم الأخيرة المتمثلة بلمار.
زاد ازدرائه معرفة من كانوا يريدون تزويجها به، الابن الأكبر لأحدهم، في أواخر الثلاثينات ومتزوج باثنتين، ولديه سمعة تسبقه في البخل والكسل.
كان رده عليهم أن أعلمهم بكل بساطة عن ملكتها بجلال وكونه الوصي عليها الآن، وإذا كانوا يريدون التناقش في أمرها، فلابد أن يُعلموا جلال به أولا.
أخذوا يهددونه بأوهن الوعيد، مرات بتشويه سمعة، مرات بالقضاء. لم يرد شاهين عليهم سوى باللامبالاة، مما زاد فوران غضبهم ذاك.
"سبحان الله، خلق وفرق.."
حقا لا يدري كيف كان راضي أخا لهم.
=
=
=
من اللحظة التي رأت فيها ترانيم أريج بين الزائرات، توقعت هدفها من زيارتها، خصوصا وهي ترى لمعة الشماتة في عيونها.
وصدقا، لم يمض وقت من جلوسهن حتى قالت أريج بنبرة تشفي: "ياذي الدنيا..! مين كان يتوقع إن ترانيم بتنزل من برجها العاجي وتتزوج، لا وتقعد في بيت أهلها فشهر عسلها وزوجها مسافر لشغله؟! لا تقولي طفشتي الرجال من اللحين؟"
انطلقت الضحكات المجاملة لسؤالها، ولأول مرة، لم تعرف ترانيم بم ترد.
أتت عندها زينب تقول، محورة الموضوع بأسره: "البلا من شغلة زوجها اللي ما تريحه ولا تريح الناس. ذكريني يا ترانيم ما أقبل فطيار لو خطبني. أخاف يصير عنده رحلة فنفس اليوم اللي أولد فيه..!"
هذه المرة كانت الضحكات التي انطلقت أكثر صدقا. وجهت ترانيم ابتسامة عرفان لزينب، لترد زينب عليها بغمزة وهمس..: "لا تشيلي هم.."
في هذه اللحظة أدركت ترانيم تفضيلها زيارات زينب لوحدها دون رفيقات المجتمع، وكيف أن الأسبوع الهادئ البسيط الذي قضته مع الوليد متناسية خلفيتها كان أفضل بمئة مرة من أي اجتماع كهذا.
(وإنتي إلى متى بتصاحبي هالأشكال، معقولة تطيقيهم؟)
ربما آن الأوان لتلقي نصح جلال السابق بالا وترك عالمها هذا خلفها.
=
=
=
ختمت وردها الليلي وقطبت حاجبيها عندما لاحظت تأخر الوقت وكون أبو نادر ما زال في مكتبه.
أيعقل أنه كان ينوي السهر على أشغاله بعد أن سهر البارحة؟ أيريد أن يقود نفسه للإعياء بهذا الجنون؟
وقفت ناهضة، تتجه إلى غرفة مكتبه، لتتجمد أوصالها لرؤيته قد اتخذ وضعية اتخذها أبو كادي عندما اكتشفت قربه لنهايته.
أسرعت في خطاها إليه، يشوب صوتها القلق وهي توقظه، تناديه، لتتنفس الصعداء عندما اعتدل مستيقظا في جلوسه.
حمدا لله، كان نائما وحسب.. يبدو أن جسده كان أرحم عليه من عقله وطبعه.
قالت بصرامة وهي تعقد ذراعيها: "كان رحت نمت على سريرك بدل النومة هنا.."
رد عليها وهو يقوم ممدا أطرافه ليعيد مرونتها: "وإنتي الصادقة.." ليردف بعمق ناعس متوقفا للحظة، ينظر إليها وابتسامة كسولة ترتسم على شفتيه: "بس ما فيه شي يخليني اشتاق للرقاد على سريري.."
أكان يعني..؟
وجدت منتهى حرارة غريبة تعتريها وهي تراه يخطو بعيدا، وشعرت بقلبها يتردد في نبضه بزخم أخرق لم يكن مألوفا لها.
=
=
=
وصل الفيلم الذي كانا يشاهدانه لأكثر لقطاته رعبا، وما زالت كادي تجلس بهدوء جانبه، تتناول حبات الفشار لتأكلها باندماج مأخوذ بالفيلم، لا تظهر عليها أي من بوادر الخوف أو الرغبة في الاحتماء بأحضانه، كما كان يهدف عبد العزيز له.
ألم تكن كادي سهلة الخوف؟ هل أخذ انطباعا خاطئا عنها بطريقة ما؟
لم يستطع إلا أن يسألها، لتجيبه بضحكة رقيقة كانت كفيلة بخلب لبه للحظة قبل أن يتذكر هدفه من السؤال: "ذا النوع من أفلام الرعب اللي مجازر وجرائم ما يخوفني. بس اللي فيها أشباح وبلاوي ثانية تخليني أرتجف فمكاني.. لا تجيبها ولا من جد ببقى ملتصقة فيك وما بشوف الفيلم من الخوف..!"
"وهذا اللي كنت أبغاه!"
أومأ عبد العزيز بفهم، يفكر بخسارته بمراهنته على هذا الفيلم بالذات.
=
=
=
التجهيز لعرس شادية أثبت كونه ذا منفعة عظيمة لها، وأصبحت رفقتها لشادية ومساعدتها مع سالم أمرا شبه يومي.
لكن اليوم كان من الأيام القليلة التي لم تجتمع بها بشادية، وحقا، لم تستطع غالية البقاء دون فعل أي شيء هكذا، لابد من طريقة تمكنها من تعذيب سالم ولي ذراعه حتى يتلحلح من مكانه. إلى متى يريدها أن تنتظره؟!
أتى إلهامها متمثلا بأخيها ربيع يجلس بضجر، لتلتقط جوالها على الفور وتتصل بسالم. لم تنتظر كثيرا قبل أن يرد، تلقائيا دون رؤية المتصل كما كانت عادته، بأريحية تعرف أنه سيفقدها عند معرفته بمن اتصل به: "هلا؟"
مثلت الأريحية في ردها بدورها، رغم دق قلبها بإسراع متلهف والابتسامة التي شقت طريقها لشفتيها: "السلام عليكم سالم، بترجع للديرة متأخر ولا؟"
سمعت تنفسه يتهدج، ومرت لحظات طوال ثقال قبل أن يرد بصوت شبه مخنوق: "تبين شي؟"
"لو مأثرة عليك زي كذا وراك ما تترك هبالك وترجعني يالخبل؟!"
ردت: "ربيعوه هنا غاثني إلا وإلا يبي عشا من ذا الماك."
نظر ربيع لحظتها إليها متعجبا، يبدأ بقول: "بس أنا ما.." قبل أن تُسكته بحركة من يدها.
أردفت تقول: "فلو كان بإلامكان، جيب لنا منه وريحني من حنته."
جوابه خطف أنفاسها: "حاضر يالغالية.."
تعشق الطريقة التي يُفخم سالم فيها اسمها، يعطيه ألقا خاصا بدفء نبرته والمشاعر التي رافقت لفظه لكل حرف. تستطيع سماعه ينطق اسمها للأبد.
ردت بحب: "تسلم، ربي لا يحرمني منك.."
سألها ربيع عندما أقفلت الخط: "ليه تكذبين على سويلم؟"
ضيقت غالية عيونها: "بدل ما تشكر أختك الكبيرة اللي دبرت لك عشا تحبه تحاسبها؟"
ليضيق ربيع بدوره عيونه بشك: "هذا وجهي إذا سويتي الرواية ذيك كلها عشان خاطري. وش ناوية عليه؟"
ضربته غالية بخفة فوق رأسه، ولم يتذمر ربيع أو يصرح بشكوكه بعدها.
=
=
=
عندما أتاه اتصال من خاله يأمره أن يوصل خالته بعد تعطل سيارة السائق عليها في الطريق، ذهب جلال ليفعل ما أمر به، وفي بادئ الأمر، لا ترضى نفسه فكرة أن تظل خالته واقفة في الطريق في حرارة الظهر أو أن تستقل سيارة أجرة وهو كان متواجدا.
شكرته خالته منال فور ركوبها السيارة، ليرد بنخوة: "أفا يا خالة لا تزعليني منك، ماله داعي الشكر هذا واجبي..!"
مر وقت معتبر وهو يتجاذب أطراف الحديث مع خالته عندما رن جوالها، لترد وتسأل: "ها، خلصتي؟" انتظرت لحظة لتسمع الإجابة قبل أن تقول: "طيب، بمر عليك بعد شوي جهزي نفسك.."
قالت خالته عندما أنهت المكالمة، تفسر: "هذي لمار. اتفقت معها أمر عليها وأنا راجعة من السوق.. لو ما عليه كلافة أبيك تمر على جامعتها."
"جاك يا مهنا ما تتمنى..!"
حاول أن يكبت الابتسامة العريضة التي كانت تصارع للارتسام على شفتيه: "أكيد ما عليها كلافة يا خالة.."
لم يحتج جلال للكثير لمعرفة الطريق للجامعة، فالجامعة كانت معروفة والطريق سهل. بضع دقائق من الانتظار ولمح جلال تلك التي مشيت بشيء من التردد نحو سيارته، تسلم بخفوت حال دخولها.
ورغم أنه لم ير منها شيء سوى عيونها، فإن قلبه أعلن التمرد والدق بإيقاع عنيف بأية حال.
لحسرته، فإن لمار بقيت ملتزمة الصمت منشغلة بجوالها. لكن الفرج جاء عندما قالت خالته أنها تريد المرور بصيدلية. نظرت إلى لمار، ربما لتسألها النزول معها، قبل أن تترك الفكرة وتخرج. ولحسن حظه، فإن لمار كانت منشغلة بجوالها لدرجة عدم ملاحظتها لخروج أمها.
قال جلال يلفت نظرها: "يا بنت الخالة.." عندما رآها قد رفعت نظرها إليه بصدمة، أردف: "أبي أشوفك.."
سألته بذهول: "وش؟"
ليكرر بابتسامة، حقا لا يصدق حظه هذا اليوم: "أبي أشوفك. لا تخافين السيارة مظللة ومابي أكثر من لحظة ترفعين فيها النقاب وتنزليه على طول.."
أعجبته رسمة عيونها الحادة، ولونها البندقي الدافئ. حدسه أخبره أن الباقي من تفاصيل وجهها سينال إعجابه أكثر.
لكن بدل تأكيد حدسه، سألته: "وش مسوي لخالي شاهين..؟"
استغرب، غير متوقع لسؤال كهذا: "وش قصدك؟ وش جاب خالي في السالفة؟"
لتجيب: "هو قالي لا تخلي جلال يشوفك مهما صار لين العرس."
وكان جلال لحظتها ممزق بين انتشاء روحه لسماع اسمه ببحتها الجذابة، والصدمة الملجمة.
"خالي شاهين بيجلطني.. بيجلطني، بيجلطني، بيجلطني..!"
لم يعرف بم يجيب سوى: "قلتله مرة إني أقدر أشوفك بدون ما يدري هو.."
رأى خليطا من العجب والشك في عيونها، لتقول: "مقدر أخالف شوره، وما أظن إنك بترضى بعد إني أسويها."
كان معها.. حق.. لكن: "تظنينها عدل تكحلين عيونك فيني وقت ما تبين وأنا لا؟"
بدت عندها كأنها تمنع ضحكة، لتقول بلمعة تسلية في عيونها سحرته: "طيب سويها وشوفني بدون ما أنا ولا خالي شاهين ندري.."
ضيق جلال عيونه: "كأنك تتحديني.."
لترد بإصرار خالطه الخجل: "اللي تشوفه."
قطع عليهما رجوع خالته منال ليعود كل منهما إلى ما كان يفعل.. ظاهريا، على الأقل..
لم يستطع جلال منع نفسه من الابتسام كأبله، لا يلقي بالا لنظرات خالته المستغربة منه..
صحيح، لم ير منها شيئا، لكن تلك المحادثة القصيرة كانت كفيلة بإشعال ولعه.
كم كانت ممتعة هذه الصغيرة.
انتهى البارت..~
|