كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
سعدي في التوقعات اللي أصبتي في جزء منها يا بلومي (فيس يغمز) ومشكورة حبيبتي أبها، يفرحني انضمامك لي :)
الثالثة
=
=
=
سحبه صوتها الرخيم من رحلته في أعماق ذكرياته: "تفكر فيها؟"
لم يجبها راضي، فاستطردت تسأل كأنها تكلم نفسها: "ليه طلقتها لما طلبت منك؟"
ويجعلها كالمعلقة؟ لا يرضاها على منال. أبدا لا يرضاها.
قال بدوره: "اللي يسمعك بيقول تغارين.."
ابتسمت تلك الابتسامة الباردة التي يكره، التي دائما ما أشعرته كأنه جزء من عرض يسليها: "وليه أغار على شي ما كان لي نصيب فيه يا أبو كادي؟"
=
=
=
صدت هيفاء النظر عنها عندما رأتها: "أفا بس أفا! كذا أخرة العشرة يا هيوف؟"
تكلمت هيفاء ببرود، تختار النظر في كتاب تعرف لمار أنها لا تقرأه هذه اللحظة: "والله إنتي اللي سويتي سالفة وزعلتي وأنا أدورلك الخير. عسى استانستي بحفلة شذى بس؟"
ابتسمت لمار: "من ناحية إني استانست، فأنا استانست وبقوة، بس حفلة شذى علمي علمك عنها."
عندها فقط التفتت هيفاء إليها: "وش قصدك؟"
هزت لمار كتفا: "ما رحت."
عقدت هيفاء حاجبيها باستغراب: "ليه؟ كنتي مصممة تروحين والعناد راكب براسك.."
أخبرتها بكل ما جرى بالأمس، لترد هيفاء بعد تفكير: "تصدقين زوجة أبوك ذي المرة سوت خير.."
قاطع كلامهم رؤية شذى تنظر إليهما من بعيد، أو بالأحرى تنظر إلى لمار. كانت نظرتها مختلفة تماما عن تلك الودودة التي تلقتها منها عندما أعطتها الدعوة: "وراها تناظر لي كأني أعطيتها امتحان لغة هيروغليفية لازم تشتغل عليه في خمس دقايق؟"
هزت هيفاء رأسها بقلة حيلة: "عمري ما راح أفهم مصطلحاتك ذي.."
انطلق صوت زميلة لهم في الكلية رباب: "يمكن ست الحسن زعلانة لأن اللي فموالها ما صار.. إحمدي ربك ما رحتي الحفلة يا لمار. أنا مثلك اندعيت وما رحت، واللي سمعته عن اللي صار خلاني أحمد ربي إني بقيت." استطردت بسخرية: "شكلها قررت تنهيها على أكبر بلاوي يمكن تلاقيها وتبلي بنات الناس فيها بما أن تخرجها الشهر هذا، بس ربي ستر وما طاح فيها إلا هي."
أخذت رباب تتحدث عن كل ما سمعته عن حفلة الأمس، لتتسع الأعين بصدمة من هول ما سُمع.
=
=
=
دق قلب أسيل طبولا عندما رأت منال تجيب عن هاتفها، تنطق محيية باسم ذاك الذي احتل أفكارها، تودع أمها بقول أن أخاها في عجلة من أمره، واعدة لها بزيارة قريبة.
أيعقل أن يُحدث ذكر اسمه فيها كل هذا الاضطراب؟ أيعقل أن تعود مراهقة لذكرى محياه؟
قد كان شاهين أول من دق قلبها له، تراقبه كصبية ينتظر أخته ليوصلها حتى لو مشيا، تستمع لحكايا أخته المحبة عنه، تشهد نضوجه من فتى مغتر إلى رجل ذا هيبة وجاذبية طاغية تدير رؤوس النساء نحوه.
كم كانت خيبتها أليمة لمعرفة اختياره أخرى كزوجة، إلى درجة دفعتها بالقبول بأول من طرق بابها خاطبا بعد أن كانت ترفض، تنتظره لتقبل به. لا تذكر أن طلاقها قبل سنتين من هذا اليوم أحدث فيها نفس الخيبة. وكم بلغت من السعادة حد الهذيان لسماع خبر طلاقه بعد ذلك بقليل.
لكن، إلى متى ستنتظر؟
=
=
=
قال الخال سامر بعد السلام الذي أعلن حضوره إلى المقهى الذي أصبح محل اجتماعهما، يجلس في الكرسي المقابل له: "تأخرت عليك يا ولدي؟"
هتف الوليد: "لا أبد، توني وصلت. طمني عن أخبارك، من زمان عنك والله."
ابتسم الخال سامر بمودة ضاحكة: "أجل شوف لسفرياتك اللي ما تنتهي حل. ما صارت شغلة هذي اللي ما تخليك تقعد في البلد شهر حتى!"
ضحك الوليد عندها، فكما يرى ما زال تشكي الخال سامر من مهنته لم يتغير حتى بعد أن مرت سنة من تعرفهما على بعض.
يحمد الله على إعطائه هذه الفرصة في معرفة الخال سامر، ليكون له نعم مواسي له بعد فقده لأمه ومؤنسا للوحدة التي شعر بها بعد ذهاب ضياءها من حياته، فأبوه توفي قبل أمه بشهور وكان مقطوعا من الشجرة وأمه لا يُسأل عنها. فقط تبقت لها صلتها بالخال سامر، ابن جارتها القديمة وأخوها من الرضاعة، لتدل الوليد عليه عندما أحست بقرب أجلها.
(منذ الصغر، عرف أن أباه قد أجبر أمه على الزواج به، مغريا أبيها الطماع على الرغم من ُيسر حاله المادي بثروته الهائلة. لكن بعد زواجه من أمه، انخرط أبوه بسلسلة من القرارات أودت بفقدانه لثروته التي كان يفتخر ويتجبر بها، لينقلب ويبدأ في استنزاف كل فلس لدى أمه وإهداره بلا نفع.
منذ الصغر، كان الوليد شاهدا لتطاول أبيه على أمه بالكلام، وأحيانا باليد، يعايرها بسوء حاله بعد ارتباطه بها، بعائلتها التي باعتها مقابل أمواله، متناسيا أنه هو من سعى إلى الزواج بها، يسوقها مجبرة مهانة في ليلة يجدر بها أن تكون الأسعد.
موته حررها من قيد أصبح جزءا منها لسنين.
منذ الصغر، قطع الوليد على نفسه عهدا بألا يتزوج إلا بمن كانت راضية تمام الرضا بالارتباط به، بألا يجبر إحداهن على البقاء معه حتى وإن بلغ فيه حبها الشيء العظيم).
أعلمه الخال سامر عندما التقاه بنصيب أمه من ورث عائلتها الذي أنكرت وجوده لزوجها، ذاك الذي أودعته عند الخال سامر طالبة منه الاستثمار به، لعل وعسى سيثمر بشيء سيعين ابنها بعد رحيلها من الدنيا.
لم يتوقع الوليد حصوله على مبلغ بالضخامة التي لاقاها، وكم طلب من الخال سامر إثباتا على أن ما كان يريد تسليمه إياه هو حقه صدقا. إلى أن اقتنع، واقتنع أكثر بطيب أصل الخال سامر وثبات إيمانه، فكم من سنة مرت على وصية أمه تلك وما زال حافظا لها بالصون.
يذكر تأثره البالغ وهو يقول بصوت أثقله العرفان: "مدري كيف برد جميلك.."
ليرد الخال سامر بابتسامة دافئة الود: "ما عليه يا ولدي، احنا صرنا أهل خلاص."
(احنا صرنا أهل..).
ما أروع تلك الكلمات.
=
=
=
رمش جلال بعدم استيعاب لرؤية خاله شاهين موجودا في بيت جده في هذا العصر، إلى أن التفت له وسأله بحاجب مرفوع: "مضيع شي في وجهي؟"
هز جلال رأسه بـلا: "وأنا أقول البيت منور بزيادة ليه، أثاري أبو جلال مقرر ياخذ له إجازة اليوم!"
ابتسم له خاله بسخرية: "لساتك مصر على أحلام إني بسمي ولدي عليك أشوف.."
ليرد جلال بثقة: "مو أحلام، حقيقة. أبو نادر ذا اللي يعرفوك الناس فيه ما بيصير واسمي موجود ومتوفر. خلي بس تجي مدموزيل المستقبل وبتدرك الحق."
اكفهرت ملامح خاله بشيء من الضيق، ليكمل: "بصراحة تعبت من كثر ما أصد بنات الناس وأقول استنى خالي يتزوج ويجيب لي حرمي المصون."
كان هذا كفيلا بجعل ضحكة تفلت من خاله: "بايعها بنتي عشان أرميها عليك..؟" استطرد، ينظر له بمعنى: "أخبارك توصلني بالتفصيل من فادي.."
في خضم دفاعه عن نفسه، أدرك جلال أن خاله قد غير الموضوع.
=
=
=
قد يبدو عبد الرحمن للوهلة الأولى أنه "ولد عز" بكل ما في الكلمة من معنى، وربما كان كذلك، ولكنه أيضا كان متواضعا بشكل عجيب.
كانت صحبته مغايرة لما عهده سالم، لكنها لم تكن أبدا بالمزعجة أو الغير مرحبة.
لفت نظر عبد الرحمن الصحيفة المطوية على جهة سالم من الطاولة، ليجيب على تساؤله الصامت: "أدور لي وظيفة يا شيخ، شي يجيب الهم!" زفر بضيق، يبدأ بالحكي عن مأساته اليومية: "تخيل يكون عندك كل المؤهلات الكافية، بس نقطة إن ما عندك سيارة تخليك تنرفض. طيب يا عالم السيارة يبغالها فلوس، والفلوس يبغالها وظيفة، والوظيفة على قولتهم يبغالها سيارة.. حشى صارت دورة الماء في الطبيعة على غفلة!"
بدا على وجه عبد الرحمن التفكير العميق، أمر استغربه، فقد توقع الضحك أو التعاطف الساخر من تشكيه، ليقول ويفاجئه: "معك سيرتك الذاتية اللحين؟"
باستغراب هز سالم رأسه بنعم، يلتفت للملف الذي يحتوي سيرته الذاتية بكل تفصيل.
توقف عبد الرحمن مرة ليتمتم "ما شاء الله" بإعجاب، ربما على مؤهل الماجيستير الذي أخذه في تخصصه، المحاسبة. وخبرته في عمله في شركة مرموقة سابقا.
أخرج من جيبه بطاقة ليعطيها له وهو يسأل: "تعرف بنوك الجبر؟"
مرة أخرى هز سالم رأسه بنعم: "مين ما يعرفها؟"
-: "روح للفرع الرئيسي وأنشد عن شاهين. قل له جاي من طرف عبد الرحمن وعطيه ذي البطاقة وبيفهم السالفة."
اعترض سالم عندها: "ما اشتكيت لأني أبغاك تدلني على وظيفة!"
ابتسم له عبد الرحمن: "أدري. هذا رد جميل لأنك دليتني على المشكل."
لم يكن بوسع سالم إلا أن يضحك. أحيانا، فقط أحيانا، وجد عبد الرحمن غريب الأطوار: "مصطلح رد الجميل عندك اكسترا يا دحيم!"
في طريق عودته ظل يقلب البطاقة بين أصابع يده تارة، ويحدق بها إلى أن حفظ كل تفصيل فيها تارة أخرى.
لم لا يجرب؟ ليس خاسرا شيئا بأية حال.
=
=
=
هتفت هدى بفرح وهي تمشي جانبها في فناء المدرسة كالمعلمة المناوبة اليوم: "ما أصدق للحين إنك وافقتي على أخوي! أحس إني فحلم والواقع إنك لسى بتنشفي ريقنا بسكوتك."
قالت كادي بعد تحية طالبة مارة لها، شيء من الاحراج يتسلل إلى صوتها: "ما تعلي صوتك أكثر وتعلمي المدرسة بكبرها.."
ضحكت هدى غير مبالية بالنظرات الفضولية التي تلقتها: " وأنا شعلي من الناس؟ أهم شي فرحتي بدخلتك لبيتنا. أشهد إن أمي كانت فرحانة أكثر من العريس نفسه!"
لا تنكر، سبب كبير لموافقتها الزواج بأخ هدى، عبد العزيز، كان بسبب أهله وحبها لهم.
قبل أن ترد رأت طالبة تركض هاربة من أخرى تلاحقها، غير منتبهة للمسمار الصدئ الكبير الناتئ من أحد عواميد المنصة الخشبية المتهالكة. كم من مرة اشتكت كادي للإدارة عن وضع المنصة، لكن شكاويها لم تُسمع.
لم تحس بجسدها يتحرك ولا بأخذها الضربة بدلا من الطالبة، لم تحس حتى بالألم عندما اخترق المسمار ذراعها، إلا عندما سألتها هدى بجزع إذا كانت بخير.
=
=
=
استوقف عبد العزيز همس امرأة منزعج لحوح وصوتها الذي وجده أكثر من مألوف. اقترب منها يسأل بتشكيك: "هدى؟"
حتى مع عباءتها ونقابها، وضح عليها تنفس الصعداء: "جيت الله جابك! مدري وش فيهم الدكاترة هنا ما يعطوك وجه!"
سحبها له وراءها بهذه اللهفة أقلقه: "صار لأمي شي؟ أبوي؟ غازي..؟"
هزت رأسها: "لا، لا.. ولا واحد من ذول..!"
دلته على أحد الأسرة في القسم حيث كانت تجلس امرأة تمسك بذراعها وبادي من انحنائها في الجلوس الألم.
سأل: "وش صار؟"
أجابته هدى بدلا عن المرأة: "حادثة في المدرسة، قطعها مسمار كبير ومتصدي.." خاطبت المرأة بأمر: "وريه جرحك.."
لم تفعل، بل بدا كأنها تصم أذنيها عن أمر هدى. تشيح بالنظر بعيدا عنه ومتحاملة للألم: "قلتلك جيبي لي دكتورة.."
رد ببرود وآلية: "للأسف ما في دكتورة مناوبة ذي اللحظة. يمكن تنتظرين لك ساعة أو شي بس ما أنصحك، لأن كل دقيقة تتأخري فيها احتمال يسوء وضعك أكثر."
سمعها تهمس بغيظ بدورها: "امحق دكتور.."
تأففت هدى بسأم: "يلا كادي بلا حيا ماصخ!"
استوقفه الاسم، لكنه لم يكمل خيط أفكاره ذاك بسبب همس تلك الـ"كادي" بسخط: "قوليله يدور.."
خرج خارج محيط الستارة العازلة دون انتظار هدى لتنقل أوامرها، ليعود عندما سُمح له ويرى حرص زميلة هدى البالغ على عدم إظهار إلا المنطقة المصابة من ذراعها.
في سره، لم يستطع إلا الإعجاب بحيائها هذا.
توجه بمهنية ليرى تلك الذراع، ليجد أن الجرح لم يكن بالسيء، لكنه كان بإمكانه التسبب بشيء خطير، خصوصا عندما كان المسمار الذي سببه صدئ.
وبعدما أنهى عمله من تنظيف وتخدير وتخييط، وصف لها مضادات حيوية ومسكنات آلام، وأوصاها بمراجعته بعد أيام.
لم يدرك لحاق هدى به بعد مشيه مبتعدا إلا بعدما هتفت تناديه: "خير؟ ما بتروحين معاها؟"
ردت أخته بنفي: "أبوها أصر يجي يوديها للبيت." تنهدت بأسى: "امحق طريقة تتقابلون فيها.."
عقد حاجبيه بعدم فهم: "وش قاعدة تتكلمين عنه؟"
أجابته: "اللي عالجتها تو.."
أخذ لحظة ليتفقد ملفا لمريض: "مريضة وجت، وش لي فيها..؟"
الضحكة بدت في صوت أخته: "في ذي غلطان يا عزوز. المريضة على قولتك لك كل شي فيها، مو هي راح تكون حرمك المصون؟"
لو كان بوضع آخر، كان لينهر أخته عن منادته بذاك اللقب، لكنه هذه اللحظة لم يستطع سوى نطق "إيش؟" وهو يتوجه بنظره إلى ظهر من تبين أنها خطيبته المبتعد برفقة والدها.
انتهى البارت..~
|