كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
السلام عليكم يا حلوين. أدري متأخرة عليكم وقصر البارت ذا أبد ما يشفع لي، وش أسوي لكن انشغلت مع ميكروبات وأدوات مختبر وخرابيط وامتحانات مالها نهاية، بس إن شاء الله بعد أسبوع بتتحسن أوضاعي..
وبالنسبة للي سألوا، إيه دراستي برى. اداوم وقت ما الناس يعطلون وأعطل وقت ما الناس يداومون. حالة وربي ضايعة دوم عن الخط
الواحدة والعشرون
=
=
=
مضى يومان وهو يعيش مع منتهى في جناحه كشركاء سكن، كل في همه وشؤونه. لكن على ما يبدو، فإن منتهى اتخذت من مفاجأته نهجا: "أم عبد الرحمن عزمتني عند دارها."
منذ نطقها باسم أم عبد الرحمن وشاهين تفترسه التوجسات: "ومن متى المعرفة؟"
أكملت تلك كأنها لا تلاحظ نبرته: "زارت البيت وقابلتها وعزمتني، تقول تبغى تتعرف علي.."
ابتسم شاهين بسخرية. أهذه الطريقة التي ستتبعها الآن؟ من الجيد أنه لم يتخلى عن حذره وتحفظه، فعلى الأقل عندها سيخرج بأقل الخسائر.
لكن عليه القول.. هناك شيء استغربه، فعادة ما دبرت أم عبد الرحمن خططها بحرص على ألا يعلم بها إلا بعد فوات الأوان، كاجتماعاتها مع زوجته السابقة. لم غيرت أسلوبها وسمحت له أن يعلم منذ البداية مع منتهى؟: "وليه تعطيني خبر؟"
رفعت منتهى حاجبا: "استأذن، ولا تبغاني أروح بدون علمك؟"
أليس هذا ما كان يتحمله سابقا؟
الحق يُقال، أعجبه تصرفها هذا، حتى لو لم يعجبه في أي محل كانت تستخدمه. لكنه لن يظهر ريبته، وسيُبقي عينا عليها للاحتياط.
=
=
=
منذ معرفتها بخبر زواج خالها وهي تشرد في فكرها ويبدو الضيق المشجون واضحا على ملامحها، ضيق حاولت إخفاءه عنه والتصرف كأن كل شيء كان طبيعيا، لكن عبد العزيز لاحظ استياءها من اليوم الأول، ولن تخدعه طمأنتها الكاذبة له.
اتصل بها يتأكد قبل تنفيذ مخططه، فعلى حسب علمه اليوم لم يكن لديها سوى حصة واحدة تدرسها وقد فات وقتها منذ زمن: "إنتي فاضية؟"
أجابته بتنهيدة ضجر: "إيه، ما وراي إلا أقعد الحصة السابعة فراغ."
بسبب دوامه، فإن الفرصة لا تسمح له بإيصال كادي من المدرسة، ولهذا فهي تذهب مع أخته وتبقى في بيت أهله تارة وأهلها تارة أخرى إذا كان عنده مناوبة ليلية ذلك اليوم.
لكن لحسن حظه اليوم كان متفرغا، وظهرت بهجته في صوته عندما رد عليها: "أجل اطلعي، أنا قاعد انتظرك برى." أردف، يقاطعها قبل أن تعترض، فهذه الفترة القصيرة التي عاشها معها جعلته يعرف طبع زوجته النظامي جدا: "دبري لك صرفة من هنا وهناك، أهم شي أشوفك قدامي اللحين لأني عازمك على مطعم من اللي تحبيه."
وحقا، مضت دقائق قصيرة قبل أن يراها خارجة تمشي على استحياء. ابتسم يرحب بها، فهو لم يرها منذ عصر يوم أمس: "نورتي المحظوظة. مسرع ما طلعتي، وأنا على بالي بتحنط هنا لين المغرب..!"
(كم من مرة أعربت كادي عن عجبها من تسميته سيارته باسم كالمحظوظة، ليرد بأنه اسم ساخر من حال سيارته العجيب الغريب. ما زال يبحث عن دليل يثبت صحة ظنونه أن سيارته أصابتها عين ما).
ضحكت بخفة قبل أن تقول: "طلعت لكن بعد إيش؟ كل العيون كانت علي، مو مصدقين إني بطلع بدري. انشويت فمكاني لما شفت زميلاتي يغمزون لبعض..!"
هز كتفا بلا مبالاة: "خليهم يغمزون لين ما تطلع عيونهم، وش عليك؟ لازم تطلعي وتروحي عن نفسك. تستحملي الطفش ليش؟" تنهد يبتسم لذكريات الماضي التي داهمته على حين غرة: "أذكر أيام زمان لما كنت طالب، ما كنت أقعد فحصة معلم أطفش منه وألقالي مهرب حتى لو فتحة نملة!"
سمع السخرية التامة في صوتها وهي تقول: "ما شاء الله.."
لم يهتم واسترسل في الحديث: "عاد معلمين الإنجليزي خلقة ما كنت أداني حصصهم ودوم كنت أشرد منها. ملل على ملل على ملل!"
سألت بمعنى يعرف أنها كانت تبتسم من خلاله: "ومعلمات الإنجليزي، وش رأيك فيهم..؟"
ألقى إليها نظرة ثم قال بمكر: "لا، معلمات الإنجليزي صنف خاص. إن شاء الله لو يشرحون الحروف الأبجدية بالساعات بقعد وأطالب بشرح مفصل ومنفرد."
عندها انطلقت زوجته بالضحك، وقالت عندما هدأت ضحكاتها الرقيقة، تشد يدها على عضده كأنها تعرف هدفه من نزهتهم هذه: "مشكور عبد العزبز، ربي لا يحرمني منك.."
بصدق، لم تكن بتلك الكلمات التي يحلم أن تنطقها، لكن الدفء في صوتها أسعده.
=
=
=
كانت القصة التي أُعطيت لجد شادية أبو محمد عن خطبته لها وعيشه في البيت كالتالي: هو كان يبني بيتا في الرياض، ولا يدري متى سينتهي من بنائه. وإلى ذلك اللحين، فإن شادية ستبقى في بيت أبو محمد.
كالمتوقع، كان انطباع أبو محمد عن عبد الرحمن بسبب تلك القصة أنه كاذب اتكالي ويريد الاعتماد على الحلال الذي سيكون من نصيب شادية عند وفاته. بل قد قال له مرة عندما تركهما سالم بانفراد للحظة بصراحة المسنين: "لو علي ما وافقت عليك، بس شادية راضية تتزوجك وسالم مدري وش عاجبه فيك.." وعلى الرغم من هيئته المرهقة بسبب السن وأمراض العمر، كان توعده صلبا حادا: "لو ضريتهم بتشوف حسابك معي، فاهم يا ولد؟"
من السهل الدفاع عن نفسه والنطق بالحقيقة ليغير موقف أبو محمد منه، لكنه لن يفعل وسيتعمد الظهور بمظهر الاتكالي الكاذب. من لقاء واحد عرف عبد الرحمن كبرياء الرجل المناقض لضعف جسده. لن يرضى أبدا بما فعلته حفيدته من أجله، بل سيجبرها على الذهاب مع عبد الرحمن خارج القرية والمضي في حياتها.
لذا، أجاب عبد الرحمن بابتسامة مجاملة: "فاهم يا أبو محمد. إن شاء الله بكون عند حسن ظنك.."
=
=
=
رافق جلال أخاه سيف في زيارته لبيت جده، فقد مضت فترة منذ اجتماعه به. من لحظة إعلانه نيته بالزواج وأبوه يشدد عليه المهام، يطالبه بأداء فوق أدائه المعتاد، يرمي عليه بأثقل الصفقات كنوع غريب من التجهيز لتأسيس أسرة وتولي مسؤوليتها، حتى انشغل عن الزيارات وروتينه المعهود.
قضى وقتا يتسامر فيه مع جده ومن ثم خاله الذي عاتبه جلال في عدم كونه الأول في إخباره بخبر زواجه.
(رغم تحفظه بمن اختارها، هو يثق في خاله شاهين، ولا يظن أنه تزوج زوجته الجديدة عبثا. لابد وأن كان له سبب).
كان يمشي جانب خاله خارجا من المطبخ عندما مرا أمام مجلس النساء واستوقفته ضحكة طُبعت في عقله خلف الباب المغلق. على الفور تشكلت في ذهنه خطة وقال لخاله: "روح اسبقني ودور سيف، نسيت جوالي في المطبخ.."
وذهب دون أن ينتظر ويسمع رد خاله، راجعا إلى ذاك الباب الذي سمع منه صوتها. مد يده ثم تردد قبل أن يفتح الباب، لكنه تذكر أن خاله أخبره أن زوجته كانت تزور أم عبد الرحمن ولم تكن موجودة في البيت الرئيسي هذه اللحظة.
فتح فرجة صغيرة، يبحث بعيونه إلى أن رأى ما كان يبحث عنه، صاحبة ذاك الصوت الذي أشعل فضوله. كانت تعطيه ظهرها، لا يرى منها سوى شعرها القصير البندقي، قميصها الواسع الوردي الذي أظهر دون قصد أعلى أحد كتفيها بسبب كثرة حركتها، ليشد نظره بياض بشرتها وصفاءها.
كانت تضحك بشماتة بسبب شيء ما، تقول بانتصار لسيف الجالس جانبها: "مو أنا قلتلك بفوز وأرجع أكمل اللفة عليك؟"
"كملي معروفك ذاك ولفي إنتي.. لفي خليني أشوف وجهك..!"
وحقا، كانت أمنيته على وشك أن تتحقق عندما صدر صوت من الباب وبدأت لمار تلتفت جهته..
-: "وش قاعد تسويه هنا؟"
قفز جلال فزعا، ليرى خاله يقف وراءه.
برر له: "كنت رايح المطبخ."
ليرد خاله بعجب مسرحي: "غريبة.. من صغرك وإنت تلفلف في البيت ذا ولساتك ما حفظت وين المطبخ فيه؟"
ضحك بزيف: "شفت كيف؟"
أومأ له خاله بتفهم حان.. قبل أن يفتح باب المجلس ويدخله، مغلقا الباب في وجه جلال وهو لم ير شيئا!
كان بعد عدة لحظات أن خرج خاله برفقة سيف، ليسأله بفضول: "وراه الأخ مولع؟"
أفرغ جلال قهره وإحباطه و (غيرته؟) عليه: "لا عاد أشوفك تلعب مع لمار فاهم؟"
استنكر سيف الأمر، يتجرأ على السؤال بجزع: "وليه؟!"
رد جلال بـ"نذالة": "كيفي، مرتي."
ليأتي صوت خاله الساخر من ورائهما: "تطورات والله، أمس مستغني إنك تشوفها، واليوم مرتك.."
"لا تذكرني في المواجع!"
كم كره تسرع لسانه هذه اللحظة. لو أبقى فمه مغلقا كان ليرتاح بدل أن يزداد فضولا ولهفة.. وولعا دون شفاء! لا يدري أي سحر مارسته تلك، لكنها أصبحت فكرة تراوده باستمرار هذه الأيام. صدق من قال أن كل ممنوع مرغوب: "اعتقني يا خال.."
تجاهله خاله تماما، يهتف بصرامة: "بلا كلام فاضي وامشوا قدامي عالمسجد يلا.."
=
=
=
قد أصبحت عادة للوليد، شراء قطع أثارت اهتمامه في سفرياته، يجمع خليطا من الثقافات، دليل على حطه قدمه في أحد البلاد.
لكن، أصبح لديه غرض آخر يشتري التذكارات من أجله..
هذه المرة لفت نظره سوار لؤلؤي فريد المظهر، بألوان فاتحة تدرجت ما بين النحاسي والذهبي والفضي، وفي مركزها قطعة دائرية ذهبية.
ذهب فكره لتلك التي ارتبط بها، وقصر المدة التي بقيت من العرس.
تساءل وهو ينظر إلى السوار مرة أخرى، هل سيلقى إعجابها يا ترى؟
=
=
=
كان استنقاصا صريحا، وصف المكان الذي تعيش فيه أم عبد الرحمن بمجرد "ملحق". وجدت الفخامة أين ما حطت عيناها، تخبرها عن مكانة أم عبد الرحمن الرفيعة في كنف عائلة الجبر.
كانت أم عبد الرحمن آية في الجمال، وما زادها عمرها إلا جمالا عريقا. من يراها وابتسامتها السمحة الساحرة لا يفكر للحظة في الاستغراب أو الاشتباه بها..
لكن.. من قال أن منتهى تتبع سير معظم الناس في أفكارهم؟
وجدتها منتهى غريبة من اللحظة التي تقدمت تظهر ترحيبها الحار بها، مغايرة في تصرفها عن تصرف باقي أفراد العائلة المتحفظ. لا تذكر أنها التقت بها، ولا تذكر فعلها شيئا يسترعي كل ذلك الترحيب، بل العكس..
قالت أم عبد الرحمن بابتسامة بعد تبادل السلام وسؤال الأحوال: "أدري، مستغربة إني مرحبة فيك كل ذا الترحيب، صح؟"
نبيهة ذكية، هذه المرأة..: "إيه.."
أكملت وابتسامتها تتسع: "لما شفتك وعرفت عن حالك، تذكرت نفسي.. وضعك هذا يذكرني بوضعي زمان."
أمالت منتهى رأسها بفضول، تستنطق الأخرى بصمت، لتكمل: "أبو عبد الرحمن الله يرحمه تزوجني بدون شور أهله، وواجه أبوه نادر عشاني." لطخ غضب قديم ملامحها السمحة عندها: "طرده أبوه من البيت، وحرمه من حقه اللين ما يعقل ويتركني ويتزوج بنت صديقه. عشنا أنا وهو في حال ما يسر العدو، ومات أبو عبد الرحمن بغبنته وأنا حامل بولدي."
ابتسمت بمرارة، تنهي حكايتها: "ما تعدل وضعي إلا لما مات نادر الجبر وتولى ولده عبد المحسن أمور العايلة وأعطانا أنا وولدي حق أبو عبد الرحمن كله، بس بعد إيش؟ ما وقف مع أخوه يوم كان ينفع صوته.."
شدت يدها على يد منتهى، بشيء يمكن أن يُقال عنه حنان أمومي: "يمكن حالك أحسن مني بزود، بس هذا مو معناته إني ما بكون بجنبك لما تحتاجيني. أعرف شعور إنك تكوني الدخيلة فذي العايلة. لا تحاتي، بكون معك طول المشوار."
ردت عليها منتهى بسكون: "مشكورة.."
عليها الاعتراف، أبهرتها.
للحظة، كادت تصدقها.
انتهى البارت..~
|