كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
إدعو لي أعدي الترم بالسلامة حبايبي ومشكورين مشكورين مشكوريييين على تفاعلكم المثلج للصدور *فيس بقلوب*
العشرون
=
=
=
منذ نطقه بالموافقة على الزواج بأرملة راضي منتهى، فكر شاهين في كل السبل التي سيتبعها والصلات التي سيستخدمها في الاستقصاء عنها، طبع خاص فيه مع كل شخص جديد أصبح له صلة به أو بعائلته. وحصل بعد فترة انتظار على بضعة نتائج..
منها أن زوجته الجديدة كانت من عائلة متوسطة الحال لكن عريقة النسب. أشهر فرد فيها، جدها الشاعر خالد، كان له أربع أبناء وثلاث بنات من زوجته الأولى، وابن واحد من أحد زيجاته في الخارج، وابنه ذاك كان والد منتهى الذي توفي في عز شبابه. لم يعثر على شيء عن والدتها سوى أنها لم تكن من البلاد، وأن والدها أحضر ابنته معه بعد شهور من ولادتها لوحده.
كانت المعلومة التي استوقفت شاهين بحق أن زواج منتهى براضي لم يكن الأول لها، فقبله تزوجت نواف المرزوق، رجل أعمال ثري، وتطلقت منه بعد ثلاث سنوات.
(وتزداد الحبكة تشابكا..)
كل معلومة اكتشفها صنعت بدلها سؤالا. لم كان راضي مقتنعا أن لا أحد بقي لزوجته لدرجة الوصاية بها إذا كان لها أقارب أحياء من جهة أبيها؟ ما سبب طلاقها من نواف؟ وإذا كانت نموذجا لإمرأة تسعى وراء المال كما أشاع عنها أناس، لم وافقت على الزواج براضي على الرغم من أنه كان أكبر منها سنا بكثير وأقل نفوذا وجاها من طليقها؟
اعترف شاهين أن هذه كانت المرة الأولى التي أثار فيها شخص اهتمامه قبل رؤيته حتى.
=
=
=
كان اليوم الذي أوصل شاهين منتهى لبيت أبيه يوما حافلا بالعمل كسائر أيامه، يتجاهل اتصالات العمل المستمرة للحظات ليلتفت لأموره الشخصية.
وبالحديث عنها، فإن انطباعه الأول عنها كان أنها غريبة. صحيح أنه سمع عن هدوئها وغرابة تصرفاتها أحيانا من ابنتي أخته، لكنه لم يتوقع أن يستغرب منها من اللقاء الأول.
لم تنطق بكلمة، ولم تسأله شيئا. لم تستفسر حتى عن مكان عيشها الجديد. فقط خرجت له، تجر خلفها حقيبة واحدة صغيرة، ليأخذها منها ويضعها في صندوق سيارته، مستغرب في سره من خفة وزنها. لا يعقل أن تحتوي حقيبتها تلك على كل ممتلكاتها.. صحيح؟
وحتى بعد أن وصل بها إلى جناحه، لم ير منها شيء سوى عيونها الغريبة، لا يستطيع حتى وصف لونها بالضبط. قال لها، لعلها تحتاج تذكيرا بأنها أصبحت زوجته، ولا تحتاج إلى الاستتار عنه: "خذي راحتك، ما برجع إلا متأخر.."
تساءل وهو يخرج، يجيب اتصالا من سيكرتير أبيه، هل كان صمتها هذا إشارة لخنوع مطلق، أم عدم مبالاة؟
كان الوقت متأخرا عندما رجع إلى جناحه، ليرى زوجته تلك قد خلعت عباءتها أخيرا، واتخذت مكانا على أحد أرائك ركن جلوس جناحه، تلك التي اشتراها خصيصا لقابليتها للتمدد كسرير، تلك التي جلبها من الشقة التي كان يسكن فيها قبيل رجاء منال له العودة إلى بيت أبيه. كانت تقرأ في كتاب ما وهي مستلقية تغطيها ملاءة ثقيلة.
إذا هذا كان نهجها الذي تريد السير عليه..
لم يستطع شاهين أن يبدي الكثير من الاعتراض، فهو أيضا لم يكن في خاطره الزواج ولا الخوض في روتينه، ليس وتجربته السابقة صنعت عقدا من التحفظات حيال الأمر كله.
وكان سيكمل خطاه إلى غرفة نومه، يتجاهلها كما تجاهلته، يرد بادرتها، لكنه لسبب ما ظل واقفا مكانه، وحياها يعلن حضوره: "السلام عليكم."
اعتدلت تجلس بهدوء، تنقل ناظرها من الكتاب إليه، ترد: "وعليكم السلام أبو نادر.. محتاج شي؟"
اكتشف شاهين لحظتها أمرا: بشعرها البني الداكن الذي انسدل بحريرية محيطا وجهها في مساره إلى أن وصل حد كتفيها.. بتلك السمرة البدوية الذهبية، تضفي ألقا فريدا لملامحها.. بعيونها النجلاء ذات اللون الغريب.. كان جمال هذه المرأة التي تجلس أمامه شرس الفتنة، لاذع الجاذبية.
لكن.. مهما شدت نظره لها، فلن يسمح لنفسه بالإنسياق وراء انجذابه، ليس وثقته بالناس أصبحت مقتصرة على عدة قلة.
أجابها أخيرا، يكمل سيره إلى غرفة نومه: "مشكورة، مو محتاج شي.."
=
=
=
قد وعدت منال نفسها التحلي بالصلابة وعدم الانهيار قهرا لمرآى من كانت لها ضرة لتصبح زوجة أخ.
لم تتوقع رؤيتها بهذه السرعة، وعلى مائدة الافطار، تمشي جانب أخيها بهدوء. لم ترها قبل الآن، لكن لم تتوقعها جميلة فاتنة شابة، تجعل منها صورة شاحبة بالية مقارنة بها.
هذه التي بدلها راضي بها.. ولا عجب.
لم تتحمل أكثر ونسيت كل ما وعدت نفسها به، تضرب براحة يدها على الطاولة بزخم ثائر، ناهضة من مكانها. وجهت نظرة جمعت كل ما تشعر به من أسى وغضب وقهر وغيرة، غيرة نهشت قلبها، لتلك، لترد تلك نظرتها بأخرى حيادية.
وجهت نظرها باستهجان إلى أخيها. كيف يجرؤ.. كيف يجرؤ على استعراضها أمامها هكذا؟! بل كيف يجرؤ بالزواج من هذه وهو يعرف تمام المعرفة مدى الجرح الذي تسببت به في روحها؟!
لم تنتظر إجابة لأسئلتها الصامتة، وخرجت.
=
=
=
سأل أخته عندما تمكن أخيرا من محاصرتها في مجلس النساء، بعد ساعات من الافطار: "وإلى متى ناوية تتجنبيني يا منال؟"
ردت بسكون: "حتى تجنبك بتحرمني منه؟"
تنهد بحرقة من حال أخته: "منال.."
قاطعته بسؤال: "ليش تزوجتها؟ لا تقول إنك سويتها عشان تنتقم لي.."
أجابها وبصدق: "طبعا لا، تعرفين إني ماني بذاك الرجال."
سألته تستنطقه بشيء أشبه بالرجاء: "طيب قولي ليه، ليه تزوجتها..؟"
التزم الصمت، فمعرفة الحقيقة ستجرحها أكثر. كيف عساه القول أن طليقها قد أوصى أباه على زوجته، وهو كان ينفذ تلك الوصية؟
هزت منال رأسها بعدم تصديق: "نفسي أعرف وش اللي يخليكم ما تتكلمون عنها.. مين يدري، يمكن ساحرتكم، ولا وش يفسر إنك نزلتها معك تاكل معانا؟"
استنكر كلام أخته: "موب إنتي اللي يطلع منها مثل ذا الكلام." أردف يسألها: "يرضيك تحطين من قدرك قبل قدري زي ما سويتي اليوم؟"
لترد عليه بخفوت: "ما عاد يهم شي.." نظرت له ببرود: "وما دامنا عرفنا كلنا إن عادي عندك تتزوج والحمد لله، فما لك عذر بعد اليوم ترفض نطلب بنت صديقتي."
منذ أن طلق نسيم ومنال تحاول إقناعه بخطبة ابنة صديقة لها، تشيد على أنها ستنسيه أثر نسيم الصدئ في حياته، ودائما ما كان جوابه الرفض أو التحايل من الموضوع بأسره، فحتى لحظة طلب أبيه تنفيذ وصية راضي من أجله، كان أمر الزواج شيئا وضعه وراء ظهره متناسيا إياه: "وش جاب موضوع بنت صديقتك اللحين؟"
لتجيبه: "ما بيبرد خاطري عليك إلا لو تزوجتها.."
تركها تذهب عندها بصمت، لا يقدم لها الجواب الذي تريد، ولن يفعل.
يعرف ما تقصده، واحدة بواحدة، رد الصاع صاعين. ومهما بلغ عظم حبه لأخته، فلن يسمح لنفسه أن يصبح أداة انتقام لها. لن يسمح لأخته أن تصبح هكذا شخص، تقع في لوث الظلم بإرادتها وتدبيرها.
=
=
=
بدا الضيق والحزن واضحا جليا في ملامح أبو نادر عندما عاد إلى الجناح، خمنت ما سبب ضيقه ذاك، حتما كلم أخته، وعلى ما يبدو، فإن نتيجة مواجهتهما تلك لم تكن مرضية. تركته لشأنه ولفكره.
منذ اللحظات الأولى، خمنت منتهى أن زواجها هذا سيكون نسخة طبق الأصل عن زواجها بأبو كادي المرحوم. تغير الشريك والمحيط وبقي المضمون واحدا تأقلمت واعتادت عليه.
سمعته ينطق بشيء، وقطبت حاجبيها عندما أدركت أنه نطق باسمها. كرر: "منتهى.."
كم كان اسمها غريبا وهو يُنطق من قبل آخر. اعتادت الألقاب والكنى حتى أصبحت تنسى اسمها أحيانا: "نعم يا أبو نادر."
قال: "إذا تبين يجيبوا لك الأكل فوق قوليلي."
ردت والتفاجؤ يعتريها: "إن شاء الله.."
من بين كل الاحتمالات، لم تظن أنه سيتعب نفسه في معالجة الموضوع من جهتها هي، أن يبحث عن حل يريحها هي.
ربما..
ربما سيكون هناك شيء من الاختلاف في هذه النسخة..
=
=
=
-: "قاعدة.. تذاكرين؟"
رمشت لمار عدة مرات تستوعب سماع ذاك الصوت في بيت جدها، لترفع نظرها وترى زوجة أبيها تنظر إليها ولمحة عدم تصديق تمر في عيونها.
لحظة.. هل قالت زوجة أبيها؟ عذرا، رأت من أصبحت زوجة خالها في ليلة وضحاها.
حتى الآن، بدت الفكرة غريبة عجيبة، اجتماع هذين الاثنين في زواج..
ردت لمار بأريحية تلقائية معها، اكتسبتها من زيارات أسابيع وأيام: "لعلمك أنا شطورة حدي وبأكل في الكتب أكل، بس ما فيه أحد يشوفني ويقدر..!"
ابتسمت الأخرى بتسلية، تقول بمسايرة: "واضح.."
نقلت نظرها بعدها إلى محيطها، تتأمل في جمال حديقة البيت. سألتها وهي تعرف الجواب: "عجبتك الحديقة؟"
أومأت زوجة خالها بنعم: "روعة.."
هزت لمار رأسها موافقة فخورة بتأثير حديقة بيت جدها في النفوس: "اعتبرها بقعة مثالية بكل المقاييس. أبغى أذاكر؟ أروح الحديقة. أبغى أخوض في تأملات روحية ونفسية؟ أروح الحديقة. أبغى أدخل فجو رومانسي؟ أروح الحديقة. أبغى أجرب أتسلق شجر؟ أروح الحديقة..!"
ضيقت زوجة خالها عيونها بريبة: "عيدي آخر وحدة مرة ثانية.."
لم تفعل، مدركة زلتها، وأكملت: "يمكن ما يبين عليه، بس جدي رومانتيك حده. شاف إن جدتي تبي حديقة في بيتها وسوى لها ذي اللي تشوفينها. ومع إنها توفت لما ولدت خالي شاهين، لساته مهتم في الحديقة." كانت ستردف بشيء عن مثالية حب جدها عبد المحسن لجدتها الراحلة عزيزة عندما لمحت خالها يمشي متجها لهما، لتبتسم بعرض: "هلا وغلا!"
ولعجبها، فحالما لاحظت زوجة خالها حضوره، استأذنت بهدوء وانسحبت إلى الجناح.
مضت لحظة صمت بعد رحيلها قبل أن يقطعها خالها بقوله: "شايفة متقبلة سالفة زواجي بلا أي اعتراضات.."
هزت لمار كتفا: "كادي كفت ووفت.." لا تدري أي ردة فعل أخافتها أكثر، تلك لأمها أم تلك لكادي؟ أردفت، تشارك خالها بإدراك توصلت إليه من خلال زياراتها السرية: "تصدق يا خالي؟ يمكن مأخذة السالفة ببرود لأن عمري ما اعتبرتها كزوجة أب، ولا هي تصرفت كزوجة لأبوي. ما أذكر إني شفت أبوي يكلمها بنفس الحب والحنية اللي كان يكلم فيها أمي، ما أذكر إلا مرات قليلة شفته يكلمها كلمتين ورى بعض. أعرف أبوي، وتصرفاته ما دلت على إنه فضلها على أمي زي ما كادي وأمي يظنون."
استرسلت في كلامها، شاكرة لأذن خالها المصغية لها: "ما كانت تتدخل بيننا وبين أبوي، ما كانت تأمر ميشا ولا نور، ما كانت تخرج إلا لمشوار صيدلية.. ولما تدخلت في شي يتعلق فيني وحرضت أبوي علي لأول مرة وانمنعت أروح لحفلة بسبتها، اكتشفت في اليوم اللي بعده إنها كانت تداري مصلحتي.."
استرسلت في حديثها أكثر وأكثر وأكثر، لعلها ستستطيع حل خيوط أفكارها ومشاعرها المتشابكة.
تتفهم غضب أمها وكادي، وبنفس الوقت لا تستطيع الشعور بذاك الغضب، بل شيء أشبه بصورة مبهمة عن العكس.
=
=
=
فاجأه سؤالها عندما رفعت نظرها من أحد الكتب التي لابد وأحضرتها معها، فلا يذكر أنه رأى غلافه فيما يملكه: "ليه تزوجتني؟"
رفع شاهين حاجبا: "هذي شكوى؟"
أشارت له بـلا: "مجرد فضول أقارن وضعي الجديد مع تجاربي السابقة. ما أظنك باللي ينجبر على شي غصبا عنه.."
إذا على الرغم من غموضها وقلة كلامها، فإنه يمكنها المصارحة بكل أريحية مغيظة: "معك حق."
رأى لمعة عجب وفضول و.. (توجس؟) في عيونها قبل أن تقول بيقين: "يعني حصلت فائدة.."
ابتسم بسخرية: "يمكن.." رد بعدها بادرتها: "وإنتي؟"
سألت بدورها: "مهتم؟"
لم تفته محاولتها التحايل من الإجابة: "ما دامني جاوبت على سؤالك، أظن لي الحق أسألك شي بعد. ولا حلال عليك وحرام علي؟"
ردت بعد لحظة صمت سمح لها فيها أن تحضر لقول شيء تجيب به: "ما بقالي أحد أروح له بعد العدة. أهون لي أتزوجك بدل ما أقعد أدورلي شقة لحالي.."
جواب أبسط مما كان يتوقع، لكنه فتح له الكثير من أبواب السؤال. أهم هذه الأسئلة كان: هل كانت صادقة حتى؟ هل عنت ما قالت؟ هل ستكون إجابتها نفسها إذا واجهها بما يعرفه عنها؟
لكنه رجل صبور، ولديه كل الوقت ليستفسر ويسأل، ألم تكن زوجته؟
وبالحديث عن ذلك.. "ويا منتهى.. هذي آخر مرة تتكلمين فيها عن (تجارب سابقة) بدون ما أسألك عنها.."
كان دورها لترفع حاجبا بشك، ليعرف أنها على الأقل لم تكن مغترة بنفسها تظن أنه وقع أسير هواها من نظرة: "هذي غيرة؟"
ليرد بنفس نبرتها السابقة، بنقيض ردها السابق: "مجرد تذكير بالواقع. خلي بالك في حاضرك."
انتهى البارت..~
|