كاتب الموضوع :
الفيورا
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: الأرواح تحت الأقنعة بقلمي / الفيورا
ربي يوفقكم لما يحب ويرضى حبايبي، مشكورين على تفهمكم..
السابعة عشر
=
=
=
منذ إصلاحه لسيارته وأوضاعه في تحسن. قد كانت فترة متعبة تلك التي رافقت زواج عوض. بفقده الرجاء بوصل شادية، أخبره أنه لن يزعج نفسه بإيصاله. يذكر خيبته بعوض حينها. صدقا، لم يتوقعه رجل مصالح إلى درجة ترك النخوة والمؤازرة.
وكأنما استحضره بفكره، لقي سالم عوض حال خروجه من جامع القرية، يتقدم عبد الرحمن الذي استوقفه حاضرو الصلاة بفضولهم كما أصبحت العادة. كان عوض ينظر إليه باستهجان وريبة: "شايف صاحبك هنا كثير ذي الأيام، لا يكون ناوي يخطب بنت أخوك؟" ضحك ببرود عندها، يقول قبل أن يرد سالم بشيء: "قوله ينسى طاريها، حضرتها ما تقبل في الرجاجيل، والله أعلم عن السبب..!"
خبث معناه هذا أفقد سالم أعصابه، وعلى الفور قفز عليه يربحه ضربا، لا يتوقف حتى عندما فصل الرجال بينهما، يمنعونه عن الوصول إلى عوض المذعور من ردة فعله، حتى هرب وأفلت منه.
وكان في خضم توعداته وتهديداته أن خرج عبد الرحمن، باديا عليه التعجب من التجمع أمام الجامع والغضب على ملامح سالم. سأله بقلق: "وش صار؟"
لم يجبه وهو يبعد أيدي من يكبلونه بزجر، يخطو بخطى يقودها الغضب الثائر بعيدا عن تجمع الناس وإلى زاوية هادئة، لا يشعر حتى بعبد الرحمن يتبعه ثم يستوقفه، يشده ليلتفت إليه. سأله يتجاهل الجدية المرتسمة على ملامح الآخر: "ما كنت بترجع للرياض بعد الصلاة؟"
ليجيبه: "ما بروح وإنت بذا الحال. اللحين قلي.. وش صار معك قبل ما أطلع؟"
محال أن يكرر ما قاله ذلك الوضيع!: "ما صار شي يا دحيم، ارجع دارك.."
عقد عبد الرحمن ذراعيه بحزم: "والله لو اضطريت أمسي عند باب بيتكم بسويها. ما لي طلعة من هنا إلا لما تقول وش اللي قلب حالك."
تنهد بتعب، ما زال غير مصدق لما قاله عوض، من فكرة مصاحبته يوما شخصا تطاول على سمعة أهله: "واحد سوى سالفة على إن بنت أخوي رفضته وعصبت عليه."
قطب عبد الرحمن حاجبيه بشك: "وبس؟"
أومأ له سالم بنعم، ليسأله عبد الرحمن بشيء من الفضول: "وليه رفضته بنت أخوك؟ سمعت عن الرجال شي شين ولا..؟"
ابتسم بتهكم: "لا، بس الحمد لله رفضته قبل لا نعرف وجهه ذاك.." أردف، يخرج شيئا من الذي كان يتراكم في جوفه: "مشكلة اللي يطلبون بنت أخوي إنهم يخطبوها وهم عارفين شرطها، ولما يرفضوا يعملوا فيه وترفضهم هي، يزعلون.."
ليسأله ذلك السؤال المتوقع: "وشرطها ذاك؟"
أجابه: "إن زوجها يسكن معها في بيت أبوي." عندما رأى عبد الرحمن مستغربا، أكمل يفسر: "هي تحسب إنها مخبية سبب شرطها عني، بس ما يبغالها ذكاء عشان أعرف إن أبوي هو السبب. هو يحتاج لأحد يداريه، والمشكلة مو راضي أحد يساعده إلا بنت أخوي، ولا هو يرضى يعتب برى القرية، فعشان كذا هي شايلة همه، وما بيرضيها تروح تتزوج وتخليه.."
بقي عبد الرحمن صامتا للحظات قبل أن يقول: "وش رايك لو طلبت قربكم؟"
لم يستوعب سالم قاله: "وش قلت؟ أظني ما سمعتك زين.."
كرر بكلمات أخرى: "جايك طالب يد بنت أخوك، وأنا راضي بشرطها."
=
=
=
-: "لا عاد تعيد كلامك هذا يا دحيم وبخلي نفسي ما سمعته."
حسنا، لم يتوقع أن يكون سالم هو من يرفضه بدلا عن ابنة أخيه، فوريا بعد ثوان من إعلانه رغبته بخطبتها: "طيب ليه؟ وش شايف فيني عشان ترفض؟"
ضحك سالم يربت على كتفه: "ياخي إنت كفو، بس عارف إنك تبي تخطب لفزعة وأنا ما برضاها لك. توك بادي في شركتك، وشوله تقبل تعيش هنا وشغلك كله هناك؟ بنت أخوي بيجيها نصيبها فيوم، ماله داعي شغلة التضحيات هذي!"
رده هذا جعل عبد الرحمن أكثر إصرارا على قراره اللحظي: "إذا تخاف إني خاطب لفزعة، فأنا أقولك إني من فترة وخاطري في الزواج بس ما جاز لي اللي اقترحتهم أمي علي. وإذا كان خوفك من سالفة شركتي، أنا أقدر أقسم وقتي بين الرياض وهنا." قال بعدها يقنعه: "إنت بس إسأل بنت أخوك. إذا وافقت بيشرفني وصلكم، وإذا رفضت فأنا بظل أخوك وما بشيل عليك شي.."
أخذ سالم يفكر لحظة قبل أن ينظر إليه بلوم وقلة حيلة: "عليك أسلوب إقناع يخوف.." تنهد قبل أن يبتسم له: "خير إن شاء الله، بسألها وبرد لك خبر."
ابتسم عبد الرحمن بدوره، مقتنع بشكل غريب بهذه الخطوة التي خطاها فجأة. لطالما كان حذرا متأنيا في قراراته، لكن في هذا الأمر لم يجد في التأني والحذر حاجة.
=
=
=
رأت زوجها يقرأ بتركيز في مكتبه، يتوقف دقيقة ليكتب ملاحظة ما، وفيديو في حاسبه المحمول متوقف على لقطة من عملية.
قد لاحظته ينسحب إلى مكتبه مرات، لكن كادي لم تره هكذا حتى هذه اللحظة: "وراك امتحان ولا وشو؟"
كان صوتها ما أيقظ عبد العزيز من غفلته، ليسألها لا تبدو عليه إمارات النعاس عليه حتى في هذه الساعة المتأخرة من الليل: "متى صحيتي؟"
أجابته وهي تجلس جانبه: "من لما تسحبت زي الحرامي من جنبي.." لفت نظرها الكتب الضخمة التي رصت فوق بعضها على طاولة مكتبه: "ولساتك ما جاوبت علي."
أغلق كتابه والتفت إليها كليا: "ما علي امتحان، بس قاعد أدرس."
رفعت حاجبا باستغراب: "تدرس؟ ليه؟ مو إنت خلصت دراستك واشتغلت؟"
ابتسم لها: "دراسة الطب يبالها تشيلها معك طول عمرك. أبدا ما بينفع ترضى باللي درسته لأن في كل يوم الطب قاعد يتطور والتعقيدات تكثر.."
كانت هذه نظرة جديدة لتخصص زوجها بالتأكيد: "يعجبني شغفك.."
ليرد وبمعنى: "على الأقل فيه شي عاجبك فيني."
لم تدري إلا وهي تقول: "مين قال؟ في أشياء كثيرة عاجبتني فيك."
لمع ألق راغب في عيونه، يسحبها نحوه ببطء: "شكلك بتخليني أهون أدرس باقي الليلة.."
لتسأل بتمثيل عدم فهم، على الرغم من طواعيتها لسحبه لها: "مين قال؟"
=
=
=
قد أقيمت حفلة ملكة ترانيم، وقد تمت زيارة بيت جده عبد المحسن وطلب يد ابنة خالته لمار رسميا منه، قد تم إتمام كل شيء إلا تفصيلا صغيرا.
عندما سأل خاله عن سبب عدم إعطاء لمار موافقتها عليه مباشرة، قال له أنها كانت تفكر: "وش اللي تفكر فيه؟ مو هي وافقت علي قبل؟"
نظر خاله إليه كأنه أبله: "إيه، بس الناس ما يدرون عن اتفاقنا اللي قبل، وما ينفع تعطي موافقتها عالسريع كذا. وش تبي الناس يقولون عنها لو وافقت فنفس اليوم، ما صدقت خبر؟"
زفر بضيق: "يعني إيش؟ أقعد انتظر موافقة أعرف إنها جتني قبل؟"
ليرد خاله ببرود: "وش اللي حارقك؟ البنت موافقة عليك خلاص، خليها على راحتها."
=
=
=
ردت على أختها لحظة رؤيتها لرقمها: "هلا والله بالقاطعة؟ وش فيك مخففة الاتصالات ذي الأيام؟ وين وعودك وتعهداتك، ولا عزوز نساك إيانا؟"
سمعت صوت ضحكات كادي: "لا تقوليله عزوز ما يحب أحد يقوله كذا. وشوفوا مين اللي يتكلم عن القطيعة وأنا آخر وحدة أعرف بخطبتك من ولد الخالة."
شعرت لمار ببادرات العتاب، وحاولت بقدر وسعها التخفيف من وقعها بقولها: "لا تبالغين يا كدو! أمي وصلت لك الأخبار على طول."
كانت نبرة كادي جدية تماما عندما قالت: "إيه، معك حق، وصلت لي الأخبار. وصلت لي أخبار إنك وافقتي عليه، ووافقتي على إن ملكتك بتكون في الأسبوع بعد الخطبة على طول."
"شكل السالفة خاربة خاربة.." ضحكت بتوتر: "يعني سمعتي، ها..؟"
لتقول أختها بصرامتها التي تعهد: "إنتي متأكدة من اللي تسوينه؟ هذي مسؤولية موب لعب." أردفت بقلق: "حاسة ورى هذي الملكة المستعجلة بلا. أحد ضحك عليك؟ أحد غصبك؟ قوليلي وبكلمهم يكنسلوا السالفة ذي كلها..!"
هتفت لمار تهدئها: "ول ول ول! هدي يا بنت وين مكابحك؟"
لترد كادي عليها بحدة: "هذا مو وقت المزح يا لمار، جاوبيني..!"
اكتست الجدية صوت لمار عندما أجابتها، تحاول جاهدة اخفاءها استياءها من كون كادي لا تعتقد أنها قادرة على أخذ قرارات مصيرية بنفسها: "وأنا ما أمزح، ومرتاحة بقراري وما برجع عنه.."
أقفلت الخط عنها، فهي تدري أن كادي كانت ثائرة هذه اللحظة، ولن تسمع لها سببا.
مهما كانت الأسباب التي سيرتها لقبول هذا الزواج، تمنت..
تمنت لو أن كادي باركت لها على الأقل.
=
=
=
رأى كادي تحاول مرارا وتكرارا إعادة الاتصال بسخط، تهمس بحدة ولمعة دمع في عيونها: "طيب يا لمار.."
سألها: "متهاوشة مع أختك؟"
التفتت كادي إليه كأنها تلاحظ وجوده للتو، قبل أن تتنهد وتحكي عما حدث.
وكم كانت قصتها هذه مألوفة: "تصدقي لما هدى وافقت على مصعب كانت ردة فعلي ألعن؟ رحت تهاوشت مع الكل ليش ما عارضوا خطبتها. كنت شايفها أختي الصغيرة البزر وبغالي فترة عشان أستوعب إنها كبرت وبتتزوج خلاص وما عاد تحتاج لي زي قبل. وقتها أدركت شي.."
سألته بخفوت: "وش الشي ذا؟"
مسح دموعها المتشكلة على مقلتيها برقة قبل أن يجيب: "زي ما إخواننا الصغار يحتاجون لنا، احنا الكبار نحتاج لهم، نحتاج لاحتياجهم لنا، واستقلالهم بيحوس مخنا.. المهم، يمكن جا الوقت اللي تخلين أختك تتحمل مسؤولية قراراتها، لا تغثيها زي ما غثيت هدى ذاك الوقت، ما أتذكر كم يوم قاطعتني فيه بسبة هبالي."
ابتسمت له: "الله يا الحكيم..!"
ليرد ابتسامتها يشعر بالراحة لرؤيتها أفضل حالا هذه اللحظة: "يجي مني أدري، بس مافيه أحد يقدر!"
كان ردها أن احتضنته، بعرفان؟ لطلب المواساة؟ لا يدري، لكن سره أنها لجأت إليه.
=
=
=
كانت حفلة ملكة ابنة خالتها لمار العكس تماما عن حفلتها، بسيطة عائلية هادئة، لكنها أعجبتها أكثر. يكفي أن كلا الطرفين راضيان.
بدت لمار متألقة بفستانها التفاحي القصير حد الركبة الذي أبرز طولها المميز، وزينة وجهها البسيطة التي أبرزت حدة ملامحها الفاتنة وابتسامتها الساحرة.
لطالما كان لدى ترانيم الاعتقاد أن لمار أجمل من أختها كادي، لكن مشكلتها كانت أنها لا تهتم بنفسها أبدا، عكس كادي الأنيقة دون تكلف تماما، لتعطي للناس انطباعا بتواضع جمالها.
ربما سيكون زواجها بأخيها دافعا للتغيير من طبعها ذاك..
تقدمت إلى لمار بابتسامة مغيظة: "آه يا دنيا، بتصيري زوجة أخوي.."
لتضحك لمار قائلة: "لا، ما فكرت بكذا! خلاص بهون عن أخوك، خليه يدور له وحدة ثانية!"
منعت ترانيم نفسها من الضحك لترد: "محترمة إن هذي ملكتك، ولا كنت بوريك جزاتك.. يا ليمور!"
امتعضت ملامح وجه لمار بأسى طريف: "لسى متذكرة ذاك الاسم الشين حضرتك؟ وأنا على بالي صار في طيات التاريخ الأسود..!"
كانت قبل سنين طوال وفي أحد زيارات خالتها منال برفقة ابنتيها لهم، حين أعلنت لمار بثقة طفولية أنها لا تريد أن تُنادى سوى بليمور، متأثرة بأحد الأفلام الوثائقية عن ذلك الحيوان التي شاهدتها مع أبيها مرة. منذ ذلك الحين وترانيم لا تتوانى عن تذكيرها باختيارها ذاك، لتدخل لمار في حالة عدم تصديق لنفسها كل مرة.
حقا، كانت لديها ذكريات جميلة مع ابنتي خالتها، ولم تستوعب إلى أي مدى افتقدت وجودهما في حياتها.
حركت ترانيم حاجبيها تغيظها أكثر: "وأبشرك، بحكي لجلال ذي السالفة عشان ما يناديك باسم غيره. أقدر أتخيله يقول.. يا روحي يا ليمور.."
انتفضت لمار هلعا تحاول اسكاتها: "اليوم اللي أخوك يناديني ذاك الاسم هو اليوم اللي بطلب فيه الطلاق! الحين اسكتي قبل لا يسمعك أحد وينتشر الماضي المدفون..!"
أومأت تسايرها بابتسامة: "طيب، طيب لا تاكليني.. ومبروك يا بنت الخالة، ربي يوفقك ويعينك على أخوي الغثيث."
ربما لم تكن مستوعبة لفكرة زواج هذين الاثنين، خصوصا مع أطباعهما المختلفة، لكن ما إن أصبح تلك الفكرة واقعا، لم تستطع إلا أن ترى واقعا غيره، ورغم اختلافهما، رأت تناسبا غير ملموس بينهما.
=
=
=
-: "وإنتي إلى متى بتتجنبيني؟ تراني شفتك من أول بس انتظر متى بتجين عندي.. لكنك ما جيتي.."
التفتت كادي إلى أختها لترى الأسى في ملامحها. أيعقل أنها كانت من سرق منها بسمتها في ليلة لا يجب للوجوم أن يجد لها طريقا؟
أطرقت كادي رأسها، تتنهد بضيق لتلعثم لسانها عند الاعتذار، فليست هي من يعتذر بسهولة: "آ.. آسفة.."
حدقت لمار إليها لحظات قبل أن تبتسم بأريحية ودفء: "على وشو؟ وأنا اللي متوقعة بتهاوشيني على إني قفلت الخط فوجهك!" تموضعت بزخم مسرحي تقلد فيها عارضات الأزياء قبل أن تسأل: "عطيني رايك، كشخة ولا أفشل؟"
تعرف أن هذه طريقة لمار في قول أنها تريد عودة الأمور إلى طبيعتها، في التخفيف عنها. نظرت كادي إلى لمار وفي خاطرها يتردد كلام عبد العزيز، لتبتسم والدموع تتجمع في عيونها، تعطي أختها رأيها بطلتها: "عروس.."
حقا، لقد كبرت أختها.
انتهى البارت..~
|