3ـ تلك القرية
النقلة الحضارية كانت مذهلة بحق..
لقد عدت للوراء عدة قرون .. لا عشرات الكيلومترات..
تشممت الهواء النقي الذي يدغدغ رئتي متأملاً عالمي الجديد من نافذة سيارة المركز التي تنهب الأرض مثيرة خلفها عاصفة من الأتربة، القرية المصرية الأصيلة كما يقول الكتاب، الحقول والقنوات التي تغذيها كالأوردة والفلاحين محني الظهور يقلبون الأرض بالفؤوس القصيرة، البيوت الطينية المتناثرة هنا وهناك، الأطفال الملوثين بالأوحال والخولي العتيد الذي يركب الحمار ويرتدي طربوش على منديل قماش أصفر ينسدل على كتفيه يتقي به حر الشمس وهو يزعق في هذا وينهر هذا.. والكل حينما يرى سيارة المركز ينظر لها بنوع من الرهبة والتوقير.. مع رفع الأكف بالتحية العسكرية بطريقة مضحكة..
وصلنا النقطة..
خرج لنا شويش أعطاني التحية وقال أن اسمه ديريني.. كان طويلاً نحيلاً له شارب ضخم يقف عليه طائر الرخ.. وحينما يتكلم يهتز ذلك الشارب مع كلماته بصورة مضحكة تذكرني بكلب البحر:
ـ نورت كفور الصوالح يا فندم ..
أومأت له برأسي في غير اكتراث وسألته وأنا أرمق مبنى النقطة:
ـ هل هناك غيرك في النقطة ..؟
ـ الشويش عبد الرحيم يا فندم ..لكنه في إجازة..
نقطة قوتها مكونة من ثلاثة أفراد .. مهمتها حماية كفور الصوالح كلها.. تذكرت العمدة وجيش الخفر إياه.. طبعاً هؤلاء منافسينا الطبيعيين هنا فبالرغم من كونهم يمثلون الحكومة إلا أنني لا أثق في من يرتدي بلطو على جلباب أبداً..
ربما كان وضع نقط شرطة في تلك القرى النائية نوع من الترف المبالغ فيه..
أو هو بداية لعهد جديد يلوح في الأفق من بعيد..
جرى ديريني ليحضر حقائبي على حين وقفت واضعاً كفيا في خاصرتي أتأمل نقطة كفور الصوالح.. مقر عملي ومقر إقامتي كذلك ..مبنى حكومي بائس مدهون بالجير وهو في الأصل مكون من طابق واحد.. لكن تم عمل غرفة استراحة علوية للضباط القادمين من محافظات أخرى مثلي.. وجاء دريني مهرولاً بحقائبي ليبدأ سلسلة من التعارف بيني وبين النقطة..
ديريني لا يكف عن الثرثرة بعبارات الترحيب التي يجيدها القرويون والتي لا أدري من أين يأتون بها .. لكل كلمة رد مناسب ومنمق.. إنني بحاجة لمفكرة لأدون فيها مصطلحات الرفيق ديريني فقد أحتاج إليها يوماً ما في تعاملاتي مع أهل القرية.. كنت منهكاً من الرحلة فأمرته أن يضع حقائبي وينصرف لحاله..
تأملت الاستراحة. فراش عليه ملاءة مليئة بالرقاع والبقع البنية والصفراء وخزانة ثياب تشبه توابيت مصاص الدماء بجوارها ستارة يبدو أنها تداري وراءها
مطبخ أو جثة متعفنة لعلها سبب تلك الرائحة الخبيثة.. هناك نافذة تشبه نوافذ الزنازين تطل على الحقول الممتدة إلى مالا نهاية.. الرائحة كانت تدير رأسي حتى أنني بحثت عن الدلو العتيد الذي يضعونه للمساجين لقضاء حاجتهم فلم أجد فتنفست الصعداء .. لم يصل الأمر لهذا الحد بعد ..لكن ..إذا لم يكن هناك دلو فأين الحمام إذن..؟
نظرت في ذعر للبقع الصفراء التي تلطخ ملاءة السرير .. وهززت رأسي مستبعداً الفكرة المقززة ..جلست على مقعد مجاور للفراش إنه بلا مساند فيمكن استعماله كمنضدة.. أي!.. هناك ناموس أيضاً سيشاركني استراحتي.. ترى متى سيظهر أول فأر متحمس.. يقولون أن فئران الحقول في حجم القطط وأنت بحاجة لمعجزة كي تتمكن من إمساكها.. هذا لو بقيت لك أطراف سليمة من العض لتتمكن من الإمساك بها..
تأملت الستارة التي تغطي شيء ما وراءها ..ترى هل هذا هو المطبخ أم؟.. قمت ومددت يدي إلى الستارة وأزحتها بعنف.. هنا لم أتمالك نفسي فأطلقت شهقة فرح عارمة ..
لقد وجدت الحمام يا سادة! ...
***
ولقد جاء هذا الكشف في وقته تماماً... والكشف التالي كان بعد عدة أيام وجاء صادماً ..
الأيام في كفور الصوالح تشبه بعضها بعضاً كحبات الخرز في مسبحة ولعلك بحاجة إلى قطعة من الطباشير كي تميز بها بين الأيام التي تترا .. كل شيء يتكرر بحماس منقطع النظير ..حتى المشاكل التي قد تدخل في نطاق عملك .. نفس المشاكل ونفس الوجوه ونفس الادعاءات ونفس النهايات .. في النهاية يتعانق الفلاحان المتشاجران وهما يلعنان الشيطان الذي أوقع بينهما .. وتجد نفسك مضطراً لتمزيق المحضر بدلاً من تمزيقهما وأنت تردد من بين أسنانك : الأيام في كفور الصوالح تشبه بعضها بعضاً كحبات الخرز في مسبحة ..
وتسأل نفسك هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء..
هل فررت من سجن الزواج كي أسجن هنا في كفور الصوالح؟..
هنا لا يوجد سينما أو مسرح.. إلا مسرح البهائم طبعاً..
يقدمون عرضاً رائعاً كل صباح بجوار الترعة.. وبمناسبة الترعة هناك أيضاً بالية بحيرة البجع الخاص بكفور الصوالح.. لكنهم استبدلوا البجع هنا بالبط البلدي.. لا يوجد راديو تسمع منه الإذاعة لأنه لا يوجد كهرباء أصلاً..
لكن يوجد هناك تلك الولائم التي يقيمها العمدة. هذه للتعارف وتلك لتوثيق أواصر المودة وهذه لأن ولد العمدة ختم القرآن.. وهكذا دواليك..
وتجد نفسك وجهاً لوجه مع مائدة الطعام المليئة بأصناف الطعام الريفي الدسم الذي يعطيك نفس إحساس البنج.. وتتساءل كيف يستطيع هؤلاء الحركة بعد كل هذا الدسم ..
أما العمدة نفسه فكان عبارة عن خمسة عمد تم حشرهم في جبة وقفطان.. ومع ذلك كان خفيف الحركة والروح كذلك. وهو كسائر أهل القرية طيب القلب لكنهم يهابونه هنا بشدة ويتحاشون النظر إليه..
كذلك لمست من خلال عباراته أنه من بقايا الإقطاع القديم.. لكنه يحاول أن يبدو على العكس.. لكن تفلت منه كلمة من ههنا أو نظرة من هناك فتنفضح حقيقة بغضه للنظام الثوري ولعبد الناصر.. ذلك الشاب القادم من الصعيد الذي سوى بين السادة والعبيد..
واليوم يرسلون له ضابط شاب أخر من القاهرة هذه المرة لينازعه في سلطانه وسلطان أبائه..
فكان لابد لي من أن أحتال عليه كي يستسلم لي ويرفع الراية البيضاء..
وقد وجدت تلك الحيلة التي ستكون كذلك هي المدخل لقلوب أهل تلك القرية كلهم.. ستمكنني من النفاذ إلى حبات قلوبهم لأبذر هنالك بذرة اليوتوبيا.
قلت لهم في بعض الجلسات بحضور العمدة أنني سأذيع لهم سراً.. وهو أنني قادم من مصر من طرف الزعيم عبد الناصر شخصياً..
قلت لهم أن الرئيس يريد بناء مصر قوية وحديثة.. لقد نزع الأرض من يد البشاوات ووضعها في أيديكم أنتم الفلاحين أبناء البلد من أجل أن تنهض بكم.. والبلد لن تنهض ونحن غارقين في الماضي الذي عفى عليه الزمن.. وقلت أنني سأرفع تقرير بشأنكم للرئيس.. فهو يتابع بنفسه أخباركم ويعرفكم بأسمائكم ..ويهمه أن تكون قرية كفور الصوالح في مقدمة القرى التي تسعى للتطور والحداثة..
وصاح العمدة وهو يضرب على فخذه وقد نسي في غمرة الفرح جذوره الإقطاعية:
ـ وصلنا للرياسة يا بلد..
وارتفع التكبير والتهليل ووثب بعضهم ناحيتي فتحسست جراب مسدسي عفوياً لكنهم انهالوا علي سلاماً وتقبيلا وهم يستحلفونني أن أوصل سلامهم وقبلاتهم المليئة باللعاب إلى الرئيس نيابة عنهم..
لقد كان عبد الناصر محظوظاً..
***
في الأيام التي لا يوجد فيها تسلية من أي نوع لا ولائم ولا سرقات دجاج ولا حتى باليه ترعة البجع أكتشف أن لدي هنا راديو بشري اسمه ديريني..
وهو مسل جداً خصوصاً حينما يحل المساء..
ففي الليالي المقمرة كنا نطفئ السرج ونكتفي بنار (الراكية) التي يغلي عليها أبريق الشاي الصدئ.. وأجلس متربعاً لأنصت على ضوء القمر إلى حكايات الديريني المنحولة من أساطير الريف وهو يصب لي الشاي الأسود القاتل.. إنها تبدو كحكاية واحدة تتم روايتها في كل مرة بشكل مختلف وهي في غالبها تتراوح بين حكايات (النداهة) التي جعلت خاله يجن ويلقي بنفسه في الرياح .. وعن خاله مرة أخرى الذي قابل جنية يوما عند الرياح وهو عائد من الحقل ..و لعله بدا لها في ذلك اليوم فاتناً وهو عائد من الحقل ملطخاً بالطين لأنها عرضت عليه الزواج واخذته معها إلى أهلها من الجان..
قلت له وأنا أرشف رشفة قوية من الشاي :
ـ خالك جن بسبب (النداهة) ؟ أم عرضت عليه الجنية الزواج...؟
ـ لا لا يا فندم ..خالي الذي جن غير خالي الذي عرضت عليه الجنية الزواج ..أنا لي أربعة أخوال ..
ـ وكلهم حمقى ..؟
نظر لي مفكراً في بلاهة كأنما يجري عملية حسابية لعدد الحمقى في عائلته ثم قرر أخيراً أن ينفجر ضاحكاً على دعابتي بافتعال لا شك فيه وهو يثني على خفة دمي التي لم يعهدها مع الضباط السابقين الذين خدموا في القرية ..ثم عاد ليذكر لي حكاية عمه الذي مات ثلاثة أيام ثم عاد للحياة من قبره ..
وهكذا يأتي الديريني على كل أقاربه فلم يبق منهم أحداً لم تخطفه جنية الرياح أو جن بسبب (النداهة) أو اشتعل به الحمام لأنه قرر شرب الدخان وإلقاء عقب السيجارة في الحمام فوقع على قفا أحد الجان الغافين..
هذه الحكاية بالذات جعلتني أخشى حمام غرفتي وأفكر جدياً في استعمال الدلو كبديل مؤقت ..
تباً لذوق القرويين ..
قلت له في غيظ :
ـ الجن والشياطين هي شماعة ممتازة نعلق عليها فشلنا وتقصيرنا يا ديريني..
ـ لكن الجن مذكور في القرءان يا بك..
ازدرت لعابي وقلت له بحذر :
ـ وهل يعني هذا أنهم السبب وراء مأساة عائلتك؟..
هنا أقسم لي أغلظ الأيمان أنه صادق فيما حكى فهدأته قائلاً :
ـ أنت صادق فيما سمعت.. لكن هل رأيت؟..
رأيت حاجبيه ينعقدان وشاربه ينتفش، وانتفاش الشارب هنا له عدة معان فقد يدل على الفخر وقد يدل على الغضب وأحياناً يدل على الخطر.. وقد تكلم ديريني بصوت كالفحيح ليدل على المعنى الأخير:
ـ لقد رأيت يا بك..
إذن فهو يعاني من هلاوس بصيرة أيضاً.. ملت عليه مصطنعاً الإحساس بالخطورة:
ـ ماذا رأيت؟..
تلفت حوله كانه يخشى متجسس مجهول ثم عاد ليقول:
ـ هنا في الاستراحة.. هذه الاستراحة ليست على ما يرام يا بك.. لقد سمعت هذا من ضباط جاءوا هنا قبلك.. ولم أصدق إلا لما رأيت بعيني..
ديريني الغارق في
قصص الجنيات والعفاريت صار فجأة وعلى حين غرة من المتحرين المدققين.. لا يصدق إلا لو رأى بعينه!
ـ هل رأيت تلك البقع الصفراء التي تلوث الملاءة؟..
ـ لا.. رأيت بسم الله الرحمن الرحيم..
لماذا أشعر بتلك القشعريرة تسري في بدني.. هذا إحساس لا يليق بمن هو مثلي.. يا للعار..
أي تسلية تلك في ليل الحقول التي تترامى أمامك بلا نهاية حيث تلعب الظلال لعبتها الأبدية ..
لم أكن أومن بتلك الأشياء لكنني لم اتخلص بعد من موروثات الخوف الطبعي الأولي الذي ورثناه عبر القرون ..
الخوف.. الخوف من المجهول.. ذلك الإحساس الذي لا مفهوم له يتحرك تحت جلدك محدثاً القشعريرة الشهيرة ويتحول جلدك لجلد أوزة .. وينتصب الشعر في مؤخرة رأسك .. تباً لك يا ديريني الكلب...
ذهب لينام ملء جفنيه وترك لي الخوف ينهش في أعصابي..
هنا خطرت لي فكرة غريبة.. ربما لو نجحت لطالبت ببراءة اختراع..
أخذت أذرع غرفتي جيئاً وذهاباً وأنا أقرأ في أحد الكتب اليسارية بصوت مسموع ..لعلي أول من استعمل تلك الكتب في طرد الجن والأرواح الشريرة..
جن وأرواح !!
لكنني لا أومن إلا بالمادة التي لها وزن وكثافة ..
ماذا دهاني؟..
ـ هل جئت ههنا لتغير أم لتتغير؟ ..
طار الكتاب من يدي وكاد قلبي أن يطير بالإضافة للوثبة الرائعة التي وثبتها في وجل..
ثم تبينت أنه الرفيق ماركس..
أخيراً عاد إلي صوابي وانحنيت لألتقط الكتاب مع أنفاسي.. ثم رفعت إليه طرفي في خجل :
ـ كيف أتغلب على مخاوفي تلك..
أشار بتعالي عبر النافذة.. إلى الحقول المترامية وقال في حزم :
ـ تحدى الخوف ..
وتسمرت عيناي على النافذة المطلة على الحقول الممتدة إلى ما لا نهاية ..
نعم.. ولم لا ..
***
من الذي يخشى الحقول في الليل؟
من قال أن الحقول تخيف في الليل؟ ها أنا ذا أسير وسط الحقول الممتدة إلى ما لا نهاية..
أنا لا أخشى شيئاً ..مجدي سليمان لا يخشى أساطيركم يا أهل كفور الصوالح .. صوت صرصور الغيط ونقيق ضفادع القنوات كأن لسان حالها يتساءل عن ذلك الأحمق الذي يظن نفسه ليس كذلك .. القمر يشرف على المشهد ويضفى عليه لمسة ساحرة .. فلولاه لصارت الرؤية مستحيلة ههنا ..لا شيء سوى صوت صرصور الغيط ونقيق الضفادع ..
تجاوزت مساحة الحقول ووقفت عند مساحة خالية من الزراعات..
أطراف القرية النائية جزء كبير منها مخصص للقبور..
من بعيد في وسط الشواهد يقف ذلك الكوخ الذي يبدو مهجوراً.. لا أحد عاقل يمكنه السكنى هنا..
لكن هل هذا هو كل ما لديك يا كفور الصوالح؟ صراصير وضفادع وشواهد قبور..
أين شياطينك ونداهتك وعنقائك إن كنت تعرفين شيئا كهذا ..؟
أين ذلك الأحمق ديريني ليرى أن...
أعووووووووووووووووو ..
ازدرت لعابي متحسساً مسدسي الميري القابع تحت إبطي ونظرت للكوخ ممتقعاً..
ذئاب !
هذا هو التجديد الحق يا كفور الصوالح ..حقول ممتدة ومقابر بدون ذئاب.. هذا معيب لو أردتم رأيي..
هنا سمعت صوت حفيف من ورائي.. سحبت سلاحي واستدرت وقلبي يدق بعنف..
مشكلة هي تلك الكلاب السوداء التي تبرز لك من بين الحقول فجأة.. مشكلة حينما تظهر ومشكلة حقيقية حينما تختفي كأنها لم تكن هنالك .. عقلي عجز عن التفسير لكن فيما بعد رجحت أنه خداع بصري ناتج عن الخوف الطبعي ..لكن قل لي هل جربت الهرولة في الليالي المقمرة وسط الحقول ؟
إذن فاتك الكثير يا رفيق .. أنا جربت ..جربت جداً وشعرت أنني سأصاب بالذبحة الصدرية لو لم أتوقف عن الجري.. لابد أن أتوقف.. المشكلة في كيفية إقناع ساقيا بالتوقف؟
مرت دقائق كأنها ساعات وأيام وسنوات لعل الشيب انتشر في شعري وأنا أعدو كالمجانين ..أخيراً قررت ساقيا الاستجابة والتوقف.. هنا لمحته قادماً من الاتجاه المقابل.. إنه الشويش ديريني ومعه كلوب في يده اليمنى و بندقيته معلقة على كتفه وعلى وجهه أثار النوم.. وحينما شاهدني واقفاً ألهث صاح في جزع :
ـ خير يا فندم ..لقد لمحتك وأنت تتجه بمفردك للحقول ..هل حدث لك مكروه ..؟
قلت له بأنفاس متلاحقة :
ـ لا شيء يا ديريني .. كنت أقوم بدورية ليلية..
ـ بمفردك يا فندم ..هذا خطر جداً ..
قلت في شمم :
ـ أنت لم تعرفني بعد يا ديريني..
ثم تحركت في تؤدة متجهاً جهة اليسار فصاح بي ديريني :
ـ الطريق من هنا يا فندم ..
قلت له في شمم :
ـ هذا تمويه يا غبي ..!
قال لي ونحن نسير باتجاه النقطة الصحيح :
ـ يا فندم الحقول في الليل تكون مأوى للذئاب الشاردة..
تذكرت الكلب الأسود الذي ظهر لي وشعرت بقشعريرة تسري في أطرافي.. طبعاً لن أحكي لديريني كي لا يعلن لي منتصراً بأنه بسم الله الرحمن الرحيم.. لكنني سألته عن ذلك الكوخ المهجور وسط المقابر هل يسكنه أحد..
هنا رأيت وجهه يتغير.. ثم قال باقتضاب :
ـ لقد ابتعدت أكثر مما ينبغي يا فندم..
قلت باستخفاف :
ـ لا تقل لي أن هذا الكوخ هو مسكن النداهة التي خطفت خالك..
قال وهو يهز رأسه متحسراً :
ـ النداهة نفسها لا تجرؤ على الذهاب لهناك في مثل هذا الوقت يا فندم..
حسناً كانت تلك، كما ترون، ليلة استثنائية من ليالي كفور الصوالح.