كاتب الموضوع :
عمرو مصطفى
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يوتوبيا الشياطين (النسخة المعدلة)
11ـ وداعاً يوتوبيا
ـ دعيها أيتها الـ...
قلتها وأنا أثب نحو سلمي بكل الغل والحقد الذي يعتمل في نفسي.. لكن طبعاً تلقيت لطمة عاتية طرت على إثرها كالقذيفة لأرتطم بالجدار.. للحظات تصورت أنني خرقت الجدار وصرت عند الجيران لكن هذا لم يحدث للأسف..
وتنامى إلى مسامعي صوتها وهي تنفض كفيها باستمتاع قائلة:
ـ اجلس وراقب..
كنت أتلوى أرضاً من الألم المادي والمعنوي..
فاطمة ستموت نزفاً أمامي وأنا الوحيد الذي باستطاعته إنقاذها فقط لو رضخت لتلك الشيطانة..
ـ لماذا أنا بالذات؟.. هناك الملايين غيري مستعدون لبيع أرواحهم وأكثر..
قلتها من بين أسناني وأنا أزحف بحذر تجاه صوان السرير.. إنه هناك منذ تهاوت الكتب تحت قدمي، لا أدري لماذا قررت وضعه هناك بجوارها؟
قالت سلمى :
ـ أنت لا تفهم قوانين عالمنا أيها الفاني..
فتحت باب الصوان، و سلمى تسترسل كأنها لا تراني :
ـ إنه محكوم بقواعد صارمة للغاية.. لو فشلت معك ستكون عواقب ذلك وخيمة.. لقد صرت وحيدة بلا أهل.. هذا يعني أنني سأتلقى العقاب كله وحدي..
أخيراً قبضت يدي على الكتاب.. وشعرت بتيار من القوة والرهبة يجتاحني..
ـ ما رأيك إذن لو لحقت بإخوتك الأغبياء..
نظرت لي في حدة وصاحت :
ـ ماذا تفعل عندك ؟..
هنا وقفت مواجهاً إياها بالكتاب..
" قبل أن ترحل.. سأعطيك شيئاً.."
" حاول أن تثبت أنك ابني حقاً.."
الآن فقط أرى الذعر في عينيها.. إنها أضعف مما تخيلت..
وانهار جسد فاطمة فوق الفراش دفعة واحدة، بعد أن قررت سلمى التخلي عنه أخيراً..
فتحت المصحف وبلا تحديد بدأت أقرأ بصوت مرتجف.. وكان ما قرأته عجيباً..
" واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر..."
صوت صراخ سلمى الرهيب جعلني أتوقف ذاهلاً.. نظرت لها، ثم للكتاب و.. صرخ صارخ بداخلي : لا تتوقف الآن يا أحمق..
وبالفعل واصلت..
" فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه..."
لمحت بطرف عيني فاطمة تتقلب في الفراش وهي تصدر أصوات همهمة غامضة كأنها في حلم ما..
" وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله..."
سلمى تتلوى على الأرض..
تضع كفيها على أذنيها، لا تريد أن تسمع المزيد.. لكنها محاولات عابثة، يائسة.. إنه حق يخترق الحواجز والجدران ويفتت الصوان.. تفتتي يا سلمى.. تعذبي كما تعذبت فاطمة.. تعذبي بكل قطرة سالت من دمائها الطاهرة..
هنا فوجئت بها تتكور على نفسها ثم طارت لأعلى لترتطم بالسقف ثم ارتدت عنه مثل كرة المطاط، تكرر المشهد حتى كادت تصيبني بالحول.. صوتها كان أقرب لمواء هرة تمزقها أنياب كلب بري..
وأخيراً طار جسدها كالقذيفة مخترقاً باب الشرفة.. إلى الهواء الطلق..
جريت إلى الشرفة خلفها ، نظرت إلى أسفل حيث الطريق الخالي من البشر في تلك الساعة.. لا أثر لها هنالك.
ثم اتسعت عيناي دهشة.. لقد لمحت تلك الفجوة التي تلتئم تدريجياً في الأرض، تخيلت سلمى وهي تخترق الأرض مثل المسبار وهي تموء مثل الهرة الحبيسة و...
لم تلحق بإخوتها للأسف، لكنها عادت إلى عالمها على الأرجح..
هل ستعود إلي ثانية؟
لا أعتقد..
لقد كان الدرس قاسياً بالنسبة إليها.. لعلها الآن تتلقى العقوبة نيابة عن كل عائلتها الكريمة... ولو عادت فسأكون مستعداً لها بكتابي هذا.
وعدت لفاطمة التي كنت على وشك بيع روحي للشيطان من أجلها..
نظرت إليها في الفراش، لقد توقف النزيف.. بل تلاشى كأنه لم يكن أصلاً..
و في لحظة نسيت كل ما مر بي من خطوب، وانحنيت عليها برفق طابعاً قبلة حانية على جبهتها الوضاءة..
هنا رأيتها تفتح عينيها ببطء.. وسمعتها تهمس :
ـ مجدي .. لقد عدت..
ربما أفلت قلبي دقتين.. وربما اختل توازني للحظات.. ثم استوعبت أن هذا هو صوتها، هاتان العينان الناعستان عيناها، وهذا الأبله الواقف أمامها هو أنا..
ـ نعم يا حبيبتي ..
تمتمت في وهن :
ـ حمداً لله على سلامتك ...
لقد نست ما جرى وما كان من بطشي بها ولم يشغلها إلا سلامتي.. أي حيوان كنته؟!
طبعاً لم أتحمل كل هذا القدر من الطهر والنقاء.. لذا بكيت.. بكيت بين يديها كطفل كاد أن يفقد أمه للأبد..
ـ مجدي أنا بخير ..
رفعت طرفي إليها وشهقت مستجمعاً أنفاسي المتلاحقة :
ـ حقاً؟!..
كان وجهها متورداً من أثر حمرة النوم.. لم يكن ذلك هو الوجه الذي تركتها عليه.. رباه.. كأن ما مضى بي كله حلم عابر..
قلت لها من بين دموعي :
ـ كنت.. كنت تنزفين.. و.. و..
ثم صرخت فزعاً وقد تذكرت :
ـ لقد.. لقد ضربتك.. نعم ضربتك بوحشية يا فاطمة وما كان لي أن أفعل..
قالت وهي تمسح دموعي بأناملها الرقيقة:
ـ أنا لا أذكر شيئاً مما تقول..
هذا غريب.. لا أريد أن أصدم قلبي بحقيقة أن كل هذا كان جزء من كابوس.. لكن أي كابوس؟.. أنا لم أستيقظ صارخاً في فراشي بعد..
أم تراه وهم توهمته..؟!
ـ كنت تنزفين يا فاطمة.. وكان المفترض أن تظلي تنزفين حتى الموت.. لكنني أراك الآن كأبهى ما يكون.. ولا أريد ان أسترسل في الحلم فأقول أنك قد.. قد شفيت تماماً من ذلك النزيف اللعين..
ابتسمت برقة وهي تداعب وجنتي :
ـ وأنت تعب.. و تبدو كمن خرج لتوه من معركة طاحنة..
نظرت إلى ثيابي المتربة وقد تمزقت في عدة مواضع ثم رفعت طرفي إليها قائلاً :
ـ كنت بالفعل في قلب معركة رهيبة ومريرة..
ثم لوحت لها بالمصحف في يدي وقلت بابتسامة مبللة بالعبرات :
ـ لكنني خرجت منتصراً..
أراحت رأسها على عاتقي قائلة :
ـ مجدي أنا لا أفهمك..
ضممتها إلى صدري قائلاً في إنهاك :
ـ لا تشغلي بالك يا حبيبتي.. لا تشغلي بالك..
وهمست لنفسي : وداعاً يوتوبيا..
***
كان خبر احتراق بيت علوش قد شاع وصار حديث الناس في كفور الصوالح..
و تردد بينهم أن البيت احترق بفعل فاعل .. لكن من فعلها؟
هنا لا استطيع أن أجزم أنني خرجت من دائرة شكوكهم.. خصوصاً أهل فاطمة، لكن من يستطيع أن يثبت شيئاً.. ومن الذي ينكر على من يقتل ثعباناً.. لقد ذهبت مع ديريني وعبد الرحيم إلى موضع البيت المحترق.. إنهما لم يتخلصا بعد من رهاب علوش.. مازال يخيفهم حتى وهو كومة من الرماد..
أخذا يرددان بعض الآيات القرآنية وأنا معهما كذلك مما أثار الدهشة في عيونهما.. لكنني لم التفت.. وجاء العمدة ورجال المركز وعملنا الإجراءات المطلوبة.. رأيت بعضهم يتنفس الصعداء بموت علوش هذا.. وقيل لي :
ـ لا شك أن الحادث لا يخلوا من شبهة جنائية.. لكن لو كان الأمر بيدي لأعطيت للفاعل نيشاناً ..
حتى العمدة عظيم الكرش رأيت على وجهه ارتياحاً لهلاك علوش..
وبعد فترة قصيرة تمت ترقيتي فابتسمت متذكراً كلام وكيل النيابة لقد تغيرت كثيراً جداً .. وأنا الذي جئت لأغير تلك القرية البكر التي نظرت إليها يوماً باحتقار ..فغيرتني وكشفت لي حقيقتي.. كنت أشعر بسعادة غامرة وطمأنينة لم أشعر بها من قبل ..
فاطمة بدت لي أجمل وأبهى من ذي قبل..
صار بإمكاني الاقتراب منها ولمسها ومداعبة وجنتيها فيتوردان خجلاً وقد زالت عنهما الصفرة المقيتة وغزاهما دم الحياة.. والحياء..
وغداً آخذها لزيارة عائلتي ..
نعم يا فاطمة لقد كنت كاذباً حينما ادعيت أنني مقطوع من شجرة .. فلدي عائلة .. وسأفخر جداً حينما أقدمك إليهم ..
وإلى جوار افتخاري بك سأعترف :
أنني كنت الأحمق الذي تحدى الدجل بالإلحاد..
واجهت الشر بالشر.. أنكرت الشمس في وضح النهار ..
وكان الدرس قاسياً ..
***
|