استيقظت من نومها وهي تشعر بتشنج في رقبتها من جراء نومها على طاولة مكتبها... هي لم تستطع النوم في ليلة الامس من التفكير في خطوتها القادمة في حياتها وبالتأكيد حضوره الى شقتها اليوم هز كيانها وبشكل كبير.. هو ما زال يتذكرها وقد اعترف لها انه كان منجذبا نحوها منذ البداية لكن خوفه من المجهول هو ما دفعه للهرب بتلك الطريقة السيئة...
لكن هل هي مستعدة فعلا للانتهاء من الموضوع ووضع الماضي خلفها؟؟؟؟؟ هو لا يعرف ما الذي حصل معها بعد تلك الليلة... لا يعرف ما الذي فعله بها مغادرته بتلك الطريقة... لقد دمرها بشكل كامل... لقد اصبحت مجرد قطعة بالية تستعمل ممسحة اقدام للآخرين... لقد وقعت في حفرة مظلمة دون اي بصيص نور... اصبحت حياتها عبارة عن خبر يتداوله الجميع ولم يعد بإمكانها مواجهة احد... فهل بإمكانها الان مسامحته عما فعله فقط لأنه اخبرها انه ما زال يريدها؟؟؟
وضعت يدها على قلبها واخذت تتوسل له بأن يرحمها ويخفف من سرعة دقاته التي تعلن انها امرأته منذ اللحظة الاولى التي وقع بصرها عليه... انه ملكه وحده فقط ولن يسمح لغيره بامتلاكه.. نظرت الى الصفحات التي امامها وامسكت بالقلم وهي تخط عتابها بكلام تكاد تقطع روحها..
رح اكتبك يا حكاية على سطور بلكي بتحملي عني يا ورقة..
قصة قلب تعبان مكسور عالدروب رجعتنا اللي محترقة..
موعود فيكي يا انا موعود طال الوعد على مفرق الملقى...
لا عدت ولا عاد فيني اعود ضاع الامل بعتمة الفرقة..
شو بعد اتذكر تأكتبك اكثر.. قد الدني انت واللا انت بعد اكبر..
بعد العطر غافي والطعم على شفافي .. بعد الامل عندي الامل بكره الدنيا تصغر...
عم ارسمك خطوة بدرب مشوار.. على حفاف ورقة من غصن بكينا..
عم المحك بخيوط شمس نهار... مثل الحلم غاب وانسينا...
كبيرة الدني وفيها اسامي كثار عم جرب دور على اسامينا..
نور الامل صاير بقلبي نار... عم يحرق الباقي بليالينا...
شو بعد اتذكر تأكتبك اكثر.. قد الدني انت واللا انت بعد اكبر..
بعد العطر غافي والطعم على شفافي .. بعد الامل عندي الامل بكره الدنيا تصغر...
رح بكتبك.... محمد قويدر
لم تعرف بالضبط لما الان بالتحديد تذكرت هذه الاغنية للمطرب العربي محمد قويدر... بعد تركها لنيويورك في المرة الاولى وسافرت الى لوس انجليس بهدف وضع ماضيها خلفها... في البداية لم تكن تخطط لشيء سوى ان تركب الطائرة وتبعد قدر الامكان عن هنا...
نزلت في فندق رخيص وحاولت البحث عن عمل... لكن ولسوء الحظ قد مر عدة اسابيع دون ان تتوفر لها وظيفة.. وفي يوم من الايام قرأت اعلان في الصحيفة مطلوبة رفيقة سكن, وقد اغتنمت الفرصة... فشاركت السكن فتاة تتعلم القانون في جامعة كاليفورنيا, لوس انجلوس..
لقد كانت فتاة رائعة ومذهلة ولكن ما كان يميزها غير شخصيتها الفريدة هي كونها فتاة امريكية لبنانية الاصل..
كانت ميرا فتاة مذهلة بحق... كمعنى اسمها تماما "الرائعة", كانت فتاة صهباء ,قصيرة وجذابة ذات عيون خضراء شاحبة, كما كانت تعمل بدوام جزئي في فندق فور سيسونز في لوس انجلوس, وهي من ساعدتها على الحصول على عمل في الفندق نفسه الذي تعمل فيه...
ورغم عيش ميرا في لوس انجليس طوال حياتها الا ان والديها كان يحرصان على تعلمها اللغة العربية, فهم لم يرغبا بنسيان اصلهما, كانت تقول بأن جديها اضطرا الى مغادرة لبنان وهما صغيرين في السن, وما زال لهما الحلم بأن يرجعا يوما ما..
كانت تحب مشاهدة البرامج العربية معها وسماع الاشعار والاغاني العربية ايضا, وذات يوم سمعت اغنية محمد قويدر فمست الاغنية شيئا من روحها, فسألت ميرا عنها فترجمتها لها للغة الانجليزية, وقد كان قد مر على سكنهما معا خمسة اشهر, فطلبت ايف منها ان تعلما اللغة العربية وقد فعلت..وها هي الان ايف تتقنها بشكل جيد.. كلاما وكتابيا...
نزلت دمعة على خد ايف فسمحت لها بالنزول بحرية دون ان تدفعا جانبا بعنف كعادتها... فهي اشتاقت لرفيقة سكنها وصديقتها المفضلة, فقد مر وقت طويل لم تقابلها.. فآخر مرة رأتها كانت قبل لقاءها بليون فالون بيومين.. فقد سافرت مع عائلتها الى لبنان لترى مسقط سكنهما...
وبعد ما حصل لها في تلك الليلة هربت دون ان تقوى على مقابلتها مرة اخرى... فميرا كانت فتاة تؤمن بالحب والزواج التقليدي وبفكرة الانتظار حتى الزواج لتستسلم لزوجها,, فكانت تقسم انها لن تحب الا رجلا عرفتها عليه عائلتها.. وان تخبرها هي بأنها تعرفت على ليون واستسلمت له بتلك الطريقة, كان يرهبها.. كانت تشعر بالخجل فخافت ان تظن بها رفيقتها السوء وتشعر بالاشمئزاز منها...
لذا فقد جمعت حاجاتها وهربت قبل عودتها من السفر لتعود للبحث عن طريقها في الحياة من جديد... وطوال هذه السنة تجنبت التعرف بالآخرين فهي لم تكن مستعدة للتعرف عليهم لتخسرهم مرة اخرى,, فلن تستطيع تحمل هذا..
وها هي الآن تسمح لنفسها بالاقتراب من جارتها تونيا السمراء العفوية, قد يكون السبب شبه شخصيتها بميرا واشتياقها لها.. نظرت الى ساعتها ووجدتها الخامسة والنصف مساءا فأدركت ان عليها تجهيز نفسها للذهاب الى جارتها والا فسوف تجدها هنا لتجرها من شعرها... نظرت الى الورق مرة اخرى فكتبت وهي تدرك انها قد اتخذت قرارها..
تبا لك ايها القلب الواهن...
لما ما زلت تخفق لذلك الخائن؟..
كان عليك البحث عن ثان...
ليعلمك معنى الحب الساكن..
ليطهر قلبك من ذلك الذل الساخن…
(الوفى طبعي)
------------------------------------
استيقظت من نومها لتجد السرير فارغا فاستغربت فهذه المرة الاولى التي تنام فيها بأحضانه ولا تستيقظ بين ذراعيه, فابتسمت وهي تدرك ان هذا اليوم كان مفاجئا جدا لها, فقد حصل الكثير من الاشياء للمرة الاولى..
هذه المرة الاولى التي يفترقان بها ويناما بعيدين عن بعضهما وذلك منذ ان تزوجا..انهما يعرفان بعضهما منذ ان كانت مراهقة ولطالما كان لها نعم الرفيق والصديق.. كان حنونا , رقيقا ومحبا, وبعد ان تزوجا اصبح بالنسبة لها
كل حياتها وهي لا تتخيل ان تكون بعيدة عنه ابدا..
لقد حاول طوال هذه السنوات ان يساعدها وكان يقف بجانبها ليكون السند لها وان ينسيها ماضيها التعيس,, حتى في الليلة الماضية ترك المنزل لأنها سمحت لحزنها ان يتغلب على تفكيرها وان يسيطر على عواطفها, فتركها لتحاول ان تستعيد قوتها وهو يعرف انه هو مصدر قوتها وسعادتها..
فابتسمت بينما احمر وجهها خجلا, فطريقة مصالحتهما كانت مذهلة بشكل لا يوصف,, انها المرة الاولى التي يفقدان فيها السيطرة على نفسيهما بهذه الطريقة.. لطالما كانا معا في السرير بشكل رومانسي ولطيف بطريقة تدل فيها على حبهما الهادئ لبعضهما البعض... لكن بسبب افتراقهما تفجرت مشاعرهما ونتج انفجار هائل, فاشتعلت النيران بجسديهما واحرقت كل ذرة تفكير لديهما واجتاحت عواطفهما بشكل عاصف بحيث لم يكن امامهما سوى التشبث ببعضهما بطريقة تستدعي النجاة وقد احبت هذا الجانب من زوجها, الجانب الذي لم يسبق لها ان رأته فيه..
بحثت عنه بنظراتها لتجده يقف امام النافذة عاريا الصدر فعضت على شفتها السفلية وهي تتمنى لو يعودا معا الى السرير.. ان زوجها شخص جذاب ووسيم جدا... هو طويل بعكسها هي , كما انه عريض المنكبين, صدره واسع ورقيق, ولطالما احتضنها بين ذراعيه كالاب الحبيب والاخ الحنون, وجهه بيضوي ابيض وعيونه سوداء تحمل بين خطياته حنان لم يسبق ان عهدته من احد غيره, هو شخص مذهل ورائع, قادرا على تفهم آلام الاخرين والشعور بعذابهم, وهي غير قادرة على الابتعاد عنه ولو للحظة واحدة... لفت نفسها بالشراشف البيضاء وتوجهت اليه وعانقته من الخلف..
أحاطت خصره بذراعيها ووضعت خدها على ظهره وهي تقول هامسة:" لقد اشتقت اليك".
لم يجبها سوى بهمهمة خافتة فابتسمت وهي تدرك سبب صمته,,, انه يظن انه قد آذاها وألمها بفقدانه السيطرة على نفسه بتلك الطريقة فأرادت اخبارها انها احبت كل لحظة قضياها في السرير معا وانها تتمنى لو يكونان معا من جديد..
فسألت:" أين بادي؟".
"لقد تركته عند ماثيو".
رفعت رأسها لتنظر لوجهه وقالت بصوت مليء بالعاطفة:" اذن هناك امضيت ليلتك... كنت متأكدة من هذا... وأنت تركته هناك".
تقدمت ووقفت امامه ورفعت يديها لتحيط رقبته وقالت مرة اخرى:" لقد اشتقت اليك".
أراد نسيان كل شيء, اراد المراهنة ان الامر لن يهم, فقد حصل مرة واحدة فقط ولا داعي لإخبارها, اراد انكار الامر وعدم ذكره مجددا, نظر اليها فرأى الدعوة في عينيها فأراد تلبية رغبتها...
ما حصل بينهما للتو كان مختلف عن اي شيء حصل بينهما طوال هذه السنوات وقد عشق ذلك لكن بأي ثمن... استقبل قبلتها واحتضن شفتيها بين شفتيه بقبلة عنيفة وجارفة تساعده على نسيان الخطأ الذي اقترفه بحقها , فرفع ذراعيه ليضعهما على بشرتها السمراء الشاحبة ونزل بفمه ليقبل الجوف في عنقها بينما كان عقله يصرخ به ان يتوقف لأن ما يفعله الان خطأ اخر ولن تسامحه ابدا ان حصل ما هو ممنوع...
فأبتعد عنها بغضب شديد من نفسه وازداد غضبه حين لاحظ الحيرة على ملامحها فقال قبل ان تخونه عواطفه مرة اخرى:" ارجوك سامحيني حبيبتي, فصدقيني انا لم اقصد ان يحدث ما حدث".
ابتسمت له وقالت:" لا بأس, انا بخير, لم يحدث أي شيء".
هز رأسه وقال:" يا الهي, لم تفهمي الامر بعد... اليوم كنت متلهفا لاحتضانك بين ذراعي, فقد اشتقت اليك بشكل يفوق الخيال, فلم استطع النوم في الامس لبعدي عنك, فأنا معتاد على النوم وانت بين ذراعيّ, لذا فليلة الامس كانت كالجحيم بالنسبة لي, وحين رأيتك صباح اليوم وانت ترتدين ذلك الروب فقدت السيطرة على نفسي واردت امتلاكك في تلك اللحظة ضاربا كل المنطق عرض الحائط فنسيت اين نحن... لذا ما ان دخلنا الشقة حتى سارعت لمبادلتك الغرام دون اي تردد او لحظة انتظار.. وما حصل نتيجة ابتعادي عنك كان مذهلا حبيبتي, وقد فاق كل توقعاتي ولست اندم ولو للحظة واحدة على ذلك".
"اذا ما بك؟ انا فعلا لا افهم ما الذي تحاول قوله".
"يا الهي تونيا... ارجوك صدقيني لم اتعمد ذلك فقد فقدت السيطرة على نفسي ونسيت الامر".
حتى الان لم تخرج من حالة العشق التي فيها ولم تفهم ما الذي يحاول قوله فنظرت اليه وسألت بفقدان صبر:" وما الذي نسيته؟".
مرر يديه في شعره ليزيد من تشعته وقال صارخا:" لقد نسيت الحماية".
وقعت على الارض من الصدمة بينما تلألأت الدموع في عينيها وهي تنظر اليه ولم يكن بإمكانه فعل شيء سوى أن يجد طريقة لإثبات انه لم يتعمد فعل هذا.
-----------------------------------------------------