بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيفكم يا حلوين؟
جيت ومعاي روايتي الثانية. يمكن تكون مشابهة أو مختلفة عن الأولى، ويمكن تكون أحسن أو أسوأ منها.. بترك لكم القرار..
هذي الرواية بتتناول حياة ثلاث بطلات يجمعهم موضوع واحد. طبعا لسى عندي مشكلة البارتات الميكروسكوبية، بس إن شاء الله التنزيل اليومي (إلا لو طرأ شي) بيعوض عن ذا..
أترككم مع المقدمة، والبارت الأول في الرد التالي..
0
صوت مقدمة أحد البرامج الصباحية، "مشكلتي مع كلمة.."، تردد في كل بيت شُغل فيه التلفاز في هذه الساعة، بسؤال حلقة اليوم الذي ستتناوله مع ضيوفها بحثا عن حلول يستفيد منها المشاهدون.
(سؤال اليوم هو: ما مشكلتك مع كلمة زواج؟)
/
/
ابتسمت
زينة بسخرية وهي تجاوب: تشوه معنى الكلمة ذي بالنسبة لي..
لم يكن لها المزاج لتكمل مشاهدة البرنامج، خصوصا وهو يتناول موضوعا سيفتح جراح الماضي من جديد.
نهضت تشغل نفسها بترتيب الشقة الصغيرة التي كانت تسكنها هي وابنتها مع عمها الوحيد وزوجته، مركزة اهتمامها على المجلس، فاليوم جمعة وابنتها كانت تستضيف صديقاتها.
بالحديث عنها..
توجهت إلى الغرفة التي تتشاركها مع ابنتها لتوقظها من نومها: نوف.. هيه نوف! اصحي مو وراك ضيوف؟
انكمشت نوف على نفسها، وامتعضت ملامحها بضيق. جلست زينة مبتسمة بتسلية على طرف السرير، تحرك في شعر ابنتها القصير وتزعجها أكثر: يلا اصحي وشوفي شغلك. لا تتوقعي مني أسويلك الحلا وكل ذيك الخرابيط، وراي كرف التصحيح.
أخيرا استيقظت نوف لتنظر إليها باستجداء: وأنا اللي كنت أتحلم بطبخك الحلو أتفشخر فيه قدام صديقاتي..!
ردت دون تأثر، رغم أنها تعرف في قرارة نفسها أنه سينتهي المطاف بها في المطبخ بكل طيب خاطر: والله طبخي الحلو على قولتك علمتك إياه. قومي يلا!
نهضت نوف بتحلطم، لكنها سرعان ما ابتسمت بإشراق لتضمها وتقبل خدها بطريقة طريفة: صباح الخير يا جميلة!
ضحكت زينة: اللحين بعد الحرب ذيك كلها تقولين كذا؟
هزت نوف كتفيها بابتسامة وخرجت من الغرفة، تاركة زينة تنظر في أثرها بحب.
"نوف.. نوف هي الشي الوحيد الحلو اللي طلعت فيه من زواجي ذاك.."
/
/
أجابت ميساء على سؤال البرنامج بهدوء: فقدت معناها..
ظلت تشاهد البرنامج إلى أن انتهى، لتطفئ جهاز التلفاز وتقف حائرة في خطوتها التالية.
بما أن اليوم كان جمعة، فهي لا تستطيع الذهاب إلى معهد الفنون الذي دخلته منذ شهور ثمان. أتشغل نفسها بالمشروع الذي كلفوها به، أم بصنع الطبخات التي نزلتها من اليوتيوب البارحة؟
لكن.. لم تحتار وهي سيكون لها كل الوقت لتفعل كل ما تريد من نشاطات؟ وحيدة هي في قسمها من هذا البيت. مضت سنة، ألا يجدر بها التعود على روتين العزلة هذا؟
تنهدت، مبعدة نفسها عن التفكير بما كان عندها قبل سنة.. من كان عندها: خليني أقرأ الكهف أول بعدين أشوف..
/
/
الشجن اكتسى بيان عندما سمعت سؤال حلقة اليوم، شجن ظهر في صوتها عندما أجابت: ما عرفت معناه..
ضرب خفيف على خدها نبهها إلى الصغير ذو السنة الجالس في حضنها، ولدها ساري. ابتسمت له بيان بمرح بعيد كل البعد عن أحاسيسها الحالية: غرت يا شيخنا؟ لا تخاف، مافي شي بياخذ بالي منك!/ أوقفته ليسند قدميه على ركبتيها، لتسأله: وش رايك تروح معاي نزور أبوك اليوم؟ تراه اشتاقلك حتى لو لساته راقد..
ضحك ساري كأنه استحسن الفكرة، لتحضنه هي وتقبل أعلى رأسه.
لم يحتج سائقها ليعرف وجهتها، فهي لا تخرج في هذا الوقت إلا لهدف واحد.
دخلت المستشفى تجر عربة ابنها بهدوء، تمشي دون إرشاد في أروقته. دخلت الغرفة التي أصبحت مرقد زوجها لأسبوعين. بدا أفضل حالا من الأمس، أفضل حالا من اليوم الأول الذي هرعوا به إلى هنا بعد حادث في أحد مواقع البناء التي كان يعمل فيها.. لكنه ما زال في أعماق غيبوبته إلى الآن.
بدأت تتكلم وهي تحمل ساري، تسنده على وركها: جبتلك ضيف عزيز عليك اليوم.
وكأنه فهم كلامها كإشارة، غمغم ساري بفرح للقيا أبيه.
قضت معه وقتا، تارة تنخرط في الكلام وتارة تناغي ساري، إلى أن بدأ ساري بالتثاؤب. لو كانت لوحدها كما كانت العادة، لبقت أطول، لكن برفقة ساري ستكون مقيدة بحاجات ابنها التي لا تستطيع توفيرها دون تجهيز كامل: ساري شكله بيقلدك وينام، بحفظ الرحمن يا ياسر..
تقدمت تطبع قبلة حانية على جبينه، لتشد رحالها برفقة ساري إلى الطبيب المشرف عن حالة زوجها كعادتها عند نهاية كل زيارة.
طمئنها بتأكيد لحالته المتحسنة: لكن لازم يصحى عشان نعرف مدى الضرر بالكامل..
-: ومتى بيصحى..؟
-: احتمال يصحى في أي وقت إن شاء الله..
لم تظن أبدا أنها ستفضل استهجان وانفعالات ياسر على أي شيء، لكن غيبوبته أتت لتجعلها تدرك أنها تفضله حاضرا بضيقه وغضبه، بدلا من هادئا ساكنا سكون الأشباح.
انتهت المقدمة..