المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
رحيل هناء / بقلمي .
السلامُ عليكم و رحمةُ اللهِ و بركاته () .
هناءٌ عزباء
كلمة كالظلِ لها تنعكسُ أينما ذهبت تتهاتفُ بها النساء بأصواتٍ متفرقة
و ما تغيبُ عنها حتى تسدلُ الشمسُ أهدابها أما أنا ففي سكرةِ الموتِ القصيرة
ليدحضَ اللهُ علقمَ ما ينطقون و سوء ما يتراشقون فأرزقُ بما تمنيت
انتظرتُ كثيرًا و نلتُ ما يضاهي الانتظار
تعالت اهازيجُ الفرح ، اتسع شدقيهِ و هو يضمني إليهِ زوجة
أسقيه صدر البيت لحنًا و يزهرُ عجز البيت وزنًا .
،
هناءٌ عقيم
كلمة تدوي بها مقاعدُ النساء وستُ أزواجٍ من الأعين تصبُ المرحمةَ و المرثاةَ صبًا
، هندامي يُسحب و عينايَ تهبطُ لطفلٍ بخمسةِ أعوام يسأل :
عمتي هناء لماذا انتِ لا تمتلكِ أطفالاً ؟
لتُخْرِسَ الأفواهُ صوتًا فجَ الأرضَ بعويلهِ فجًا ، " آمال ابنةُ أحمد "
ها قد لآحت مع بزوغِ فجرِ الثانِ من نيسان .
،
يرتشفُ القهوة الداكنة و يخطُ بيديه صدرَ و عجزِ البيت حتى النهاية
و تعودُ عينيه لأول كلمة ليمحو ما كتب حتى آخرِ رمق
باتت كلماتهُ فقيرةَ المشاعر ، الشوق و الشغف و ذلك الغزل الذي ما كان إلا لها
يسترقُ النظرَ خلسة من ساقيها المُفتقِرَين لقعقعةِ الخلخال
لا شيء سوى حذاءٍ منزلي أصفرَ اللون بهتَ لكثرةِ ما يعانقُ قدميها ،
يرتفع لهندامها علهُ يرى فستانَ العشق
فلا يرى سوى الأسودَ القاتم المتجعدِ لجلوسها القرفصاء
إلى ملامحها التي كان يهوي بها في قاعها الذي ظنهُ سرمديًا
ليجد أن كل ما يعشق تلاشى ، ملمحُ الربيع الوسيم آضَ خريفًا دميم !
الشعرُ الأسودَ الغربيب الأملس آل باهتًا قاسٍ
عاثَ الموتُ في حياةِ هناءَ قلبي .
،
تستلقي على السرير الوثير و بيديها هاتفها النقال
يسألها بصوتٍ رخيم وهوَ يخلعُ ثوبهُ السكري : ماذا صنعتِ للعشاء ؟
لتجيبَ دون النظرِ إليه : البيض
فتتحركُ يديه في الهواء و يزمجرُ غاضبًا مكفهرًا :
أقسمُ أننا سنبيضُ و نفقصُ البيض ، هداكِ الله يا امرأة .
،
تجرُ الكرسي الخشبي الكهرمانيَ اللون
تعتليه بأقدامها الصغيرة البيضاء ترتفعُ للأعلى على أطرافِ أصابعها
تفتحُ صنبور الماء و تغسلُ الصحن الأبيض المستدير من بقايا الطعام
خشخشةُ الكرسي ، خرخرةُ الماء ، طقطقةُ الأواني ببعضها البعض
حتى أصرخ : آمال أريدُ النوم لقد أزعجتني .
تنتفضُ يديها و يُكسرُ الصحن فيتلعثمُ لسانها و يدبُ بفؤادِها الرعب :
أمي أرجوكِ لا تضربيني لم أقصد ذلك .
،
هناءٌ ثكلى
آمال توفاها الجبار ، نساء يصدحنَ بالرثاء
شعرها الخريفي الباهت آضَ بياضًا شتوي ، الملامح الدميمة تلاشت
فاختفت هناء صارت سرابًا ، تبكي ، تنوح ، تضربُ الخدودَ و تشقُ الجيوب
كأفعالِ الجاهلية ، تستنشقُ جديلة الصغيرة فترميها للبعيد
و بخطواتٍ هوجاء متعثرة تلتقطُ الجديلة تحتضنها بشدة
و الدمعُ يروي جدبَ بشرتها المجعدة
و لسانها يلهجُ بالحسرةِ و الملامة : ليتني يا آمال ، ليتني كنتُ أمًا .
،
هناءٌ أرملة
أحمد توفاهُ الصمد ، نساءٌ يهربن من هناء ادعاءً أنها شؤم الحياة
و هناء تبكي : ليتني يا أحمد كنتُ زوجة .
،
هناءٌ متوفاة
هناء توفاها الوهاب دُثِرت بالتراب و جاورت من رحلوا
هكذا هيَ الحياة محطة قصيرة منذُ الطفولة حتى الشيخوخة
أناسٌ يرحلون و آخرون يولدون و غيرهم لازالوا بالمجالسِ يصدحون
أتراحٌ تدفن أفراحٌ تولد ، أمنياتٌ تتحقق ، دموعٌ تترقرق
لأننا ظننا الحياةَ برهة و ما هيَّ إلا هنيهةً من الزمن تنتهي دون أن ندرك
تتلبسنا الذاتُ اللوامة و تزُفنا ليتَ حتى الضريح
علينا أن ندرك أن تحقق ما يصدحُ بهِ غيرنا ليس أسمى غايةٍ لنا
و أن عجلة الزمن لن تعودَ للوراء
مسؤوليتي أقومُ بها بأكمل وجه لا أنتظرُ الغد ففي الغد قد أرحل أو يرحلون
فهناءُ الحياةِ راحل لا محالة .
بقلم : الشجية .
طابت أيامكم بذكر الله =) .
|