هزيم الروح
عندما نريد الحب والحياة نتفاجأ بصعوبة ذلك ، حتى إن وجدت الحب فيكون التمسك به ، من المستحيلات ، التى تهزم الروح وتنهب آخر نبضة فى القلب الجريح، فيكون علينا أن نحيا فى إنزواء قاتل ، حتى يأتى من يعيد لنا الأمل فى الحياة.
فى أكاديمية العلوم والتكنولوجيا وقفت ليان تنظر إلى هذا الصرح العلمى الباهر ، قررت الإلتحاق بتلك الأكاديمية لتجد لها مكانا فى حياة عملية مميزة ، أول يوم فى الدراسة كان هادئا ، دخلت إلى الكافتيريا لتشرب القهوة ، جلست مسترخية : جرسون من فضلك واحد قهوة سكر زيادة .
الجرسون : تؤمرى بحاجة تانية يافندم .
ليان : لا القهوة كفاية.
لما سمعت رنة الموبايل فاقت من أحلامها شوية : لما أرد على ماما قبل ماتعملى تحقيق .
قامت عشان ترد : أيوة ياماما ياقمر حياتى الحلوة أه مش هتأخر عشان مفيش محاضرات خالص ، تمام مع السلامة .
رجعت لمكانها تانى وافتكرت أنها سابت فيه مذكرتها ، لما لمحت شاب قاعد اتخضت جدا : ايه ده..ده مكانى من فضلك لو سمحت.
نظر لها نظرة غير مبالية : هو فيه فى الكافيه ده مكانى ، اهدى شوية من هخطف الكرسى بتاعك يعنى!!
ليان : ملوش لازمة الكلام ده .
أمجد : حاضر اتفضلى آسف لو أزعجتك اصلا مخدتش بالى من حاجاتك اللى سيباها هنا.
ليان وقد تورد وجهها خجلا: تمام مفيش مشكلة حضرتك .
أمجد :هو انتِ جديدة فى الكلية صح ، عشان أول مرة أشوفك؟!
ليان : وأنت مالك؟ خليك فى شأنك الخاص.
أمجد وهو يبتعد بعد أن صدته ليان محدثا نفسه : البنت دى غريبة أوى ، شكلها تمام ودغرى ومش بتاعت لف ودوران.
بعد يومين تقابلو صدفة فى ممر قاعات الكلية ، لاحظ أمجد ليان : إيه ده إنتِ ؟ شفتى الصدف بقى ، متعرفناش أنا أمجد فى سنة تانية قسم تقنية حاسوب وإنتِ؟
ليان وقد زال عنها رهاب الموقف : أنا ليان لسه فى سنة أولى .
أمجد : صح كنت متأكد أنكِ جديدة على العموم نورتِ ، من النهاردة أنا أخوكِ ، أى خدمة تحت أمركِ ليان.
ليان : شكرا بس أنا مش أخت حد ، بعد إذنك.
أمجد وقد ظهرت إبتسامته: استنى يابنتى متخافيش مش هاخد منكِ فلوس قصاد خدماتى ههههه.
مرت الأيام سريعا وقد توطدت صلة أمجد بليان ، وإزداد قربهما ، وقف بجوارها فى العديد من المواقف وعرف أنها وحيدة أمها ، ليس لديها سوى أمها وعم واحد مهاجر كوريا الجنوبية منذ عشرات السنين ، مما وطد من صلتهما ، وكانا كالأخوات فيشرح لها الذى يفوتها ، ويأتى لها بالطعام وفى أحد المواقف قالت له : ايه ده انا مبحبش الأكل ، مش عارفة ليه بتشترى كتير كده ، بطاطس مقلية وسندوتشات رومى وعصاير ، مين هيأكل كل ده يا أمجد؟؟
أمجد : كلى هو حد يلاقى أكل ومايكلش هههه .
ليان : ربنا يخليك ليا يا أخويا ، مش عارفة كنت من غيرك هعمل ايه فى الكلية المهببة دى ؟؟
أمجد : ياستى شكرا ربنا يكرمك بصى يالا إنتِ على محاضراتكِ وأنا على محاضراتى .
فى يوم مشمس وقبل الإمتحانات وجدها تذاكر وهو فى طريقه إليها لمح شاب آخر يقترب منها بشجاعة فنظر له أمجد والدماء تغلى فى شريانه: إنت مالك باأختى ؟ إمشى من هنا يلا مشوفاكش بتكلمها تانى فهمت.
الشاب : طيب ياعم بس متزعقش كده ، معرفش أنها أختك مش مكتوب عليها أنها أخت أمجد الدغستانى يعنى!!!
ليان : ههه إنتا خوفته أوووى ، كأن أبوه قفشه وهو بيسرق هههههههه.
أمجد ولم يستطيع إيقاف ضحاته : هههه أيوة كده الأشكال دى عايزة كده مترحمهاش أبدا هههههههه.
فى آخر سنة لأمجد فى الأكاديمية والسنة الثالثة لليان ، كانوا يخططون للعمل بعد الكلية ، هى قررت العمل فى الشركة المصرية الهولندية فى القرية الذكية ، أما أمجد فرفض العمل هناك مفضلا إنشاء عمله الخاص ، شعرت ليان بتوتره فسألته : ايه مالك أمجد ؟ أنا عارفاك فيه حاجة مزعلاك صح؟؟!
رد أمجد : لا بالعكس دى حاجة مفرحانى وشغلانى بقالها شهور وعاوز أقولهالكِ ، بس متردد شوية.
ليان : طيب باعتبارى أختك قولى ايه بقى اللى شاغلك كده؟
أمجد وهو يتلعثم :ليان ..ليان.. أنا ..أنا ثم نهض ووقف أمامها : أنا بحبك أووووووووى ومن زمان بس كنت خايف أقولك لتبعدى عنى.
ليان والصدمة على وجهها : ايه لا لايمكن لا..لا ..لا ...لا إنت أخويا وبس ..لا ..لا .
لما أسرعت فى الجرى لم يستطيع أمجد اللحاق بها ونزلت دمعة : زى مايكون قلبى متأكد يا ليان ، آه آه ياقلبى حظى وحش أوووى معاكِ ليه بس ، طول عمرى بدور على إنسانة تعوضنى عن اللى جرحتنى وقلت إنكِ هتكون إنتِ .
حاول الوصول إليها لكنه فشل بكل الطرق ، بعدها عرف أنها فى صدمة نفسية عنيفة ، مرت الإمتحانات ولم يحاول أمجد التحدث معها ، حتى أجبره قلبه عليها من جديد.
أمجد : ليان اسمعينى بس مش قادر بجد ، يرضيكِ قلبى يتكسر كده.
ليان : معلش يا أستاذ اللى اتكسر يتصلح بس بعيد عنى!!
أمجد : أستاذ؟؟ واللى يتكسر يتصلح ؟؟!! طيب أسيبك بقى وأطير ..قصدى وأمشى معنتيش هتشوفينى تانى خدى بالك من نفسك .
رقت ليان لحاله : أمجد أنا آسفة لإنى بكلمك وحش بس عشانك صدمتنى جدا .
أمجد : يعنى حبى ليكِ صدمة ليه ؟؟ هو فيه حد فى حياتك؟؟ قولى لى وريحينى من عذابى للإنسانية بس .
ليان : مفيش حد بس أنا مصدومة من إعترافك أووى، ولو بتخاف عليا أوووى زى أختك إبعد عنى .
أمجد : بس إنتِ مش أختى وأنا بخاف عليكِ أكتر من نفسى ، متبهدلنيش معاكِ آمال؟؟!! أنا محتاجكِ فى حياتى ياعمرى.
ليان : طيب ادى لى فرصة أفكر .
أمجد : تمام ومع إنى شاكك فى رفضكِ ليا .
ليان بنظرة غير مفهومة : اللى عايزه ربنا هو اللى هيكون.
انتظروا بقية القصة
غابت ليان فى سراديب التفكير ، مرت أسابيع وهى بين قبول حبه ورفضه : أعمل ايه بس خايفة أظلمه معايا ؟؟
تذكرت كلماته : بصى أنا مش بلعب بيكِ ..لا أنا بحبكِ أوى وشايفكِ حياتى اللى جاية وهتقدم ليك بعد ماتوافقى مستنى ردكِ بفارغ الصبر.
لما تحدثت مع أمها إرتاح قلبها قليلا لكنه ظل مشغول بتكسرات القلق التى لم تعتاد عليه : ماما انصحينى ..مش عارفة اخد قرار،مش عايزة أذى نفسى ولا أظلمه،عشان مش بكن ليه أى مشاعر .
أمها : يابنتى ده بيخاف عليك وهو اللى وقف جانبك طول السنين اللى فاتت..وكفاية أنه قالك هتقدم ..يعنى بيحبك بجد ..عليك بصلاة الاستخارة وربنا يريح قلبكِ ياروحى.
ليان : حاضر ياماما ..ربنا يقدم اللى فيه الخير.
كانت تحلم بالأيام المقبلة طول هذا الوقت وفى أحد أحلامها رأت أمجد يصاب بطلق نارى فى قلبه : ياساتر ..أمجد ..أمجد ..وقامت مفزوعة جدا ..ايه اللى أنا بحلم بيه ده..بعدها بيومين تكرر نفس الحلم..لكن اللى زاد أن أمجد قالها فى الحلم .هموت لو أنتِ مش هتكونى ليا..أنقذينى ليان ..
بعد مرور شهور الأجازة قررت ليان أخيرا التحدث مع أمجد عن قرارها ، لما تقابلوا فى الكلية ، شعرت بتوتره : ايه ليان قررت ايه ؟ بس استنى لما استعد هههه معلش اصلا انا رهيف أووووى .
ليان : إيه ..فيه راجل يبقى ضعيف..أجمد يا أمجد شوية ..أنا مش بحب الضعفا..ماشى.
أمجد : هو أنا مش إنسان ولا أيه..وبعدين منتى خوفتى لما قلت ليكِ بحبكِ وجريتى هههههه كنتِ مسخرة هههه.
ليان : إنت بتتريق عليا ماشى..أنا زعلانة وهعذبك شوية عما أقولك قرارى...البادى أظلم
أمجد : لا كله إلا كده إحدفينى بسرعة بقراركِ عشان نخلص!!
ليان : أنا موافقة بس مفيش جواز قبل ماخلص الكلية ..أوووكيه.
أمجد بفرحة: بجد ولابتهزرى معايا أنا أسعد واحد على الأرض ..وكل اللى تؤمرى بيه هنفذه من غير أى إعتراض..بس هيبقى فيه خطوبة ..عشان أضمن محدش يخطفكِ منى.
ليان وقد خجلت : طيب تقدر تكلم ماما ..أما ماشية عشان ورايا كذا مشوار...سلام.
أمجد : سلام ياقلبى ياقلب أمجد من جوا.
تمت خطوبتهم فى أحد النوادى المطلة على نهر النيل فى مصر الجديدة ، ولاحظ الجميع حب أمجد لها مما أخجلها : مش كده الناس تقول علينا ايه بطل تبص ليا كل شوية.
أمجد : اصل أنا جانبى القمر لو مبصيتش ليه كل شوية هيحصلى حاجة .
ليان : لا والله ..ده إنت مجنون بيا صح.
أمجد : طبعا وبكره إنتِ تبقى مجنونة بيا برضوو.
مرت سنة على الخطوبة وتخرجت ليان بتقدير جيد ، وكبرت أعمال أمجد فى مجال التقنية وأسس شركته الخاصة ، وجاء يوم الزفاف مع تراكم مشكلات بسيطة ، إلا إن تراكمها قد إزداد ، مماجعل القرب بينهم يزداد صعوبة.
بعد إنتهاء حفل الزفاف وفى وسط شقتهم تركت ليان يد أمجد بعنف لم يتوقعه : سيب ايدى لو سمحت..
أمجد باستغراب: ايه!! فيه ايه ..مالكِ قلبتى كده ليه..منتى كنتِ كويسة ..
ليان وهى تغلق باب غرفتهم فى وجهه : ابعد عنى الساعة دى أنا مش طايقة حد..
عاش أمجد وقت عذاب طول هذين الأسبوعين : مالكِ مخصمانى ليه؟؟ طيب ردى عليا ..كولى معايا حسيسينى إنى متجوز.. مش قاعد لوحدى هنا..أى حاجة لله كده يابنت الناس..
ليان والدموع منهمرة : أمجد أنا ظلماك معايا ومش قادرة أحس بيك ارحمنى وارحم نفسك بلاش تعاملنى كده.
أمجد بصوت عالى: بصى انا زهقت مش عارف ايه مشكلتك بس ؟!! من فضلكِ امشى من وشى.
ليان بغضب : متزعقش فيا إنتا فكرنى مين، أنا مش هسكت لك أبدا.
أمجد وقد أمسكها من شعر رأسها : بتقولى ايه نهارك مش فايت، أنا هربيكِ من أول وجديد وضربها لكنها أفلتت منه وهربت .
مر يوم وهما فى غم شديد ، كان أمجد يتوجع لأنه ضربها ، وهى تريد الإبتعاد عنه قدر الإمكان ، قلبه لم يتغير معها ، ظل لديه الأمل فى تقبلها لفكرة أنها زوجته.
معاناة كل منهما كانت تجرح الآخر وإن لم يلاحظ ذلك ، فى نوبة تعاطف مع نفسه قرر التفكير فى حياته : يعنى انفصل عنها ولا اعمل ايه؟ طيب أنا بحبها وهى خايفة منى ؟ ومن مشاعرى ، ممكن تكون دى غلطة عمرى إن فكرت أنها ممكن تحبنى زى مابحبها؟!!
ضاق الخلاف قليلا وتروضت نفس ليان ، وأصبحت تبتسم فى وجهه وتأكل معه فسألها : تغيرتِ أهوو شوفتى أنا مش بخوف هههه.
ليان : دى أنا مش بخاف منك بس بخاف عليك من حبى وكده.
أمجد وقد قفز قلبه : طيب أوى تكشرى فى وش تانى اضحكى على الأقل لحد ماننفصل عن بعض ،كنت عايز أكلمك بخصوص إنفصالنا اللى لازم يحصل عن قريب.
ليان : طب وهتسبنى لوحدى؟
أمجد بنرفزة : إنتِ مش طيقانى عايزنى أكون معاكِ ليه؟؟ أظن حرام أفضل متعلق بخيط دايب!!
ليان : ماهو إنتا مش عاطينى الفرصة عشان..أقولك إنكِ هزمت روح الخوف فيا علمتنى يعنى ايه اللى بيحب بجد ميسبش أبدا مهما حصل ، عرفت يعنى ايه حب بجد ، إنتا هزيم روحى اللى فاقت وعرفت قيمتك، انا كما اكتشفت إن بحبك يا أمجد.
أمجد وقد إحتضن كفيها : أوعدك بالسعادة وعمرى ماهسيبكِ مهما عملتى فيا ياحتة من روحى.
تمت ،،
بقلم
الكاتبة : مروة على