كاتب الموضوع :
ام حمدة
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: دقات ساعة - خليجية - بقلمي \ منى الليلي ( ام حمدة)
لم تجب فمازالت الصدمة تشلها عن ابداء رأيها أو التصديق بما قاله للتو وتابع:
- تزوجيني وأنا ما راح أقدم أي بلاغ.
ارتد رأسها بحركة سريعة للأعلى، وناظرته دون تصديق، وأكمل:
- و زواجنا راح يكون جدام الناس بس، لأني أنا ماكنت أبي أتزوج، بس أمي الله يهديها تبي تجوفني متزوج وأنا ما كنت أبي أكسر خاطرها.
وهذت بحروف لا تعرف إن خرجت صحيحة أم لا:
- انت... أنت أكيد جنيت!!... انت شو... انت شو.... تقول؟؟.
تراجع وجلس فاردا ظهره وأرخى ذراعه على الأريكة وأجابها بصلافة:
- بصراحة... بعدني ما خرفت وما جنيت، وأنا بكامل قواي العقلية، أصلا كنت أدور على وحدة علشان أتزوجها وانت كنت جدامي.
تأملته... وجرت مقلتيها على ملامحه تبحث عن الحقيقة عن الكذب، ولكن هيهات أن تخرج شيء من الذئب، وهزت رأسها يمنة ويسرى وانسلت منها ضحكة فارغة:
- أنا أكيد مريضة وقاعدة أهلوس!!.
وأخذت تهمهم بعبارات غير مفهومة، وعيناها تبحث وتناظر ما حولها، حتى تكلم:
- اسمعيني يا شما... انت ما عندج أي خيار، يا السجن أو الزواج، وأظن بزواجج مني راح تعيشين مثل الملكة معززة ومكرمة.
هل رأيت من قبل كيف العسل ينصهر ليتحول للون قاتم كأن النار تشتعل بداخله؟؟.. وبريقه الأخاذ يسلب الألباب بلمعانه وبلهيبه الحارق المائل لغروب الشمس؟؟.. كل تلك الألوان لألأت بمقلتيها تعلن عن وشوك هبوب عاصفة شديدة القوة، فهسهست بأسنان مصتكة:
- لا... أنت أكيد مجنون مية بالمية، انت قاعد تساومني وبكل برود!!..
- عندج حل ثاني؟؟.. صدقيني أنا ما يهمني شو يلي يصير فيج، وفي بنات غيرج لو أطلب على طول راح يوافقون .
وصرخت وهي تقف بأعصاب فلتت من معقلها:
- عيل شو تتريا؟؟... روح ودور على غيري، أنا مب عبدة أو سبية علشان أبوس أريولك وأقول الله يخليك تزوجني.
صدرها يهدر بعواصف رعدية، وأنفاسها ثائرة غير قادرة على التحكم بها، وعيناها تبرقان بالشرر، ولو كانت النظرات تقتل لخر الذئب قتيلا.
نهض صالبا قامته ليضاهيها بالطول والحجم، وقذفها بنظرات محتدة وغامضة، ولكنها لم تأبه ولم ترتد خوفا منه، بل وقفت أمامه ندا بند، وواجهته بكبرياء وشموخ أبدا لن يكسره.
دار على عقبيه وقال بأمر وهو يتجه لمكتبه:
- تمام.. انت اخترتي يلي تبيه، وألحين ممكن تلمين أغراضج وتطلعين من الشركة، واتري الشرطة.
تحركت برأس عالي متجهة للخارج ودمها يغلي ببراكين لن تخمد وقبل أن تخرج همس بجملة جعلتها تتصلب بمكانها:
- حلو انج تكابرين وتتمسكين بكرامتج، بس الأنانية مب حلوه بحالتج، انت بس فكرتي بنفسج وما فكرتي بأهلج شو راح يصير فيهم لما تدخلين السجن؟؟... ما فكرتي بأخوج حمد يلي قريب راح يتزوج شو راح يقولوا أهل حرمته؟؟.. ما فكرتي باختج المخطوبة شو يلي راح يقولون عنها أهل ريلها؟؟... ولا اخوانج الباقيين؟؟.. طيب أمج فكرتي شو راح يصير فيها لما تجوفج مرمية بالسجن؟؟.
موجة من البرودة اجتاحتها، وخافقها اعتصرته قبضة من حديد، ويالها من ضربة توقظك من أوهامك فترى نفسك تسقط بوادي سحيق دون أن تجد له قرار.
التفتت ناحيته جاحظة العينين، ولسان قد سرقت حروفه، ورؤيا والدتها وأشقائها تتقاذفهم أمواج الحياة دون القدرة للوقوف ومواجهتها شلتها، ليكون القرار مصيرها ارتبط بسعادة عائلتها.
*******************
صوت الموسيقى يصم أذنيها ولكن صراخ قلبها قد سمعت دوي تحطمه لأشلاء، فأرادت الصراخ، أرادت العويل، أرادت الانتحاب لتخبرهم... متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟؟.. أتشترون الأرواح بالأموال؟؟.. متى أبخصتم الأثمان وقدرتم قيمتها؟؟.. أببضع دنانير تبيعون وتشترون؟؟.
سقطت صفرتيها الناقمتان على والدته وشاهدت كم هي فرحتها لزواج ابنها الحبيب... تتذكر استقبالها لها بالترحاب والتبريكات والدعاء لها بالسعادة الأبدية مع ابنها، وكم كانت عيناها تشعان بالبهجة لزواجه، كانت سعادتها حقيقية ولا لبس فيها، وكانت غبطتها أكثر بحصوله عليها... زوجه تعينه على صعوبات الحياة.
شخرت باستهزاء... أي سعادة وأي هناء؟؟.. كل شيء هنا ينطق بالكذب.. الحفل... والمكان.. والجمال.. وكل شيء.. كل شيء حتى فستان أحلامها، كل ما حولها يصرخ بأنه سراب وليس بحقيقة، فقد قالها صريح العبارة ولم تخطئها أذنها.
- وخليج فاكرة، إن زواجنا راح يكون مظاهر علشان أمي، فلا تتوقعين مني شي مثل حب وخرابيط ورومانسية، لج يلي تبيه من فلوس وجاه ومال وعليج بس تسمعين كلامي وتطيعيني وتكوني زوجتي جدام الناس، ويلي عرفته انج انت بعد ما تبين تتزوجين، فبجذا احنا نناسب بعض، انت تسكتين أمج وأنا أسكت أمي.
ضياع... تشعر بنفسها تائهة بسكة سفر تشعبت أمامها الطرق ووقفت غير عالمة بأي طريق تسلك، لتتراخى ساقيها غير قادرة على حمل أحمالها وسقطت مهزومة ومحاصرة بكل اتجاه .
تتذكر كيف والدتها أجبرتها على الرضوخ للزواج منه بدل دخولها للسجن بعد معرفتها بما حدث، فكما قالت لها بلوم وعتاب:
- أموت أحسن لي قبل لا أجوف بنتي وهي مرمية بالسجن.
ألا تعرف بأن قيد السجن أرحم من قيد الزواج من رجل أناني لا يبغي سوى ما يريد؟؟.. أناني ومتعجرف ولا يتحدث سوى بلغة المال؟؟.
- بس أنا مابي أتزوج!!.. ما بي...
فزعقت بها الأم وقد بلغ صبرها مداه:
- عيل تزوجي راشد!!... دام انج ما تبين الذيب.
- يومه....
فقاطعهم شقيقها أحمد وهو يقول:
- على طاري راشد... تعرفين إنه كان هنا لما جا الذيب علشان يخطبج!!.
التقى حاجبيها بعقدة والفضول قد استحكمها لتعرف ما حدث، ولم تنبس بأدنى شفه، وتابع شقيقها قائلا عندما شاهد اصغائها وأخذته ذكرياته للأحداث التي جرت بعقر دارهم، أحداث شاهدها كثيرا بالتلفاز ولم يدر بخلده بأنها ستقع هنا في منزلهم والمعركة كانت من أجل شقيقته، وقال مبهورا:
- تعرفين؟؟... أول مرة أجوف ضرابة (معركة) ولا أي ضرابة صدقيني راشد مايي جدام الذيب بشي.
وسرحت بخيالها والمقارنة تعود من جديد وهي تعلم بأن المقارنة لا تجوز معه، وعادت أذنيها تصغيان بانتباه، ودمائها تتدفق بهدير صاعق كما العاصفة الهوجاء التي ستبتلع كل من يقف أمامها ويتحداها.
- كنا يالسين وكان يكلمنا عن أهله وشوي دخل راشد علينا ويلس وعيونه كانت على الذيب وكأنه شوي ويبي ياكله، لكن الذيب ما عطاه أي سالفة وكمل كلامه ولما قال أنا ياي علشان أتزوج اختكم شما فز راشد يصارخ......
- لا.... أنا أرفض!!.. شما لي أنا.. أنا وبس...
طالعه الذيب من طرف عينه ثم عادت لمحدثيه وتابع:
- أنا يشرفني إن بنتكم تكون زوجة لي على سنة الله ورسوله......
قاطعه اقتراب راشد منه وأنفاسه على أشدها، وشياطينه تتقافز أمام ناظريه، وهو يرى حب حياته يتسرب من بين يديه.
- انت ما تسمع؟؟..
وصرخ باهتياج وهو يشير لنفسه:
- شما لي أنا وما راح تكون لغيري.
ليقول شقيقها حمد وهو يناظره بغضب جامح:
- شما لك؟؟.. أجوف بس ألحين تصرخ وتقول شما أنا يلي بتزوجها، لكن قبل ما قلت شي ولا صارخت علشانها وتركتها ورحت تزوجت وحدة ثانية، وألحين ياي وتقول شما لي أنا وبس؟؟... ليش؟؟... هي اختي لعبة تاخذها متى ما تبيها وترميها متى ما تبي؟؟
أنفاسه تتصاعد كما الأبخرة، وصدره يتحرك بسرعة وهمس بارتباك:
- أنا... أنا... هذا صار غصب عني... بس ألحين جاي....
ليقاطعه الرجل الغريب بهدوء ومازال على جلسته المسترخية:
- العيب لما الواحد يرمي شي ما يبيه وبعدين يرجع يطالب فيه لما تحلى بعين غيره.
تأمل راشد هيأة الرجل الجالس أمامه بجبروته وعيناه التي تنطق بالقوة، وبملابسه التي تهمس بالجاه والمال، وملامحه الوسيمة التي لن تستطيع أي امرأة أن ترفع عيناها عنه ... فهو الرجل الذي تتمناه كل امرأة.
فزادت نيرانه وفقد يوشك على تذوقه بالرغم من بعدهم إلا أنه ما زال يأمل على لم الشمل، وأكمل حمد:
- روح في طريجك يا راشد ومالك شغل باختي أبدا، وانت أصلا عارف إنها ما تبيك.
وزعق نافيا نسيانها لحبهما:
- مين قال؟؟... هي بس تتغلى....
ابتسم الذئب باستهزاء جعلت عروق راشد تبرز بغضب ورد عليه بأسنان مصكوكة:
- ليش تضحك؟؟.. أنا قلت نكتة؟؟
- أصلا ييتك لهنا تعتبر نكتة، وطلبك نكتة.
اقترب أكثر إلا أن صار يحاذيه وهسهس:
- انت زودتها وايد والأفضل إنك تروح من هنا لأن ما في بنات يتزوجون هنا.
تطلع إليه الذيب من تحت رموشه راميا اياه بنظرات مستفزة فما كان من راشد سوى ابتلاع الطعم لينقض عليه ضاربا بخوفه عرض الحائط من أنه بمواجة الذئب البشري محاولا امساكه من ياقة دشداشته، وبحركة واحدة من الرجل العصامي نهض وتلقفه من رقبته بقبضة من حديد ليلصقه بالجدار ويرفعه للأعلى وذلك الآخر يحاول أن يلتقط أنفاسه بصعوبة من شدة اعتصاره لرقبته واستحال وجهه للأزرق وقدميه تحاربان الفراغ تحته.
فز كل من الأم وحمد وأحمد الذي كان أن جلس معهم بعد معرفته بوجود ضيف بمنزلهم لمحاولة انقاذ روح الرجل الذي يصارع من أجل البقاء.
- يا ولدي اتركه لا يموت.
ترجته والدة شما أن يتركه وأفلته بعد أن نطق جملته بأمر عليه أن يلتزم بها إن أراد الحياة.
- والله... ثم والله لولا هذي الحرمة جان ذبحتك وشربت من دمك، لكن راح أتركك بشرط إنك تنسى وحدة كنت تعرفها واسمها شما... وإلا قسما عظما لتصير حرمتك أرملة وعيالك أيتام.
وخرج راشد موليا الأدبار ومودعا حبا سيظل مخلدا بذكراه وبقلبه للأبد.
عاد أحمد لحاضره وهو يتابع:
- يا الله بس لوتجوفين كيف كان ويه راشد، بصراحة.. هذا الذيب عاجبني وايد.
قاطعته هامسة:
- كفاية....
ثم مالبث أن علا صوتها:
- يعني جاي لحد البيت وياي يشتري ويتشرط؟؟.. يعني أنا صرت سلعة وأتنقل من ايد لايد؟؟
فردت والدتها مستغربة قولها:
- شما... شو ياي يشتري ويبيع؟؟.. الريال ياي يتزوج على سنة الله ورسوله.
فأجابتها بصوت مشروخ مما يحصل معها، بحب قد تركها تصارع لوحدها مطبات الحياة، وذئب جاء يبحث عن فريسة سهلة المنال ليستغلها.
- أنا ما بيه، مابي أتزوج.... ليش مب راضيين تسمعوني؟؟.. وقولوا لهذا الحيوان إني مب لعبة بايده، وراح أوقف جدامه وماني خايفة منه.
ولأول مرة والدتها ترفع صوتها لتخرسها:
- شما......
وأشارت لها بسبابتها :
- اسمعيني يا شما... اختاري من الاثنين، يا تتزوجين راشد وتسكنين مع حرمته الأولى وعياله وأمه وترضين فيه، يا انج تتزوجين الذيب وتعيشين في بيت لحالج معززة مكرمة، والريال راح يحطج بحباب عينه وماراح يقصر معاج بشي.
ولم تعطها المجال للاعتراض، فقط قالت كلمتها الأخيرة ووقع عليها حق الاختيار بين نار حب قد تخلى عنها بمحنتها وبين أن تكون ملكة، وينقذها من براثن العنوسة التي تهددها، ومن قضبان هي بريئة منها، فكان عليها أن تخسر مقابل الكثير... وهي اختارت.
*******************
حان وقت حضوره ونهضت بتخاذل بانتظاره كما هي العادة بحفلات الزفاف، وما أن لمحت ظله حتى شمخت بكبرياء وعنفوان أنثى لن تخضع أبدا لأحكام رجل قد تجبر واتخذها كجارية وضعت على الهامش، وهي لم تولد لتخنع تحت قدمي أي مخلوق سوى رب العباد، وستريه من هي، فهي تترفع عن استحقار ذاتها واذلال نفسها لمن هو أدنى منها .
وهمست بوعد:
- والله ما راح أنكسر!!.. ولا راح أسمحلك تخليني خدامة عندك!!... وراح أراويك من هي شما بنت سعيد!!.
سارت مراسم الاحتفال بسلاسة دون أي عقبات، فقط من يدقق بعيون كل واحد من هذين الاثنين سيجد حكاية وأحداث وحروب ومعارك،
وكما يقال الكاميرا تلتقط الحقيقة، وقد ظهر جمودهم وعدم الفرح ليومهم هذا بداخلها، وقد ثارت المصورة مع كل رفض من العروس لكل وضعية أرادتها مع العريس، فما كان منها إلا أن استسلمت والتقطت لهما صور جامدة لا حياة فيها ولا سرور، كأنهما تمثالين من الشمع.
لم يتكلم العريس أو يتدخل بل ظل يراقب من بعيد كأنه يشاهد مسلسل ما لا يخصه لا من قريب ولا من بعيد، وانطلقوا بعدها للعش الزوجي بعد بكاء وتوديع وعناقات ووعود بعدم التخلي من عائلتها، وجلست ملاصقة لباب السيارة وكأنها تخشى على حياتها من الوحش المفترس الذي يقبع بجانبها دون أن يتحرك أو يعترض أيضا على تصرفاتها.
وصلوا لوجهتهم ونزلت من السيارة بعد أن فتح لها السائق الباب باحترام، شكرته بهمس ودارت حول السيارة بآلية ومن ثم تجمدت بمكانها وهي ترى منزلها يتلألأ ويبرق من الاضاءة التي أظهرته بأنه يحترق تحت وهجها، كان غاية بالجمال فأخرجها صوته:
- خلينا ندخل... الجو بارد.
انطفأت شعلة عينيها وعادت لواقعها بأنها صارت أسيرة براثن الذئب المفترس.
نفس عميق ثم زفرته واستعدت للمعركة القادمة ولكن لم تكن هناك أي حرب بل كانت هناك طاولة صغيرة لشخصين زينت بالورود، والشموع موزعة بكل أرجاء الغرفة، وورود حمراء نثرت على السرير الكبير، والاضاءة كانت خافتة ورومانسية، كانت الغرفة تسبح بجمال خلاب سرق أنظارها وخافقها، وجعلت ملامحها تسترخي وابتسامة ناعمة زينت مبسمها الوردي بابتسامة حقيقية غير مزيفة، وبلحظة استكشافها لغرفة النوم توقفت أنظارها على ساعة الحائط التي تعلن عن وصولها للساعة الـ 11 عشر ليلا، بقيت ساعة واحدة فقط لتدخل عامها الجديد، عام انتظرته ليحمل لها هدية السعادة وحياة يكتبها الله لها مليئة بخيراته، لقد انتظرت طويلا لتسمع دقات الساعة لتعلن معها عن رغباتها وأحلامها، لكن أحلامها قد تحطمت من على علو شاهق، وعامها الجديد تعرف كيف سيكون......
يا عمر ينقضي على مر الأيام
تمضي به الأيام والشهور ساعيا خلف الأحلام
أيأتي يوم يهديك صفعة الاستيقاظ؟؟
أناظرك يا ساعة تتحركين
ومعك تتحرك أيامي
أنتظرك مع كل دقة وتكتكة لأرى آمالي تتحقق
وأناظرك بلهفة المشتاق وأنت تطوين صفحاتي القديمة
وأنتظر هداياك الجديدة لعلها تحمل لي ما أريد
لأراك تهديني نبذة عن حياتي القادمة
- عجبتج غرفة النوم؟؟.
خرجت من بؤسها، وحركت رموشها تبعد ما اختزن خلفهما وتحركت للداخل وهي تجيبه بهمس خفيض:
- ما يهم... المهم غرفة نوم والسلام .
خلعت عباءتها ووضعتها على الأريكة ومن ثم أتبعتها بشيلتها، ليظهر جسدها الممشوق بفستان غاية بالروعة احتوى امتلاءه ليظهره فتانا سارق للقلوب والأنفاس، ومن ثم دارت على عقبيها لتنصدم بوجوده معها بالغرفة، فقد اعتقدت بأنه قد رحل.
أصابها الخجل من تحديقه بها وهي ترتدي هذا الفستان الذي يلتصق بها، وهمست باستحياء وعينان تحاولان مداراة حيائها بتهربهما:
- في شي؟؟.. أنا تعبانة وودي أنام.
وسارت متجهة ناحية السرير وأضجعت جسدها معطية ظهرها له، لا تعرف كم مر من الوقت... شعرت بأنه دهر وهي بالحقيقة كانت دقائق، حتى أحست بالفراش يصدر صوتا كأن أحدهم رزح بثقله عليه وقبل أن تعترض سمعت زفرات مثقلة ومهمومة تخرج من خلفها وبدأ....
- اسمعيني زين يا شما....
سكت وأصغت مجبرة، فلا قدرة لديها للحديث، فإن فتحت فاها فقط لتنفجر بالبكاء، فآثرت الصمت كي يقول ما لديه ويخرج، لتفك أسر ما تختزنه.
- أنا ما عرف أجمل وأقول كلام حلو وغزل، من يوم ما طلعت على الدنيا وأبوي اخذني للشغل وعلمني كيف أكون رجل أعمال، ونسى يعلمني كيف أتعامل مع الجنس الناعم، وأنا أصلا ما اهتميت كثر همي كيف أكون رجل ناجح، علشان جذا بقولج شي وإن شاء الله تفهميني صح.
وهنا... أنصتت بانتباه بالرغم من رغبتها بالنهوض وسحبه وركله للخارج كي تسمح ما يؤلمها بالخروج، واستطرد:
- نجحت وعليت مركزي وصار الكل يخافني ويعملي ألف حساب، إلا وحدة كانت شوي وبتضربني.
وتذكرت ما غاب عن ذهنها وشهقت من تلك الذكرى وكادت أن تقهقهة بصوت عالي حتى استدركت نفسها وكتمتها بصعوبة وهو قد شعر بما كتمته وابتسم:
- كنت أسوق السيارة وحضرتها طلعت جدامي وكانت هي الغلطانة.
فصرخت دون ارادة وهي تحرك جسدها ناحيته:
- بعدك مصر إني أنا يلي طلعت جدامك وكنت غلطانة؟؟.
ودار جذعه العلوي ليتطلع إلى هيأتها الخلابة بشعرها الأسود المتساقط على كتفها بتمرد بعد أن فكته من تسريحته، وعيونها الهجومية بعسلها المنصهر، وبشفتيها التي تناديان بالخطيئة.
وأكمل ولم يحد عنها بنظراته، كأنه يبحث عن العذاب بين فتنتها.
- المهم... مين الغلطان مب مهم، خليني أكمل....
تراجعت معتدلة واتكأت على الوسادة وتلاعبت بأصابعها وعقلها يسرح للبعيد بلقاء لم تعرف بأنه سيعود ويتكرر، وأنه سيكون مصدر تهديد لحياتها، وأكمل عندما شاهد اصغاءها:
- نزلت وحدة من السيارة شابة ضو.... ( مشتعلة بالغضب )
وضحكت بخفوت ولم تستطع احتواءها على التشبيه، وتابع وعيناه تلتقط ابتسامتها المشرقة التي تهادت إليها بعد فترة من نسكها بعدم الابتسام مرة أخرى.
- ووقفت جدامي بدون لا تخاف من شكلي ولا جسمي، ولو وحدة ثانية كانت اتأسفت وراحت، أما هي صارت تتنازع وتتهم، ولما أعطيتها اسمي مثل ما طلبت علشان تقول للشرطة توقعتها تخاف وتتراجع وصار العكس، قالتلي لايكون هذا شارع أبوك علشان جذا ما خذ راحتك؟؟.
أطلقت العنان لصوتها الرنان واهتز جسدها على اثر قهقهتها العالية وهي تتذكر ما دار بينهما من حوار، على ما قالته، وظل هو على صمته فقط يراقبها حتى رحلت وقد أخذت منه مبلغ لتصليح سيارتها التي أصيبت بخدش بسيط باللون، واستطرد ليحل الصمت بعدما بزق جملته تلك وجعلها شاخصة البصر عليه، وفمها قد فتحته دهشة.
- من يومها وصورة هاذيج البنت ما راحت من بالي، وقلت هي يلي بتكون حرمتي.
شهقت بصوت عالي وكادت روحها أن تزهق من شدتها، وكتمتها بكفها غير مصدقة ما يلقى عليها، وأكمل وعسليتيه تتابعان خلجاتها المصدومة:
- واكتشفت انها وحدة من الموظفات بشركتي، لكن للأسف طلعت مالجة وزواجها كان قريب.
لم تستطع التحرك ولم تقدر على الاتيان بحروف لتصوغ ما تريد قوله، ما تسمعه شيء عجيب وغريب، هل حقا هذا الكلام صدر من الذئب المتوحش الذي أراد أن يزج بها بالسجن وابتزها ليتزوجها أو يرميها خلف القضبان؟؟... ولم تتفوه بحرف واحد لأنه عاد يسرد ما لديه:
- أكيد سمعتي إني تزوجت؟؟.
وهمست تجيب بآلية:
- أنا حضرت عرسك.
ابتسم باستهزاء من ثم أخذ نفسا طويلا وهمس:
- هيه... تزوجت وحدة اختارتها أمي بعد حنتها، وبعد سنة تطلقنا، تعرفين ليش؟؟.
هزت رأسها بالنفي وأكمل:
- طلع عندي اعتلال بالقلب وصرت دوم أمرض وأعطيتها حرية الاختيار.
رفع كتفيه بلا مبالاة وهمس:
- وهي اختارت...
فهتفت بحنق:
- غبية... كان لازم توقف معاك!!.. تراها حرمتك، عيل شو فايدة الكلام بالصحة والمرض، وبالغنى والفقر.
ابتسم لحنقها وتابع:
- ما أقدر أغصبها على شي، وثاني شي ما كنت أعرف إذا كنت بحيا
أو أموت، فليش أخليها معلقة!!.. المهم سافرت أنا للعلاج لمدة سنتين لألمانيا منها عملية وفترة نقاهة، وأعقد صفقات .
- بس احنا ما عرفنا من انك مريض، كل يلي عرفناه انك طلقت وسافرت على طول .
وأكمل باستهزاء:
- وقلتوا كان يموت بحبها وزعل علشان جذا سافر بعيد.
هزت رأسها توافقه، واستطرد:
- بصراحة ما يهمني يلي ينقال عني، بعمره كلام الناس ما يحرك فيني شعرة، المهم... لما رجعت عرفت انج بعد تطلقتي وريلج تزوج وحدة ثانية.
أشاحت ببصرها بعيدا ثم أعادته بعد أن سألها:
- بعدج تحبينه؟؟.
- مين... راشد؟؟...
وأجابته بصدق:
- بصراحة.. لا... هو خلاص راح بطريقه واختار، فليش أظل بهوى واحد تخلى عني وتركني، وهذا دل على إنه انسان سطحي وكان ممكن بأي وقت من فترة زواجنا لو صار فيني شي، كان راح ينسحب بسهولة.
سكتت ثم قال لها:
- عارف إنج تبين تسألين.. لما أنا مهتم فيج ليش أجبرتج على الزواج واتهمتج بالسرقة؟؟.
هزت رأسها....
- أيوه... ودي أعرف.
- لأني عرفت انج حالفة ما تتزوجين أبدا، توقعت إنه بسبب إنج زعلانه على حبيبج علشان تزوج وحدة غيرج، وجذا حلفتي، لكن بعدين عرفت السبب.
وبسرعة.. أمسكت فستانها تشده بقوة كأنها تحميه من العيون المتلصصة، وسحبت قدمها لتلصقهما بصدرها وأمسكتهما بذراعها وران الحزن عليها. اعتدل بجلسته ليكون بمواجهتها وزجرها بشدة جعلها تتطلع إليه ودموعها تهطل أنهارا على وجنتيها:
- ارفعي راسج لفوق يا شما ولا توطيه، انت انسانة مؤمنة بقضاء الله وقدره، وقوية، وأنا جفتج وانت تعدين محنتج وتوقفين رافعة الراس، فلا ترجعين ألحين وتنزلينه.
وأخفضت رأسها وبكت بنشيج مؤلم ساحق لروحها وهي تتذكر البلاء الذي أصابها الله به، فقد كانت بأحد الأيام تقود سيارتها باتجاه عملها وشاء القدر أن ينام صاحب الشاحنة ويغفل أثناء قيادته وتكون هي الضحية، فقد صدمها بشدة وتدحرجت سيارتها عدة دورات وبعدها اشتعلت النيران فيها لتلتهم جسدها، ولولا عناية الله بها لكانت فارقت الروح بتلك اللحظة، لكن الله أهداها ولادة جديدة، جعلتها شاكرة ومفكرة بنعم الله، وأن هناك ما هو أهم من مباهج الحياة، ومع بعض العمليات البسيطة والأدوية عاد جسدها للسابق، لكن بقيت ندوب تخبرها بما حدث وهذا ما جعل زوجها المستقبلي يتركها ويرحل لغيرها، فلم يستطع هو ووالدته أن يتقبلا تشوهها الجسدي.
- لا تبجين، دموعج غالية علي.
اقترب منها وأحاطها بذراعيه لتغوص بين أحضانه منتحبة شقاءها وأحزانها، اعتصرها بشدة وهدهدها بحنان:
- لا تبجين... كل شي يتصلح.
تشبثت به بقوة دون أن تدرك وجودها بأحضانه، وانتحبت قائلة:
- لا... ما يتصلح .
- بإذن الله راح يتصلح، أنا وديت تقاريرج لألمانيا وهناك قال الدكتور ما في مشكلة، بس بيكون في علامات بسيطة ويلي راح يدقق فيها راح يجوفها.
ابتعدت عنه ودموعها تبلل وجهها وهتفت دون تصديق:
- انت شو تقول؟؟.. متى سويت هذا كله؟؟.
مسح دموعها بإبهامه وأجابها بخفوت وعيونه مسلطة على ملامحها الجميلة بالرغم من المياه الجارية التي تملأ وجهها.
- يوم رحت أقول لأمج إني أبي أتزوجها وأنا راضي فيها وإني سويت لها مقلب علشان ترضى وتتزوجني، وطلبت منها انها تساعدني وتشد عليج شوي هي وأخوج.
مسحت دموعها كما الأطفال بكم فستانها وهتفت:
- أمي طلعت مشتركة معاك؟؟.. هين خليني بس أجوفها!!.
- سامحيها... كان قصدها كل الخير.
حل الصمت بينهما، هو بانتظار رأيها بما قاله وهي تفكر بما قيل لها، فهمست بتساؤل:
- يعني انت عارف شو كان فيني ومع هذا بغيت تتزوجني؟؟.
وكان بانتظار هذا التساؤل ليجيبها بقوة وعيناه تعانق عيناها لترى فيهم الحقيقة المجردة من أي كذب:
- أنا أبي حرمة توقف معاي بوقت الشدة، تعيني وأعاونها، أبيها قوية وتعرف ربها، وشو ما صار تقنع بيلي فيها، والشكل أبدا ما كان يهمني، أبيها تعلم عيالي ربهم وتعلمهم كيف يكونون شديدين لكن حنونين.
ومازالت على شرودها وهمست:
- ويعني كل يلي صار كان كله مقلب؟؟.. وأنا ما اختلست ولا خنت الأمانة؟؟.
فرك لحيته وأجابها:
- يعني... تراج أجبرتيني على يلي سويته.
تخصرت وأرسلت شرارات من الغضب بعد أن كانت حزينة، لتدب بها الحياة التي اعتقدت بأنها سرقت منها:
- يا سلام.... يعني ما كانت في طريقة ثانية تخليني أتزوجك؟؟.. خليتني دوم معصبة وقعدت ألعن وأسب فيك، خليتني أكسب ذنوب وما خليتني أتهنى بعرسي، وكنت أحسبه كله كذب في كذب.
توقفت تلتقط أنفاسها الهادرة ثم تابعت بعد أن عاد الهدوء يتلبسها:
- طيب... ليش ما قلتلي بعد ما ملجنا؟؟.
رفع كتفيه وأجابها وهو يضيق بعينيه:
- ليش... أنا أصلا جفتج علشان أتكلم معاج!!.. من ملجنا وانت اختفيتي من مداري، وما قدرت أجوف ظلج حتى.
نكست رأسها ليتساقط شعرها مخفيا وجهها وبعدها رفعته وسألته بأمل لاح بالأفق بحياة سعيدة هانئة كما تمنت وحلمت:
- وزواجك مني ما كان مظاهر وعلشان أمك؟؟.
- تبين الصراحة؟؟.
انكسرت ابتسامتها مما هو قادم وهزت رأسها موافقة فهي تريد أن تعرف موطئ لقدمها.
- هو علشان أمي توقف حن وزن، ولاء... ما علشان المظاهر.
ناظرها بقوة يكاد يخترق خافقها الهادر بين أظلاعها بعد تصريحه ونطق بكلمات جعلت دوي قلبها يتفجر مثل القنابل:
- أبيج زوجة وأم لأولادي، أبيج تكمليني وأكملج وتكونين معاي.
أمسك بكفيها المرتعشين من فرط مشاعرها وأكمل:
- أنا آسف يلي سويته فيج!!.. ما كانت في طريقة ثانية أسويها، وأصلا هذا يلي جا في بالي بعد طول تفكير، خليتيني أسهر طول الليل وأنا أدور بحل كيف أخليج توافقين.
تنهدت وزفرت هواء ساخنا محملا بالرحة والهناء ثم رفعت عيناها ناحيته وقالت:
- راح أسامحك على يلي سويته فيني، بس ما راح أسامحك على عرسي يلي ما تهنيت فيه، ولا ألبوم صوري يلي راح أكون فيها مثل البومة.
وانفجر بعدها بالضحك على التشبيه يلي ألقته على نفسها وفغرت فاهها وهمست بذهول:
- يعني انت تعرف تضحك؟؟.
وأجابها من بين ضحكه:
- بصراحة... ما كان في مجال علشان أضحك، كله شغل في شغل، وإن كان على العرس والصور يتعوضون إن شاء الله.
اقترب منها وأمسكها من أكتافها.
- علميني كيف أعيش، علميني كيف أحيا فيج، علميني كيف أضحك وأبتسم للدنيا، علميني يا شما، علميني....
ومن بعيد سمعتها تدندن بلحنها الخلاب تهديها هدية السعادة التي تمنتها، تخبرها بأن الله لا ينسى عباده، وأنه يضع خيره في شر تراه أعيينا، فعسى أن تكرهوا شيء هو خير لكم وعسى أن تحبوا شيء هو شر لكم، عليكم بالتوكل على الله فهو خير مرشد لطريقكم، وعلينا أن لا ننخدع بالمظاهر، فهي تقول لنا عكس ما بصدور، علينا التروي بأحكامنا، فلربما نجرح أحدهم بتسرعنا، وهمست:
- إن شاء الله تكون لنا سنة سعيدة فيها الخير.
وردد خلفها:
- إن شاء الله.
وحل السكون مع نهاية دقات الساعة وسألها وهو يمد كفه ناحيتها:
- موافقة تعيشين معاي يا شما بنت سعيد بالحلوة والمرة بالصحة والمرض؟؟.
ناظرته لثوان ثم وضعت كفها الصغير ليغوص بكفه هامسة بخجل:
- موافقة...
وحلق بها لحياة زوجية سعيدة تتخللها بعض المطبات التي استطاعا اجتيازها بقوة عزيمتهم، والحب الذي نما بداخلهم بالعشرة والمعاملة الحسنة، والأفعال التي تشهد على رغبتهم بإكمال مسيرة حياتهم مع من اختاره الله لهم ليكون نصفهم الآخر.
تم بحمد الله
|