السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفصل السابع.....
وما أشباحنا سوى أوهام صنعناها بعقولنا... وعندما تحين ساعة التجلي تنقضي خيالاتنا...
تطلعت لشبحها بهيئته الوسيمة والطاغية.. بعيونه التي دائما ما أفزعتها وبأنفه الطويل، وفمه الذي طالما جلدها فيه كما السوط، ولحية توسدت رجولته البهية وجسد عضلي التحفه دشداشة بيضاء وتساءلت... هل هذا الرجل من كان يخيفها؟؟.. هل هذا هو ابن عمها الذي كان يهددها بالذبح؟؟.
تأملته بصدمته الظاهرة على محياه وهو يناظر العائدين من الموت... شخرت بداخلها باستهزاء من التشبيه الذي ألقته لنفسها ثم أسرت لنفسها... ربما كنت أهابه من قبل لكن ليس بعد اليوم، وتابعت ترديده لاسمها :
" حصة... حصة بن عمي..."
جرت مقلتيه بصدمة على ملامحها المختلفة، كانت جميلة بل فاتنة كأنها حورية خرجت من
قصص الخيال، أراد أن يتأكد من أنها هي ولا لبس فيها، وكأنها استشعرت ضياعه فقالت بسخرية :
" هلا يا ولد العم شخبارك؟؟.. عساك طيب ومرتاح؟؟"
انزوت ابتسامتها بزاوية فمها واستطردت بعينين شيطانيات وقد شعرت بأن قوة خفية قد تملكتها:
" أيوه... انت مو غلطان، هذي أنا... ويه البومة، أفا... ما عرفتني؟؟"
اقتربت والدته منه بسرعة عندما شاهدت احتداد ملامحه من جراء تعريفها واستهزائها بعدم تعرفه عليها، فقالت بتوتر:
" هلا وليدي.. ما كنت أعرف إنك موجود في البيت!!.. حصة كانت تبي تجوف بيت أهلها شوي وألحين بتطلع....."
لم تلقى ردا وتابعت مقلتي الأم كل واحد منهم وهم يقفون بتحدي وتحفز لأي كلمة ستصدر من الآخر.. لقد تغيرت الأحوال ولم تعد كما السابق، فحصة لم تعد كعهدها، وولدها أيضا قد تغير وصار انسان آخر.
استأنفت الأم حديثها تحاول أن تلطف الجو:
" أنا جهزت لها مكان بغرفة البنات، انت تعرف.. مكان نورة فاضي لما تزوجت..."
رفع حاجبه حتى وصل لمنابت شعره، وابتسم بسخرية وقال بعد أن زالت الصدمة من عودة الغائبة من المنفى:
" وليش تجهزين لها غرفة مع اختي؟؟.. ترى بيت ريلها مفتوح...."
تحرك من مكانه وللوهلة شاهد خلجاتها المصدومة من قوله، وارتجافة جسدها ثم اختفت فجأة مثلما ظهرت، حتى تابع وهو يجلس ويضع ساق فوق الأخرى ويشير لما حوله:
" البيت جاهز وكامل ومو ناقصنة شي.... غير المدام تشرف.."
لم يعجبها حديثه، وشعرت بالخوف يسري بداخلها، لقد عادت لتنهي هذه السلسلة التي قيدت فيها وليس العكس، ليتبادر لذهنها كلمات صديقتها :
" خليج قوية ولا تخافين منه، لأنكم أكيد راح تتواجهون، وراح يقولج كلام يخوف أو يعور القلب، عليج ما تسمعين ولا كأنه قال شي، خليج باردة وجامدة وريلاكس، أكثر ما يكره الريال هو أن الحرمة تحقره وما تعطيه يلي يبيه..."
فردت جسدها وأهدته أحلى ابتسامة مظهرة لآلئها الناصعة البياض ليفغر فاهه ويشعر بقلبه يطرق بشدة ولكن بحديثها التالي جعلته بالفعل يهوي للقاع السحيقة:
" أممممممم الله يوفقق يا ولد العم مع المدام، وإن شاء الله تلاقي بنت الحلال يلي تناسبك ويعجبها البيت...."
تطلعت للمنزل بعين ناقدة واستطردت:
" بس لازم تغير الديكور... أحسه وايد عتيج وقديم، ولا شكلك بعدك متمسك بالقديم وما قادر تنساه..."
أنزل قدمه الأرض بحده وقد أصابت وترا حساسا، وناظرها بغضب مشتعل حتى رن هاتفه مقاطعا وصلة الردح وأجاب بسرعة، فهو يعرف هذه النغمة مثل اسمه:
" هلا يدي.... أنا ياي ألحين..."
قذفها بعسليتيه المنصهرتين ثم خرج فتنفست الصعداء لتقترب والدته منها :
" ما عليه يا بنتي سامحيه، هم بس يبون وقت لين ينسون يلي صار..."
فهمست لنفسها بحزن:
" وأنا شو سويت؟؟.. أنا بس اخترت الطريق يلي ابيه..."
ابتسمت بحنان للأم الحنونة وأجابتها وهي تحتضنها بحب:
" لا تحاتين يا خالتي، بصراحة أنا ما يهمني كلامهم... غير يدي وعمي راشد بس هم يلي يهمون والباقي ما يهم خليهم يقولون يلي يقولونه..."
" بس يا بنتي لا تنسين إن صقر ريلج وعليج......"
قاطعها خروج علي مقتربا وتطلع للمرأتين بعينين صافيتان ثم اقترب من جدته بخجل وسحب جلابيتها يناديها بخفوت:
" يدوه.. الجوري ما عرف شو تبي..."
وعادت نظراته تسقط على الكيان الجديد الذي احتل منزلهم، ابتسمت له بحنان ليبتسم لها بتردد ثم ابتعد مع جدته ناحية الغرفة التي خرج منها.
جالت عينا حصة بالمكان وشعرت بدفء عائلتها يجتاحها، ولهفة الذكريات تحيطها برقة تهديها السلام الذي كانت تبحث عنه... تنهدت وتنفست بعمق تسحب
عبير تاريخها المخزن بين هذه الجدران، فمهما غيروا به ستظل خيالاتهم موجودة بين أركانه.
تبعت خالتها والفضول ينتابها لمعرفة من هي الجوري!!.. فكما علمت أنه قد انفصل عن زوجته كما أسرت لها ابنة عمها خديجة، وأخبرتها أيضا أن لديه توأمان واكتفت بهذا القدر واستأذنت منها الخروج لا تعرف إلى أين!!.
توقفت عند عتبة الباب وانبهرت لمدى جمال الغرفة دارت مقلتيها بأرجاء الغرفة مفتونة بها حتى سقطت على خالتها وهي منحنية على السرير تتطلع لأحدهم.. فاقتربت متسائلة وهي ترى طفلة صغيرة رائعة الجمال تئن بوجع:
" وجفيها يا خالتي؟؟"
" عليها حمى ومو راضية تروح عن المسكينة.. صار لها يومين وهي على هاي الحال"
تابعت تحريك بؤبؤية لترى الأدوية مصطفة على طاولة قريبة منها وعلمت أن الأدوية لا تعطيها المفعول لإزالة الحمى، فقالت بعملية اعتادتها من خلال عملها:
" خالوه... تسمحيلي أتصرف؟؟..."
تطلعت الخالة لها ثم للصغيرة واستأنفت حصة قولها وهي ترى الحيرة على قسماتها:
" أنا دكتورة يا خالتي ولا نسيتِ!! "
هزت خالتها رأسها بالموافقة وأخلت مكانها لتقترب من السرير وأزالت الغطاء عن جسدها ومسحت خصلات الصغيرة المبتلة وتحرك كفها على وجنتها لتستشعر السخونة الشديدة، فرق قلبها لحالها وهمست وهي تتأمل بالصغيرة:
" يا قلبي انت... لا تحاتين حبيبتي، بإذن الله راح تخفين، بس تحمليني شوي..."
شعرت الخالة برفرفة بقلبها وهي ترى نظرة الحنان بمقلتي ابنة صديقتها، كانت تعلم بأن بداخلها حب متفجر ولا ينضب، ولطالما أرادتها لابنها، لكن للأسف ابنها لم يرى جمالها الحقيقي.
" خالوه... أنا لازم أسبحها بماي مثلج.."
" كيف يعني؟؟"
" يعني بمزر( تملأ ) الحوض بالماي وبحط فيه ثلج وبحطها هي داخل علشان تروح الحمى.."
ترددت الجدة للحظات حتى قالت:
" والله يا بنتي الأمر أمرج وانت أدرى..."
وبدأت الخالة وحصة بإعداد الترتيبات اللازمة لحمام ثلجي.....
**********************
جلس صقر بمواجهة جده وعيناه كانتا تعانقان فراش الأرضية.. بل كانت تراقب الصورة التي تجسدت أمامه بهيئة ابنة عم ظهرت من العدم وتساءل..
" هي ليش رجعت ألحين؟؟.. سكت قليلا يفكر ويتفكر بهيئتها... وعاد يتساءل.. وكيف صار شكلها جذا؟؟.."
قاطع تفكيره حديث جده الذي كان يطالع عصاه:
" أظن إنك عرفت إن حرمتك رجعت؟؟"
طالعه بمقلتين مستنكرتان.. فهذه الصفة قد اندثرت منذ عهد بعيد وكأن الجد استشعر رفضه :
" زواجك من حصة ما راح ينفك غير بموت واحد منكم..."
وعندها تكلم بصوت خرج من بين مكامن الرفض وأن يعود لذات المصير بالتحكم:
" بس هي شردت...."
فقاطعه الجد وعيناه تناظران حفيده بقوة بالرغم من الهزال الظاهر على ملامحه:
" وهي شردت منا والدرب؟؟.. أظن انك تعرف هي ليش طلعت من البيت، وما يحتاي حد يخبرك بسواتك الشينة..."
أسقط رأسه للأسفل وهو يتذكر أيام الشباب والعنفوان والرغبة بالحرية والطيران بكل مكان ليتذوق نكهة الشباب، ولكن هي.... وعندها تساءل وروحه تعاتبه:
" هي.. هي كانت مثلي وماسوت شي، بالأصل هي ما اختارت، يدي يلي طلب وأمر...."
تنهد وزفر وتابع الاصغاء لجده:
" هذي فرصة وجت لعندك، حصة موجودة...."
فقال صقر وهو يشعر بصدره يضيق من الأوامر التي يريد منه جده تنفيذها دون أي وجه حق بأن يستخيره بشيء يخصه:
" بس شكلك نسيت يا يدي إنك تبريت منها؟؟"
وتنهد الجد أيضا وهو يتذكر كل شيء وكانت له أيضا أسبابه، ولكنه غير قادر للبوح بمكنونات قلبه لأي كان، وقال:
" يلي راح راح يا وليدي، واحنا عيال اليوم، بنتي حصة ما أبيها ترجع لبلاد الغرب، وانت ريال عزابي وتبي حرمة تراعيك وتتحمل منك، وعيالك يبون أم تراعيهم وتداريهم، وحرمتك موجودة وانت أصلا ما راح تلقى بكل الدنيا مثل حصة.. هي حنونة وطيبة وقلبها كبير وبداري على عيالك وعليك، حصة هي مثل لولو البحر غالية ما راح تلقى مثلها أبد..."
واستطرد الجد بأمر لا بتات به، وبداخله رجاء بأن يتحقق:
" حصة حرمتك.. وصلت السما أو نزلت الأرض، واحنا منتهيين بهذي الشغلة، فروح وصلح المشكلة يلي بينكم..."
وأشار الجد بسبابته:
" وياويلك يا صقر.. سامعني!!... ياويلك إن سويت لها شي، هذي المرة راح تجوفني أنا بويهك..."
وها هو القيد يعود من جديد ليكبله ويضيق الخناق عليه ليتركه معلقا لا يطال سماء ولا أرض، فكما قال جده فهذا العقد لن يفكه سوى الموت.
نهض بتثاقل طبع قبلة احترام على رأس جده وخرج دون أن يبدي حرف واحد وكذلك فعل الجد فقد قال كل ما لديه وعلى حفيده التتمة.
سار على مهل وخرج مغلقا الباب خلفه ووقف قليلا يطالع ساحة المنزل بضياع، هو لا يريد أن يكبل مرة أخرى، فقد عان الكثير من صنف النساء.. فزوجته لم تدخر جهدا في سبيل كرهه لهذا الصنف، فقد اتضح انهن صنف تافه سطحي لا يهمهم سوى المظاهر، لم يتوقع هذا أبدا.. لقد اعتقد بأنه سيعيش احدى مغامرات الحب ويضيع بين ثنايا العشق والهوى وكل ما حصل عليه هو صفعة الحقيقة... أن لا وجود لما يريده.
أخرجه من رثاء النفس نداء ابنه الباكي التي كان عيناه تفيضان بالدمع، وهي تتحركان دون هوادة بالأرجاء باحثة عن أمانهم الذي سرق منهم بلحظة خطأ بالاختيار.
" بابا... بابا..."
وسارع إليه بلهفة، فالشيء الوحيد الذي استفاد من هذا الزواج الفاشل هو ولديه.
احتضنه متسائلا وهو يكفكف دمعاته الغالية على قلبه:
" وشفيك حبيبي؟؟.. هدي شوي..."
"بابا... هم قاعدين يضربون الجوري وهي تبجي وايد..."
ارتاع قلبه بين أضلاعه، وذكرى قديمة لاحت بخياله، ليفز صائحا وهو يحمل صغيره وبالفعل وصله صراخ مكتوم اخترق فؤاده كسهم حاد.
" ومين يلي يضربها؟؟"
" يدوه والحرمة اليديدة..."
دفع الباب المغلق بسرعة ليندفع صوت ابنته الغالي باكيا ملعلعا خائرا، واتجه إليها بقلب مفطور ليهاله رؤية ابنته وهي تصارع والأخرى ممسكة بها بقوة وتدفعها للماء وابنته غير قادرة على التنفس تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة.... وصرخ بصوت أب يرى فلذة كبده تموت بين يديها:
" شو تسوين في بنتي؟؟..."
واقترب منها كما الوحش المفترس مندفعا بجسد صلب ينوي شن هجومه الكاسح على من تعدى على ملكيته بعد أن وضع ابنه أرضا... وحال دون أن يضربها أو يقتلها والدته التي خمنت ما كان ينوي فعله وصاحت بجزع:
" هدي يا صقر... هدي والأمور طيبة.."
"حاول اختراق صف والدته إلا أنها وقفت ضده وصاح بأوتار مشحونة بكم هائل من الغضب المستعر بداخله من التحكمات التي تهطل عليه كلما كانت هي المعنية بالأمر... وكم يكره التحكم.
" بعدي يا يومه... ما تجوفيها!!.. تبي تذبح بنتي؟؟.."
" لا... هي بس تعالجها، قالت إن الحمى بتروح جذا..."
وتفتحت عيون الحقيقة تتابع بسرعة ما حوله وشاهد حوض صغير مملوء بالماء والثلج، وتحت رأس ابنته منشفة كبيرة تمنع وصول الماء لوجهها، ومناشف أخرى نظيفة تنتظر دورها للاستخدام، وملابس نظيفة تنتظر من يرتديها، وسقطت عيناه عليها وهي تخرجها بتأني ووصلت لأذنيه ترانيم هدهدتها الناعمة، ولفتها بمنشفة وهي ماتزال تهدئ من روع ابنته.
وهمس بتساؤل وعيناه تراقب حنيتها على صغيرته وعقله شارد يعاكس ما يراه..
" وهي اشدراها إن الحمى بتروح جذا؟؟.. يعني هي بتطلع أحسن من الدكتورة؟؟"
واقتربت الأم ممسكة بعضده وتخبره:
" بلى يا ولدي.. تراها هي بعد دختورة وتعرف..."
شخر باستهزاء وقال:
" هذا يلي ناقص!!... ويه...."
وسكت دون أن يكمل جملته، فما عاد اللقب يناسب من تقف أمامه وبين يديها حبيبته وأكملت هي :
" كمل يا ولد العم، هذا يلي ناقص... إن ويه البومة تطلع دكتورة..."
وأكملت وهي تتحرك باتجاه السرير وتضع الصغيرة برقة وتلبسها ملابسها وتستأنف:
" لعلمك... ويه البومة هذي فعلا دكتورة وتخصصي أطفال..."
وارتد رأسها ناحيته واستطردت:
" ولا ما يليق علي إني أكون دكتورة؟؟"
تجمد بمكانه وعقله توقف معه أيضا ولم يستطع ادراك ما قالته، فالصورة لا تنطبق مع ابنته عمه وعندما تابعها وهي تلبس صغيرته بحنو.. شاهد الصورة تنطبق على هذه الفاتنة والطبيبة... تحرك ليجاور ابنته وأخذ يتلمس وجنتها الباردة...
" جسمها مثلج.."
وأجابته وهي تتابع اكمال ملابسها:
" هذا بس لأنها توها طالعة من الحوض، يبيلها شوية وقت ويرجع جسمها يدفى"
" وتهقين الحمى بتروح؟؟... أنا ما خليت مستشفى خاص إلا ورحته، وما خليت دوى إلا ما شربته لها..."
" هو معروف في هذا الوقت إن الحمى تطول وتبي وقت أطول لين تروح، بس هذا مو معناته نتركه مثل ما هو... لأن كل ما طال المرض يأثر بالجسم والمخ..."
ودار رأسه باتجاهها وأخذ يتأملها دون تصديق.. هل هذه فعلا ابنة عمه؟؟... التي تحادثه بسهولة دون تأتأة أو رأس منكسر؟؟..
انتهت من ملابس الصغيرة وغطتها جيدا ثم دارت على عقبها ولم تأبه له وأشارت بحديثها التالي لخالتها كأن لا وجود له:
" هي ألحين بتنام.. ولما تصحى لازم تشربونها شوربة ساخنة... بس سوائل لين إن شاء الله تخف بعدين ترجع لأكلها الطبيعي"
وأجابتها الجدة بسعادة :
" إن شاء الله يا بنتي، ألحين أروح وأسويلها الشوربة..."
ترددت حصة للحظات ولكن كطبيبة حثها للسؤال والمعرفة:
" خالوه... ودي أسأل عن شي.."
"اسئلي يا بنتي..."
"هي كانت تصارخ بس وما تكلمت...."
فقاطعها صوت الصغير علي قائلا:
" أصلا الجوري ما تتكلم، علشان لما الماما ضربتها بقوة وطاحت الجوري بالأرض وطلع منها دم وايد..."
***********************
وفي ملحق ليس ببعيد جلست شيخة تهمهم وتسر لزوجها بحديث خافت وهو يستمع وينصت باهتمام حتى نهض من مقعده يحثه العزم على الحصول على مبتغاه، وما أن خرج حتى استلت هاتفها واتصلت:
" ها... انت وين يا حنان؟؟"
أنصتت وهي تهز رأسها ثم أجابتها:
" هي جفتي كيف؟؟.. أونه بنت موزة طلعت دختورة!!.. والله عشنا وشفنا..."
وحاست شفتها يمنا ويسرى ثم أكملت وهي تستمع لصوت ابنتها:
" وشفيج انت بعد؟؟"
ضربت صدرها بقوة وهتفت:
" هاو... وليش إن شاء الله ما يسفرج؟؟... احنا عيال حسب ونسب وراهيين وماعلينا قصور، يطلع هذا ويتحكم.. ويقول لا ما تسافرين؟؟.. الناس شو بتقول علينا؟؟.. عندهم الخير كله وما قادرين يسافرون؟؟... أقول.. خلج منه وتعالي أنا أسفرج على حسابي ولا المنه وخليه يولي...."
سكتت تتحلطم بصوت عالي قائلة:
" والله ما كنت أبي هذا ولد خالتج، أصلا فطوم هذي أنا مادانيها بعيشة الله.. ياع.. تحسيها بنت فقر بلبسها وتعاملها مع الناس ولا كأنها بنت الزيودي... بس شو نقول غير حسبي الله على من كان السبب، ما عرف كيف قدرت بنت زينبوه إنها تلف على صقر وتتزوجه وطار من ايدنا...."
ودفعت بكفها باتجاه وجهها هاتفة:
" ومالت على بختنا..."
سكتت تستمع وعلى ملامحها السخط:
" أقول... انت تعالي وبعدين يصير خير، ووخلينا نتكلم بالبلوة يلي انحذفت علينا..."
وقبل أن تغلق الهاتف صاحت:
" تعالي... اختج ماقالت لج كيف صارت؟؟...."
" انزين تعالي وجوفيها... والله اني شاكة بيلي يسونه الأجنبيات... هذي يلي يسمونها عمليات التجميل.."
استمعت واستأنفت:
" تهقين؟؟.. خلاص تعالي وجوفيها بروحج... يلا مع السلامة.."
وأغلقت الهاتف وخرجت من غرفتها تنادي على الخادمة كي تجهز غرفة لابنتها الكبرى.
*****************
خرجت حصة من غرفة الصغيرة بعد أن اطمأنت عليها وخلفها صقر الذي مازال غير مصدق أن من تقف أمامه هي ابنة عمه وجه البومة وعندما كادت تخرج من المنزل منعها قائلا:
" حصة...."
تجمدت بمحلها وهي تستمع لأول مرة لاسمها على لسانه... شعور مقيت سرى بوجدانها... واحساس غريب لم يعجبها تسلل لجوفها، ولم تستسغ اسمها على لسانه، فاستدارت وقالت تعترض على اكماله لحديثه:
" مو لايق عليك يا ولد العم..."
بهت ولم يعرف ما تقصده فتساءل مقطب الحاجبين:
" مافهمت؟؟.. شو تقصدين؟؟"
وأشارت ناحيته ووجهها ينم على الاشمئزاز وهي تناظره:
" اسمي... أبد مو لايق عليك انك تقوله، فلو سمحت... بلا ما تناديني.."
فكت عقدة حاجبيه وارتفعت للأعلى بعجب وقال باستهزاء:
" تراه اسمج ولا غيرتيه بعد هناك مثل شكلج.."
تطلعت إليه بعيون متقدة، محتدة، مشمئزة، كانت تتوقع هذا السؤال تماما.. فعلامات عدم التصديق كانت تظهر على محياه منذ أن شاهدها للوهلة الأولى، ولم ترد عليه سوى بكلمة واحدة:
" طلقني...."