السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفصل الخامس.........
وما يضني القلب سوى بُعد الأحبة وشوق وحنين لدفء العائلة.
صفرت مرام بذهول بعد أن انتهت صديقتها حصة من سرد كل حكايتها، وقالت:
" وااااااااو... انت حكايتج احكاية يا حصة، وما توقعت أصلا يكون عندج أهل، على بالي بس خالج الباقي من أهلج، انزين... وهم ما يوا يدورون عليج؟؟.. "
هزت رأسها بأسف وأجابتها بألم نخر فؤادها:
" قالوا إني ميتة... موتوني بالحيا لأني اخترت طريقي، وما عرفت إن الاختيار له نهاية وحدة أصلا..."
شعرت مرام بالأسف لصديقتها وسألتها:
"طيب وألحين شو ناوية تسوين؟؟.. بترجعين تطلبين الطلاق ولا راح تظلين معلقة جذا؟؟"
رفعت كتفيها وعيناها تشرد للبعيد وهمست بوجع:
" ما عرف يا مرام!!.. صدقيني ما عرف!!.. حاولت إني أنسى إني متزوجة وأكمل حياتي وأحقق حلمي وفعلا نسيته، أصلا ولد عمي ما كان يهمني وما كان له وجود بحياتي، بس ما قدرت أنسى يدي وأعمامي وبيتي، مشتاقة لهم وايد يا مرام...وايد مشتاقة.."
اقتربت مرام منها واحتضنتها من أكتافها لتريح حصة رأسها على كتفها راغبة بهذه المآزرة وأكملت صديقتها التقصي:
" طيب... أنت من شو خايفة؟؟.. الدنيا تطورت وما عاد حد يجبر حد ألحين على شي مثل قبل.."
"لا يا مرام.. بعده موجود.. بعدهم عايشين بجهل وظلالة، وإن البنت ما لها غير ولد عمها وبس، وفي كثير مثلي يتزوجون عيال عمهم، في يلي تعيش مظلومة، وفي يلي يتزوج عليها، وفي يلي تتم معلقة ومهجورة، وفي يلي تعيش مرتاحة، وفي.. وفي...
قصص تسمعينها يشيب لها الراس... وأنا مابي أكون مثلهم، ما بي أعيش بحزن ودموعي ما تنشف من على خدي لين ما أموت، ما بي أجيب عيال ويعيشون تعاستي...."
عضت شفتيها تمنع نوبة بكاء كانت توشك على الخروج تنعي حياتها الضائعة، فشددت مرام بعناقها لفترة حتى أبعدتها قائلة وهي تناظر عينيها المغشيتان بدموعها، لتتحول عسليتيها لزجاج مصقول:
" طيب أنت منشو خايفة ألحين؟؟... انت ما عدت مثل أول، انت حصة ثانية غير الضعيفة يلي يت ضايعة ومشتتة، بس كان بعيونها هدف وتصميم إنها تنجح وتحقق طموحاتها..."
أمسكت بكتفيها واستطردت:
" انت يا حصة تغيرتي شكلا وقالبا وما عدتي ترضين بالأمر الواقع، صار لج صوت، صار لج كيان وشخصية، فليش الخوف؟؟.. ولين متى راح تظلين عايشة بالخفا؟؟.. لا زواج ولا عيال، العمر يمشي، وكل وحدة منا تبي سند لها بهذي الدنيا..."
هزت رأسها وأجابتها:
" صدقيني يا مرام.. كل يوم أناظر نفسي وما أصدق إن يلي أناظرها هي أنا ويه البومة....."
وما كادت تكمل حتى انفجرت صديقتها بالضحك بصوت عالي وهي تردد كلمة ويه البومة، ناظرت حصة صديقتها من طرف جفنها...
" شو... عجبج اللقب؟؟"
قهقهت مرام حتى أمسكت معدتها وأدمعت عيناها وسألتها وسط ضحكها:
" مين هذا يلي سماج جذا؟؟... وعاد ما حصل غير هذا اللقب!!"
أصابها الحنق وهي تتذكره بعد طول غياب من النسيان، وجاءتها هيأته مثلما هو بوسامته، وبعيونه الحادة والمخيفة، كأنها لم تنسه قط، وكأن تلك السنين لم تدر عليهم بأيامها وشهورها وبسنينها:
" هذا ولد عمي صقر هو يلي سماني جذا، كان حب الشباب مالي ويهي ومشوهنه وكنت ألبس نظارة كبيرة مثل التليسكوب لأن الدكتور طلب مني ألبسها، فكان شكلي ما حلو ويروع، فسماني ويه البومة..."
هتفت مرام بإعجاب:
" واااااااو.. اسمه صقر بعد!!... ياويلي على الاسم، أكيد شكله حلو ويجنن مثل اسمه قوي وشخصية، صح؟؟"
وشردت بشكله الذي طالما أخافها، ولم تكن تجرؤ على رفع عيناها بحضوره، فقط كانت تسترق النظرات إليه عندما لا يكون يطالعها، بالأصل لم يكن يشعرها بوجودها بحضوره كأنها لم تكن قط موجودة في محيطه.
لكزتها صديقتها لتعيدها لحاضرها وهمست لها وهي تحرك حاجبيها بمكر:
" ها... أجوفج شردتي بولد عمج ولا أقول بريلج؟؟...."
قاطعها نهوضها وصاحت برفض:
" لا يا مرام... مستحيل يكون زوجي!!.. أنا ما بيه، ولو خيروني مستحيل أختاره، هم أجبروني عليه..."
تابعت وهي تتحرك هنا وهناك:
" صح إني وافقت لكن كنت مجبورة مو مخييرة، لأن أمي الله يرحمها توقعت إنه راح يحافظ علي... وما كانت تبيني أكون لحالي بعد موتها"
توقفت عن المسير واستأنفت القول بخواء:
" وما عرفت إن الشبح بعمره ما راح يكون واقع وحقيقة، وولد عمي كان يعتبر إن مالي وجود... مجرد خيال انسانة انجبر عليها"
تنهدت وعادت تضجع بجسدها بجانب صديقتها فقالت مرام وهي تمسك بكفيها:
" الله يصلح الحال حبيبتي، ولازم تعرفين إنج ما عدتي شبح، انت صار لج وجود، انت انسانة لها كيانها فتقدرين توقفين بويهه وتجبرينه انه يجوفج، لا تخلينه يكون سبب بحزنج وارجعي ليدج واطلبي السماح منه وراح يسامحج لما يجوفج صرتي شي بهذي الدنيا، صرتي دكتورة كبيرة، وحققتي طموحاتج....."
سكتت قليلا ثم تساءلت:
" تتوقعين الحين ولد عمج كيف شكله ألحين؟؟.. أكيد صاروخ...."
صاحت فيها حصة:
" مرام... انت جنيتي؟؟.. قاعدة تمدحين بريال وانت على ذمة واحد ثاني"
" هيهي... أنا شو قلت ألحين؟؟.. قاعدة أمدح بمخلوقات الله، وثاني شي أنا ماجفته بس أتخيله يعني عادي.."
ناظرتها مرام بعيون ضيقة وأكملت:
" تعالي هنا..... ليكون تغارين عليه؟؟؟..."
رفعت حصة حاجبيها للأعلى وأجابتها باندهاش:
" أغار!!.. أنا أغار لولد عمي...."
ثم أكملت بثبات وبملامح جامدة :
"حبيبتي... يلي يغار يعني في مشاعر بينهم، في ترابط وصلة وأحاسيس، وأنا ولد عمي هذا بالخصوص أكره وما أدانيه بعيشة الله..."
فردت عليها صديقتها بمكر وبحاجبين يتراقصان:
" يقولون بين الحب والكره شعرة، وهم عملة وحدة، يعني في مشاعر، وعادي هذا الكره ينقلب لـ..."
أشاحت حصة بيدها رافضة ما تقوله صديقتها من تراهات...
" أصلا ما راح يكون بينا شي، وثاني شي أكيد ألحين هو متزوج وعنده درزن عيال... وأنا ما يهمني حتى لو تزوج عشرة حريم، كل يلي يهمني ألحين إني أرجع ليدي وأفك ارتباطي منه...."
" إن شاء الله حبيبي، الله يرجعج لبيتج وليدج..."
زفرت أنفاس حارة وقالت برجاء وتمني:
" آمين يا مرام!!.. أمين!!... في كل صلاتي ادعي إن الله يستجيب لدعواتي، وبكل مرة أتصل بيدي أقول اليوم راح يرد علي ويقول بنتي حبيبتي، ويقول أنا سامحتج وردي لبيتج وكفاية غربة..."
وهنا سكبتها تنعي فقدها وحنينها لمنزلها، احتضنتها صديقتها وأخذت تبثها الصبر حتى يحين وقت العودة. وعادت لهمسها بنشيج باكي:
" في كل مرة يرن تليفوني أقول أكيد هذيلا هم ويبوني أرجع...."
وانخرطت بعدها في نوبة بكاء حارة على صدر صديقتها غير قادرة على منع انسكابها، ورن هاتفها... وبلحظة اشتياق ودعوه تلقيها لرب العباد أن يتقبلها في يوم من الأيام ويحققها لها.
سكت الرنين واعتدلت وهي تمسح مياهها المالحة وعاد الهاتف يلح برنينه يخبرهم بأنه لن يهدأ إلا بردها عليه، وتلقفته هامسة بعد أن تمالكت نفسها:
" ألو............"
****************************
في احدى المقاهي جلست شلة من الشباب ذا المظهر الأنيق ونالت ملامحهم الوسامة، كانوا يتحدثون ويضحكون حتى هتف أحدهم:
" هذا صقر جا..."
دخل بهيبته وأناقته ووسامته الطاغية.. بحمدانيته الحمراء الملفوفة بإحكام على رأسه، ونظارة شمسية تغطي عيناه الصقريتان الحادتان، وأنف طويل يشبه السيف بحدته، ولحية خفيفة غطت ذقنه، ودشداشة ناصعة البياض التحفت جسده، سار بخطى واثقة وثابتة باتجاه أصحابه وأبناء عمه وسلم:
" السلام عليكم..."
" وعليكم السلام، هلا ومرحبا بأبو الشباب "
" هلا ومرحبا فيكم..."
جلس بعد أن انتهى من تحية الجميع فتساءل ابن عمه راشد:
" ها.. بشر!!.. طمنا على بنتك شو أخبارها؟؟"
" الحمدالله بخير، الدكتور قال إنها حمى وبتروح مع الأدوية، تركتها عند أمي شوي لين أرجع لها..."
" الله يشافيها ويعافيها يارب..."
رددها الجميع وتقبلها هو بصدر رحب، فهو يتمنى بالفعل أن تشفى ابنته وأن تكون مثل شقيقها والأطفال العاديين.
فتساءل أحد أصدقائه ويدعى سعيد:
" هي أمها وين؟؟.. هي ما تجوفهم؟؟.. ما تسأل عنهم؟؟"
احتدت ملامحه عند ذكر اسمها وما بدأ بحب تحول لكره مع السنين، وبغض شديد تغلغل لصنف النساء فقال شقيقه وهو يناظر ملامح شقيقه المكفهرة:
" هي متزوجة ألحين....."
قاطعه هتاف صقر قائلا:
" ما يهم ألحين، العيال عيالي وهي ما كفو عيال، أصلا كل الحريم علة على القلب"
" ماكلهم واحد، فلا تجمعهم بركن واحد..."
ضحك صقر بسخرية وهو يتطلع لابن عمه:
" صح ما كلهم واحد، بس حظي المنحوس ابتلشت بحرمتين ما هوم بكفو...."
سكت الجميع وشرد هو بحاله المرتدة فقاطعه ابن عمه خالد:
" ليش تظلمها معاك؟؟"
طالعه صقر مستفسرا، ونغز فزاع ابن عمه خالد يحاول اخراسه إلا أنه لم يأبه له وتابع وهو يناظر ابن عمه بتصميم:
" حرمتك الثانية وعرفنا معدنها، أما الأولى.. فليش تظلمها مع الثانية؟؟"
ومن عالم النسيان ظهرت بهيأتها.. ببثورها المنتشرة طامسة ملامحها، وعويناتها الكبيرة التي أخفت نصف وجهها، واستطرد ابن العم مدافعا عن المظلوم كما عهدوه دائما :
" ليش تتهم حصة على شي هي مالها دخل فيه، لا تنسى إن هي بعد كانت مجبورة على هذا الزواج والدليل إنها شردت من البيت وما بغت تكمل معاك وتكون حرمتك..."
أشاح صقر بوجهه بعيدا وهو يتذكرها، فلقد نسيها تماما، ولكن مع ما حدث له عاد طيفها مع الباقيات يلعن كل النساء، ناظره أبناء عمومته وأشقائه فقال فزاع :
" يالله.. حصة... والله زمان عنها، تهقون شومسوية ألحين؟؟.. وكيف عايشة؟؟"
فصاح بهم صقر بحنق:
" يعني ألحين هامتنك أكثر مني؟؟.. وأنا يلي انظريت بسبتها؟؟.. تزوجتها وكان عمري 17 سنة وشردت عني، والناس كلت ويهي، وجاي ألحين وتقول لا تظلمها!!..."
اعتدل خالد بجلسته وناظر ابن عمه بشدة دون أن يهابه، فمعروف عن خالد بأنه مسالم ولكن في وقت الحق تراه يقف في الصف الأول:
" يعني بنت عمي شردت لحالها؟؟.. ما كان في أسباب تخليها تشرد؟؟"
لم ينبس صقر بأي حرف واستأنف خالد:
" يعني انت ما هددتها إنك راح تذبحها إن تزوجتوا؟؟.. وما مديت ايدك عليها وضربتها؟؟ "
علامات الصدمة ظهرت على محياهم، وعدم التصديق نطقت بها مقلتيهم، فمهما سخروا منها إلا أنهم لم يرفعوا يدهم عليها قط..... فتذكر ذلك اليوم الذي بالفعل كان أن هددها وضربها، لم يكن يقصد ضربها، كان صغير السن ولم يحتمل ما كان يحدث، كان الأمر قاس عليه ليتقبل فكرة أنه سيتزوج بسنه الصغيرة هذه دون أن يقدر على أن يعيش حياته بوسعها دون قيود، وفكرة أن تكون هي بالذات زوجته كانت مستحيلة!!.
فسأل صقر خالد بهدوء وشرود:
" وانت شو عرفك بيلي صار؟؟"
" كنت طالع من البيت وجفتك وانت تضربها .."
فهمس بالحقيقة دون أن يواريها، وعيناه تعانق أصابع يده:
" أنا كنت معصب لما قالي أبوي إني بتزوجها، وكانت هي بويهي لما طلعت من البيت، ما كنت أقصد إني أضربها بس ما قدرت أمسك نفسي، وحسيت إني مو أنا، كأن واحد ثاني بداخلي قاعد يتحكم فيني..."
سكت ثم قال بشيء من الحدة:
" سكروا موضوعها ولا عاد تطرونها ..."
" ليش معصب؟؟.. واحنا ما قلنا شي غلط عنها ألحين غير نسأل كيفها ألحين!!.."
وأكمل صديقه سعيد بسخرية:
" لا يكون تغار عليها لأنها بعدها حرمتك؟؟ "
فصاح بانفعال ورفض لربطهما من جديد:
" يخسي يلي هي!!..مابقى إلا إني أغار عليها هذي ويه البومة..."
نهض من مقعده بحنق ومن جلسة أراد بها أن يريح أعصابه المتعبة لتتحول وتتغير للنقيض، فهتفوا يمنعونه:
" هدي يا ريال واقعد، خلاص ما عاد نفتح موضوعها مرة ثانية، اقعد واستهدي بالله.."
" لا يا ريال أنا ما زعلت بس بروح البيت وبطمن على بنتي، أنا قلت بقعد معاكم شوي وبرجع لها... ياللله برخصتكم يا جماعة..."
وغادر متجها لمنزله، لأطفاله التي سقطت تربيتهم على ظهره بعد أن أدارت والدتهم ظهرها لهم بعد أن حطمتهم بفعلتها الشنيعة تلك، ولم يسمع عنها شيء سوى بعد أن تزوجت من رجل آخر.
لقد كسرت قلبه وكسرت حبه وجعلته اضحوكة بين الجميع بأنه فضلها على ابنة عمه، وانتشرت أقاويل بين الناس أن بهرب ابنة عمه منه هي محقة به، لقد جعلته وحشا مفترسا بعيون الجميع ليغدوا بالفعل مثلما يصفونه.
" الله يلعنكم من حريم!!.. الله يلعنهم!!.. كلهم واحد، كلهم واحد، وما في وحدة أحسن من الثانية..."
وبلحظة تجلي تساءل بالفعل عن أحوال الغائبة والعائشة بعالم الموتى، ما هي أحوالها؟؟
كانت مجرد ثوان بل أقل منها وبعدها أبعدها عن فكره وأدار المسجل ليطغى صوت مطربه المفضل واضعا حدا لأفكاره الشاردة...
مر الوقت ووصل لمنزله واتجه مباشرة لملحقه واستقبله ابنه الصغير علي:
" بابا... الجوري كانت تناديك..."
تلقفه بأحضانه واحتضنه قائلا:
" هذا أنا حبيبي جيت... هي ألحين وينها؟؟"
" بالغرفة مع يدوه قاعدة معاها وتقرأ عليها قرآن.."
سار باتجاههم ودخل غرفة جميلة جدا قسمت لنصفين... نصف زين بألوان وردية وفرشت بأثاث الأميرات، والنصف الثاني لونت باللون الأزرق وفرش لبطل الأبطال، فقد ولدا بآن واحد ولم يستطع لحتى الآن أن يفصل بينهما.
اقترب من السرير وقبل والدته شاكرا اعتنائها لابنته ثم التفت لصغيرته النائمة على سريرها ووجها المحمر ينم عن مرضها، فتحت عيناها وابتسمت ومدت يدها ليتلقفه بسعادة وسألها:
" كيفها حبيبة أبوها؟؟"
أسدلت رموشها للأعلى والأسفل ثم عادت لإغماضهما بعد أن اطمأنت لوجود والدها بجانبها، وحرك أنظاره لوالدته هامسا بخفوت:
" روحي يا يومه وريحي، أنا خلاص بقعد معاهم.."
نهضت قائلة :
" نادني لو احتيت أي شي يا ولدي.."
وقبل خروجها تلفتت خلفها وناظرت ولدها الذي اضجع بجسده بتعب بجانب ابنته وابنه أيضا الذي جاوره بالسرير... وتأملتهم بأسف لحالهم، لقد توقعت هذا من زواجه من تلك الفتاة، فقد رأت أنها امرأة هشة مدللة بزيادة ولا تصلح لإنشاء أسرة، فهيأتها كانت تنطق بالرغبة بالعيش بالدنيا على وسعها دون أن يقيدها شيء، في ذلك الوقت لم يستطيعوا رفض طلبه للزواج من المرأة التي اختارها بنفسه، فقد تضامن الجميع معه بعد هروب زوجته ابنة عمه وما كان منهم سوى أن أجمعوا على زواجه ولكن مع الأيام اتضح معدنها ومع ما حدث معها بالآخر جعلها ترتد تاركة إياه يموج في أمواج عاتية لوحده مع صغاره، لم تكن تناسبه البتة، ولكن ماذا تقول غير قدر الله وما شاء فعل.
*******************
بعد مرور يومين كان فيه الجو حارا بيوم صيفي لدولة الامارات....
اجتمع جميع أهل المنزل كما العادة في مجلس الجد كبار وصغار، رجال ونساء، أزواج وزوجات، حتى طرق الباب طرقات خفيفة مستحية متشوقة خائفة، وأفرجت عن الفتحة لتظهر للجميع هيئتها المترددة، فنهضت أم صقر مرحبة بها وجميع العيون مصوبة ناحية الغريبة التي طلت عليهم في هذا اليوم المقيظ الذي يلجئ الجميع للجلوس في منازلهم تحت أجهزة التكييف :
" هلا ومرحبا بابنيتي اتفضلي حياج..."
ودخلت على استحياء ورهبة وسلمت وعيونها تعانق الجميع دون استثناء بمشاعر مختلطة وأحاسيس متنازعة ما بين الدخول والعودة:
" هلا.... هلا خالتي..."
" آمري حبيبتي بغيتي منوا من البنات؟؟"
ابتسمت وناظرتها بحنين وسألتها بابتسامة متألقة:
" ما عرفتيني يا خالتي؟؟"
تأملتها أم صقر بتمحيص دقيق وأجابتها :
" اسمحيلي يا بنيتي ما عرفتج!!.. أول مرة أجوفج..."
وفتحت فمها ترد عليها وابتسامة منكسرة حزينة زينت مبسمها، ليأتيها صوته مناديا قويا ثابتا بالرغم من مرور السنين :
" نورتي بيتج يا حصة....."
ودارت كل العيون ناحيتها تعتملها كل أنواع الصدمة والدهشة .