ولم تكن هيلين وحدها ضحية المعاناة والمشاكل الناجمة عن مشاغل جستن المرهقة. فجولييت أيضاً أصبحت مضطرة خلال تلك الأيام للعودة إلى البيت مستخدمة سيارة الركاب الكبيرة التي تمر قرب مدرستها, عوضاً عن العودة بسيارة والدها. وفي يوم الحصاد الرابع شعرت هيلين بان التورم قد خف من قدمها, وان بإمكانها السير مسافات قصيرة بدون الشعور بألم أو تعب. فقررت عند الظهر ملاقاة جولييت على الطريق العام ومرافقتها حتى المنزل.
انتظرت هيلين حوالي عشرين دقيقة قبل ان تصل السيارة الزرقاء المتوسطة الحجم متأخرة نصف تلك الفترة .توقفت السيارة واتكأ السائق على مقوده بانتظار صعود الراكبة الوحيدة الموجودة هناك. وعندما لم تتحرك, هز بكتفيه مستغرباً وانطلق نحو محطته التالية. وكانت هيلين اشد استغراباً من السائق, إذ ان جولييت لم تنزل من تلك السيارة. لماذا يا ترى؟ هل انطلقت السيارة من موقفها إمام المدرسة قبل انتهاء الدرس الأخير؟ هذا ليس ممكناً. فالسيدتان ميم, كما يسميهما جستن, مشهورتان بدقة مواعيدهما.
عادت هيلين إلى البيت وبعد لحظات تفكير وجيزة, رفعت سماعة الهاتف واتصلت بالمدرسة .وجاء جواب الاستفسار ليقلقها ويثير في نفسها المخوف والشكوك. نعم, غادرت جولييت وبقية التلاميذ المدرسة قبل عشر دقائق من موعد الباص! أعادت سماعة الهاتف إلى مكانها وأخذت تفكر بالخطوات التالية التي يجب ان تقوم بها. وفجأة رن جرس الهاتف ...
"جولييت؟"
عرفت هيلين صاحبة الصوت قبل إن تنهي لوسي سندانا تقديم نفسها والترحيب التقليدي المتبع في بداية المكالمات الهاتفية. ولكن, لماذا لوسي في مثل هذا الوقت؟! وجاء الجواب على الفور ,عندما سمعتها تقول لها برقة ونعومة:
" شعرت من الأفضل إبلاغك بان جولييت موجودة هنا ... وذلك كيلا تقلقي"
ردت عليها هيلين بلهجة حاولت قدر المستطاع إخفاء حدتها وغضبها :
"ولكني قلقت كثيراً عندما لم تصل إلى البيت في الوقت المحدد ... بالمناسبة, أين أنتما بتحديد ؟"
" في بيتنا طبعاً. وجولييت على وشك البدء بالتمرين على ضربة الفراشة التي كنت أدربها عليها الأسبوع الماضي. هل تذكرين؟"
" اذكر ذلك جيداً. ولكن, هل لي ان اسأل متى تم اعداد هذه الترتيبات؟"
" اوه, هيلين! لم تكن هناك أية ترتيبات معدة سابقاً. فكل ما حدث هو أنني كنت أمر بسيارتي صدفة أمام مدرستها, وكانت هي خارجه من الصف ... كانت دعوة مرتجلة, ولكن سرّت بها جولييت كثيراً. طلبت من الخادمة ان تعد لنا قليلا من الشاي والحلوى لما بعد السباحة "
كان غضب هيلين قد بلغ آنذاك مرحلة الغليان, فقالت بحدة واضحة :
" هل خطر في بالك كيف ستعود جولييت إلى البيت؟ والسيارة مع جستن, والموعد المسائي للمرور سيارة الركاب قرب منزلكم يؤخرها كثيراً عن النوم "
ردت عليها لوسي بصوت منخفض يعبر عن شيء من التهكم والسخرية عندما قالت:
" وهل تظنين أنني كنت سأرسلها إلى البيت مشياً على الأقدام ؟ لا تخشي فنحن, راي وأناسنوصلها بسيارة ... وفي الوقت المناسب. هل كل شيء الآن على ما يرام ؟"
"لا, ليس على ما يرام اطلاقاً. كان عليك إبلاغي في وقت سابق. على الأقل, الذوق يقضي بذلك. ثم, كيف تعرفين أنني لم أقم فعلا بترتيبات أخرى لجولييت في مثل هذا الوقت ؟"
إجابتها لوسي بهدوء وقد تبدلت نبرة صوتها من التحكم إلى الانزعاج:
" اوه, يا عزيزتي ؟ انك تأخذين موضوع أمومتك الجديدة بكثير من الجدية. انا متأكدة من ان جستن لا يقوم بمثل هذه الجلبة التي لا ضرورة لها"

" انا أم جولييت الآن "
قالتها هيلين بإصرار مشددة على كلمة أم. ثم تابعت حديثها بمنتهى الجدية:
" انا امها ومسؤولة عنها. هل بأمكانك ان تتذكري هذا الأمر في المستقبل وتستشيرينني قبل ان توجهي دعوة أخرى من دعواتك المرتجلة هذه ؟"
لم ترد لوسي بشيء لبضع لحظات, ثم قالت بتهكم وعصبية:
" لقد اختار جستن بالتأكيد ضابطاً صارماً وقاسياً ليوليه أمر جولييت الصغيرة المسكينة .حسناً يا عزيزتي, سنعيدها خلال فترة قصيرة. وداعاً"
وضعت هيلين سماعة الهاتف في مكانها بعنف, وقد استبد بها الغضب والقلق. كيف تسمح لوسي سندانا لنفسها بان تأخذ جولييت هكذا إلى بيتها ,بدون استشارة احد او إبلاغ احد؟ ولماذا قامت به؟ انها ليست من الأشخاص الذين يجدون في مصادقة الأطفال الصغار البسطاء سعادة أو لذة أو اكتفاء ذاتياً ! أم إنها تسعى الى الفوز بأعجاب الصغار بعد إن ضمنت لنفسها إعجاب الكبار ؟ ولكن التودد الى الصغار والشعور نحوهم بعاطفة الأمومة ليسا من خصائص لوسي .ولو لم يشعر جستن بذلك لكان...
آه ! هل ان لوسي تحاول الآن بطرق شيطانية وحيل خبيثة استعادة اهتمام جستن بها وعاطفته نحوها ؟ باستخدامها جولييت؟ لا, لا. إن ذلك مستحيل. لوسي ليست من الأشخاص الذين يدوسون على كرامتهم وعزة نفسهم لتحقيق أهدافهم . وجستن ... رجل متزوج, ولكن... هل يمنع ذلك لوسي من العمل على نيل مآربها!
ظلت هيلين مشوشة الأفكار بعض الوقت. ولم تفق من شرودها إلا عندما شاهدت جولييت تنزل من سيارة راي سندانا . ارغمت نفسها على وجوب التصرف بهدوء مع الفتاة, التي بدا واضحاً إنها استمتعت إلى حد كبير بتلك الدعوة المفاجئة. ومع ان هيلين امتنعت عن تأنيبها او التحدث معها بلهجة قاسية, لشعورها بأن اللوم كله يقع على لوسي, فقد تنبهت جولييت إلى الاستياء الصامت وسارعت إلى القول:
" لقد ترددت بالذهاب مع العمة لوسي بدون إبلاغك بالأمر .ولكنها قالت انه لا بأس بذلك ما دمنا سنتصل بك بمجرد وصولنا إلى منزلها. هل كان تصرفاً سليماً يا هيلين؟"
" لا بأس هذه المرة يا حبيبتي. ولكن الأفضل في المرات القادمة إبلاغنا مسبقاً. فلو كان والدك في البيت لشعر بقلق وانزعاج "
" اوه, العمة لوسي قالت ان والدي لا يمانع, فهما يعرفان بعضهما معرفة وثيقة منذ زمن طويل. ولكنها كانت تخشى ممانعتك"
" هكذا إذن "
وأخذت هيلين نفساً عميقاً. ثم سألت جولييت بتمهل :
" هل تحبين العمة لوسي؟"
" كثيراً. انها لذيذة جدا ... ولكنها ليست بطيبتك أنت. إنها سباحة ماهرة ... وبركة السباحة رائعة "
ظلت هيلين تفكر لفترة طويلة بعد ذهاب جولييت إلى النوم بأفضل طريقة او اسلوب لإبلاغ جستن بما حدث.كان شعورها الأولي ان تخبره القصة بحذافيرها, بما في ذلك غضبها واستياءها من لوسي .ولكن مع مرور الوقت جعلها تهدأ قليلا. ربما كانت متسرعة في إصدار حكمها ... ربما كانت لوسي فعلا تعني ما قالته ان الصدفة والعفوية لعبتا الدور الأكبر في دعوتها لجولييت! أليس ممكناً أيضاً ان ينظر جستن إلى الموضوع بمنظار آخر... او ان يجد غضبها مسلياً, وربما مستغرباً؟ وأخيراً, عندما عاد جستن إلى البيت وذهبت لإعداد شراب بارد له, سمعت صوتاً باطنياً يطالبها بإن تنسى القضية برمتها وان تمتنع حتى عن الإشارة اليها.
مضى ذلك الأسبوع بدون حدوث شيء يذكر .وبحلول يوم الاثنين من الاسبوع التالي ,كانت هيلين قد نجحت تقريباً في محو تلك الحادثة تماماً من تفكيرها. ولكن الحادثة تكررت ...ولوسي لم تزعج نفسها هذه المرة حتى بالاتصال الهاتفي. اتصلت هيلين بفيلا سندانا وانتظرت فترة بدت طويلة جدا قبل ان تسمع لوسي تقول لها:
" اوه, مرحبا .كنت على وشك الاتصال بك . نعم, انها هنا "

وردت عليها هيلين بعصبية:
" أتمنى الا تتكرر هذه القصة مرة أخرى يا لوسي "
ضحكت لوسي بسخرية وقالت:
" آه يا عزيزتي, هل يجب ان تكوني عصبية هكذا ؟ جولييت تحب زيارتنا "
توقفت لحظة ثم تابعت حديثها بسرعة قائلة:
" يجب إن اذهب الآن... انها مستعدة. ليت بامكانك مشاهدتها الآن ... كم هي جميلة في ثياب البحر ,وبهاتين القطعتين خاصة "
ثم اقفلت الخط. ظلت هيلين مشدوهة بعض الوقت. ان كانت لوسي تعتقد ان هذه الزيارات ستصبح منتظمة ,فان الوقت قد حان لردعها عن ذلك ... وبصورة نهائية. فمهما كانت اهداف لوسي ومخططاتها, فان من الظلم استغلالها جولييت. وتمنت هيلين ان تكون لوسي هي التي ستحضر جولييت إلى البيت... لانها ستكون المرة الاخيرة. ولن تضطر لوسي بعد ذلك للتظاهر بالتودد والمجاملة .
ولشدة غضبها وحنقها, لم تسمع هيلين صوت السيارة التي دخلت الباحة الخارجية. ولكنها سمعت اصوات اقدام وباباً يفتح ...فركضت باتجاه الباب وهي...
انه جستن ... فتوقفت, وحاولت إن تقول شيئاً ... ولكنها لم تتمكن. كما انها لم تتمكن من إخفاء معالم التأثر والذهول من وجهها وعينيها.
" مرحبا... ماذا حدث؟ اهكذا يبدو عليك عندما تستقبلينني ؟"
" لا ,طبعاً لا . لم اشعر بوصول السيارة. جستن..."
" ليس هناك أي مشكلة جديدة مع هذه القدم على ما ارجو !"
خلع سترته, ثم توجه إلى المطبخ سائلاً :
" الم تعد جولييت بعد؟"
" لا "
ثم تبعته ووقفت في الباب قائلة:
" انها في منزل لوسي سندانا "
" عند لوسي؟!"
وجمدت يده الممسكة بقبضة البراد ,ثم استدار نحوها قائلا:
" ماذا تفعل هناك؟"
"تسبح"
ثم اخذت نفساً عميقاً وقررت ابلاغه كل شيء .
" هذه هي المرة الثانية يا جستن. ولكن لوسي لا تخبرني. تذهب إلى المدرسة وتأخذ جولييت من هناك, ثم تتصل ..."
استمع جستن إلى كافة التفاصيل بدون إن يتفوه بكلمة واحدة. وترددت هيلين قليلا بعد لحظات من الصمت, ثم قالت له :
" دعوة جولييت إلى هناك لا تضايقني ! ما يضايقني لا بل ويزعجني كثيراً هو الاسلوب الذي تتم فيه الدعوة والزيارة. واعتقد ان اسلوب لوسي ... ليس صحيحاً "
تمهل جستن في اعطاء الجواب, ولكنه قال:
" لا ,ليس صحيحاً. انا اوافقك الرأي ... لم يكن تصرفاً حكيماً "
" اعتقد انه تصرف وقح "
رفع جستن حاجبيه ووضع كأس الشراب الفارغة في المكان المخصص لها وقال:
" انت فعلا متضايقة كثيراً. خففي من غضبك قليلا. هل تريدين شراباً بارداً؟"
" لا شكرا ً"
تضايقت هيلين لانه بدا وكأنه لم يهتم كثيراً بما حدث .وسألته بشيء من الانفعال :
" ألا تعترض على هذه التصرفات؟"
وجه اليها نظرة حادة ثم اتكأ على البراد وقال:
" نعم, ان كانت هذه التصرفات تغيظك . ولكني لا اعتقد ان لوسي تقصد الاهانة او المضايقة. انها عفوية التصرف, وهي فعلا ذات قلب محب وكريم. على الأقل فان هذه هي نظرتي اليها دائماً"
طبعاً, طبعاً. هكذا يفكر فيها. يالسخرية الاقدار! وقبل إن تتمكن من الاجابة, سمعته يتابع حديثه قائلا :
" لماذا لا تنظرين للموضوع من جانبه الايجابي ؟ اذا احبت إن تدعو جولييت بين الفترة والاخرى, فلتفعل. ان من شأن ذلك ان يريحك بعض الشيء لتصح قدمك تماماً "

ردت عليه بعناد ظاهر :
" لا اريد مثل هذه الراحة. واريد ان اعرف اين هي جولييت عندما لاتكون في البيت "
تنهد جستن قائلاً :
" حسناً, ان الأمر في غاية السهولة. انت الآن أم جولييت ... استخدمي سلطة الام واطلبي من جولييت عدم قبول اية دعوات من أي انسان قبل حصولها على موافقة مسبقة منك "
ثم ابتسم قليلا وسألها :
" هل تريدين مني ان اتحدث إلى جولييت بهذا الشأن؟"
" لا .لقد حدثت جولييت... ولوسي, خلال المرة الاولى. هذه المرة سأكون واضحة تماماً "
عبس جستن ثم قال:
" ربما كان من الأفضل ان ابحث الموضوع مع لوسي بطريقة لبقة. اعتقد انها ستتفهم القضية ببساطة وسهولة"
وجهت اليه هيلين نظرة مماثلة وقالت له بثبات واصرار:
" لا ,فانا سأفعل ذلك. لقد اردت ان ... ابحث المسألة معك قبل ان ..."
"قبل ان تشهري الحرب بسبب مبدأ معين؟"
" نعم "
قطب حاجبيه قليلا ثم سألها بلهجة غلب عليها الحنان :
" هل راودتك اية شكوك حول امكانية وقوفي في الصف المعارض لك؟"
لم تتمكن من الاعتراف له بأن هذا الاحتمال ورد في رأسها اكثر من مرة. وعندما احنت رأسها ولم تجب, قال لها بهدوء:
" اسمعي يا عزيزتي. إنا اعرف انك تحبين جولييت كثيراً وتعملين مخلصة على تأمين سعادتها ورفاهيتها. وهذا كل ما يهمني. تأكدي أنني لن اجادلك او اعارضك ابداً في أي قرار تتخذينه بالنسبة لجولييت, بغض النظر عن الشخص او الاشخاص الذين يزعجهم قرارك"
ثم ربت على كتفها وقال لها بحنان ظاهر:
" الآن, وبعد سويت الامور على النحو المطلوب, لنذهب وننتظر تلك الفتاة التائهة "
شعرت هيلين وهي تسير قربه باتجاه القاعة الرئيسية بانها حققت انتصاراً جزئياً. لقد انصفها جستن في الدور الذي تقوم به في حياة جولييت. ولكن متى ينصفها في الدور الذي تصبو اليه بكل جوارحها ... دورها كزوجة عاشقة؟
بعد ساعة تقريباً, وصلت جولييت يرافقها هذه المرة روجر درو .ما هي الطريقة المثلى لمفاتحة جولييت بالموضوع بدون إن تبدو قاسية او متسلطة ؟ اليس من الممكن ان تكون لوسي قد اطلقت عليها هاتين الصفتين, عندما كانت تنذر جولييت بان حفلات السباحة قد تتوقف بسبب اعتراض زوجة ابيها ؟ وقبل إن تفتح فمها لتقول شيئاً, سمعت جستن يقول الى ابنته باعصاب باردة قائلا:
" لقد تأخرت يا جولييت. لا , لا تزعجي نفسك بالشرح والتوضيح. تذكري فقط ان تطلبي اذناً قبل الذهاب لزيارة أي كان على الإطلاق "
استدار جستن نحو روجر وسأله عما اذا كان يرغب بكأس من الشراب البارد. اما جولييت فقد ظلت واقفة بلا حراك لبعض الوقت قبل ان تقول لهيلين بتردد:
" انا آسفة يا هيلين. لقد نسيت ما قلته لي, وكان الطقس حاراً جداً ... "
لم تتمكن هيلين من البقاء متوترة الأعصاب ومشنجة, فسارعت إلى مفاطعة جولييت قائلة:
" اعرف. ولكني اعتقد انك تفهمين الوضع الآن. كان على لوسي الا تشجعك على عدم اطاعة الاهل. انها انسانة راشدة, وكان عليها إن تفكر بطريقة افضل "
" اعطتني درساً قصيراً... حوالي ثلث ساعة فقط. ثم حضر العم روجر, وتحدثت معه قليلا ثم ..."
توقفت جولييت عن اتمام جملتها وسألت:
" ما هذا؟"

" لا اعرف"
شعرت هيلين في اللحظة نفسها التي توقفت فيها جولييت عن الكلام... بهزة في جميع انحاء الفيلا ,وكأن قطاراً مر في نفق تحت الارض على مقربة منهم. ولكن... ليس في الجزيرة اية قطارات او انفاق. ثم تطلعت جولييت قائلة:
" سأطلب من ألي ان تعد لي شيئاً ما .اذهبي الآن وضعي كتبك في مكانها. ربما قررنا بعد قليل الذهاب إلى الشاطئ"
استعادت جولييت ابتسامتها وركضت باتجاه غرفتها. اما هيلين فظلت واقفة على الشرفة...
تفكر بجستن ولوسي. كيف يمكنها القضاء على ذلك الخطر الذي تشعر متأكدة بأن لوسي تشكله على ...
" هيلين, بدأ شرابك يسخن "
دخلت الغرفة لأن الحرارة في الخارج لا تسمح للانسان بالوقوف طويلا .وفجأة, شعرت بتلك الهزة الغريبة مرة أخرى. كذلك شعر بها جستن وروجر اللذان توقفا عن الحديث بضع لحظات قبل إن يسأل روجر :
"هل هذا زلزال؟ "
وقف جستن بعصبية, وقال وهو يتجه نحو هيلين :
" لا اعرف. لكنه اذا حدث, فسيكون اول زلزال في تاريخ الجزيرة المعروف"
تسارعت ضربات قلب هيلين وقالت لهما:
" كانت هذه الهزة الثانية. فقد حدثت هزة أخرى عندما كنت اتحدث مع جولييت قبل بضع دقائق "
صمت الجميع لحظة وضلوا واقفين بدون حراك, وكأنهم ينتظرون. ثم صرخت هيلين:
" سأذهب لاحضار جولييت"
في تلك اللحظة بالذات كانت الصبية الصغيرة تنادي من الخارج بصوت عالٍ وخائف. ركض الثلاثة كشخص واحد إلى النافذة. كانت جولييت تقف في زاوية الشرفة خارج غرفتها مباشرة وهي تحدق بعيداً... باتجاه اعلى جبل في الجزيرة .
" انظروا! انه العين ! ان الدخان يتصاعد منه ! ان البركان ... لم يعد ساكناً"
كان جستن سباقاً في التخلص من أثار الصدمة, فهرع إلى الهاتف, فيما ظل روجر وهيلين يحدقان خائفين بتلك السحابة السوداء التي تتصاعد بكثافة فوق فوهة البركان, المسمى بالعين.
" هل سينفث حممه ؟ "
سألت جولييت ذلك بصوت هامس يسيطر عليه الفزع والهلع. فأجابها روجر وقد ظهر الذعر في عينيه :
" لا اعرف, لا اعرف. احياناً يظل الدخان يتصاعد من فوهته عدة ايام قبل إن يقذف المواد الملتهبة. واحياناً ... اوه ,انا لا احب هذه الهزات الارضية على الإطلاق"
" أين أبي ؟"
وركضت جولييت فتبعتها هيلين وروجر بطريقة لا شعورية. ولدى دخولهم القاعة كان جستن يضع سماعة الهاتف.
" تحدثت مع المفوض العام فأبلغني انه اعلن حالة الطوارئ في الجزيرة. سوف نعمل على اجلاء جميع السكان عن اندانو ,واشكر الله على ان السفينتين المخصصتين لنقل قصب السكر لا تزالان في المرفأ. سنضع على متنها معظم النساء والاطفال. اما الباقون فسوف نخرجهم بطريق البر هيا يا روجر ,فليس هناك وقت نضيعه "
كانت هيلين واقفة كتمثال لا حياة فيه, فالرعب جمدها في مكانها. الا انها عندما سمعت جستن يقول تلك الجملة لروجر ثم يرمي سترته على كتفه ويهم بالخروج, افاقت من دهشتها وصرخت:
" جستن, لن تذهب إلى اندانو ... قرب البركان مباشرة !لا . لا يمكن انه جنون, ارجوك! "
شد بيديه على يديها المرتجفتين قائلا :
" يجب ان اذهب ... هناك اكثر من ثلاثمئة شخص في اندانو , ومعظمهم هم عمالي وعائلاتهم .يجب مساعدتهم .لقد بدأو فعلا باعداد اماكن اقامة طارئة "
ثم صمت قليلا وقال لها بلهجة مشجعة :
" يجب ان اذهب. ان ثورة البركان قد لا تحدث. ولكن لا يمكننا المجازفة"