كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
الفصل التاسع والعشرون
المدخل : ~
بقلم : Hanita
♥من غسق إلى مطر♥
كابوس.. نعم إنه مجرد كابوس يطبق على أنفاسي في ليل طويل بهيم
حسبت أني على يقين راسخ لألفي نفسي غارقة في وهم مرير دهيم
ظلمتك أم ظلمت نفسي؟!! أم أننا أبرياء وقعنا في فخ محكم من الجحيم
خلتك غريمي الأوحد لأدرك الآن أنك لم تكن أبداً لي الخصيم
بل كنت منقذي و فارسي من عدوّ متربص بي.. عدوّ لئيم رجيم
لا تدعه ينال منا.. لا.. لا تسمح له.. فما بيننا عروة غير فصيم
لا تترك يدي.. لا تتركني وحدي أتخبط في لجة الضياع الأليم
تائهة لا أعلم و لا أدري.. أريد الهروب.. أريد الخروج من هذا العذاب الأليم
و بداخلي صوت يخبرني أن سننجو.. هناك مخرج.. يقيني يقين غير قصيم
أثق بهذا ثقة الجميع بك... فلطالما كنت لنا المنقذ أيها الزعيم
********************
إن قالت سابقاً بأنها عاشت جميع أنواع الصدمات في حياتها فهي
كاذبة فلم تعرف يوماً معنى ما شعرت به حينها والواقفة أمامها
تتحدث بحماس فيما لم تعد تعي ما يكون فهي كانت تشعر بأنها
تدور حول نفسها في ظلام مخيف وعبارة واحد تتكرر في رأسها
( الزفاف الملكي ، الزفاف الملكي ، الزفاف الملكي )
حتى صرخت نهاية الأمر تغلق أذناها بكفيها
" يكفييييي "
وهو ما جعل الواقفة أمامها تصمت فجأة تنظر لها مصدومة
وشعورها ذاك كان سببه ملامحها أكثر من كلماتها تلك وكأنها
ترى امرأة تموت وتحتضر أمامها بينما تحاول الصمود حدقتاها
الذهبيتان ترتجفان وشفتاها المنفرجة تخرج منها أنفاسها
المتلاحقة وكأنها ستفقدها وتموت ! وهو ما جعلها تهمس بخوف
" آنستي !! "
" من أنا ؟ "
كان ذاك فقط ما همست به شفتاها ونظرة الضياع والذعر لا
تفارق عينا الخادمة المحدقة فيها بذهول ولم تستطع قول أي كلمة
معه وهو ما جعلها تصرخ في وجهها بقوة
" من أنا قلت من أنا ؟ "
تحدث أخيراً وإن كانت عيناها لازالت تعبر عن صدمتها حيال
سلوكها ذاك قائلة
" أنتِ ماري آنستي ! "
صرخت تضرب بيديها على صدرها المغطى بقماش بيجامتها
القطني الناعم
" ماري من ؟ "
وهو ما جعل توتر الواقفة أمامها يزداد وقالت متلعثمة
" ماري د.. ماري مديتشي "
وتابعت من فورها تكرر مجدداً
" أنت تكونين ماري مديتشي "
وتبعت نظراتها الشاخصة التي ابتعدت بنظرها عنها بينما عادت
للضرب بكفيها على صدرها بقوة صارخة
" لستِ هي ألم تسمعي هذا ؟ لستِ مارية لستِ تلك "
وهو ما جعلها تتوجه نحوها قائلة بقلق
" آنستي هل ... "
لكن كلماتها توقفت لأنها تركتها وتوجهت نحو الباب راكضة
فتبعتها من فورها صارخة
" ماري .. سيدتي ما بك ! "
ونزلت السلالم خلفها راكضة حتى توقفت عند باب المنزل تنظر
باستغراب وذهول للتي غادرت بابه دون أن تهتم لنداءاتها ، وأي
صوت ذاك الذي كان سيصل لعقلها حينها ؟
لا يمكن لأي شي فعلها فلم يستجب لذاك العقل المتقوقع في حالة
الصدمة سوى قدماها التي كانت تركض دون هدى أو توقف
والدموع المتدفقة من عينيها والصرخات الأنثوية الباكية تخترق
صمت الليل المخيف ، كانت تركض وتركض وتصرخ دون توقف
بكلمات باكية موجعة
" يا رب .. يا رب "
لم تكن تشعر بالمكان لا الأشجار العالية ولا الظلام المخيف ولا
بألم الأغصان اليابسة وهي تخترق بشرة قدماها الحافيتان وكأن
ما أراده عقلها فقط تجاوز حالة الصدمة التي لم يستطع قلبها
الصغير المعلق بذاك الرجل تجاوزها ولا حتى استيعابها .
أين ستذهب بكل هذا الألم الذي تشعر به ؟
من هذا الذي سيحتويه ويفهمه ويساعدها على تجاوزه ؟
لا أحد فمارية هارون ماتت ومات جميع من تعرفهم معها ، ماتت
وتلاشت آخذة كل أحلامها وأمنياتها وسعادتها ، غادرت جميعها
حينما رحل والداها وتركاها في هذه الحياة وحيدة .
هوى جسدها وانغرست ركبتيها في الحشائش اليابسة وخارت
قواه نهاية الأمر بينما لم تفعلها دموعها ولا صرخاتها الموجعة
تشهق كل عبرة مع الهواء المتسلل لرئتيها وارتفع رأسها عالياً
ناحية السماء السوداء بينما اشتدت قبضتاها على قماش بنطلونها
ناحية فخذيها صارخة ببكاء موجع
" يا رب أطفئ النار المشتعلة داخلي أرجوك "
*
*
*
كانت يده اليمنى تحرك المقود بينما الأخرى تثبت الهاتف على
أذنه ولم يقطع الاتصال نهائياً مع الذي كان يصمت أكثر ممّا
يتحدث بينما عيناه على الطريق أمامه وكل ما تقوله شفتاه
كل حين
" أين هي الآن ؟ "
والجواب من الموجود في الطرف الآخر لم يتغير كما اتجاه
سيارته حتى قال
" توقفت "
قال رعد باستغراب ونظره على جانب الطرق
" ما الذي توقف ؟ "
قال محدثه سريعاً
" السيارة توقفت سيدي "
استفاق حينها لنفسه بسبب أفكاره المشتتة وقال وسيارته تتباطأ
بشكل غير شعوري
" أين توقفت ! "
وصله صوته مباشرة
" على الطريق الساحلي لم تغادره "
رمى حينها الهاتف من يده على الكرسي جانبه وزاد من سرعة
السيارة وعقله يحاول طرد أي أفكار جنونية مخيفة فلما ستتوقف
فجأة ! لكنّ تلك الاحتمالات لم تستطع مغادرته وكل ما كان
يخشاه حينها تعرضها لحادث سير أو أن تكون انقلبت سيارتها
على الطريق فهو لا يعلم أي حالة تلك التي غادرت بها وهل
يمكنها القيادة معها أم لا .
واستطاع أن يعرف معنى تسرب الأوكسجين لرئتيه وكأنها المرة
الأولى في حياته التي يتنفس فيها ما أن ظهرت له السيارة
السوداء اللامعة المتوقفة بجانب الطريق ناحية البحر وتباطأت
سرعة سيارته بينما عاد التوجس والخوف لمهاجمته وتعالت
ضربات قلبه وعيناه تدركان بأن تلك السيارة فارغة ولا أحد
يجلس فيها !
وهو ما جعله يوقف السيارة وإن لم يصل لها بعد ونزل تاركاً
بابها مفتوحاً دون حتى أن ينتبه له وركض نحو سيارته المتوقفة
هناك وكأن خطواته تلك ستصلها أسرع من محرك سيارة قوي !
لا بل عقله من دفعه لفعل ما يراه جزء منه ويشعر به وهو قوة
خطوات قدميه الراكضة على الطريق المعبد حتى وصلها ونظر
داخلها وكأنه يحاول تكذيب ظنونه تلك ! بل وحتى عيناه وأن
يجدها جالسة فيها أو حتى منحنية ناحية المقود ولم يراها لكن أي
شيء من ذلك لم يتحقق ليرحم به عقله وقلبه وكانت فارغة
بالفعل وهو ما جعله ينظر حوله بضياع وارتفعت يداه لرأسه
يمسكه بقوة يشعر بصوت تلك الأمواج يصرخ داخله وكأنه يخبره
بالحقيقة التي يخشى من مجرد التفكير فيها ، حتى استقرت عيناه
نهاية الأمر ناحية البحر وفكرة مخيفة قاتلة أخرى تهاجمه وهو
ما جعله يتوجه ودون تفكير ناحية السياج الحديدي الذي يفصل
رماله الناعمة عن الطريق الواسع وجن جنونه حين رأت عيناه
خطوات حذائها على تلك الرمال وهو ما جعله يقفز فوق السياج
بخطوة واحدة وركض جانباً يتبع أثرها ، وشعر بقلبه توقف ما أن
اختفت تلك الخطوات عند طرف الموجة وتيبست قدماه وعيناه
شاخصتان ناحية البحر وأمسك رأسه بينما همست شفتاه
المرتجفة
" لا تفعليها بي يا غسق ، لا تفعليها يا وصية والدي "
كانت أنفاسه تتلاحق بقوة بينما تمسح نظراته سطح المياه الشبه
هادئة واحمرار الشفق يرسم ألوانه الجميلة عليها وأنتابه شعور
لم يعرفه يوماً وعجز عقله عن تحديد خطوته التالية والحلول
المتاحة حينها حتى انحرفت نظراته يميناً وتبدلت الفاجعة في
ملامحه لابتسامة واندهاش ونظره يقع على تلك الناحية بعيداً
والسائرة في الاتجاه الآخر يفصلها عن مكانه تجويف ترابي
وصخرة كبيرة أعلاه ، كانت تعبث الريح بقماش عباءتها الواسعة
تمسك حجابها الأسود في يدها بينما تركت خصلات شعرها للريح
تلعب به حيث وكيف تشاء .
تحركت خطواته نحوها يحاول الإسراع ليدركها بينما يغوص
حذائه الأسود في الرمال الرطبة معيقاً حركته تلك يركض بشق
الأنفس حتى وصل عندها وكأنه يرى حلماً أمامه يصعب عليه
تصديق أنه حقيقي !
أمسكت يده بكتفها موقفاً لها وأدارها نحوه وفي صمت ليقف
متسمراً ينظر باستغراب تبدل للذهول فجأة وهو ينظر لعينيها التي
كانت وكأنها لا تراه ! كانت بملامح مفجوعة وعيناها ثابتة وكأنها
تقف في الفراغ المظلم !
وأدرك عقله شيء واحد حينها بأنها لا ترى أحداً أمامها !
كيف يحدث ذلك وما تفسيره لا يعلم لكن هذا ما يراه أمامه الآن
وهو ما جعله يمسك بذراعيها واشتدت أصابعه عليها وحركها
حركة خفيفة قائلا
" غسق ! "
لكن شيئاً منها لم يستجب له ولم تتغير تلك النظرة يحاول فقط
رؤية العينان الغريبة عنه من بين خصلات شعرها الأسود
المتراقصة أمام وجهها ، كانت حركته التالية أقوى من سابقتها
وهو يهز جسدها قائلا بصوت ارتفع فوق صوت الأمواج قربهما
" غسق قولي شيئا "
ولا فائدة من كل ما يفعله حتى عاد وحركها بعنف أكثر
قائلاً بانفعال
" غسق اصرخي افعلي أي شيء لا تسجني الشعور داخلك "
حينها فقط تحركت حدقتاها على ملامحه وكأنها تراه للمرة الأولى
بينما امتلأت الأحداق السوداء بالدموع وتحركت شفتاها
بهمس مرتجف
" قلبي يحترق يا شقيقي "
وهو ما جعله يشدها لحضنه ويخفيها فيه لا يأبه لأي قيود
وحواجز وضعتها بينهم منذ علمت بأنها ليست شقيقة لهم وفعل
ما منع نفسه عنه طيلة الأيام الماضية وهو احتواء بكائها
وصراخها الموجع وسط أضلعه يحضنها بقوة وقلبه يعتصر ألماً
على حالها فهو الرجل لم يستطع إدراك الأمر بسهولة وتصديقه
لتفعلها هي !
ومن لازال متيقناً بأنها تتنفس عشقه في خلايا الهواء المتسلل
لأوردتها وإن فعلتها ووقفت أمام قاضي ليحكم بطلاقها منه لأنه
العشق ذاته الذي دفعها لفعل ذلك ، لكن الأمر الآن مختلف ويمكنه
فهم هذا جيداً فهي تخسره وتخسر ابنتها وطفلها الذي لم يولد
بعد أيضاً .
وهذا ما تفعله التضحيات بقلوب النساء حينما يختارها واقعها
لتكون امرأة لرجل الوطن ، تحترق القلوب وتموت ليزهر ذاك
التراب الغالي وهو ما فعله بقلبيهما معاً ، إنها المأساة والمشاعر
ذاتها وإن فصلت بينهما كل تلك المسافات ، لكن شتان بينهما
أيضاً فبينما ثمة حضن يحتوي بكاء إحداهن هنا يشعر بألمها
وحزنها وبكائها ثمة أخرى لا شيء تستند عليه هناك سوى ظلام
الليل والوحدة والألم وحضن التربة الباردة ، تُسلم كل واحدة
منهما أحلامها بيديها لامرأة أخرى لتأخذها دون أدنى تعب بينما
عاشت هي وتجرعت الألم والمرار لتصل إليه .
ذات الوجع وذات الألم وحتى الواقع ذاته لكن شتان بين أن
يحتوي أحدهم حزنك العميق ذاك وبين أن تعيشه وحيداً لا تجد
حتى من يحاول تخفيفه عنك .
لا بل هو ذاته وإن كان بطرق مختلفة فبينما تسلم إحداهن حبيبها
فقط كانت خسارة الأخرى أعظم من ذلك وهو ما ظهر في صوتها
حينها وهي تبتعد عن حضن شقيقها بينما صرخت بغضب باكي
تلوح بيدها ناحية البحر الواسع وكأنها لم تكن تبكيه قبل قليل
" لن يأخذ طفلي مني ، لن أسمح بهذا ولن يتكرر ما حدث سابقاً
مع ابنتي "
وهو ما جعل رعد يأخذ وضعية الترقب ورفع يديه لذراعيها وقال
يحاول تهدئتها
" لن يأخذه أحد منك يا غسق دعينا فقط .. "
أبعدت يديه عنها صارخة بأسى وألم مقاطعة إياه
" بلى سيفعل وسيجعلني أعيش الألم ذاته ، سيفعلها بي ودون
رحمة لن يترك أبنائه أعرفه جيداً "
وتكدست الدموع في عينيها مجدداً وقالت بأسى وهي تشير
بأطراف أصابعها لنفسها
"سأموت إن حرموني منه يا رعد لن يتحمل قلبي واحدة أخرى "
أغمض عينيه وتنهد بحزن يشعر بالهواء كأشواك تمزقه وكأنه
يهرب من رؤيتها تتمزق أمامه بين أمومتها وواقعها بينما وصله
صوتها الكسير تخنقه عبرتها الموجعة
" غسق القوية انتهت وماتت ولن أصمد كما حدث قبل أربعة
عشر عاماً يا شقيقي لن أستطيع فعلها "
فتح عينيه حينها ونظر لها بينما ارتفعت يده لذراعها وقال بكل ما
استطاع من هدوء واتزان
" لنغادر من هنا الآن فالأمر سابق لأوانه الآن "
كان يريد فقط إبعادها عن هنا ثم التفكير في الحلول المناسبة لهذا
الأمر .. هذا إن وجدت حلول له أساساً ، لكنّها رمت يده عنها
وقالت بانفعال
" لا أريد العودة هناك "
وتابعت من قبل يتحدث أو يعترض قائلة بضيق
" رعد أنت تقتلني بهذا ولست تريحني "
أخد الحجاب من يدها دون أن يعلق على ما قالت بادئ الأمر ولفه
حول رأسها يدس جميع خصلات شعرها تحته حتى انتهى وقال
ينظر لعينيها الحزينة المعلقة بعينيه
" سنذهب حيث تريدين فقط لنغادر من هنا "
قالت ببحة ولازالت تنظر لعمق عينيه
" سنذهب لمنزلك في حوران "
قال وهو يمسك بيدها ويحرك بها من هناك
" موافق "
*
*
*
كان صقر يتحدث بكلمات متقطعة لا تعبر سوى عن رجل عاجز
عن نقل فاجعة بصورتها الصحيحة في محاولة لتخفيفها بينما
كانت نظرات قاسم تتحرك ناحية الواقفة بجانبه وهي تيما والتي
كان ينتظر سقوط جسدها مغماً عليها أو أن تركض نحو غرفتها
وتغلقها على نفسها كما فعلت في المرة السابقة أو حتى أن
تصرخ معترضة ورافضة للأمر لكن شيء من ذلك لم يحدث !
فقط نظراتها الحزينة كانت مركزة على عينا صقر وهو ما جعله
يصمت وجعلهما يتبادلان نظرة صامتة مستغربة قبل أن يغادر
قاسم صمته قائلاً ينظر لعيني خاله
" وما رد فعل ذاك الصعلوك حين أعلن مطر ذلك دون أن يترك
له المجال للتمادي حال رفضه ؟! "
تنهد صقر بأسى وقال
" لا شيء وكل ما قاله بأنه يريد أن يكون عقد الزواج بعد ثلاثة
أشهر من اليوم "
تحجرت ملامح تيما كما نظراتها بينما تحدث قاسم أيضاً قائلا
وبضيق
" ولما طلب هذا ولم يجعله اليوم ليرتاح قلبه وحقده الأسود ؟ "
كانت كلماته تلك تعبر عن الكره الدفين له بينما اتسعت لها عينا
الصامتة بقربه وهي تنظر له وكأنها تتخيل أن يحدث هذا بالفعل
اليوم ! بينما قال صقر بنبرة أشد كراهية
" ومن يفهم الطريقة التي يفكر بها ذاك الشيطان ؟ "
وتابع من فوره وبضيق
" هل تتصور من وقاحته ما الذي أجاب به حين سأله أحد
الحاضرين عن السبب ؟ "
وتابع من فوره دون أن ينتظر السؤال البديهي من عيني المحدق
فيه باستغراب
" قال بأنه سيكون حينها ثمة ثلاثة أشهر فقط تعتد فيها زوجته
المطلقة مع ولادتها "
وكان ذاك ما جعل قاسم يضرب يديه ببعضهما بعدم تصديق وقال
" يا إلهي ما أوقحه من رجل هل يحسب حتى أشهر حملها ! "
كان صقر سيعلق لكن توقفت الكلمات على أعتاب شفتيه ينظر
للتي تحركت حينها مغادرة ناحية ممر غرفتها وفي صمتها
وحزنها ذاته ويبدو واضحاً أنها لم تعد تحتمل أكثر من هذا ، وما
أن استدار قاسم ليلحق بها أمسكت يد صقر بذراعه موقفاً له وقال
ما أن توقف ونظر لعينيه
" ألا ترى بأن تركها وحيدة الخيار الأفضل ؟ "
كان وكأنه يذكره بالمرة الماضية وكيف أغلقت الباب على نفسها
واختارت أن تكون وحيدة لكنّه متأكد من أن الأمر مختلف وهو
من بات يعرفها جيداً ويشعر بها أكثر من نفسه ، لذلك سحب
ذراعه من قبضته بأدب وقال وهو يتحرك من هناك مجدداً
" لا بالتأكيد وما تركت مشاغلي تلك بأكملها وجئت إلى هنا
لأتركها تسجن نفسها مع حزنها وحيدة "
وتابع سيره بخطوات واسعة تاركاً خاله خلفه حتى وصل باب
غرفتها وما أن أدار مقبضه وكما توقع كان مفتوحاً هذه المرة
ووقع نظره على الجالسة فوق السرير تحضن ركبتيها وتدفن
وجهها فيهما وقد تدلت خصلات شعرها الناعم على ذراعيها لا
يظهر شيء من ملامحها بينما علم من هدوء جسدها بأنها لم تكن
تبكي !
اقتربت خطواته حتى وصل عند سريرها وقال بهدوء يعاكس
نظراته الحزينة لها
" تيما ارفعي رأسك وانظري لي "
وحين لم يبدر منها أي رد فعل قال مجدداً
" تيما إن كنت أعني لقلبك أي شيء افعليها من أجلي "
ارتخت حينها ذراعاها مع ارتفاع رأسها عالياً ونظرت لعينيه
بعينين حزينة كسيرة في صمت لا شيء سوى تلك الدموع التي
تحرق جفنيها المحمرين بشدة لازالت ترفض مفارقة عينيها في
مشهد أعاده لذات الشعور بالعجز عن إيجاد أي حل يجعلها تسعد
ويرى ابتسامتها التي يعشق ، وما زاد وضعه ذاك سوءًا كلماتها
التي خرجت كهمس كئيب من بين شفتيها
" سرقوا حلمي مني وانتهى كل شيء "
أغمض عينيه حينها وكأنه يخفي الألم الذي يشعر به فيهما متنهداً
بأسى ، وظهر كل ذلك ما أن ارتفع جفناه مجدداً ونظر لعينيها
التي غشتها سحابة دموع بينما تكسر صوتها بألم وملامح تعيسة
متابعة
" ستصبح امرأة أخرى زوجة لأبي وبالتأكيد ستتزوج والدتي
لأصبح غريبة في منزل كليهما "
غضن جبينه باستغراب بسبب أفكارها تلك وإن كانت أقرب للواقع
لكنّه قال يحاول طردها من رأسها
" تيما والداك يحبانك ولن ... "
لكنّ كلماته تلك توقفت ما أن قاطعة قائلة بأسى حزين
" هل سأشعر بذلك في منزلنا يوماً ما أيضاً ؟ "
وجعلته كلماتها تلك يحدق فيها مصدوماً بسبب معنى ما قالت !
ولم تترك له المجال ليتحدث وهي تقول مجدداً بذات الملامح
الطفولية التعيسة والعينان الدامعة الحزينة معلقة به فوقها
" عدني بأنه سيصبح لنا عائلة ولن تتخلى عنها وعني أبداً
ومهما حدث "
كانت تلك القشة التي قسمت ظهره وما جعله يجلس على طرف
السرير وشدها لحضنه الذي نامت فيه طواعية يحضنها بقوة حتى
خشي من أن يؤلمها بذلك وقال مغمض عينيه وكأن كل ما يريده
هو الشعور بجسدها في حضنه
" أقسم لن يحدث ذلك .. أقسم لك "
دفنت ملامحها في صدره وحاوطت ذراعاها جسده وقالت تخنق
كلماتها عبرتها الحبيسة وسط أضلعها
" لا أريد أن تصبح شخصاً غريباً عني أنت أيضاً "
مسحت يده على شعرها الحريري الناعم وقال بنبرة متزنة تشبهه
" تيما لا تشككي في حب والديك لك "
ابتعدت عنه حينها وتركها هو بالرغم من رفض كل خلية في
جسده لذلك بينما نظر لعينيها الدامعة وقد قالت
" لم ولن أفعل ذلك ما حييت لكن زواجهما سيجعلني أدخل منزلاً
غريباً عني وحياة ليست لي "
تحرك رأسه برفض وقال يحاول إقناعها بغير ذلك أو التخفيف
عنها بتغيير أفكارها تلك
" والدك لن يغادر من هنا ومنزل عائلة الشاهين ملك لهم
بأكملهم "
حركت رأسها أيضاً رافضة للفكرة وللموافقة على كلامه أو
الاقتناع به بينما تنطق التعاسة من عينيها وإن لاذت بالصمت ولم
تعلق فوقف ومد يده نحوها قائلاً
" دعينا من كل هذا الآن وهيّا غيري ثيابك لنخرج معاً "
نقلت نظراتها الدامعة بين يده الممدودة لها وعينيه وقالت
باستغراب
" نخرج أين نذهب ؟! "
ابتسم وقال معلقاً على الريبة التي سيطرت عليها بشكل مفاجئ
" ما هذه الملامح ؟ لا تخافي مني لن آخذك لمنزلي "
عبست بطريقة طفولية وقالت بضيق تنظر له فوقها
" لست خائفة من ذلك بالطبع "
حرك أصابع يده المدودة لها وقال
" هيّا إذاً لديّا مفاجأة لك "
نظرت ناحية النافذة وللظلام الذي بات يغطي الأجواء وقالت ما أن
عادت ونظرت له
" في هذا الوقت ! "
أشار برأسه مبتسماً ناحية الباب ولم يعلق فقالت بريبة تنظر
لعينيه
" هل أخبرت والدي بهذا ؟ "
أبعد يده تلك جانباً وقال بضيق
" هل عليّا إخباره لآخذ زوجتي لبعض الوقت ! "
كتفت يديها لصدرها وقالت بجدية بالرغم من آثار البكاء الواضح
على ملامحها
" بلى ولن أخرج دون علمه إلا وأنا خارجة من منزلك "
رفع رأسه عالياً وتنهد مبتسماً قبل أن يعود وينظر لها وقال وذات
الابتسامة تزين شفتيه
" حسناً يا حفيدة الشاهين المدللة "
وأخرج هاتفه من جيب سترته الداخلي واتصل بالذي فتح الخط
بعد لحظات قصيرة فقال ينظر للتي كانت تنظر له بترقب
" مرحباً مطر "
وصله صوته الجاد سريعاً
" ما بك ماذا حدث معكم ؟ "
أدار وجهه بزاوية صغيرة وقال ينظر بطرف عينيه للتي لم تبعد
نظراتها عنه
"لم يحدث شيء هذه ابنتك ترفض أن تخرج معي دون إعلامك "
وابتسم ما أن أشارت له بيدها أن يفتح مكبر الصوت وأبعده عن
أذنه وقام بما طلبت منه وعلا الصوت الرجولي تميزه البحة
العميقة
" هل علمت تيما بالأمر ؟ "
وكان ذاك ما جعل الحدقتان الزرقاوان الجميلتان تسبحان في
الدموع تنظر بحزن للهاتف الذي خرج منه صوته وقال قاسم
ونظره لم يفارقها
" أجل وأنا موجود معها الآن "
خرج صوته مجدداً وبعد صمت لحظة وكأنه واقع بين قرارين
" لا مانع لدي إن وافقت هي هذا فقط "
ابتسمت تيما حينها بحزن وعيناها تنطق محبة لصاحب ذاك
الصوت الذي يضع كامل ثقته بها بينما أدار قاسم عيناه نحو
الأعلى متمتماً بابتسامة
" ويل قلبي منكم آل الشاهين "
وأتاه الدليل الأقوى من ذلك حين خرج صوته الحازم الآمر
" ولا تتسكع كثيراً وتترك عملك ومبنى المخابرات "
تبدلت ملامح قاسم للبرود حينها وقال
" الأمر لم يكن باختياري ولا موافقتي لا تنسى هذا "
وأمال نظراته نحو التي كانت تنظر له بترقب وصمت بينما ملأ
الصوت الجهوري العميق الحازم المكان مجدداً
" كانت ولازالت أوامري لا نقاش فيها فلا تتكاسل "
وفصل الخط عند نهاية كلماته تلك منهياً المكالمة معه وهو ما
جعل قاسم يرفع حاجبيه ونظره إلى العينان الزرقاء الواسعة
وكأنه يقول لها وفي صمت
( انظري ما يفعل معي والدك )
فلانت ملامحها وابتسامة حزينة تزين شفتيها هامسة بحب
" ليحفظه الله لنا جميعنا "
ابتسم وتوجه نحوها وهو يدس هاتفه في جيبه وقرص خدها قائلاً
" آمين كي لا أحرم هذه الابتسامة وإن كانت حزينة "
كانت تنظر له فوقها ومشاعرها ناحيته تتعاظم وهو ما يحدث في
كل يوم وكل موقف يمران به لتكتشف بأنه أعظم رجل عرفته ،
وهو ما جعل شفتاها تهمس تنظر لعينيه بحب
" أحبك "
تأوه مبتسماً حينها وأمسكها من يدها وسحبها نحوه فغادرت
السرير واقفة خارجه وحضنها بقوة يده تلامس نعومة شعرها
وقال مبتسماً
" كم أعشق هذه الدمية وفي جميع حالاتها سعيدة حزينة غاضبة
تعيسة أراها رائعة دائماً "
ابتسمت بحزن خالطه الكثير من الحب وهي تشعر بحضنه وتنام
وجنتها على صدره وكأنه مصدر الأمان الذي باتت متيقنة بأنه
ملجئها كلما ضاقت الحياة بها وسيبقى كذلك للأبد ، وما أن
ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وهمست مجدداً مبتسمة بحنان
" أحبك "
وكان ذاك ما أفقده زمام الأمور تماماً وأمسكت يداه برأسها
وجذبها نحوه وقبّل شفتيها بسرعة خاطفة وتركهما بذات تلك
السرعة وقال يسحب الهواء لرئتيه والابتسامة تزين تلك الشفاه
" كان على الأمر أن يكون خاطفاً هكذا كي لا يفسده شقيقك
كالعادة "
فعل ذلك هكذا وبكل بساطة وتركها تتخبط بسبب المشاعر التي
انتابتها حينها ولم تعرفها يوماً ولم تختبرها لأنها قبلتها الأولى ،
ولم تجد الفرصة ولا لقول أي شيء ممّا كانت تنتظره العينان
الباسمة المحدقة بعينيها بسبب تحقق توقعاته والباب الذي اتسع
أكثر بقربهما وصوت الكاسر الذي قال ما أن دخل
" تيما ... "
وتوقفت كلماته وهو ينظر للذي أبعد يديه عنها ودسهما في جيبي
بنطلونه الكحلي وتابع ما أن أدرك وجوده هناك
" مرحبا قاسم ... "
وعاد بنظره نحوها وتابع
" هل اتصل بك خالي رعد أنتِ أيضاً ؟ "
سرقت كلماته تلك كامل انتباهها بل ومشاعرها تشعر بضربات
قلبها تزداد جنوناً أكثر ممّا فعلته قبلته تلك وهمست بريبة
" لا !! "
وكانت ستنهال عليه بسيل أسئلة لا نهاية لها لولا سبقها قائلاً
" تحدث معي قبل قليل ومع عمي رماح أيضاً "
ارتفعت يدها لصدرها وقالت بتوجس
" هل والدتي بخير ؟ أين هما ؟ "
رفع كتفيه قائلاً
" لا أعلم لكن بما أنه فتح هاتفه فمؤكد سيكون في منزله
قريباً جداً "
شعرت بتوترها يزداد حدة وقالت
" وماذا إن لم يحدث ذلك ؟ "
قال الكاسر سريعاً
" ما كان ليفتحه حينها كما أني اتصلت بوالدتي وكان هاتفها
مفتوحاً وإن لم تجب "
نظرت نحو قاسم نظرة رجاء صامت قرأه سريعاً فحرك رأسه
مبتسماً بل ومنهزماً أمام تلك الملامح الجميلة الحزينة وأخرج
هاتفه واتصل بمن أجاب سريعاً فقال ونظره لم يفارق عيناها
المحدقة به
" هل غادر رعد شراع وشقيقته المكان "
وأبعد هاتفه سريعاً بينما قال وهو يعيده لجيبه
" لقد غادرا بالفعل "
قال حينها الكاسر وهو يغادر مسرعاً
" أنا سأكون هناك في منزله وسأنتظرها في جميع الأحوال "
قالت حينها تيما متوجهة نحو الباب
" انتظر سأذهب معك "
وتوقفت فجأة قبل أن تغادره واستدارت نحو الذي كان قد كتف
ذراعيه لصدره ينظر لها وابتسامة جانبية تزين شفتيه وأهدته
ابتسامة محرجة فهما يفترض بأنهما سيغادران من هنا معاّ كما
طلب منها ، وكالمعتاد تغلبت عليه بسهولة وقد قال مبتسماً وهو
يفك ذراعيه
" هيّا جهزي نفسك سآخذك أنا إلي هناك "
توجهت نحوه وحضنته بقوة قائلة
" يا إلهي كم أحبك "
وما أن ابتعدت عنه قالت باستعجال
" سأتصل بوالدي لأخبره وأغير ثيابي سريعاً "
تحرك من مكانه حينها نحو باب الغرفة قائلاً
" حسناً أنا أنتظرك وسأخبر الكاسر لتذهبا معاً "
وغادر مغلقاً الباب خلفه حتى وصل باب المنزل وحيث توقف
الداخل منه حينها وكان الكاسر فقال له
" لا داعي لطلب هذا من السائق سآخذكما من هنا معاً "
ابتسم الكاسر وغادر نحو غرفته مسرعاً وغيّر ثيابه سريعاً وحين
وصل حيث كان يقف قاسم ينتظرهما كانت تيما لم تجهز بعد ، كان
يريد سؤاله عمّا حدث وما رآه في الانترنت فور انتهاء مكالمة
عمه رعد لأنه لم يستطع النوم بعدها وجلس يتصفح الانترنت
واتصل بعمه رماح أيضاً ، لكنّه توقف فجأة بسبب التي ظهرت من
ناحية ممر غرفتها لازالت بملابسها لم تغيرها ولم تستعد
للمغادرة معهما بينما كانت عيناها الحزينة تنظر لهما في صمت
جعل الكاسر ينقل نظره بينهما مستغرباً أمّا قاسم فقد استطاع فهم
ما يجري سريعاً لذلك قال ينظر لعينيها
" هل رفض ؟ "
كان جوابها إيماءة صغيرة وملامحها تعبر عن الحزن وخيبة
الأمل التي تكسر قلبها لأنها لم تتوقع هذا فهو لم يفعلها سابقاً
ويمنعنها من الذهاب لها وفي أي وقت تريد ! بل لم يتفوه بغير
تلك الكلمات وبأمر حازم
( لا وإن كانت وجهتك وقاسم التي تحدث عنّها هو منزل رعد شراع فلا تغادري معه )
هذا فقط وأنهى هو الاتصال بينهما وعلمت الآن بأن الفجوة
بينهما يبدو أنها أكبر من توقعاتها جميعها وكل ذاك السوء الذي
وصلت إليه ، تحركت نحو قاسم ما أن أدخل يده داخل سترته
وأمسكت برسغه توقفه قائلة برجاء حزين
" لا قاسم لا تتحدث معه وتتشاجرا بسببي أرجوك "
انعقد حاجباه بقوة وقال بضيق ينظر لعينيها
" تيما أنا زوجك ولي رأي في الأمر وعليه أن يحترمه وسآخذك
لها وليفعل ما يريده لاحقاً "
اشتدت أصابعها على رسغه أكثر وقالت برجاء تنظر لعينيه
الغاضبة
" لم أعد أريد الذهاب فلا تتحدث معه رجاءً "
وكالمعتاد هزمته تلك العينان والصوت الحزين فتأفف بحنق وهو
يخرج يده ويدها تبتعد عنه بينما قال الكاسر بنبرة حزينة
ينظر لها
" هل سيمنعك عن منزل خالي رعد نهائياً ! "
قالت بحزن مماثل تكابد دموعها بالقوة
" لابد وأن غضبه الحالي السبب وسيتغير رأيه قريباً "
ولأنه لم يعد يمكنها التماسك أكثر من ذلك غادرت من حيث جاءت
قائلة بصوت كسير تخنقه عبرتها
" بلغها سلامي وبأني أحبها كثيراً "
وأسرعت خطواتها وهي تبتعد عنهما حتى اختفت فتحرك قاسم
نحو ذات الجهة قائلاً يخاطب الكاسر الذي تركه خلفه
" انتظرني قليلاً "
وما أن وصل باب غرفتها المغلق فتحه ووقع نظره مباشرة عليها
حيث كانت نائمة على سريرها تغطي كامل جسدها وحتى رأسها
ووجهها باللحاف تولي الباب ظهرها منكمشة على نفسها في
وضعية الجنين وهو ما جعل قلبه يتألم عليها أكثر ، وما أن خطت
خطواته نحو الداخل توقف بسبب كلماتها الحزينة الكسيرة
" أريد أن أنام قاسم أرجوك "
فتنهد بقلة حيلة يلعن حظه وأنها ليست في منزله وزوجة فعلياً
له ، وكل ما فعله حينها أن انصاع لاختيارها البقاء وحيدة وأطفأ
النور ثم أغلق الباب بهدوء .
*
*
*
|