كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
اقتباس :-
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيتامين سي |
*
*
*
كان الجميع في ضحك ومزاح مستمر وهم يتنقلون بين الأشجار
العالية والأغصان المتشابكة عدا التي لم يغير كل ذلك في مزاجها
شيئاً وهي تتعمد الابتعاد عنهم عدة خطوات بينما تنظر لكل شيء
حولها بعبوس تارة وبلا اهتمام تارة وبغضب تارة اخرى وكأن
مزاجها السيء ذاك يتقلب مع مزاج من كان السبب في كل ما هي
فيه الآن في وضع بات واضحاً بالنسبة للجميع وهو ما جعل
رواح أيضاً يتمسك بالصمت في بعض الأحيان .
تبدل اليومان اللذان من المفترض أن يقضوهم هنا لسبعة أيام
وهم متواجدون هنا شعرت بها سبعة أعوام وكأنها ليست تلك
المتحمسة للمجيء وقضاء وإن يوم واحد فقط هنا حتى أنها
تحججت في كل يوم فيهم كي لا تكون معهم حتى كانت تتطوع
في كل مرة للبقاء مع المجموعة التي ستهتم بترتيب أغراضهم
وإعداد الطعام للجميع ثم لا تفعل شيئاً تقريباً لأنها فقدت فعلياً
المتعة في كل هذا ، وبسبب إلحاح كاتي والأحاديث التي انتقلت
من الشاب الثري صاحب شركة الطيران لتصرفاتها الغريبة قررت
وإن مكرهة مرافقتهم .
توقف الجميع بسبب سقوط إحدى الفتيات وصرختها المتألمة التي
أوقفتهم في وقت واحد وبدأ الأقرب لها بمساعدتها على الوقوف
والجميع منشغل بأمرها عدا التي لازالت تقف في المؤخرة وقد
كتفت ذراعيها قائلة ببرود
" لعلها تكون السبب في عودتنا جميعاً "
عبارة انشغل الجميع عن سماعها عدا من كانت حواسه جميعها
معها وقد استدار رأسه نحوها مما جعلها تنظر نحو الجانب الآخر
تتجنبه متعمدة فتنهد بضيق وتوجه نحوها ، وفي أول محاولة له
للاقتراب منها بعد وصولهم أمسكها من يدها وسار بها عدة
خطوات مبتعدين عن الجميع ورغم اعتراضها ومحاولاتها لإيقافه
إلا أنه لم يتوقف إلا حين أراد هو ذلك وتأكد من أن صوت
صراخهما المؤكد لن يصلهم ، ترك يدها بحركة غاضبة قائلاً
" ألا يمكنك احترامي كزوج لك أمامهم على الأقل ؟ "
مسدت ساعدها بحركة غاضبة وصرخت بالمثل
" أنا لست مجبرة على هذا "
وكان ذاك ما زاد من اشتعاله بينما توجهت سبابته نحو وجهها
قائلا بأمر غاضب
" بلى ورغماً عنك "
كان صراخها أشد وتمردها أعنف وهي ترمي يدها بحركة قوية
" ومن هذا الذي سيرغمني "
" أ..... "
وتوقفت كلماته وسيل صراخه الغاضب الذي كان سيخرج دون
قيود وحواسه جميعها تنتقل خلفه ليس بسبب صوت حركة
الأغصان على مسافة قريبة نسبياً منه بل بسبب النظرة المتسعة
في عيني الواقفة أمامه وشفتاها تتسعان وكأنها تحاول قول شيء
ما وعاجزة عن إخراجه من جوفها ! وما أن استدار نحو الخلف
بحركة بطيئة حتى اتسعت عيناه أيضاً وهو يرى الدب البني
الواقف على ساقيه يديه متدليتان نحو الأسفل ينظر لهما بصمت
مريب ! وتوقفت ضربات قلبه وهو يتراجع للخلف خطوة لكن
الأمر تحول لصرخة عالية شاركه فيها الصوت الأنثوي من خلفه
ما أن قفز ذاك المخلوق الضخم راكضاً نحوهما ولم يشعر بنفسه إلا وهو يمسك بيدها ويركض بها في الاتجاه الآخر صارخان .
*
*
*
لم يظهر على ملامحه أي نوع من الصدمة أو الاستغراب وهو
يرى الذي ظهر من خلف كلماته تلك وقد وقف بين رجال الشرطة
وكأنه واحد منهم فهو يتوقع كل هذا منه ما أن يعلم بمكانها ويبدو
بأنه كان مراقباً بالفعل وما يجهله فقط هو مكان وجودها ، وها
هو لا يضعه بين خيارين كالسابق بل ينفذ مباشرة ولأنه يعلم بأنه
لن يسمح له بتسليمها للمصح النفسي قرر وبكل قسوة أن يسلمها
للعدالة والسجن وكأنه يحميها من الموت بما أشد منه مئة مرة !
طغى شعور المرارة على ملامحه وهو يدرك كل ذلك وظهر ذلك
بوضوح ما أن غادر صمته ونظره لم يفارق العينان الحادة أمامه
بينما حملت كلماته كل معاني الأسى
" لما تفعل كل هذا بحفيدتك جدي لماذا ؟! "
وكالمتوقع منه والمعتاد قابل كل ذلك بكلمات غاضبة غير مبالٍ
بالرجل الممزق أمامه بين قلبه ومشاعره وإنسانيته وكأنه ليس
قطعة منه بل وأعز أحفاده لديه صارخاً في وجهه وطرف عصاه
المدبب موجه نحوه
" لأنقذها منك قبل الجميع لأن ما يحركك نحوها هو مشاعرك
وليس عقلك "
كان في السابق ليدافع عن نفسه وينكر اتهامه له بأنه يحمل
مشاعر نحوها بل ويقولها هكذا أمامها !
لكنه لم يكترث لكل ذلك وقد تخطى فعلياً مرحلة إنكار ذلك إن أمام
نفسه أو أمام الجميع فنفض يده بقوة صارخاً أيضاً
" وهل من العقل أن نسلمها للسجن ؟ "
قال ضرار بكلمات غاضبة
" بل للمصح ولأنك ترفض ذلك فالسجن هو الحل البديل "
صرخ من فوره في وجهه
" ما هذا الجنون ؟ "
وكان ذاك ما جعل ضرار يشتعل أكثر وأشار له بعصاه مجدداً
صارخاً أيضاً
" الجنون هو ما تفعله أنت وما سينتج عنه "
تركه حينها ونظر جهة زيزفون لأن قلب ذاك الجد بات من القسوة
بأن لا يرحمه هو حفيده المفضل فكيف بها هي !
بينما كانت نظراتها منشغلة عنه بالنظر لعدوها الأول والأخير
ومن لا ترى غيره في وجوده بنظرات كفيلة بإحراقه حياً وإن كان
لا يراها أو يبدو لا يهتم لها ، لكنه نجح في سرقة نظرها له ما أن
قال بقهر نافضاً يده
" أين هو ذاك الرجل الذي كان يحميك سابقاً ؟ أين هو ولما
يصمت الآن ؟! لما لا يأخذك من الجميع مجدداً ؟ "
كان على استعداد للتخلي عنها كما لم يفعل من قبل وما لم يطعه
قلبه لفعله أبداً إن كان المقابل أن يحميها منهم جميعهم لكنها
قابلت كل ذلك بما لم يتوقعه أبداً ونظراتها تتبدل للغضب صارخة
" لا أريد أن أذهب معه وإن طلب ذلك "
ونفضت يدها جانباً متابعة بحدة
" لا أريدهم جميعهم ، لا في حاضري ولا مستقبلي "
اتسعت عيناه باندهاش بسبب ما قالت ورد فعلها الهجومي
الغاضب فما الذي يجعلها تقول ذلك عمّن كان السبب وحده بعد
الله لتكون هكذا امرأة بكامل عافيتها بعد أن كان خيار جنونها هو
الأقرب من كل شيء !
من انتشلها من ماضيها الأسود ومن قضايا نهايتها موتها بالتأكيد
وثابر على تعليمها وتثقيفها وفي كل شيء !
حرك رأسه في عجز عن فهم كل هذا وقال باستنكار وصوت
غاضب
" وهل يرضيك الذهاب للمصح النفسي أو السجن ؟! "
" بلى أريد "
قالتها هكذا ببساطة وبكامل هدوئها الغير مسبوق تنظر لعينيه التي من هول صدمته لم تستطع ولا أن ترمش وهمس أخيراً
" ماذا ؟! "
ونفض رأسه بقوة وكأنه يطرد كلماتها تلك منه أو يرفض الفكرة
وتصديقها أو الموافقة عليها وقال بضيق
" زيزفون هل تعلمين تبعات ما تقولينه الآن ! "
همست ببرود عادت للتقوقع خلفه
" أجل "
وما أن انفرجت شفتاه التي كانت تحاكي نظراته وأفكاره الغير
مستوعبة لما يسمع سبقته قائلة بجمود
" إن كان لي رأي في تحديد مصيري فأنا موافقة "
حرك يده أمامها برفض قاطع قائلاً بحزم
" لن أوافق وسنغادر من هنا الآن ولي تفاهم مع قرار تلك
المحكمة "
كانت أنفاسه الغاضبة تتلاحق في صدره الذي أظهر تفاصيله
القميص ناصع البياض من تحت سترته المفتوحة وكأنها إعصار
يجتاح أضلعه لكنها توقفت تماماً بسبب الشفاه الجميلة التي
همست صاحبتها بخفوت حزين تنظر لعينيه
" عدني بأن إسحاق سيكون بخير "
اتسعت عيناه وشعر بقلبه يُسحق بقوة وبألم تَمزقه وكأنها تسحقه
داخله بنظرتها تلك قبل كلماتها التي انتابه الشك للحظة بأنه قد
سمعها فعلاً !
نظرة لم يعرفها من قبل ولا في لحظات حزنها وضياعها القليلة
النادرة تلك !!
وهمست شفتاه دون شعور منه وباستغراب
" زيزفون !! "
فهو لا يمكنه استيعاب ولا تصديق هذا ! لكنّه كان حقيقياً وإن
صعُب عليه تصديقه وما أكده هو كلماتها التالية وما أن تحركت
شفتاها هامسة مجدداً
" سأضع مصيره ومستقبله بين يديك "
أغمض عينيه ببطء وكأنه يحاول إخفاء ألم قلبه بذلك فسعادته بأن
وثقت به أخيراً لم يستطع الاحتفال بها وأفكاره تقوده لأمر آخر
وغشى الألم عيناه التي انكشفت لها مجدداً وقال ما لم ولن يفكر
في منع لسانه عنه وخرجت كلماته من عمق الألم الذي لازال
يشعر به يمزق قلبه هامساً أيضاً
" وماذا عنك ؟! "
كانت نظراته التعيسة المفجوعة تراقب وبترقب مريع حدقتاها
الزرقاء الباهتة التي أدارتها بعيداً عنه وكأنها تهرب بهما منه
قبل أن يتبعها وجهها وهي تشيحه بزاوية صغيرة بعيداً وتبدل
كل ذلك في عينيها لما يشبه السحب الرمادية التي تخفي زرقة
السماء في اليوم الغائم الماطر وكأنهما تتحولان لصخرة صماء ،
ولم تكن كلماتها بأقل منهما غرابة وقد همست شفتاها وكأنها
تحدث نفسها وبصوت أجوف
" أنا مِتُّ في تلك الغرفة من أعوام طويلة "
اشتدت قبضتاه بجانب جسده بقوة وكأنه يعتصر قلبه بينهما أو
يمنعهما من فعلها وجذبها لحضنه متجاهلاً مبادئه وجميع
الموجودين هناك وغشت عيناه سحابة دموع رقيقة بالكاد لمعت
فيهما ولم تعلم كم آذته كلماتها تلك وقتلته وفعلت به ما لن تفعله
أقسى أنواع التعذيب بينما تحرك رأسه برفض في حركة بطيئة
هامساً
" ليس صحيحاً "
نظرت لعينيه مجدداً لكن نظرتها حينها لم تحملّ إلا القوة التي
عرفها فيها دائماً وابتعدت عن الحديث في ذاك الأمر قائلة بكلمات
حازمة تشبه حزم ملامحها الفاتنة تلك
" سأغادر معه وسأضع القضايا جميعها بين يديك لكن إن كان
مصير إسحاق السجن أو حبل المشنقة لن أسامحك ما حييت "
ورفعت سبابتها بينهما هامسة من بين أسنانها
" بل وسأقتلك لتكون جريمتي الأولى ويومي الأخير في
هذه الحياة "
كان التقلب المتناقض في النظرات من نصيبه هو حينها وعيناه
تعبسان فجأة كما حاجباه اللذان انعقدا بشدة فجأة أيضاً وهو
الطبيعي فهي تضع كامل ثقتها به ولأول مرة وهي التي وبكلمة
واحدة منها أوقفت كل تلك القضايا قبل أعوام وتهدده بالقتل حال
فشله في ذات الوقت !! وهو ما لمحته في نظراته تلك وما جعلها
تجتازه بخطوات واسعة قائلة
" يمكننا التحدث عن كل شيء تريد معرفته ولك أن لا تأتي
وتنسى الأمر تماماً "
لو أنها لم تجتازه متجهة نحو الواقفين هناك لكانت لتضحك فعلياً
على الملامح المرتسمة على وجهه بسبب كلماتها تلك فهل
سيرفض وهو من كان يرى ذلك أبعد من أحلامه بأن تهبه قلبها
وتبادله وإن جزئاً بسيطاً ممّا يشعر به نحوها ! هل هو من الغباء
أن يفعلها !!
ما أن استفاق من حالة البله التي تملكته وجمدته مكانه تلك تحرك
نحوهم وهم يغادرون المكان ما أن سارت أمامهم وشعر وكأنهم
يستلون قلبه من أوردته معهم ويرحلون به ، وكان هدفه هو جده
الذي أمسك بذراعه ممّا جعله يقف ويلتفت نحوه فقال سريعاً
ينظر لعينيه
" أين يأخذونها ! لن تسلمها للشرطة ولن تنام في الزنزانة
ولا ليلة واحدة ولا إن كانت بمفردها "
" هه "
الهمس الأنثوي بالضحكة الساخرة المبتورة تلك كان ما جعل
نظرات كلاهما تنتقل نحوها بينما كانت تنظر لعيني وقاص تحديداً
وقالت وتلك السخرية لم تغادر طرف شفتيها المقوسة نحو الأعلى
" تصدق فعلاً بأن رجال الشرطة سيكونون هنا خلال دقائق
فور التبليغ عن المكان ؟ لما كان ثمة جريمة في الحياة لو
كانوا كذلك "
وغادرت ما أن قالت كلماتها تلك تاركة خلفها عيناه المتسعة ليس
لمعرفته الحقيقة تلك بل لتحليلها للأمر بذكاء هكذا بالرغم من
أنهما كانا يحملان ورقة ضبط صادرة من المحكمة رآها بعينيه !
ونظر نحو جده والشخص الوحيد الذي لم يتبعها والذي أكد له كل
ذلك ما أن قال بجمود ينظر لعينيه قبل أن يلحق بهم
" لم تترك لي خياراً آخر وعليك أن تبتعد عن أنانيتك وحبك
التملكي لها وتفكر في سلامتها وثمة قاتل يخترق حتى الجدران
ليصل إليها "
*
*
*
وضع كوب الشاي من يده وانحرف نظره نحو الجالسة عند
الحافة العريضة بين الأرضية والواجهة الزجاجية الكبيرة التي
تفصل بهو المنزل عن شاطئ البحر القريب منه ، وها قد مرّ
أسبوع كامل على وجودهما هنا في بينبان والوضع كما هو عليه
تجلس في ذات المكان في صمت ولا تفارقه إلا لتأكل اللقيمات
القليلة أو للنوم فينام ليلاً ويتركها هنا ويستيقظ صباحاً ليجدها فيه
ولا يعلم كم تكون تلك الساعات التي نامتها !
حتى محاولاته للتحدث معها أو تغيير مزاجها كانت تبوء بالفشل
دائماً فلم تتفاعل في أي مرة معه سوى بكلمات قليلة مبتورة
وابتسامة مقتضبة ، ولم يتحدث عن كل ما حدث بعد آخر مرة
مطلقاً بينما توقفت هي عن مطالبته بالمغادرة أو التحدث مع
ابنتها ووالدها وكأنها أعلنت استسلامها ويأسها منه .
وهذا هو حاله أيضاً بعد أن قطع نفسه معها عن العالم الخارجي
بأكمله لا شيء لديه سوى الجلوس ومراقبتها هكذا وكأنها تمثال
لامرأة فاتنة وَضع فيه من صنعه كل ما يعلمه عن الحزن
والضياع عيناها تبحث في عمق المحيط عن روحها التائهة
وأحلامها الضائعة وسعادتها المسروقة منها وكأنها تبحث فيه
عن نفسها ، عن طفلة عاشت طفولة مزيفة وكذبة كبيرة ، وشابة
عاصرت واقع مبهم غريب تبحث فيه عن حقيقتها ولا تجدها ،
وامرأة بقلب مكسور وروح ممزقة .
فاتنة تخبر البحر عن مدى حزنها وألمها ووحدتها تحكي له وفي
صمت عمّا لن يستوعبه أحد غيره فلا يلقي باللوم عليها ولا
يتهمها أو يحاول مهاجمتها بما حدث كما فعل هو في أول
مواجهة بينهما .
تنهد بعمق وهو يبعد نظره عنها فنحن لا نختار مصائرنا لكننا
نلام عليها ! حقيقة لا يمكنه نكرانها بل وقام بتطبيقها عليها ،
ويحار فعليّاً فيما قد تقرر فعله حيال ما حدث ؟! فإن هي ركضت
خلفه تلتمس غفرانه ومسامحته لها لن تكون غسق التي يعرفها
جيداً وعاش وتربى معها ، وإن تجاهلته وتجاهلت كل ما حدث
وهي ترى نفسها السبب فيه فلن تكون الفتاة التي رباها والدهم
وعلّمها معنى الاعتراف بخطئها والاعتذار عنه بل وإصلاحه !
لذلك هو يفهمها ويشعر بالضياع الذي تعيشه الآن والصراع
الكبير في داخلها بين كبريائها وجرحها وشعورها بالذنب والندم ،
إنها أقوى وأقسى حرب قد يعيشها الإنسان والخسارة العظيمة
فيها هو ما يحدث غالباً .
تحرك نظره معها ما أن وقفت وتوجهت نحو غرفتها مغلقة بابها
خلفها لكنّها هذه المرة تأخرت وعلى غير العادة إن كانت تقصد
الحمام ! وإن خرجت للشاطئ أو الجسر لكان رآها .
وقف وتوجه نحو الغرفة أيضاً وقرّب أذنه من بابها ولم يسمع أي
صوت فرفع يده وطرق عليه بمفصل سبابته قائلاً
" غسق هل أنتِ بخير "
وصله صوتها البعيد المتجهم
" أنا بخير أريد أن أنام قليلاً فقط "
تنهد حينها بأسى وهو يبتعد من هناك ورفع كوبه وتوجه به نحو
المطبخ غسله ووضعه في مكانه المخصص ، وما أن غادره وقف
ينظر ناحية باب غرفتها لوقت وعقله يصارع الأفكار التي تدور
فيه حتى تغلب عليه نهاية الأمر فتوجه نحو الغرفة الأخرى والتي
يتخذها غرفة له وأخرج المفتاح من جيب بنطلونه وفتح باب
الدرج الموجود بجانب السرير وأخرج هاتفه ومفتاح باب المنزل
الرئيسي فهو كان يخبئهم مع هاتفها وحتى مفتاح سيارته فيه
ولم يخرجهم مطلقاً منذ أصبحا هنا فحتى الطعام والملابس
تأتيهم من الخارج دون مغادرة .
ما أن غادر غرفته وقف ونظر ناحية باب غرفتها المغلق كما
تركه وتوجه نحو باب المنزل هذه المرة لأنه لا يمكنه الخروج
نحو الشاطئ فالمكان مكشوف على شرفة غرفتها .
ما أن كان في الخارج سار جانباً لمسافة لابأس بها حتى أصبح
بالقرب من المنزل المجاور لهم ووقف وقام بتشغيل هاتفه ولأنه
كان متصلاً بالإنترنت قبل أن يغلقه أصبحت الإشعارات تنهال عليه
من برامجه جميعها وحتى من سجل الهاتف نفسه .
وما أن بدأ بتصفح أحد المواقع الإخبارية بدأت عيناه بالاتساع
تدريجياً وهو يقرأ الخبر تلو الآخر عمّا حدث بعد مجيئه إلى هنا ،
وكان أهمها وما جعله يفتح قائمة الاتصال سريعاً هو خبر الشرط
الذي فرضه أبناء قبيلة غيلوان للتنازل عن سلالة دجى الحالك في
اتفاقية الثأر القديمة تلك .
اتصل برماح دون تفكير في أي خيارات أخرى والذي أجاب
سريعاً قائلاً
" كيف هي غسق ؟ "
زمّ رعد شفتيه بحنق وقال بعدها وإن ببرود
" قل السلام عليكم على الأقل "
وصله صوته سريعاً وبنبرة مستاءة
" السلام عليكم وكيف حال شقيقتي "
حرك رأسه بيأس منه وقال
" بخير لا تقلقوا عليها ، أخبرني أنت ما هذا الذي قرأته في
الأخبار ؟ هل هو صحيح أم مجرد حديث صحف ! "
قال رماح وبضيق
" أي واحد منه فهم يتحدثون ودون توقف "
أشار بيده جانباً قائلا بضيق أشد
" مسألة الغيلوانيين وشرطهم ذاك أعني فما الذي سيكون
أهم منه ؟ "
كان صوت تنهد رماح أول ما وصله وقبل أن يتمتم بصوت متجهم
" صحيح جميعه "
أمسك حينها رأسه بيده الحرة وتخللت أصابعه شعره وهو يهمس
بضياع وكآبة
"يا الله ..ما هذا يا رجل؟ ما الذي يريده ذاك المجرم بكل هذا ؟! "
كان تعليق رماح سريعاً ويحمل ذات الحيرة والتشتت
" لا أعلم وعجز عقلي عن تفسير غير أنهم يستفزون دجى
الحالك ليخرج للعلن "
مسح بيده على وجهه وكأنه يحاول استيعاب كل ذلك يشعر بعقله
يدور في دوامة لا نهاية لها وقال أخيراً
" الكاسر أين ؟ "
وصله جوابه سريعاً
" في منزل عائلة الشاهين مع شقيقته "
قال حينها وباستعجال
" سأتحدث معه ، وداعاً الآن وبلغ عمتي وآستريا سلامي "
وما أن فصل الخط ودون أن يسمع تعليقه اتصل بالكاسر الذي
كان عكس رماح تماماً احتاج لوقت ليجيب بينما كان صوته
متخدر بسبب النوم وقد قال
" من أنت ؟ "
تبدلت ملامح رعد للضيق وقال
" افتح عينيك جيداً وانظر قبل أن تجيب على المتصلين "
وكان رد فعله شهقة قوية سمعها بوضوح ويبدو بأنه قفز جالساً
على سريره وصرخ
" عمي رعد ! "
وتابع من فوره وباستعجال ولهفة
" أين أنتما ؟ أريد التحدث مع والدتي "
قال رعد من فوره وقاطعاً عليه أي سبيل للتفكير في ذلك
" هي بخير ، ما أخبار تيما وأين هو جدك ومطر ؟ "
لاذ بالصمت لبرهة قال بعدها بصوت كسول وكأنه ليس من تحدث
قبل قليل
" كنت نائماً ولا أعلم أين هم "
تمتم رعد حينها يستغفر الله حانقاً وقال
" مؤكد لم تعلم عن الخبر الذي عجّت به صفحات الأخبار
قبل لحظات "
قال الكاسر سريعاً
" خبر ماذا فالمصائب تتقاذف علينا من كل جانب ؟! "
تأفف حينها في صمت وقال بضيق
" تابع نومك هو الأفضل للجميع ، ولا تنقل أنت الخبر
لشقيقتك رجاءً "
" حسناً تصبح على خير "
كان ذاك فقط ما قاله وهو يسمع صوت رميه للهاتف بعيداً فحرك
رأسه بيأس منه فهل يجهل ذاك الغبي أن الشمس تقترب من
المغيب ! أنهى الاتصال معه ولم يستطع فعلها وإغلاق هاتفه
مجدداً والعودة قبل أن تشعر به بل انتقل من مكالمة لأخرى وخبر
لآخر وهو يعلم عن كل ما حدث بعد اختفائه إن في البلاد عامة
أو عائلة الشاهين خاصة .
وما أن انتهى من كل تلك المكالمات عاد نحو المنزل وهو لا يعلم
ما سيقرر الآن والمؤكد هو إبقاؤها للمزيد من الوقت هنا حتى
تنتهي هذه الكارثة الأخيرة على الأقل .
حين فتح باب المنزل نظر مستغرباً لباب غرفتها المفتوح فهل
استغرقت منه تلك المكالمات كل هذا الوقت ! تحرك نحو الباب
فهو تحدث كثيراً بهاتفه بالفعل وسرقه الوقت دون شعور منه وقد
تكون استفاقت سريعاً .
حين وصل باب غرفتها وقف ينظر داخلها باستغراب فهي كانت
خالية تماماً وباب الحمام مفتوح كما أن باب الشرفة مغلق ! عاد
نحو بهو المنزل وفتش المطبخ ثم غرفته وغرفة الجلوس وغرفة
الطعام ولا أثر لوجودها فوقف وسط المنزل يمسك رأسه بيديه
قبل أن يركض نحو غرفته مجدداً وما أن وصل طاولة السرير فتح
بابها وضربه بقوة يشتم نفسه وهو يركض مغادراً فها قد حدث ما
خشي وتوقع فلا وجود لهاتفها ولا مفتاح سيارته أي أنها غادرت
من هنا وكل ما يخشاه أن تكون تصفحت هاتفها والأخبار فيه قبل
ذلك ، بل ما يخشاه فعلياً هو الوجهة التي تفكر في التوجه
لها الآن .
ما أن وصل الرصيف المحاذي للمنزل وقف ورفع هاتفه لأذنه
وقال لمن أجاب عليه سريعاً
" احضروا لي سيارة وتابعوا خط سير سيارتي بسرعة "
وأنهى الاتصال معه ما أن سمع منه عبارة
( في الحال سيدي )
ووقف ينتظر بنفاذ صبر ونظراته لا تفارق الجانب الآخر من
الطريق ينتظر قدومهم وتمتم باستياء
" تعالوا بسرعة تباً لكم "
*
*
*
اتكأت بطرف جبينها على إطار النافذة المفتوحة تنظر بحزن
للعصفور الصغير الذي يبدو وقع من عش ما أعلى الشجرة
ووالدته تحاول حثه على الوقوف والابتعاد لتحميه من أي خطر
قد يواجه هناك في المكان المكشوف وهي تحاول جاهدة بينما كان
يصدر من الطائر الصغير صوتاً يشبه الأنين أكثر من كونه زقزقة
عصفور ، وشعرت بشوقها لوالدتها يكبر أكثر فقد مر أسبوع
كامل على وقت مغادرة رعد بها من المستشفى ولا أخبار عنهما
ولا أحد منهما فكر بالاتصال بهم ليطمئنوا عليها على الأقل ، لا
تريد شيئاً أكثر من ذلك وإن كان قلبها يتمزق شوقاً لرؤيتها
واحتضانها .
مر الأسبوع والأجواء في المنزل باتت تراها أقل توتراً وسوءاً
وإن كانت لم ترى فيها والدها تقريباً ، وإن قابلته مصادفة فلا
تتحدث معه لأنه لم يتبادل الحديث مع أحد تقريباً سوى للضرورة
وهو عمه صقر غالباً بينما بدأ جدها يغادر عزلته تدريجياً ،
يتحدث أحياناً ويحاول الابتسام وإن كانت موقنة بأنها مجرد إجبار
للنفس من أجلها فقط إلا أنه في حال أفضل من السابق خاصة بعد
زيارة عمتها واليومان اللذان قضتهما معهم وكم كانت ممتنة لذلك
فهي وبحكم حياتها معه سابقاً استطاعت تحسين مزاجه بحديثهما
الدائم عن ذكرياتهم السابقة ، عن جدها شاهين ووالدها وأعمامها
وذكريات شهدتها في طفولتها جعلتها ترى وبوضوح لمعاناً
غريباً يشع في عينيه وهو يتذكرهم ويتحدث عنهم .
وحتى الكاسر كان منسجم معهم تماماً وكأنه فرد فعلي من العائلة
بل واستطاع أن يستحوذ على محبة عمتها ، ولن تستغرب هذا
فهو مرح بروح رائعة يجذب الجميع له وقد صنعت منه والدتها
كما أرادت فعلاً رجل بعيد كل البعد على ما عليه عائلة شراع
صنوان رجال الحروب والسياسة وحتى عائلة الشاهين ، ومتأكدة
بأن حياتها مع الرجل الذي تزوجته السبب لأنه استطاع يوماً ما
أن يدوس على قلبه وسعادته وعائلته لأنه اختار الوطن ، اختار
سعادة شعبه وحريتهم وأمانهم ليتنزع من نفسه كل ذلك
ويهبه لهم .
مسحت الدمعة التي بللت رموشها دون أن تفارقها وهي تنظر
لقفل الباب الذي تحرك بعد طرقتين متتابعتين قبل أن ينفتح وشع
وجهها بابتسامة صادقة امتزجت مع الحزن العميق في عينيها
لينتج عنه صورة رائعة الجمال تشبه صاحبتها وهي تنظر للذي
توجه نحوها مبتسماً ، والذي ما أن وصل عندها حضنها من
فوره يشد ذراعيه على جسدها يدفن ملامحه في نعومة شعرها
ليأخذها لعالم مختلف لم تعرفه يوماً وهي تستمع لضربات قلبه
الثابتة مغمضة العينين ، كان هذا الحضن الذي تشعر فيه بالأمان
بعد حضن والدها ومتيقنة من أنه سيكون أمانها دائماً في وجود
ذاك الوالد أو في غيابه وهذا ما تحتاجه المرأة من الرجل
( الأمان ) فهو أهم من الحب ولن تستفاد أي امرأة من حب رجل
لا يشعرها بذلك ، وهي تجدهما كلاهما لديه .
همست بينما ارتفعت يدها لخصره تحضنه بقوة
" اشتقت لك "
وأمسكت ضحكتها تخفي وجهها في صدره ما أن همس عند
أذنها بابتسامة
" من يشتاق لشخص يذهب إليه يا كاذبة "
ابتعدت عنه حينها ونظرت لعينيه وقالت بابتسامة مشاكسة
" لن أدخله إلا عروس بثوب زفافها "
لم يستطع إمساك ضحكته وقال بابتسامة مائلة
" عروس تزفها والدتها راضية وسعيدة ووالدها مبتسماً "
خبت حينها ابتسامتها ولتغير مجرى ذاك الحديث بأكمله قالت
تعود لحديثهم الأسبق وبضيق تمثيلي
" وكأنني لم أتصل بك ! "
عقد حاجبيه ورفع سبابته والوسطى وقال ببرود
" هي مرتان فقط في سبعة أيام "
أمسكت خصلة من شعرها وادارتها حول سبابتها قائلة بابتسامة
لعوب تذكره بآخر ما قاله في مكالمتهم سابقاً
" لأنه وراءك أسبوع حافل الله وحده يعلم كيف سيكون "
ضحك وأمسك بذراعيها وهمس بابتسامة
" يا إلهي ماذا أفعل مع هذه الدمية "
لكن ابتسامته تلك اختفت تدريجياً مع اختفاء ابتسامتها ما أن
وصل لهما وبوضوح صوت السيارة التي سارت عبر حديقة
المنزل ووجهتها بالتأكيد بابه ، وأعادها هو لشفتيه سريعاً بينما
غمز بعينه يشير لمكان قدومة
" لِما لم تركضي إليه ! "
لم يبدر منها أي رد فعل ولم تفعلها كما كانت في كل مرة تتركه
وتركض له مسرعة ، كل ما تحدث حينها هو نظراتها الحزينة
والدموع التي لمعت في عينيها تحكي تعاسة لا يمكن وصفها بأي
كلمات ، ولأنه يفهمها جيداً بل وأكثر من نفسها هي ارتفعت يداه
لوجهها وأحاطهما به وقال بابتسامة رجولية عميقة تشبه كلماته
" تيما لن تشككي في حب والدك لك أليس كذلك ؟ "
تحرك رأسها بإيماءة خفيفة بينما همست بخفوت حزين والدموع
لازالت تتجمع بين رموشها
" أبداً "
ابتسم وقال ناظراً لعمق عينيها
"إذاً علينا جميعاً تفهم ما يمر به "
غطت التعاسة ملامحها الحزينة وتكسر صوتها وهي تهمس
ببحة وألم
" أقسم أن قلبي يؤلمني عليهما كليهما "
تنهد حينها وهو يشتت نظراته بعيداً عنها وكأنه يهرب منها فجأة
وهو ما قرأه ذكاؤها الفطري سريعاً وتعالت ضربات قلبها وقالت
بتوجس تحاول النظر لعينيه
" قاسم عيناك تخفيان شيئاً ! "
عاد ونظر لها مجدداً وأبعد يديه عنها ولاذ بالصمت لبرهة كم
شعرت بها أعوام طويلة ، ورحمها أخيراً وقد قال بتردد واضح
" والدك وخالي صقر كانا في الجنوب "
خرجت منها شهقة واضحة حينها تغلبت عليها قبل أن تنطلق هذه
المرة راكضة ناحية الباب وغادرت الغرفة وهو يتبعها بخطوات
مسرعة ، فالاجتماع مع أبناء غيلوان كان اليوم إذاً ؟ فمهت الآن
لما هو هنا وقد ترك جميع مشاغله فمنذ تم تعيينه كرئيس لجهاز
المخابرات لم يزرهم هنا ولا يرجع لمنزله سوى ليلاً وفي وقت
متأخر لينام .
وكان ما فكرت فيه صحيحاً وهو سبب مجيئه لأنه يخشى أن يغمى
عليها كالمرة السابقة أو أن تؤذي نفسها وهو لا يعلم ما سينتج
عنه اجتماعهم ذاك وهل سيوافق مطر على شرطهم أم سيغيرون
شروطهم جميعها أو سيتم إلغائها نهائياً بعد محاولة توسط كبار
رجال الجنوب مجدداً .
حينما وصل بهو المنزل وقف وهو يراها وخاله صقر فقط واقفان
هناك ! وبينما كانت هي توليه ظهرها كان صقر مقابلاً له وفهم
سريعاً النظرة التي وجهها له فهو يلومه على إخبارها بالأمر ،
فبادله بواحدة أخرى يخبره فيها بأنه لم يخطئ فهي ستعلم في
جميع الأحوال ويريد أن يكون موجوداً بقربها حين يحدث هذا .
اقترب منهما وهي تعيد السؤال عليه مجدداً تسأل عمّا حدث لكنه
نظر لقاسم الذي قال وهو يقف بجانبها
" أين هو مطر ؟! "
وكان سؤاله ذاك كطوق النجاة للذي نظر نحوه وقال
" ذهب للقصر الرئاسي وترك لي سيارته "
زفر حينها قاسم نفساً طويلاً وهمس
" وأخيراً "
ورفع يديه جانباً وهو يتابع
" وأخيراً قرر دخوله مجدداً حتى أصابنا الذعر من فكرة أنه
سيتركه وبشكل نهائي "
قال صقر متعجباً
" ولما فعل هذا ! "
حرك الواقف أمامه كفيه بمعنى لا أعلم وقال
" لا أفهم لما فعلها ولما دخله الآن ! "
وتبدلت نبرته للاستياء وهو يتابع
" كل ما أعلمه بأنه تركنا نحارب بعصي خشبية كل ما حدث
ووضعنا أمام اختبار لم نعرفه حياتنا "
ظهرت ابتسامة صغيرة على شفتي صقر وإن لم تصل لعمق
عينيه وقال بفخر
" ونجحتم فيه والحمد لله "
تحرك رأس قاسم برفض تصحبه تنهيدة عميقة وقال
" ليس تماماً فكل ما فعلناه يُعد مسكناً لحظيّاً فلن ينهي كل هذا
بعد الله غيره "
كانت نظرات تيما الضائعة تتنقل بينهما حتى تأففت نهاية
الأمر قائلة
" اتركونا من كل هذا رجاءً وأخبرني ما الذي حدث معكم عمي
صقر أرجوك "
وقالت آخر كلماتها تلك تنظر لصقر الذي تنهد بأسى وقال بنبرة
غريبة وكأنه مستاء من الجميع حوله
" لم يترك مطر أحد منهم يتدخل ولا ليحاول إقناعهم بالتنازل أو
تغيير تلك الشروط "
كانت الصدمة من نصيب تيما وقاسم معاً وتبادلا نظرة متشابهة
قبل أن يسرق نظرهما صقر مجدداً وقد تبدل مزاجه للضيق
فجأة وقال
" قسماً أنهم مجموعة حمقى وإن كنت مكان مطر لأمرت بزجهم
في السجن ولن آبه لمشايخ قبائل البلاد بأكملها وليس الجنوب
فقط "
جعلت كلماته تلك توجس الواقفان أمامه يصل لدروته وتكاثرت
التساؤلات في رأسيهما ، وبينما عجزت تيما عن تحريك شفتيها
أو لسانها استطاع فعلها قاسم وقال بتوجس
" ما معنى أن يرفض مطر تدخل الجميع ! "
تبدلت ملامح صقر للغضب المكبوت يشد على أسنانه بغضب
وكأنه يغرسها في لحم شعيب تحديداً وقال
" لأنه يعلم عن غطرسة عدوه ولن يسلم له عنقه مرتين
ليحاصره أكثر "
وكانت تلك القذيفة الأشد من سابقتها عليهما وكأنه يتعمد قتلهما
بالبطيء !
وكان قاسم من تحدث أيضاً لأن الواقفة بجانبه تعيش ما يعجزها
فعلياً عن التحدث بينما قال بنفاذ صبر
" خالي ارحم كلينا أرجوك "
ولم يتأخر جواب صقر عنه أكثر من ذلك وهو ينظر لعينيه وقد
لوح بيده بحركة غاضبة تعبر عمّا يشتعل داخله وكرهه الشديد
لهم قائلاً
" ما الذي سيحدث مثلاً ؟ لقد ضحى من أجل ثلاثتهم ووافق
على شرطهم الوضيع ذاك ودون أي تنازلات منهم ولا وساطة
من أحد "
*
*
*
نظرت لصورتها في المرآة ورفعت يدها لأذنها وأبعدت خصلات
شعرها البني خلفها ولامست أطراف أصابعها شحمة أذنها تلك
وتجعدت ملامحها بألم فقد تم نزع الضمادة عنها اليوم وكذلك
الغرز لكن لازال أثر الدماء الجافة يشكل خطاً مستقيماً فيها كما
لازالت تشعر بالألم ما أن يلامسها أي شيء ، وتنهدت بأسى وهي
تهرب من تلك العينان فحتى ألم كتفها اختفى وبشكل نهائي تقريباً
فقد مر أكثر من أسبوع على وجودها هنا كانت باقي أيامه هادئة
تماماً لا يشبه كل تلك الزوابع التي رافقت وصولها ويبدو كان
صادقاً حين قال
( لك هذا إذاً ماري وهو ما يليق بك )
وهل ستشكك في صدق ما يقول ! فعل دائماً ما أراد وقرر دون
تراجع أو تغيير لأنه وللأسف لا يملك قلباً غبياً مثلها .
رفعت نظراتها المليئة بالألم مجدداً وتركز نظرها على ذاك الأثر
الذي تجزم بأنه سيبقى ملازماً لها كحال كل ما تركته السنين في
روحها من ندوب ، وابتسمت بأسى وهي تتذكر كلماته وهو
يوبخها لأنها أزالت أثر الجرح القديم في طرف جبينها ، حينها
كانت مشوهة في نظر الجميع ويبدو بسبب ذلك باتت تبحث عن
الكمال في خَلقها كي لا تنظر لنفسها كنظرات الجميع لأخلاقها أم
أنها كانت تخدع نفسها بذلك فقط وكل ما دفعها لفعلها هو
انتظارها للقاء يجمعهما مجدداً وأرادت أن لا يرى أي عيب في
ملامحها لكنه بحث عن مارية الطفلة بكل ما فيها حتى ذاك الأثر
في جبينها .
تنهدت بأسى وهي تبتعد عن تلك المرآة فهي الآن لا تشعر بأي
رغبة في التخلص من هذا الأثر ليس لأنه السبب فيه ولا لأنها لم
تعد تهتم بكمالها الخارجي بل لأنها فقدت الرغبة في كل شيء
وروحها باتت خاوية كجسد تمثال أجوف .
نظرت ناحية باب الغرفة ما أن طرقه أحدهم وقالت وهي تعود
بنظرها للأوراق التي بدأت بجمعها لأنها تستعد للالتحاق بجامعتها
الجديدة كحال حياتها التي لم تستقر يوماً
" تفضل "
انفتح الباب كاشفاً عن جسد الخادمة الممتلئ قليلاً والتي دخلت
قائلة بابتسامة
" جيد أنك مستيقظة فالسيارة في انتظارك وعليك أن
ترتدي ملابس ... "
رفعت مارية نظراتها المستغربة لها بينما قاطعت هي نفسها فجأة
وقالت بضحكة صغيرة
" أو لا يحتاج الأمر أن أحرج نفسي وأقول هذا لك فملابسك
محتشمة دائماً "
تركت الاوراق من يديها حينها وقالت باستغراب أشد
" ولما ! هل ثمة زوار على العشاء ؟! "
شعرت بجدار من حديد صدم وجهها ليحوله لكتلة لحم واحدة ما
أن قالت الواقفة أمامها مبتسمة
" بل لأنكم مدعوون من قبل الأميرال غامسون لزيارة قصره "
" مدعوون ممن ! "
كان ذاك فقط ما استطاعت شفتاها المتصلبة التفوه به وعقلها لم
يستوعب بعد ما سمعته منها وكأنها تحاول تكذيب أذناها ، بينما
لم تتأخر عنها التي لم تكن تعلم بأن الواقفة أمامها الآن قد فقدت
أنفاسها بل وشعورها بالأرض تحت قدميها وهي تندفع قائلة
بحماس وسعادة
" كيف لا تعلمين عن هذا والبلاد بأكملها تحتفل بأولى مراسم
الزفاف الملكي ! "
********
المخرج : ~
بقلم سارة عبد الحميد
من ماريا الى تيم
اريد ان انسى وان اتشرب النسيان
اريد ان اكسر القضبان
اريد ان احذف من القاموس كلمة الرحيل
ان اكتم صوت العويل
ان ينسى لسانُ خدي طعم الدموع
ان تستأنس عيناي برؤيتك وان نمحو كل ماقيل
وان اظل هائمة في ذكرى حبنا الجميل
نهاية الفصل
|
بارت رائع كالعادة وايد متحمسة لباقي الرواية وشن راح يصير من احدات الحمد لله ان رجعت الكاتبة 😭😭😭💙
|