لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-05-24, 09:10 PM   المشاركة رقم: 1756
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

اجتازت باب المقهى المفتوح بخطوات غاضبة ووقفت تنظر
حولها بحركة سريعة وزمت شفتيها بحنق فلا وجود
لسيارته هنا أو أنه لم يأتي بها ! شدت أسنانها بقوة هامسة
من بينها

" تخاف عليها لهذا الحد يا وقاص ؟ "


تقدمت خطواتها نحو الرصيف وأشارت بيدها لسيارة الأجرة
التي واصلت طريقها دون أن تتوقف فصرخت بغضب من
خلفها

" لو كانت شقراء ممشوقة لكنت توقفت يا عديم الرجولة "

وعادت ونظرت للجانب الآخر دون أن تهتم لنظرات
السيدتان اللتان سارتا أمامها ببطء فهما لا تفهمان ما تقول
على أية حال ولا تهتم وإن كانت كلماتها مفهومة لأنها
غاضبة وعليها أن تنفس عن هذا بأي طريقة وهو ما
تعلمته مؤخراً وأن تتجنب إفراغ غضبها في الطعام وعليها
فعل المزيد لتجنب نفسها الرغبة الملحة الآن لتدخل أحد
المطاعم وتطلب جميع الأصناف الجاهزة لديهم .

كان اختيارها التالي موفقاً وتوقفت سيارة الرجل العجوز
أمامها فهي تجنبت الخروج مع أحد السائقين لأنها تلتقي
بزوجها خارج قصرهم بل وبريستول بأكملها ولا تريد
للأحاديث أن تتكاثر حولهما .

ما أن انطلقت السيارة علا صوت رنين هاتفها فأخرجته من
حقيبتها ونظرت للاسم على شاشته وترددت كثيراً حتى
كانت ستعيده مكانه لكنها تداركت الأمر ووضعت نفسها أمام
الأمر الواقع قبل فوات الأوان وفتحت الخط بحركة سريعة
من إبهامها لأنها تعرف نفسها جيداً إن لم تفعلها الآن فلن
تفعلها مطلقاً

" مرحباً جمانة "

تشنجت عضلات وجهها وهي ترسم ابتسامة متسعة ليكون
صوتها باسماً وطبيعياً وقالت

" مرحباً ... أعتذر لتأخري "


وصلها الصوت الأنثوي الباسم سريعاً

" نحن جميعنا وصلنا وننتظرك ، هل أنتِ بعيدة عن هنا ؟ "

نظرت من خلال النافذة وقالت

" لا .. سأصل خلال دقائق قليلة "

ختمت محدثتها المكالمة سريعاً قائلة

" جيد ... نلتقي إذاً "

أبعدت الهاتف عن أذنها ونظرت لشاشته تحارب ترددها
مجدداً وهي تضغط زر الاتصال ما أن وصلت لاسمه ومن
الجيد أنه أجاب سريعاً لما كانت ستجد الشجاعة لفعلها
مجدداً فحاولت جاهدة أن يبدو صوتها طبيعياً وقالت

" مرحباً أبي "

وصلها صوته الرجولي العميق سريعاً

" ما بك جمانة هل من خطب ؟ "

شدت شفتيها بقوة قبل أن تحررهما قائلة بضيق

" هل تتصل الفتاة بوالدها لوجود مشكلة فقط أبي ؟ "

كان رده بارداً وتفهم جيداً لها وقد قال

" لم أعرف منك غير ذلك ولابد وأنه وقاص مجدداً ...
ليس لديا وقت لسماع ما فعله بك مؤخراً يمكنك زيارتنا
مساء اليوم وسأكون موجوداً ومستعداً "


تقوست شفتاها بحزن تشعر بالإهانة بسبب كلماته لكن لا
يمكنها نكران ذلك فطوال الثلاثة أعوام الماضية كانت
مكالماتها جميعها بكاء وشكاوى فما سيتوقع منها مثلاً ؟
سحبت نفساً عميقاً لصدرها وقالت تحرره ببطء

" لم أتصل من أجل هذا "

قال مباشرة وباستغراب

" لما إذاً ؟ "

ولم يترك لها المجال لقول أي شيء وهو يقول باستعجال

" جمانة لديا اجتماع إن كان ما تريدين قوله يطول شر... "

" أريد سيارة "

قالتها مباشرة ومقاطعة إياه لأنها تعلم باقي العبارة أولاً
وتعلم بانه سيتهرب منها ثانياً إن باجتماع أو بدونه فوقته
الآن أهم لديه منها وبل ومنهم جميعاً وهو طبعه منذ كانت
طفلة يرونه لساعتين فقط مساء قبل أن يخلد للنوم ، لم
تستغرب أبداً كلماته حينها وقد قال باستغراب

" سيارة لك ؟ "

قالت مباشرة

" نعم لي "

لاذ بالصمت لبرهة قبل أن يصلها صوته المستغرب

" هل أخبرتِ زوجك ورفض شرائها لك ؟ "

قالت سريعاً

" لا وما كان ليرفض تعرفه جيداً لكن ... لكني أريدها
منك أنت "


ترددت قليلاً وهي تقول آخر كلماتها تلك لأنها تعلم بأنها
تناقض نفسها بذلك ، وأتاها الدليل في كلماته حين
قال بضيق

" لا أفهم معنى هذا التصرف يا جمانة ! "

وكانت فرصتها للتهرب من الأمر فقالت بانفعال حانق

" قل مباشرة بأنك لا تريد شراءها لي "

وصلها صوته سريعاً حانقاً ومفسراً

" جمانة تعلمين جيداً بأني لم أرفض لك طلباً يوماً وأنتِ من
كان يرفض قيادة السيارة سابقاً لكن زوجك يملك المال ولم
يكن معترضاً على أن تكون لديك واحدة !! هل تشاجرتما
ولا أحد منكما يخاطب الآخر ؟ "


" لا "

قالتها سريعاً مندفعة وتابعت من فورها تنفي شكوكه

" لا شجار بيننا وكنا قبل لحظات معاً أقسم لك "

كان الصمت التام هو رد فعله المبدئي وتعلم بأنه يصعب
عليه تصديقها لذلك سبقته قائلة بخيبة أمل

" حسناً أبي عليك الذهاب لاجتماعك لم أعد أريدها "

كان تعليقه سريعاً وغاضباً

" جمانة توقفي عن التصرف كالأطفال "


تنهدت بقوة تدير حدقتاها السوداء ناحية النافذة فقد سئمت
من سماع هذه العبارة طوال حياتها ، نظرت أمامها مجدداً
وقالت بضيق

" أنا لا أفهمك أبي ترفض شراء السيارة لي وتغضب حين
قلت لا أريدها !! "


كانت هذه المرة الأولى التي لا تواجه فيها موقفاً مشابهاً
بغير البكاء وسيل من الكلمات المستجدية تعاطف الطرف
الآخر حيث كانت تراها الوسيلة الوحيدة الناجحة لأنها كانت
كذلك بالفعل مع والديها ولم تكن تتخيل يوماً بأنها ليست
مجدية مع من أصبحت زوجة له خاصة أنه كان يبدي
تفهمه وعطفه بداية زواجهما ولم تكن تعلم بأنها مجرد رقة
قلب منه انتهت بغضبه الدائم في سنتهم الثالثة قبل أن
تنتهز تلك المرأة الفرصة والفجوة الموجودة بينهما
وسرقته منها .

تنفست بارتياح وابتسمت شفتاها حين وصلها صوته
الهادئ

" حسناً يمكنك الذهاب لأي معرض سيارات واختاري واحدة
وليتصلوا بالمحامي بعدها لإتمام الإجراءات "


همست من فورها بسعادة

" شكراً لك أبي "

قال مباشرة والرقة واضحة في صوته

" أنا على استعداد لشراء كل شيء من أجلك ولتكوني
سعيدة يا فتاتي "


خبت ابتسامتها تلك ولون الحزن عينيها وقالت بابتسامة
متألمة

" السعادة هي ما لا يشترى بالمال أبداً أبي .. آمنت بهذا
جيداً "

كان الصمت رد فعله المبدئي وما جعلها تندم على كلماتها
تلك فهي لا تتغير أبداً ومهما حاولت وكأنها ليست من
قررت أن تعالج مشكلاتها لوحدها ودون تشكي وبكاء وها
هو الفشل الثاني لليوم أمام وقاص وأمام والداها وكم كان
الحديث عن الأمر أصعب من تطبيقه ! أغمضت عينيها
متنهدة بضيق ما أن قال أخيراً

" جمانة ألن تخبريني ما الذي حدث أيضاً ؟ "

مسحت جفناها بطرف سبابتها المثنية في حركة
سريعة وقالت

" لا شيء وسيكون كل شيء على ما يرام مستقبلاً ...
وداعاً "

أنهت الاتصال معه ودست هاتفها في حقيبتها متمتمه
بارتياح

" جيد يبدو أن جيهان لم تخبره بما حدث "

وقالت بصوت أعلى وقد تقدمت بجسدها قليلاً محدثة
سائق السيارة

" توقف هنا سأواصل السير بمفردي .. شكراً لك "



*
*
*

ما أن توقفت سيارته بالقرب من بوابة القصر فتح بابه
ونزل منها بحركة واحدة وكأنه لم يجتز كل تلك المسافة
بين لندن وبريستول ! بل وكأنه دخل من بابها الأيمن
ليخرج من الأيسر ووجد نفسه هنا فهو فعلياً لم يشعر
بالطريق التي قطعها بسبب الأفكار المسيطرة على رأسه ،
بل هي فكرة واحدة بمعنى أدق

( رجل غريب يتسلل للداخل ولجناح زيزفون المحكم
الإغلاق تحديداً !! )

نظر للحارس الذي تقدم منه بضع خطوات وقال سريعاً

" أريد التسجيل الكامل للثلاثة أيام الماضية وبسرعة "


أومأ برأسه وقال

" حسناً سيدي بالرغم من أننا نراقب المكان أيضاً ولا شيء
غريب حدث "

قال الذي اقترب منهما ووقف بجانبه

" لقد تناوبنا على الحراسة ونقوم بتمشيط المكان حول
القصر وداخل أسواره ولم نلحظ شيئاً أبداً "


حرك رأسه بفهم متمتماً

" وإن يكن عليّا أن أتأكد بنفسي "

وعاد وفتح باب السيارة قائلاً

" أريده لديا وقت مغادرتي من هنا بعد قليل "

" أمرك سيدي "

كان ذاك فقط ما سمعه وهو يجلس في كرسي سيارته مجدداً
وأغلق بابها وأدار المقود ببطء وهو يجتاز بها البوابة ثم
الطريق الحجري العريض حتى توقف قرب الباب الرئيسي
ونزل منها متوجهاً نحوه بخطوات سريعة فعليه التأكد من
صدق حديثها ومعرفة من يكون ذاك اللعين .
كانت وجهته محددة وهي جناح زوجة والده تلك ومتأكد من
وجودها فيه لأنها عزلت نفسها وبشكل شبه تام هنا منذ
وفاة ابنها خاصة أن عائلتها جميعهم يقيمون في بلادهم
هناك .

كانت ظنونه في محلها فبعد عدة طرقات وجدها واقفة أمامه
تمسك يدها مقبض الباب بينما كانت نظراتها المستفهمة
المتوجسة موجهة لعينيه وفهم سريعاً بأنها تفسر سبب
تواجده هنا ، لكن لما التوجس !! كان هذا ما جعله يرجح
مجدداً صدق ما قالته جمانة وإن لم يكن واثقاً بعد لذلك
قال سريعاً

" علينا أن نتحدث قليلاً "

لم يستطع منع البرود من التسلل لكلماته تلك فهو يعلم جيداً
مشاعرها نحوه ومن قبل وفاة نجيب فكيف بالآن وهو الذي
يقف في صف من تراها قاتلته ومتأكد بأنه سبب دخولها
لجناحها تلك الليلة ولن يستغرب أن تفكر حتى في قتلها .
أتاه دليل كل ذلك ما أن قالت بكلمات غاضبة مندفعة

" لا حديث بيننا وأنت تقف في صف تلك المجرمة "

تنهد بضيق يبعد حدقتاه عنها وعاد ونظر لعينيها ما أن قال
وبجدية تامة

" لن أكرر ما قلته مراراً فأنا محامٍ قبل أن أكون مدعي عام
أو شقيقاً لنجيب "


وكان وكأنه سكب البنزين فوق النار بما قال بدلاً من
إخمادها وهو ما جعلها تصرخ في وجهه مجدداً بينما كانت
دموع القهر تملأ عينيها

" وتتجرأ على ربط اسمه بكلمة شقيق ؟ ماذا تعلم أنت عن
معناها قبل أن تكون محامٍ ؟ "

لا ينكر بأن كلماتها أصابت قلبه فموت شقيقه ذاك غيّر
الكثير في داخله وإن لم يكونا على وفاق يوماً لكن فقد
الشخص يجعل مشاعرك نحوه تتغير وبطريقة غريبة
بالرغم من أنه لم يخطئ في حقه ولا حقها يوماً كزوجة
لوالده ، ورغم ذلك واجهها بكلمات حادة قوية قائلاً

" أنا لست هنا للحديث عمّا لا طائل منه ويمكنك إحضار
دليل حقيقي يدينها وستكون في السجن الليلة "


قال آخر كلماته ينظر لعينيها بتصميم يؤكد كل كلمة قالها
لعلها تفهم حقيقة ما يفعله ، وحدث ما توقعه جيداً وهي
تهاجمه بانفعال واضح صارخة

" ما الذي تحتاجه بعد من أدلة والسلاح كان في يدها
وهي تعترف بقتله ولم يدخل أو يخرج أحد من القصر
تلك الليلة ؟ "


تنهد بقوة يترجى الصبر والصمت ، المعجزتان في مثل
هذا الموقف وقال بهدوء يشير بيده نحو المكان خلفها

" دعينا ندخل ونتحدث "

وتبدلت لهجته كما نظراته للجدية وهو يتابع

" وعن الدخول والخروج والغرباء "


لم تستطع إخفاء الصدمة في نظراتها بما قال والتي تبدلت
للضيق فجأة وقالت من بين أسنانها

" بماذا أخبرتك تلك الغبية ؟ "

كان الضيق من نصيبه حينها وقال مباشرة

" التي تصفينها بهذا تكون زوجتي "

كان رد فعلها المبدئي ابتسامة ساخرة وتمتمت بتملق

" جيد أنك تذكرت هذا "

قال سريعاً وبكلمات حادة

" أنا لم أنساه لأتذكره ولا أحاول استغلال صفاتها الحميدة
كما يفعل البعض "

قال آخر كلماته ينظر لعينيها بما تفهمه جيداً فهو يكره فعلياً
استغلالها لها لأنه يعرف كلتيهما جيداً ، لكن ذلك لم يغير في
سلوكها الساخر نحوه شيئاً وقد قالت

" من يسمعك لا يصدق بأنك هجرتها منذ وقت "

وضع يده على زاوية الجدار المحاذي للباب واقترب في
وقوفه منها بتلك الحركة وقال بكلمات قوية ينظر لعينيها
التي دمجت الغضب والحقد معاً

" ذاك أمر يخصنا ولن أحاسبك الآن على استغلالها للتسلل
لجناح زيزفون لكن لذاك الأمر وقته بالتأكيد "

كان تهديده واضحاً وهو ما جعلها تغلق الباب قائلة

" لا حديث بيننا إذاً "


لكنه أمسكه بيده مانعاً إياها من فعلها فهو ليس هنا من أجل
هذا ولا تحامل على نفسه ليتحدث معها ثم يخرج دون
مبتغاه لذلك قال ينظر بتصميم لعينيها

" ألستِ من يريد أن يرى قاتل ابنك في السجن ويُحاسب
على فعلته ؟ هدفنا واحد إذاً "

قالت سريعاً وبكلمات غاضبة

" لا ليس كذلك فقاتل إبني موجود وأنت من ترفض وضعه
في مكانه الصحيح "

حرك رأسه في عجز ويأس منها ومن تكرار ما يقول وقال
يشير بيده بعيداً

" لنثبت ذلك إذاً وقسماً برب السماء أن يكون مصيرها
السجن إن كانت هي "


توقفت عن مهاجمته فجأة وإن كانت نظراتها الغاضبة
لعينيه كما أنفاسها القوية الحاقدة لم تتغير لكنها على الأقل
لم ترفض سماعه فقال بهدوء ينظر لعينيها

" جميع الأدلة تؤكد وجود شخص ثالث وقت الجريمة
وعلينا معرفة من يكون لنجد الأجوبة التامة "

عادت شفتاها للالتواء بسخرية وقالت تمسك خصرها بيدها

" لما لا تخبرك هي عنه إن كان موجوداً حينها ؟
أجب هيّا ؟ "

أشاح بوجهه عنها متأففاً نفساً طويلاً فلا فائدة ترجى منها
وعليه أن يركز على هدفه فقط لذلك نظر لها مجدداً ورفع
سبابته قائلاً

" أسماء هو سؤال واحد فقط ، هل صحيح ما تتحدث عنه
جمانة ورأيتماه في جناح زيزفون أم لا ؟ "

كان ينتظر وبترقب شديد أي تعليق لها على الأمر لكنها
خانت توقعاته حين قالت بضيق تشير برأسها جانباً

" هذا ما تتقنه زوجتك الذهاب للشخص الخاطئ "

عقد حاجبيه باستغراب وقال بعد برهة

" ماذا تقصدين بهذا ؟! "

انفجرت مجدداً صائحة تشير بسبابتها جانباً

" أقصد بأن تلك هي قاتلة ابني وما تهتم له زوجتك لا
يعنيني وسيعلم جدك عن إخراجك إياها من هنا وعليه
أن يتصرف أو ... "


وتوقفت فجأة عن سيل تهديداتها تنظر لعينيه بجمود فهمس
باستغراب وترقب

" أو ماذا ؟! "


لاذت بالصمت للحظة قبل أن يتقاذف الشرر من عينيها
وقالت بهجوم غاضب

" أو سأخبر الشرطة بنفسي عمّا رأيناه تلك الليلة وسأفعل
كل ما أستطيع لتنتقل القضية من مكتبك لمحكمة أخرى "


اتسعت عيناه بذهول وهمس

" هو صحيح إذاً !! "


وتركها تغلي مع غضبها بعد أن وصل لمبتغاه وتوجه
وبخطوات واسعة شبه راكضة نحو المكان الذي جاء منه
لكنه لم ينزل للأسفل بل صعد السلالم الآخر والمؤدي
لجناحها في الأعلى فعليه أن يبحث عن أي شيء يحمل
جواباً له لأنه لا يؤمن بالفرضيات والتكهنات وما يتم نقله
له من أمور لم يراها بعينيه أو لن يستحق شهادة المحاماة
التي نالها بامتياز ولن ينسى بأن إحداهما تراها قاتلة ابنها
الوحيد والأخرى سبب مشاكلها مع زوجها لهذا سيضع
خيار تلفيقهما للأمر نصب عينيه حتى يتأكد .

وصل الجناح وفتح بابه بنقرات سريعة من سباباته على
أزراره وانفتح أمامه على اتساعه وكان كما تركاه في
الأمس فتجولت حدقتاه في المكان وهو واقف مكانه دون أن
يتحرك نحو الداخل وكل ما قالته جمانة يتكرر أمامه وكأنه
يحاول ربط تلك الصور بالواقع ! يصعب عليه تصديق ما
سمعه لكنه لن يتجاهله أيضاً ، ولا يعلم هل للهرب منها أم
التأكد من صحتها تحركت خطواته نحو الداخل ببطء ونظره
قد تركز نحو الجهة التي قالت بأنهما رأتاه فيها ووقف
مكانه غاضناً جبينه وهو يتذكر ما قالته عن الصوت الذي
سمعتاه وقت دخولهما وتذكر فجأة ما سمعه سابقاً ومن ذات
الجهة لكن لا شيء هناك سوى الجدار !! جناحها خالٍ تماماً
من قطع الأثاث غير الصالون الموضوع هنا ولا حتى
لوحات تزين جدرانه فما مصدر الصوت ومن أين خرج ذاك
الرجل إن كان ما تقولانه صحيحاً ؟!

لن يدخل من الباب بالتأكيد لأنه بذلك يتوجب عليه التنقل
داخل القصر بل وعبور حديقته المراقبة من جميع
الجهات !! هل غفل الحراس عن مراقبة المكان أم أنه واحد
منهم ؟! عليه أن يتوقع كل شيء أمام هذا اللغز المحير
حتى يجد جوابه وإن كان جنونياً .

تحركت خطواته نحو ذاك الجدار ونظراته تبحث عمّا هو
نفسه لا يعلمه ولا يفهمه سوى بأن علامات مشتركة تجمعه
به وعليها أن تكون جواب ذاك السؤال المبهم لكن كيف
لا يعلم ! .


توقفت خطواته فجأة ما أن أصدر حذائه صوتاً ما على
الأرضية جعله ينظر تحت قدميه وهو يرفع إحداها واتسعت
عيناه بذهول وهو يرى التراب الرمادي اللون فوقها ! كان
يشكل رقعة واسعة بعض الشيء لكن لا يمكنك ملاحظته ولا
تمييزه إن لم تقترب منه وهو ما جعله ينحني نحوه ولامسه
بأصابعه ونظر لهم وكأنه يتأكد ممّا هو واثق منه تماماً
وغابت نظراته نحو الفراغ بشرود تبدل للصدمة سريعاً وهو
يتذكر وقوف زيزفون هنا تحدداً حين دخل الجناح صباح
أمس ولم ينسى أبداً النظرة التي رآها في عينيها والتوتر
والخوف اللذان كانت تحاول إخفائهما عنه ثم طلبها منه
أن تغادر من هنا !


وقف على طوله ونظره لم يترك أصابعه وكلمات جمانة عن
ذاك الرجل تتكرر في رأسه

( له شعر أشعث وكان يغطيه الغبار ووجهه أيضاً )

قبض أصابعه ونظراته الضائعة توجهت نحو النافذة
والسماء المزينة بالغيوم البيضاء الكثيفة يحاول إيجاد
تفسير واحد مقنع لكل هذا ؟!

إن كانت مثلاً جمانة وأسماء من وضعتاه أيضاً لتأكيد
كذبتهما فما السر وراء تصرف زيزفون الغريب ذاك ؟! .

تحركت خطواته المسرعة نحو الباب وكأن قدماه تحررتا
من عِقال أفكاره وغادر المكان دون أن يهتم ولا لغلق بابه
وأخرج هاتفه وهو ينزل السلالم بخطوات واسعة واتصل
بالذي أجاب من فوره قائلاً

" القرص جاهز سيدي "

قال وهو يستدير نحو ممر جناحه

" أعطه لإحدى الخادمات توصله لمكتبي "

وأنهى الاتصال وهو يفتح باب الجناح وتوجه نحو باب
المكتب وهو يجري مكالمة أخرى أجاب صاحبها سريعاً
أيضاً فقال مباشرة

" كم من الوقت يلزمك لتفتيش شريط مراقبة مدته إثنان وسبعون ساعة "
أتاه الرد الرجولي بعد همهمة بسيطة متمتماً

" أمممم ثلاث سعات تقريباً "

فتح الحاسوب اللوحي الموجود هناك قائلاً

" جيد سأرسله لك لنختصر الوقت وما أن أصل للندن نلتقي
وأريد أن تكتشف لي إن تم اقتطاع أي جزء منه "


وانتقل نظره ناحية الباب الذي طرقه أحدهم من الخارج
بينما تركيزه مع الذي قال

" اعتمد علي "

وأنهى الاتصال معه وهو يأذن للخادمة بالدخول واستلم
منها القرص الذي وقف للحظات ينظر له في يده فسيعلم
الآن إن تسلل أحد ما أو إن تم اقتطاع أي جزء منه بسبب
أحد الحرس ، لكن في حال تم نفي كل ذلك ... ؟ حرك رأسه
متمتماً بضياع

" حينها ستكون أمام قاتل أخطر بكثير مما توقعت يا
وقاص "


*
*
*

كانت تشعر بكلماته تضرب كالفأس في صدغيها وتمنع
نفسها بالقوة من رفع يديها وتدليكهما فلم تعد تشعر بالألم
في أذنها ولا قلبها بل في رأسها حتى يكاد ينفجر ولم تعد
تحتمل سماع المزيد منه وإن كانت تعذر وتتفهم غضبه
وموقفه لذلك قالت في محاولة لجعله يتوقف بينما كانت
تتجنب النظر له لوقوفه بجانب السرير


" فاليريوا هو لا يقصد إهانته ولا إهانة ذكرى والدتك بما
فعل بل إهانتي أنا "


كان تأثير كلماتها المبدئي عليه هو الصمت الذي طال حتى
بات مبهماً !
وكانت ستدير رأسها وتنظر له عالياً لولا توقفت فجأة وما
أن قال باستغراب

" وكيف سيكون أهانك بهذا ..!! "

شدت شفتها لحظة أن أغمضت عينيها بقوة موبخه نفسها
فبدلاً من أن تحاول إصلاح الأمر أفسدته بغبائها فذاك
الصليب يفترض بأنه يمثل ديانتهم جميعاً وذكرى المرأة
المتوفاة فكيف يوجه به إهانة لها ؟
كانت تشعر بضربات قلبها في أذنيها وهي تحاول ترتيب
كلمات تبرر بها ما قالت وبطريقة مقنعة وليس سخافات
طفولية كالعادة وإن كانت المهمة أصعب من محاولة
تطبيقها مع فتاة مثلها مشاعرها تفضحها ملامح وجهها
دائماً ولم تعتد ترتيب الكذب وعيشه كحقيقة سابقاً .

تنفست بارتياح لم تعرفه حياتها حين انفتح باب الغرفة
ودخل منه الطبيب الشاب مبتسماً فها هو منقذها وصل في
وقته المناسب ، وكم حمدت الله أنه شغل نظر وتفكير
فاليريو حين وقف قرب سريرها أيضاً وقال مبتسماً ينقل
نظره بينهما

" الخياطة كانت تجميلية ولن تترك إلا أثراً بسيطاً يمكن
معالجته بجلسات الليزر بعد شفائه إن كان يضايقك
وجوده "

وقال آخر كلماته ينظر لها لكنها لم تستطع رفع رأسها ولا
النظر له لأن إخفاء المرارة ولمعان الدموع في عينيها
حينها أمر يفوق استطاعتها فهل ستهتم لما سيتركه
من أثر ؟!
كم تحمل روحها من آثار مشابهة بل وأقسى بكثير ولن
يؤذيها النظر له كلما جلست أمام المرآة لأنها مشبعة به أو
من دونه ولن تنسى هذا اليوم ما عاشت ، اكتفت بالنظر
ليديها اللتان كانت تشدهما في حجرها بقوة تفرغ كل ما
تمر به فيهما وكان تعليق فاليريو الصمت أيضاً وهو ما
جعل الطرف الثالث يتحدث مجدداً بينما لم يبعد نظره عنها
وإن كانت لا تراه

" يمكنك المغادرة الآن وسأصف لك الدواء اللازم وبعض
المسكنات "

انفرجت شفتاها حينها وهمست وإن لم ترفع نظرها عن
الأصابع البيضاء الرقيقة المشدودة

" أجل فأنا أصبحت أشعر بالألم فيها "

نظر تلقائياً لأذنها المغطاة كاملة تقريباً بلاصق طبي وقال

" هذا لأن البنج الموضعي بدأ يختفي تأثيره وبعد تناول
الدواء ستشعرين بتحسن كبير "

وتابع من فوره ونظره ينتقل لفاليريو

" يمكنك موافاتي في مكتبي لأخذ الوصفة "


أومأ له موافقاً فدس يديه في جيبي معطفه الطبي وتحركت
خطواته ناحية الباب المفتوح وغادر مغلقاً إياه خلفه بهدوء
وملأ صوت فاليريو الغرفة الساكنة حينها وقد قال ببعض
الضيق ينظر لقمة رأسها المغطى بالشعر البني الناعم
المجموع في الأعلى

" جيد أن الأمور سارت بخير لكان الرد سيكون قاسياً ولن
يعجبه "

لم تعلق أيضاً ولازالت تتعمد ذلك فقط ليهدأ ولا يدخل في
نوبة غضب جديدة لأن رأسها بل ونفسيتها لا يستحملان
المزيد ، بينما يبدو لم ينتظر هو ذلك منها وقد انتقل نظره
للأشجار البارزة من النافذة بعيداً وتمتم من بين أسنانه
بغضب

" فلنرى رأي والدي في الأمر الآن "


وهو ما جعلها ترفع رأسها ونظراتها الذاهلة التي تبعته
وهو يدير ظهره لها فغادرت السرير بحركة سريعة وأوقفته
ممسكة بذراعه وقالت وما أن وقف ونظر لعينيها

" فاليريو لا أريد لعمي أن يعلم بهذا "

وما أن كان سيتحدث وتعلم جيداً ما يفكر فيه وتقوله عيناه
الغاضبة قاطعته وبكلمات جادة

" أنت سبق وطالبتني بالصمت وأنا وافقت والآن هو
دورك "

قال بضيق ويده تشير بعيداً

" الأمر كان يختلف تماماً عن هذا "


شاركته المشاعر ذاتها وهي تقول بضيق أشد

" يختلف في ماذا ؟ خروجي للشارع بتلك الهيئة هو أسوأ
من الموت على يديه بالنسبة لي أم الأمر بات يتعلق بتعديه
على منزلكم وتهديدكم بالسلاح ؟ "

اتسعت عيناه بذهول ليس بسبب ما قالت فقط بل وسلوكها
الغريب الجديد بالنسبة له وقال

" لما هذا التفسير الغير منطقي ماري !! "

كان عليها إكمال ذاك الدور الذي هي نفسها تقنع نفسها
بالقوة لأدائه وقالت بحدة

" هو التفكير السليم حسبما أراه أمامي ولن ينفيه إلا
تصرفك المماثل لسابقاتها حين أردتَ أن يكون والدك
خارج الأمر "

لا تنكر بأنها كانت تشعر بالصدمة لما تراه من رد فعله
الصامت وكأن سلوكها ألجمه تماماً عن معارضتها أو نفي
هجومها !! لذلك تابعت دون أن تفكر أكثر في تحليله
وبكلمات تصميم وعناد

" أنا لا أريده أن يعلم يا فاليريو بما أنني الشخص
المتضرر فعلياً من الأمر "

كانت تنتظر فقط رد فعله الذي سيؤكد تخمينها ذاك وبأن
ذلك فقط ما كان يلزمها لتقرر وينفذ الطرف الآخر رغباتها
، والمفاجأة كانت حين قال متنهداً بضيق

" ستكون الأخيرة إذاً ولن نتستر عن أفعاله مجدداً أو
نصمت عنه لنعطيه فرصة التمادي فيها "

كان كلامه تهديداً أكثر من كونه نزولاً عند رغبتها وهو ما
جعلها تتمتم ببرود

" لن يتكرر الأمر كن واثقاً "

لم تستغرب نظرة التفكير العميق التي وجهها لعينيها حينها
وما خالطها من استغراب لثقتها التامة من ذلك وقال نهاية
الأمر مستسلماً

" يبدو أنك من يفهمه أكثر من الجميع لذلك سأصدق بأنها
المرة الأخيرة "

أشاحت بوجهها تهرب من عينيه بل بعينيها المدججتان
بالألم وتنفست بعمق ما أن سمعت خطواته يبتعد قائلاً

" سأذهب لإحضار الوصفة من الطبيب ونغادر "

كانت كلماته تعبير واضح عن الضيق الذي لم يغادره بعد
وهو ما جعلها تجلس على حافة السرير وقد تأففت نفساً
طويلاً شعرت به خرج كإعصار من جوفها فهذا اليوم كان
قاسٍ على الجميع وهي تحديداً لأنها واجهت تحريك الناس
لها كرقعة شطرنج لمرتين متتابعتين لكن الغريب في الأمر
أنه نجح !!
ماري استطاعت بالفعل أن تفعل ما عجزت عنه مارية
هارون وإن كانت قتلتها ودفنتها اليوم تحديداً وهي تختار
التمسك بها على الرحيل مع الرجل الذي تحب وإن كان
يأخذها لموتها لأنها لم تفعلها سابقاً .

اشتدت أصابعها على طرف اللحاف الأبيض تحتها بينما
ملأت الدموع عيناها المحدقتان بالأرضية الرخامية
وهمست بألم

" سامحيني مارية لقد خذلتك أنا أيضاً وتخليت عنك لكننا
على الأقل تعلمنا من ماري أن نقرر ما نحن مقتنعتان به
وينفذه الغير "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 08-05-24, 09:12 PM   المشاركة رقم: 1757
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

لا تعلم من منهما أصاب الآخر بالعدوى من كثرة ما نظرا
نحو باب الغرفة المفتوح والغارق في الظلام فالوقت كان
يمضي ويمان لم يرجع بعد وتأففت الجالس هناك تخرج
دون توقف كما تمتماته المتفرقة الغير مفهومة ومتأكدة من
أنه لولا كذبتها بخصوص باب المنزل لكان غادر منذ وقت
وتتفهم وضعه ومخاوفه لأن ضوء النهار كابوس بالنسبة
لأمثاله خاصة هنا في الجنوب الغربي من البلاد والأقرب
نوعاً ما من مدن الثنانيين .

وقف فجأة على طوله مما جعلها تقف أيضاً بينما قال بضيق
ينظر نحو الخارج

" عليّا المغادرة وإن قفزت من الجدار فوقت الفجر
بدأ يقترب "


فتحت فمها وكانت ستقول الحقيقة وتتركه يغادر لأنها آمنت
بأنه على حق ولن تتسبب في الإمساك به ومن ثم موته عند
أحد صخور جبال مدن الثنانيين العالية لكنها توقفت بسبب
باب المنزل الذي أُغلق بقوة حينها وخطوات يمان التي
اقتربت منهم تُسمع بوضوح وكأنه يسحب حذائه على
الأرض سحباً وهذا المتوقع من رجل متعب لم ينم ويحمل
طفل في الرابعة على كتفه .
حين دخل الغرفة تبعته مايرين بالرغم من أنه لن يتركها
تأخذه منه كما فعل مع شقيقه بالتأكيد بينما قالت بقلق تنظر
له وهو يضعه على الفراش بجانبه

" لقد تأخرت ! "

استوى في وقوفه وقال بينما نظره موجه نحو الواقف
مكانه هناك وكأنه يتأكد من وجوده
" اضطررت للذهاب لمنزل صاحب الصيدلية ليفتحها
ويعطيني الدواء "

حينها فقط انتبهت لكيس الأدوية في يده وسرق نظر كلاهما
الذي قال بضيق بينما كان نظره على عيني يمان


" فكرت في طفلاك فقط ونسيت بأنه ثمة من عليه أن
يغادر من هنا قبل طلوع النهار وباب منزلك مغلق عليه "

تبدلت نظرات يمان للاستغراب ونقلها سريعاً نحو مايرين
التي ابتسمت ابتسامة من وقع في مأزق وحركت كتفيها
قائلة

" لم يكن أمامي حل غيره "

وبالرغم من أنها قالتها بصوت منخفض إلا أنها وصلت
للذي شد على أسنانه بغضب وقال

" فعلتها بي إذاً ؟ تباً لك من امرأة "

أمسكت خصرها بيديها تنظر له بغضب بينما كانت نظراته
لها مماثلة وكأنهما يتشاجران بها ولم تستطع قول شيء
بسبب يمان الذي قال بضيق فارداً يديه

" أنهيا هذا الجدال "

وعقد حاجبيه بقوة ما أن عاد ونظر نحوها نظرة كانت
كفيلة بإسكاتها تماماً ، وما أن نقل نظره نحو الفتى الواقف
مكانه تابع من فوره قائلاً بجدية

" لن أمسَّك بسوء وسأتركك تذهب ولن يعلم أحد بما دار
بيننا ودخولك أراضي غيلوان لكن ثمة سؤال عليك أن
تجيب عليه قبل أن تغادر "


كان الانتباه واضحاً في نظرات الفتى وهو ينتظر ما سيقول
وذاك ما جعله يتابع مباشرة

" لما تحوم حول منزلي وما الذي تريده مني ؟ "

تبدلت تلك النظرات في عينيه للحنق فجأة وقال

" طننت بأنه لديك سؤال جديد لم أسمعه واجب عليه
سابقاً "

اتسعت عينا يمان بذهول قبل أن ينظر نحو مايرين في
حركة بدت لا إرادية فرفعت له حاجبيها بمعنى

( أنظر بنفسك لتتفهم موقفي )

ولأنها نالت من لسانه اللاذع أكثر بكثير مما سمع هو
وعلم الآن بالتأكد سبب عدم تحكمها في غضبها ، وما كان
أمامها من حل سوى التحدث وإن كان الطرف المعني بالأمر
يسمعها وقالت بابتسامة مائلة

" لا تفكر في ردها عليه لأنه سيرميك بواحدة أشد منها "

تنهد بضيق وعاد بنظره نحوه وقال معلقاً على حديثه بينما
خرجت كلماته حانقة تعبر عن استيائه

" أعدته لأن الجواب لم يقنعني بل هو ليس جواباً فإن كنت تريد الخروج من هنا عليك قول السبب "

لاذ بالصمت للحظات ينظر لعينيه ولأنه لا مفر لديه وهو
خياره للخروج من هنا قال مستسلماً وإن بكلمات متضايقة

" نحن نعلم عن كل شبر في هذه المزارع ولا نضايق أحداً
ولم أكن أريد مضايقتك ولم أفعل شيئاً أيضاً "

ظهر الضيق واضحاً في صوت يمان حين قال

" اقترابك من منزلي ألا يكفي ؟ هذه حرمات لغيركم عليكم
احترامها "


ظهر الغضب واضحاً في العينان متباينة اللون وتسلل
لصوته ما أن قال وهو يشير بيده نحو الخارج

" من يسمعك يظن بأنني كنت أحاول القفز من سور منزلك
أو دخوله !! كنت أراقب المكان حوله فقط وأنت ليس
المعني ولا زوجتك أيضاً "


وتابع من فوره وبتملق بينما أشار نحو مايرين برأسه وإن
كان ينظر لعيني يمان

" ثم لا تخف على هذه المرأة سوى من فضولها "


اتسعت عيناها بسبب ما قال بينما نقل يمان نظره بينهما
باستغراب قبل أن يعود وينظر أليه قائلاً

" ماذا تقصد بهذا ؟ "

قاطعتهما هي حينها تتهرب من جواب سؤاله الذي لا تضمن
أن لا يجيبه عليه وقالت بضيق تمسك خصرها بيديها


" أنا من تشعر بالشفقة حيال المرأة التي ستكون مستقبلا
زوجة لك "

وما أن نظر ناحيتها غرست أسنانها في طرف شفتها في
إشارة له ليصمت فشد شفتيه بضيق وقال

" لن يكون ذلك أبداً فلن أنجب للحياة طفل يقاسي ما عانيت
أنا منه "


وغادر على الفور ناحية الباب ونظراتها الحزينة تتبعه
تشعر بالشفقة حياله فهو على حق فلن يكون مصير طفل
ينجبه سوى مأساة تشبه مأساته حتى أنه فقد جميع أحلامه
كطفل وكرجل .

بينما كانت النظرات التي ودعه بها يمان مختلفة تماماً
مدججة بالاستغراب ومليئة بالتساؤلات والتي ما أن سمع
صوت الباب الخارجي يغلق بقوة بعد مغادرته نقلها نحو
مايرين وقال

" ما معنى ما قال ومن هم الزهريين الذين تحدثتِ معه
عنهم سابقاً ؟ "

انتقلت نظراتها الشاردة بحزن لعينيه وقالت

" القصة يطول شرحها لكنهم الفئة الوحيدة التي تعاني
في هذه البلاد مع الحرب أو بدونها "

حرك رأسه بعدم فهم وقال بنفاذ صبر

" يمكنك قول ما يجعلني أفهم منها "

تنهدت باستسلام وقالت

" ثمة جبال تحيط مدن الثنانيين من الناحية الشمالية
تسمى جبال ثنان وثمة حضارة قديمة جداً كانت هناك شبه
منتهية سوى من بقايا أعمدة بسيطة متفرقة ، ووسط
صخور تلك الخبال يوجد كنوز مدفونة منذ تلك الحقبة وقد
قام من دفنها باستخدام الجن لحراستها عبر الأزمنة دون أن
يجرؤ بشري على لمسها وإن كان يعلم مكانها فسيتعرض
للأذى منهم ولهذا يلجأ مهربون الأثار للسحرة للتفاوض مع
تلك الجنود ألا مرئية ، وكالمعروف عنها فإن شياطين الجن
لا تقدم للبشر أي خدمات دون مقابل والمقابل بالطبع ليس
مادي هو أمر يمس الدين دائماً ، ومن أجل تلك الكنوز
تطالب بدماء بشرية وتحديداً الزهريين الذين اطلق عليهم
هذا الاسم نسبة لدمائهم المائلة للون الزهري ويميزهم لون
العينان المتباين كما رأيت في ذاك الفتى وهم نتاج أب ثناني
وأم عربية أو العكس ، ولا يكون المولود زهرياً إلا فيما ندر
فيمكنك تخيل كم من علاقات غير شرعية تقام من أجل هذا
بسبب رفض الثنانيين الزواج الشرعي مع العرب ؟ وكم من
مكاسب معنوية لدى شياطين الجن من هذه المعاصي التي
تبدأ بالزنا وتنتهي بالقتل "
توقفت عند ذلك فهي شرحت له الأمر في أبسط صورة
ممكنة ، وبالرغم من صمتها إلا أنه كان كما يبدو لم يغادر
دهشته بما سمع حتى ظنت بأنه لن يقول شيئاً لكنه تمتم
فجأة وبعدم تصديق

" ما كل هذه الخرافات يا مايرين ! "

حركت كتفها تلوي طرف شفتيها في صمت بادئ الأمر فهي
تفهم وتعذر هذا وتتفهمه لأنه أمر يصعب تصديقه ، ولأنه
من طلب وألح على معرفته قالت موضحة أكثر

" قد تراها خرافات لأنك لم تكن تعيش في الحالك لتسمع
عنها لكنها حقيقة موجودة وذاك الفتى دليل حي أمامك ،
وبالرغم من عيشي هنا فهذا أول زهري أراه في حياتي
لندرتهم وصعوبة نجاتهم من القتل بعد ولادتهم مباشر ، ولم
يستطع ذاك الفتى أن يثق بنا لأنه إن فكرت في بيعه
للباحثين عن أمثاله فستجني ثروة هائلة بذلك فهو لا يمكنه
الوثوق بأحد ، وكان خائفاً من طلوع النهار وهو محتجز
هنا لأن مغادرته حينها فيها هلاكه المحتم "


حرك رأسه بضياع وهمس بشرود وإن كان ينظر لعينيها

" وكأنني أسمع قصة من الخيال "

ابتسمت بسخرية وقالت

" تشبه الخيال نعم لكنها حقيقة لطالما سمعت عنها ومنذ
صغري "


وشردت عيناها في الفراغ متابعة

" كان ثمة عجوز تسكن حدود بلدة حجور وكانت معها
طفلة تساعدها في عملها في توليد ومعالجة النساء وقت
الحرب ، أعتقد بأن اسمها كان دانيا أو ما شابه وكانت تلك
الطفلة تُعرف بقطعة الجلد التي تغطي عينها والجميع يظن
بأنها تعرضت لحادث وفقدتها كما قالت تلك العجوز ، لكن
بعد اختفائها بسبب اختطاف والدتها لها قالت تلك العجوز
بأنها زُهرية وأنّ والدتها تريد بيعها "


" والدتها !! "

همس بتلك الكلمة بعينين متسعة من الصدمة فرفعت نظرها
له وقالت ساخرة وإن بمرارة

" ستكون أنجبتها لذاك السبب أساساً فلما لا تفعلها ؟ "

تخللت أصابعه شعره يتنقل نظره في المكان بتشتت وكأنه
يحاول استيعاب كل هذا أو تصديقه وظهر دليل ذلك ما أن
همس ولازال ينظر للفراغ بضياع وحيرة

" الأمر معقد ويصعب فهمه قبل محاولة استيعابه !! "

وتابع سريعاً وهو يرفع نظره لها مجدداً

" وماذا عن جرحه ؟ "

قالت من فورها

" توقف النزيف كما أنه قال بأن الألم في رأسه يخف
تدريجياً أي لا مشكلة في الجمجمة بالتأكيد "


وتبدلت ملامحها للتوجس ما أن علا الاستغراب نظراته
وبدأت ضربات قلبها بالتصاعد وكأنه توقع سؤاله التالي
حين قال ينظر لعينيها

" لازلت أتسائل عمّن علمك التمريض ؟ "

شعرت بالارتجاف يعلوا جسدها من أخمص قدمها وصولا
لمنابت شعرها وتلعثمت وهي تحاول التبرير قائلة

" إنها ... هي ... "

واندفعت الكلمات منها بسرعة ما أن وجدتها أخيراً

" جارة لنا علمتني كل هذا لأني كنت أتعرض لحوادث كثيرة
بسبب عملي مع زوجة شقيقي جسار في المطبخ "

" وما اسمها ؟ "


بادرها بالسؤال التالي بسرعة خاطفة لم تتوقعها حتى فقدت
التركيز والإدراك لبرهة وهي تقول ببلاهة

" زوجة جسار ؟ "

قال بضيق

" لا بل الطبيبة بالطبع "

حاولت جاهدة إخفاء دهشتها بل خوفها وتوترها فجميع
المشاعر انتابتها حينها وإن كانت تحاول عبثاً فمن كان
ينظر لعينيها بجمود منتظراً حينها يعلم الجواب سلفاً لكنه
ينتظره منها رغم يقينه من أنها لن تجيب لأن ذلك معناه
الاعتراف بكل شيء وبلعبتهما تلك أمامه خاصة أنها
لازالت تتجنب الكذب عليه وقالت حقيقة عيشها بجوار
منزلهم وإن لم تقل اسمها .

كان ينتظر بصبر طويل يريد أن يعلم نهايته ويعلم مؤكداً
بأنه يمضي ببطء شديد مؤلم عليها فقدت معه القدرة على
النطق وحتى التفكير ، أنين جاد الذي تخلل الصمت
المشحون بينهما كان هو ما أنقذها هذه المرة وأضاع
الفرصة من شقيقه للوصول لمرادة وما جعلهما يتوجهان
نحوه معاً فكان يهذي دون توقف منادياً والدته وهو ماجعل
عيناها تدمع وهي تحضنه قائلة

" أنا هنا لا تخف "

تحرك يمان حينها ناحية كيس الأدوية وفتحه قائلاً

" مؤكد يمكنك إعطائه حقنة خافض الحرارة "

نظرت له وقالت ويدها تمسح على ظهر الصغير المتعلق بها

" أجل فقط عليك مساعدتي بتثبيته "

*
*
*


حين وصلت سيارته شوارع لندن المزدحمة كانت وجهته الأولى
هي الشقة التي غادرها صباحاً أو قبل ساعات قليلة تكفي لرحلة
بريستول ذهاباً وإياباً ولولا الضرورة ما كان ليفعلها لذلك عليه
رؤيتها أولاً وقبل زيارة مكتبه .

حين وصل الباب الذي لازال الحارسان موجودان أمامه وقفا
مجدداً في وجهه وقال أحدهما

" أخبرناك سابقاً بأنه لا يمكنك الدخول "

ابتسم وقال فارداً يديه

" لكني صاحب الشقة "

لكن ذلك يبدو لم يعجب الذي أشار له برأسه قائلاً بضيق

" أتلهوا معنا يا فتى "

أومأ برأسه متقبلاً إهانته تلك وهو يخرج بطاقة الباب من جيب
سترته ورفعها أمامهما قائلاً

" ها هو مفتاحها لدي فتنحيا جانباً رجاءً لا وقت أمامي "

قال الواقف أمامه مجدداً

" جلبك لمفتاح الباب لن يجعلنا نقتنع بما تقول "

تأفف بنفاذ صبر ودس يده في جيب سترته الداخلي وأخرج
بطاقته منها ورفعها أمامهما فتنحيا بسرعة وبحركة واحدة وقال
الذي استلم وحده مهمة التحدث منذ وصوله

" المعذرة سيدي نحن مكلفان بأوامر محددة ولم نكن نعلم
عن هويتك "


أعادها لجيبه قائلاً

" لابأس وأحسنتما صنيعاً "

وما أن دخل وأغلق الباب واجتاز الممر القصير الذي يفصله عن
بهو الشقة وقف ينظر للتي كانت تجلس على طاولة الطعام وفي
يدها كوب قهوة بينما تمسك بالأخرى شوكة تحاول أن تقطع بها
الكرواسون المغطى بصوص الفستق موضوع في الطبق أمامها
فابتسم رغماً عنه واقترب من مكانها قائلاً

" لا يأكلونه هكذا يكفيك تعذيباً لها "

رفعت نظرها له حينها وقالت بضيق

" أين كنت ؟ "

قال ولازالت شفتاه تحتفظ بابتسامتها بينما أمسك خصره بيديه من
تحت سترته المفتوحة

" هل أعتبرها جلسة تحقيق ؟ "

تجاهلت ما قال وهي تقف قائلة وبذات نبرتها المتضايقة

" أخبرتني البارحة أنك لن تغادر "

تركت يداه خصره قائلاً

" أجل وهذا ما كنت أخطط له بالفعل لولا حدث أمر طارئ جعلني
أغادر وتركت رجلا أمن عند الباب ومفاتيح الشقة جميعها لدي "


لم تعلق كما لم تبعد نظرها عن عينيه فنظر للساعة في
معصمه وقال

" سأستحم وأغادر لمكتبي هنا هل ترافقينني ؟ "

وما أن طال صمتها رفع رأسه ونظر لها فانحنت قليلاً وحملت
الطبق وقالت ببرود مغادرة مكانها

" لا داعي لذلك "

وتوجهت ناحية السلالم المؤدي للغرف ونظره يتبعها باستغراب ،
ما بها غاضبة هكذا !! مؤكد ليس بسبب خروجه من هنا !
لابد وأنها لازالت تأخذ الأدوية التي تساعدها على النوم لذلك
عاد المزاج الذي يعرفه سابقاً ومؤكد لن تتركها قريباً إن كان
من قتل نجيب يهدد حياتها درجة أن تصمت عنه كما حدث مع
جريمة شقيقها !

تنهد بقلة حيلة وتحرك من مكانه أيضاً وفي ذات الاتجاه وغادر
بعد حمام سريع وكان باب غرفتها مغلقاً كالمعتاد .

حين وصل مكتبه كان الوقت قد تجاوز الظهيرة ، وما أن فتح بابه
وقف الجالس خلف حاسوبه الشخصي وقال ينظر له مبتسماً

" لقد انتهيت للتو "


اغلق الباب واقترب منه قائلاً بترقب

" وماذا وجدت فيه ؟ "

نظر للشاشة المقسومة لأربعة أجزاء أمامه تعرض صوراً لأبعاد
مختلفة وقال

" لا شيء يدعوا للريبة يا وقاص "

وقف بجانبه ونظر لها أيضاً هامساً باستغراب

" متأكد ؟! "

نظر له وقال

" لا شيء أبداً سوى حركة الحرس ولم يقترب أيّا منهم من
جدران القصر "


نظر لعينيه بتفكير للحظات لأن عقله ابتعد كلياًّ عن مكانهما لبرهة
وقال أخيراً والحيرة تملأ عينيه

" ولا أجزاء ناقصة في التسجيلات ؟ "

حرك رأسه وقال

" لا .. جميعها سليمة تماماً وتوقيتها صحيح "

حرك رأسه بضياع متمتماً

" لا يمكن هذا "

غضن الواقف أمامه جبينه باستغراب قائلاً

" ماذا حدث ؟! "


أشار بيده جانباً وقال بتشتت

" ثمة متسلل .. لكن كيف سيدخل إن لم يجتز أسوار القصر !! "

نظر له بتفكير لبرهة وقال

" قد يكون من الداخل ؟ "

حرك وقاص رأسه ينفي الفكرة وقال

" مستحيل فلا رواح ولا والدي ولا حتى جدي لهم شعر
طويل !! "


أمال شفتيه في حيرة قبل أن يقول

" ألا توجد آلات مراقبة داخلية ؟ "


قال بشرود وإن كان ينظر لعينيه

" لا ... لأن جدي كان يرفض ذلك "

" ولما ! "


قالها ذاك مباشرة وباستغراب فحرك وقاص كتفيه متمتماً

" يرى الأمر تعدي على الخصوصيات ولأننا لم نتعرض لحوادث
مريبة يوماً "


رفع حاجبيه مستغرباً وفرد كفه قائلاً

" كان بإمكانكم وضعها في أماكن غير غرف النوم خاصة بعد
جريمة مقتل شقيقك "


وراقبت نظراته الذي رفع رأسه عالياً وأخرج الهواء من صدره
في تنهد طويل وقال

" لا أعلم كيف يمكنني تفسير هذا يا آنسون !! "

قال تلك الكلمات بما يشابه اليأس وكأنه يعلن انهزامه أمام ذاك
الأمر المعقد فقد كانت أفكاره تتشتت وتضيع تدريجياً يحاول أن
يجد تفسيراً منطقياً لما يحدث بينما عاد نظره الشارد ليلتصق
بالذي لامست أصابعه لحيته البنية الخفيفة ينظر للفراغ بتفكير
قبل أن يقول بصوت خفيض شارد

" ممرات وأبوب سرية مثلاً ؟ "

لم يستطع وقاص إمساك ضحكة قصيرة تحررت من شفتيه
المتجهمة وقال

" تمتلك مخيلة واسعة "


نظر له الذي لم يعجبه ما قال معلقاً بضيق

" فسر لي الأمر إذاً ؟ "


ولم يترك له المجال ليتحدث وقد تابع من فوره وبكلمات جادة
ينظر لعينيه

" هل تعلم تاريخ بنائه مثلاً ؟ وهل تملك خارطة هندسية له ؟ "

حرك وقاص رأسه بالنفي وعدم الاقتناع معاً وقال بحركة خفيفة
من كتفيه

" نحن نعيش فيه منذ كنت طفلاً ولم أرى يوماً الخرافات التي
تتحدث عنها "

وتابع من فوره ملوحاً بيده بعدم اهتمام

" هذه أفكار مجنونة وأبعد عن الواقع "

أومأ الواقف أمامه برأسه في صمت بينما شرد بنظره في الفراغ
بتفكير عميق وكأن الفكرة لم تغادره بعد ومقتنع بها تماماً لأنه
يعلم جيداً الحقبات التي مرت بها بلاده وكيف قد يفكر من عاشوا
في مثل تلك القصور قديماً ووقت الحروب خاصة .

كان سيقول شيئاً لكنه توقف فجأة بسبب باب المكتب الذي انفتح
على اتساعه وهو ما جعلهما ينظران له بحركة سريعة وكانت
الصدمة من نصيب وقاص الذي همس ما أن رأى الواقف أمامه

" جدي !! "

والتصقت نظرات كليهما بالذي تقدم نحو الداخل عدة خطوات حتى
أصبح لا يفصله عنهما إلا القليل ونظر لعينيه بغضب قائلاً

" أين أخذت الفتاة ؟ "

شد على أسنانه بقوة وشتم بهمس قبل أن يقول

" فعلَتها تلك المرأة وأخبرتك إذاً "

صرخ فيه من فوره يشير بعصاه جانباً

" وهل تريد للجميع أن يتستر على أفعالك ؟ "

أشاح بوجهه جانباً وفي صمت ووقع نظره على آنسون الذي كان
يشاهد ما يحدث أمامه بعينين ذاهلة وقد ابتسم فجأة وقال

" يبدو أن عليّا المغادرة "

وتحرك من مكانه على الفور قائلاً

" أراك لاحقاً "

وغادر المكتب مغلقاً بابه خلفه ومخلفاً صمتاً مريباً لم يدم لأكثر
من ثواني معدودة قبل أن يقول وقاص وقد عاد بنظره للعينين
المشتعلة أمامه

" جدي أنت ... "

وتوقفت كلماته ما أن صرخ مقاطعاً له

" أنا لست جدك وأعد الفتاة فوراً يا وقاص أو فعلتها بنفسي
وعلى طريقتي التي لن تعجبك بالتأكيد "

بادله الصراخ بالمثل حينها فهو بات فعلياً يفقد كل شيء وحتى
صوابه إن كان الأمر يخصها

" زيزفون هي من طلبت مني هذا وإدخالها للمصح ليس حلاً ،
عليك أن تقتنع بهذا وبأني لن أسمح بحدوثه "

كانت النظرات المشتعلة هي الرسائل الصامتة المتبادلة بينهما
لوقت وكأن كل واحد منهما يقول للأخر لن تجبرني على تغيير ما
أقول وما أفعل ، وما أن كان سيتحدث وبما بات يعرفه جيداً سبقه
قائلاً بجدية ينطر لعينيه

" جدي ثمة قاتل يدخل القصر ويخرج ولا أحد يعلم عنه
وزيزفون خائفة ولا تتحدث "

توقع أن ينعته بالكذب أو الجنون أو أي صفة من الصفات التي
يتحفه بها مؤخراً لكنه فاجأه بأن تجمدت ملامحه كما عيناه
المتسعة فتابع دون أن يحاول تفسير ذلك

" لا وجود له في آلات المراقبة الخارجية بينما رأته جمانة
وأسماء أيضاً في جناحها وكأنه يخترق الجدران "

توقع منه أن يقول أي شيء ومهما كان بعد أن سرد عليه ما
حدث وأن يساعده على فك رموز هذا اللغز الذي بات يؤرق نومه
وصحوته وهو يواجهه وحيداً لكن ما قاله لم يصل له أي بُعد من
تصوراته وهو يدير ظهره له قائلاً بغضب من بين أسنانه

" تباً لك مطر شاهين "

وهو ما جعل عيناه تتسع على أقصاها وتبعه بخطوات
مسرعة قائلاً

" جدي انتظر ماذا يحدث ؟ وما علاقة مطر شاهين بهذا ؟ "

لكنه لم يتوقف ولم يهتم لنداءاته حتى غادر مبنى النيابة وركب
سيارته وأمر سائقها بالتحرك دون أن يهتم للذي كان يناديه حتى
اختفت سيارته عنه ينظر لمكانها بعدم تصديق فلم تغادره كلماته
بعد وها هو يعيدها للمرة الثانية ويتهم ذات الشخص وفيما يخص
زيزفون تحديداً فالأولى كانت حين علم عن شقيقها التؤام !!


*
*
*

ما أن فتحت عيناها تحركت حدقتاها بشكل دائري ونظرت حولها
تغضن جبينها باستغراب واحتاج عقلها لبعض الوقت لتذكر ما
حدث وأين هي الآن ! لامست يدها نعومة الغطاء المصنوع من
الفراء الناعم الذي كان يغطي جسدها ونظراتها معلقة بالسقف
وكأنها تتأكد من أن وجودها هنا حقيقي ! .
جلست حين ارتبط عقلها بالواقع وأبعدت شعرها للخلف بعيداً عن
وجهها تستغفر الله بهمس خافت ونظرت ناحية النافذة التي
لازالت مغطاة بستائر ثقيلة لا تسمح لأي نور بالتسلل من خلالها
جعلت الغرفة غارقة في الظلام التام ، نظرت ناحية هاتفها وتأففت
ما أن تذكرت بأنها لم تغير توقيته بعد وصول طائرتهم لكنها
تشعر بأنها نامت جيداً وبما أنها لم تنم إلا بعد سماعها أذان الفجر
فستكون نامت لوقت طويل !.

غادرت السرير وتوجهت ناحية الستائر وأبعدتها وفتحت النافذة
وكانت النسائم المحملة بعبق الزهور في استقبالها ممّا جعلها
تبتسم مغمضة العينين بادئ الأمر ، وما أن فتحتهما أخرجت
رأسها قليلاً تنظر للسماء وشهقت مصدومة ما أن رأت الشمس
في كبدها ممّا يعني بأنه وقت الظهيرة ..!! هذا إن لم تتجاوزه .

توجهت ناحية الحمام بخطوات شبه راكضة وغادرته خلال
لحظات ولبست سترتها ومشطت شعرها بحركة سريعة ثم توجهت
نحو باب الغرفة وفتحته وهناك بدأ العالم حولها بالتباطؤ وكأنها
ليست من كانت تركض قبل قليل كتلميذة مدرسة فاتها وقت
الذهاب لها .

وقفت أمام الباب تدير رأسها كما مقلتيها السوداء في المكان
بتردد فالصمت هنا مميت وكأنها لوحدها موجودة فيه ! أو هكذا
خيل لها فما أن تجاوزت الباب بخطوتين ظهرت من بداية الممر
الخادمة التي توجهت نحوها تحمل أغطية وشراشف مطوية في
يديها ، وما أن وصلت لها توقفت وابتسمت مومئة لها برأسها
وقالت باحترام

" مساء الخير سيدتي "

أجبرت شفتيها على اهدائها ابتسامة مماثلة وقد تأكدت الآن بأنها
نامت حتى المساء وتشعر بحرج كبير من الخادمة فكيف سيكون
الأمر مع البقية ؟
كانت تصارع لسانها لطرح السؤال الذي ولحسن حظها أن
الواقفة أمامها أجابت عليه من نفسها قائلة وذات الابتسامة
تزين شفتيها

" السيدة جوزاء في الأسفل "

أومأت برأسها مبتسمة في صمت بينما تابعت المرأة الخمسينية
قائلة بوقار شديد

" إن قررت النزول سأقوم بترتيب الغرفة وتغيير الأغطية "

همست مبتسمة وكأنها روبوت مبرمج

" شكراً لك "

قالت الواقفة أمامها

" هل تتناولين الفطور هنا أم في الأسفل ؟ "

خرجت منها ضحكة صغيرة محرجة وقالت

" أي فطور هذا وقت المساء ؟ "


ضحكت الخادمة دون أي قيود وقالت

" السيدة جوزاء منعت الجميع من إزعاجك "

وتابعت مباشرة ترفع يديها المليئة بالأغطية بحركة خفيفة

" حتى أني سأرتب غرف الفتيات الآن وقت الظهيرة "

قالت بابتسامة خجلة

" نمت في وقت متأخر البارحة "

كان الإحراج من نصيب الخادمة حينها وقالت معتذرة وموضحة

" أعتذر سيدتي لم أكن أقصد إحراجك وأعلم كالجميع بأن
طائرتكم وصلت في وقت متأخر ، نحن هنا في خدمتك تنامين
وتستيقظين متى ما أردتِ ذلك "

ابتسمت لها بارتياح وقالت

" شكراً جزيلاً لك "

أومأت لها مبتسمة وقالت

" المعذرة منك سأدخل غرفة الآنسة يمامة لترتيبها "

أومأت لها أيضاً وفي صمت وعيناها تتبعها في حيرة وهي تدخل
الغرفة المجاورة لغرفتها فهي لم تقل بثينة أي ستكون تلك الفتاة
التي قابلتها البارحة في الشرفة !
هل لديهم قريبة تعيش هنا معهم ؟! تنهدت في حيرة وتحركت من
هناك ونزلت السلالم بخطوات بطيئة تنظر نحو الأسفل منحنية
قليلاً حتى ظهر لها جسد جوزاء الواقفة توليها ظهرها تتحدث في
هاتفها بصوت لم تسمعه بوضوح ، وما أن استدار جسدها قليلاً
نحوها اعتدلت في وقوفها وابتسمت وإن بتوتر ما أن وقع نظرها
عليها وقد أهدتها ابتسامة حقيقية ونظرها لم يتركها وهي تنزل
باقي العتبات بينما كانت ما تزال تتحدث في الهاتف حتى أصبحت
في الأسفل حينها أبعدته عن أذنها فقالت بضحكة صغيرة محرجة
وهي تقترب منها

" لا يمكنني قول صباح الخير ... لِما تركتني أنام كل هذا
الوقت عمتي ؟ "

وما أن وقفت أمامها لامست يد جوزاء ذراعها وقالت مبتسمة

" لأنك متعبة بالتأكيد ولا ضرورة لإيقاظك مبكراً "

وتابعت من فورها تبعد يدها عنها

" كيف كانت ليلتك ؟ "

ابتسمت وقالت

" نمت بعد الفجر لكنه كان نوماً مريحاً للغاية "

كانت جوزاء ستتحدث لولا أوقفها باب المنزل الذي فُتح فجأة
وسرق نظر كلاهما وكنانة تحديداً وهي ترى الفتاتان اللتان دخلتا
منه ترتديان الزي المدرسي وحجاب ناصع البياض وتحمل كل
واحدة منهما حقيبة مدرسية على كتفيها وقد وقفتا كلاهما
ونظرهما موجه نحوها تحديداً ، وبالرغم من أنها لم ترى بثينة
سابقاً إلا أن فضولها لم يدفعها لرؤيتها ونظرها قد تركز على
صاحبة الوجه الدائري والعينان الواسعة الحزينة تميزها الأحداق
الرمادية الكبيرة المستديرة والجفنان المائلان قليلاً ، وتبدلت
نظرتها للاستغراب ما أن تحرك ذاك الجسد النحيل بخطوات
مسرعة نحو السلالم يداها تمسكان بقوة بحزامي حقيبتها المثبتة
على كتفيها !! حتى أن رأسها ارتفع معها وهي تصعد السلالم
وحال جوزاء لم يكن مختلفاً عنها ولا بثينة أيضاً بالرغم من أن
خطوتها كانت تتحرك نحوهما ، واستطاعت سرقة نظرهما ما أن
وصلت وقالت مبتسمة تنظر لكنانة

" مؤكد أنتِ زوجة غيهم ؟ "

ابتسمت لها بحبور وقالت

" وأنتِ بالتأكيد بثينة "

قالت بضحكة

" أصبتِ "

وسلمت عليها تقبل خداها وقالت ما أن ابتعدت عنها بحماس
وابتسامة متسعة

" هل تحبين مشاهدة الأفلام والبرامج الغنائية ؟ "

" بثينة !! "

كان ذاك صوت جوزاء الغاضب محذراً فنظرت لها وقالت
بضحكة مشاكسة

" حسناً أمي أنا فقط أطمئن على رفيقتنا خلال الأيام القادمة "

نقلت كنانة نظرها بينهما باستغراب ليس فقط بسبب حديثها
السابق عن الرفقة خلال الأيام القادمة بل والأفلام وبرامج
التلفاز ! لكنها لم تحصل على أي أجوبة وقد قالت جوزاء بضيق
تنظر لابنتها

" ابتلعي لسانك وأخبريني ما بها يمامة ؟ "

حدقت فيها بصمت فقالت حانقة

" تكلمي لا تنظري لي هكذا كالبلهاء "

حركت حينها يديها وقالت تمسك ضحكتها

" كيف سأتحدث وأنتِ طلبتِ أن أبتلع لساني "

وانطلقت حينها الضحكة التي كانت تخفيها وهو حال كنانة التي
جاهدت أن لا يخرج صوتها بينما غطت شفتيها بظهر أصابعها
محرجة ما أن رأت الغضب في عيني جوزاء التي لم تبعد نظرها
عن ابنتها وقد قالت مجدداً وبحزم آمر

" ما بها يا بثينة ؟ "

حركت كتفيها وقالت

" لا أعلم حقاً "

قالت جوزاء والضيق لم يغادر صوتها بعد

" كيف لا تعلمين ؟ ألم تكونا معاً أم أنك تتركينها وحيدة
في المدرسة "

اتسعت عيناها بذهول وقالت بكلمات مندفعة

" أبداً أمي فهي لا تبتعد عني أساساً ، ألا تعلمين بأنه لا صديقات
لديها هناك "

شدت شفتيها بضيق وقالت ما أن حررتهما

" هل تكرر الموقف السابق ؟ لقد نبهت معلماتها جيداً "

حركت رأسها بالنفي وقالت

" لا لم يتكرر بل وسألتها أستاذة الرياضيات والعلوم أيضاً إن
كانت تريد الإجابة وحل المسائل لكنها رفضت بل ولم تكتب ولا في
ورقة كالمرة السابقة ولم تتحدث اليوم مطلقاً !! "

تبدلت نظرات جوزاء للاستغراب ولاذت بالصمت في لحظة تفكير
قبل أن تقول بنظرة تشكيك

" هل تقابلت وأبان اليوم أو البارحة ؟ "

اتسعت عينا ابنتها مجدداً وقالت باستغراب

" أبان ليس هنا أمي "

تنهدت حينها بضيق وتمتمت ببرود تومئ برأسها

" أجل كيف نسيت هذا !! "

وتابعت من فورها ترفع سبابتها بينهما بتهديد

" إن علمت بأنك من ضايقها يا بثينة سيكون عقابك شديداً "

شهقت بصمت وقالت بكلمات متضايقة

" أمي هل سبق وفعلتها مثلاً ؟ أنا ابنتك ولست متبناة من
ملجأ للأيتام "

رمقتها جوزاء ببرود وقالت

" أتمنى هذا "

حدقت فيها ببلاهة وقالت

" أن كنت متبناة !! "

عادت كنانة لإمساك ضحكتها بينما صرخت جوزاء بغضب
في ابنتها

" بثييينة "


فقفزت في مكانها وركضت ضاحكة باتجاه السلالم بينما تنهدت
جوزاء بضيق تراقبها وقالت

" ستصيبني بالجنون هي وشقيقها ذاك "

بينما اكتفت كنانة بالابتسام في صمت تنظر لها ونظرها لازال يتبع
خطوات ابنتها التي كانت تقفز عتبات السلالم وكأنه بيانو ضخم
وتحار فعلياً في أمر هذه المرأة فبقدر ما هي رقيقة ولبقة حازمة
وصارمة واجتمع النقيضان !! تعامل أبنائنا بحزم بينما تعامل
الغرباء بمحبة فياضة !!

اختفت الابتسامة التي كانت تزين وجهها ولم تشعر بها ما أن
نظرت لها وقالت

" المعذرة منك يا كنانة فيمامة فتاة لبقة ورقيقة ولا تفعل هذا
وتتجاهل أحداً "


أومأت برأسها مبتسمة وقالت

" لا بأس عمتي أنا لست غاضبة ولا مستاءة "

وترددت قليلاً قبل أن تقول

" وجدتها البارحة جالسة في الشرفة وكانت تبكي "

ظهر الحزن واضحاً على عيني وملاح جوزاء وقالت ونظرها
ينتقل لأعلى السلالم

" يا لصغيرتي الحبيبة ، مؤكد تفكر في أخوها وشقيقاها
الصغيران وما حدث مع والدها "

كانت نظرات كنانة الحائرة ملتصقة بملامحها ليس فقط لأنها ترى
وجه آخر لهذه المرأة نادرة الوجود وهو الحزن الحقيقي العميق
بل وبسبب ما قالت عن الفتاة المجهولة عنها حتى الآن ! وقالت
نهاية الأمر ترضي فضولها

" ما علمته أن ابنتك الأخرى صغيرة هل يمامة قريبة لكم ؟ "

نظرت لها وقالت وبكل بساطة

" إنها زوجة أبان "

" ماذا !! "

خرجت منها تلك الكلمة بصوت مرتفع مصدوم وعيناها تكاد
تخرج من مكانها مما جعلها هي أيضاً تستغرب في نفسها ذلك
وقالت محرجة

" المعذرة منك لكن الأمر مفاجئ لي وهي صغيرة و.. "

وضاعت منها الكلمات أمام جمود ملامح جوزاء والتي فاجأتها
بان لانت فجأة وقالت

" أفهمك يا كنانة .. "

ولاذت بالصمت لبرهة قبل أن تتابع بهدوء وكلمات متزنة
واثقة تشبهها

" هي شقيقة صديق أبان المقرب وحين ألححت عليه في أمر
الزواج قال بأنه يريدها لكنه يريد انتظارها لتكبر ولأن تلك المدن
الزراعية يزوجون بناتهن في سن مبكر عقدنا لهما فقط وحين
احترق منزلهم وحدثت أمور عدة جلبتها إلى هنا لتعيش معنا
كابنة لي حتى يكون الوقت الذي تصبح فيه مستعدة للزواج "


قالت الحقيقية وإن كانت ناقصة فلن يعلم أحد غيرها وأبان حقيقة
ما حدث وبأنه اتخذها حجة كاذبة وهي حاصرته بها ، وحين طال
صمت كنانة التي كانت وكأنها في بُعد آخر قالت جوزاء مبتسمة
تنظر لعينيها المحدقة فيها بتفكير

" لا يبدوا أنك مقتنعة بهذا "


أجفلت مصدومة وقالت

" لا أبداً أنا فقط أحار كيف أن ابنك أحبها واختارها زوجة له
وهي في هذا السن !! "


حركت جوزاء كتفيها وقالت بضحكة صغيرة

" تحدث كثيراً وكم من ربى طفلة أحبها فيما بعد وتزوجها "


ضحكت وقالت

" أجل معك حق "

وتابعت من فورها بصوت باسم

" بعض الفرص لا يجب تركها تضيع منا ويبدو أنها فتاة هادئة
ومهذبة وستكون امرأة رائعة الجمال "


ابتسمت جوزاء بحب وقالت

" أجل .. سبحان الله الذي وضع حبها في قلبي من أول يوم
رأيتها فيه وهو ما جعلني أقرر ذلك دون تردد "


ورفعت يدها ومسحت بها على ذراعها وقالت بسعادة

" كم أحمد الله أني زوجت كلا ولداي بمن أريد وكما أتمنى "

شعرت كنانة بمشاعرها تتعاضم ناحيتها وأمسكت بيدها
وقبّلتها وقالت

" بارك الله لنا فيك "

ابتسمت لها بحب وكانت ستتحدث لولا باب المنزل الذي انفتح
مجدداً وكان غيهم الداخل منه حينها فهربت بنظرها منه دون
شعور بينما سمعت الواقفة بجانبها تقول بضيق

" حتى وقت الظهيرة لتأتي ؟ "

قال حينها ببرود وهو يغلق الباب

" أخبرتك منذ البارحة بأنه عليا زيارة السفارة البريطانية أولاً ،
ثم كان عليّا جلب الفتاتين من المدرسة نيابة عن أبان "


وقال آخر كلماته بضيق ولم يكتفي بذلك وقال وقد عاد لوضع
البرود القاتل وهو يتوجه نحو السلالم

" ثم نحن لسنا ملزمين بأن نكون هناك قبل صياح الديك "

وصعد عتبات السلالم بخطوات واسعة ونظرات كنانة الغير
مستوعبة تتبعه وكأنها تقول ( ما هذا بحق الله !! ) هل هذا الذي
حددت والدته مصيره وهو نفد دون اعتراض ؟!
إن كان سيد قرارته فكيف سيكون ! أجل معه حق يغضب فهو
يجلب الزوجة التي أرغمته عليها بدلاً من التي يريد هو .

" قد يبدوا لك وللجميع بأنه رجل بارد متعجرف لكنه يملك قلباً
بنقاء الماء "

جعلتها كلمات جوزاء الباسمة تلك تنظر لها مصدومة قبل أن
يتبدل الأمر لابتسامة محرجة مع مزيج غريب من الاستغراب
بينما تابعت جوزاء دون أن تهتم لتقلبات ملامحها كما يبدو وقالت
بكلمات باسمة

" غيهم الأكثر براً وإطاعة لي بين أبنائي لكنها جينات عائلة
الشاهين لا مفر منها "

وأتبعت كلماتها بضحكة وقالت وتأثيرها لم يغادر شفتيها

" ما أن تعيشي معه ستعرفينه أكثر فهو إن أحب شخصاً يحبه
بصدق لا يتخلى عنه ولا يُقصر في حقه ويهبه وإن على حساب
نفسه "
سيطر الحزن على عيني كنانة وإن ادعت الابتسام وأنزلت رأسها
للأسفل تخفي عنها لمعان الدموع فيهما بينما كانت تشد يداها
بقوة آلمتها ، أرادت أن تسأل لما لم تتركيه يتزوج المرأة التي
أراد ويحب وحكمتِ عليه بالتعاسة وهو يعيش مع امرأة لا يريدها
وحكمتِ عليها بأقسى من ذلك لأنه لا يبادلها مشاعرها القوية
نحوه ؟ وبما أنه يحب بصدق ولا يخون من أحب فقدت حكمتِ
عليها أيضاً بالعيش ذليلة تحت رحمة مشاعرها تلك ما عاشت .
لا بل هي لن تسمح بذلك وستغادر عمّا قريب وهذا ما هو واضح
جداً أمامها وسيكون بقرار منه أيضاً .

تذكرت فجأة وبحزن قبلته لوجنتها في المطار والكلمات التي
قالها عن سرير يجمعهما وشعرت بجسدها يتعرق خجلاً
وتساءلت في حيرة لما يقول هذا وهو يحب امرأة أخرى ومجبر
عليها كما قال ؟! ألا يحترم حبه لها وشغفه بها على الأقل !!
أهكذا هم الرجال تتغلب المتعة على مشاعرهم لتكون امرأة مكان
أخرى متى أراد دون اعتبار لمشاعر كليهما ؟ .


" كنانة !! "


رفعت رأسها ونظرت ترمش بعينيها لجوزاء التي كانت تحرك
رأسها لها مبتسمة بمعنى ما بك فقالت محرجة

" آسفة لقد شردت قليلاً "

قالت جوزاء بعد ضحكة صغيرة

" لا تفكري كثيراً فيما قلت حياتكما معاً ستبرهن لك كل ذلك "

وتابعت من فورها تريح يدها على كتفها

" كنت أقول بأني وغيهم ذاهبان لمنزل عائلتي في العاصمة
حوران ثمة ظروف يمرون بها وأريد أن أكون معهم ولن أفكر في
أمر المنزل والفتاتان وأنتِ هنا "

وقالت آخر كلماتها تبتسم لها بثقة لكنها لم تغادر استغرابها بعد
بسبب ما سمعت منها وقالت

" هل ثمة أمر سيء حدث ؟ "

تنهدت جوزاء بحزن تُحرك رأسها وقالت بنظرات شاردة حزينة

" مطر شاهين حياته لا تتوقف عن تقلباتها أبداً ، ثمة قضية ثأر
قديمة فُتحت دفاترها الآن تخص ابنة وحفيدة عمي دجى "

ازداد الاستغراب والتساؤلات في عيني كنانة فربتت على كتفها
مجدداً وقالت

" القصة يطول شرحها سنتحدث فيها بعد عودتي أو ستريها في
الأخبار في وقت أقرب من ذلك "

ابتسمت بحزن وبالرغم من أنها لم تفهم شيئاً قالت

" أتمنى أن تنجلي تلك الغمامة قريباً "

أمنت جوزاء متمتمه بحزن وقالت ونظراتها تشرد للفراغ مجدداً

" أراح الله قلب شقيقي فلم ترحمه الحياة أبداً "

وعادت ونظرت لها وقالت مبتسمة بمزاج مختلف فجأة

" عليك أن تتحملي جنون بثينة أما يمامة فهي كالنسمة من رقتها
لا تُتعب أبداً "

أومأت برأسها مبتسمة وقالت

" كوني مطمئنة "

قالت وذات الابتسامة تزين شفتيها

" أبان الآن في حوران وسأبلغه عن وجودك ومنزله أساساً في
الأعلى ومستقل أما غيهم فقال بأن أسبوعه مليء بالرحلات وقد
لا يزور المنزل ، وعمك أيوب مسافر ولن يعود قبل نهاية
الأسبوع "

قالت مبتسمة

" أعادهما الله سالمين "

مسحت يدها على ذراعها وقالت بحنان

" سلمك الله بنيتي "

وكانت ستتحرك من مكانها لكنها تراجعت ونظرت لها وقالت

" سيأخذك السائق اليوم لتشتري ثياباً وكل ما تحتاجينه وبعد
عودتي سنخرج معاً لشراء جهازك كاملاً "


ابتسمت لها ممتنة وشكرتها هامسة فقالت محرجة

" أعذريني يا كنانة فلم نقم بواجبك أبداً "

قالت مباشرة

" لا تقولي هذا عمتي فهذه الأمور لا تهمني ومتفهمة لما
تمرون به "


ابتسمت لها بحب وكانت ستتحدث لولا قاطعها الذي نزل آخر
عتبات السلالم وقال متوجهاً نحو باب المنزل ونظره عليه

" أمي أنتظرك في السيارة لا تتأخري "

سرق نظر كلاهما وكان قد غير ثيابه ببنطلون من الجينز الفاتح
وقميص رمادي وسترة شبابية سوداء كلون حذائه ، وبينما
التصقت به نظرات كنانة الحزينة التي كانت تشعر فقط بالشفقة
حيال نفسها تمتمت جوزاء بضيق

" وكأنني لا أنتظره منذ الصباح ! "

ونادت بعدها على الخادمة التي جلبت ابنتها من ناحية المطبخ
تمسك بيدها حتى وصلت لها فرفعتها في حضنها ونظرت ناحية
الواقفة قربها وقالت مبتسمة

" أراك بخير يا كنانة .. اعتني بنفسك جيداً "

ابتسمت لها بحب وودعتها تقبل خدها وداعبت وجنة الصغيرة
التي كانت تمسكت ذراعاها الصغيران بعنق والدتها وأوصلتهما
عند الباب وقالت تتجنب النظر نحو الخارج وحيث السيارة
المتوقفة قربه

" حفظكم الله وأوصلكم سالمين "

وما أن خرجتا أغلقت الباب دون أن تترك فرصة للواقف في
الخارج أن يراها أو تنظر له وتوجهت نحو السلالم متمتمه
بسخرية

" أسبوعك مليء بالرحلات أم تتهرب يا ابن عائلة الشاهين كما
وصفتك والدتك ؟ وكأني لم أعمل في مطار سابقاً وأعلم معنى هذا
التطوع "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 08-05-24, 09:16 PM   المشاركة رقم: 1758
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*
رسم نور الشمس الخفيف المتسلل من زجاج النافذة المغلقة خطاً
عريضاً على سجادتها وصولاً ليديها التي رفعتها ما أن فرغت
من صلاة الظهر ، أمر لم تفعله منذ وقت لا بأس به لأنها كانت
راضية تقريباً عمّا وضعها الله فيه ولا تلجأ لفعلها إلا إن وقفت
حائرة بين أمرين فهي مقتنعة تماماً بأن ما يصيبنا في هذه الحياة
إمّا اختبار لنا علينا وبكل جهد أن نسعى للنجاح فيه أو عقوبة
على أخطاء اقترفناها وعلينا الرضا والقبول والسعي لتكفيرها
بذلك .

علاقتها مع الله ليست سيئة لكنها وكالجميع تشعر فطرياً بالضآلة
والخجل من فكرة طلب أمر من أمور الدنيا وإن كان مسموحاً لها
بذلك لذلك كانت تقول ذات الكلمات في كل مرة لتشعر بعدها
بالرضى التام ومهما كانت النتائج لأنها تركتها بين يديه سبحانه ،
وهي تشعر بأنها بحاجة لهذا الآن بل وكامل الاحتياج بعد كل ما
حدث معها يوم أمس .

لمعت الدموع في عينيها ما أن انفرجت شفتاها ببطء وهمست
بكلمات حزينة تنظر لأصابعها من بين الدموع التي لم تفارق
رموشها

" يا رب اجعلني من الراضين بالخير في قضائك وإن كرهته
نفسي وأبعدني عن الشر وإن أحبته ... يا رب "


الطرقات المنخفضة على الباب جعلتها ترفع يدها لوجهها
ومسحت بظهر إبهامها الدموع من رموشها ووقفت ترفع
سجادتها في الوقت الذي فتحت فيه والدتها الباب فشغلت نفسها
عن النظر لها بنزعها للباس الصلاة وطيه ، لكنها كانت في
انتظارها كما يبدو فما أن وضعته مكانه ونظرت لعينيها وجدت
النظرة التي كانت تخشاها وإن كانت ترفضها وهو ما جعلها تبعد
نظرها عنها وتوجهت ناحية سريرها وجلست على طرفه قائلة
ببرود

" أمي رجاءً لا تلقي باللوم علي فيما حدث ولا تأملي أن أكون
السبب في عودة ابنك للمنزل فهو من فعلها لنفسه ولست أنا "

قالت التي كانت تعلم بأنها لن تعلن استسلامها سريعاً

" أنتما شقيقان وهذا ما لا يمكنكما نكرانه يا جلي... "

نظرت لها وقاطعتها قائلة بمرارة وهي تشير بسبابتها لوجهها

" أنظري أمي فيبدو أن الشمس حجبت الرؤية عنك ، هذا ما فعله
ابنك بي ومن تقولين بأنه شقيقي "

ظهر الحزن جلياً على ملامحها وقد اقتربت منها قليلاً
قائلة بانكسار

" أعلم وأرى يا جليلة لكن إخراجه للشارع ليس حلاً "

نفضت حينها يديها وقالت بانفعال واضح وإن لم يغادر الحزن ولا
المرارة كلماتها كما صوتها

" أمي بالله عليك أصبح بهذا العمر ولازلتِ تعاملينه كطفل ! أليس
يعمل الآن وراتبه جيد ؟ لا تخشي عليه إذاً "

اقتربت منها أكثر حتى أصبحت تقف أمامها واشارت بيدها حيث
النافذة المفتوحة قائلة باستياء

" أنا وأنتِ نعرف وثاب جيداً ومن ينتظره ما أن يخرج من هنا
ولن يتركوا له راتباً ولا قرشاً واحداً بل وسيعود لأفعاله السابقة
ونحن لم نصدق أن ابتعد عنهم "


أشاحت بوجهها جانباً ترفض فتح تلك الدفاتر تحديداً وهو ما جعل
الواقفة أمامها تتابع بحزن واستجداء

" بل وسيكون مصيره السجن فوالدك أقسم في آخر مرة أن لا
يكتب أي تعهد وأن لا يدفع أي تعويضات مستقبلاً وخاصة بعدما
حدث البارحة "


نظرت لها بحركة سريعة وقالت بغضب

" اتركوه يدخل السجن ، ماذا سيحدث له مثلاً ؟ لن يموت هناك ،
لعله يتعلم درساً في تحمل المسؤولية بدلاً من الاعتماد على الغير
في كل شيء كالأطفال "

ألجمتها بكلماتها للحظات وكانت تعلم بأنها لن تيأس ولم تنتهي
بعد لذلك قاطعتها قائلة بمرارة وضيق تشير لنفسها

" أمي أقسمت عليك بالله أن لا تتحدثي معي في الأمر فأنا ابنتك
أيضاً وتأذيت دون وجه حق على يديه "

وتابعت من فورها ترفع سبابتها وبكلمات حازمة

" وتأكدي من أمر واحد بأني خارجة من هنا مع قائد إن دخل هو
المنزل فلن يجمعنا مكان واحد بعد اليوم فما يعنيه في هذا الزواج
أنا لا يعنيني أبداً "


كانت ستتحدث دون اهتمام لتهديدها وكلماتها فهي غاضبة الآن
وتتفهم مشاعرها مما حدث لكنها لن تيأس لأنها السبيل الوحيد
لإقناع والدها بأن يعود عن قراره الأخير لكن ما منعها هذه المرة
هو صوت جرس باب المنزل فاكتفت بأن حركت رأسها متمتمه
بأسى وهي تغادر

" لا حول ولا قوة إلا بالله " .


وما أن وصلت له في الأسفل وفتحته عرف وجهها الابتسامة
وللمرة الأولى منذ ليلة البارحة حين وجدت ابنها أمامها والذي
دمجت نظراته الاستغراب والحيرة معاً وتوقع سريعاً بأنهما لم
تعلما بما حدث ! بدى تكلفه واضحاً لإهدائها ابتسامة مماثلة
وقد قال

" صباح الخير أمي "


ازدادت ابتسامتها اتساعا وقالت

" صباح الخير يا حبيب والدتك ... ادخل هيّا "

قالت آخر كلماتها تشير بيدها نحو الداخل فتقدم خطوة واحدة وقال

" هل جليلة مستيقظة ؟ أريد أن أراها "

أومأت برأسها قائلة

" نعم وهي في غرفتها "

كان سيتحرك لكنها أوقفته من ذراعه قائلة

" قائد "

وما أن توقف ينظر لعينيها شدت أصابعها على ذراعه وقالت
تنظر لعينيه باستجداء حزين

" حاول تهدئة الأمور بني فهما يبقيان شقيقان ووثاب ... "

قاطعها من قبل أن تنهي كلماتها قائلاً بضيق

" أمي رجاءً لا تحملني فوق طاقتي "

وتابع من فوره يسكتها عمّا يعلمه جيداً ويتوقعه

" ولا تحلفيني بالله لأنك ستدفعين كفارته هذه المرة "

تنهدت بأسى وخيبة أمل وقالت في محاولة جديدة يرتسم اليأس
الحزين على ملامحها

" أنا أعلم بأنه مخطئ لكني أخشى عليه من رفقاء السوء وأن
يرجع لطريقه القديم "

تنهد بضيق يبعد نظره عن عينيها وقال ببرود وإن لازالت ملامحه
تحتفظ بغضبها

" فليتحمل نتائج أفعاله وحيداً هذه المرة فهو ليس طفل "

قالت من فورها وبحزن تنظر لملامحه المحببة لديها

" أنت ووسام أكبر منه سناً ولا زلتما أطفالاً في نظري "

كانت تحاول ودون يأس لكنه وجد مسلكه للهروب منها وقال
بضيق وهو يجتازها نحو الداخل

" توقفي عن رؤيتنا كذلك أمي إذاً فلم نعد أطفالاً ويجب محاسبتنا
على أفعالنا "

وتوجه نحو السلالم من فوره متجاهلاً نظراتها الحزينة
المستجدية وللمرة الأولى في حياته فقد أقسم البارحة أنه لن
يصمت هذه المرة ولن يترك شقيقته تواجه هذا الأمر وحيدة ولن
يكرر خطأه السابق وعلى والدته أن تقتنع بهذا وبأن ابنها المدلل
ذاك عليه أن يُعاقب هذه المرة .


ما أن وصل باب الغرفة وقف أمامه متردداً للحظات فهو لا يعلم
كيف سينقل لها الخبر وما تأثيره عليها بالرغم من علمه المسبق
عن مشاعرها نحوه ومشكلتهما الأخيرة لكنه شعور فطري يتغلب
علينا كبشر حين نتكفل بمهمة نقل خبر سيء لأحدهم فمثل هذه
الاخبار لا يمكن التكهن برد فعل متلقيها .

حرك رأسه متأففاً وتمتم وهو يمسك مقبض الباب

" وكأنك ستنقل خبر وفاته مثلاً ؟! "

ما أن فتح الباب وبعد طرقتين متتاليتين ابتسم ودون شعور منه
متجاوزاً شعور الغضب والألم في داخله لرؤية وجنتها المتورمة
والصعوبة التي تعانيها حتى الآن وهي تقف لاستقباله ورغم ذلك
كانت تبتسم له متغلبة على الحزن الذي لم تخفيه عينيها وهذا
أكثر ما يؤلمه ، لكنه وكعادة الرجال بل وأمثاله تحديداً لم يُظهر إلا
القوة أمامها وأغلقت يده الباب خلف ظهره بينما تقدمت خطواته
نحوها حتى وقف أمامها وأمسكت يداه برأسها وقبل مقدمته أعلى
جبينها يشعر بنعومة خصلات شعرها تحت شفتيه وهمس مبتسماً
وهو ينظر لعينيها مجدداً

" كيف حال الجليلة اليوم ؟ "

همست ببحة تنظر بحزن باسم لعينيه

" بخير .. الحمد لله "

نظر حوله وقال

" يبدوا أنك لم تفتحي التلفاز ولا هاتفك ! "

وبدى التوتر واضحاً على ملامحه وذاك ما قرأته جيداً فيها فقالت بتوجس

" ماذا هناك ؟ "

واتسعت عيناها فجأة ما أن تذكرت ما نسيته تماماً منذ خروجه
بها من منزلها وحتى هذه اللحظة فقالت تنظر لعينيه بوجل

" المحاكمة !! هل كانت بالأمس ؟ "


أبعد نظره عن عينيها نحو الأسفل ولم يتحدث وذاك ما جعلها
تُصدق ظنونها وكان عليها توقع ذلك منذ البداية لما كانت ستراه
أمامها ، ارتفعت يدها لساعده وأمسكته قائلة بترقب ولازالت تنظر
لما يظهر لها من ملامحه

" ماذا كان الحكم ؟ "

كان عليها الاكتواء بنار الانتظار لثواني شعرت بها أعوام وهي
تنتظر شفتاه أن تتحرك ،ورحمها أخيراً وقد همس بخفوت ولازال
يتجنب النظر لعينيها

" لقد رفض القاضي دعوى الطلاق "

ارتفع رأسها حينها محدقة في الأعلى وتنفست بعدم تصديق هامسة

" يا إلهي "

وما أن أنزلت رأسها أمسكت جبينها بأصابعها تنظر للفراغ
بشرود واجم وقالت بحزن وضياع

" أي سوء هذا الذي تشعر به غسق الآن ...؟ "

كانت ضائعة مشتتة بين توقع ما حدث وما تشعر به ابنة خالتها
وصديقة طفولتها الآن بينما اكتفى الواقف أمامها بمراقبتها
بوجوم كئيب حتى غادرت صدمتها وإن قليلاً وقالت تلوح بيدها
بضيق ولازالت تنظر للفراغ أمامها

" كان عليها توقع هذا من البداية وأن لا تقف في وجه من يمثل
قانون البلاد "

جعلت كلماتها تلك حاجباه يقتربا وقال بضيق مماثل

" ليس السيد عقبة من يخضع لمثل ذلك ، وكانت محاكمة نزيهة
بالتأكيد "


رفعت نظراتها المتسعة له بل وحدقت في عينيه وكأنها تبحث عن
الجواب فيها قبل أن تقول بعدم استيعاب

" كانت وبالتأكيد !! ألم تكن فيها ؟! "

عاد للهرب من عينيها وقال

" أتركينا من هذا الآن فثمة ما هو أهم أنا هنا من أجله "

وما أن عاد ونظر لعينيها ولنظرة الضياع والتساؤل فيهما لا يفهم
بسبب ما قال الآن أو سابقاً لكنه تابع بما هو أهم بالنسبة له وقال
بكلمات متأنية متوجسة

" عمير تعرض لحادث واصطدمت شاحنة بسيارته البارحة "

كان رد فعلها الأولي شهقة قوية ويدها تلامس صدرها بينما
ارتجفت حدقتاها المتسعتان تنظر لعينيه وكأنها لا تراه أمامها ،
وكان يظن بأنها تحولت لتمثال حجري للحظات قبل أن تتحرك
شفتاها وهمست بصعوبة

" وما وضعه الآن ؟ "

حرك رأسه بضياع وقال

" لا أعلم فقد رأيت الخبر في الإنترنت ولا معلومات واضحة لدي
فالمستشفى الموجود فيه تم إخلاؤه بالكامل وتحيطه الشرطة
ورجال الأمن من كل جانب ومؤكد رجال مطر شاهين جميعهم
هناك هذا إن لم يكن هو نفسه معهم "

فردت يديها قائلة بضيق

" ولما كل هذه الإجراءات !! هذا لم يحدث سابقاً ! "

قال من فوره

" لم أجد شخصاً يفيدني بأي معلومات مؤكدة ، وقنوات الأخبار لا
يمكنها نقل إلا ما يؤذن بإخراجه فحتى إن مات فلن يُذاع ذاك
الخبر الآن خاصة مع ما تمر به البلاد "

امسكت طرفا وجهها ناحية صدغيها بأصابعها تنظر للأرض تحتها
بضياع وتشتت تشعر بتعالي رهيب في ضربات قلبها حتى كانت
تشعر بها تؤلم أضلعها فسماع الفواجع يجعل من مشاعرنا
تتشتت تضيع حتى نحار في فهمها وأول صورة واجهتها حينها
وجهه المبتسم وهو يمسك علبة المشروب الغازي في يده وتخيلت
أنها لن تراه مجدداً ، هي لا تحمل مشاعر نحوه يمكنها أن تترجم
بها ما شعرت به حينها لكنها بالفعل تشعر بالفاجعة وبأنها كمن
يقف وحيداً في مكان مظلم موحش يشعر به يضيق بأنفاسه حد
الاختناق ، هي لم تعش مشاعر موت فرد من عائلتها سابقاً
لتقارن لكنها تشعر بما لم تعرفه يوماً .

واستطاعت نهاية الأمر فعلها وتحررت من قيود الصدمة وتجمد
ساقيها وتحركت نحو هاتفها وفتحته بأصابع مرتجفة زادتها
محاولتها التحرك بسرعة وكان رقمه أول ما فكرت في الاتصال به
وكان كالمتوقع مغلق فجربت خيارها الآخر ومن قد يفيدها بشيء
وهي عمته التي أجابت سريعاً وكأنها تمسك هاتفها في يدها !
وشعرت بقلبها يهوي للقاع ما أن سمعت صوت نشيجها الباكي
تكتم عبرتها وارتجفت يداها حتى لم تعد تقوى على إمساك هاتفها
وتحرر لسانها وقالت بكلمات مندفعة مفجوعة وعيناها تلمع
بدموع خفية


" عمتي لم أعلم بما حدث إلا الآن أخبريني ما هو وضعه
وحالته أرجوك "


تحررت حينها عبرات التي قالت بصوت باكي ونحيب موجع

" ليرحمنا الله برحمته يا جليلة "

اتسعت عيناها وهي تصرخ مفجوعة

" هل مات عمير عمتي ؟! "


شعرت وكأنه ثمة من سكب على رأسها دلو ماء بارد حين
وصلتها كلماتها السريعة

" لا يا ابنتي لكانوا أخبرونا "

تنفست بارتياح حينها ودمعة يتيمة تنزلق من رموشها لوجنتها
وهمست بكلمات مرتجفة

" هل تحدثتم مع أحدهم ؟ "

قالت تلك من فورها


" وردنا اتصال واحد من المستشفى وكان من أحد رجال الزعيم
مطر ولا أعلم من يكون قال فقط بأنه على قيد الحياة وأن الأطباء
في الداخل ولا يعلمون شيئاً عن حالته حتى الآن "


أغمضت عينيها بقوة هامسة

" يا رب لطف القضاء يا رب "

جعلت كلماتها تلك وضع محدثتها يزداد سوءاً وقالت ببكاء

" قلبي سيحترق عليه يا جليلة "

عادت الدموع للتكدس في عينيها وقالت بحزن

" طمأن الله قلوبنا عليه .. أخبريني إن علمتم أي أخبار عنه
أرجوك عمتي "

وأنهت الاتصال معها تمسح عيناها الدامعة ونظرت لقائد الواقف
مكانه منتبه لكل ما تقول وهمست تلتقط أنفاسها

" حمداً لله هو لازال على قيد الحياة "

ابتسمت شفتاه فجأة مناقضاً الموقف الذي هم فيه وقال

" كانت توقعاتي مختلفة لتلقيك للخبر "

لم يستغرب اتساع عينيها بذهول حينها ولا هجومها الغاصب
حين قالت

" لم تنعدم إنسانيتي بعد وهو زوجي في جمع الأحوال ولم أرى
منه أي تصرف سيء نحوي سابقاً "

شد شفتيه يخفي تلك الابتسامة بتصرف لا إرادي بسبب سلوكها
الغاضب والذي لم ينتهي عند ذلك وقد تابعت تشير بيدها بعيداً
نحو الأرض

" القط في الشارع إن رأيته ميت أو يتألم تشعر بالشفقة حياله
فكيف بإنسان لم يخطئ في حقك يوماً ؟ "

تحررت شفتاه حينها كما أنفاسه مع تبدل مزاجه للضيق وقال
بحدة يشير بيده للمكان ذاته في حركة مشابهة

" ألا يكفي هذا إذاً ليكون له تأثيراً على قرارك بالأمس وأنتِ
تغادرين منزله ؟ "


استكانت موجة غضبها فجأة وحدقت في عينيه بجمود لم يستطع
التكهن بتفسير ثابت حياله إن كان ما قال قد أعجزها عن التعليق
أم أنها ترفض من نفسها ذلك فتقدمت خطواته منها حتى أصبح
يقف أمامها مباشرة ونظر لعمق عينيها وقال بهدوء حذر

" كان يحادثني البارحة وقبل الحادث بثواني فقط "

تبدل ذاك الجمود في حدقتاها البنية المستديرة للاستغراب فتابع
من فوره

" كان يسأل لما تغلقين هاتفك "

هربت بعينيها منه حينها وأخفضت رأسها للأسفل وقد بدأت
بتمسيد جبينها بحركة بطيئة متوترة ظهرت في رجفة أصابعها فلم
يهتم سوى لمتابعة ما لديه وما هو هنا من أجله فقال بهدوء أشد

" حتى أنه طلب أن لا يتدخل أحد فيما بينكما حين سألته إن كنتما
تواجهان مشكلة ما ، وحين ذهبت لمنزلك استقبلني بترحاب
بالرغم من أنه لم يمضي الكثير على ما حدث "

رفعت رأسها بحركة سريعة حينها وظهر له احمرار جفنيها
الواسعان وإن لم يكن ثمة أي أثر للدموع في عينيها وكأنه
يحترق لحبسه إياها وفاجأته بأن قالت بانفعال واضح

" وماذا تتوقع يا قائد ؟ أن يخبركم بأن شقيقتك حامل من رجل
آخر ؟ مؤكد كان سيترك الأمر سراً أواجه وحدي مهمة البوح
لكم به "

حدق في عينيها بعدم تصديق وقال بضيق ما أن تجاوز كل ذلك

" ليس ثمة رجل يفعلها يا جليلة هم نادرون في وقتنا هذا ،
وعربي مسلم خصوصاً ! "


كان تعليقها الصمت التام تنظر لعينيه فقط فتابع وبكلمات جادة

" أنا محامي يا جليلة ومرت عليّا قضايا شرف لا عد ولا حصر
لها من التهم للتشهير للمتورطين في دماء النساء إن كان قريبها
أو زوجها ولم يكن ثمة متعقل يساعد المرأة في إخفاء جرمها
وهو ليس والدها أو شقيقها وما يمسه يمسها ! هذا الأمر لا
وجود له سوى في الروايات والتلفاز "


لم يكن ينتظر منها أي تعليق وتوقع أن تتصرف كما سابقاتها لكن
ما لم يتوقعه هو ما فعلته حينها وقد استدارت وأولته ظهرها
مكتفة ذراعيها لصدرها في صمت وكان يرى بوضوح اشتداد
أصابعها على قماش الفستان الذي يغطي ذراعيها وكأنها تفرغ
بهما ما تكبته تلك اللحظة وما ترفض قوله ، وهذا ما يرفضه هو
أيضاً ويفهم جيداً ما تفكر فيه فسحب نفساً عميقاً لصدره ونظره
تركز على شعرها الكثيف الناعم المجموع بمشبك كبير خلف
رأسها وقرر توضيح موقفه لذلك قال بكلمات جادة تؤكد صدق
كل ما يقول

" جليلة أنا لا أقول هذا لأني أقف ضد قرارك بل لازلت في صفك
أكثر من البارحة وما ستقررينه فقط سيحدث ، أنا أردت فقط
إخبارك بما حدث وما أخبرني به ليلة أمس ومتأكد إن لم يكن
تعرض لذاك الحادث لكان هنا اليوم "

وكان جوابها الصمت أيضاً لكن ما أراحه هو ارتخاء أصابعها
فرفع يديه لذراعيها وأمسكها منهما وأدارها ناحيته حتى تقابلت
عيناهما مجدداً وقال وكأنه يخاطبهما تحديداً أو يخاطب عقلها
من خلالهما

" أردت فقط أن أقول بأن زوجك بحاجة لك الآن يا جليلة أمام الله
وأمام إنسانيتك التي كنتِ تتحدثين عنها ، وأمام الناس أيضاً "


كان تعليقها الصمت بينما لم تبعد عيناها عن عينيه فتابع من
فوره مؤكداً

" وكما سبق وأخبرتك القرار بيدك فقط وأنا في صفك حتى آخر
نفس لي في هذه الحياة "


شعر بالارتخاء في جميع أوردته المتشنجة ما أن ظهر طيف
ابتسامة تداعب حزن شفتيها وعينيها الممتلئتين بالحزن وخيبة
الأمل وأراحه ذلك وإن لم تتحدث ولازالت تتجنب وبطريقة غير
مفهومة الحديث في الأمر بأكمله !! وقرر هو أيضاً التوقف عن
ذلك فما لديه قاله لها وعليه تركها تقرر بمفردها وأن يحترم
قرارها وكيفما كان كما وعدها وعليه التحدث في الأمر الآخر
الذي هو هنا من أجله أيضاً .


نظر لأصابعه وكأنه يهرب من عينيها وقال

" أنا ... "

وتاهت الكلمات منه متردداً لكنه رفع رأسه ونظر لعينيها وقال
هذه المرة

" أنا سأسافر لفترة و.. "


" تسافر !! "

قاطعته هامسة بعدم تصديق فخانته كلماته مجدداً أمام الصدمة
التي ملأت عينيها بل والدموع التي بدأت تلون زجاجها النقي
فقال سريعاً

" بل هذا ما سيعلم به الجميع عداك وحتى والدتي وسأختفي
لبعض الوقت "

تبدلت الصدمة في عينيها للحيرة وعدم الاستيعاب وكأنها تترجم
ما قال كلمة كلمة وقالت أخيراً وإن ببرود قاتل

" إن كنت رجل آخر لا أعرفه لقلت أنّ هذا بسبب صدمتك لفشل
قضية طلاقها وتحررها منه "

" جليلة !! "


صاح بتلك الكلمة بعينين متسعة من الصدمة والغضب ، نظرة
كانت كفيلة بقتلها فقالت سريعاً موضحة وإن بكلمات قوية

" قلت بأنني أعرفك لا تفعلها فما الذي حدث ؟ "

كانت نظراتها مليئة بالتساؤلات والتوجس وهو ما جعله يتنهد
بعمق وقال بجمود

" أنا محامي وكنت ناشطاً سياسياً لوقت طويل في السابق وعليّا
الابتعاد حفاظاً على حياتي وحياتكم من التهديدات لأن هذا ما
سيحدث حال رفضي "

اقترب حاجباها الرقيقان باستغراب وهمست

" تهديدات ماذا !! "

كانت ضربات قلبها تتعالى بجنون وكل ما أخبرها به عقلها حينها
بأنه مطر شاهين والقضية وراء ذلك لكنه خان جميع توقعاتها تلك
حين قال ببرود

" لو أنك فتحت هاتفك لعلمت عن الأخبار وما حدث يوم أمس "

نقلت نظرها بين هاتفها والتلفاز المعلق على الجدار باستغراب
وكأنها ستجد الجواب بذلك ! ونظرت لعينيه ما أن قال بنبرة
لم تفهمها

" لقد فتحت تلك المحاكمة جميع القضايا المغلقة من قضية الثأر
لسبب خروج مطر شاهين ورجاله من هنا وعودتهم المرتبطة
بموت الزعيم شراع رحمه الله "


حدقت فيه بذهول بل ببلاهة إن صح التعبير قبل أن تقول
بنفاذ صبر

" أنا لا أفهم شيئاً يا قائد فأخبرني وإن مختصراً أرجوك "

تنهد بقلة حيلة وبدأ يسرد عليها ما حدث مختصراً قدر المستطاع
بينما ملامحها المفجوعة وشفتاها المنفرجتان بعدم تصديق لما
تسمعه منه جعلاه يسترسل في الحديث حتى قال كل ما ضجت به
وسائل الإعلام لساعات ولازالت ، وما أن لاذ بالصمت وقال ما
لديه حتى أمسكت رأسها بيديها هامسة

" يا إلهي ، أي كارثة هذه التي حلت بك يا غسق ! "

حرك رأسه متنهداً بأسى وقال

" هي كوارث ليست غسق فقط من يتحمل تبعاتها ، بل وهي
السبب الوحيد فيها وهنا الكارثة الحقيقية بالنسبة لها "

اتسعت عيناها مصدومة وقالت

" لكنها لم تكن تعلم بأن كل هذا سيحدث ، لا تنظر للأمر من
جانب واحد يا قائد "

أشار لنفسه بيده قائلاً بجدية

" أنا لست منحازاً لكانت غسق أقرب لي منه لكنها كارثة هزت
الوطن بأكمله ، أنتِ لا تعلمين تبعاتها أنا أعلم جيداً ما سيحدث
مستقبلاً "

شعرت بارتجاف قوي في قلبها جعل أطرافها تتنمل وهمست
بخفوت تنظر لعينيه

" أنت تخيفني يا قائد "

أشاح بوجهه المتشنج جانباً وتمتم بجمود

" لنأمل فقط أن يكون لديه الحل كالعادة "

عقدت حاجبيها باستغراب وقالت

" من تقصد ؟ "

قال ولازال يتجنب النظر لها حدقتاه تتنقل في المكان بعشوائية

" مطر شاهين بالتأكيد فهو وحده بعد الله القادر على فعلها ... "

وتركز نظره على نقطة واحدة في الفراغ بشرود وتابع بذات
نبرته الجادة

" خاصة أنه حتى الآن لم يصدر أي أوامر قبض في حق
الحقوقيين الذين بدأت ترتفع أصواتهم في صنوان وحتى
الهازان مهاجمين إياه "

كانت ما تزال عيناها المفجوعتان ملتصقتان به بينما غطت
شفتيها بظهر أصابعها هامسة

" يا إلهي ... كل هذا يحدث الآن ! "

عاد ونظر لعينيها وحرك رأسه بالنفي وقال بملامح واجمة

" يمكننا القول بأنه لم يحدث شيء حتى الآن والقادم سيكون
أسوأ مع تعالي تلك الأبواق الناعقة وعدم إسكاتها "

نظرت لعينيه بتفكير عميق وكأنها تترجم ما قال وقالت بعد
صمت برهة

" واتخاذه أي إجراء حيالهم سيكون كارثة أخرى وسحبهم
للسجون سيجعل الصامت أيضاً يتحدث "


حرك رأسه في حيرة وقال

" لا أعلم كيف سيجد عقل ذاك الرجل مخرجاً من هذا الآن خاصة
بعد الحادث الذي تعرض له رئيس جهاز المخابرات فهذا سيحدث
خللاً كبيراً به وإن لوقت قصير سيستغله الكثيرين لزعزعة الأمن
أكثر وهذه الفجوة سيكون عليه إيجاد حل سريع لها أيضاً "


شعرت بانقباض قلبها يزداد وهربت بنظراتها للأسفل هامسة بأسى

" يا رب رحماك "


قال بهدوء وإن ظاهري

" فلنأمل خيراً فذاك الرجل لن يتخلى عمّا أفنى عمره من أجله
حتى وهو مطرود من البلاد فكيف بالآن ؟ "


نظرت لعينيه مجدداً وقالت

" لكن المهمة الآن أصعب "

حرك كتفيه قائلاً

" هذا ما نراه نحن "

تبدلت نظراتها للاستغراب تحاول فهم ما قال لكنه أنهى كل
ذلك قائلاً

" ألمهم الآن يا جليلة إن حدث وتأزمت أمور البلاد فعليكم البقاء
في العمران وعدم مغادرتها "

تعالت ضربات قلبها حتى كان تأثيرها واضحاً على أنفاسها وهي
تسمع العبارة التي ظنت بأنهم نسوها من أعوام طويلة ولم يعيدها
سوى موت شراع صنوان وكانت ثمة معجزة إلهية أنهت كل ذلك
بظهور مطر شاهين مجدداً ، وها هي تعود في وجوده أيضاً فآخر
ما تخشاه وتتهرب من التفكير فيه هو عودة البلاد لما كانت عليه
في الماضي لذلك قالت تحاول نفي كل مخاوفه وما قال

" بلادنا تختلف عن السابق ولن يحدث أي سوء إن شاء الله "

أومأ بالإيجاب في حركة جعلتها تشعر بالراحة لكنه قال أيضاً
وبكلمات جادة تؤكد اقتناعه بما يقول

" إن لم تحدث انشقاقات في رجال الجيش خلال هذه الفترة
سيكون بخير لكن إن جرهم المتمردون لهذا ستكون مشكلة
حقيقية "


عادت مخاوفها لسالف عهدها وفقدت ارتياحه اللحظي ذاك مما
جعلها تقول بأسى

" أنت رجل قانون وحقوقي كما تقول ألا يفترض أن تكون
نظرتك أقل سوداوية لتمد الغير بها ؟ "

حرك رأسه بالنفي بقوة وقال بحزم

" أنا رجل واقعي ، هكذا يكون رجل القانون الشريف واقعي ولا
يوهم أحداً بما لا وجود له "

ملأ الألم عينيها بشكل واضح ولأنه يعرف مدى تأثرها بقضايا
الغير فكيف بوطن بأكمله قرر إنهاء الحديث في الأمر وأمسك
ذراعيها وقال ينظر لعينيها

" جليلة افعلي فقط ما قلت وسأتصل بك برقم آخر هو لي أيضاً
لكن لا يعرفه إلا القليلون فإن حدثت أي مشكلة مع وثاب أو حتى
والدك أخبريني فقط وسأخرجك من هنا اتفقنا ؟ "

تنقلت نظراتها بين عينيه بتفكير وقالت

" كلامك هذا يدل بأنه ثمة تهديدات موجهة لك وليست
تكهنات فقط ؟! "

أبعد يديه كما نظره عنها وكأنه يهرب من الحقيقة التي اكتشفتها
وأصابت فيها لكنه لم يحاول الهرب من الاعتراف بها فقال وقد
عاد بنظره لعينيها

" الأمر لم يصل للتهديدات بعد ولازالت محاولات لجمع أكبر قدر
ممكن في صفهم ممن يعلمون بأن أصواتهم الإعلامية تخدمهم "


لم تفته نظرة التفكير التي ارتسمت سريعاً في عينيها وكأنها
خمنت أمر ما ، وما توقعه كان حقيقي فقد همست تنظر لعينيه
بتساؤل عميق وكأنها تملك الجواب عنه

" من تقصد ؟ "


كان يعلم بأن ذكائها لن يفوته هذا لذلك أومأ برأسه مؤكداً ظنونها
تلك قائلاً

" نعم جبران "

وضعت يديها على صدرها في شهقة صامتة وهمست مفجوعة

" يا إلهي "

عاد لإبعاد نظراته عنها وزم شفتيه بقوة يكتم غيضه وهو يتذكر
الاتصال الذي وصله فجراً من رقم مجهول واكتشف بأنه هو ما
أن أجاب ، حاول أن يطرد ذاك الشعور بأن تنهد بعمق لكنه لم
يختفي في صوته حين قال بصوت أجوف بينما لازال نظره شارداً
في الفراغ

" بدأ الأمر به ولن ينتهي بالتأكيد فكلامه كان يحمل تهديداً
واضحاً من قبل أن يعلم عن رأيي وتوجهي السياسي "


حركت رأسها بضياع تنظر لعينيه التي يسدل جفناها عليهما
وملامحه كانت متجهمة بوضوح ممّا زاد وضعها سوءاً لكنها
قالت وإن بتشتت وكلمات حزينة

" لكن ... لكنَّ صمتك لن يخدم قضية الوطن أيضاً يا قائد فلما لا
تقف في صف من تراه على صواب ؟ "

نظر لعينيها مجدداً والتجهم في ملامحه قد تبدل للجدية فجأة وقال
عاقداً حاجبيه بقوة

" لن يجدي هذا في شيء يا جليلة أنا لست رجل جيش ولا
مخابرات ، الحقوقيون لا يُخمدون الحروب بل يشعلونها ، هذا ما
تنجح فيه أبواقهم لذلك إن لم يكن غرضكَ تأجيج الوضع عليك
أن تصمت فقط "

لون الحزن عينيها تشعر بقلبها يتألم لِما آل وسيؤول إليه وطنها
الحبيب بسبب الحمقى أتباع كل ناعق وإن كانت عاجزة عن فعل
غير ذلك ولو كان بيدها شيء تفعله لما تأخرت ثانية عن تقديمه ،
ويبدو ذاك ما يعلمه الواقف أمامها جيداً وترجمه في كلمات جادة
وقد قال

" وهذا ما عليكم فعله أيضاً يا جليبة فلا تنسي بأنك زوجة رئيس
جهاز المخابرات وأنك من صنوان "

ابتلعت مرارتها مع ريقها الجاف ممّا جعل صوتها يخرج مبحوحاً
حين قالت تنظر لعينيه بحزن

" العمران كانت دائماً خارج نطاق الصراعات السياسية كما أني
لم أكن أخطط أبداً لمغادرة المنزل "

أومأ برأسه مباشرة قائلاً

" هذا أفضل ولهذا طلبت أن لا تغادروها "

شردت عيناها بعيداً عنه بحزن وضمت يديها أمام شفتها هامسة
بأسى حزين

" أعانك الله على ما تشعرين به الآن يا غسق "

أبعد نظره عنها يقبض يداه بقوة بجانب جسده وقال

" وهذ ما جعلني أعض أصابعي ندماً لموافقتي ذاك الأمر لكن
الأوان قد فات على الندم أيضاً "


نظرت له وقالت بكلمات قوية واثقة من اقتناعها بها

" لما تقول هذا يا قائد فأنت كنت تريد مساعدتها كرجل قانون فقط
ولا تعلم عن تبعات الأمر وما سيحدث لكنت رفضت بالتأكيد "


تنهد بعمق وأدار ظهره لها وقال متجهاً نحو الباب الذي دخل منه

" علينا بالدعاء فقط فهو ما تبقى لدينا الآن "


وغادر مغلقاً الباب خلفه ونظراتها الحزينة الدامعة تتبعه بينما
كانت تتحرك شفتاها بتمتمات هامسة لا يُفهم منها سوى كلمة يا
رب ودعواتها الحزينة الراجية بدأت تشمله أيضاً فأعظم كابوس
يواجهم منذ توحد تراب هذا الوطن هو عودته لما كان عليه فأي
مصاب غيره يمكن تجاوزه إلا المصاب فيه يدمر معه كل شيء
ولن يرحم قائد نفسه حينها من لومها لأنها تعرفه جيداً كما
غسق أيضاً .


نظرت نحو هاتفها فجأة وأخذتها خطواتها نحوه ودون شعور
منها لعلها تجد عند عمته أي أخبار جديدة فلا سبيل لها غيرها
لتعلم .

*
*
*
كانت خطواتهم المتنقلة في المكان بعشوائية وحدها ما يُسمع في
الممر البارد الشبه خالي لطوله وأتساعه وقلة عددهم فيه وكأنه
الجمر تحت أقدامهم لا أحد منهم قادر على الوقوف في مكانه ولا
التحدث مع الآخر سوى من المكالمات المتفرقة التي يجريها
أحدهم بين الحين والآخر يحاولون تنظيم مهامهم مع واجبهم نحو
رفيق دربهم الصعب الطويل الذي خاضوه معاً ولأعوام طويلة ،
وكلما غادر أحدهم كان ثمة آخر أصبح هنا في مكانه بسبب مضي
الساعات دون أي جديد يذكر .

توقفت حركتهم العشوائية فجأة ما أن ظهر بِشر من أول الممر
وحدقوا جميعهم به وقد وقفوا في أماكن متفرقة لكن وجهته كانت
نحو قاسم تحديداً وظن الجميع بأنه بسبب كونه أقربهم له حينها
لكنه كان يقصده أساساً وقد وقف أمامه وقال بعد أن نقل نظره
بسرعة خاطفة بينهم

" هل قال أحد الأطباء شيئاً ؟ "

تمتم قاسم بهمس كئيب

" لا شيء "

غضن جبينه باستغراب وقال

" كل هذا الوقت !! "

حرك قاسم رأسه متنهداً بعجز وقال

" لا أعلم ، لم يصرح الأطباء بأي شيء حتى الآن بالرغم من
مرور كل هذا الوقت ! "

وتابع من فوره ينظر لعينيه بتساؤل

" أين غادر خالي صقر ؟ "

حرك كتفيه بمعنى لا أعلم بينما قال بشيء من البرود

" ذهب برفقة الزعيم مطر ولا أكذب إن قلت لك لا أعلم
وجهتهما "


تنهد بضيق مبعداً نظره عنه ومتمتماً

" مطر لا يتخلى عن عاداته أبداً "

ارتسمت ابتسامه جانبية على طرف شفتي بِشر وهو يومئ
برأسه وقال

" ثمة شيء يخصك أنا هنا من أجله "

نظر له مستغرباً وقال بتوجس

" شيء ماذا !! "

كان يظن بل ويخشى بأنه ثمة شيء سيء حدث فيما يخص قضية
الثأر وتلك العائلة وهو ما جعل مطر وعمه صقر يختفيان هكذا
فجأة لكن المخبأ له كان مختلفاً تماماً وأسقطه عليه كالصاعقة
حين قال وبكل بساطة

" ورقة وصلت من القصر الرئاسي مختومة للوزارة تخصك "

ولم يترك له مجالاً ولا لتقبّل ذلك أو التفكير فيه وهو يلقي عليه
بالأخرى والأشد قائلاً

" لقد تم تكليفك برئاسة جهاز المخابرات "

" ماذااا !! "

صرخ بها في وجهه مما جعل الواقفين هناك ينظرون بانتباه
نحوهما ، ولأنه يتفهم صدمته بالأمر ولا يستغرب رد فعله ذاك
فرد كفيه وقال

" القرار رئاسي أي لا نقاش فيه "

لكن أسلوبه ذاك لم ينجح في إقناعه بالأمر وقد قال بضيق ويده
تشير خلفه حيث الباب الكبير المزدوج والمغلق منذ وقت

" كيف يفعل مطر أمر كهذا ونحن لم نعرف وضع عمير بعد ؟! "

قال بِشر من فوره وبكلمات قوية حازمة وصلت لجميع الواقفين
هناك وليس له وحده

" هذا أمر لا يحتمل العواطف يا قاسم فمهما كان يعني له ولكم
ولنا جميعاً فمصلحة الوطن هي الأهم الآن وعمير يفهم ذلك جيداً
ويوافقه بالتأكيد ، أنتم لم تفنوا أعماركم هناك تحاربون من أجله
لتستسلموا الآن ولأي سببٍ كان "

جعلت كلماته تلك الوجوم في وجوههم يزداد شدة من قسوة واقع
ما يمرون به ، بينما تخطى قاسم كل ذلك لأن ما يهتم له حينها
أمر مختلف وقال بانفعال محتج

" الأمر ليس هنا فقط بل في أن مطر لم يسلم مركزاً سيادياً لفرد
من عائلته سابقاً فلما يفعلها الآن وثمة خيارات غيري كثيرة
أمامه !! "


قال بِشر من فوره وبجدية تامة

" نحن رجاله لا نناقش ولا نتساءل يا قاسم ننفذ فقط ومؤكد
سنوات غربتك معه هناك علمتك هذا "

رمى يده جانباً قائلاً بضيق

" سيتهمه الجهلة الآن حتى بتدبير حادث عمير لطمس بعض
الحقائق وإعطاء المنصب لقريبه "

جعلت كلماته تلك الموجودين خلفه يتبادلون نظرة صامتة بينما
عقد بِشر حاجبيه بقوة وقال بضيق

" مطر لم يهتم يوماً بما يقوله لا المجانين ولا العُقال هو يؤمن
بالأفعال فقط "


أنهى كلماته تلك ينظر لعينيه بقوة تشبه كلماته تلك فقال قاسم
ممسكاً برأسه

" يا إلهي رأسي سينفجر دون الحاجة لتلك المهمة الصعبة وفي
هذا الوقت تحديداً "

لامست يد تميم كتفه مما جعله يدير رأسه نحوه وتدخل
قائلاً بجدية

" هو يعتمد عليك بالتأكيد وجميعنا نثق في قراراته ، عمير كان
الاختيار الصائب له سابقاً ولن ننسى بالتأكيد ما فعله لكشف
مخططات الإرهابيين على حدودنا الغربية وها قد حان دورك الآن
فأثبت له وللجميع بأنه أحسن الاختيار بالفعل كسابقتها "


أبعد نظره عنه وحرك رأسه هامساً من بين شفتيه بحنق

" تباً لقراراتك الهوجاء يا مطر "


أمسكت يد بِشر بكتفه هذه المرة وقال مبتسماً بسبب كلماته تلك

" هيّا قم بمهامك المناطة إليك لا وقت أمامك "

تحرك من مكانه حينها مبتعداً في الممر الطويل وأخرج هاتفه من
جيب سترته بينما علا صوته الجهوري بسبب تحدثه في هاتفه

" أريد رؤية رؤساء أقسام المخابرات في المدن كافة ، خلال
ساعتين فقط يكون الجميع هنا في حوران "

كانت نظرات الجميع هناك تراقبه بينما استدار عند نهاية الممر
قائلاً بأمر صارم

" هي ساعتان فقط الاجتماع طارئ وسيتم توقيف كل
من يتخلف "

ابتسم بِشر بفخر حينها تودعه عيناه هامساً

" الوطن يعتد عليكم الآن آل الشاهين "

وسرق نظر الجميع الباب المنتظر فتحه الذي فُتح فجأة فتوجهوا
جميعهم ناحية الطبيبان اللذان خرجا منه وقد قال أحدهما من قبل
أن يفكر أيّا منهم في السؤال المتوقع

" وضعه استقر أخيراً "

كانت تنهيدة ارتياح مشتركة صدرت عنهم وتداخلت همسات
الحمد الرجولية بينما قال الطبيب الآخر ينقل نظره بينهم

" ثمة كسور وإصابات شديدة ، الفحوصات جميعها تقريباً جيدة
لكنه لم يستعد وعيه بعد "

تبادلوا نظرة صامتة حينها وقال تميم ما أن عاد ونظر له

" وما درجة خطورة وضعه ؟ "

قال موضحاً

" الحادث كان قوياً لكن لحسن الحظ كان الاصطدام ناحية الجانب
الآخر من السيارة ، علينا الانتظار ليس أقل من أربع وعشرون
ساعة لنتأكد بأنه لا نزيف داخلي كما سنجري كشوفات متواصلة
للدماغ حتى يفتح عينيه "

قال تميم مجدداً

" هل سيغادر غرفة العناية ؟ "

نظر له الطبيب الآخر وقال

" ليس في الوقت الحالي يجب أن يكون تحت المراقبة كما
الزيارات ممنوعة عنه "

قال آخر كلماته يغلق أي باب للتفكير في طلب رؤيته وتابع
من فوره

" سنقوم بكل ما يمكننا فعله والأهم الآن أن لا يدخل في غيبوبة "

وتحركا بعدها قائلان معاً

" حمداً لله على سلامته "

وغادرا الممر وممرضتان في إثرهما بينما علقت نظرات من
تركوهم خلفهم في الباب المغلق بمشاعر مختلفة بين متأمل
وشبه فاقد للأمل حتى قال بِشر ينقل نظره بينهم

" عليكم المغادرة جميعاً الآن فثمة أمور تنتظركم بعد أن
اطمأنننا عليه "

قال حيدر بأسى يشير بيده حيث اختفى الأطباء قبل قليل

" وهل تُعد حديثه هذا مطمئناً ؟ "

قال من فوره وبجدية

" وإن يكن فلا شيء نفعله هنا خلال اليومين القادمين سوى
الجلوس والانتظار وثمة ما هو أهم يحتاجنا ، والأمور جيدة
بالتأكيد بما أنه لازال على قيد الحياة "

وتابع مباشرة وقد عاد ينقل نظره بينهم

" سأتكفل أنا بكل شيء وسيكون القسم بأكمله مراقباً لضمان
سلامته "


قال تميم يومئ برأسه

" هيّا يا رجال فمهمتنا لن تكون سهلة أبداً ، إن أُفلتنا زمام
الأمور من بين يدينا الآن فلا شيء سيعيدها كما كانت "


قال ضرغام في حيرة فارداً ذراعيه

" لكننا لم نتلقى أي أوامر من مطر حتى الآن ! أين هو ؟ "


وقال آخر كلماته موجهاً سؤاله ذاك لبِشر الذي قال ولم تخفى
عنهم الحيرة في ملامحه

" غادر القصر الرئاسي قبل لحظات برفقة عمه ولم يصدر سوى
قرار واحد هو تعيين قاسم بدلاً عن عمير "

تبادلوا نظرات مستغربة فيما بينهم وقال بِشر مجدداً

" لن نقف نتفرج علينا أن نتحرك الآن "

قال تميم

" من دون أوامر ؟ "

نظر له وقال بضيق

" تخيل بأنه ميت الآن ماذا كنا سنفعل ؟ نقف ننتظر أوامره ؟ "


حرك رأسه بعجز وقال بحنق

" مهما قضينا من أعوام معه نحن رجاله المقربين لازلنا نعجز
عن فهمه "

قال بِشر مستغرباً

" تقصد بأنه يتعمد الصمت !! "

حرك كتفيه وقال بقلة حيلة

" سنفترض هذا ونتحرك بموجبه "


وتابع من فوره ينقل نظره بينهم

" وسنكون على اتصال دائم ببعضنا اتفقنا ؟ علينا إنقاذ الوضع
بكل ما نستطيع قبل أن يتحول لكارثة "


قال بِشر بجدية

" ولا نريد قرارات فردية أيضاً "

قال وهو يشير برأسه نحو بداية الممر

" بالتأكيد ... هيّا "

وسلكت خطواتهم الواسعة وأجسادهم الرجولية الفخمة الممر
وكأنها لرجل واحد كقلوبهم وكأنها طُبعت كقلب رجل واحد لا
أقوى من حركاتهم سوى الصوت العميق القوي المتزن لتميم
الذي رافقهم قائلاً

" جهاز الداخلية هو الأهم الآن علينا حفظ الأمن وتحييد الجيش
ذات الوقت حتى نحدد الخطوة القادمة "



*
*
*


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 08-05-24, 09:19 PM   المشاركة رقم: 1759
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

فتحت الباب دون أن تطرقه ودخلت مندفعة فنظرت لها يمامة التي
أصبحت ترتدي بيجامة زهرية جميلة من القطن الناعم يتوسط
قميصها تطريز جميل لدب صغير مبتسم بني اللون ، وبالرغم من
إغلاق بثينة لباب الغرفة رفعت لحاف السرير واندست تحته
فنظرت لها مستغربة وقالت

" ستنامين الآن !! "

تمتمت ببرود وهي توصل اللحاف لذقنها

" أجل أشعر بالنعاس "

اقتربت منها حتى وقفت فوق وجهها تنظر لعينيها وأمسكت
خصرها بيديها وقالت

" لكنه وقت الغداء وأمي ستغضب إن نمت دون تناوله "

رفعت اللحاف فوق رأسها قائلة

" لا أشعر بالجوع أريد أن أنام "

لكن الواقفة فوقها كان لها رأي آخر وقالت مبتسمة

" أرأيت زوجة غيهم ؟ إنها جميلة أليس كذلك ؟ "

ورفعت نظرها بحالمية وقالت تحضن يديها

" أريد أن أكون مثلها حين أكبر جميلة وناعمة ورقيقة "


جلست حينها يمامة مبعدة اللحاف عنها ونظرت لها وقالت

" لما هي ليست في مثل عمرنا ؟ "

ضحكت بثينة كثيراً حتى تبدل الحزن في العينين الرمادية للحنق
وقالت من بين ضحكاتها

" ولما يتزوج طفلة في عمرنا يا بلهاء ؟ "

نظرت لها بصمت لبرهة وقبل أن تقول بعبوس

" ألستُ أنا زوجة أبان ؟ لما لست مثلها !! "

أشارت لها بثينة بيدها وقالت ضاحكة

" لأنك طفلة "

قالت بضيق

" لما أنا زوجته إذاً ؟ "

لوحت بثينة بيدها قائلة بلا اهتمام

" لا أعلم ، والدتي قالت تزوجها ... "

وتابعت تشير لها بيده

" يعني أنتِ وهو فعل "

ملأت الدموع كما الحيرة عيناها الواسعة واندست تحت لحافها
مجدداً قائلة ببحة

" غادري هيّا معدتي تؤلمني وأريد أن أنام "

حدقت فيها بثينة بضيق لوقت قبل أن تغادر ناحية الباب متمتمه

" غريبة أطوار !! "


وغادرت الغرفة مغلقة الباب خلفها بينما ابتسمت للتي ظهرت من
بداية الممر وكانت كنانة فتوجهت نحوها وقالت كنانة مبتسمة

" والدتك غادرت وبقينا ثلاثتنا فقط "

وقفت بثينة أمامها وقالت بحماس باسم ترفع قبضتها

" سيكون الأسبوع الأجمل على الإطلاق "

ضحكت كنانة وقالت

" لماذا ؟! "

تجعدت ملامحها فجأة وقالت

" لأن والدتي تخنقنا وكل شيء ممنوع عنّا حتى التلفاز قنوات
أطفال مملة فقط والإنترنت ممنوع "

ضحكت كنانة مجدداً وقالت

" إذاً لن يتغير شيء في غيابها"

اتسعت عينا بثينة صارخة

" لما !! "

قالت كنانة بعد ضحكة صغيرة

" لأنها تريد هذا ومؤكد ثمة سن ستترك فيه الحرية لك لفعل
ما تشائين "

رفعت حينها يديها تنظر للسقف وقالت متحسرة

" متى يا رب "

ضحكت كنانة رغماً عنها وقالت بتردد لم تفهمه
" وأين هي يمامة ؟ "

نظرت لها ورمت يدها بلا اهتمام خلف كتفها حيث تركت باب
غرفتها وقالت ببرود

" قالت بأنها نعسة وتريد أن تنام "

حدقت فيها باستغراب وقالت

" هل تتناولون وجبة الغداء في المدرسة ؟ "

ضحكت كثيراً وقالت

"إنها مدرسة حكومية وليست خاصة ووالدتي تمنع عني النقود"

قالت آخر كلماتها بتعاسة لكن كنانة كانت لم تغادر استغرابها
بالمسألة السابقة وقالت

" ولما لا تدرسون في مدرسة خاصة !! "

حركت الواقفة أمامها كتفيها وقالت

" جميعنا لم ندرس فيها لأن والدتي ترى بأن الاختلاط بعامة
الناس أفضل "

ابتسمت وقالت

" تفكيرها غريب لكنه صائب "

ضحكت بثينة وقالت

" لم تري شيئاً هنا بعد "

خرجت منها ضحكة صغيرة وعادت للتردد مجدداً ما أن قالت

" ولما انتقلت يمامة للعيش معكم هنا ووالدتك قالت بأنه ثمة
أخ لها ؟ "


أمسكت بثينة بيدها وقالت تعود بها من حيث جاءت

" تعالي أخبرك بكل ما حدث ونحن ننتظر طعام الغذاء "

وتابعت ضاحكة وهما تنزلان السلالم

" لابد وأننا سنتناوله مقربة العصر فلا وجود لجوزاء شاهين
اليوم على رأسهن "

ضحكت كنانة وقالت تنظر لها وقد أصبحتا عند نهاية السلالم

" وممنوع عنكما تناول الطعام في المطبخ أيضاً ؟ "

قالت ضاحكة

" لا ليس لهذا الحد ، فقط وسائل الترفيه الألكترونية ممنوعة "


وتبدلت ملامحها للتعاسة فجأة وهي تعد بأصابعها

" والخروج دائماً والنقود والتنزه وزيارة الصديقات .. "

" سنخرج للسوق معاً اليوم ؟ "

توقفت كلماتها بسبب عبارة كنانة تلك كما توقفت خطواتها فجأة
حيث كانتا مقربة باب المطبخ حينها ونظرت لها وقالت مبتسمة
بدهشة

" حقاً ؟! ومن دون والدتي ؟ "

ضحكت كنانة وقالت

" نعم "

تغير مزاجها للبرود المصطنع فجأة وقالت

" حسناً لا بأس أنا لا أهتم "


ضحكت كنانة كثيراً وقالت

" لم تطلب والدتك أن أذهب بمفردي اطمئني "

قفزت بمرح على ضحكات كنانة وصاحت بسعادة

" كنت أعلم بأن هذا الأسبوع سيكون الأجمل في حياتي "


*
*
*

قالت ببحة بكاء تنهي الاتصال معها والحزن يملأ ملامحها الباكية

" بالتأكيد سأخبرك بكل جديد أعلمه عنه يا جليلة ، ليرحم الله
قلوبنا يا بنيتي "

وأعادت هاتفها لحجرها تمسح بيدها الأخرى الدموع من عينيها
وهي التي لم تعرفها لأعوام طويلة ، وبالرغم من الكوارث التي
مرت بها فقد كانت قوية في مواجهتها لكنّها اليوم ومنذ علمت بما
حدث معه إنهار كل ذاك الصمود ولم تجف الدموع من عينيها أبداً
وهي تتخيل فقط أن لا تراه مجدداً ، لا تسمع صوته ولا ضحكته
ولا حنانه عليها وكأنها والدته التي أنجبته .

مسحت الدموع التي تسربت من عينيها مجدداً مستغفره الله
بهمس كئيب بينما تحرك لسان الجالسة بقربها والتي لم يعد
يمكنها كتمان البركان المشتعل داخلها أكثر من ذلك وقالت بضيق

" ألم تخبريها قبل قليل بما تعلمينه ؟ لماذا تعيد الاتصال بك ! "


نظرت لها حينها وبحاجبين معقودين بحنق وقالت

" تطمئن على زوجها هل ارتكبت جريمة ما ؟! "

لم تزد كلماتها تلك الجالسة قربها سوى اشتعالاً وقالت بضيق

" لسنا قسم الاستعلامات لتسألنا كل حين "

وتابعت من فورها متجاهلة اتساع عينا والدتها وكأنها وجدت
أخيراً من تنفس فيه نيران ما تشعر به بسبب ما حدث له

" ثم ومنذ دخلت هذه المرأة حياتنا والكوارث لا تتوقف "

ازداد اتساع عينا والدتها وكانت ستتحدث فسبقتها قائلة بغضب
تنفض يدها وكأنها وحدها في المكان

" ألم تذهب مع شقيقها بلا رجعة ؟ لما تتصل وما يعنيها
في الأمر "


وكانت بالفعل فقدت زمام لسانها كما عقلها من هول الفاجعة
عليها وهو ما استفاقت له فجأة ! لكن الأوان كان قد فات على
تدارك الأمر خاصة مع ملامح الصدمة في وجه والدتها بسبب ما
سمعته ، وزاده تأكيداً ما أن قالت بعدم استيعاب

" ومن أخبرك بأنها ذاهبة بلا رجعة ! "

لم تستطع تدارك توترها إلا بصعوبة وهو ما جعل كلماتها تخرج
بانفعال واضح ما أن قالت

" الأمر واضح فما الذي يخرجها مع شقيقها إذاً وزو .. "

ولم يستطع لسانها نطق تلك الكلمة ونسبه لها لذلك استبدلتها
ودون شعور وسريعاً

" وعمير موجود "

لكنّ كلماتها تلك وخاصة مع تهربها من النظر لها لم تقنع التي
قالت بنبرة استجواب واضحة

" هي أمامك كانت متعبة وشقيقها ذاهب للعمران فلما يتعب
عمير نفسه بإيصالها وهو منشغل طوال اليوم ؟ "

حاولت التهرب مجدداً وهي تنظر لعينيها هذه المرة كي لا تشك
بها أكثر بسبب غبائها بينما قالت برفض حانق

" أمي ما الذي تلمحين له ؟ فلست أفهم معنى كل هذا ! "

أتاها جوابها سريعاً وبنظرة أكثر قوة بل وأكثر ريبة وشك

" قلبي ليس مطمئن يا بثينة ! ويا ويل قلبي من أفعالك "

شعرت بضربات قلبها تتعالى وبأنها قدماها تغوصان في المأزق
بشكل فعلي وبسبب غبائها لذلك ما كان أمامها من حل سوى
التهرب وادعاء عدم الفهم مجدداً وهاجمتها قائلة باستنكار

" ما الذي تقصدينه أمي ! "


لكن وكما يبدو أن كل ذلك لم يجدي مع التي هاجمتها بالمثل بل
وبتهديد واضح

" أقصد ما تفهمينه جيداً في حال كنتِ تعلمين سبب ما حدث
في الأعلى "

كان ذاك ما جعل قلبها يتوقف تماماً حتى كانت تحاول وبجهد
إخفاء ارتجاف يديها وشكوك والدتها باتت تحاصرها أكثر لذلك
ادعت الصدمة وعدم التصديق تنقذ نفسها بهذا وصاحت مدافعة
عن نفسها

" وما يدريني أمي ولست أعلم ما حدث وما تتحدثين عنه وأنا
كنت هنا في الأسفل حين غادرت "

أنهت كلماتها تلك تحاول تنظيم أنفاسها وأن لا تهرب من نظرات
والدتها المشككة ، والتي كان يصعب عليها التفكير بغير ذلك فهي
تعلم جيداً الكره الذي تكنّه ابنتها ناحية تلك المرأة كما أنّ تلك
الطبيبة من طرفها ! كان قلبها يحاول تكذيب ذلك لكنّ عقلها
يرفض غير التفكير بذاك المنطق وهو ما جعلها ترمقها بطرف
عينيها الباكية قائلة بتوعد واضح

" لن ينجيك سوى الله ممّا سيحل بك إن كنتِ من فعلها "

هبت واقفة حينها ولأنه لا شيء سواه تملكه هاجمتها مجدداً قائلة

" لا أفهم لما محبتك تشمل الجميع وحتى الغرباء عنك عداي
أنا ابنتك ! "

وهو ما جعلها تبعد نظراتها عنها أخيراً بينما قالت ببرود

" الله من يعلم ما في القلوب وليس البشر "

وجدت فرصتها حينها لتهرب من محاصرتها لها بينما قالت بضيق
مغادرة من هناك

" أتمنى ذلك "


وراقبتها عينا من تركتها خلفها وهي تتجه نحو ممر غرفهم بينما
تمتمت شفتاها متنهدة

" وأنا أتمنى هذا وأن لا تحني رأسي أمام ابن شقيقي بسبب
أفعالك يا بثينة "

ووقفت بعدها مستغفره الله وتوجهت لذات المكان لتصلي ركعتان
وتتضرع لله بالدعاء لينجيه الله وتراه أمام عينيها مجدداً بكامل
عافيته .

*
*
*

حرك إصبعه على شاشة الجهاز اللوحي في يده بحركة سرعة
نحو الأعلى فلا شيء جديد ومنذ أكثر من ساعة الأخبار ذاتها
تتكرر وهذا يكذب وهذا يفضح كذبة الآخر وحرب إعلامية
ممنهجة فقط حتى الآن ومحاولات لتشويه صورة مطر شاهين
ورجاله وجمع أكبر عدد من مناهضيه ، حتى أنهم أخرجوا قضايا
قديمة عمرها أكبر من عمره والكذب فيها أكثر من الحقيقة .

فتح الإشعار الجديد وظهر له تجمع الشبان في أحد الشوارع وقال
وهو يعيد الشاشة نحو الأسفل بسبابته

" تظاهرات يرفعون فيها صور والدك خرجت الآن في الحميراء "

وتابع من فوره وابتسامة ساخرة تزين شفتيه

" الهازان لا تفهم ريح مركبهم أين تسير ! "

نظر ناحيتها حين لم يصدر عنها أي تعليق وكانت على وضعها
السابق تقف عند النافذة الطويلة المفتوحة تتكئ بطرف جبينها
عليها مكتفة ذراعيها لصدرها ويتلاعب الهواء الخفيف بخصلات
من غرتها الناعمة تنظر للخارج بشرود حزين وكأنها تحمل
هموم البلاد بأكمله على كتفها وفي قلبها .

تنهد بعجز يحرك رأسه وعاد لمتابعة الأخبار شبه مستلقي على
سريرها يدير ساعده خلف رأسه يتكئ به على ظهر السرير بينما
ينصب ساق فوق الأخرى فيبدو أنه لا شيء غيره يمكنه فعله
وتمضية الوقت به أو بالأحرى الهرب من قسوة التفكير في واقع لواقع أقسى منه .

ارتفع حاجباه ما أن ظهر الخبر الجديد أمامه وكان أول تصريح
وزاري لليوم بعد الصمت الطويل الغريب ! وتغضن جبينه
باستغراب ما أن فتحه وظهرت له صورة قاسم مجاورة لأخرى
لعمير وانتقلت حدقتاه سريعاً للأحرف فوقها وقد تحركت معها
شفتاه بخفوت وهو يقرأها

" قرار رئاسي يصدر بتعيين قاسم صياد الحالك ابن شقيقة
شاهين الحالك بديلاً عن رئيس جهاز المخابرات عمير محمد
عُرابي "


قفز جالساً في مكانه وعيناه تعيد قراءة الكلمات مجدداً ونظر
ناحية تيما وابتسم بمكر متراجعاً عن قرار إخبارها بالأمر وقرر
مشاكستها لعله يخرجها ممّا هي فيه لأنه الأسلوب الذي لا يتقن
سواه للأسف ، أدار الجهاز اللوحي بين يديه وقال والابتسامة
الماكرة لم تفارق شفتيه

" يبدو لي أن إحداهن منزعجة لأن أحدهم لم يهتم ولا بمهاتفتها
اليوم والسؤال عنها "

نظرت نحوه حينها بطرف عينيها وارتسم البرود على ملامحها
دون أن تتحرك الشفاه الزهرية الجميلة المطبقة وهو ما جعل
استمتاعه بالأمر يزداد ونظر للجهاز في يده وقال بسخرية ينقله
من يد للأخرى مع كل كلمة

" لا زيارة .. لا اتصال .. ولا حتى رسالة "

ورفع نظره لها بعدها يرسم ابتسامة متسعة على شفتيه يعلم
كلاهما معناها وبدأت نتائج ما فعل تظهر على شفتاها التي بدأت
تشتد في خط رفيع والعينان التي سيطر عليها الاستياء ورغم ذلك
خرجت كلماتها باردة كالجليد حين قالت وقد عادت بنظرها
للخارج

" أعلم جيداً ما يشغله الآن ولن أفكر بحمق مثلك "

كان الاستياء من نصيبه هو حينها وكشر عن أسنانه في حركة
طفولية وإن كانت لا تراه وقال

" أقسمي هيّا بأن الأمر لا يشعرك بالسوء ؟ "

نظرت له بحركة سريعة مبعدة جبينها عن طرف النافذة
وقالت بضيق

" لا .. وقاسم لديه أولويات تناسب مهامه هنا ، المراهقان اثنان في القصة وليس ثلاثة "

اتسعت عيناه بذهول بسبب آخر كلمات قالتها ويفهم جيداً مقصدها
منها ، قال سريعاً وبضيق مماثل

" مراهقان !! تحدثي عن نفسك فقط أنا لا أفكر كمراهقين مثلك "

وتابع بتملق ساخر

" ثم من الجيد أنك مقتنعة تماماً بأنك تتصرفين كمراهقة !"

تبدل مزاجها للبرود فجأة وقالت

" أنا أتحدث عن أطراف هذا الحديث جميعهم "

عقد حاجباه بغضب وتبدل المزاح الذي كان غرضه منه تغيير
مزاجها وتسلية نفسه لحرب ثنائية الجانب وقال بضيق وهو
يرمي الجهاز اللوحي من يده على السرير أمامه

" حسناً يا مراهقة عليك إذاً أن تعلمي أن الرجل يحتاج دائماً
لتصرفات المراهقات من المرأة التي يفترض بأنها تحبه "


استدارت نحوه بكامل جسدها وأمسكت خصرها بيديها وقالت
بكلمات غاضبة

" إلى ماذا تلمح ؟ "

ابتسم بسخرية وأشار نحوها برأسه قائلاً

" ذكاؤك يا ابنة الشاهين أرقى بكثير ممّا أتوقع وحسبما أعلم "

اتسعت عيناها بحركة غاضبة وبرزت أكثر حدقتاها بلون السماء
الصافية كلون قميصها الضيق الذي أبرز خصرها النحيل بينما
تولى هو متابعة ما بدأ به وقال بطريقة أشد سخرية

" حسناً سأوجه لك سؤالا "

كان تعليقها الصمت التام ونظراتها الجامدة لم تفارق عينيه بينما
تابع هو من فوره ينظر أيضاً لعمق عينيها

" متى كانت آخر مرة تحدثتما فيها معاً كرجل وزوجته ؟ "


كان رد فعلها فقط أن اتسعت عيناها مجدداً لكن ليس بغضب هذه
المرة بينما تابع هو من فوره

" عنكما وعن مخططاتكما وعن مستقبلكما معاً مثلاً ؟ "

كان جوابها الصمت أيضاً وقد توقفت أطرافها وملامحها عن
إبداء أي رد فعل وهو ما جعل الابتسامة الساخرة ترتسم على
شفتيه مجدداً وقال

" لا جواب لديك أليس كذلك؟ "

وأشار بيده جانباً متابعاً يواجها بالحقيقة القاسية ودون رحمة

" لا تقولي بأن الظروف التي تعيشها العائلة وما تمر به البلاد
و .. و .. و فقاسم لا علاقة له يتحمل ذنب كل ذلك "


ولوح بيده بلا اهتمام قائلاً

" حسناً دعينا من كل ذلك .. "

ونظر لعمق عينها مجدداً ومتابعاً بكلمات متأنية متسائلة

" متى كانت آخر مرة أخبرته فيها بأنك تحبينه ؟ "

حرك رأسه مهمهماً بطريقة السؤال والنتيجة كانت ذاتها لا جواب
ولا أي رد فعل فتمتم بسخرية

" لا يوجد أليس كذلك "

اتكأ بظهره على ظهره السرير متنهداً بضيق وتمتم ببرود يرمقها
بطرف عينيه

" يبدو عليكما التفكير مجدداً في علاقتكما وفي استمراركما معاً "


جعلت عبارته تلك الدهشة تظهر على ملامحها وقالت بغضب في
أول خروج لها عن صمتها الطويل ذاك

" ما هذا الجنون الذي تتفوه به ؟ "

عاد للجلوس مستقيماً وقال بحزم ينظر لعينيها

" تلك الحقيقية مهما آلمتك يا ابنة شاهين الحالك "

اشتدت أصابعها على خصرها وكأنها تعصره بهم وقالت بضيق

" ما علاقة اسم عائلتي بالأمر ؟ إلى ما تلمح يا كاسر ؟ "

وقف قافزاً من فوق السرير وقال ببرود

" لا تلميحات فيما أقول أنتِ من باتت الحقيقة تؤلمك درجة أن
تفسري كل الأمور بشكل سيء "

وقاطعها من قبل أن تتحدث قائلاً بلا اهتمام

" أتعلمين أمراً ؟ عليّا الذهاب ورؤية جدي دجى فقد يكون استيقظ
وفتح باب غرفته "


قال آخر كلماته وهو يتوجه ناحية الباب الذي خرج وتركه مفتوحاً
خلفه بل وتركها تواجه كلماته وكل ما قال وحيدة وما جعلها
بسببه عاجزة عن قول أي شيء والدفاع عن نفسها أو حتى
التبرير وتركها تتلاطم مع مشاعرها والسؤال ذاته يدور في
رأسها

(متى كانت آخر مرة تحدثا فيها عنهما واخبرته بمشاعرها
نحوه ؟ )

آخر مرة التقيا فيها كانت البارحة وكالعادة كان حديثهما عن
مشاكل عائلتها وهمومها وتعاستها ، حتى أنهما منذ فترة لم
يتحدثا مطلقاً وكانت فقط نظرات تفهمها هي بشكل سيء وتعاقبه
عليها في صمت ورغم كل ذلك جاء البارحة من أجلها وعلم بأنها
تحتاجه حينها وماذا كانت النتيجة ؟ وصفت أفكاره وقرارته
بالجنون فقط لأنه لا يملك سواها .

ازداد شدها للحم خصرها بأصابعها وهي تواجه الحقيقة الأشد
قسوة .. رجل بكامل رجولته في مقابل طفلة لم تتخلص من أحلام
طفولتها بعد لتفهم بأنه قد يحتاج لامرأة بمستوى تفكيره
ومشاعره واحتياجاته ! بأنها مجرد مراهقة لكن في تصرفاتها
الهوجاء فقط وليس في اندفاع مشاعرها نحوه .

لمعت الدموع في عينيها وهي تنقل نظراتها الضائعة نحو الخارج
عبر النافذة قربها وكأنها تحاول فهم دواخلها بطريقة مختلفة
بذلك !! لكنها تحبه كما لن تحب أي رجل غيره ومتأكدة لن تهبها
الحياة مثيلاً له مجدداً ، رجل يفهم احتياجاتها ولا يطلب في
المقابل ما هو يحتاجه ، يفهمها في صمت ويواجه انفعالاتها
بالصمت دائماً ، لا يحاسبها على تقصيرها ناحيته وفي المقابل
يخشى من التقصير نحوها ! كانت تتساءل في كل مرة أين هو
حينما تحتاجه فهل تساءلت هي متى كان يحتاجها ؟
من هي المرأة التي عليها أن تكون في عالم ذاك الرجل الوحيد
ليجد فيها كل ما أفقدته الحياة إياه وأولهم والدته التي حُرم من
رؤيتها قبل أن تحرمه الحياة منها ليفترقا يمزق الشوق وألم
الفراق كلاهما ؟!

هل علاقتهما فاشلة وغير متوازنة لهذا الحد الذي لا تراه ؟ وهل
هذا ما سيكون هو مؤمناً به عمّا قريب ويواجهها به وبأنه حقيقة
وضعهما وبأنهما لا يمكنهما الاستمرار معاً كما فعل الكاسر
الآن ؟!

دست يدها المرتجفة في جيب بنطلونها الواسع وأخرجت منه
هاتفها الذي كانت بالكاد تراه من بين دموعها وفتحت أيقونة
الرسائل التي توقفت أمام الأحرف فيها مترددة لوقت قبل أن تتخذ
قرارها النهائي في فعلها .

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 10-05-24, 04:43 AM   المشاركة رقم: 1760
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*
سار عبر الممر بخطوات واسعة يده في جيب بنطلونه الكحلي
تبتعد بسببها طرف سترته قليلاً عيناه الجادة لا تترك هدفه بينما
عقله قد توقف حتى عن التركيز مع ما يقوله السائر بجانبه لأنه
بات مشوشاً وبشكل كامل من كثرة ما حاول تنظيم ما عليه فعله
وقوله في اجتماعهم الآن فهو لا يشعر بالتوتر بسبب تكليفه بهذا
المنصب وفي هذا الوقت تحديداً بل التفكير في أخذ مكان من
تركه خلفه يصارع الموت ومن يفترض بأنه هنا في مكانه الآن .
يعلم بأن الوطن يحتاجهم وبأن مطر يتصرف بموجب ذلك لكنه
شعور لا إرادي ولا يمكنه التغلب عليه حتى أنها المرة الأولى التي
يكون فيها في مواجهة مسؤولية كبيرة هكذا ، وهو ما لا يمكنه
نكرانه .

ما أن وصلا الباب المقصود نظر نحو مرافقه وما أن قال

" حاولت بقدر الإمكان تلخيص آخر المهام والقرارات التي
وقعها السيد عمير وأتمنى أن أكون أفدتك بهذا بالرغم من أنك
لم تطلبه "

أشار له برأسه مبتسماً وأخفى عنه الحقيقة الصادمة وهي بأنه
من بعد أول عبارتين له لم ينتبه لكلمة ممّا قال ، كان يريد شكره
لولا شغله صوت الرسالة التي وصلت للهاتف الموجود في الجيب
الداخلي لسترته وهذا يعني أنها من العدد القليل المقربين منه
ومن يمتلكون ذاك الرقم .

دس يده داخلها وأخرجه وما أن نظر لشاشته غضن جبينه
باستغراب وهو يرى الاسم الذي وصلت منه فهي لم تفعلها الأيام
الماضية فكيف بهذا الوقت تحديداً !! وما أن فتحها حتى تسللت
ابتسامة حقيقية لملامحه المتشنجة التي بدأت بالارتخاء مع كل
كلمة فيها

( أحبك كما لم تفعل امرأة ذلك من قبل )

ارتفع رأسه والابتسامة البلهاء لازالت ترتسم على ملامحه ما أن
فتح له مرافقه الباب قائلاً

" الجميع هنا سيدي وهم في انتظارك "

حمحم وهو يعيد لملامحه اتزانها الرجولي وأشار له برأسه في
صمت وهو يدخل فها قد نال الدفعة التي كان يحتاجها وفي الوقت
المناسب ومن أكثر شخص مناسب أيضاً ولن يتساءل لما وكيف
فعلتها كل ما يعنيه الآن بأن له مكان حقيقي بين حزنها وهموم
قلبها الصغير .


ما أن أصبح في الداخل وقف جميع الجالسين حول الطاولة
البيضاوية الطويلة وتقدم هو نحوهم بخطوات واثقة ثابتة وسحب
الكرسي وجلس ليتبعه الجميع تباعاً ، كانت نظراته لهم واثقة
وبرأس مرفوع باعتدال رجولي متقن بالرغم من أنه كان يقرأ
تساؤلات كثيرة في تلك الأعين المحدقة به ومن مختلف مناطق
وقبائل البلاد ومتأكد من أن أغلبها قد يكون تشكيكاً في مقدرته
على إدارة جهاز مهم كهذا وفي هذه الآونة تحديداً وكأنه يوضع
أمام اختبار لما عاشه وتعلمه لأكثر من أربعة عشر عاماً بالرغم
من أنه كان خلالها يتلقى الأوامر أكثر ممّا يلقيها لكن عليه أن
يثبت للجميع قبل نفسه بأنه قادر على فعلها ليستحق ثقة من
اختاره لهذا المنصب والأهم زوجاً لابنته الوحيدة .

نظر للأوراق تحته والتي كانت تحوي ما طلبه خلال الساعتان
الماضيتان وهو المهام الأساسية سابقاً لكل جهاز ممّا يتقلد
رئاسته واحد منهم ليفهم كيف سيوجه أوامره ولمن تحديداً .

رفع رأسه مجدداً وضم يديه فوقهم وقال أولاً ينقل نظره بينهم
بينما كانت كلماته جادة حازمة

" قبل أن نبدأ في رسم الخطة للأيام أو الساعات القادمة بمعنى
أدق على كل واحد منكم معرفة أمر مهم وهو أن ما نحارب من
أجله اليوم هو الوطن لا مطر شاهين ولا الزعيم شراع رحمه
الله .. لا الحالك ولا صنوان ولا غيرها سنكون يد واحدة من أجل
الوطن فقط "


لاذ بالصمت لبرهة وجميع تلك الأعين بدى التركيز عليها واضحاً
والخطاب المبدئي كان في محله ليعلم كل واحد منهم أن الجالس
أمامهم الآن مجرد نسخة أخرى عن زعيمه ومهما اختلف عنه
في بعض نقاط شخصيته لذلك استطاع وبسهولة السيطرة على
انتباههم بل واهتمامهم وهو يتابع بذات النبرة والقوة والثقة
الرجولية العميقة

" جميعكم تعلمون بالتأكيد كجهاز مخابرات بأنه كان ثمة تواصل
شبه مباشر بين الزعيم مطر والرئيس السابق شراع صنوان ولا
يمكن أن يكون الأمر غير ذلك وما كان ليستطيع سيادته ومن معه
أن يفعلوا ما فعلوه من دون التواصل مع الرئاسة في الداخل "


كانت الردود إيماءات موافقة مع بعض التمتمات المتفرقة بتأكيد

" بلى كنا نعلم "

وهو ما جعله يومئ في صمت أيضاً ورضا تام فعليهم إدراك هذا
أولاً قبل أن يقوم أي واحد منهم بمهمة ليس مقتنعاً بها وعليهم
حصر تفكيرهم في الوطن ومصلحته فقط لينجحوا فيما يسعون
إليه ، قال وهو يضع يد واحدة على الأوراق تحته بينما نظره
ينتقل بينهم

" إذاً ومن هنا يمكنني الوثوق بقلب كل واحد منكم وخلوه من
الضغينة والعداء "


أبعد بعدها يده ونظر بشكل خاطف للأوراق تحته ولأول اسم فيها
قبل أن يعود وينظر لهم وتابع

" سنبدأ إذاً وهدفنا واحد وهو النجاح في هذه المهمة وإثبات
المعنى الحقيقي لمسؤوليتنا نحو هذه البلاد ، وواثق بأنه بعد
عودة الزعيم مطر للوطن لم يفلت من بين يديه إلا من هو رجل
وطن حقيقي "

قال آخر كلماته ينظر لأعينهم ليذكرهم مجدداً بأن كل من بقي في
منصبه السابق منهم أو تم تنصيبه مؤخراً فيه هو أهل للثقة وقد
نجا من حرب الفساد التي شنها مطر شاهين على جميع المسولين
فور عودته .

نظر لمن كانت تحمل اللوحة أمامه الاسم الأول في القائمة لديه
وهو أمر آخر طلبه من منظمي هذا الاجتماع كي لا يضطر للبحث
عن كل واحد منهم بمناداة اسمه وقال

" سيد سلمان مهمتك هي الجانب الإعلامي وإيقاف الحرب الحالية
و من خلاله "

تحرك رأس المعني بالأمر مباشرة في انصياع تام بينما كان كامل
تركيزه معه وقد تابع مباشرة

" أتضمن لي مراقبة جميع النشطاء الذين يتخذون الشبكة
العنكبوتية ساحة حرب الآن وجلب معلومات كافية عنهم ؟ "


حرك كتفيه كما يديه بقلة حيلة وقال

" هذا الأمر صعب قليلاً ، يمكننا إيقاف بعض الصفحات لكن ليس
جميعها وهذا لن يوقف إنشائها مجدداً ، وثمة ما تكون تحت
أسماء مستعارة ، هناك انظمة متطورة لفعل هذا وبنجاح لكن
بلادنا لا تمتلكها للأسف وهي حكر لدول غربية فقط "


حرك رأسه بتفهم وقال مباشرة

" سنغلق مواقع التواصل جميعها إذاً "

تبادل الجميع نظرات صامتة وهو ما قرأه جيداً لذلك تابع من فوره
وباقتناع تام بما يقول وقرر

" سيكون إجراء مؤقت ولن نقطع الإنترنت بشكل كامل لأنها
ساحة الحرب الأهم بالنسب لهم الآن وتهديد لا يمكننا التساهل
نحوه "

وعاد ونظر لمن كان قد كلفه بالأمر متابعاً

" يبقى لدينا قنوات التلفاز المحلية وحتى العالمية سنركز من
خلالها على تذكير الشعب بما كانت عليه بلادهم قبل عقد ونصف
من الآن وجميعهم عاصره بالتأكيد ولن نُمجد شخص مطر
شاهين أو نتحدث عن إنجازاته لأني أعرفه جيداً يكره هذا كما أن
تذكير الناس بالظلام الذي عاشوه قبل النور أهم من التحدث عمن
أشعل ذاك المصباح في طريقهم لأننا كبشر تهمنا دائماً الأسباب
والنتائج أكثر من مسببها "


حرك ذاك رأسه باقتناع تام قائلاً

" يمكنك الاعتماد علي "

أومأ له مبتسماً برضا تام وتوجه نظره نحو صاحب اسم آخر وقال

" السيد معاذ ستستلم مهمة الخلايا النائمة نريد كافة المعلومات
عنها من دون تفكيكها .. تجمعاتهم أسمائهم وأعدادهم "

قال المعني بالأمر وباستغراب

" لن نقبض على عناصرها ولا قادتها !! "

أومأ له بالإيجاب وقال

" سننتظر أمراً رئاسياً بذلك وإن تأزم الوضع سننفذ دون أوامر
ألمهم أن نكون مستعدين من الآن "


قال ذاك من فوره وبإشارة خفيفة من رأسه

" عُلم "

ابتسم له أيضاً ونظر لآخر قريب منه وقال

" السيد منذر زرارة سوف يَنْضم رجالك لجهاز الاستخبارات
الخاص بما أنكم الأقرب للمدن المتمردة أريد مراقبة مكثفة
لجبران شراع ومن حوله والاستعداد لأي أوامر وسندس رجال
من القوات الخاصة بين رجالكم ورجال الشرطة أيضاً .. ثمة
خطة انتظروا الأوامر مني فيها فقط "

وعاد ونقل نظره بينهم ليشملهم وقال

" البقية تقسمون رجالكم مع المهام التي كلفت أجهزة الدولة بها
كلٌ حسب منطقته وتتواصلوا بينكم وتبلغوني بكل جديد والتفاصيل
لجميع تحركاتكم "


وعاد وتركز نظره على شخص معين فيهم وقال

" عدا السيد عاصم المنذر مهمتكم ستكون أخذ مكان جهاز
المخابرات العسكري وسيتم تحييد ذاك لجهاز حالياً "


ظهرت الدهشة واضحة في عينيه بينما تبادل البقية نظرات مشابهة في صمت وقال

" لكن سيدي ... "

قاطعه سريعاً

" أفهم تماماً ما تفكر فيه وتريد قوله لكننا أمام مهمة صعبة
للغاية الخطأ والهفوة فيها ثمنه كبير جداً "


واشتدت أصابعه في قبضة واحدة فوق الأوراق تحته وقال بكلمات
قوية تشبه نظرته لعينيه

" أريد مراقبة تامة لتحركات واتصالات كبار رجال الجيش
وبجميع رتبهم ومن جهاز بعيد كل البعد عنهم .. هل أصبح
الأمر واضحاً ؟ "


أومأ له برأسه في صمت وإن كانت علامة عدم الفهم أو
الاستيعاب لازالت مرتسمة على ملامحه بوضوح وهو ما قرأه
وتوقعه منه ومن البقية أيضاً لذلك تابع مباشرة

" هم الأهم الآن لا نريد انشقاقات ولا تمرد سنكون على تواصل
مع السيد بِشر ووزارة الداخلية وأي تحرك مشبوه لأي واحد
منهم أو تواصل مع أحد المتمردين أو النشطاء السياسيين يتم
إبلاغي ليتم القبض عليه وبذلك سنوقف أي محاولة لتأزيم الوضع
فلن يستطيع من في الخارج فعل شيء إن لم يتعاون معه مَن
بالداخل "


كانت علامات التقبل والرضا بدأت تغزوا أغلب الأعين المحدقة
فيه بصمت وقد استوى في جلوسه يريح ظهره لظهر الكرسي ما
أن انتهى من توجيه أوامره لهم بينما خرجت كلماته جادة
حين قال

" قد يأخذ منا الأمر ساعات قليلة فقط وينتهي وقد نجد أنفسنا
أمام فترة طويلة من الأزمات وفي كلا الحالتين لن نتهاون
وسنفعل كل ما في وسعنا "


كان جواب الجميع إيماءات صامته متقبلة بينما تابع هو مباشرة
ونظره ينتقل بين أعينهم تحديداً وكأنه يحاول قراءة ما يقول فيها

" لن أعدكم ولا نفسي قبلكم بأي علاوات أو مكافئات نحن نفعل
هذا من أجل الوطن .. الكلمة التي وهبتُ من أجلها أعوام طويلة
من عمري دون أي مكاسب مادية ، وما أن نخرج من هذا
المنزلق ستدركون بأن مشاعركم حينها أكبر أجر يمكنكم تلقيه "


ورفع يده بشكل خفيف من على الطاولة وقال ولازال ينقل
نظره بينهم

" وفي جميع الأحوال سأفعل ما في وسعي لينال كل ذي حق حقه
من أصغر موظف لديكم وصولاً لكم ما أن ننجح "

كانت علامات الرضا واضحة على وجوههم وهو ما كان يرجوه
بل ويتوقعه منهم ولم يخونوا ظنونه بهم ، وأتاه دليل ذلك حين
قال أحدهم

" سنفعل ما في وسعنا وسينتهي الأمر خلال أيام قليلة إن التزمنا
بمخططك .. نحن واثقون "

ابتسم له في صمت قبل ينظر للذي قال

" لكن ما لم نعلمه حتى الآن هو خطتك بخصوص المدن
المتمردة في صنوان ؟ "


قال وابتسامة مائلة تزين شفتيه

" سأشرح كل شيء الآن "

وبدأ يسرد لهم ما عليهم فعله فقط فيما يخص خطته تلك وسيترك
شرح الباقي لمن عليهم مشاركتهم فيها أيضاً وهم عائلة شراع
صنوان وتحديداً رماح والكاسر ، ما أن أنهى ما لديه نقل نظره
بينهم قائلاً

" لن تتحركوا دون أوامر اتفقنا ؟ "

كانت إيماءاتهم صامتة عدا همسات بسيطة بالموافقة وبلا أسئلة
ولا اعتراضات لكنها حملت الكثير في أعينهم القوية الواثقة وهو
ما يعرفه في الرجال الذين تسبق أفعالهم الأقوال ورغم ذلك
عاد وقال

" أريد للشائعات أن تنتشر بينهم بسرعة ودون إضافات لنبعد
الشبهة وسنستعين بالإعلام لزيادة توثيقها دون أي تصريح
رسمي يُحسب علينا ، نريد أن نشغلهم ونشتتهم لكسب بعض
الوقت في صالحنا لنسبقهم بخطوة ومن ثم نسيطر على الوضع
في باقي مدن البلاد ونحاصرهم دون ترك أي فرصة لهم لتوسيع
رقعة الاحتجاجات ولا فعل أي شيء وليعودوا لوضع التجمد
مجدداً "

ورفع سبابته بجانب وجهه وهو يقول بكلمات قوية واثقة
وابتسامة أكثر ثقة تزين طرف شفتيه

" سنثبت للجميع أن جهاز المخابرات قادر على فعل ما لم يفعله
جهازي الأمن والجيش ، إنها أشبه بمحاربة مناعة الجسم
للمرض دون الحاجة لتدخل جراحي "

كانت ابتساماتهم متباينة بسبب آخر ما قال بينما قال أحدهم
بضحكة صغيرة

" بالفعل هو أفضل وأقرب تشبيه "

أومأ له مبتسماً بينما عادت حدقتاه للتنقل بينهم وقال

" لقد بدأت دوريات التفتيش بالانتشار في كامل البلاد قبل قليل
ونحن سنكون أعينهم لا تنسوا ذلك "


ووقف بعدها على طوله وقال

" يمكنكم المغادرة الآن والبدء على الفور سنربط الليل بالنهار
حتى يتحقق ما نصبوا إليه "
*
*
*
لا يمكنها نكران أنّ أحاديث الجالسة بقربها على طاولة الطعام
تتحدث أكثر مما تأكل بل وحتى وهي تمضغ الطعام تجدها مسلية
وفاقت في نظرها سنها من حيث انفتاحها واندفاعها لكنها لا تنكر
أيضاً بأنها لم تكن تنصت لها بكامل تركيزها حتى أنها كانت لا
تسمع ما قالت في بعض الأحيان لأن تفكيرها كان مشتتاً ولأسباب
عدة أوله ما علمته عن وضع البلاد الحالي ومن ثم ما هي فيه
الآن كونها باتت مسؤولة عن منزل وفتاتين لا تعرفهما وهو ما
يزيد من توترها ويأخذها لذات الفكرة وهي أنها أصبحت هنا في
عالم تمنته فعلاً حين التقت بالشاب الذي انقذ طائرة بركابها من
الهلاك وأحبته سريعاً ومن دون استئذان وما أن رأته ليصبح
الأمر مصدر خوف لها ما أن تحقق وباتت تخشى ممّا يخفيه اليوم
أكثر من الغد .

وما أن تهرب من التفكير في الأمر تجد نفسها في دوامة أفكار
جديدة وهي الفتاة التي تُعد زوجة شقيق زوجها ، تحار في
قصتها التي سمعتها من بثينة للتو وتصرفها الغريب نحوها !

" لندن جميلة أليس كذلك ؟ "

انتشلها من أفكارها مجدداً الصوت الباسم للجالسة قريباً منها
على طاولة المطبخ الواسع ونظرت لها تبادلها الابتسام بينما
تابعت بثينة بحالمية ونظرها يرتفع عالياً


" كم أتمنى أن أزورها يوماً "

ازدادت ابتسامة كنانة وهي تنظر لها بينما تبدلت ملامح الفتاة
للضيق فجأة وقالت تلوح بالشوكة في يدها تنظر أمامها

" وكأننا لا نملك كل هذا المال وشقيقي يقود طائرة مليئة
بالركاب ! ما هذا الظلم والا منطقية ! "


قالت كنانة حينها والابتسامة لم تفارق شفتيها

" ما لا تعلمينه بأنه وبالرغم من جمال تلك البلدان بلادنا أجمل
منهم بكثير لأنك ستفتقدين لشعور الانتماء وأنت هناك ، أي ثمة
ما لن تجديه فيهم أبداً ً "


كانت المحدقة في عينيها تستمع لها بانتباه لكنها ما أن أنهت
كلماتها اتكأت بوجنتها على قبضتها وتنهدت بأسى متمتمه

" لا بأس أنا مستغنية عنه "


لم تستطع كنانة إمساك ضحكتها التي اختفت سريعاً بينما لون
الحزن عينيها وقالت تنظر لها

" ألا تشعرين بالحزن على ما يحدث الآن فعلياّ يا بثينة ؟! "

استوت في جلوسها سريعاً وقالت مبررة وبصوت كئيب

" بل حزينة وأشعر بالسوء ولهذا أخبرتك بأنني أتمنى مغادرتها
فإن قامت حرب جديدة مثل تلك التي سمعت عنها ولم أراها أكون
بعيداً وعائلتي جميعهم بخير "

ازداد الحزن في عيني كنانة وقالت بابتسامة أشد حزناً

" لنتمنى إذاً أن يكون الجميع بخير فليسوا جميعهم يمكنهم الهرب
من ويلات الحروب "


تنهدت بحزن هامسة وعيناها ترتفع عالياً

" يا رب "

" من يكون هذا !! "

كانت تلك الكلمات لبثينة التي وقفت على طولها فجأة تنظر لكنانة
بما يشبه الصدمة والسبب هو صوت باب المنزل الذي انفتح
حينها واغلق ، وبينما توقف كل شيء في كنانة وحتى لسانها عن
السؤال وإن بعبارة ما بل تابعت الوقفة فوقها باستغراب

" والدي مسافر وأبان في حوران ولن يكون هنا قريباً بالتأكيد
وأمي وغيهم غادرا للتو ووحدهم من يملكون مفتاحاً للباب ! "

تسلل التوتر واضحاً لملامح كنانة حتى كانت تشعر بالعجز عن
الوقوف خاصة وهما كانتا تتحدثان عن وضع البلاد قبل قليل
والذي لا تعلم مدى انحداره للسوء وزاده عدم وجود أي رجل
معهم هنا وهو ما جعل الواقفة فوقها تضحك فجأة وقالت
"ما بك تغير لون وجهك هكذا ؟ مؤكد ليست عصابة ستختطفنا "

وتحركت من مكانها سريعاً ضاحكة بينما لحقت بها هي قائلة
بضحكة صغيرة

" يالك من مشاغبة "

وما أن أصبحتا خارج باب المطبخ وقفتا مكانهما تنظران للتي
نزعت الحجاب عن رأسها متأففة وكأنه يخنقها بينما قالت بثينة

" أمي هذه أنت؟! "

ولم تترك لها مجالاً لتعلق على سؤالها بما تتوقعه جيداً لذلك
تابعت مباشرة

" لما عدتم سريعاً ! "

أعطت جوزاء حجابها وعباءتها للخدامة التي توجهت نحوها
مسرعة قائلة بكلمات بدت محبطة بوضوح

" نقاط التفتيش منتشرة في كل مكان على طريق الحميراء كما
رجال الجيش "

تعالت ضربات قلبي كلا الفتاتان وبينما تيبس لسان كنانة تولت
بثينة المهمة قائلة بنظرات حزينة تتبع والدتها التي جلست على
أقرب كرسي متنهدة وكأنها عادت من سفر طويل

" هل الوضع بهذا السوء ؟ "

واستمرت جوزاء منشغلة بطفلتها التي كانت تنزع من يدها قطعة
الحلوى الكبيرة بحركة غاضبة بينما قالت وصوتها يختلط ببكاء
الصغيرة

" يبدو أنهم يحاولون تجنب ذلك أو يبحثون عن أشخاص
معينين ... لا أعلم "

وتابعت بضيق تبعد يدها وقطعة الحلوى عن يد ابنتها الباكية
ومخاطبة لها

" غيهم لا أفهم متى سيتوقف عن جلب هذه القمامة لك
وكأنك طفلة "

غاب نظر كنانة للأرض ودون شعور منها في حركة تراها هي
حمقاء فقط بينما كورت بثينة شفتيها وكأنها تقول في صمت
( وهي طفلة بالفعل ) لكن ما خرج من شفتيها مختلف
تماماً وقالت

" ولما عدتم إن كان الأمر مجرد تفتيش؟! "

كان صوت بكاء الطفلة الصغيرة يبتعد عنهم والخادمة تصعد بها
عتبات السلالم بينما قالت جوزاء تخرج هاتفها من حقيبتها

" ليس كذلك فقط بل يمنعون خروج أي أحد من هنا عدا الحالات
الطارئة "

تبادلت كنانة وبثينة نظرة صامتة عبّرت عن الكثير بينما كانت
بثينة من تحدثت أيضاً وهي تعود بنظرها لولدتها المنشغلة تماماً
بهاتفها

" إن علموا عن هويتكم ووجهتكم لكانوا تركوكم بالتأكيد "

رفعت جوزاء نظرها لها حينها وقالت بضيق

" وهل سنقف عند كل نقطة تفتيش نريهم هوياتنا فلا نصل
لحوران قبل أسبوع ؟ ثم غيهم خشي بأن نتعرض لأي سوء إن
صادفنا نقطة تفتيش وهمية ما أن يعلموا من نكون "

جعلت آخر كلماتها تلك ضربات قلب كنانة تتعالى مجدداً ، وزادها
سوءاً سؤال بثينة التالي وما أن قالت بتوجس

" وأين ذهب غيهم ؟ "

قالت جوزاء مباشرة وقد عادت بنظرها لهاتفها

" قال بأنه سيجد طريقة ما ليصل إلى هناك "


قالتها هكذا وبكل بساطة ولم ترى عينا كنانة التي كانت ستخرج
من مكانها ، وإن كانت لم تشارك في الحديث سابقاً بمحض
إرادتها فهي الآن عاجزة عن فعلها تماماً ، وتحرك رأسها دون
شعور منها نحو الواقفة بجانبها والتي قالت مصدومة

" ويخشى عليكما ولا يخشى على نفسه ؟! "

كانت حينها تقول ما جال في رأس وقلب كنانة التي عادت ونظرت
نحو جوزاء التي وقفت قائلة بضيق تنظر لابنتها

" هل سأسحبه من أذنه كالطفل ؟ هو رجل يعلم ما يفعله وعليه
بالفعل أن يكون بجانب خاله وعائلته "

وتابعت من فورها تشير لها بالهاتف في يدها

" كما قال بأنه علينا التزام المنزل وأن لا تذهبا للمدرسة حتى
يستقر وضع البلاد ونعلم ما ينتهي له الأمر "


وما أن أنهت عبارتها تلك تركت مكانها متجهة نحو السلالم بينما
قالت ابنتها التي كانت نظراتها الذاهلة تتبعها

" ألن نذهب للسوق أيضاً ؟ "

قالت حينها وهي تضع قدمها على أولى عتبات السلالم وتمسك
يدها بسياجه

" لا وسنطلب بعض الثياب مؤقتاً لكنانة عبر الانترنت "

ازداد اتساع عينا بثينة التي كانت ترى أسبوع أحلامها يتلاشى
أمامها وقالت بصوت مرتفع لتسمعها وهي تبتعد نحو الأعلى

" لكنك لا تحبين هذا ! "

وقفت حينها ونظرت نحوها وقالت بضيق

" وما علاقتك أنت بكل هذا ؟ قلنا كنانة وليس بثينة "


وتابعت صعودها من فورها قائلة بصوت مرتفع

" يا راضية أحضري لي مغلي النعناع "

واختفت عنهما بعد خطوات قليلة ونظرت حينها بثينة لكنانة
وقالت تقوس شفتيها كطفلة تم توبيخها للتو

" أمي لا تطلب هذا الشاي إلا وهي في أسوأ حالات مزاجها "

خيم الحزن على وجه كنانة حينها وقالت

" يبدو أن الوضع ينحدر للأسوأ "

تمتمت بثينة بأسى

" أرأيتِ ألم أخبرك ؟ "


وتحركت من هناك أيضا قائلة بكلمات حانقة

"وها هي فرصة الخروج أسبوعاً كاملاً ضاعت منا .. يالا حظي "


واختفت أيضاً اعلى السلالم الضخم وابتسامة كنانة تتبعها بسبب
تفكيرها الذي يشبه سنوات عمرها ، ابتسامة سرعان ما ذبلت
واختفت وخفق قلبها وهي تتذكر كلامهما عن ذهابه لحوران على
الرغم من كل ما يحدث وابتعادها عنهم وهمست شفتاها بحزن

" يا رب احفظه من كل سوء من أجلهم وليس من أجلي "

واحمرت وجنتاها وقالت بأسى حزين متوجهة نحو ذات الوجهة

" بل ومن أجلي أيضاً فقلبي لا يحتمل هذا "
*
*
*
كانت تنظر نحو تلك الناحية بطرف عينيها وملامحها تعبر
بوضوح عن اشتعالها الصامت والذي إن تركت له العنان لأحرق
كل شيء ، وبالرغم من أنه كان ينظر ناحيتها كل حين لكنها لم
تهتم فطائرتهم نزلت قبل لحظات وهذا هو الحال هناك حيث يقف
تبتعد عنه فتاة لتقترب أخرى وهو المتوقع من رخيصات مثلهن
بعد أن علمن بأنه مالك الطائرة التي حققت لهن رحلة الأحلام
وكأن المشرف لم يقل أمامهم جميعاً بأنه متزوج .

" ما هذا البرود ساندي لو كنت مكانك ما سمحت لواحدة منهن
بالاقتراب من زوجي "

كان ذاك صوت كاتي والواقفة بجانبها وكانت تنظر لذات الجهة
بينما كان تعليق ساندرين أن قالت بضيق وقد نظرت لها

" وماذا أفعل مثلاً ؟ ارضي غروره المقيت ؟ لا بالطبع "


وسرعان ما كورت شفتيها وقالت بتملق

" ثم كيف يمكنك إبعاد دبور عن خلية نحل "

وألصقت طرفا سبابتها وإبهامها متابعة بضيق

" إنه يلتصق بها هكذا بمحض إرادته "

لم تستطع كاتي إمساك ضحكتها والتي قالت من بينها تحاول
كتمها قدر الإمكان

" إنه متوجه نحونا "

وكانت نظراتها الباسمة لا تفارقه بينما تمتمت ساندرين بضيق
تتجنب النظر نحوه

" وقح وتافه "


وصل لهما حينها وقال ينظر للتي لازالت تنظر له عكس الواقفة
بجانبها

" مرحبا كاتي كيف حالك ؟ "

اتسعت عيناها وقالت بضحكة صغيرة

" جيد .. لقد أخبرتك عني كما يبدو ! "

وسرقت نظرها نحو ساندرين التي لازالت تتجنب النظر لكلاهما
تحدق بعيداً مكتفة ذراعيها لصدرها بينما قال الذي نظر لها أيضاً
ترتسم ابتسامة جانبية على شفتيه

" لا هي لم تخبرني عن شيء لكني أعلم بكل ما يخصها ، أليست
زوجتي ؟ "


نظرت له حينها نظرة باردة كالجليد قبل أن تسحب رفيقتها من
يدها قائلة

" علينا أن نذهب للتأكد من إتمام أوراقنا .. تحركي كاتي "

وابتعدت بها وهي تقول

" لكن ... "

وانبترت جملتها التي لم يعد من داعٍ لقولها وهما تبتعدان عنه
فحيّته بيدها مبتسمة وبادلها هو التحية وقالت ما أن بدأت تجاري
خطواتها

" لقد تركناه واقفاً ، هذا لا يليق "

وقفت حينها ونظرت لها وقالت بسخرية تمسك خصرها بيديها

" حقاً آنسة كاتي ..!! لهذا إذاً تنتهي علاقاتك الغرامية بالفشل
دائماً لأنك تعتبرين رد الإساءة افتقاد للباقة "


شدت شفتيها بقوة وكأنها تبتلع إهانتها تلك لكنها لم تتركها دون
ردها عليها بالطبع وهي تشير برأسها نحو الذي تركتاه خلفهما
قائلة بضيق

" نعم وهذا سبب زواجك من رجل يبدو تحبينه كثيراً "

كشرت في وجهها وقالت حانقة

" لكني لم أفشل حسناً ؟ "

وما أن أنهت كلماتها تلك غادرت وتركتها لكنها سرعان ما توقفت
مجدداً بسبب يدها التي أمسكتها من ذراعها قائلة

" انتظري وانظري إنها إيلا تقترب منه "

نظرت لها حينها قبل أن تنظر للمكان الذي لم يغادره رواح بعد
وللتي أصبحت بالفعل تقف أمامه وهو ما جعل عيناها تتقد
كجمرتان مشتعلتان بينما زادت كلمات صديقتها وضعها سوءاً ما
أن قالت موبخه

" لابد وأنها رأت كما الجميع بأنك تركته واقفاً وابتعدت
يا غبية "

تحركت حينها مجتازة إياها نحوهما وهامسة من بين أسنانها

" لابأس بأي واحدة إلا هذه "


وتوجهت نحوهما بخطوات غاضبة وما أن وصلت أمسكت بيده
بينما نظرها كان فقط على الوجه الإنجليزي الذي اختفت ابتسامته
فجأة وسحبته نحوها قائلة

" المعذرة هذا يخصني وحدي "

وابتعدت به وهو يسير معها دون اي اعتراض بل ولم تكن ترى
الابتسامة التي كانت تزين شفتيه لسيرها أمامه بخطوات مسرعة
حتى أصبحا بعيدين عند الواجهة الزجاجية المطلة على ساحة
مدرج المطار حيث تتوقف الطائرات القادمة والموشكة على
المغادرة وحينها فقط تركت يده وإن كانت نظراتها لازالت تبحث
عمّن تشعله دون نار لكنه قابل كل ذلك بمزاجه ذاته وقال مبتسماً

" غريب ما هذا التطور المفاجئ !! "

لكن ذلك لم يزدها إلا اشتعالاً وقالت بضيق تنفض يدها بعيداً

" أنت ألست ستذهب ما أن تنزل طائرتنا ؟ "

حرك كتفيه وقال بكل بساطة وهدوء

" أجل لكنهم أبلغوني عن مشكلة تخص رحلتنا ، أم أنك لم
تلحظي وقوفنا حتى الآن في صالة الانتظار "


شخرت بسخرية حانقة وقالت

" هذا بسبب طائرتك وشركتك قليلة الخبرة لَما حدث كل هذا "
دفع جبينها بسبابته قائلاً بضحكة صغيرة

" الأمر يخص رحلات المطار ، ما علاقة طائرتي يا ذكية ؟ "

رمت يده عنها قائلة بضيق

" مزاحك يشبهك دبور مثلك "

رفع رأسه مع ارتفاع ضحكته التي لم تزدها إلا حنقاً ، وما أن
نظر لها مجدداً وكان سيتحدث هددته بسبابتها قائلة بحدة

" لا تتحدث معي ولا تتحرك من هنا مفهوم ؟ "

أمسك شفتيه بقوة وإن لم تختفي ابتسامته وكأنه يقول لها في
صمت لن أتحدث فتنفست بغضب ونظرت ناحية الطائرات الضخمة
المتوقفة تكتف ذراعيها لصدرها مقدمة قدمها بدأت تضرب
الأرض وكأنها تفرغ غضبها بذلك بينما أصبح ما يقابله هو
نصف وجهها فقط فابتسم وأمال رأسه وخطف قبلة من وجنتها
مما جعلها تنظر له بحركة ضاهت سرعة ابتعاده عنها
وقالت بضيق

" ماذا تفعل يا أحمق ! "

فرد كفيه بجانب كتفيه وقال بضحكة صغيرة

" لم أتحدث ... "

وتابع من قبل أن تتحدث غامزاً بعينه بعيداً من حيث جاءا

" كما أنه يبدو ثمة عداء وهذا يفترض أن يرضيك "

نظرت خلفها وحيث إيلا التي كانت تتحدث مع رفيقاتها وتنظر
نحوهما كل حين ، وما أن عادت ونظرت له قالت ما أن تحركت
شفتاه

" اصمت "

ضحك ووقف أيضاً مقابلاً للواجهة الزجاجية بينما أحاط ساعده
ويده بخصرها قائلاً

" حسناً أميرتي "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 08:45 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية