لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-01-22, 09:18 PM   المشاركة رقم: 1666
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

لم يستطع رفع رأسه ولا نظره عن يديه التي كان يشبكها

ببعضها جالساً مكانه منذ أكثر من ساعة وهذا هو حاله لا

يمكنه تصديق ولا استيعاب ما حدث ! وهو حال عمته

الجالسة بجواره لم تفارق مكانها أيضاً ومن لازال للّحظة

يتهرب من نظراتها ويتجنب النظر لها كما يحمد الله أنها لم

تتحدث حتى الآن وإن كان يتوقع ما تفكر فيه فكيف لعروس

مر على زواجها بضعة أيام فقط تكون حاملاً ؟

ولما تنهار ويجن جنونها هكذا إن كان زوجها يعلم بأنها

كانت عذراء ليلة زواجهما ؟

السبب واضح والسؤال جوابه لا يحتاج البحث عن جواب له

أو التلفظ به .


تخللت أصابعه خصلات شعره يحضن رأسه بيديه ونظره

للأرض تحته فما قالته تلك الطبيبة كان صدمة لهم جميعاً

لكن رد الفعل الحقيقي ومن تجاوز تلك الصدمة سريعاً كان

لجليلة التي ورغم تعبها ومرضها غادرت السرير وهجمت

عليها وصرخت بهستيرية تتهمها بالكذب ، وبصعوبة

استطاع إخراج يديها وفك أصابعها من الشعر البني القصير

الذي كان هدفها الأول ما أن هجمت عليها وكأن ما كان

يحركها حينها طاقة خارجية دخلت لجسدها الوهن فجأة !

وكل ما فعلته تلك الطبيبة ما أن تحررت منها أن رمت

عليها جهاز اختبار الحمل المنزلي وصرخت بها

قبل خروجها

" هذا لا يكذب "


شد أصابعه على شعره وكأنه سيقتلعه من جذوره فلا هو

ولا عمته قالا شيئاً بعدها ولا هي تركت لهما المجال لذلك

وهي تدخل حمام الغرفة وتغلقه على نفسها ولم توجه أي

كلمة له .. فقط أغلقت الباب بينهم وبين بكائها ونحيبها

المسموع بوضوح لهما حينها ولم تجدي جميع محاولات

عمته وهي تطرق الباب وتناديها وتطلب منها التوقف عن

البكاء في الحمام وعن إيذاء نفسها ، وانصاعت له يائسة

حين طلب منها أن يتركا الغرفة لعلها تخرج حينها ، ومنذ

ذاك الوقت وهو جالس هنا عند أقرب مكان يرى الباب منه

ورأسه يكاد ينفجر .


علا رنين هاتفه الشخصي فجأة ولم يستطع تجاهله كالآخر

الخاص بعمله والذي نهاية الأمر أغلقه وبشكل نهائي

وتخلص من إزعاجه ، دس يده خلال سترته المفتوحة وما

أن أخرجه من جيبه تغضن جبينه بإستغراب ينظر لاسم

قائد على شاشته وتوقع سريعاً أن تكون شقيقته

اتصلت به !!


فتح الخط وما أن وضعه على أذنه سبقه قائلاً

" ما بها جليلة لا تجيب على هاتفها ؟! "


وقف على طوله حينها ودار حول الكرسي نصف دورة

وكأنه يجمع أفكاره المشتتة وقال ونظره قد توقف عند باب

الغرفة المغلق

" لابد وأنها في الحمام "


كان ذاك ما جاد به عقله ليبرر به لكن ما لم يتوقعه هو

سؤاله التالي

" أنت موجود في المنزل الآن ؟ "


تلعتم قليلاً لكنه قال نهاية الأمر

" أجل .. "


وتابع من فوره لتوقعه ما كان سيقول بينما كانت خطواته

تبتعد عن مكان جلوس عمته

" سأصعد لأرى لما لم تجب عليك "


وصله صوته مباشرة وبما توقع تماماً

" أنا قريب من منزلك الآن هل يمكنني رؤيتها ؟ "


كتم الهواء الذي لازال يحاول التحرر من صدره في أنفاس

قوية وأخرجه ببطء قائلاً

"ما هذا السؤال يا قائد ؟يمكنك بالتأكيد وفي أي وقت تريد "


وصله صوته سريعاً

" نلتقي بعد قليل إذاً "


" نلتقي "


همس بها بخفوت وهو يبعد الهاتف عن أذنه ويستغرب

زيارته لها في هذا الوقت فهل غادر مبنى المحكمة وانتهت

تلك القضية !

ولما يريد رؤيتها ألأنه هنا في حوران أم علم بأنها زارت

مطر شاهين سابقاً ؟

حرك رأسه متنهداً بضيق وتوجه ناحية الجالسة مكانها

تنظر ناحيته وقال ما أن وصل عندها يعيد هاتفه مكانه

" شقيق جليلة قادم الآن "


لم يستغرب النظرة التي رآها في عينيها حينها وما أكدته

كلماتها التالية وما أن قالت

" هل اتصلت هي به ؟ "



أبعد نظره عنها نحو الأسفل وقال

" لا .. هو قادم لرؤيتها "


أومأت برأسها موافقة وهي تقف ولم يسمع سوى همسها

مستغفره الله بأسى وهي تجتازه ناحية السلالم فتنفس نفساً

عميقاً وكم شعر بالإمتنان لها أن اختارت الصمت في موقف

لا يحتمل الصمت فيه وعنه وكأنها تحترم خصوصية الأمر

بالنسبة لكليهما فتركته ونزلت السلالم بخطوات متأنية بما

يتناسب مع سنها وتعب ساقيها ، وما أن كانت في الأسفل

توجهت نحو المطبخ من فورها وغرضها هو شرب كوب

من الماء ممزوج بالليمون الحامض فهي تشعر بأن ضغط

دمها بدأ يضطرب ولا تريد أن تفكر في أي أمر سيء كما

رفضت التحدث عنه فترة وجودها مع ابن شقيقها وقد

رحمت حاله فثمة ما يبدو يخفيانه عن الجميع وهذا ما بات

يقلقها فهي لم ترى هذا في علاقتهما معاً بالأمس وبدا لها

أنهما متفاهمان ومنسجمان معاً !! لكن السؤال الذي يرفض

إلا أن يطرح نفسه كيف تحمل سريعاً هكذا !

وإن فرضنا ذلك وحملت من أول ليلة لزواجهما لما ثارت

وهاجمت تلك الطبيبة ولما يصمت ابن شقيقها مهموماً دون

حتى أن يبرر لها !!


استغفرت الله مجدداً وللمرة العاشرة تقريباً من وقت نزولها


لوصولها إلى هنا ، وما أن دخلت المطبخ نظرت باستغراب

لابنتها التي انتفضت واقفة من على الكرسي الذي كانت

تجلس عليه وكأنها تتوقع دخولها !

وما لا تعلم بأنها كانت تعلم فعلاً وتقف أسفل السلالم منذ

وقت نزولها سابقاً وسمعت صوت الصراخ في الأعلى بل

وشهدت مغادرة تلك المرأة التي نظرت لها نظرة غضب

وهي تغادر تحاول لف حجابها على شعرها فعلمت بأن

خطتها سارت بالشكل الصحيح لكنها تحتاج لأن تعلم ما

حدث بعدها وخلال كل هذا الوقت الذي قضته والدتها في

الأعلى بينما لم تسمع هي أي صوت في الأسفل !

لم تستطع إمساك لسانها كما لم تستطع أن تسأل عمّا تريد

تحديداً لذلك قالت بفضول وترقب

" ماذا قالت الطبيبة ؟ "


رمقتها التي جلست على أحد مقاعد طاولة الأكل بنظرة

فهمت معناها سريعاً وكأنها تقول لها : منذ متى تهتمين

بأمرها ؟ وخافت من أن تكون أفكارها قد قادتها لأمر آخر

وتكتشفها فقالت مبررة بضيق

" لما هذه النظرات أمي ؟ لست بلا قلب لهذه الدرجة وإن
كانت لا تعاملنا إلا بتعالي لكنها مريضة "


وكما توقعت قالت متجاهلة لسؤالها بينما حركت يدها التي

كانت تريح مرفقها على الطاولة تحتها

" هاتي لي كأس ماء بسرعة وأضيفي له القليل
من الليمون "


أولتها ظهرها سريعاً كي لا ترى الابتسامة التي أضاءت

وجهها فهي تعلم جيداً معنى أن تطلب والدتها هذا ولما ،

أعدت لها ما طلبته سريعاً وناولتها الكوب وجلست أمامها

وهي تشربه على دفعات تفكر في الطريقة التي ستُخرج بها

المعلومات منها بالرغم من أنها تعرف والدتها جيداً يتحدث

الجدار ولا تفعلها هي لكنها تريد معرفة رد فعل عمير وما

قال وما حدث بينه وبين تلك المرأة بعدها فذاك ما لم تستطع

معرفته بوجودها أسفل السلالم ، بل ولما نزلت والدتها وهو

لايزال في الأعلى كما تلك المتعجرفة أيضاً ؟


توقفت الكلمات على رأس لسانها ونظرت جانباً حيث نافذة

المطبخ الكبيرة المفتوحة ما أن سمعت صوت سيارة ما

تقترب ووقفت على طولها وقالت باستغراب

" من هذا ؟ "


ونظرت لوالدتها التي وقفت حينها وقالت متوجهة ناحية

باب المطبخ

" شقيق جليلة فلا تغادري الممر حتى يغادر "


واختفت عنها خلف الباب ومقصدها غرفتها ولم تشهد

ضحك ابنتها الهستيري الذي كانت تحاول كتمه بيدها ولولا

خشيتها من أن تعود في أي لحظة وتراها لكانت رقصت

وصفقت وغنت حتى تتعب أطرافها فها هو ما كانت تريد

معرفته والوصول إلى أجوبة عنه أتاها بنفسه .


لم تتردد أبداً بل ولم تخجل وهي تمد رأسها من النافذة

المفتوحة وتراقب السيارة التي توقفت على بعد قليلاً من

باب المنزل حتى رأت بعينيها الرجل الذي نزل منها منشغل

بهاتفه فابتعدت حينها وإن لم تولي النافذة ظهرها وصفقت

بيديها قبل أن تلوح بيدها قائلة بانتشاء باسم

" وخذها معك من هنا رجاءً "


وعادت للضحك الهستيري وهي تتوجه نحو باب المطبخ

وتغلقه على نفسها فلا يمكنها التوقف عن هذا كما أن

اكتشاف والدتها لأمرها معناه أن فيه هلاكها .

*
*
*
عمّ الصمت الموحش المكان بالرغم من تدافع الداخلين من

الباب المفتوح الواحد تلو الآخر إلاَّ أن كل من يعبره ليصبح

في الداخل يواجهه شبح الصمت المسيطر على الجميع

فيقف ويحدق في صمت خالطه الفضول أو الدهشة كلٌ

حسب تكوينه ودوره المعد له سلفاً قبل أن يصبح هنا خاصة

وأن كل واحد منهم يجهل سبب تواجده في هذا المكان

وجلبه إليه بل ووجهته حتى وقت وصولهم !

رجال من أكبر وأهم شيوخ قبائل الجنوب والحالك

خاصة .. شيوخ ولدوا من صلب شيوخ وأرحام نساء

الشيوخ ليكونوا السادة على مر الأعوام تأتمر القبائل

بإمرتهم وصوتهم مسموع في أي مجلس يجتمعون فيه حتى

أطلق عليهم الأغلب اسم أسياد الجنوب وإن انتهت سيادتهم

الفعلية بعد انتهاء الحرب وتوحيد البلاد وبناء مؤسسات

الدولة وفرض القانون على الجميع إلا أن دورهم ومكانتهم

لم تنتهي ولا تنتهي أبداً حين يكون النسيج القبلي أحد

مكونات البلاد لأنه وبكلمة واحدة منهم تُشن الحروب

وتشتعل وبأخرى تخمد وتنتهي .. بقرار منهم ينتهي

مستقبل أحدهم ويُستباح دمه وتتشتت عائلته وبكلمة

مشابهة ينال حريته ، يدفعون الديّات ويُخمدون نيران

أغلب قضايا الثأر ويفضون النزاعات والخلافات وتُرد

المظالم لأهلها وينام الخائف آمناً لأنهم ورغم قيام الدولة

هم صمام الأمان ودورهم لا أحد يمكنه نكرانه ولا تجاهله

بل وتلجأ لهم محاكم البلاد لحل أغلب النزاعات المتشابكة

والمعقدة قبل تقديمها للقضاء خاصة إن كان الدم والأرض

جزء فيها لذلك وجودهم هنا الآن أمر مهم ومهم للغاية

بالنسبة للذي أنزل يده والأوراق فيها ينظر للعينان السوداء

التي كانت تحدق فيه بقوة لم يظهر معها أي أثر لصدمة
صاحبها بالرغم من أن ما يحدث أمامه الآن كفيل بجعل أي

رجل آخر يموت من هول الفاجعة لكنه يعلم جيداً نوع

عدوه الواقف أمامه .. أسلحته ومصدر قوته كما فوات

الأوان على تدارك الكارثة فهو يتوقع ويعلم جيداً ما

سيكون في تلك الأوراق ولما هو هنا الآن ولما هؤلاء

جميعهم معه وكأنه يقول وبكامل الثقة في النفس أنظروا

وانتظروا عدل زعيمكم ابن زعمائكم الذين حكموكم ومنذ جد

الجد ونصّبوه عليكم خلفاً لهم ولازلتم تُقسمون بعدله

وتحتفلون بسماع اسمه وتتدافعون لنيل رضاه .


كانا يقفان متواجهان كجبلين شامخين وبحرين عظيمين

شموخ كل واحد منهما غير قابل للإنكسار وبينما تمسكت

نظرات مطر بقوتها وثباتها في مواجهة الفاجعة وكما عُرف

عنه طويلاً بل وعَرف هو في نفسه ومنذ نعومة أظافره

كانت نظرات شعيب عدائية أكثر من أي تعبير آخر قد تحمله

وكأن من يقف أمامه الآن ليس رئيس بلاده الحالي والآمر

المتحكم في جيشها بأكمله ليجعله يختفي وأسلافه بأمر

واحد منه ودون أن يناقشه أو يحاسبه أحد لأنه وكما يعلم

جيداً يمسك في يده سلاحين قويين وهما عدل الواقف أمامه

ومن تشهد له البلاد قاصيها قبل دانيها بذلك ولهذا جلب من

جلبهم معه كشهود على كل ما سيحدث مستقبلاً والثاني

والأهم التنازل التام من جده ووالده واللذان كانا زعماء

الجنوب قبله عن دم قاتل أبنائهم وسلالته معه ليضعه بين

فكي كماشة الهروب منها يشبه البقاء فيها وأي قرار

سيتخذه سيكون واجهة له مستقبلاً أمام شعب كامل عن

الزعيم العادل ليضعه في مواجهتهم جميعاً وليس هو وحده

وهو من كانت القبائل ترجع له في فض النزاعات وقضايا

الثأر سابقاً ويتحاكمون إليه فيها وبكل ثقة في عدله

وإنصافه ورده لحق صاحب الدم المهدور وعائلته .


حال عقبة كان لا يشبه كلاهما فلا هو تعرف على وجه

شعيب غيلوان كما حدث مع مطر الذي كان يتعقب تحركاتهم

على مر الأعوام وكابوسه الوحيد في يقظته قبل نومه ولا

كحال شعيب الذي يعلم سلفاً عن هوية أصحاب الدعوة

والقاضي فيها فكل ما أخبره عقله به حينها بأنه صاحب

قضية ما علم بتواجده هنا وهو الذي منذ أن أصبح وزيراً

للعدل ترك مهنة القضاء لأنه لم يتوقع ولا في أبعد أحلامه

أن يكون أحد أصحاب ميثاق عائلة الشاهين ذاك وأعظم

كارثة حلت عليهم قبل ثلاثة عقود ونيف قد عادت للعلن

وبقوة بعد كل هذه الأعوام .


حال غسق الواقفة مكانها كان مشابهاً له وإن تبدلت النظرة

في العينان الواسعة الدامعة للترقب بل والخوف وكأن قلبها

استشعر ما لم يصل دماغها لحقيقته بعد فما مرت به اليوم

كان أثقل من اجتيازه بسهولة لتحليل وتفسير أي أمر غيره

لكن ضربات قلبها كانت تعلم وكانت تخبرها بدنو الحقيقة

التي كانت تحاول إيصالها لعقلها المشوش وكان ذاك ما

جعلها تترك مكانها أخيراً وتتحرر قدماها وتقدمت خطواتها

وببطء حتى المقاعد المخصصة لجلوس الأشخاص الذين

يحضرون جلسات المحكمة ووقفت تسند يدها على خشب

ظهر إحداها نظراتها تحاول فهم ما يحدث هناك !

أمّا الفرد الثالث والمتبقي وهي تيما فكان وضعها الأسوأ

بين الجميع لأنها لم تستطع التكهن بأي شيء ولا حتى

مجرد التخمين ونظراتها المتسعة تحدق بشعيب ومنذ وقت

دخوله وكأنه الشخص الوحيد هناك وشعرت برهبة مخيفة

منه لم تفهمها أيضاً !

تقاسيم وجهه القاسية الخطوط العميقة التي تعبر عن رجل

تجاوز الستون من عمره إن لم يكن أكبر من ذلك فقبائل

الحالك التي لم تتخالط فيها الأنساب يصعب تحديد أعمار

رجالهم كما نسائهم فحتى الشعر البارز من أطراف عمامته

ناصعة البياض خالطه القليل فقط من الشيب وهذا يدل على

التقدم في العمر عند تلك الجذور الأصلية من القبيلة بينما

كانت نظرته أكثر سواداً من عينيه الواسعة ووجهه بدا

كصفحة جامدة جعل قلبها يضطرب بشدة والرهبة منه

تسكن أوصالها خاصة مع النظرة التي كانت تراها في عينيه

موجهة نحو والدها تحديداً وكأنه هنا من أجله !

وبدأ عقلها أيضاً يترجم الموقف بأنهم أصحاب حق ضائع

وأرض مسلوبة انتهزوا الفرصة لاسترجاع حقهم ، لكن لما

يخص والدها بتلك النظرات وكأنه ثمة عداوة ما بينهما !

انتقل نظرها فجأة للذي أصبح يقف بجانبه وكان الشبه

بينهما واضح كما تقارب السن لكن له نظرة مختلفة عن

شقيقه فقد كانت خبيثة وماكرة اقشعر لها بدنها أثبتت لها

بأن مقصدهم الفعلي هنا هو والدها وهو يوجه نظرته تلك

نحوه أيضاً !

وسرعان ما عاد وانحرف نظرها لشخص ثالث وقف

بجانبه وكان يحمل سماتهم ذاتها وما تميز بها أهل الجنوب

وقبائل الحالك ورأسه كان ملفوفاً بضمادة كبيرة كما بدى

التعب واضحاً على تقاسيم وجهه وظلال الإرهاق تحت

عينيه وكأنه جُلب من المستشفى إلى هنا مباشرة كي لا

يفوته الحدث وذاك ما ظهر بوضوح في نظرة الانتصار

الشامت التي كان يوجهها نحو والدها أيضاً !

وتبدل الأمر لخوف رهيب شعرت به يسري بدل الدماء في

عروقها وانتفض قلبها بشدة ما أن وجدت فجأة نظراته تلك

موجهة نحوها وابتسامة خبيثة متسعة ترتسم على شفتيه

بينما همس لشقيقه بجانبه بما لم يسمعه غيرهما

" هذه الإبنة أم الحفيدة ! "


ارتفعت يدها ودون شعور منها نحو ساعد الواقف بجانبها

وتمسكت أصابعها بقماش بذلته الفاخر وارتفعت نظراتها

الوجلة نحوه وهمست بصوت ضعيف

" ما الذي يحدث هنا أبي ومن هؤلاء ؟! "


لم يتحدث ولم تحصل منه على أي جواب كما لم ينظر

نحوها فلم يبعد نظره عن ذاك الرجل بالرغم من دخول

المزيد منهم ووقوف شقيقَيه بجانبه وذاك ما زاد وضعها

سوءاً وجعلها تعود وتبحث عن الأجوبة في وجوه ونظرات

الذين امتلأ المكان ناحية الباب المفتوح بهم لكن النتيجة

ذاتها فنظراتهم كانت تشبهها نوعاً ما والفضول وحده

المسيطر عليها عدا قادة المجموعة الثلاثة !

وارتفعت ضربات قلبها حد الجنون ما أن أبدى الواقف

بجانبها أول رد فعل له وهو يرفع يده بحيث كان ظهر كفها

مواجهاً للباب والواقفين أمامه وحرك أصابعه في إشارة

صامته جعلت الحرس الواقفين في الخارج يدخلون المكان

جميعهم وكأنهم يقتحمونه بأجسادهم الطويلة ولباسهم

الأسود الموحد ، وتوقفت كل تلك الضربات المحطمة

لأضلعها ما أن همس لها بجمود وصوت عميق

" عودي للخلف يا تيما "


كانت تظن بأن قلبها توقف عن العمل لكنها مخطئة تماماً

فالخوف الذي شعرت به في داخلها حينها لم تعرفه يوماً

حتى شعرت بأنه وصل لساقيها المرتجفتان وهي تنصاع

لأمره دون سؤال ولا نقاش وخطواتها تتحرك نحو الوراء

ببطء بينما بدأ الحراس بتطويق تلك الجماعة وكأنهم

يحاصرونهم مما جعل نظرات شعيب تتسع بغضب ونظر

لمن حوله قبل أن ينظر نحوه مجدداً ولوح بالأوراق في يده

عالياً وصرخ

" لا أعرفك تمنع صاحب الحق حقه يا زعيم "


بدأت الهمهمات الرجولية تكثر من خلفه منهم من يتساءل

عمّا يحدث هنا وسبب تواجدهم في هذا المكان وفي وجود

مطر شاهين تحديداً ومنهم من يحاول أن يتكهن بما جادت

عليه به مخيلته حتى أنهى شعيب كل ذلك لأن وقت

استخدامه لأسلحته قد حان وهو يخرج إحدى الأوراق

ورفعها عالياً يمسكها من الأسفل بينما لم يفارق نظره

الواقف أمامه وإن فصلت أجساد الحرس بينهما صائحاً

" هنا يا سادة وفي هذه الورقة تنازلت عائلة الشاهين عمّا
هو حق لنا ثمناً لدم أبنائنا الثلاثة الذين قتلوا على يد ابنهم
دجى شاهين الحالك ، وبعد التنازل تم الإعلان عن موته وقد
اختفى مباشرة من بعد فعلته تلك "


بدأ الجميع يحدقون ببعضهم والأسئلة تتقاذف بينهم في

صمت وكل من كان له نصيب في حضور ذاك الاتفاق من

كبار السن كان يومئ برأسه موافقاً ومؤكداً لهم لما قيل ،

وكانت تلك لحظة الانتصار الكبرى للذي أخرج ورقة أخرى

واستدار نحوهم حينها بنصف جسده ورفعها أمامهم وقال

وهو يحركها في مكانها

" وهنا وفي هذه الأوراق إثبات موثق بأن غسق شراع
صنوان ابنة دجى حالك وبالتالي ابنتها هي حفيدته "


علت عبارات الدهشة بينهم حينها وارتسمت الصدمة على

أغلب الوجوه إن لم يكن جميعها ، بينما ثمة من كان حاله

الأسوأ هناك وهي غسق التي تحولت لما يشبه التمثال من

وقع الصدمة وعيناها المتسعة توجهت ودون شعور منها

نحو عيني ابنتها التي لم يكن وضعها بأفضل حالاً منها

وكأن كل واحدة منهما تجيب الأخرى عن السؤال الذي بات

جوابه واضحاً ولا يحتاج لأي تفسير فأوراق القضية

أصبحت لدى طالبي الثأر وانكشفت ليس فقط هويتهما

الحقيقية بل وحقيقة أن إعلان موت دجى الحالك القديم لم

يكن سوى اكذوبة وخداع وتضليل ، فاجعة كانت أقوى من

تحملها بل والتحدث فيها فملأت الدموع عيني تيما والتي

كانت تعلم يقيناً بأن والدتها تريد قول شيء ما حينها

وعاجزة عن فعلها وثمة شيء مريع يتآكلها من الداخل في

صمت قد تعدى الصدمة التي كانت تصرخ من ملامحها قبل

عينيها ، وتوجه نظرها ورغماً عنها ناحية شعيب الذي

وجه أوراقه كما حديثه ناحية الجالس أعلى المنصة حينها

وقال بصوت مرتفع صمتت له جميع الأصوات

" أجل صدقوا هذا وليقرأ قاضي هذه الجلسة الأوراق لكم
بنفسه .. وزير العدل العادل المنصف "


قال آخر كلماته متعمداً ينظر لعينيه من بعيد وكأنه يذكره

بمبادئه كما بحقوقهم ولم يكن يعلم بأن التمثال الصامت ذاك

يشبه الواقف أمامه تماماً قد كبّلته الصدمة وأعجزته عن

إيجاد أي رد فعل آخر قبل استجلاب الحلول ، وبدى وكأنه

لم ينتظر منه ذلك وهو يحرك الأوراق في يده مجدداً وبيد

مرفوعة يوجه خطابه للجميع دون استثناء قائلاً

" نحن هنا وبصفتنا أبناء عبد المجيد غيلوان نطالب بالحق
الذي تنازلت عنه عائلة الشاهين وأمام كبار شيوخ الجنوب
حينها وهو دم ابنهم وتسليم سلالته "


وصرخ عيسى حينها بكل ما لديه من قوة لرفع صوته يرفع

يده وسبابته للأعلى قائلاً

" الوالد على قيد الحياة إذاً وبما أن الجلسة هنا لطلاق الأم
وإلغاء عقد زواج الابنة الغير قانوني فقد باتت المهمة
أسهل وألحق عليه أن يرجع لأصحابه "



وجعلت عبارته تلك الصمت يعم المكان وبشكل مخيف وهذا

هو المتوقع فهو كشف السبب الأساسيّ وراء وجود مطر

شاهين وعائلته هنا كما وزير العدل الجالس أعلى المنصة

كقاضٍ بعد كل هذه الأعوام ولوحده أيضاً ، وهو السؤال

الذي دار في أذهان جميع المتواجدين هناك والذي كان

جوابه يخدم قائله وبأفضل مما يريد ويتمنى .. صمت لم يدم

طويلاً وقد اخترقه آخر ما يمكنهم توقعه وهو الصوت

الأنثوي الذي صرخ عالياً وبرفض غاضب


" لااااااااااا "



*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:21 PM   المشاركة رقم: 1667
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 





*
*
*

دس هاتفه في جيبه ما أن خرج له عمير من باب المنزل

وتصافحا وكل واحد منهما يحاول جاهداً إخفاء مشاعره

الحقيقية بتبادل التحايا باسمين ، قال عمير يشير برأسه

نحو الداخل

" هيّا تعال ادخل "


قال قائد بتردد

" ما أعلمه أن عمتك وعائلتها يعيشون هنا فكيف أدخل
هكذا ؟ لتنزل لي هي في مجلس الرجال يكون ذلك أفضل "



ربت بيده على ظهره وقال مبتسماً يحثه على السير معه

" عمتي على علم مسبق بوصولك وغرفهم جميعها بعيدة
عن هنا والمنزل لشقيقتك هيّا لا تخجل يا رجل ستصعد
لمنزلها هي "


وتحرك معه ما أن تقدمت خطواته نحو عتبات الباب وقد

تابع مبتسماً

" ثم وأنا أرفض أن تكون زوجتي في مجلس الرجال "


ضحكا معاً وحمحم قائد بصوت مسموع ما أن تجاوزت قدمه

الباب الرئيسي للمنزل وسار خلف عمير برأس منتكس

للأسفل بقدر استطاعته وصعد السلالم خلفه بخطوات واسعة

حتى أصبحا في الأعلى وتبعه حيث قاده نحو صالون

استقبال الضيوف وتركه جالساً هناك وعاد ناحية غرفته

ووقف أمام بابها لبرهة قبل أن تمتد يده له وهمس بضيق

وهو يدير مقبضه

" زيارتك ليست في وقتها البتة يا قائد "


واستغفر الله متنهداً بأسى حين وجد الغرفة خالية تماماً كما

تركاها وقت خروجه وعمته منها ونظر ناحية باب الحمام

المغلق والهدوء التام يغلف المكان قبل أن يتوجه نحوه

وطرق عليه بمفصل سبابته وقال

" جليلة شقيقك هنا "


انتظر للحظات يحدق في الخشب المصقول بصمت وخشي

أن تكون آذت نفسها لهذا لم يسمع أي صوت من وقت

دخوله ! وما أن رفع يده ليطرقه مجدداً توقف بسبب

مقبضه الذي استدار ببطء وتراجع للخلف خطوة ما أن

انفتح الباب ونظر للتي خرجت منه وقد سندت يدها بإطاره

وهي تجتازه والتصقت نظراته بعينيها والنظرة التي وجهتها

نحوه والتي جعلته يفقد القدرة على إبداء أي رد فعل ولم

يفهم أي مشاعر هذه التي انتابتها حينها وقد ترجمتها

نظرتها تلك !

واتسعت عيناه في ذهول وهو يراقبها تغادر باب الغرفة

حين توصل لنتيجة واحدة .. هل تعتقد بأنه من أخبر شقيقها

ليأتي ! خاصة أنه لم يذكر لها إسماً معيناً .


خرج بخطوات مسرعة مغادراً الغرفة وتوجه من فوره حيث

يوجد شقيقها وإن لم يخبرها عن مكان تواجده الآن لكن

عقله قاده إلى هناك ودون تفكير ، وما أن وصل عنده وقف

ونظر للمكان مصدوماً لأنه وجده يجلس وحيداً هناك !

نظرة استطاع السيطرة عليها سريعاً وما أن رفع قائد نظره

نحوه وبالرغم من ذلك حدق فيه باستغراب فعلم بأن ملامحه

لم تعد تخفي ارتباكه ولا تجهمه فتوجه نحو الكرسي

الأقرب إليه وجلس عليه وكان يحاول إيجاد أي أمر يتحدث

عنه وإن محاكمة اليوم والتي أمرها من المفترض لا يخصه

لكنه توقف بسبب التي ظهرت أمامهما حينها وكانت قد

غيرت فستانها بواحد طويل قد غطا حتى قدميها وواسع

وإن لم يخفي استدارة جسدها المعتدل وبأكمام طويلة وقد

جمعت شعرها للخلف كما غرتها وغسلت وجهها وإن لم

ينجح ذلك في إخفاء تعب ملامحها وتورم عينيها ومجاهدتها

المستميتة لتقف كما ارتسم الاستغراب على وجهها

وهمست تحدق في شقيقها

" قائد ! "


كان من الطبيعي أن تستغرب وجوده هنا وأن لا تتوقعه

وهو المختفي عن الأنظار منذ أيام لا أحد يمكنه التكهن

بالمصير المجهول الذي ينتظره وإن كانت عائلته ستراه

مجدداً أم لا ، بينما تجاوز هو كل ذلك وقد وقف على طوله

ينظر لها بما يشبه نظرتها تلك بل وتعداها بكثير وقال

باستغراب

" ما بك يا جليلة ! "


أبعدت نظرها للأرض وحاولت جاهدة تنظيم أنفاسها

المضطربة وهمست ببحة

" متعبة قليلاً فقط "


نقل نظره بينهما وكأنه يحاول استيعاب ذلك أو تصديقه

وقال ما أن عاد ونظر إليها

" وما الذي يتعبك ؟ "


كانت تتهرب من نظراته بشكل واضح وكأنها تتمنى

المغادرة من هناك سريعاً وقالت بعد صمت لحظة

" يبدو أنها نزلة برد فالجو هنا يختلف عن العمران وأنا لم
أعتد على هذا بعد "



نظر لها بصمت لبرهة وكأنه يحاول استيعاب هذا فطقس

العمران بالفعل أفضل من جنوب البلاد لكن هل سيكون له

هذا التأثير وفي هذا الوقت من العام ؟

سؤال كان يصعب عليه إستيعاب الجواب الذي تحصل عليه

له ورغم ذلك لم يناقشه أكثر من ذلك وتحرك من

مكانه قائلاً

" حسناً سأزورك في وقت لاحق إذاً "


" قائد "


توقف مكانه وقد كان اجتازها ببضع خطوات ونظر لعينيها

الحمراوتين المتعبتين ما أن قالت

" هل أنت ذاهب للعمران الآن ؟ "



قال بنظرة تفكير

" ليس لها تحديداً لكنها في طريقي ، هل ستوصين شيئاً
لوالدتي أو ما شابه ؟ "



قالت ببعض التردد

" لا بل أريد الذهاب معك "


لم تستغرب نظرته لها حينها ، بل ولم يرى أيّا منهما نظرة

عمير التي فاقت نظرة شقيقها بمراحل ، ولم ينتهي نصيبه

عند ذلك وهي ترميه بالأخرى قائلة بينما نظرها لم يترك

عيني شقيقها

" تحدثت وعمير عن الأمر لكنه منشغل ولا يستطيع
المغادرة الآن "


ولم تترك له المجال لينظر ناحية الجالس مكانه فيفهم من

ملامحه ونظراته بأنه لا يعلم شيئاً كما لم تترك المجال

للآخر أن يُكذب حديثها لأنها تابعت مباشرة

" اشتقت لوالدي كما أن حالتي ستتحسن هناك بالتأكيد "


حرك رأسه بعدم استيعاب وقال

" هل زرت الطبيب وخضعتِ لكشوفات ؟ "


شعرت برأسها يدور في مكانه بمجرد سماع كلمة طبيب

وقالت مباشرة وبنفاذ صبر

" الأمر لا يحتاج لكل هذا فهل ستأخذني في طريقك أم أعود
لغرفتي ؟ "



تنهد مستسلماً وقال

" بلى بما أن زوجك لا يمانع "


ورمقه بنظرة غريبة فهمها عمير جيداً فعقل المحامي

الموجود في رأسه لن يُصدق ما قالت بالتأكيد ، غادر من

بعدها قائلاً

" سأنتظرك في السيارة "


وتبعته هي من فورها ودون أن تكلف نفسها عناء النظر

ناحية الجالس مكانه والذي أشاح بوجهه كما نظره جانباً

بحركة غاضبة فقد حاصرته أمام شقيقها فإن هو تحدث

واعترض أظهرته كاذباً أمامه أو ستكون هي الكاذبة بسببه

واتخذت قراراً فردياً هكذا واعتراضه عليه الآن واللحاق بها

معناه نشوب شجار هما في غنى عنه فعلياً .



*
*
*

كانت تتنقل بين باب المطبخ ونافذته لا تريد أن تفوتها

لحظة مغادرة الزائر الذي نزل بسرعة لم تتوقعها !!

مدت رأسها أكثر من النافذة وشدت على أسنانها بغضب

حينما جلس في سيارته وحيداً فهل بدأت بوادر فشل خطتها

تظهر ؟ كيف تنجو من تلك الخطة المحكمة الكفيلة بجعل

أعقل الرجال يفقد عقله ورجاحته !!


تأففت نفساً طويلاً وهي تبتعد عن النافذة وتوجهت ناحية

باب المطبخ وفتحته بحركة غاضبة وهي تخرج وسارت

باتجاه السلالم وطريقها الوحيد ناحية الأعلى لعلها تسمع أو

تفهم ما يجري هناك ، بل وستصعد متحججة بأي حجة

ومهما كانت سخيفة لأنها ستفقد عقلها على هذا الحال لا

محالة .


توقفت خطواتها فجأة وما أن سمعت الخطوات التي كانت

تنزل عتباته وتراجعت للخلف والتصقت بالجدار وانفرجت

أساريرها بابتسامة انتصار ما أن ظهرت لها التي نزلت

تحمل حقيبة ملابس صغيرة في يدها تلبس عباءتها

وحجابها ولم تصدق عيناها وهي تتبعها بنظرها مغادرة

ناحية الباب وهمست بدهشة وانتصار

" فعلها إذاً وطردك من هنا ؟ "


عادت نحو المطبخ بخطوات مسرعة ووجهتها النافذة من

فورها توثق باقي انتصارها وهي ترى السيارة تغادر

حاملة عدوها الوحيد في الحياة والعائق أمام سعادتها

ونيل ما تريد وتحلم به .


إبتعدت عن النافذة ما أن علا صوت رنين هاتفها وأخرجته

من جيب سترتها الربيعية الخفيفة والطويلة فوالدتها لا

توافق على أن تلبس بنطالاً من دونها ولا خيار أمامها

سوى إطاعتها .


ابتعدت عند زاوية المطبخ وفتحت الخط وقالت بضيق

وصوت منخفض ونظرها يراقب الباب

" ماذا تريدين الآن ؟ "


وصلها الصوت الأنثوي المتضايق مباشرة

" لقد تحدثت سوسن معي وهي غاضبة جداً ولا يبدوا أن
المبلغ بات يعجبها "


قالت بضيق أكبر وصوت منخفض

" سأعطيك المزيد فقط لتبتعد وتصمت "


قالت تلك سريعاً

" وأمر آخر يا بثينة فأنا لازلت أثق بأن اسمي لن يُذكر
حال حدوث أي مشكلة "


قالت ونظرها لم يفارق الباب المفتوح في الجانب الآخر

" لن يحدث شيء والخطة تسير في الاتجاه الصحيح "


وصلها صوتها الحاد المرتفع سريعاً


" هي لا تعلم بأنه منزل رئيس المخابرات وسألتني لما
يوجد حراسة أمام الباب فأخبرتها بأنه رجل ثري فقط ، لو
علمت لَما وافقت أبداً ، وإن علمت مستقبلاً فسنكون أنا
وأنتِ في السجن "



اتسعت عيناها تتخيل فقط حدوث ذلك وهمست

" إن لم تخبريها أنتِ فلن تعلم "


قالت سريعاً وبقلق

" أنا متخوفة أكثر منها لأني أعلم من يكون "


شدت على أسنانها بقوة وهمست من بينها

" اخبرتك بأنه لن يحدث شيء ولن أذكر اسمك وأعلم جيداً
ما سأقول في حال تم اكتشاف الأمر "


كانت تحاول طمأنتها لأنها تعلم تبعات الخوف وهو حصول

المحظور وقالت تلك

" أتمنى ذلك بالفعل ولا تنسي بأن تتوقفي عن وضع المزيد
من تلك الحبوب لها لأن الجرعة الزائدة تؤدي لفشل في
عمل الكبد والبنكرياس وسيُكتشف أمرنا لا محالة وقد
تموت ويكون السجن مؤبداً حينها "



اتسعت عيناها بذعر لفكرة اكتشاف أمرهما وإن كان خبر موتها هو ما ترجوه ، لكن مزاجها تبدل سريعاً وابتسامة انتصار تزين شفتيها وقالت

" لم يعد الأمر يحتاج لذلك أخبرتك بأن الخطة نجحت "


وكان ذاك ما جعل الارتياح يتسرب لصوت التي قالت بعد

ضحكة قصيرة

" لا أعلم من أين جاءتك هذه الفكرة ؟ يبدو أنك من سلالة
المرأة التي سجنت الشيطان في قارورة "



أمسكت خصرها بيدها الحرة وقالت بضيق

" نعم هي جدتي والدة والدي "


وصلها مباشرة الصوت المختلط بضحكة مكتومة

" بالتأكيد لأن والدتك ليست كذلك "


شدت على شفتيها وقالت بضيق

" عندما يؤخذ منك شيء هو حق لك فهل تستعيديه أم
تكتفي بالبكاء على الأطلال ؟ "



قالت التي فكرة وكلمة رئيس جهاز مخابرات تجعلها

ترتعب لا شعورياً

" لن أغامر مغامرتك بالتأكيد ولولا حاجتي الماسة للمال
ما كنت وافقت "


قالت سريعاً وكأنها تُجنب نفسها التفكير بطريقة مشابهة

لأنها تعلم جيداً بأن الخوف والفشل شقيقان

" مثلما سأقحم نفسي في الكارثة حينها سأعلم كيف أخرج
منها اطمئني "


قالت تلك سريعاً

" وتخرجيني معك لا تنسي هذا "


تأففت بضيق وقالت

" إن خرجت منها فأنتِ معي يا غبية "


تحركت من مكانها ما أن سمعت خطوات والدتها وقالت

هامسة باستعجال

" وداعاً الآن "


وكانت قد وصلت منتصف المطبخ حين دخلت والدتها التي

نظرت للهاتف في يدها باستغراب وتعلم لما بالتأكيد لأنها لم

تسمعها تتحدث مع أحد ولم تترك لها وقتاً لتعيده مكانه

فقالت وهي تدسه في جيبها متجاهلة نظراتها لعلها تخمن

بأنها كانت تفتش فيه للتسلية وتضييع الوقت

" هل غادر شقيقها ؟ "


وتبعتها بنظرها وهي تدخل قائلة

" سمعت صوت سيارته تغادر قبل قليل "


فكانت تلك فرصتها للخروج من هناك بينما قالت بابتسامة

متسعة

" سأذهب لرؤية عماد وماذا فعل في دروسه فلن تتركه
ملاد وشأنه "


*
*
*

مر وقت طويل والحال في الخارج كما هو عليه أصوات

أحاديث متداخلة وضربات تهتز لها جدران الغرفة حولهم

كما لم يبتعد عنها الصغيران المتشبثان بثوبها وهي

تحضنهما وتحاول طمأنتهما فباب الغرفة لم يتم اقتحامه من

أحد بعد أي أن يمان بخير لكن ما الذي يحدث في الخارج

ومن هؤلاء ! كانت أصوات الخطوات الكثيرة لا تتوقف كما

صوت بعض الأدوات الحديدية وعربة نقل الطوب والقليل

من الكلمات التي كانت تصلها وبأصوات مختلفة بعضها

بلهجة لدولة مجاورة لهم ولم تفهم أي شيء مهم منها فلم

تكن سوى

( توقف ، ساعده لأنها ثقيلة ، ضعها هنا ، لقد وصل عامر
يا أويس )

وكان ذاك ما جعل مجساتها تعمل جميعها وهو اسم ذاك

الرجل وفهمت بأنهم يفعلون شيء ما لأحد الجدران لكن

ماذا ولما هذا ما لم تفهمه ! .


توقفت الأصوات فجأة بصوت إغلاق باب المنزل الخارجي

فتنفست الصعداء أخيراً وابتعد الطفلان عنها ونظرت

لعيناهم الجميلة المحدقة بها وكأنهما يسألان ويأخذان

الجواب في صمت وهو ما فعلاه فوراً وهما يقفان ويركضان

نحو الباب رغم مناداتها لهما حتى يئست من أن يستجيبا

لها فوقفت وتبعتهما ناحية باب الغرفة الذي تركاه مفتوحاً

بعدهما وما أن غادرتها أيضاً تعلقت نظراتها الذاهلة بالمكان

الذي كانا يقفان قربه وهي تدس قدماها في شبشبها

المنزلي البسيط ، كان هناك فتحتان في الجدار الذي يفصل

منزلهم عن منزل أويس وبابان حديديان جديدان موضوعان

جانباً وكانت الفتحتان في الجدار أحدهما لغرفة مظلمة كما

يبدو وآخر يفتح على مساحة أرض صغيرة تفصلهم عن

منزله ووقفت تنظر لكل ذلك باستغراب فهل أضاف لمنزلهم

غرفة وفتح باباً بينهم ؟!


قطع أفكارها تلك صوت باب المنزل الذي فُتح مجدداً فدخلت

الغرفة مسرعة فقد لا يكون يمان لوحده ويغضب منها فوق

غضبه ، أمسكت يديها ببعضهما بتوتر ما أن سمعت صوته

الغاضب في الخارج صارخاً

" جاد عَنان عودا للغرفة بسرعة فقد يؤذيكم هذا "


شدت على شفتيها وهي تسمع صوت خطواتهما الراكضة

نحو الغرفة فهي لم تجد وقتاً لتعود بهما إلى هنا واقترابهما

من تلك الأبواب فيه خطر عليهما بالتأكيد فقد يقع عليهما

إحداها أو تجرحهم حوافه الحادة .


نظرت للباب الذي انفتح متسعاً ولداخلان منه واستقرت

نظراتها على يمان الذي وقف عند الباب ولم يغادر

الاستياء ملامحه بعد ولا عيناه وحاجباه المعقودان فقالت

مبررة وإن لم يوجه الاتهام لها بالتقصير

" لقد ركضا نحو الخارج ولم أدركهما "


وكتمت ألمها ككل مرة في قلبها تتجرع مرارته وحيدة حين

لم ينظر لها ولم يعلق على ما قالت وقد قال بحزم ونظراته

الغاضبة موجهة لشقيقيه

" لا يغادر أيّا منكما الغرفة حتى ينهي العمال عملهم
مفهوم هذا ؟ "

وشعرت بضربات قلبها تتعالى بجنون حين نظر لها وقال

بجدية هذه المرة ونظرات حازمة

" لا تتركيهما يخرجا يا مايرين "


حركت رأسها بحركة سريعة ويداها تمسك بكتفيهما وغلف

الحزن نظراتها فهو على الأقل نطق اسمها الذي لم تعد

تسمعه من شفتيه فهل ثمة أمل في أن يتجاوزا ما حدث ؟

كان سيستدير ليغادر فتحركت شفتاها وسألت ما لم يعد

يمكنها كتمانه أكثر من ذلك

" ما الذي يفعله أويس بالمنزل ؟ "


قال ونصف وجهه فقط مقابل لها بينما كانت نبرته جامدة

لا تعبير فيها

" فتح باباً بين منزلينا كما أصر على منحنا غرفة أخرى
من أجل الولدين "


ووجه لها الطعنة التي قتلت أملها ذاك ما أن غادر من الباب

قائلاً ببرود

" بالرغم من أني أخبرته بعدم رغبتي بأن يناما بعيداً
عني "


*
*
*


كانت عيناه تراقب السيارة التي غادرت أسوار المنزل حتى

اختفت عن نظره وأغلق الستار بحركة مستاءة من يده

وغادر المكان وتوجه ناحية غرفتها مباشرة فتح بابها

ودخل وكانت كما عرفها سابقاً مرتبة ونظيفة ، توجه

للخزانة أولاً فتحها وكما توقع كانت شبه خالية سوى من

فساتين الحفلات وبعض الحقائب وأغراض قليلة متبقية

فيها واستغرب هذا وهي خرجت من المنزل بحقيبة صغيرة

لن تتسع لكل ذلك !

التفت برأسه للخلف وكما توقع كان هناك حقيبة كبيرة

بجانب سريرها وعلم بأنها جمعت الباقي هناك ولم تأخذه

معها ومؤكد لن تفعلها أمام شقيقها الآن ، ولا يفهم ما معنى

ما فعلته ؟ أتنتظر أن يرسلها هو خلفها ؟!


نظر لسترته ما أن علا رنين هاتفه وأخرجه ونظر للاسم

على شاشته وأجاب من فوره وهو يغادر الغرفة قائلاً

" أجل يا بِشر "

وصله صوته الحانق سريعاً

" لما تغلق هاتفك يا رجل ولم تجب على جميع الاتصالات
التي وصلتك ؟ "


غضن جبينه باستغراب وقال وهو يفتح باب غرفته
" ما الأمر ؟ "


وكان وكأنه سكب الوقود على النار المشتعلة أساساً وقد

تبدل الحنق للغضب في صوت الذي قال

" وتسأل ما الأمر يا رئيس جهاز المخابرات ؟ "


وقف منتصف الغرفة وقال بضيق قد انتقل له سريعاً

بسبب ما قال

" دع السخرية جانباً يا بِشر فالزعيم مطر لم يسلمني إياه
عبثاً وتعرفه لا يقرر قرارات متهورة أو عاطفية "


قال ذاك سريعاً

" ما بك تخلط الأمور ؟! "


قال بحدة ملوحاً بيده بحركة غاضبة

" أنا لا أخلط الأمور بل أعلم رأيك في الأمر جيداً
ومنذ البداية "


قال الذي لم يستطع إخفاء الضيق في صوته وهو يحاول أن

يشرح مبرراً

" لا لست تعلم وأنا لم أقل ما قلت إلا خشية أن نفقد زمام
الأمور فأنتم كنتم خارج البلاد وملفات كثيرة من مبنى
المخابرات سُرقت قبل قدومكم واقترحت أن يكون شخص
عاش في البلاد وعمل في الجهاز نفسه كي لا تتورط أو
نجد أنفسنا في مواجهة مشكلات لا تُحمد عقباها "




شخر ساخراً وكانت لهجته قوية رغم إبتسامة السخرية التي

ارتسمت على شفتيه ما أن قال

" وكيف وجدت أداء من لا يعلمون عمّا يحدث في البلاد؟ "



سمع صوت تنهده الطويل قبل أن يصله صوته

القوي الحازم

" عمير ما بك يا رجل وكأنك تبحث عمّن تنفث نيران
غضبك به ؟! "


وتابع من فوره ودون أن يترك له مجالاً ليعلق

" ثم نحن الآن لسنا فيما قلت وسيقال بل في الكارثة التي
وقعت على روسنا "


تبدل مزاجه في لمح البصر وقال بتوجس

" كارثة ماذا ! "


وصله صوته سريعاً

" شعيب غيلوان وأشقاؤه وجماعة من كبار رجال الجنوب
اقتحموا قاعة المحكمة وبحوزته أوراق تثبت نسب ابنة
شراع صنوان الحقيقي"



اتسعت عيناه ولم يستطع إخفاء صدمته بالفاجعة درجة

أن صرخ

" ما هذا الذي تقوله يا رجل ! "


علت ضربات قلبه وهو يسمع صوته وكأنه يصله من بعيد

" هذا هو ما حدث فيبدو أن أوراق القضية وصلت لهم "


أمسك جبينه بيده الحرة واغمض عينيه وكأنه يحاول إدخال

الفكرة لرأسه دون أن يعرضه للانفجار فالمصيبة أعظم من

تقبلها أو استيعابها ، خرجت أنفاسه بصعوبة وهمس من

بين أسنانه

" ما أغبى أفعال النساء "

" ماذا كنت تقول ! "


تجاهل سؤاله والإجابة عليه وقال ما ترجمه عقله الذي

استفاق من صدمته الأولى أخيراً

" لكن ما قاله رجال المخابرات وجواسيسنا هناك بأنه
يحشدهم لحل مشكلة أراضيهم التي تحترق بفعل فاعل ! "


قال ذاك سريعاً

" هذا ما أخبروا به الجميع وأوهموهم به لكن الحقيقة كانت
بما تخطى توقعات العقل البشري "


عاد لإمساك جبينه وإن كانت عيناه معلقة بالسماء المليئة

بالغيوم البيضاء أمام نافذته وهمس من بين أسنانه

" تباً للمصيبة "


وبدأ بالدوران حول نفسه يده الحرة تنتقل بين خصره

وشعره الذي كان يمرر أصابعه خلال خصلاته الناعمة كل

حين يستمع للذي كان يشرح له باستعجال ما حدث وما

علمه من الحرس الذين شهدوا وحدهم ما حدث فقاطعه

فجأة يسأل عمّا هو أهم من ذلك بالنسبة إليه فما حدث

انتهى ، بينما كانت نبرته متضايقة وأحرفه متشنجة

حين قال

" وماذا فعلتم ؟ لما لم يتم تطويق المحكمة والقبض عليهم
فهذا اعتداء على من هو الآن رئيس بلادهم "


قال الذي يبد غضبه الفعلي من هذه المسألة تحديداً

" لم نكن نعلم حتى غادر حرسه من هناك وأبلغونا وقد
لعبها ذاك الداهية بذكاء وهو يجلب أولئك الرجال معهم
ويقتحم قاعة المحكمة وأنت تعرف مطر جيداً لا يستخدم
العنف ضد شعب البلاد مطلقاً "


نظر حوله بتشتت وكأنه يحاول أن يقرر دون مشاورة عقله

وهمس عاقداً حاجبيه بقوة

" وأين هو الآن وما الذي أمر بفعله ؟ "


وصله صوته سريعاً وبنبرة متضايقة

" أوصل زوجته للمستشفى وغادر حيث لا يعلم أحد وأمرهم
بأن لا يلحق به أحد "


" ماذا !! "


صرخ بها بدهشة وتحركت قدماه نحو الباب وغادر الغرفة

قائلاً بحدة

" وكيف يسمحون بهذا أولئكَ الحمقى ؟ "


قال بشر سريعاً وبانفعال

" كان هذا بأوامر منه فما كنت تتوقع منهم ؟ "


نزلت قدماه عتبات السلالم بخطوات سريعة بينما علا صوته

الغاضب في المكان الساكن تماماً

" قلت مراراً بأنه على القوات الخاصة أن تتكفل بحمايته
وعائلته لكنه أعند من الصخر لَما وافقوا أوامره إلا ظاهرياً
واستمروا في تتبعه ولم يكتفوا بما فعله أولئك الحمقى "


كان قد اقترب من باب المنزل حين وصله صوت الذي

قال بجدية

" نحن نتعقب سيارته لكننا أيضاً لا نستطيع مخالفة أوامره
لأنك تعلم مصيرنا جيداً "

وصل سيارته ومد يده لمقبض بابها قائلاً بحدة

" أنا سأكون بجانبه قبِل بهذا أم لا ، وإن أصابه مكروه
عليه أن يصيبني معه لا يمكنني التحجج مستقبلاً بأنه من
أمر وأراد "


وأنهى المكالمة دون أن يستمع لأي تعليق منه أو ينتظر

ذلك وما أن جلس في سيارته وأغلق بابها أخرج هاتفه

الآخر وما أن قام بتشغيله مجدداً حتى علا رنينه على الفور

ففتح الخط ووضعه على أذنه ويده الأخرى تدير مفتاح

السيارة بينما كان تركيزه التام مع الذي قال سريعاً

" سيدي لقد توصلنا لصاحب الرقم وتواصلنا معه عن
طريق السفارة وأخذنا كافة المعلومات عن الشخص الذي
اشترى منه الشريحة قبل سفره وسنصل لآخر شخص
اشترها بسهولة من خلال تتبعهم "



أبعد يده عن المفتاح ما أن علا صوت محرك السيارة وتقدم

بها نحو الأمام قائلاً

" ليس وقته الآن يا مأمون وما أن تصلوا لمالكها الأخير
أبلغوني وأريده لديا شخصياً فحسابه معي أنا لا أحد يتحدث
معه عن شيء "


وأنهى لاتصال معه ما أن سمع كلمة ( أمرك سيدي )

وانطلق بسيارته مغادراً سور المنزل وبوابته العالية فدماغه

متوقف الآن عن التفكير في أي أمر غير ما هم فيه .


أخرج الجهاز اللاسلكي الموصول بسيارته من مكانه

وتحدث من خلاله قائلاً بأمر حازم

" أريد الطريق الذي تتحرك فيه سيارة الزعيم سريعاً "


علا صوت صفير الهواء الخارج منه وتبعه صوت الذي

قال سريعاً

" على الفور سيدي "


وتابع مباشرة قبل أن ينهي الاتصال معه

" السيد تميم والسيد بِشر كما السيد عثمان والسيد ضرغام
والسيد حازم وفرقة الكوماندوز متخصصة انطلقوا لذات
الإتجاه أيضاً "

أومأ برأسه وهمس وهو يبعد الجهاز ليعيده مكانه

" جيد .. هذا ما يجب أن يكون متوقعاً من رجاله " .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:24 PM   المشاركة رقم: 1668
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

كانت نظرتها الحزينة الحائرة كما عيناها المتأثرة حتى

اللحظة ببكائها تراقب كل ما مرت به السيارة التي كانت

تقلها تشق الظلام خارج شوارع لندن تاركة خلفها المدينة

المضاءة الصاخبة طوال الوقت تقريباً وصولا لمنطقة ريدنج

غرباً ومروراً بسيلاو في طريق استغرق ساعة كاملة من

الوقت ويبدو أن رحلتهما لم تنتهي بعد !

لا تفهم أين تذهب وأين يتجه بها صاحب الشعر الداكن

الجالس خلف المقود أمامها لم يتحدث ولم ترى وجهه حتى

الآن ! لا تعلم أين هي ذاهبة وما مصيرها فساندرين لم

تخبرها عن أي شيء ! .


نظرت لصاحب الشعر الكث الناعم والذي كان وكأن السيارة

تقود نفسها بنفسها لشدة صمته وقالت في أول خروج لها

من صمتها الطويل

" أين نحن ذاهبان ؟ "


توقعت أن لا يجيب أو أن يكون أبكماً لشدة صمته الطويل

لكنه خان توقعاتها تلك وسمعت صوته أخيراً ودون أن

يتحرك رأسه ولا للجانب قليلاً وقد قال بصوت متزن

منخفض بعض الشيء

" لبيروبي بالطبع سيدتي "


غضنت جبينها باستغراب ليس بسبب صوته الذي يبدو

لشاب لم يتجاوز العشرون عاماً من عمره وكان مخالفاً

لتوقعاتها بسبب هيئته وطولة الواضح وإن كان جالساً بل

من حديثه القطعي بأنها يجب أن تكون على علم مسبق

بوجهتها أو أن الأمر باختيارها ! لاذت بالصمت ونظرت

للظلام من نافذتها وعجز عقلها عن تفسير كل هذا فيبدو أن

ساندرين اختارت وجهة تُعبر عن رغبتها هي !!


سارت السيارة مسافة الأربعين دقيقة أيضاً لا شيء سوى

الظلام وظلال الأشجار العالية والتي بدأت تزداد كثافة فما

تعلمه سابقاً عن بيبوري بأنها أحد بلدات ريف لندن بل

وأجملها وأشهرها فما المكان الذي يقصدانه هناك ؟

شعرت بالحيرة والضياع ولا يمكنها السؤال ولا الفهم ولا

شيء بيدها سوى انتظار مصيرها المحتم فهي هكذا طوال

حياتها لم تختر شيئاً بنفسها ولم تستطع فرض قراراتها

على أحد ويتهمها الجميع بالضعف بينما كانوا هم السبب

فيه دائماً فما من أحد منهم سألها يوماً ما رأيك في هذا

ماريه فالقرار راجع لك بل يقررون عنها ثم يلقون باللوم

عليها وينتقدونها !


اتكأت بطرف جبينها على زجاج النافذة البارد تراقب

الطبيعة الغارقة في ظلام بحزن فها هي تنقاد مجدداً ولا

خيار آخر أمامها فكل ما أرادته الابتعاد عنهم جميعاً .. تريد

أن تنساهم وأن لا يصل أحد منهم لها ، تريد أن تنفرد

بنفسها بألمها وجراحها ولا تريد سماع المزيد ولا التحدث

عن أي شيء فهي فعلت ما أمروها به وانتهى الأمر ومن

حقها أن تقرر مصيرها بعيداً عنه كما أرادوا وبعيداً عنهم

أيضاً ومهما كان هذا المجهول الذي هي ذاهبة إليه وفي

هذا الوقت المتأخر من الليل فهو أرحم منهم جميعهم

ومهما كان قاسياً لأنها متعبة بالفعل وتريد أن ترتاح وإن

كان قلبها لن يتذوق طعم الراحة أبداً .


" ها قد وصلنا آنستي "


رفعت رأسها تستوي في جلوسها ونظرت لصاحب الصوت

الباسم والذي لازالت تجهل ملامحه وهو يعلن لها عن

نهاية رحلتها المجهولة أخيراً وسرق نظرها البوابة

الحديدية المفتوحة التي اجتازتها السيارة عبر ممر حجري

مخصص وعلى جانبيه كانت أرض يغطيها بساط أخضر

وأشجار عالية على مسافة قريبة من المكان فعلمت بأن

رحلتهما ستنتهي عند منزل كبير منفرد بنفسه وليس أحد

بيوت البلدة المتراصة كما تعلم عنها .


وكان ذاك ما حدث فعلاً ولاحت لها قمة البناء المرتفع تحيط

الأضواء بجدران شرفاته ذات السياج النحاسي قبل أن

يظهر أمامها المبنى الكبير رائع الجمال وشعرت وكأنها

تقف أمام قصر عائلة ضرار السلطان فهل هذا يكون أحد

القصور الريفية ؟!

كانت الواجهة عبارة عن مضلعان حجريان بارزان يمثلان

الباب الرئيسي وشرفة كبيرة جميلة أعلاه تأخد شكل قوس

يليه بجانبيه باقي الشرفات مستطيلات الشكل وكانت بلون

يشبه لون القرميد الباهت وكان واضحاً على شكل البناء

الخارجي ثراء مالكيه ، ومنعها الظلام حول المكان من

رؤية تفاصيل حديقته الرائعة أو لم تهتم فعلياً للأمر

ففضولها كان يتحرك نحو شيء واحد والسيارة تتوقف أمام

الباب وعتباته العالية التي ترتفع لما يشبه الشرفة تحوي

الباب الرئيسي عند نهايتها وتبع نظرها الجالس أمامها

والذي فتح بابه ونزل وتوجه لبابها من فوره وفتحه لها

فوقفت خارجها بعد تردد لحظي وتوتر لم تستطع إخفائه

وهي تنظر لوجه الشاب الذي كان كما توقعت في العشرين

من عمره ويبدو في مثل سنها أو يكبرها بعام واحد فقط

وابتسم لها وقال وهو يغلق بابها

" السيد فاليريو في انتظارك في الداخل "


لحسن حظها أنه لم يرى الصدمة التي علت ملامحها حينها

لأنه توجه لباب السيارة الأمامي والذي تركه مفتوحاً عند

نزوله وركبها مجدداً وتحركت من مكانها على الفور

وبالتأكيد سيعيدها لمكانها المخصص لها بينما تركها واقفة

مكانها تضربها النسائم الربيعية القوية من كل اتجاه

تتلاعب بخصلات شعرها البنية الناعمة ترمي كل واحدة

منها بعشوائية كما حال فستانها الطويل وأطراف سترتها

المفتوحة وشعرت بضربات قلبها ترتفع بحدة وهي تنظر

للباب المفتوح في الأعلى والذي يبدو تُرك بشكل متعمد لها

! فاليريو مديتشي .. هي تذكر هذا الإسم جيداً كما غاستوني

مديتشي إنهما قريبا ماري دفسينت من والدها !

إنه عم والد تلك الفتاة وابنه الإيطاليان الأصل انجليزيان

الجنسية كما دماؤهما المختلطة بالإنجليز فوالدة فاليريو

كما جدته والدة غستوني كما جدة والدته جميعهن

انجليزيات وقد نال ذاك الرجل الأكبر لقب التشريف من

العائلة الملكية وقت شبابه كضابط إنجليزي وفرد من

الطبقة المخملية نسبة لوالده البرجوازي ووالدته

الأرستقراطية وبطولاته في البحرية الملكية سابقاً .

قريبا ماري دفسنت واللذان لم يلتقيا بها منذ كانت رضيعة

لم تتجاوز الشهر الواحد من عمرها تقريباً وبسبب قطيعة

كبيرة بين أفراد العائلة دامت لعشرون عاماً تقريباً وقد تركا

بلدهم الأم التي لم تحتضنهم يوماً فحياتهم كانت في انجلترا

منذ ولدا وانعدمت زيارتهما لتلك البلاد منذ تلك القطيعة

بعيدة الأمد .


سحبت نفساً عميقاً لصدرها ولازالت تنظر لذاك الباب من

خلف خصلات غرتها المتطايرة بعشوائية أمام عينيها

وشعرت بأنه ممر جديد غامض لا تعلم أين سيقودها

وينتهي بها ؟

وهل فعلت ساندرين الصواب بكل هذا أم أن النتائج ستكون

أسوأ مما يتخيل الجميع وحتى هي نفسها !

هل حان الوقت لتلعب دور ماري التي سرقت هويتها

وإسمها ؟

هل ستكون اللعنة على تلك الفتاة أم العكس تماماً ؟

أيمكنها هي ماريه هارون الفتاة التي كان أقصى أحلامها

وأمنياتها أن تجتمع بحبيب طفولتها أن تلعب هذا الدور

لتكون فتاة أخرى مع أناس أخرين ؟

هي التي اختارت أن تكون فقط ماريه ورفض حتى مناداتها

باسمها لتجد نفسها مجبرة على لعب دورها أيضاً !.


ارتسم الضياع على ملامحها البريئة وعيناها الحزينة لكنه

تلاشى سريعاً وتلك الأحداق الذهبية تمتلئ بالدموع وهي

تتذكر خذلانها وانكسار قلبها وروحها كماريه هارون فلعلها

تجد الإنصاف كماري دفسينت وإن كرهت نفسها هذا فهي

سرقت منها هويتها لتكون هنا مع زوجها وعليها أن لا

تنسى هذا أبداً .


تقدمت خطواتها نحو العتبات وصعدتها ببطء فمن غير

اللائق أن تترك ذاك الشاب ينتظرها أكثر من هذا وهو قد

علم بوصول السيارة بالتأكيد ، وعادت تلوم ساندرين في

قرارة نفسها لأنها لم تخبرها وتأخد برأيها إن كانت توافق

على هذا أم لا .. وتساءلت هل ثمة أمر غير هذا يجعلها

تبتعد عن كل شيء ؟

فلا جواز سفر تملكه لا مال ولا حتى هاتف حالياً فحتى إن

فكرت في الهرب فلن تجد مكاناً تذهب إليه وسيعثر عليها

رجال ذاك الرجل بكل سهولة بالتأكيد وستكون في منزل عم

والدها أو والد زوجها ولا مكان آخر يمكن نفيها إليه .


ما أن وصلت الباب الواسع المفتوح والمدعم بطبقة زجاجية

سميكة تغطي خشبه الأسود الثقيل وقفت مكانها ووقع

نظرها فوراً على الجالس حيث الصالون المقابل للباب وفي

المكان المضاء رغم تأخر الوقت ولم يشد انتباهها أي قطعة

من الأثاث الكلاسيكي الجميل ولا تفاصيل المكان الرائع من

الخارج بل صاحب الجسد الطويل والذي كان لازال باللباس

الرسمي وقد وقف فور رؤيته لها وتحركت خطواته نحوها

مبتسماً .. ذو الشعر الأسود والملامح المسترخية والفكان

العريضان تغطيهما لحية خفيفة محددة وعينان سوداء

تميزهما نظرة الرقة فيهما .. العينان التي تتميز بعدم

كتمانها لما تحويه نفس صاحبها تراها وكأنها تبتسم حناناً

ما أن تبتسم شفتيه وتتأثر حزناً ما أن يتألم في داخله وإن

لم يظهر ذلك عليه ، إنها تلك العينان التي يقال عنها بأنها

تتحدث في صمت صاحبها تشدك للنظر لها سريعاً

كالمغناطيس لأنك تستشعر الصدق فيها وعلى الفور .


ما أن وقف أمامها ومدت يدها لمصافحته تحاول جاهدة

إهدائه ابتسامة وأن صغيرة رفع يدها لشفتيه وقبّلها برقة

وقال مبتسماً وهو يبعدها بينما نظره على عينيها

" تشرفت برؤيتك ماري "


حاولت قول شيء لمجاملته أو حتى الكذب عليه لكنها لم

تستطع وشعرت بحلقها متيبس بشدة وعجزت عن تحريك

لسانها ولحسن حظها يبدو أنه لم ينتظر ذلك منها أو أنه

تفهّم الأمر ووضْعُها الحالي وقد قال مبتسماً ويداهما

تفترقان

" أعتذر لتغيب والدي عن استقبالك فهو ينام باكراً "


بالكاد خرج صوتها وهي تبتسم بحزن تغلب على ملامحها

" بل أنا من عليها الاعتذار "


جعله تعبير وجهها ذاك يرتبك قليلاً كما بدا لها ويبدو أنه قد

فهم بشكل خاطئ أن تصرفه كان سيئاً فقال موضحاً

" حقيقة الأمر هو لا يعلم عن قدومك الآن وأنا تعمدت جلبك
في هذا الوقت الذي يكون فيه نائماً "


تبدلت نظراتها للاستغراب فأشار بيده نحو الصالون الذي

كان يجلس على أحد كراسيه قائلاً

" أردت فقط أن نتحدث قليلاً قبل ذلك "


أومأت برأسها في شرود وتحركت أمامه كمنومة يقود

قدماها شيء غير عقلها الذي كان يحاول استيعاب الأمور

ببطء شديد وحسب ما ينجلي لها من أمور فلازالت تجهل

الكثير ولا يمكنها السؤال كي لا تظهر بمظهر الحمقاء كما

حدث مع الشاب الذي يبدو يعمل سائقاً هنا ، ما أن جلست

عند طرف الأريكة نظرت للذي قال وهو يجلس على

الكرسي المحاذي

" والدي سيكون مسروراً بوجودك فهو كان معترضاً
وبشدة لعدم عيشك معنا بعد تركك لعائلتك هناك "


وكانت الابتسامة قد غابت عن شفتيه وملامحه الرجولية

لأول مرة منذ دخولها وتنبأت ضربات قلبها المتصاعدة

بالقادم والذي كان أشد من سابقه ما أن قال بهدوء غريب

ينظر لعينيها

" لا أعلم فعلاً ما الذي حدث تلك الليلة لكن يبدو لي كان
سيئاً جداً "


تعالت أنفاسها وشعرت بتوتر حاولت إخفائه وهي تنزل

بنظرها لأصابعها التي كانت تقبضها بشدة وفعلت ما أملاه

عليها ضميرها قبل واقعها فإن كان عليها تقبل كونها ماري

الفتاة الإيطالية والتعامل مع ذكراها باحترام فالفتى تيموثي

من باب أولى وعلى العائلة أن تعالج جزئاً من مشاكلها

المعلقة على الأقل ، رفعت نظرها له وقالت بصوت

منخفض متردد

" كان ... لقد احترقت الشقة "


ولم تستغرب قطعاً النظرة التي رأتها في عينيه وهو يستقبل

الخبر ويبدو كان يتوقع غير ذلك فلن تخبره ساندرين بأمر

هي نفسها تجهله وهو السبب الحقيقي الذي لا يعلمه سوى

والده وزعيمهم ذاك ، قال ما أن تجاوز صدمته

"تقصدين أن النار اشتعلت فيها وهو سبب مغادرتك ب.. "


وبتر جملته التي تعلمها دون أن يكلف نفسه حرج شرح

تفاصيلها فأبعدت نظرها عنه وقالت بحزن تكتم خلفه

الحقيقة الموجعة

" أجل كان حادثاً ولم آخذ أي شيء معي "

وأسدلت جفناها ورموشها الطويلة فوق المقلتين الحزينتين

مما جعل الذي لم تفارق عيناه ملامحها يقول بتفهم

" هذا مؤسف حقاً لكن ... "


وتردد صوته قليلاً قبل أن يقول ما اعتمر في نفسه وأحد

طباعه وهو قول ما لديه دون تركه لعقله وقلبه

" حقيقة الأمر أنا توقعت شيئاً مختلفاً وأنتِ ترسلين طلباً
خطياً لجلبك للعيش هنا "


رفعت رأسها حينها ونظرت لعينيه وها قد ظهر الجزء الذي

توقعته من الأمر ومنذ أخبرها السائق عن وجهتها التي كان

عليها معرفتها سابقاً بينما تابع الذي لازال ينظر لعينيها

وبنبرة هادئة رزينة

" لقد تواصلت مع ساندرين .. رقمها كان موجوداً في
الورقة ، ظننت بأنك من سيجيب لكني لم أتلقى اتصالات
سوى منها "


وتابع من فوره باستغراب يفرد يديه التي كان يمسكهما معاً

" كما أن عدم استخدامها لرقم هاتفي وهو موجود عند
والدها جعلني أفكر في أمور أخرى "

كان كمن يبرر لنفسه قبلها وفهمت الآن الأمر بشكل أفضل

فساندرين لا تملك رقمه الخاص ولم يكن باستطاعتها أخذه

من هاتف والدها فهي تعلم بأنه يستخدم رمزاً له ولن تفتحه

بدون إذن مسبق منه ولا يمكنها أيضاً أن تطلب منهما

أخذها دون أن يكون ذلك بطلب منها هي ولم تخبرها خشبة

أن ترفض هذا لذلك أرسلت خطاباً خطياً ورسمياً لمكان

عمله على أنه موجه منها لهما ووضعت رقم هاتفها فيه

لأنها لم تعد تملك هاتفاً ، قال محرجاً ما أن لمح شرود

نظرها بحزن

" أعتذر إن أزعجك الأمر ماري "


ارتسمت ابتسامة متأسية على شفتيها وهي تنظر لعينيه

مجدداً وخرجت الكلمات بكل ما استطاعت من جهد لتكون

متفهمة

" لا شيء تعتذر عنه أنا أتفهم موقفك وتفكيرك "


ارتسم الحزن في عينيه هو حينها وقال

" هل يعني هذا أنه لم يتم إنقاذ شيء من الحريق لذلك لا
حقيبة معك ؟ "


شعرت بالمرارة في حلقها كما الألم في قلبها وأومأت

برأسها فقط والحزن والألم يرسمان بريقهما في عينيها

الجميلة وعلى صفحات ملامح وجهها البريء مما جعله

يهمس باستغراب

" كل شيء ؟ "


ملأت الدموع عيناها وهمست بمرارة تقصد أبعد مما

يعني وفهم

" كل شيء "


تأوه بطريقة رجولية أنيقة تشبه جذوره وطباعه الرقيقة

كما يبدو عليه وامتدت يده ليدها وشدت أصابعه عليها وقال

" لا تحزني أميرتي سيكون كل ما فقدته هناك لديك خلال
ساعات ، الملابس والمجوهرات وكل ما يخص دراستك
سنعالج الأمر سريعاً حسناً "



وأبعد يده ما أن رفعت يدها لعينيها مع انخفاض رأسها

تمسح الدموع التي لم تفارق رموشها بينما همست شفتاها

تشكره وعادت ونظرت له ما أن قال

" أردت التحدث معك أولاً لأني لا أريد أن يعلم والدي عن
السبب الحقيقي لقدومك تلك الليلة بذاك المنظر في حال
تعرف عليك ما أن يراك في الغد فهو مستاء من عدم مجيئك
للعيش معنا كمسؤول عنك بعد وفاة والدك وترْكِك لعائلتك
تلك هناك "


أبعدت نظرها عنه في صمت وها قد علمت لما قال كل ما

قاله ويبدو ليبرر لها سبب مقابلته لها أولاً وتراه فعل

الصواب فأن يعلم والده بما حدث وهو يبدو مستاءً دون

سبب معناه مشكلة طويلة الأمد ستواجه هي تبعاتها ،

رفعت نظرها له ما أن قال موضحاً ويبدو خمن بأن

الأمر يزعجها

" مؤكد الأمر يخصك بالدرجة الأولى لكنه فقط يرى بأنك
البقية المتبقية من عائلة شقيقه وابنه "



جاهدت نفسها كثيراً لتبتسم وهي تقول

" أنا أتفهم هذا "


ابتسم حينها ابتسامة حقيقة تختلف عنها بكل تأكيد وقال

" أتعلمي أمراً ماري "


تبدلت نظراتها كما ملامحها للترقب وفي صمت بينما تابع

هو دون انتظار لتسأل

" لقد فاجأتني "


وتابع من فوره بابتسامة محرجة متجاوزاً نظرات

الاستغراب في عينيها

" لا تبدين لي كما علمت وقيل عنك .. أنتِ فتاة مهذبة
ولبقة كثيراً "


ابتسمت بحزن تهرب بنظراتها منه وها هو كما توقعت

تماماً أحد أولئك الأشخاص الذين لا تخفي ألسنتهم ما يعتمر

قلوبهم ووجهات نظرهم عنك لكن بطريقة لبقة لا تجرح ولا

تؤذي وذاك بدا واضحاً في اختياره لعباراته كما كثرة

اعتذاره ، وأتاها دليل ذلك سريعاً وما أن قال

" أعتذر إن كان الأمر فضاً لكني أكره أن يقال عن شخص
ما أموراً ليست حقيقية "



هامت بنظرها للفراغ وابتسمت بألم قائلة

" أحياناً نواجه ظروفاً ما تجعلنا نتغير كثيراً "


قال سريعاً وبصوت باسم

" فهمت قصدك جيداً ماري وسررت جداً لانضمامك
لعائلتنا الصغيرة "


نظرت له مبتسمة بامتنان فيبدو أن هذا الشاب الإيطالي

الوسيم كما وصفته تلك الحمراء يمتلك قلباً جميلاً للغاية ،

بينما تابع هو وذات الابتسامة الصادقة تزين شفتيه

" ستكونين مؤنساً لوالدي وهذا يسعدني كثيراً فأنا
لا أتواجد هنا دائماً بسبب عملي في نورثود كما أنني
أملك شقة هناك "



ولم ينتظر منها أي تعليق أو يبدو لم يتوقعه فهي بالكاد

قالت القليل من الكلمات وقال وهو يقف

" لابد وأنك متعبة وتحتاجين للراحة والنوم سأوصلك
لغرفتك "


فوقفت من فورها وبصمت فهي بالفعل بحاجة لأن تكون

وحدها فقط فلا نوم ولا راحة ستنعم بهما قبل وقت بعيد

حسب ما تشعر به يذبحها من الداخل ويتآكلها في صمت ،

سارت معه باتجاه السلالم النصف حلزوني ناحية زاوية

الجدار المحاذي للباب الذي دخلت منه وكان بسياج ذهبي

اللون وعتبات من البورسلين الأبيض اللامع مع أضواء

مخفية عند طرفي كل واحدة منهم وصعدت تنظر للنوافذ

الصغيرة الأنيقة التي كانت تزين الجدار المحاذي له

والنصف دائري تطل على الخارج في تصميم جميل ومميز ،

نظرت للسائر أمامها بخطوة واحدة ما أن قال

" والدي على علم مسبق بقدومك ،هو يجهل فقط التوقيت "


وكانا حينها قد وصلا للأعلى وحيث الردهة المظلمة نوعاً

ما فكلما ابتعد المكان عن الطابق السفلي ازداد الظلام

والسكون حدة ووقف حينها واستدار نحوها وأمسكت يداه

بذراعيها وقال بجدية بنظر لعينيها

" ما أريد أن تعلمي به ماري أن خروجك من هذا الباب لن
يكون إلا بإرادتك ، لن يقرر أي أحد امراً بالنيابة عنك ولا
أحد يستطع التحكم بك وأنتِ في منزل غاستوني مديتشي
وفرد من عائلته "



وأبعد يديه عنها ما أن تنقلت نظراتها بين عينيه بضياع

وحيرة وهمست ما أن وجدت صوتها

" ما الذي أخبرتك به ساندي ! "
أبعد نظره عنها ليده التي كانت تمسك بالكرة الذهبية عند

نهاية السياج قربه وقال وهو يرفع نظره لها مجدداً وينظر

بتركيز لعينيها

" ليس الكثير وليس أمراً مفهوماً أيضاً لكني استوعبت مما
قالت وكان يغضبها أنك تتعرضين لضغوط كثيرة ولا يمكنك
تحديد ولا مصيرك أو ما تريدين وترفضين "



وتابع من فوره مؤكداً لأفكاره وتحليله للأمر

" كما أعلم بأن إرسالك لذاك الخطاب لأخذك معناه أنك
تعانين مما فكرت به "



أرخت نظرها للأسفل وهمست بما يجب عليها قوله لا ما

تريد أن تقول

" أشكرك كثيراً "


ابتسم وقال ويده تلامس ظهرها يسير بها نحو وجهتهما

"لا داعي لهذا ماري فنحن عائلة وهو واجبنا نحوك فقط "


سار بها يساراً ما أن اجتازا أعمدة مذهبة زينت المسافة

بين السلالم وزاوية الجدار لتجعل منه شرفة تطل على

الأسفل حيث الباب الرئيسي ، وكان مقابلاً لهما حينها باب

خشبي بطلاء لامع داكن اللون وامتدت يده لمقبضه الدائري

وأداره بحركة واحدة ودفعه نحو الداخل وكانت أمامها

غرفة متوسطة الاتساع نسبياً لها سرير واسع وإن لم يكن

مخصص لشخصين وله مفرش جميل وغطاء محشو بالقطن

دمج اللون الأبيض مع اللون الرمادي عند حوافه ووضعت

فوقه وسادتان متلاصقتان تقريباً ، كان ورق الحائط باللون

الرمادي وزخارف منتظمة تزينه ذهبية اللون .. كرسي عند

الزاوية وآخر بدون ظهر مقابل لمرآة معلقة على الجدار

وتحتها وضعت طاولة بأرجل ذهبية أما الشرفة قرب السرير

عند الجدار الآخر غطتها ستارة كبيرة مكونة من ثلاث

طبقات بقماش سميك وراقي إحداها مرفوعة جانباً كزينة

فقط بلون رمادي غامق يشبه لون الزيتون والتالية بيضاء

مرتفعة عند نصف الجدار والأخيرة دمجت اللونين في

نقوش صغيرة متداخلة ومسدلة بشكل كامل تقريباً على باب

الشرفة المغلق ، كما كان ثمة مكان لا باب له حيث الجدار

المقابل للسرير وسيكون لغرفة الملابس بالتأكيد فلا خزانة

في المكان ، وقريباً منه كان هناك باب الحمام المغلق .


نقلت نظرها منها للواقف بجانبها ما أن قال مبتسماً

" أتمنى أن تكون قد نالت إعجابك "


وتابع من فوره وذات الابتسامة تزين شفتيه ينقل

نظره بينهما

" والدي يفضل الأثاث الكلاسيكي "


ابتسمت وقالت تنظر للداخل مجدداً

" هي جميلة بالفعل "


ابتسم بارتياح ورفع يده جانباً وقال معتذراً

" هل تسمحين لي ..؟ عليا الاستحمام والمغادرة لنورثود
يجب أن أكون في مبنى البحرية الملكية عند السابعة
صباحاً "


ابتسمت بامتنان وهمست

" بالتأكيد ... شكراً لك "


قال وقد لوح بيده مغادراً

" طابت ليلتك "
واختفى عند الجانب الشبه المظلم للمكان وتركها وحيدة

فتحركت خطواتها نحو الداخل ببطء تنظر لعالمها الجديد

وحيث مستقبلها المجهول والذي لا تعلم سيكون متنفسها

لحياتها المستقلة كما قال ذاك الشاب وأرادت ساندرين أم

سجن آخر وعذاب من نوع آخر ومصدر تحكم جديد في

مصيرها وقراراتها ؟


أغلقت تلك الأفكار مع إغلاقها للباب ووقفت مستندة

بظهرها عليه قبل أن ينزل جسدها ببطء نحو الأسفل

وجلست تحضن ركبتيها بقوة وأخفت ملامحها ونظرها

فيهما وتعالت أنفاسها تمسك نفسها بقوة عن البكاء فلا

مزيد من الدموع ماري ... أجل ماري الاسم الذي لم

تعترف به يوماً وباتت مجبرة على تقبله بل والتعايش معه

وتصديقه فلم يزدها تعذيب نفسها به سوى ألماً فوق ألمها

فما الذي يفعله البكاء سوى نقل الألم من العينين للرأس ؟

حقيقة باتت مقتنعة بها ومنذ أصبحت هنا في هذه البلاد فلم

يوصلها للحلول يوماً كما لم يخفف عنها ألم ما تشعر به ولم

يشعرها بالراحة .


كم تشعر بالغضب من نفسها لسرقتها هوية غيرها بل

وإيهام هذه العائلة بأنها شخص لا وجود له ليعيشا في

كذبة كبيرة لن يغفراها لها بالتأكيد إن علما ، لكنها كانت

مجبرة لم يأخذ أحد برأيها بل ولم تكن موافقة على عيش

شخصية ليست لها ولم تتخيل يوماً أن تجد نفسها في

مواجهة تلك الكذبة لتكون حقيقة كاملة ولا تعلم من تلقي

باللوم عليه في هذا ؟

تيم الذي كان مصراً على إحضارها إلى هنا ومهما كانت

النتائج ؟ أم مطر شاهين على سرقته لهوية غيرها لينفذ

رغبة رجله الأول العنيد وينقذه من رمي نفسه للتهلكة ؟

أم عمها الحارثة وزوجته على تسليمهم لهويتها والاعتراف

بها كخالة لها وزوجها ؟ والنتيجة واحدة لا يمكنها لوم أحد

فوجودها هنا كان رغبتها التي انتظرت أعواماً لتتحقق

وليحدث هذا كان عليهم إيجاد هوية حقيقة لدور تتقمصه أو

كانت ابنة الجنيرال تلك اكتشفت أمرها ومنذ وقت في حال

كانت باسم مزيف لا وجود له .


انتفضت واقفة على طولها ما أن طرق أحدهم على الباب

خلفها ووقفت تنظر له أمامها بوجل بينما لم يتكرر الطرق

وترددت قليلاً قبل أن تمتد يدها له وتفتحه وكما توقعت كان

فاليريو يقف أمامها وكان يحمل في يديه بيجامة نسائية من

القطن الناعم مطوية بعناية وكأنه تم إخراجها من الكيس

المخصص لها الآن ! كانت بلون الكراميل ولها أزرار

بيضاء تأخد شكل الزهرة كما لون حواف ياقتها والجيب

عند الصدر وقد تم تطريز أول حرفين للشركة المصنعة لها

عليه بخيوط من الحرير ، رفعت نظرها له ما أن

قال مبتسماً

" لن تشعري بالراحة وأنتِ تنامين بالفستان لهذا
جلبتها لك "


وتابع وهو يمدها لها

" هذا سيكون أفضل "


اخذتها منه وشكرته هامسة تنظر لها بين يديها تشعر

بالنعومة الفعلية لقماشها الفاخر والواضح من اسم دار

الأزياء المشهورة التي تم وضع أحرف شعارها المميز

عليها واستغربت رائحة العطر الجميل المنبعث منها وكأنه

ثم رشه عليها في وقت قريب !


رفعت نظرها له ما أن قال وبعد ضحكة صغيرة محرجة

" عليا أن أعتذر منك لأخذي إياها في الغد "


وانتقل نظره لها بين يديها ولمعت عيناه بحزن وهو يتابع

" لا يمكنني تركها لديك لوقت أطول من هذا "


كانت تحدق فيه باستغراب وما أن رفع نظره منها وكأنه

يجبره مكرها على ذلك ونظر لعينيها قالت بضحكة صغيرة

" هذا معناه لا تأخذيها ! "


ضحك وقال

" لا ليس الأمر كذلك فما كنت لأعطيها لك لو أني
لا أريد هذا "


وتابع من فوره يغير مجرى الحديث عنها

" سأهتم بمسألة جامعتك لا تفكري في الأمر وسيكون لديك
إجازة حتى نرتب أمور عودتك لها مجدداً "



تمتمت مبتسمة بحزن

" أنا ممتنة لك بالفعل "


ابتسم وقال ويده تمسك مقبض الباب

" هذا واجبي نحوك ماري "


ابتسمت له بامتنان وأغلقه خلفه قائلاً بابتسامة

" تصبحين على خير "


وما أن ابتعدت خطواته حتى اختفت ابتسامتها تلك وحررت

نفساً عميقاً طويلاً من صدرها فهي تحتاج لبعض الوقت

لتعتاد وضعها الجديد ويغادرها القلق والخوف من اكتشاف

هويتها الحقيقية بالرغم من أنها في مأمن مادامت بعيدة عن

الموطن الأصلي لتلك الفتاة ولديها داعم قوي وهي خالتها

إيميليا فلن يتوقع أي أحد بأنها لا تعرف وجه ابنة شقيقتها .


نظرت للبيجامة المطوية بين يديها ورفعتها لوجهها

تستنشق عطرها مغمضة العينين وشعرت وكأنها في مكان

لا تعلم ما يكون ! العطر غريب وجميل لم تعرف مثيلاً له

من قبل ! عادت ونظرت لها وهي تنزل يديها مجدداً

وانتابتها الحيرة بخصوص هوية مالكتها الأصلية ولما قال

بأنه لا يستطيع أن يتركها لديها وبعيداً عنه أكثر من ليلة

واحدة فهل تخص والدته المتوفاة ! أم امرأة أخرى ؟!


سارت بها نحو الطاولة الوحيدة في الغرفة بجانب السرير

ووضعتها عليها برفق فلا يمكنها ارتداؤها وإن سمح لها

بهذا لأنها أنثى وستحترم ذكرى صاحبتها لديه وكانت من

تكون .



تركتها هناك وتوجهت نحو السرير تنزع سترتها الخفيفة

برفق فلازالت تشعر بالألم في كتفها كلما اضطرت لدفع

مرفقها نحو الخلف ، وضعتها عند طرف السرير وأبعدت

الغطاء واندست تحته برفق تضع رأسها على الوسادة

الناعمة تدس يدها تحت وجنتها ودون أن تطفئ نور الغرفة

فهي تعلم جيداً بأنها لن تنام ولن يغمض لها جفن .


اكتسى الحزن والمرارة عينيها تحدق في الفراغ بشرود

وكل ما حدث اليومين الماضيين يهاجمها وبقوة وكأنه

يخشى أن تفكر في نسيانه أو تناسية ، انقلبت على ظهرها

ببطء مراعاة لألم كتفها وحدقت في الزخارف الفيكتوريه

الجميلة التي كانت تزين السقف قبل أن تغمض عينيها

وتنفست بعمق وهدوء فعليها أن لا تفكر في كل ما حدث فلا

يمكن تغييره ولا التراجع عنه خاصة وهي أصبحت هنا

وماري دفسينت بشكل فعلي وعليها أن تفكر في هذا فقط ..

ماريه هارون اختفت واختفوا جميعهم من عالمها فلا تيم

كنعان يخشون عليه منها ولا والده ، لا عمه لا عمته ولا

عم والدها بل ولا حتى مطر شاهين نفسه وإن رأوها

أمامهم مستقبلاً فلن يستطيعوا معاملتها إلا كماري ولن

يتحكموا بها وبقرارتها تحت مسمى الحماية مستغلين نقطة

ضعفها الوحيدة وهو تيم زوجها ورفيق طفولتها .


فتحت عيناها التي كانت مغرورقة بالدموع ما أن وصلت

أفكارها لاسمه وتعلم بأنه أقوى عتبة عليها تخطيها في

عالمها الجديد هذا بل وفي حياتها بأكملها وبعد أن حُكم على

علاقتهما بالموت والفناء .


أغمضت عينيها مجدداً وببطء شديد وانسابت الدمعة من

طرفهما نحو صدغها واختفت عند خصلات شعرها البني

الناعم بينما همست شفتاها بحزن

" عليك أن تكوني قوية ماري .. فقط قوية "


*
*
*

جلست على طرف السرير وفركت يديدها بتوتر وهذا حالها

منذ أن غادر من هنا تحاول وإن استيعاب الفكرة أو حتى

تصديقها ولا تفهم ما به حظها هكذا فمنذ التقت به لم تسر

الأمور كما تريد لا كما تخطط ولا حتى تتوقع وعلاقتهما

تتطور عكس التيار في كل مرة .


أخفضت رأسها وتقوست شفتاها ببؤس ما أن وقع نظرها

على ملابسها التي لم تفارقها حتى الآن وبدلاً من أن تكون

نائمة لتتخلص من تعب اليوم الشاق الطويل ها هي ما تزال

على حالها طيلة الليل فقد مضت الساعات وهي إما تدور

في الغرفة المغلقة كالمجنونة لا تعلم ما ستفعله أو جالسة

هنا تمسح دموعها كلما تذكرت بأنها ساعات قليلة فقط

تفصلها عن تركها لعائلتها الحبيبة ومنزل طفولتها ، وكلما

حاولت الهرب من التفكير في هذا كانت ذكرى قبلته تلك

وملمس شفتيه في انتظارها .


وقفت على طولها وذاك حالها كلما راودتها تلك الأفكار

وتوجهت نحو خزانتها وفتحتها للمرة العاشرة تقريباً فهي

نسيت عددها من كثرتها والنتيجة ذاتها لا تجد ما تبحث عنه

فأي ظلم في حقها هذا ؟


تعلم عن سفرهما في وقت متأخر وليس أمامها سوى

ساعات قليلة ولا يمكنها ولا شراء ثوب مناسب ترتديه

وقميص يمكنها النوم فيه فهي لا تعلم عن وجهتهما

وعروس بدون جهاز يليق بها !


شعرت برغبة عارمة في البكاء وضربت باب الخزانة بقوة

ككل مرة فهي كانت طوال سنوات عملها تلك تساعد والدها

بسبب التكاليف الباهظة لدراسة شقيقها وكي لا يخسر

حلمه ومستقبله فراتب والدها بالكاد يكفي لتغطية تلك

التكاليف بينما تكفلت هي بكل ما يحتاجه المنزل ولم تدخر


قرشاً واحداً يوماً ولم تشتري ثوباً جميلاً أبداً وكانت تقتصد

في مصروفها قدر الإمكان لتتمكن من سد حاجات منزلهم

دون أن يشعر والدها ولا شقيقها بأنهم عبء عليها فكانت

ترى الثياب الجميلة والمجوهرات في واجهات المحلات

تتمناها ولا تستطيع شرائها وكلما تحدث أحد من عائلتها

عن أمر مشابه أظهرت لهم عدم اهتمامها بتلك الأمور حتى

أنها أغلب الأحيان كانت تشتري ثياباً مستعملة بدون علمهم

كي لا ينقص منزلهم شيء تحتاجه والدتها أو تشتري لها

ثوباً وعطراً .


ارتمت بجسدها جالسة على طرف السرير مجدداً

وتمتمت بعبوس

" حتى أنهم لم يعطوني مالاً كأي عروس تستلم مهرها "


اتسعت عيناها بذهول ونظرت ناحية هاتفها ما أن علا

صوت الأذان منه ووقفت على طولها مصدومة فقد مر

الوقت وهي لم تفعل شيئاً سوى الدوران هنا كالبلهاء !


ركضت باتجاه الحمام واستحمت سريعاً وما أن خرجت

صلت الفجر وجففت شعرها وعادت للوقوف أمام خزانتها

مجدداً لكن هذه المرة بقرار حازم أخرجت الثياب التي

اشترتها في عيد الفطر الماضي وآخر ما اشترت لنفسها ولا

تملك أفضل منها في الوقت الحالي ، كانت بذلة مكونة من

ثلاث قطع بنطلون وسترة مخصرة بأكمام جميلة لها عقدة

عند نهايتها يصل طولها لنهاية وركيها وقميص تحتها من

الشيفون بدون أكمام وله كرانيش بثلاث طبقات ومن ذات

القماش عند ياقته ، مشطت شعرها مجدداً وتركته مفتوحاً

وتوجهت نحو حقيبتها الوحيدة فتحتها وكانت تحوي مرآة

صغيرة ومشط وزجاجة العطر الوحيدة التي تملكها أيضاً

وأوراق نقدية قليلة أخرجتها منها ووضعتها على طاولة

التزيين تنظر لها بحزن وتتمنى من الله أن يعين والدها

وأسرتها حتى تنتهي السنة الأخيرة لشقيقها في جامعته .


رفعت أحمر شفاه بلون القرميد مررته على شفتيها تاركاً

لوناً خفيفاً وجميلاً عليهما ومررت قلم الكحل على جفنيها

العلويان ووضعتهما في حقيبتها أيضاً ولا تعلم لما !

لم يكن بإمكانها أخذ شيء آخر حسب توصياته ولا شيء

لديها تأخذه أساساً فوضعت فيها جواز سفرها وبطاقتها

الشخصية وأغلقتها ووضعتها على كتفها وهي تفتح باب

الغرفة وتغادرها باتجاه ممر غرفة والديها لتراهما قبل

مغادرتها وتودعهما وشعرت بالدموع تلسع عينيها من

مجرد التفكير في ذلك .


ونزلت تلك الدموع بالفعل ما أن وجدت والدتها واقفة في

بهو المنزل تنتظرها وتنظر لها بعينين دامعة فركضت

نحوها مسرعة وحضنتها ولم تستطع التحكم في دموعها

ولا بكائها وقالت تحتضنها بقوة

" أمي سأشتاق لكم كثيراً .. لم أكن أعلم بأن الأمر صعب
وقاسي هكذا "



مسحت يدها على شعرها وقالت بحنان وصوت حزين باكي

" أسعدك الله بنيتي ورزقك كل ما تتمنين "


واختلطت بحة البكاء في صوتها مع ابتسامتها وقد تابعت

ممازحة

" ثم أنتِ التي كنتِ تريدين العودة للوطن دائماً

تقولين هذا ؟ "



ابتعدت عنها وقالت بحزن عبراتها تقطع كلماتها

كما أنفاسها

" كنت أريد أن نرجع جميعنا معاً وليس وحدي من دونكم "



ملأت الدموع عيني الواقفة أمامها مجدداً وأمسكت يداها

الدافئة بوجهها وقالت بحزن تنظر لعينيها الباكية

دون توقف

" تعلمين بأن الأمر صعب على والدك يا كنانة بعد موت
أشقائه ووالده وأولاد عمومته هناك "



وابتسمت من بين حزنها ودموعها وقالت بحنان يداها

تمسح على جانبي وجهها وشعرها

" أنتِ ستتركين هذا المنزل مهما طال الوقت ومكانك منزل
زوج وعائلة وأبناء وحياة مستقلة "


حركت رأسها برفض وعيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع

فالأمر أصعب مما كانت تتخيل ، وما زاد وضعها سوءاً

رؤيتها لوالدها حينها والذي ما أن نظرت لعينيه علمت لما

لم يكن هنا مع والدتها فهو أكثر أب عرفته حناناً وتفهماً

ورقة وقد كان لها ولشقيقها أم أخرى وليس أباً ، تحركت

خطواتها نحوه واستقبلها حضنه كما دموعه على الفور

وقالت ببكاء تدس وجهها في صدره تستنشق

رائحته المحببة

" أبي سامحني أرجوك .. كم كنت مخطئة وأنا أطالب
بالرحيل من هنا "



كان ثمة بحة واضحة في صوته حين قال ويده تمسح

على شعرها

" أنا من يطلب أن تسامحيه يا كنانة بل وجميعنا فأنتِ كنت
الابن طوال الوقت وليس الابنة "



ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقالت بحزن

" لا تكرر هذا أبي أرجوك فأنت من أوصلني لهذا ولم
تحرمني شيئاً منذ طفولتي "



ارتفعت يده لكتفها وشد عليه بقوة قائلاً بابتسامة حزينة

" كنت أدعو الله دائماً أن يعوضك عن كل ما فعلته وتفعلينه
من أجلنا ومن أجل شقيقك وحمداً لله أنه استجاب لدعائي "



هربت من عينيه ونظراته بل وكلماته أيضاً وقالت

تنظر حولها

" ألن أرى عثمان ؟ ألم تبلغاه ! "


استدارت نحو والدتها التي قالت من خلفها

" الأمر صعب يا كنانة والوقت كان ضيقاً "


غمر الحزن ملامحها أكثر وعادت ونظرت لوالدها حين قال

" ثم أنتِ ستكونين هنا قريباً فركوب الطائرة كالرحلة
بالسيارة بالنسبة لزوجك ولن يكلفه دفع ثمن رحلاتك "



وختم كلماته تلك بضحكة حزينة فابتسمت وحضنته مجدداً

وبقوة وكأنها تختزن دفعة من كل ذاك الحب والحنان من

أجل المستقبل الذي لن يكون موجوداً فيه ، وما أن ابتعدت

عنه نظرت لوالدتها التي مسحت بيدها على ذراعها وقالت

" لن أوصيك يا كنانة على نفسك وزوجك افعلي ما يرضيه
وتجنبي كل ما تعلمين بأنه يغضبه لتكوني زوجة صالحة
وأم ناجحة "



امتلأت عينيها بالدموع وحضنتها بقوة هامسة ببحة بكاء "
أحبك أمي وسأشتاق لك "



وقطع كل ذلك الوداع الحزين صوت هاتف والدها الذي قال

ما أن نظر لاسم المتصل

" هذا زوجك يا كنانة بسرعة السيارة تنتظرك في الخارج "


فتحركت من هناك وهما معها وذراع والدها تحضن كتفيها

حتى ظهرت لها السيارة المتوقفة عند الباب مباشرة فوقفت

ونظرت بضيق للذي كان يجلس خلف المقود وقد كان أحد

سائقي المطار تجلس بجانبه إحدى مضيفات رحلتهم فلم

يكلف نفسه عناء القدوم بل وأرسل الفتاة معه كي لا تكون

مع السائق وحيدة فلا يلومه أحد في هذا حينها ، كانت

تشعر بالاستياء كما الغضب لكنها كتمت كل ذلك في نفسها

وهي تحضن والديها مجدداً مودعة لهما وقالت تنظر لهما

بعينين دامعة وحزن

" ألن تكونا معنا في المطار ؟ "


قال والدها سريعاً

" لا داعي لهذا يا كنانة فيبدوا أن طائرتكما ستنطلق خلال
دقائق قليلة "



أومأت برأسها موافقة في حزن وهذه ستكون حجته بالتأكيد

وهو قائد الطائرة أي ممنوع خروجه من المطار قبل

الرحلة لكنها حُرمت من جميع حقوقها وأبسطها كعروس

فهي ستكون مع المسافرين بينما هو مع طاقم القيادة ولن

يجتمعا ولا في المطار فأي زواج أسطوري هذا الذي كانت

تحلم به ؟



نظرت ناحية النافذة وضوء النهار المتسلل من بين المباني

العالية تودع عيناها مدينة الضباب وكأنها لن تراها مجدداً!

وهذا ما يحدث مع كل من ترك بلاداً أو مدينة يغادرها ينتابه

ذاك الشعور وكأنه لن يدخلها مجدداً بل وكأنه لم يكن يقضي

فيها أياماً روتينية مملة ولم يشعر بالانتماء لها إلا وهو

يفارقها ! هذا وهي ليست بلادها ! تحار فعلاً فيمن يتركون

أوطانهم ويهاجرون ؟

أي مشاعر تلك التي تنتابهم وهم يودعونها هكذا !


أبعدت نظرها عن النافذة وحاولت شغل تفكيرها بأمور

أخرى غير مستقبلها المجهول بأكمله وإن كان أمر أصعب

من الصعوبة ذاتها وهي التي قضت الليل بطوله لا تفكر في


أمر غيره ، ما أن توقفت سيارتهم عند مواقف المطار

فتحت بابها ونزلت تحاول تجاهل كل شيء أمامها لأنها لا

تريد توديعه آمله بوفائه بوعده أن لا يحرمها وظيفتها

التي تحب .



ما أن اجتازت الباب الرئيسي للمطار كانت في صالة

الاستقبال الممتلئة تقريباً بالرغم من أن الوقت مبكر لكن

هذا هو حال هذه الأمكنة لا أهمية للوقت فيها بسبب تنظيم

الرحلات فثمة من رحلته ستنطلق قريباً وآخرين بعد ساعة

وغيرهم بعد ساعتين والبعض ينتظر شخصاً لاستقباله في

رحلة الوصول والحركة لا تتوقف أبداً .


نظرت للتي دخلت برفقتها ولازالت تسير بجانبها وما

أن قالت

" عليك التوجه لمكتبك هنا "


حدقت فيها بصمت ونظرات الاستغراب لم تفارق عينيها كما

ملامحها فرفعت كتفيها قائلة

" هذا ما تم تبليغي به "


وغادرت بالاتجاه الآخر وتركتها تودعها بنظرات حائرة فلما

تتوجه لمكتبها وكم بقي على الرحلة ؟

هل يريد مديرها رؤيتها أم ستجد نفسها في يوم عمل آخر

وكل ما حدث مجرد مزاح سخيف !


حركت رأسها متنهدة بضيق وتحركت في اتجاه الباب

المؤدي لممر مكتب مهندس الملاحة الجوية رئيسها هنا

وحيث مكتبها هناك وكما يقولون كل ما يفصلك عن الحقيقة

هو السعي لمعرفتها .


كان الممر ساكناً وكأنه لا موظفين فيه سوى أصوات

الأجهزة الصادرة من غرفة الملاحة ومراقبة الطائرات !

وتساءلت هل هجر الجميع القسم فجأة ؟

شعرت بالارتياح ما أن سمعت الصوت الرجولي العميق

الذي كان يعطي التعليمات لإحدى الطائرات المتوجهة نحو

المهبط فعلى الأقل ثمة أحياء ومظهر للحياة هنا .

لامست يدها باب المكتب ودفعته برفق وكأنها تخشى من

الموجود خلفه وليست تدخله كل يوم !

وما أن اتسع الباب أكثر وظهر لها المكان بأكمله حتى

صرخت بسعادة وحماس

" كارلاااا "


وركضت نحو الشقراء الضاحكة والتي ركضت نحوها

بدورها وحضنتا بعضهما بقوة وقالت بسعادة

" اشتقت لك .. لم يخبرني شيرل بأنك ستكونين هنا "
وابتعدت عنها وقد تبدلت ملامحها للتوجس فجأة وقالت

" هل هو بخير ! "


قالت بضحكة صغيرة

" بالتأكيد لما كنت أضحك الآن "


ضحكتا معاً وقالت كنانة مبتسمة

" كم أنا مشتاقة لك .. لما أنتِ هنا فعلاً ؟ "

أمسكت خصرها بيديها وقالت بضيق مصطنع

" ما هذا السؤال ! ألا تريدين رؤيتي قبل مغادرتك ؟ "


قالت بضحكة

" بالتأكيد لكن كيف علمتِ ومن أخبركما ! "


ابتسمت لها وتهربت من جواب السؤال وهي تنظر ناحية

مكتب المهندس الجوي قائلة وكأنها تخاطبه

" هيّا إفتح أيها الباب "


وانفتح بالفعل على نظرات كنانة الذاهلة وهي ترى ربيكا

تخرج منه تتبعها فتاتان واحدة تحمل بين يديها فستاناً

أبيضاً مع ذيل جميل والأخرى علبة ووسادة مخملية فوقها

وضع حذاء أبيض أنيق ونظرت بذهول واستغراب ناحية

كارلا ما أن قالت مبتسمة ويدها تشير نحو الباب المفتوح

" هيا أريد أن أراه على جسدك خلال دقائق "


نقلت نظرها بينهم ونظرت لزوجة زميلها بضياع وحيرة

وما أن كانت ستتحدث دفعتها نحو الباب المفتوح قائلة

" الوقت يسرقنا كوينو بسرعة عزيزتي "


دخلت غرفة المكتب الخالية تحمل الفستان بين يديها تنظر

له باستغراب ، كان مكون من قطعتين بسيط التفصيل

ورائع التصميم ميزه وجود حبات العقيق واللؤلؤ الطبيعي

كما قطع الألماس اللامعة ووقفت للحظات أمام اسم المصمم

تحدق فيه باستغراب وتعيد قراءته مراراً وكأنها تتأكد

من صحته !.



صوت الطرقات المتتابعة على الباب جعلتها تنتفض

وسرقتها من دوامة أفكارها تلك وبدأت بنزع ثيابها

وارتدت الفستان سريعاً منصاعة للمجهول فما تعلمه بأنه لا

حفل زواج لها هنا لوفاة ابن زوج عمتها ولا هناك لوفاة

زوجة والد كنتهم الأخرى فما يكون هذا وما مكانه !


حاولت جاهدة أن ترفع السحاب للأعلى تدير يديها خلف

ظهرها لكن الأمر لم ينجح فأمسكته من الأمام وفتحت الباب

وقابلتها كارلا التي كانت تقف هناك وحيدة وقد اختفت ربيكا

من المكان ونظرت لها مبتسمة بسعادة فقالت

بابتسامة محرجة

" لم أستطع إغلاقه "


توجهت نحوها سريعاً قائلة بضحكة

" بالتأكيد فهذه وضيفة الوصيفة "



وضحكتا معاً وهي تغلقه لها ونظرت حينها لجسدها الذي

أظهر الجمال الحقيقي للفستان والذي كان له أكمام تصل

لمرفقيها وياقة مربعة عالية وقماش من الحرير لتنورته

ينزل للأرض مع ذيل جميل مطرز في الخلف .


اندفع جسدها للأمام بسرعة بسبب يد التي سحبتها نحو

الخارج قائلة

" هيّا كوينو لازال أمامنا الكثير "


وتوجهت بها نحو الكرسي وأجلستها عليه وبدأ عمل

السيدتان اللتان تولتا مهمة لف خصلات شعرها وجمعها في

الخلف وتثبيت زهرات بيضاء جميلة فيه ووضعت لها

إحداهما مكياجاً خفيفاً يتناسب مع الثوب وغير مبالغ فيه

وهي منصاعة لهما تماماً ويبدو استسلمت لفكرة لنترك

السؤال لوقت وجود الجواب بينما كانت تنظر بين الحين

والآخر لكارلا التي كانت تراقب كل شيء بسعادة وابتسامة

واسعة مشرقة وكانت تغمز لها مبتسمة في كل مرة ودون

أن تتحدث حتى أنهت الفتاتان عملهما وقامت إحداهما

بتثبيت طرحة مطرزة وجميلة على شعرها غطت أغلبه

وإن كان يظهر من تحتها وتدلت بنعومة على كتفيها

وذراعيها ، وقفت حينها تنظر لابتسامة الرضا في عينيهما

قبل ملامحهما ونظرت ناحية كارلا التي قالت بسعادة

" كم أنتِ فاتنة "


ووضعت الحذاء الجميل أمامها قائلة بضحكة

" هيّا يا أميرة ولا تضيعي إحداها لأن ثمنها يبدو أغلى
من أمير ساندريلا بنفسه "


ضحكن جميعهن بينما دست قدماها فيهما وكانت دهشتها

بأنهما على قياسها تماماً ! جذبها من أفكارها واستغرابها

باقة الورود البيضاء الجميلة تزينها شرائط حريرية بلون

السكر والتي مدتها لها من قالت مبتسمة

" إنها أجمل باقة أزهار رأيتها من قبل "


كانت رائعة بالفعل سرقت نظرها كما قلبها وهي تأخذها

منها أصابعها البيضاء الناعمة تلتف حولها وقربتها من

وجهها تستنشق عبيرها مغمضة العينين وكما توقعت كانت

ازهار طبيعية من شدة روعتها تظنها اصطناعية لاحتفاظها

بحيويتها ! فتحت عينيها ونظرت لكارلا التي كانت تنظر لها

مبتسمة بسعادة فقالت بصوت باسم تنقل نظرها بين ثلاثتهن

" ألن يشرح لي أحدكم ما يحدث هنا ؟ "


أمسكت بيدها وقالت تسحبها منها نحو الباب

" بلى ثمة من سيشرح لك ... تعالي معي "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:26 PM   المشاركة رقم: 1669
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

ما أن تجاوزت سيارته شوارع العاصمة حوران وأصبحت

تسير في الطريق السريع الأقل ازدحاماً والأكثر اتساعاً

وحرية في القيادة نظر ناحية التي لم تنطق بكلمة واحدة منذ

أن غادرا منزلها وكأنها ليست جالسة بجانبه ووجدها

مغمضة العينين تتكئ برأسها على مسند الكرسي ملامحها

المتعبة لم يفارقها التشنج ألا إرادي ولا تظهر عليها

علامات الاسترخاء أبداً ، وشعر بقلبه يتمزق ما أن لمح

لمعان رموشها الطويلة وكأنها تسجن دمعة ما بينهما تقاوم

وباستماته الألم الذي يكاد يقتل قلبها قبل جوارحها وكتمانه

أقسى من البوح به ، غادر صمته الذي لم يعد يمكنه

التمسك به أكثر من ذلك وقال بهدوء حذر

" ما الذي بينك وبين زوجك يا جليلة ؟ "


" لا شيء "

همست بها بصوت مرتخي ولم تفتح عينيها كما لم يبدر

عنها أي رد فعل وكأنها لم تتفاجأ بسؤاله !

وكيف سيفاجئها وهي التي تعرف شقيقها جيداً وتتوقع هذا

منه كما يقينها من حديثه التالي وقد قال ببعض الضيق

ينظر ناحيتها

" قد يصدق هذا طفل في الخامسة وليس أنا "


فتحت عينيها حينها وقالت بضيق واضح وهي تحرك يدها

بعشوائية ونظرها للأمام وكأنه أمامها وليس بجانبها

" لأنه لا شيء بالفعل هل أكذب لتكون ظنونك في محلها
يا قائد "


كان صمت تام ما تبع كلماتها تلك وكانت تعلم جيداً لما ،

شدت عينيها بأصابعها وقالت معتذرة

" أنا آسفة لكني .. أنا فعلاً متعبة جسدياً وكل ما أحتاجه هو
أن أكون بجوار والدتي وفي العمران "


تنهد نفساً طويلاً وهو يعود بنظره للطريق أمامه ولم تجعله

كلماتها تلك يكتفي كما لم توصله لمرحلة الاقتناع ولا

مبدئياً فقال بجمود وعمّا يراه واقعاً لا نقاش فيه

" لا أعرف عروساً تريد أن ترتاح بعيداً عن زوجها إلا
إن كانت لا تريده هو "


ونظر ناحيتها وكأنه يحاول قراءة رد فعلها من تقاسيم

ملامحها وكما توقع لم يبدر منها أي شيء واستمرت تضغط

بأصابعها على عينيها مع تغضن جبينها وكأنها تحاول محو

صورة أو ذكرى ما منهما وذاك ما جعله يرتاب أكثر فقال

بنبرة جادة

" كلانا نعلم جيداً بأنك وافقتِ على هذا الزواج مرغمة يا
جليلة فهل ثمة مشاكل بينكما "


" لا "


همست بها تحرك رأسها نافية ولم تبعد أصابعها بعد عن

عينيها التي كانت تشعر بأنها ستخرج من مكانها من شدة

الألم بينما كان جوابها ذاك ما جعله يفقد أعصابه فعلياً وقال

بنفاذ صبر ونبرة حادة ينظر ناحيتها

" كيف لا وأنتِ هكذا وكأنك لستِ العروس التي سلمناه
إياها يحسده أي رجل عليها ! "


أبعدت يدها وفتحت عينيها ونظرت ناحيته هذه المرة وفقدت

السيطرة فعلياً على أعصابها أيضاً وقالت بحدة مماثلة

" ليس هناك أي مشكلات بيننا يا قائد هل سأكذب وأقول
بأنه يسيء معاملتي وذلك لم يحدث ؟ "



وأبعدت نظرها عنه وهي تتابع من فورها باستياء ومرارة

يدها تشير لصدرها

" أنا أشعر بالاختناق فقط وإن لم أخرج من هناك كنت
سأموت إن بأجلي أو بيداي "


اتسعت عيناه وهو ينظر لها باستغراب بسبب ما قالت

والمرحلة الفعلية التي وصلت لها وقال بضيق يشير

بأصابعه لصدغه

" أقنعيني بهذا ليتقبله عقلي ... "


وتابع بذات ضيقه يعد بأصابعه نحوها

" لا يسيء معاملتك ولا مشاكل بينكما وتشعرين بالاختناق
وتريدين الفرار بعيداً ! "


وحرك يده نحوها متابعاً بضيق

" لا يتطابق الأمران يا جليلة وليس ثمة عاقل يتقبلها ! "

أشاحت بوجهها جانباً حيث نافذتها ولم تعلق تغمض عيناها

الدامعة بقوة فهي عاجزة عن كشف الفاجعة له وعليها

تركها تتآكلها من الداخل وحيدة فلن يستطيع لسانها النطق

بها ولا شرحها له وجل ما تخشاه أن يشك شقيقها بها

وتتحطم الصورة الجميلة التي تعشقها له وللأبد ، فتحت

عيناها الدامعة تنظر بحزن لأشباح الأشجار المتعاقبة التي

كانت تمر أمامها مسرعة بينما وصلها صوت الذي لم يعجبه

صمتها كما لم يقتنع بعد بما سمع قائلاً بكلمات جادة

" إن كان رجل آخر وليس من أراه أمامي لا يفتقر لأتفه
الأمور التي يحتاجها من يستحق كلمة رجل لكنت أقنعت
نفسي بأنك تنفرين من العيب الفلاني به "


تنهدت بقوة تغمض عينيها فها قد وصلا للنتيجة التي كانوا

يصلون إليها في كل مرة سابقة ، ما أن استوت في جلوسها

ونظرت له وكانت ستتحدث قاطعها دون أن يهتم بما

ستقوله قائلاً بحزم يرمي أصبع في اتجاهها

" لا تقولي بأن العيب بك وليس به لأني أعلم بأنها
عبارتك التالية "


كان رد فعلها الوحيد أن كتفت ذراعيها لصدرها وهي تبعد

نظرها عنه للطريق أمامها بينما لم ينتظر هو منها أي

تعليق وقد تابع بجدية

" أنتِ عانيتِ الكثير في حياتك يا جليلة ولم ترحمك ألسن
البشر لأعوام لكنك أثبتّتِ للجميع بأنك المرأة القادرة على
الوقوف ومواجهة كل شيء ، أليس من حقك تغيير قدرك
ذاك كاملاً ؟ دور الضحية يقتل ولا يحيي يا شقيقتي وأنتِ
المتضرر الوحيد منه "



قال آخر كلماته بضيق يسرد رأيه السلبي بها ودون أي

تردد وإن سبق ذلك بمدحها لكنه وضعها أمام مرآة الحقيقة

ومهما كانت قاسية وأمام ماضيها الأليم ما علم منه وما

جهل وذاك ما جعل صوت بكائها المكتوم يعلوا فجأة وهي

تحاول كتمه بيدها بينما اتكأت بجبينها على زجاج النافذة

البارد لا ترى مع الدموع التي كانت تنزل ودون توقف أي

شيء ولم تهتم لذلك بينما تبدلت نظراته المستغربة لها

للرقة والحزن فجأة وهو ينظر لجسدها المهتز بسبب بكائها

الذي انتصر على صمودها وكتمانها نهاية الأمر وهو الذي

يعرف شقيقته جيداً وكيف كانت صامدة قوية في كل موقف

من المواقف التي مرت بها في حياتها وكيف واجهتها بكل

قوة وشجاعة وليس لأي مشاكل عادية أن تجعلها تنهار

هكذا فخرجت الكلمات منه بكل ما استطاع من ثبات وقوة

بالرغم من نظرته الحنون لها قائلاً

" أجل أتركي دموعك تخرج افعلي أي شيء لكن في النهاية
اجلسي مع نفسك وتصالحا ، استمعي لرغباتها ولا تتركي
عقلك وحده من يقرر ويفرض ما تريدين وما ترفضين لأن
مشاكلك جميعها مع نفسك فالماضي غادر وانتهى وزواجك
من رماح شراع كان مرحلة وانتهت بكل ما فيها من عيوب
وعقبات "


لاذ بالصمت ولازال ينظر لها وهي على حالها ذاك تحاول

فقط التحكم في الدموع التي ترفض إعلان هزيمتها أمامها

والبكاء الذي كان يعلم بأنه يؤذيها ودون رحمة في حربها

معه حتى شعر للحظات بالندم على ما قال لكنه أيضاً تابع

وبنبرة أكثر هدوء هذه المرة

" أعلم جيداً بأنك تعلمين معنى كل ما أقول وإن كنتِ
ترفضين تطبيقه فأنتِ امرأة متعلمة ومثقفة عرفتِ مئات
النساء ممن مررن بأزمات في مملكة الغسق فهل تنصحين
غيرك بما تبخلين به على نفسك وترفضينه ؟ "


لاذ بالصمت حين مسحت عيناها بظهر كفها بحركة قوية

وقالت بضيق لازالت تنظر لنافذتها بعيداً عنه


" أنا لم أعترض على واقعي سابقاً كما لم أنهار ولم أنكسر
، كنت وبكامل قواي العقلية مقتنعة وتماماً بما قررت أنا
لنفسي وقلت مراراً بأني أرفض الارتباط بأي رجل لكن لم
يحترم أي أحد رغبتي تلك واختياري كبشر يحق له بنفسه
تحديد مصيره "



انعقد حاجباه لا شعورياً وهو المتوقع بسبب حديثها الغير

مقنع بالنسبة له وتبدلت نبرته للضيق أيضاً وقال مباشرة

وسبابته تشير نحوها

" أرأيت بنفسك بأنك يصعب عليك تجاوز عقدك السابقة ؟ "


وكان ذاك ما جعل مزاجها يشتعل وهي تستوي في جلوسها

وتنظر له وقالت بصوت غاضب محتج

" هذه ليست عقد بل هو خذلانكم الذي ترفضون

التحدث والاعتراف به "


كانت آخر كلمة صرخت بها هو آخر ما قيل والمكان يعمه

الصمت التام وتعلم جيداً تأثيرها السلبي عليه لأنها لم

تتوقف بعد عن لومه لصمته كما شقيقه وسام عن إجبار

وثاب لها على ما لا تريد فقالت برجاء حزين

" قائد حلفتك بالله يا شقيقي لا أريد أن أخطئ في حقك ولا
أن أقول ما أندم عليه لاحقاً فاترك ما في القلب في القلب
ولا تسأل ولا تناقش "


تنهد في صمت بادئ الأمر وجعلت كلماتها تشنج عضلاته

الغاضب يسترخي بالفعل ورغم ذلك رفع سبابته بينهما

وقال بحزم

" أريد إذاً جواباً واحداً وبكلمة واحدة صادقة يا جليلة لأن
الكذب فيها معناه أن تنسي مستقبلاً بأنه لك شقيق اسمه
قائد "



وتابع من فوره متجاهلاً نظراتها المستفهمة والمستهجنة

ذات الوقت

" هل تصرف معك الرجل أي تصرف خاطئ كان السبب في
رحيلك الأبدي عن منزلك ؟ "



كان اتساع عيناها الذاهلة هو ما توقعه جيداً حينها لذلك قال

سريعاً وبجدية

" لا تنظري لي هكذا فأنا أعرفك جيداً وأعرف قراراتك وكل
ما أريده هو الجواب فقط "


" لا "


قالتها بجمود تام قبل أن تبعد نظرها عنه تحضن نفسها

بيديها تنظر بشرود حزين للطريق أمامها وهي الحقيقة التي

لم تكذب فعلياً فيها ويعلم هو يقيناً بأنها الصدق فقال حينها

وبنبرة حازمة

" سأتركك ترتاحين قليلاً لدى والدتك أذاً ثم نتحدث "


واكتفى بذلك فقط وهو يلوذ بالصمت بينما كانت أصابعها

تشتد على ذراعيها بقوة ونظراتها الدامعة قد عادت للهرب

ناحية نافذتها وحمدت الله أنه اتخذ هذا القرار وإن كان

بتأجيل حديثه ليس إلا لكنها الآن فعلياً تحتاج لهذا الصمت

ولا يمكنها سماع ولا قول المزيد وإن كان الأمر بيدها

لغادرت لمكان تكون فيه وحيدة لا ترى ولا تسمع أحداً لأنه

لا أحد يمكنه تفهم ما مرت وتمر به .. لا أحد منهم يفهم

معنى أن تفقد الثقة في شيء ما حتى يفقد معناه تماماً لديك

فالجميع يرى في ذاك الرجل مميزاته التي لا تُحصى ولا

تعد لكن لا أحد منهم تفهم معنى ما تمر به دون أن يسمع

تبريرها الذي لن يقتنعوا به وإن قالته علانية ، لا يفهمون

معنى أن تنكسر من داخلك بسبب أحدهم حتى تفقد الرغبة

في المضي في ذات الطريق مجدداً فهي وبسبب قرارتها

العاطفية وركضها خلف عواطفها سابقاً خسرت الكثير

وليس هي وحدها بل وغيرها معها وماذا كانت النتيجة ؟

حبيبها السابق كان رجل تشهد بنزاهته الرجال ولم يكن

يُعيبه إلا فقره الذي جعل والدها يرفضه حينها وماذا

كانت النتيجة ؟

رماح شراع استخدمته كعتبة للوصول لمرادها لأنها تركت

عواطفها تتخذ القرارات نيابة عنها وماذا كانت

النتيجة أيضاً ؟

حرمته وحبيبته وفرقتهما لأعوام وكسرت قلبيهما من أجل

رجل باع مشاعره وصديق عمره من أجل المال وسقط

تمثال الرجل المثالي فجأة وكأنه لم يكن ، لامها الجميع على

تخليها عن رماح وعلى تركه لها معلقة سبعة أعوام وكأنه

يعاف الارتباط بها وتشوهت في نظر نفسها ونظر الغير

فكيف لها أن تتخطى ذلك بسهولة وتثق في رجل آخر فقط

لأنه لا عيب به يراه الناس من حوله ؟

كيف تخوض ذات التجربة مجدداً وكأن شيء لم يحدث لها ؟

لما يرى الجميع مميزاته ولا يرى أي أحد منهم بأنها

مخلوق بشري لديه قلب ومشاعر تحطمت نهائياً بسبب

الخذلان ومن حقها قول كلمة لا لأمر تجرعت منه المرارة

سابقاً وعانت لأعوام ؟

لما لا يمكنها تحكيم عقلها لمرة واحدة في حياتها لتتركه

يختار الطريق لها ؟ وسترضى بالنتيجة التي ستصل إليها

ومهما كانت لأنها سبق وعاشت المعناة التي سببتها

القرارات العاطفية الهوجاء . وبالرغم من أنها وقفت على

قدميها كما قال شقيقها قبل قليل لكن لوقوفها ذاك كان ثمة

ثمن باهض جداً دفعته هي وغيرها .

تنهدت بعمق نفساً طويلاً كئيباً وأغمضت عينيها واسترخت

أطرافها جميعها ما أن علا صوت ترتيل آيات القرآن من

مذياع السيارة بصوت رجولي عميق بسبب كبسة زر من

سبابة الجالس بجانبها والذي بات مقتنع تماماً بحاجة

كليهما لذلك الصمت فكلاهما مر بضغط نفسي قد يأخذه لقول

ما لا يريد قوله .


أبعد نظراته الحنونة المحبة عنها واشتدت أصابعه على

المقود وهو يتذكر ما حدث في تلك القاعة ووقوفه وجهاً

لوجه أمام من آمن الآن بأنه ليس ثمة رجل على وجه

الأرض يمكنه كسر كبريائه وعنفوانه الرجولي تعمد ذلك أم

لا بالرغم من أنه فعل ما فعل فقط لأن مبادئه كمحامٍ لا

تسمح له بخذلان من طلب مساندته ولجأ له حين شعر بأن

القانون سيخذله كفرد من أفراد الوطن له حقوق كغيره فيه

، ويعلم بأنه سيحتاج لوقت طويل ليُمحى كل ما حدث هناك

من ذاكرته بالرغم من أنه لم يبقى في ذاك المكان لأكثر من

دقائق معدودة بعد دخول ذاك الرجل لكنها كانت كفيلة بأن

يُشعره فيها بضآلة حجمه أمامه حتى أنه امرأة من انقذته

مستقبله كاملاً منه كما قال وإن كان مقصدها فقط حماية

شقيقها مما لا تُحمد عقباه حسب وجهة نظرها ، أمّا هو

فكان يتوقع كل ذلك ولا يخافه أيضاً لأن حامل كتاب القانون

في رأيه ومبادئه عليه أن يستحق المكانة التي أوصلته إليها

في محاكم البلاد وإن فقد من أجلها حياته كاملة .


*
*
*

سارت تتبعها وهي تجتاز بها باب المكتب لازالت تمسك

بيدها وتوجهت نحو الباب المقابل له تقريباً وكان لغرفة

الملاحة الجوية وهي تسير شبه راكضة تجاري خطواتها

تجتازان المقاعد المقابلة للطاولة المقوسة حيث شاشات

المراقبة الضخمة أعلى الجدار المقابل لها وحيث الجالسان

أمام أحد الحواسيب اللوحية وقد التفتا نحوهما وقال أحدهما

مبتسماً باندهاش

" ما كل هذا هنا ! هل أنا مدعو كوينو ؟ "


ابتسمت محرجة تتجنب النظر ناحيته وهما تسيران خلف

كرسيه بينما قالت كارلا ضاحكة

" بالطبع يمكنك التوجه حيث صالة المسافرين "


حدقت فيها كنانة باستغراب وهي تتبعها نحو الباب الآخر

للغرفة بسبب كلمة صالة المسافرين فلما تدله على ذاك

المكان المليء بالأشخاص !!


لم تجد وقتاً لسؤالها عن هذا وهي تجتاز بها الباب الذي

فتحته وكان أحد الأبواب المشتركة لممر واحد يجمعها

تربط صالة الانتظار المخصصة لأطقم الرحلات وغرفة

القيادة والمراقبة وصالة مخصصة للاستراحة تخص أطقم

القيادة للرحلات والمضيفين فقط أيضاً وباب مخصص يؤدي

للمهبط فكان ممراً طويلاً نسبياً وقفتا عند بدايته وحيث

الباب الذي خرجتا منه بينما نظرت مبتسمة بسعادة

وزوج رفيقتها والواقفة بجانبها والذي كان يقف منتصفه

تقريباً يبتسم لها وكان يرتدي بذلة سوداء جميلة فنظرت

لها وقالت تمسك ضحكتها

" هل ستزوجينني به ؟ "


ولم تستطع إمساك ضحكتها بسبب شهقة التي قالت

بعينين متسعة

" ماذا ؟! "


ونقلت نظرها نحوه وتمتمت تنظر له وتضيق عينيها

" أكان عليا منعه من ارتداء هذا ؟ "


عادت كنانة للضحك المكتوم بينما صرخ الذي كان يقف

بعيداً ينظر لهما

" ماذا تقولان هناك ؟! "


قالت كنانة مبتسمة تنقل نظرها بينهما

" هل أنتما من خطط لكل هذا ؟!

ماذا تخبئان أيضاً ؟ "


ضحكت التي قالت بسعادة

" لا نحن مدعوان فقط وثمة ما نخبئه بالتأكيد "


وغمزت بعينها لزوجها والذي ابتسم وغمز لها بدوره من

بعيد قبل أن ينظر لكنانة المحدقة فيه بترقب واستغراب وهو

يبتعد جانباً وفرد يده يشير لمن ظهر لها من خلفه حيث

كان يخفيه عنها وما جعل عيناها تمتلئ بالدموع سريعاً

ويدها ترتفع لشفتيها اللتان اتسعتا بذهول وسعادة وهمست

بدهشة وعينان دامعة

" عثمان !! "


وركضت دون شعور منها نحو شقيقها الذي فرد لها ذراعيه

مبتسماً واستقبلها يحضنها بقوة ذراعاها تلتفان حول

عنقه تدفن دموع سعادتها فيه بينما أحاطت ذراعاه جسدها

وخصرها النحيل وتعلقت به وهو يرفعها عن الأرض

وتحرك بها حول نفسه حركة بطيئة يحضنها بقوة

وقال مبتسماً بسعادة

" كم أنا سعيد من أجلك يا شقيقتي الحبيبة "


تعلقت به أكثر وخرجت كلماتها مختنقة بسبب بحتها الباكية

" لا حرمني الله منك يا أخي "



نزلت قدماها للأرض ما أن انزلها وابتعدت عنه تنظر لعينيه

بحب وعينان تلمعان بسبب الدموع فقال مبتسماً وأصابعه

تمسح الدموع عن وجنتيها

" أنتِ أجمل عروس رأتها عيناي "

ضحكت ببحة ضحكة قصيرة وقالت

" هذا فقط لأني شقيقتك "


قال مبتسماً ويداه تمسك وجهها

" بل حقيقة وسعيد حظ من فاز بك "


وانتقلت يده لجيب سترته وأخرج منها علبة مخملية صغيرة

فتحها وأخرج منها سلسال ذهبي ينتهي بثلاث زهرات

متتابعة مغطاة بالفصوص وفتحه وقال وهو يلبسه إياها

بينما كانت لاتزال مقابلة له

" أقل من قدرك بكثير لكنه ما استطعت شرائه بالنقود
التي جمعتها "



نظرت له على صدرها وقالت وعيناها تمتلئ بالدموع مجدداً

وأصابعها تلامس الزهرات الصغيرات

" كم هو جميل "


ورفعت نظرها له وقالت بعتاب محب

" لما كل هذا فأنت تحتاج لهذا المال كثيراً "


ابتسم وأمسك بيدها الحرة ورفعها وقبّل باطن كفها ونظر

لعينيها وقال بابتسامة دافئة محبة

" هذا لا يساوي شيئاً أمام كل ما فعلته من أجلي "

شدت أصابعها على يده وقالت بحزن

" أنا لم أفعل شيئاً .. لا تقل هذا أرجوك "


أمسكت يداه بوجهها مجدداً وقال ينظر لعينيها

" بلى فعلتِ الكثير وما لن أنساه ما حييت "
حركت رأسها ترفض هذا بينما قالت تبتعد عن الحديث

في الأمر

" كيف حدث هذا وأتيت من بريستون إلى هنا !
هل يعلم والداي ؟ "


أبعد يديه وقال وهو يحضن ساعدها ويدها الممسكة بباقة

الزهور البيضاء يلفها حول مرفقه

" نعم يعلمان وهيّا لا وقت أمامنا فرحلتك قريبة "


وسار بها من هناك فقالت تنظر له باستغراب

" إلى أين ذاهبان ؟! "


ضحك وقال ينظر أمامه

" للباب بالتأكيد "


وكزته بمرفقها وقالت بضحكة

" أعلم لكن أيها تقصد ؟ "


نظر لها وقال مبتسماً

" ستعلمين الآن "


وكانا حينها يقفان أمام أحد الأبواب والمكتوب على اللافتة

المذهبة بمحاذاته ( صالة ركاب الدرجة الأولى ) وهو الباب

المخصص للشخصيات المهمة لدخول صالة الانتظار

المخصصة لهم والبوابة الخاصة للتوجه للطائرة كما

للخروج لصالة المسافرين مباشرة والمميز ببساط أحمر

وأعمدة ذهبية تمثل سياجاً له تزينها اشرطة حمراء فنظرت

لشقيقها المبتسم ونظراتها ملؤها تساؤلات وحدث ما لم

تتوقعه وهو يتجه بها ناحية ردهة صغيرة تلاها ممر قصير

انتهى بباب مفتوح فشعرت بضربات قلبها تضطرب وتعالت

حد الجنون وهو يسير بها نحوه وظهرت أمامها صالة

المسافرين الواسعة والمليئة بهم ونظرت له مصدومة وهو

يسير بها هناك وبالفعل اجتاز بها الباب وسار بها أول

خطوة على البساط وأصابها الذهول مع المفاجأة وقد

اختلطت بالابتسامة الرائعة التي سيطرت على ملامحها

وشفتيها والتصفيق يعلو من حولها بسبب الواقفين على

جانبي البساط الذي كانت تسير مع شقيقها عليه وامتلأت

عيناها بالدموع وهي ترى زملاؤها في قسم الملاحة الجوية

والسابقين في قسم المضيفين كما جيرانهم حيث تسكن

وبعض زميلاتها وقت الدراسة ، حتى أنه كان من بينهم من

لم تراه منذ تخرجها والجميع بدأ يرمي أوراق الزهور

نحوها مبتسمين ما أن سارا خطواتهما متقدمان وسرق

المشهد والتصفيق الحار جموع المسافرين نحوهم وقد

انضم البعض لهم بالفعل بينما لم تعد هي ترى أو تعي من

ذلك شيئاً وهي تنظر بقلب مرتجف للذي أصبح يقف مقابلاً

لها عند بداية البساط الأحمر بعد أن كان يوليهما ظهره حتى

وقت خروجها وكان بلباسه المخصص بالطيران شعره

مسرح بعناية كعادته ونظر لها مبتسماً نظرة جعلت قلبها

يقفز لحلقها حتى خشيت أن تتعثر وتقع ، وكان يقف مدير

المطار خلف كتفه الأيمن ومدير مكتبها مهندس الملاحة

الجوية خلف الأيسر وشعرت بسعادة لم تعرفها طوال

الساعات الماضية ولم تتخيلها بل ومنذ أن علمت بأنه لا

يمكنها أن تتزوج كأي فتاة بحفل كانت تحلم به منذ طفولتها

ولم تكن تتوقع ولا تحلم بهذه المفاجأة فهنا لا يكون منزل

عائلتها ولا عائلته ولا حداد وأموات وحزن ولن يلقي باللوم

عليهم أي أحد منهم فلا حضور من كلا العائلتين سوى

شقيقها الذي يعلم الجميع هناك موقفه العدائي من عمته

وعمه بسبب الخلاف القديم معهما وهو من لم ينساه

ويتجاوزه مثلهم وإن كانت علاقتهم بهم باتت سطحية لا

تتعدى المناسبات الرسمية وتعرفه لن يهتم برأي أي أحد

منهم في مسألة تواجده هنا .



ما أن أصبحت تقف أمامه كانت تنظر للأرض ولم تستطع

ولا رفع رأسها تقبض أصابعها على قماش كم سترة شقيقها

بقوة من شدة خجلها وإحراجها زاده توترها الذي لم تعرفه

سابقاً ، وتركته يدها ما أن أمسكها وشعرت بقشعريرة لا

يمكنها وصفها ما أن وضعها في يد زوجها ووصلها صوته

الباسم محدثاً الواقف أمامهما

" ها أنا أسلمك جوهرة منزلنا وحبيبة قلبي وشقيقتي
الوحيدة "



وتبدلت لهجته للجدية متابعاً

" ولتعلم يا ابن الشعّاب بأن ما يمسها يمسني ويقتلني
والطائرة التي أقلتها تعيدها فوراً "


امتلأت عيناها التي لازالت تنظر للأرض بالدموع حينها

وسحبت يدها من يده وحضنت شقيقها مجدداً والتصفيق من

حولهما يعلو مجدداً فبالرغم من أنه يصغرها بعامين

ونصف تقريباً إلا أنها تراه رجلاً تعلم بأنه سيكون السند

لها في حياتها ومستقبلها واليوم اكتشفت ذلك وفهمته

وشعرت به أكثر من أي وقت فلا يوجد شقيق صغير في

الحياة يوجد فقط من حُرم من هذه النعمة وتحمد الله أنها

ليست منهم .


ابتعدت عنه تنظر له بعينين دامعة وهو يمسح الدموع من

وجنتيها مبتسماً ، وقطع كل تلك المشاعر الأخوية اليد التي

عادت لإمساك يدها وسحبها غيهم نحوه حتى أصبحت تقف

بجانبه وقال ببرود ينظر لشقيقها

" لقد سلّمت الأمانة وانتهى دورك .. شكر الله سعيكم "


دمعت عيناها بسعادة وهي تنظر لشقيقها الذي ارتفع رأسه

ضاحكاً تشعر بالاشتياق له من الآن ولضحكته وحديثه ولا

تعلم كم ستحتاج من وقت لتعتاد على حياتها بعيداً عنهم .


تسمرت مكانها بجسد متصلب واتسعت عيناها ما أن علا

الصياح حولها مرددين مع صوت التصفيق المرتفع

" قبلة .. قلبة .. قبلة "


وشعرت بحجم الورطة التي أصبحت فيها حتى كانت تشعر

بوجنتيها تلسعانها من شدة الإحراج ونسيت بأن هذا الأمر

لا نقاش فيه عند هؤلاء ومعتاد لديهم ، ولم تكن تراهن أبداً

على أن يفعلها لأنها ستفقد وعيها حينها ولن تستطيع النظر

لوجه شقيقها ما عاشت .


انحبست أنفاسها مع إغماضها لعينيها ودون شعور منها ما

أن شعر بملمس يديه على ذراعيها لا تصدق أن يفعلها

بالفعل ! كانت ستختنق بسبب توترها وانعدام الهواء عنها

وغمرتها رائحة عطره الفاخر المميز ما أن مال نحوها

وشعرت سريعاً بدفء أنفاسه على وجنتها قبل أن تلامس

بشرتها شفتيه بنعومة مقبلاً إياها وكانت تشعر بأنها تنصهر

كقطعة جليد .. الحمقاء .. !! هذا وهي لم تعرف دفء

وحرارة حضنه بعد !


كانت تتوق للهواء والتنفس الطبيعي لحظة ابتعاده عنها

لكنه لم ينتهي عند ذلك وأنفاسه كما كلماته الهامسة

الباسمة تداعب أذنها
" سأكتفي بهذا فقط في الوقت الحالي لا أريد لسرير
غرفتي أن يغضب مني "


ابتعدت عنه مجفلة وعيناها تتسع بصدمة وهي تنظر له ،

ودون شعور منها ضربت صدره بباقة الزهور في يدها

مما جعل رأسه يرتفع ضاحكاً كما المجتمعين حولهما وما

جعلها تخفي وجهها في باقة الأزهار تخفي ضحكتها

المحرجة فالمشهد كان سيجعل جميع من رآه يضحك بكل

تأكيد والعريس يهمس لعروسه ثم يتلقى منها ضربه بباقة

الأزهار في يدها وها قد وضعت نفسها في موقف لا تُحسد

عليه ولم تستطع بسببه ولا مجرد النظر ناحية شقيقها

وهي تتقبل التهاني ممن جاؤوا من أجلهما بينما كانت يدها

الممسكة لباقة الأزهار تلتف حول مرفقه وساعده متمسكاً

بها ، ثم تقدم مدير المطار مهنئاً إياها وقالت مبتسمة

" أشكرك سيدي فأنا أعلم جيداً بأن هذا ممنوع هنا "


قال بابتسامة تشبه شخصيته

" أجل لكني سمحت بهذا لأنك موظفة رائعة والجميع يحبك
وكانوا يصرون على أن أوافق "


وتابع من فوره ينظر للواقف بجوارها

" كما أن زوجك هو الطيار الشجاع الذي أنقد أرواح
الكثيرين بشجاعته وذكائه ، كما سنعد هذا كمكافأة نهاية
الخدمة لك "


وضحك عند آخر كلمات قالها ينظر لها فلم تستطع منع

نفسها من الضحك وكان دور مديرها حينها وهو مهندس

الملاحة الجوية والذي كان عمره يتجاوز عمر والدها


هنأها بلباقة وقال مبتسماً ينظر لعينيها

" كوينو أيتها الرائعة سأفتقدك كثيراً "


ارتسم الحزن في عينيها كما ابتسامتها وقالت

" وأنا كذلك سأشتاق لك سيد فيثال ..أنت رجل رائع جداً "


ابتسم مومئاً لها برأسه وابتعد بسبب الذي تقدم من خلفه

والذي ما أن ظهر لها حتى اختفت ابتسامتها تنظر له بعدم

تصديق وكان رواح الذي قال مبتسماً يفرد يديه

" كنتِ تتوقعين مغادرتك دون أن أراك يا محتالة ؟ "


حركت رأسها نافية وضاعت الكلمات منها ودمعت عيناها

نظر لعينيها قائلاً بابتسامة حزينة

" أردت أن أقيم لك حفلاً لم تعرفه عروس من قبل لكن الله
شاء غير ذلك "


ارتسم الحزن عميقاً في عينيها وخذلها لسانها المتيبس

مجدداً وشعرت بالألم والحرج معاً وتمنت أن لم يحدث كل

هذا فعلياً وكأنها ليست من كانت منذ لحظات سعيدة به !

وكان وكأنه قرأ أفكارها تلك بل وذاك ما حدث فعلاً وهو

يقول مبتسماً بتفهم

" أفهم ما تريدين قوله وتفكرين فيه يا كنانة كما أعلم بأن
كل هذا مفاجأة بالنسبة لك ولا تعلمين عنه ، لقد أخذ زوجك
الموافقة مني أولاً احتراماً لذكرى شقيقي وما كنت لأغضب
وإن أقام لك والديك حفلاً كبيراً ولا أراهما عادلين بهذا "




ابتسمت بحزن وقالت

" ما كنت أستطيع فعلها وأحتفل وأنت وعمتي ووالدك
تعيشون الحزن لفقده "



وتابعت من فورها تنظر لعينه وللكدمة الواضحة تحتها

" ما بها عينك ؟ ماذا حدث معك ! "



ارتفعت يده لها ولامستها أصابعه وقد شوه لونها الواضح

وجهه الوسيم وقال بضحكة صغيرة

" حادث بسيط فقط "


قالت تمسك ضحكتها تمازحه

" لا تكون ساندرين السبب فيها "


ضحك كثيراً وقال

" لا أستبعد هذا "


تدخل غيهم في حديثهما حينها وقال ببرود يرمق الواقفة

بجانبه بطرف عينيه

" لا تبدو لي فكرة زواجك بها صائبة "


لاذت بالصمت تتجنب النظر له لأنها تعلم جيداً عمّا يتحدث

ويعني بينما فرد رواح يديه قائلاً بضحكة صغيرة

" وماذا أفعل ؟ جنونها وطول لسانها أكثر ما أحبه فيها "


كان التعليق لغيهم أيضاً والذي تمتم بابتسامة ساخرة

" مبارك لك إذاً "


قال رواح مبتسماً

" بل لكما ... "


ونظر ليده التي دسها في سترته وأخرج من جيبها الداخلي

صندوق مخملي مستطيل الشكل وما أن كان سيفتحه توقف

بسبب التي اقتربت منه مسرعة وكانت كارلا والتي تولت

مهمة جمع الهدايا من المدعوين لأن احتفالهم ليس في

مكان مخصص له تحمل في يدها سلة بيضاوية الشكل

يغطيها قماش حريري ناصع البياض مزينة بالورود

البيضاء والأشرطة الحمراء تكاد تمتلئ بالهدايا وقالت

بابتسامة واسعة تمدها نحوه

" يمكنك وضعها هنا "


ضحك وقال وهو يفتح العلبة

" لا يمكنني فعلها فلم أضع فيها بطاقة تحمل إسمي"


ضحكت بمرح وما أن كانت ستعلق اتسع فمها بدهشة كما

عيناها تنظر للسوار الماسي الرائع الذي أخرجه منها وكان

عبارة عن زهرات متتابعة بفصوص كبيرة واضحة وقالت

بدهشة تضع يدها الحرة على صدرها

" كانت ستعلم بهويتك دون بطاقة بالتأكيد "


ضحكوا جميعهم بينما قام هو بإلباسه لابنة خاله وقال

مبتسماً وهو يغلقه على ساعدها

" هو أقل من مكانتك لديا بكثير يا شقيقتي التي لم يهبها لي
والدي ذو الأربع زوجات "


لم تستطع إمساك ضحكتها التي لمعت معها عيناها بدموع

خفية فهذا شخص آخر من عائلتها الصغيرة المحببة

ستشتاق له كثيراً ولضحكاته ومرحه الدائم ، قالت بامتنان

ما أن نظرت لعينيه الباسمة

" هذا كثير جداً يا رواح .. شكراً لك يا شقيقي "


حرك رأسه برفض وقال مبتسماً

" ما هذا الذي تقولين بأنه كثير ! "


وتابع من فوره يرمق الواقف بجانبها بعينين ضيقة

" ولعملك فقط يا كنانة أردت أن أهديكما رحلة لأجمل مكان
في هذا العالم وعلى حسابي لكنك متزوجة من أسوأ رجل
رومانسي في الوجود "




نقلت نظرها بينهما في دهشة وكان التعليق لغيهم الذي

قال ببرود

" لا تتبجح بطائرات شركتك وأموالك يمكنني اخذها حيث
تريد لكني طيار جديد ووقتي ليس ملكاً لي "


ضحك رواح وقال مبتسماً

" وهديتي موجودة متى ما كان الوقت مناسباً "


ومد يده له وتصافحا وشد على يده بقوة قائلاً

" مبارك لك أيها الكابتن طيار ولا أوصيك على ابنة خالي
سأخرجها من بين عينيك إن علمت عن دمعة واحدة
في عينيها "



وحرك رأسه بإيماءة جادة يؤكد له صدق حديثه وجديته

فسحب يده منه ودسها في جيب بنطلونه قائلاً ببرود

" سأفعلها من نفسي حينها لن يحتاج الأمر لتدخلك "


ابتسم رواح برضا تام وقال

" ونظرتي لك لن تخيب وبأن شهامتك كرجل لن تسمح بهذا
ودماء خالك تسري في عروقك "


رفع هاتفه بعدها ووضعه على أذنه وقال ينظر بعيداً

" هيّا أدخلوها يا أدريان "


وما هي إلا لحظات وانتقلت الأنظار جميعها حيث كان ينظر

وعلت الصرخات الحماسية مع التصفيق ما أن ظهرت

الكعكة الضخمة بخمس طوابق عالية يجرها أربع رجال

بلباس طهاة ترافقهم ثلاث فتيات ترتدين ملابس نادلات

يسحبن طاولة أخرى مليئة بالأطباق والشوك ، وما أن

توقفوا بها أشار لهما بيده قائلاً بابتسامة

" أعلم بأنه لا وقت لديكما لكن عليكما قطعها أولاً "


وكانت تلك المفاجأة الأروع لكنانة والتي شعرت بأنها

الأسعد على وجه الأرض وهي تمسك السكين معه يقطعان

أول قطعة منها واختلطت ضحكاتها مع تعليقات زملائها

وجاراتها تسمع التهاني والتبريكات ممن تعرفهم ومن لا

تعرفهم وكأنهم مدعوون بالفعل والجميع سعيد من أجلهما

حتى أنهم تجمعوا في حلقات يرقصون على أنغام الموسيقى

التي كان مصدرها مكبرات الصوت المخصصة للإعلان

عن الرحلات وقد تحولت صالة المسافرين لقاعة

احتفال بالفعل.


شكرت رواح الذي ودعهما مجدداً وحياهما بيده وهو يغادر

ونظرات كنانة المحبة الحزينة تتبعه بامتنان فهو من أجلها

تجاوز حزنه على شقيقه ووافق إقامة حفل لها كما جاء

لرؤيتها وتوديعها بل وفعل ما هو أهم من ذلك بكثير وهو

الوقوف بجانبها كشقيق ، انتبهت للرجل الذي اقترب منهما

وقال لغيهم بصوت منخفض ولباقة واحترام

" إنه وقت صعود الطائرة سيدي عليك أن تكون في
غرفة القيادة الآن "



لقد مرت الدقائق بسرعة البرق وها قد حان وقت المغادرة

بالفعل بالرغم من أنها تمنت عكس ذلك وأن استمر الاحتفال

والرقص حتى آخر الليل وذاك ما لم تتوقعه في حفل

سيجمعهما !! وكان عليهما السير فوق البساط الذي سارا

فوقه خارجان ليغادرا من الباب ذاته فعلى قائد الطائرة أن

يكون فيها قبل المسافرين ببعض الوقت هو أمر ثابت في

جميع الرحلات لتفقد أجهزة الطائرة وجاهزيتها للإقلاع .


حيّت بيدها صديقاتها تودعهم بعينين حزينة رغم الابتسامة

الجميلة التي كانت تزين شفتيها وكان عليها توديع شقيقها

فور وصول ثلاثتهم للغرفة المخصصة بأطقم القيادة

فحضنته بقوة تحاول جاهدة أن تمسك دموعها لذلك لم

تتحدث فآخر ما تريده الآن هو الانهيار باكية فاكتفت

باحتضانه بقوة تتذكر فقط اللحظات السعيدة التي جمعتهما

ومنذ طفولتهما وذاك ما جعل شفتاها تبتسم بالرغم من

لمعان عينيها بالدموع التي تحكمت فيها بالقوة وقالت بحزن

تنظر لعينيه

" كن مع والداي متى ما سنحت لك الفرصة لذلك "


لامست سبابته أنفها وقال بضحكة صغيرة

" بالتأكيد بالرغم من أن والدتك لن تحبذ ذلك "


لم تستطع التحكم في ضحكة مشابهة تغلبت عليها وقالت

" هي تحتاج فقط أن تتفهم طبيعة ما تشعر به فهي تحبك
كثيراً وأنت ابنها ولا أراها سعيدة كالأوقات التي
تزورنا فيها "



لامست يده مؤخرة شعره وقال باسماً يمسك ضحكته

" بالطبع هي تحتاج ذلك لكني لا أملك طاقتك الإيجابية
على الصبر مطلقاً "


وضحك على تعابير وجهها الغير راضية بما قال

وتابع ضاحكاً

" وأحبها كثيراً وجراثيمي معي أيضاً "


ضحك ثلاثتهم دون تحفظ حينها ولم تعلق هي على ما قال

وتفهمه أيضاً فوالدتهما كانت في شجار مستمر معه ومنذ

طفولته لأنه شخصية فوضوية كثيراً وعكسها تماماً لذلك

كانت تُشن الحروب كلما دخلت غرفته أو دخل المنزل

ووجدها أمامه وكان على عكسها ووالدها تماماً لأنهما كانا

متفهمان لطبيعة مرض والدتها الذي تعترف هي بنفسها

بأنه يضايقها لكنها لا تستطيع أن تتغير ، وبالرغم من ذلك

هي تعلم وموقنة بأن كل واحد منهما يحب الآخر ولا يتقبل

فكرة ابتعاده عنه وانتقاله بعيداً عن لندن من أجل الدراسة

كان أكبر دليل على ذلك .


تصافح هو وغيهم يودعه أيضاً وقال مبتسماً

" مبارك لكما وأتمنى لكما حياة سعيدة "


شد على يده وقال بابتسامة مماثلة

" نريد حضور زواجك أيضاً عمّا قريب "


ضحك وقال

" الدراسة والوظيفة أولاً ثم يأتي كل ذلك "


تفرقت أيدهما وقال غيهم مبتسماً

" نل الشهادة فقط وبالمعدل الذي أتوقعه منك والوظيفة
تنتظرك وفي أفضل مكان هنا "


ارتسمت الدهشة والسعادة على ملامحه حينها وقال

" لن أخيب ظنك أبداً "


ربت بيده على كتفه مبتسماً وغادرا من هناك وكان الطيار

المساعد في انتظارهما ما أن صعدا للأعلى للوصول

للطائرة عبر الممر الذي يتم إيصاله بين بابها ومبنى

المطار ، وبينما انشغل الرجلان بالحديث عن أمور غير

مفهومة بالنسبة لها ولا تخص مهنتها كانت هي تسير

ونظرها عبر الزجاج المعتم للممر نحو الواجهة الزجاجية

التي لازال شقيقها يقف أمامها تودع عيناها طيفه الذي

بالكاد يظهرلها بعيداً كما عيناه التي كانت تودعها وإن كان

لا يراها حتى وصل ثلاثتهم لباب الطائرة وبينما توجه هو

من فوره لغرفة القيادة تم إيصالها هي حيث مقاعد

الدرجة الأولى

وكان المكان خالياً وأُغلق الباب خلفها فنظرت حولها

باستغراب فهل تم حجز المقاعد كاملة هنا ولا ركاب

غيرها !


أزاحت كل تلك الأفكار من رأسها وتوجهت نحو الحمام

الموجود هناك ورغم ضيق المكان نزعت الفستان عنها

وارتدت ثيابها السابقة وحمدت الله أنه لم يكن فستاناً ذو

تصميم منتفخ كبير لكانت في مشكلة ، ورغم ذلك كان من

أروع الفساتين التي رأتها لذلك حاولت جمعه بكل حرص

وعناية ووضعته داخل أكبر الحقائب الورقية بعد أن وزعت

الهدايا الموجودة فيها على البقية وتوجهت نحو مقعدها ما

أن علا صوت المضيفة من مكبرات الصوت تعلن عن بداية

الرحلة مطالبة الجميع بإلتزام أماكنهم وتنهدت نفساً عميقاً

وهي تريح ظهرها المتشنج على الكرسي المريح .


وما أن تحركت الطائرة ابتسمت مغمضة عينيها وهي تفكر

فقط في أنه قائد رحلتها هذه وللمرة الأولى تتخيله جالساً

أمام تلك الأجهزة المعقدة يتحكم فيها بكل ثقة وثبات

وضحكت على نفسها فمشاعرها تلك تشبه مراهقة حالمة

وكأنها ليست زوجته الآن وكانت بجانبه تمسك بذراعه منذ

قليل ومتوجهة معه نحو عالمه وحياته وبكامل تفاصيلها .


أوقفت سيل أفكارها عند تلك الفكرة تهرب من أي طريق

يأخذها إليها كي لا تقضي ساعات رحلتها كاملة متشنجة

الأعصاب ومتوترة ، وكان لذلك الأثر الأكبر على حواسها

فسرعان ما غاصت في كرسيها أكثر وأخذها النوم لعالمه

الذي كانت تنتظره منذ صباح يوم أمس .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:29 PM   المشاركة رقم: 1670
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

حين اختفت الأصوات في الخارج مجدداً وأُغلق باب المنزل

كان الصغيران قد ناما وهي تحاول إلهاؤهما عن الطعام

الذي كانا يطلبانه بإلحاح فهما طفلان ويجوعان بسرعة

وهي لم تستطع الخروج للمطبخ ولا هاتف لديها لتطلب من

يمان إحضار شيء ليأكلاه ويبدو أنه غفل عن هذا الأمر لما

كان ليتوانى عن فعل أي شيء من أجلهما .


وقفت وغادرت الغرفة مغلقة الباب خلفها بهدوء بينما كان

نظرها على البابين اللذين أصبحا في مكانهما الآن ومغلقان

ومؤكد لن يُفتحا قبل أن يجف الإسمنت الذي يثبتهما .


تحركت خطواتها نحوهما ووقفت تنظر للباب الأيسر والذي

كان يفتح على الفناء الخلفي لمنزل أويس وشعرت

بضربات قلبها تضطرب من مجرد تذكر عيناه ونظراته لها

وتساءلت ما سيجلبه هذا الباب لحياتها مستقبلاً فلا يمكنها

تفاؤل الخير البتة بسبب كرهه العميق لمجرد النظر لها فلما

يفعلها وهو يعلم بأنها هنا !

تبدلت نظراتها الشاردة في الحديد الأسود للحزن وحارت في

أمرها فهي ابنة غيلوان يفترض بأنها تشبهه حاقدة قوية

ولا تعرف شيئاً اسمه صفح أو رحمة أو سلام لكنها لا تشبه

شعيب واخوانه في شرورهم ولا أويس في حقده وغله !

حتى أخوات شعيب مختلفات عنهم كما والدة أويس وهي

ابنة غيلوان فهل السر في الفرق بين النساء والرجال ؟!

أكانت ستكون كشقيقها جسار إن كانت هي رجل ؟

لكن هزار لم يكن يشبههم !.


حركت رأسها متأففة تطرد منه كل تلك الأفكار التي لا

جدوى ولا نفع منها فهي ذاتها ما الذي سيغيرها الآن ؟

لطالما كانت خادمة تحت جسار وزوجته لم تستطع التمرد

يوماً تنتظر حلم عودة هازار الذي لم يتحقق أبداً .


نظرت خلفها مجفلة ما أن انفتح باب الحمام وخرج منه

الذي كانت تظن بأنه غادر معهم كالمرة السابقة ولم تنتبه

لبابه المغلق ! تبعته نظراتها وهو يُنزل أكمام قميصه

متمتماً بالتشهد بالرغم من أن وقت العصر لم يحن بعد !

بينما لم ينظر هو نحوها وكالعادة لا شيء في يدها سوى

النظر والتحسر ، أبعدت نظرها عنه بحركة سريعة وأولته

ظهرها ناحية الأبواب الجديدة كما كانت ما أن نظر نحوها

وانحبست أنفاسها ما أن وصلها صوته الذي باتت تستغرب

سماعه لقلته مؤخراً

" لا أحد يقترب من الأبواب أو يفتحها قبل الغد "


أومأت برأسها في صمت وتحررت أنفاسها أخيراً وابتسمت

ببؤس على حالها وما أن قالت ولم تستدر نحوه

" لما .... "


قاطعها دون أن ينتظر تكملتها أو لم يسمعها والأقسى أن

يكون لا يهتم بها وهو ما حاولت التهرب من التفكير فيه

وهي تفرك يديها ببعضهما بقوة وكأن عقلها موجود بينهما

ولاذت بالصمت ما أن قال وبجموده المعهود مؤخراً

" لقد أضاف للمنزل غرفة من أجل الأولاد كما فتح بين
منزلينا باباً "


لم تستطع الاستمرار في الاستماع له وهي توليه ظهرها

خاصة أنه لم يغادر فاستدارت نحوه مستعدة لتحمل نظراته

ولامبالاته على معاملته بقلة احترام وبالرغم من كل ما

حدث ، وكما توقعت كان ثمة المزيد لديه لأنه أخبرها بهذا

سابقاً وقد قال مباشرة

" والدته أغمي عليها أكثر من مرة في غيابه بسبب ارتفاع
السكر لديها وأراد أن تكون تحت مراقبتنا الفترة الحالية
وحتى تصبح زوجته هنا "


شعرت بالأسى والحزن عليها فهي امرأة رائعة ولم تكن

تتخيل أن تكون كذلك حتى طرقت باب منزلها وتحدثت معها

ويؤلمها أن يصيبها أي كرب بعد كل ما ألم بها ، تبدلت

ملامحها للجمود ما أن قال وهو يبعد نظره عنها

" كما أنه طلب بأن لا تدخلي المنزل "


لا تنكر بأن الأمر آلمها بالرغم من توقعه بل تستغرب أنه لم

يطلب منه إخراجها من المنزل حتى الآن ، أنزلت نظرها

للأرض وقالت بسخرية ومرارة

" لن أتوقع منه غير هذا .. ومؤكد يرى بأن زيارتي لها
سابقاً سبب تدهور صحتها "


لم يعلق كما لم ينفي ذلك وذاك ما جعلها تتأكد من ظنونها

واشتدت قبضتاها بجانب جسدها لازالت تنظر للأرض تحتها

بوجوم كئيب ولا تفهم إلى متى ستتحمل ذنب ما لا يد لها

فيه ؟ كم تتمنى من الله أن يُنزل القصاص العادل بكل من

آذاها وساهم في تحويل حياتها لسواد .


أغمضت عينيها بحزن ما أن سمعت خطواته تبتعد بينما

وصلها صوته البارد مغادراً نحو باب المنزل

" لديا عمل في المزرعة وقد لا أعود باكراً "


ملأت الدموع عينيها وألمتها يداها من شدة ما كانت تعتصر

أصابعها داخل قبضتيها وحارت أتصنفه من ضمنهم أم لا ؟

وكان الجواب سريعاً ومؤلماً أيضاً فلا يمكنها فعل ذلك ولا

التفكير فيه فهو من جعل واقعها يشرق يوماً وليس العكس

وعاملها معاملة أميرة لم تحلم يوماً بها قبل تلك الليلة

الحالكة كماضيها البائس الكئيب ولن تُجزم بأن قلبها قادر

على فعلها والدعاء عليه ومهما فعل بها لأنه احتل مكانة لم

يصلها غيره .


مسحت عيناها بقوة وحركة سريعة وعادت نحو الغرفة

وابتسمت بحزن ما أن دخلتها وظهر لها اللذان أصبحا

ينامان في اتجاه معاكس بسبب تقلبهما ، اجتذبها ذاك

المشهد وتركت فكرة إعداد الطعام لوقت لاحق وسحبت

فراشها قربهما واضطجعت عليه أيضاً يدها تداعب شعر

عَنان الحريري وتراقب مبتسمة تغضن جبينه واقتراب

حاجبيه الصغيران حتى وهو نائم فطباعه لا تشبه شقيقه

التؤام والنسخة المطابقة عنه بل وحتى يمان ! .


ضحكت بصمت ما أن مسح على وجهه بحركة متضايقة

حين قبّلت وجنته بالرغم من أنها بالكاد لمستها بشفتيها

واستلقت تنظر له حتى أخذها النوم ودون شعور منها ولم

تفق إلا على صوت ارتطام المطر القوي بالأرض وجلست

مسرعة حين اكتشفت بأنها تنام في الغرفة وحيدة وصوت

الضحك والصراخ في الخارج يصلها بوضوح فوقفت

وركضت مسرعة نحو الباب تناديهما ووقفت مصدومة ما

أن وصلته ورأت منظر الطفلان المبتلان بالكامل يركضان

تحت المطر صارخان بمرح فخرجت راكضة دون تفكير

نحوهما ودون حتى أن تلبس حذائها لتدخلهما بينما

وجداها هما فرصة للتسلية واللعب وهما يهربان منها في

جميع الاتجاهات والمياه تغمرهم من الأعلى للأسفل


*
*
*

ما أن دخلت سيارته شوارع العمران مجتازة بوابتها

الواسعة وأسوارها العالية أنزلت زجاج نافدتها حيث

المنازل والمباني البيضاء وسط خضرة الطبيعة الجميلة

وأغمضت عينيها تستنشق هوائها المنعش والمشبع برائحة

الأزهار تتكئ برأسها على مسند الكرسي وتنظر جانباً ناحية

نافذتها وابتسمت بحزن تتذكر كل يوم عاشته هنا ومنذ

انتقالهم لها قبل قرابة العشرة الأعوام أو يزيد وقد شهدت

مراحل تطورها وازدهارها لتصبح مملكة النساء كاملة

وشعرت وكأنها فارقتها منذ وقت طويل وليس عدة

أيام فقط ! وها هي كما غادرتها بقلب جريح دخلتها بآخر

مكسور وترى بأن النهاية التي كانت تتوقعها باتت قريبة

وقريبة جداً بل وأقسى مما كان عقلها يرسم من أحداث .


ما أن توقفت السيارة أمام باب منزلهم نظرت للذي كان

ينظر ليديه الممسكتان بأعلى المقود في صمت وقالت

" ألن تسلم على والدتي ؟ "


كانت ترى تردداً واضحاً في عينيه ما أن نظر لها وتعلم

سببه جيداً وهو سيارة وثاب المتوقفة تحت ظل شجرة

السنديان المطلة من طرف سور المنزل وتعلم جيداً بأنه

سيتجنب تواجدهما معاً في المكان ذاته فهو وإن خالف

شقيقه التوأم بزياراته القليلة لهذا المنزل لكنه لم ينسى أبداً

ما حدث في الماضي وطرده لهما وأمامهم جميعاً ، قال وهو

يبعد نظره عن عينيها مجدداً

" سأمر بها وقت مغادرتي من جويداء وأراها "


لم يعجبها قراره البتة ولا تأثرهم بما يقول ويفعل وثاب

فقالت ودون يأس

" سلم عليها فقط على الأقل فهي ستعلم بأنك من أوصلني
وبأنك ذهبت دون رؤيتها وسيحزنها ذلك "


وما أن نظر ناحيتها قالت سريعاً ومن قبل أن يعترض

" بما أنه توجد سيارة بجوار سيارته فسيكون ثمة ضيوف
هنا متواجد معهم في مجلس الرجال لأني أعلم بأنك تتجنب
فقط ملاقاته "


لاذ بالصمت للحظة قبل أن يتخذ قراره ويفتح بابه وينزل

ونزلت هي معه وقد حمل حقيبتها عنها ودخلا معاً سور

المنزل الواسع الذي اجتمعت فيه أشجار الزينة المنسقة مع

الأشجار المثمرة العالية وسارا خلال الممر الضيق بين

الأشجار تجنباً للمرور بالقرب من باب مجلس الرجال

المفتوح .


وما أن دفع باب المنزل الداخلي والشبه مغلق وأصبح

بداخله ابتسم للتي كانت خارجة حينها من ناحية المطبخ

والتي أشرق وجهها وابتسامة حقيقية تزين شفتيها لرؤيتها

له وهو الوجه ذاته الذي يعشق وتقابله به في كل مرة

لكثرة غيابه وانشغاله وقلة زياراته .

لكن تلك الابتسامة خبت تدريجياً ما أن وقع نظرها على

التي دخلت خلفه وانتقل نظرها باستغراب بين ملامحها

المتعبة والحقيبة في يد ابنها قبل أن يستوعب عقلها ما

تراه عينيها أمامها ونظرت لقائد نظرة من يريد سماع أي

شيء يشرح هذا لكنه توجه نحوها في صمت ووضع

الحقيبة على الأرض وسلم عليها مقبلاً يدها ثم رأسها

وقال مبتسماً برقة ينظر لعينيها

" كيف حالك أمي ؟ "
تجاوز قلبها حينها كما مشاعرها كل ذلك وقالت بحنان وحب

ويدها تمسح على ذراعه تنظر لعينيه الباسمتين

" بأفضل حال بعد أن رأيت هذا الوجه يا قلب والدتك "



وكانت ابتسامته هي الضحية حينها ومن قبل أن يعلق بأي

كلمة ونظره ينتقل إلى شقيقه من والدته وهو وثاب والذي

خرج من باب المطبخ حينها يحمل صينية بها أكواب شاي

كبيرة وقد توقفت خطواته فجأة بينما نظراته توجهت

وفوراً ناحية شخص واحد هناك وهي جليلة والتي انقبضت

أصابعها تشد يديها ببعضهما بقوة بسبب النظرة المخيفة

التي وجهها نحوها والحاجبان المعقودان باستغراب مخيف.


وكان اقترابه منهم هو ما شتت ذاك الاجتماع الصغير

ابتداء بجليلة التي توجهت نحو السلالم ودون أن تنطق

بأي كلمة ولا أن تسلم على والدتها التي تبعتها نظراتها

باستغراب وريبة وصولاً لقائد الذي كان يرى فعلياً بأن

وجوده هنا قد انتهى ولولا إصرار شقيقته ما فعلها ودخل

المنزل وهو يعلم بأنه موجود فيه ، لكنه وقبل أن يغادر

كان عليه فعل شيء ما يُجنب شقيقته ما يتوقعه جيداً من

نظرات شقيقها لها فرفع حقيبتها وأعطاها لوالدته قائلاً

" زوجها يعلم بأمر قدومها وهو منشغل قليلاً لذلك جلبتها
أنا في طريقي وبموافقته "


وما أن أمسكت والدته يد الحقيبة منه استأذنها مغادراً

بالرغم من أنه لم يرى علامات الاسترخاء على وجهها

بسبب ما قال لكنه أكثر ما يستطيع فعله لأنه يبقى دائماً ابن

عائلة أخرى في نظر شقيقها ووالدها ففعل فقط ما طلبته

منه لذلك انتهت مهمته هنا أحب هذا أم رفضه .

أغلق باب المنزل خلفه بهدوء وترك نظرات والدته الحزينة

تودعه وهو حالها كلما جاء ورأته لدقائق قليلة وغادر

وكأنه ذاك اليوم ذاته يتكرر أمامها في كل مرة فمنذ ذاك

اليوم وما حدث فيه وهذا حالهما قائد يزورها لدقائق

معدودة يتغيب بعدها لفترة طويلة ووسام لم تعتب قدماه باب

المنزل بعدها مطلقاً يقف بسيارته أمام باب المنزل ليأخذها

لمنزله وتقضي لديه وعائلته يوم واحد فقط تراهم فيه ولا

يتكرر بعدها قبل وقت طويل ، أخرجها من شرودها الحزين

صوت الذي قال من خلفها بحدة

" ما الذي جاء بابنتك من منزل زوجها ؟ "


تنهدت بقلة حيلة قبل تستدير نحوه وقالت

" وما يدريني فهي دخلت للتو أمامك "


وما أن كان سيتحدث بما تعلمه جيداً ولا تخفيه عيناه

الغاضبة قاطعته قائلة بتحذير

" وثاب شقيقك قال أمامك الآن بأن زوجها يعلم وموافق
فجنبنا المشاكل لأن والدك هنا "


حرك رأسه ناحية باب المنزل بطريقة غاضبة وقال

" وذاك المغرور ابنك لما يجلبها وإن كان زوجها موافقاً
وهي تزوجته قبل أيام فقط ؟ "


لامست فمها بيدها بحركة حانقة وقالت بصوت منخفض

غاضب

" أخفض صوتك فلسنا وحدنا في المنزل وغادر لضيوفك

واتركني أفهم منها ما يجري فليس عيباً أن تزور المرأة
عائلتها وإن كانت عروساً "


قال بحدة ودون أن يهتم لكلامها

" قولي هذا لشخص آخر وليس لرجل تزوج أكثر من مرة
ومن يعلم عن عناد ابنتك جيداً ، كنت أعلم ومنذ خرجت
من هنا بأنها تنوي فعل هذا "



وتابع من فوره ومن قبل أن تفكر في قول أي شيء مهدداً

" وقسماً برب العزة وأخبريها بهذا ولتحفظه جيداً بأن
طلاقها منه معناه دفنها حية هنا "


اتسعت عيناها بصدمة وقالت بضيق

" ومن تحدث عن الطلاق الآن يا وثاب ؟! "


تحركت خطواته حينها وقال مغادراً حيث مقصده وضيوفه

" ابنتك وتعرفينها أكثر مني وها أنا حذرت "


وابتعد عنها ونظراتها الحانقة تتبعه حتى اختفى خلف باب

المجلس الداخلي وتحركت خطواتها حينها ناحية السلالم

مستغفره الله بهمس يائس وهي تصعد عتباته وقلبها يدعو

في صمت بأن تخيب ظنون ابنها ذاك ومخاوفها هي

فحدوث ذلك معناه مشكلات لا نهاية لها في هذا المنزل

ستدفع ابنتها تلك ثمنها وحيدة وهي تعرف عنادها جيداً كما

عصبية ابنها ذاك وطباعه السيئة .


ما أن وصلت باب غرفتها سابقاً طرقته أولاً ثم أدارت

مقبضه وفتحته فكانت خالية تماماً سوى من عباءتها

وحجابها المرميان على السرير ونظرت باتجاه الحمام

وحيث صوت المياه فوضعت الحقيبة وغادرت مغلقة الباب

خلفها لأنه لديها أعمال في المطبخ لا يمكنها تأجيلها اكثر

من ذلك .


*
*
*

لامست أصابعها الزجاج البارد أمامها تراقب بعينين دامعة

مجهدة قد اكتحل جفناها باللون الأحمر النائمة دون حراك

فوق السرير داخل الغرفة عيناها مغمضتان وجسدها خائر

القوى .. أمر واحد فقط يجعلها تعلم بأنها لازالت على قيد

الحياة وهو صدرها الذي كان يعلو وينزل بحركة بطيئة

بسبب تنفسها الذي بدت وكأنها تستجديه من رأتيها

استجداءً ، وها هي المرأة الصامدة والتي تلقت الصدمة تلو

الأخرى انهارت نهاية الأمر وكل ما تخشاه الآن أن ترفض

التمسك بالحياة وتحرمها منها وللأبد .


تحررت الدمعة من رموشها وانزلقت كنصل سكين حاد على

وجنتها المشتعلة بشدة وهي تتخيل أن يحدث ذلك ، لا

يمكنها ولا تصديق وتصور هذا كما تعجز حتى اللحظة عن

استيعاب أو فهم ما حدث وما رأته عيناها كما تخشى أنه

ليس ثمة أمل أن تجتازه النائمة هناك عكس ما حدث مع كل

فاجعة مرت بها سابقاً ، وتذكرت مجدداً ما حدث بعد ما

قاله ذاك الغيلواني للعلن وبأنه عليهم استرداد حقهم الآن .


نزلت دمعة جديدة من عينيها ما أن تذكرت صوت الصرخة

الأنثوية التي اخترقت صمت المكان حينها وحين توجهت

أنظار الجميع ناحيتها وقد بدأت ترفع المقاعد المرتبة

بجانب بعضها وترميها باتجاههم بعشوائية رغم المسافة

بينهم صارخة بهستيرية وقد تحرر كل ما كبتته داخلها منذ

اللحظة التي بدأت الحقائق فيها تتوجه نحوها كقذائف قاتلة

وخناجر مسمومة وتحرر صوت المرأة المكلومة والأمومة

المذبوحة ومعاناة عمرها أعوام طويلة من الفقد وخيبات

الأمل والانكسار حتى أصبحت لا ترى أي شيء غير كل

ذلك أمامها لأن عقلها بات يدرك ما ينتظرها مستقبلاً بل

وطفليها معها وهي الملام الأول فيه فتبدل الرفض في

داخلها لحالة من الهستيرية والصراخ جعلت جميع العقول

هناك تتشتت كما الأنظار وحتى هي ابنتها سوى من الذي

استطاع تجاوز ذلك سريعاً هو يتوجه نحوها وحرسه

يتراجعون للوراء معه وكأن هدفهم تغير من حجز أولئك

المجتاحين بعيداً عنه لحماية ظهره منهم وقد أخرجوا

أسلحتهم باتتابع وما أن صرخ أحدهم بأمر موجهاً سلاحه

نحو الواقفين مكانهم

" أي واحد منكم يخرج هاتفه فهو هدف لنا "


ومنعوا بذلك أي توثيق لما يحدث هناك ومن ثم تداوله بين

مواقع التواصل يحمون الذي ما أن وصل لوالدتها

وبخطوات سريعة أمسك يديها وقيد حركتها قائلاً

" غسق توقفي "


لكن كلماته لم تكن تصلها لأنها وصلت فعلياً لمرحلة التقوقع

داخل الصدمة وهو ما أدركه حينها فأحاطتها ذراعاه بقوة

يسجنها في حضنه مكبلاً جميع محاولاتها للإفلات وأمسكت

يده برأسها وحجابها الذي بدأ يكشف شعرها من تحته يخفي

كل ذلك عن الجميع خلفه ودفن صرخاته في أضلعه ونظر

نحوها هي حينها والتي كانت تنظر لهما بعينين متسعة

باكية جسدها يرتجف من الصدمة وقال بأمر وهو يتحرك

بالموجودة في حضنه جانباً

" تعالي خلفي يا تيما " .


أغمضت عيناها بقوة بسبب ألم تذكر كل ذلك وكأنها تعيشه

مجدداً ، لو أخبرها أحدهم بكل هذا ما كانت لتصدقه فما

حدث وقيل هناك وفي ذاك المكان أشبه بالخيال ولا يمكن

لأي عقل بشري استيعابه بسهولة فأي زمن هذا الذي

يُستخدم فيه البشر كسلعة تُباع وتُعطى ومهما كانت

الأسباب ! أي أناس هؤلاء الذين يمكنهم بيع مبادئهم

وبلادهم ومن أجل أي ثمنٍ كان ؟

لِما يكون الوطن ظالماً هكذا لمن دفع كل ما يملك ثمناً له ؟

وكيف لأحكام القبائل أن تكون جائرة هكذا ؟!

كيف يكون هذا في بلاد بات القانون يحكمه ؟

وعادت وتساءلت بمرارة من يأخذ بحق قلبها الممزق مِن

كل مَن حرموها عائلتها وطفولتها والسعادة التي ينالها

الجميع كحق أساسي لهم ؟


مسحت عيناها بقوة ما أن شعرت بحركة ما خلفها

واستدارت نحو التي كانت تقف عند نهاية الجدار تراقبها

في صمت ولا تعلم عنها لأنها وصلت بعد وصولها بلحظات

لهذا المكان ولأنها باتت أيضاً من أحد الأعمال المؤجلة التي

لا وقت له لها الآن فتركها تحت حماية رجاله هنا مع ابنته

وزوجته ولا تعلم فعلياً متى قد يجد وقتاً لها ؟

فبالرغم من أنها تجهل ما حدث في الداخل بعد خروجها

لكنها استطاعت فهم أغلب ما كان سبباً لكل هذا .


" لما أنتِ هنا ؟ "


كان صوت تيما مشبعاً بالكراهية والغضب كما نظراتها

المصوبة نحوها وكأنها تمسك نفسها بالقوة عن مهاجمتها

وقتلها بأظافرها لكنها قابلت كل ذلك بالبرود التام متمتمه

" لأن والدك أمر بهذا بالطبع "


وتابعت من فورها وقد تبدلت لهجتها للسخرية

" أرى نظرتك تلك في قاعة المحكمة قد تغيرت ؟ "


اشتد فكاها بقوة وغضب ولم تعلق بادئ الأمر لأنها بالفعل

رأت فيها ضحية مثلهم تماماً وهي تستمع لقصتها وبلسانها

تحكي عن معاناتها طفلة وشابة وامرأة وقد عاشت هوية

ليست هويتها وحياة ليست حياتها وشعرت بالشفقة حيال

ما حدث معها لكنها لم تكن تعلم حينها بما فعلته واعترفت

به بلسانها ، ملأت دموع القهر عينيها وهمست

بكلمات حاقدة

" أنتِ سبب كل ما حدث ويحدث ... "


وارتفع صوتها الذي ملأ المكان الخالي من أجلهم تحديداً

ورمت بيدها متابعة بمرارة

" بسببك عانت والدتي ما عانته وبسببك رفعت تلك القضية

ووصلت أوراقها لأولئك الرجال ، حتى ما حدث في هذه

البلاد وجعل عائلتي تتشتت كان بسبب والدك "


أنهت كلماتها الصارخة بحقد تتلقف أنفاسها ولم تستطع

بالتأكيد ملاحظة الرصاصة التي صوبتها نحو حاجزها

الدفاعي بل وأعمق من ذلك بكثير وهي مسألة والدها التي

لم تستوعب حقيقتها حتى اللحظة ، اشتدت قبضتاها بجانب

جسدها بقوة وقالت بضيق

" أنا اعتذرت عمّا فعلت وأخبرت بالحقيقة كاملة ومنعت

طلاق والديك في المحكمة أم مهمتك فقط إلقاء اللوم عليّا
فيما لم أفعل ولا يد لي فيه ؟ "


لكن كلماتها تلك لم تجد مكاناً في قلب التي رمت يدها مجدداً

وصرخت بحرقة وألم لازالت تشعر بهما يدمران قلبها

" أنتِ لم تقومي بإصلاح أي شيء مما فعلته فهما افترقا
وللأبد إن بطلاق أو بدونه ، لقد دمرتِ أحلامي جميعها
وقلب والدتي قبل جسدها وستحرمينني منها أيضاً "


اختنقت بعبرتها عند آخر كلمات قالتها وشعرت بأنها خرجت

جميعها من أعمق نقطة في مأساتها وواجهتها بالحقيقة

التي كان يصعب عليها نكرانها أو تبرئة نفسها منها ومهما

حاولت حتى أعجزتها عن النطق ، لمعت المقلتان

الزرقاوان بمرارة وقهر وانخفض صوتها البائس الحزين

وقالت بعتاب وألم

" لما عمتي لماذا ؟ بأي حق فعلتِ كل ذلك وآذيتنا جميعاً "


أخفضت نظرها وكأنها تهرب بجبن منها فكلمة عمتي التي

نطقت بها حينها كانت أقسى عليها من كل ما سمعته فهذه

الفتاة التي جعلتها قسوة ظروف حياتها تتدثر في ثوب

امرأة قبل أوانها لم تستطع محو الطفلة في داخلها بل

وتغلبت تلك الطفلة عليها الآن وبكلمة واحدة ، وإن كان

يصعب عليها النطق بها إلا أنها لم تعد تستطيع نكرانها

أكثر من ذلك بينها وبين نفسها وبأنها محقة فيما قالت

ولن تحاول الدفاع عن نفسها وبأي طريقة كانت ليس فقط

لاعترافها بالحقيقة بل ولأن ما شعرت وتشعر به لن

يستطيع أيّا منهم فهمه ولا الاقتناع به ومهما قالت وفسرت

وأعادت فقد تعلمت بأنه في قانون البشر الظالم لن يشعر

بك إلا من عاش مأساة تشبه مأساتك أمّا البقية فيتحولون

جميعهم لقديسين مهمتهم الوحيدة هي توجيه الانتقادات

لك وكأنك المذنب الوحيد في العالم بما فعلت .


انتقلت نظراتها سريعاً نحو بداية الممر الطويل الذي تقفان

فيه وذو الأرضية الرخامية والجدران البيضاء المدعمة

بسياج من الخشب البني حين ظهر الجسد الرجولي الطويل

ميّزته البذلة السوداء الأنيقة والمتوجه نحوهما بخطوات

سريعة واسعة وكان قاسم الذي علمت من نظراته المشتتة

بينهما بأنه هنا دون أن يفهم ممّا يحدث شيئاً ، وكانت تلك

الحقيقة بالفعل فهو تلقى فقط اتصالا من مطر طلب فيه منه

أن يكون هنا ووضع ثلاثتهن في عهدته ودون أن يشرح

له ما حدث وما سبب وجودهن هنا ولم يسأل هو عن ذلك

بل ولم يترك له مجال لفعلها .


ما أن وصل لهما كانت وجهته محددة ومعروفة وهي تيما

التي ارتمت في حضنه مباشرة وإن كان هو من دفعها لذلك

ما أن أمسك ذراعها بينما نظره كان على النائمة داخل

الغرفة وهو ما توقعه من قبل وصوله إلى هنا واشتدت يداه

على جسد التي كان يخفيها في أضلعه بقوة ما أن تحررت

عبراتها التي هو موقن بأنها كانت تسجنها لوقت طويل

بينما لم تفارق عيناه الملامح الفاتنة الشاحبة من خلف

الزجاج اللامع وشعر بأنها تذبح روحه مع كل انتفاضة

لأضلعها بسبب عبراتها الباكية المتلاحقة وتمنى لحظتها

أمراً واحداً فقط أخذها من هنا بل ومن الجميع وتخبئتها

عن كل من يبكيها ويتعسها .


لكن ما كان يجهله بأنه سيتحول للمصير ذاته وخلال ثواني

معدودة واتسعت عيناه مصدوماً ما أن انتزعت نفسها من

حضنه مبتعدة عنه وأولته ظهرها تمسك عبراتها بصعوبة

تختنق بها بين أضلعها المنتفضة في صمت وتركت ذراعاه

معلقتان في الهواء بينما كان وضعها أسوأ منه بكثير وهو

ما لا يعلمه وما كان يحطم قلبها فحقيقة واحدة نسيَتها

للحظات وهي تلجأ لأكثر حضن كانت تحتاجه بالفعل الآن

وقد جعلها تَذَكُرها فجأة تستفيق لواقعها المظلم وما أن

هاجمتها تلك العبارات بعينها .


( تزويجها دون علم الابنة وبدون توثيق قانوني في تلاعب
واضح وصريح بالقانون )

( الوالد على قيد الحياة إذاً وبما أن الجلسة هنا لطلاق الأم
وإلغاء عقد زواج الابنة الغير قانوني فقد باتت المهمة
أسهل والحق عليه أن يرجع لأصحابه )


رفعت قبضتها لشفتيها المرتجفة تمنع بقوة عيناها من ذرف

المزيد من الدموع وإن كانت ما تزال مغرورقة بها حتى لم

تعد ترى شيئاً أمامها سوى الألم الذي مصدره القلب ،

رفعت رأسها فجأة ونظرت ناحية الجسدين الرجوليين


الجديدين اللذان ظهرا من بداية الممر وكانا رعد والكاسر

هذه المرة وانطلقت ساقاها دون إذن منها ولا شعور

وركضت نحوه واحتضنا بعضهما يشد أصابعه على ثيابها

بقوة بينما تحررت عبرتها مجدداً وقالت باكية

" سترحل والدتي وتتركنا .. أنا لازلت أحتاجها ولم أكتفي
منها بعد ، سأحرم منها مجدداً وللأبد "


ملأت الدموع عينيه وتيبس حلقة حتى عجز عن إخراج أي

شيء منه غير الهواء الجاف بينما استلم رعد مهمة

الحديث عن كليهما وقال ينظر لها موبخاً وبملامحه

متضايقة

" تيما توقفي عن قول هذا فهو لا يجوز "


ابتعدت عن الكاسر حينها ونظرت لعيني رعد الغاضبة

تحديداً وقالت بمرارة وبكاء

" سترحل والدتي وتتركني .. لا يمكنني ولا تصور
ذلك لأتقبله "


قال من فوره وبحزم

" هي بخير يا تيما ولن تتركك توقفي عن إيذاء نفسك فكل
ما تحتاجه الآن أن تكوني قوية "


وكان ذاك ما جعل انفعالها يخرج عن السيطرة وملأت دموع

القهر عيناها ولوحت بقبضتها صارخة

" لقد سئمت من كلمة كوني قوية .. أنا لست قوية .. تعبت
من كل هذا تعبت "


ودخلت نوبة بكاء جديدة فحضنها الكاسر مجدداً والذي كان

يمسك نفسه بشق الأنفس كي لا ينوح مثلها كالنساء بينما

شملتهما نظرات رعد بحزن ، هو يعذرها ويتفهم ما مرت

به اليوم ولم يعد بإمكانه لومها ولا توبيخها على ما قالت

فهو الرجل لا يجزم بأن يصمد أمام أمور مشابهة لِما شهدته

هي في تلك القاعة ، ورغم ذلك كان عليه فعل أي شيء

يساعدها به فسحب نفساً عميقاً لصدره وقال

" والدتك بخير يا تيما لقد كنا في مكتب الطبيب الآن
وأخبرنا بنفسه ، كما أنه عليك أن تكوني واثقة في والدك
فهو يعلم جيداً كيفية التصرف في الأمور المشابهة "



وكما توقع جعلتها كلماته تلك تبتعد عن شقيقها مجدداً

ونظرت له عيناها الباكية المجهدة بأمل كسير وكأنها تتمنى

أن يكون صادقاً وليس فقط يحاول تهدئتها ، وكان وكأنه قرأ

أفكارها تلك أو توقعها فقال سريعاً وبنبرة جادة

" تعرفينني جيداً لا أكذب يا تيما "


سحبها الكاسر من يدها حينها وقال

" تعالي معنا لتتأكدي بنفسك من طبيبها "


وغادر بها الممر مستسلمة له تماماً تكاد خطواتها السريعة

أن تسبقه راكضة ولحق رعد بهما من فوره بخطوات

واسعة مسرعة وتركوا الواقفين هناك خلفهم للصمت

المميت وكأن المكان الخالي البارد حولهما يسحب كل طاقة

لديهما على الكلام وقول أي شيء ، أو أن ذاك ما يصف

حال أحدهما فقط بالمعنى الأصح وهو قاسم الذي لم تفارق

نظراته المكان الذي بات خالياً منهم منذ وقت بينما كانت

عينا غيسانة تراقبه فقط واستطاع لسانها التحرر بل

وسمومه تحديداً وقالت بابتسامة ساخرة

" هل يجرح كبرياءك ما فعلته بك ؟ "


أظلمت عيناه المندهشة ما أن نظر نحوها وكأنها دمجت

الصدمة والاستنكار معاً بينما لم تهتم هي لكل ذلك وتابعت

بذات سخريتها اللاذعة

" بل أنت لم ترى شيئاً بعد "


" ما هذا الذي تتفوهين به ؟ "


همس بتلك الكلمات من بين أسنانه بغضب مكبوت يقبض

أصابع يمناه بقوة وكأنه يمسك نفسه عن لكمها أو صفعها

بها وذاك ما جعل تلذذها يزداد وقالت بتملق

" لا تدّعي اللامبالاة أو السذاجة فأنت تعلم جيداً ما أعني "


كان ينظر لها بما تفهمه جيداً وهو مواجهة الحقائق

بالرفض الباطني فكانت وكأنها تضع مرآة أمامها وتواجه

فيها نفسها لتمارس عليه عقد ماضيها مجتمعة فعادت

لمهاجمته والابتسامة الساخرة تزين شفتيها

" من الحمق أن تسلم مصيرك لمطر شاهين والأسوأ منه
أن يكون ذلك عن طريق ابنته .. إنك الأسوأ حظاً في
هذا العالم "


انتفضت أوردة نحره وصرخ فيها بقوة

" أصمتي "


لكن ذلك لم يحرك فيها ساكناً ولم تهتم له واكتسى نظراتها

جمود غريب وكأنها تنفصل عن نفسها بل وكأنها تحدث

نفسها ولا تراه بينما خرجت كلماتها منخفضة وباردة

كالجدران حولها

" ولما ؟ أيؤلمك سماع الحقيقة ؟ أنا لا يؤلمني قولها كما
أني تألمت طويلاً حتى اعتدت هذا بسبب تقمص ذات الدور
الذي تلعبه أنت الآن "

وتحركت خطواتها فجأة واقتربت منه ونظرت لعينيه

مباشرة وهمست

" حينما ينتهي دورك في حياة تلك الفتاة ستتركك وهي
تلقي باللوم عليك بينما ستشعر أنت بأنك السبب وسيعاملك
والدها كرقعة شطرنج يحركك كيف يشاء بسبب ذلك "



كانت كمن تمارس نوعاً من التنويم المغناطيسي عليه في

سلوك هو نفسه يجهله في النساء بل وفي البشر كافة جعله

يحدق فيها ببلاهة لبرهة فتمتمت ساخرة

" عاجز عن قول أي شيء ؟ "


تبدل مزاجه للضيق فجأة وقال

" أنتِ أوقح امرأة عرفتها في حياتي "


أهدته ابتسامة ساخرة بينما تتراجع خطواتها للخلف بحركة

بطيئة وقالت

" قل ما شئت لكنها حقيقة تعيشها أنت الآن وتعرفها وإن
كنت تتجاهلها متعمداً فتذكر كلماتي تلك مستقبلاً وحين تجد
نفسك خارج مربع اللعبة "


وأولته ظهرها بينما قالت وهي تتحرك في أُولى خطواتها

" هذا إن لم تكتشف بأنك لست فرداً من عائلتهم لتلعب
دورك الجديد وهو المستدان لهم حتى بلقمة
الطعام والمأوى "


وارتفع رأسها مع ارتفاع ضحكتها عالياً في المكان الساكن

وخطواتها تبتعد عنه ونظراته المستغربة تتبعها وكأنه ينظر

لكائن فضائي وهمس ما أن اختفت عن ناظره

" هذه تحتاج لعلاج نفسي لا محالة ! "


بينما كان وضعها هي مختلفاً تماماً فما أن توقفت ضحكاتها

تلك تبدلت لخطان طويلان من الدموع تعبران وجهها

وابتسامة المرارة لا تغادر شفتيها فلطالما أجادت استخدام

أساليب كثيرة لتبرير أخطائها وتبرئة ذاتها أمام الغير لكنها

وللمرة الأولى تحاول فعلها مع نفسها وقد وجدت الضحية

المناسبة والتي تراها تشبهها .


ما أن وصلت حيث مجموعة الحرس الواقفين هناك مسحت

بطرف كفها تحت جفنيها بحركة قوية ورفعت رأسها

بكبرياء وقالت بجمود لمن وقف أمامها ينوي منعها من

اجتيازهم مغادرة

" أعيدوني للمكان الذي جئت منه وقوموا بسجني هناك
لا أريد البقاء هنا "


*
*
*


" وداعاً فاليريو وشكراً لك .. نلتقي قريباً "


أنهت المكالمة معه مبتسمة بانتصار وبعد أن اطمأنت على

وضعها وبأنها وصلت المكان الذي اختارته لها وبأن

أمورها جيدة جميعها ، نظرت لشاشة هاتفها مجدداً وعاد

أصبعها للتحرك فوقها بسرعة وابتسامة الانتصار لم تفارق

شفتيها فلم ينتهي دورها بعد وثمة ما عليها فعله أيضاً

لتتوج انتصارها ذاك ، أنهت أحرف الرسالة التي كتبتها

سريعاً لعدد كلماتها القليل وضغطت أيقونة الإرسال

وابتسامتها تزداد اتساعاً هامسة

" ياله من صباح جميل يا كتلة البرود "


وأغلقت هاتفها ما أن تأكدت من استلامه لها ورمته على

سريرها قبل أن تنظر ناحية الساعة المعلقة على الجدار

وقالت بضحكة

" جيد أمامي بضع دقائق لأتحدث مع كنانة أولاً وأبشرها "


جلست عند طرف سريرها ورفعت سماعة الهاتف واتصلت

بهاتف منزلهم فلا يمكنها ترك هاتفها مفتوحاً الآن ، وبعد

رنين مطول حتى يئست وظنت بأنهم نيام جميعاً لأن الوقت

مبكر انفتح الخط ووصلها صوت والدتها وهذا ما كانت

متأكدة منه لن تنام تلك المرأة لوقت متأخر .


رسمت ابتسامة على شفتيها وقالت

" مرحباً يا خالة أنا ساندرين "


أتاها صوتها الباسم البشوش سريعاً

" صباح الخير يا ساندرين "


اتسعت عيناها بذهول وأبعدت سماعة الهاتف ونظرت لها

وكأنها ستراها من خلالها فهذا الاستقبال لم تكن تحظى به

في السابق ! أعادت السماعة ناحية أذنها متمتمه

" سبحان مقلب القلوب ! "


وابتسمت مجدداً وهي تقول

" هل يمكنني التحدث مع كنانة إن لم تكن نائمة "


تبدل الصوت الذي وصلها للهدوء المريب قائلة

" لا ليست نائمة لكنها ليست هنا أيضاً "


غضنت جبينها باستغراب وقالت

" وأين تكون في هذا الوقت واليوم هو يوم إجازتها ؟! "


قالت تلك من فورها وقد بدأ الحزن يتسلل لصوتها

" لقد غادرت طائرتهما قبل قليل "


حركت رأسها وكأنها تحاول مساعدته على فهم كل هذا

وقالت ما أن فشل ذلك

" طائرة ماذا وسافرت إلى أين !! هي تخبرني عن شيء
بالأمس ؟! "


وصلها صوت التي تنهدت بحنين وحزن قائلة

" طائرة زوجها فقد غادرت معه اليوم "


اتسعت عيناها بذهول وبدأت تسمع صوت نشيجها المكتوم

تحاول إمساك نفسها عن البكاء وربط عقلها الأمور سريعاً

فهي كانت تتوقع أن يتركها وصبت جام غضبها ولومها

عليها وعلى خطتها تلك لكن أن تسافر معه !!

كيف يكون هذا ولما ! قالت باستغراب

" ولما بهذه السرعة ! "


أتاها ردها سريعاً موضحة

" لقد تناول العشاء معنا البارحة في زيارة مفاجأة لم نكن
نتوقعها وقال بأنه سيأخذها معه خلال رحلة عودته فجراً ،
لقد شككنا في مقدرته على إقناعها بالأمر لكنه نجح فعلاً! "


حركت رأسها بفهم وقد اتضحت لديها الأمور حينها بينما

خرجت كلماتها متضايقة ما أن قالت

" كيف يقنعها ويأخذها دون حفل ولا صغير !
لما وافقتم هذا يا خالة "


قالت محدثتها مباشرة

"لقد تحدث معها واتفقا ولو كانت تريد حفلاً لأخبرته بهذا "

شعرت بأعصابها تشتعل وشدت أسنانها بغضب تمنع نفسها

من قول أي شيء وهي تتذكر كلماتها بالأمس عن الزواج

الغير متكافئ وها هو كما قالت حدث ما يريد ودون أن

يناقشاه في الأمر ومؤكد استغل مسألة نورثود للضغط عليها

فتلك طباع الرجال جميعهم وهي تعرف كنانة جيداً منذ

طفولتها تحلم بالزفاف الأسطوري الذي ستحتفظ بصوره

لأبنائها بل واحفادها .


تقوست شفتاها بحزن وملأت الدموع عينيها وهمست

" كم أتمنى لها السعادة .. ليتها فقط ودعتني "


وصلها صوتها المختنق بعبرتها وهي تذكرها بغيابها

الشبه الأبدي

" لم يكن ثمة وقت أمامها وجيد أنكما قضيتما يوم
أمس معاً "


شدت شفتيها ولاذت بالصمت فأي يوم هذا الذي تتحدث عنه

فهو السبب في طيرانها المفاجئ السريع هكذا ، أنهت

الاتصال معها مودعة إياها وجلست مكانها لبرهة تحدق

في الفراغ بحزن فهي ستشتاق لها كثيراً ولا تعلم متى

ستجتمعان مجدداً وإن كان سيسمح لها بالعمل كمضيفة كما

قال لتجتمعا كلما زارت لندن أم يخدعهم بأكاذيبه فقط .


وقفت متنهدة بعمق وتوجهت نحو باب الغرفة وغادرت

فالمطمئن في الأمر أن كنانة تحب ذاك الشاب وستكون

تزوجت من الرجل الذي تحبه مهما كانت سلبيات الأمر فثمة

حسنة واحدة له على الأقل ، ما أن وصلت بهو المنزل

وقفت تنظر لوالديها واللذان كانا يتناقشان بحدة وقت

وصولها وقد سكتا فجأة ونظرا ناحيتها وقالت والدتها ما

توقعته جيداً وتراه في ملامحهما بوضوح

" ماريه ليست في غرفتها "


قالت بكل بساطة

" أجل أعلم أمي "


حدقت فيها باستغراب وقالت

" ما الذي تعلمينه !! "


حركت كتفها متمتمة ببرود

" أعلم بأنها ليست هنا "


تبادلت وزوجها نظرة فهمتها على الفور بينما تولت والدتها

المهمة من قبل أن يفكر في قول أي شيء قبلها

وكعادة النساء

" هل أخبرتك قبل مغادرتها ؟ كيف تذهب هكذا دون أن
تُعلمنا وأين ذهبت ومع من ! "


وتابعت بعد ثانيتين انتظار فقط وبضيق

" تحدثي ساندي "


فردت يديها نحوها قائلة بضيق مماثل

" بالرفق أمي فأنتِ طرحت أربعة أسئلة دفعة واحدة "


كان دور والدها حينها والذي قال بحزم وصوت حاد

" أين هي الفتاة ساندرين وكيف تغادر دون أن تعلمنا وأنا
وعدت والد زوجها أن أقنعها بالانتقال للعيش معه "


اتسعت عيناها بغضب بسبب ما قال وقالت بضيق

ملوحة بيدها

" أجل أبي هذا ما يستطيع ذاك الرجل فعله أخذها للعيش
معه ! لم يسأل ما مشكلتها وما فعل لها ذاك المتحجر وما
عليه فعله كي لا يتكرر الأمر "


قال الذي فقد أعصابه على ما يبدو صارخاً بانفعال

" لا تكون الأمور هكذا دون أن يعلم منها ما حدث "


واجهته بالصراخ أيضاً فمجرد الحديث عن تخاذله معها

يشعرها بالاحتراق

" وهل سأل أم اهتم ؟ هو لم يسأل أبداً وكأنه يعلم سلفاً
بما حدث "


كانت تعلم وتفهم من كتمانه لأنفاسه بأن انفجاره الحقيقي

بات وشيكاً وما أن كان سيتحدث والغضب يرتسم على

ملامحه توقف فجأة بسبب جرس الباب الذي بدأ بالرنين

ودون توقف وكأن الواقف خارجه وضع أصبعه ولا يفكر

في إبعادها ونظرات الحارثة كما زوجته تحدق فيه بذهول

بينما ابتسمت هي بسخرية قائلة

" على الموعد تماماً "


وما أن نظر والدها ناحيتها عاقداً حاجبيه باستغراب حتى

تحول الأمر لركلات قوية تكاد تحطم الباب الخشبي وتُلقي

به أرضاً فتوجه نحوه صارخاً بغضب

" تمهل يا هذا "


وفتح الباب بحركة قوية غاضبة قبل أن يبتعد للخلف مجفلاً

ينظر بصدمة للذي ركله بقوة لينفتح على اتساعه مصطدماً

بالجدار بجانبه ودخل صاحب الملابس السوداء شعار

المنظمة المرسوم على قميصه حيث عضلات صدره يشعرك

بالرهبة لا شعورياً فكيف مع النظرة القاتمة في عينيه

والكفيلة بالتحدث نيابة عنه ليعلم بأنه قادم لأمر

واحد محدد .


شهقت إيميليا بقوة تمسك فمها بيدها ما أن رفع يده

والمسدس فيها موجهاً إياه نحوهم قبل أن يستقر على

شخص واحد ومعين وهي التي لم تستغرب قدومه مثلهم

بل كانت تعلمه يقيناً وتنتظره فقد كان الوقت ذاته الذي

استغرقه ليغادر عمله ويكون هنا حين وصلته رسالة

ماريه في الماضي .


وبينما كانت نظرات الحارثة له لم تتخطى ذهولها بعد كحال

زوجته التي لازالت تمسك فمها بيدها وعيناها ستخرج من

مكانهما كانت نظرات ابنتهم ووضعها مختف تماماً وهي

ترفع رأسها وتنظر لعينه في تحدٍ واضح مما جعل خطواته


تتقدم نحوها أكثر وحتى كان لا يفصل بين فوهة مسدسه

وجبينها سوى متر واحد فقط وهمس من بين أسنانه

المطبقة

" أين هي ؟ "


أهدته ابتسامة مستفزة وكأنها تقول له تطال النجوم ولا

تراها مجدداً بل وكأنه لا يوجه سلاحه نحوها وعيناه تقول

بأنه لا مزاح فيما يفعل ، كان التعليق من الحارثة والذي

لازال يعيش هول الصدمة وإن قال بانفعال واضح

" ما هذا الذي يحدث هنا يا تيم ! ألا تحترم المكان ؟ "


وتوترت أنفاسه فالموقف أصعب من استيعابه في وقت

قصير بينما تجاهل المعني بالأمر كل ذلك أو لم يهتم له

أساساً ولم يبعد نظره عن التي صرخ فيها بقوة وأصابعه

تشتد على الزناد

" أين ماريا تكلمي ؟ "


وبينما كان جوابها الصمت ذاته وكأنها تستمتع بما يحدث

عاد والدها للصراخ المحتج يلوح بيده ناحيته

" ليس بهذه الطريقة يتم اقتحام منازل البشر والتحدث معهم
فأنزل سلاحك لنتفاهم "


لكن النتيجة كانت ذاتها فعيناه لم تفارق عيني الواقفة أمامه

لازال مسدسه المرفوع في وجهها كما كان وكأنه لا يرى

أحداً سواها هناك أو يعلم جيداً بأن الحديث والتفاهم كما

يقول والدها لن يوصله لطلبه فكان الحديث حينها للتي

استطاعت تجاوز صدمتها أخيراً أو تجاوز جزء منها

فجسدها بدأ يرتجف بأكمله وصرخت بتوتر

" قم بطلب الشرطة يا حارثة أنا لن أسمح بمقتل ابنتي
أمام عيناي "


" ليصمت الجميع "


صرخته تلك كانت كفيلة بإخراسهما تماماً أو لم يترك مجالاً

للحديث أساساً وهو يتابع صراخه بالتي لم تتركها عيناه

ونظراته المشتعلة

" تحدثي أو أفرغت هذا في رأسك "


وما أن كان والدها سيتحرك ناحيته وجه المسدس نحوه

وكان ذاك ما جعلها تغادر صمتها وصاحت به مهددة

" إن مسست والدي بسوء وإن بكلمة فقسماً لن تعرف
مكانها حتى تموت "


رفع حينها السلاح يثني مرفقه لكن ليس استسلاماً لتهديدها

بل لسحب مزلاجه بيده الأخرى وليتبين لهم بأنه كان أشبه

بالمزاح الذي تحول لحقيقة الآن والتهديد الذي سيتبدل

لواقع فهذه الحركة تعني أمر واحد بأن الرصاصة باتت

معدة للإطلاق حقيقة لا نقاش فيها وعاد ووجهه نحو

جبينها مجدداً وبدأت سبابته تشتد على الزناد وهمس من

بين أسنانه

" ستقولين ما لديك الآن "


عادت والدتها لإمساك فمها بيدها تنظر لما يجري بعينين

باكية بينما اتسعت عينا زوجها ينقل نظره بين ابنته

والسلاح الموجه نحوها والتي كانت في مشاعر مخالفة

لهما تماماً فالأمر لديها بات أشبه بالثأر للنفس من تخاذلهم

وأشبه بالدفاع عن مستقبلها أيضاً فخرجت عن صمتها

وصرخت بانفعال

" افعلها هيا أنا لست خائفة منك فأنت الخاسر وليس أنا ..
أنا سأموت مرتاحة القلب أنت من ستتعذب حيّاً وميتاً "



كانت أنفاسه الغاضبة تعبث بتفاصيل صدره العريض ينزل

معها ويصعد لازال ينظر لعينيها بتهديد واضح وعظام فكاه

قد برزت من قوة شده عليها فصرخت تحرك رأسها

" هيّا ماذا تنتظر "


برزت أسنانه التي كشر عنها في حركة غاضبة وسبابته

تضغط الزناد الذي بدأ يتحرك نحو الداخل ببطء وذاك جعل

والدتها تصرخ مرتجفة موجهة نظرها إليها

" ساندرين قولي أين هي تكلمي "


نظرت ناحيتها وقالت بحدة

" لن أقول شيئاً ولست أخافه لأنه جبان ولن يفعلها "


جعلت كلماتها تلك خوفها يزداد ونظرت لزوجها نظرة ذعر

واستجداء بينما كانت نظراته هو مركزة على ابنته والتي

عادت للنظر للواقف أمامها وقالت بغضب وسبابتها تشير له

" أجل أنت أجبن من أن تكون الحقيقة التي أنت عليها وبلا
أخلاق أيضاً لتُخرج زوجتك من منزلك وهي بتلك الحالة
ترمي بها لكلاب الشارع "



اشتداد أسنانه وفكيه بل وازدياد ضغطه على الزناد هو ما

جعل الحارثة يصرخ وهو يحدثه مجدداً

" تعقل يا رجل ودعنا نتفاهم "


نظر له حينها وصرخ بقوة يحرك رأسه

" حديثي معها وليس معك وقسماً إن لم تقل ما أريد أن
أفعلها ودون تردد "


كان ارتجاف فكي الحارثة واضحاً حينها كما حدقتاه وهو

ينقل نظره منه لابنته التي نظرت له ما أن قال

بانفعال واضح

" إن كان لي كلمة ولو صغيرة عليك يا ساندي فأنهي
هذا الآن "


زمت شفتيها بقوة تنظر لعينيه وتمنت لو لم يقل هذا وكانت

لتعاند أكثر لولا النظرة التي كانت تراها في عينيه وارتجاف

أعصاب وجهه الواضح وخشيت على صحته فعلياً فنقلت

نظرها منه للواقف أمامها لازال مسدسه مصوباً نحوها

وتبدلت نظراتها للحقد تنظر لعينيه تحديداً نظرة عبّرت فيها

عمّا تشعر به نحوه ونحو كل من تسبب في شعور ماريه

بالخذلان تنادي والدها الميت .. نظرة قد تبدلت للبرود فجأة

ما أن تذكرت ما خططت له ونجح بالفعل ورفعت رأسها

بشموخ وارتفع طرف شفتها في ابتسامة انتصار وتحركت

شفتيها قائلة بكلمات متأنية

" في منزل غستوني ميديتشي "


وازدادت نشوة الانتصار لديها وهي ترى اتساع عينيه

الغاضبة لتدمج الذهول والغضب معاً بينما علت شهقة

والدتها التي ضربت يدها على صدرها ولم يكن حال

زوجها بأفضل منها .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 01:24 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية