لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-01-22, 06:31 PM   المشاركة رقم: 1661
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مشرفة منتدى الحوار الجاد


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70555
المشاركات: 6,542
الجنس أنثى
معدل التقييم: شبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسي
نقاط التقييم: 5004

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شبيهة القمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 

كلللولييييييييييشششش


:danci ngmonkeyff8:



واخييييييرااا يابرد ..هرمنا حتى هذه اللحظه
اللهم لك الحمد ...
فيتو ممكن تسألين برد الروايه كم فصل !!
لازم نتهيئ نفسيا ونفسيا ونفسيا للنهايه ..
احس هذي الروايه الي ماودي تنتهي

 
 

 

عرض البوم صور شبيهة القمر   رد مع اقتباس
قديم 27-01-22, 06:36 PM   المشاركة رقم: 1662
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مشرفة منتدى الحوار الجاد


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70555
المشاركات: 6,542
الجنس أنثى
معدل التقييم: شبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسيشبيهة القمر عضو ماسي
نقاط التقييم: 5004

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شبيهة القمر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 

اكثر بطل متحمسه له تيم وماريا يارب وش صار عليه .. راحمته مررررررره ..خاصه انه استنزف مشاعره وصحته وانهااااار بشكل مميت على شي مو حقيقي يعني اذا عرف بعدين انها تكذب اتوقع لو يموتها مايبرد حرته فيهاااااا .. وان جينا للصدق ماريا قاهرتني مرررره هالمايعه ام دميعه ..
المهم ننتظر يوم الجمعه ونشوووف وش صار على ابطالنا ...

 
 

 

عرض البوم صور شبيهة القمر   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:06 PM   المشاركة رقم: 1663
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 





الفصل السابع والعشرون

المدخل : ~

بقلم/ Hanita

المحكمه

* غرفة شديدة الضيق رغم رحابة اتساعها..

شديدة الظلمة رغم قوة إنارتها...

فيها القاضي.. هيئة الدفاع و مثلها الادعاء...

فيها الشهود و هيئة المحلفين بلا رياء...

و نحن أمامهم.. أنا و أنتِ... خصمان يربطنا الحب و الوفاء..

خصمان و قد فرقتنا ظروف ما هي إلا محض افتراء و ابتلاء...

ترينني الجاني و ما أنا إلا ضحية واقع قاس مرير...

أعذر جهلك و ألوم تهوراً فيك يفضي بنا إلى وضع عسير...

فانصتي جيداً لتعلمي بأني لست سوى رجل ولد ليضحي لأجل الغير...


* غرفة تكشف فيها الحقائق و ما خفي من المستور..

ها هنا ستقف أمامي و يسقط قناعك آذناً لوجهك بالظهور...

غرفة ولجتها بقوة كبرياء جريح و نزف قلب كسير...

فانتظر لترى ما لدي فلقد أعددت لهذه اللحظة الكثير...

تتحدث عن حب و وفاء عهد تمسكت أنا بهما في حين كنت أنت الخائن باستمرار..

لكم تمنيت ان يكون ما أعانيه مجرد كابوس فاضت دموعي منه أنهاراً ليل نهار...

ضحيتَ و تضحي لا يهمني.. فلست بالتي تكترث لهشاشة الأعذار...


* غرفة تمثل عدالة أراها تخفي وراءها ظلماً عظيماً...

أيا ايها الحاضرون ألا تأبهون لطفلة تنازع لحظة فراق أليماً...

أنظر لوالدي واقفاً أمامكم فأزداد به فخراً و حباً...

و إذا ناظرت والدتي أرى حضناً لا احتمل له فقداً..

فإذا كان جمعكم الساعة شاهداً على نهاية حياة قلبين هما لي كل الحياة...

فها انا قد أتيت لأعيد وصالاً بينهما من خلال سرد وقائع تظهر من هم حقاً الجناة..

غرفة دخلتها بقلب ينتفض حزناً كعصفور ينازع لحظاته الأخيرة...

و كلي أمل أن اغادرها مع والديّ أسرة كاملة سعيدة... أب و أم و طفلتهما الصغيرة...


************

لا تعلم كل واحدة منهما كيف خرجت من باب الجناح ولا

كيف نزلت السلالم ولا كيف رأت الطريق أمامها وهما


تخرجان من هناك راكضتان في ذات الوقت حتى وصلتا

جناح أسماء وقد أغلقت جمانة بابه بالمفتاح ووقفت عليه

جسدها لازال يرتجف بأكمله ونظرت للتي كانت تحاول

إخفاء ارتجاف يديها بشدها لهما معاً وإن لم تستطع إخفائه

في عينيها الزائغتين وكأنهما ستخرجان من مكانهما ، قالت

جمانة بصوت مرتجف ينذر بسيل من الدموع

" كان حقيقة ذاك أم خيالاً ؟ "


وكان صوت المقابلة لها مرتجفاً وإن قالت بانفعال

" لو كان خيالاً ما كنا رأيناه معاً "


ضربت يد جمانة على صدرها وقالت بذعر تنظر للتي بدأت

تتحرك بعشوائية في حدود ضيقة

" هو شبح إذاً "


وقفت أسماء ونظرت نحوها وقالت بضيق

" الشبح لا يصدر صوتاً ، ولكان خرج لنا هنا يتبعنا "


انتفض جسدها قافزة بعيداً عن الباب ونظرت له خلفها قبل أن

تنظر لها وقالت بارتجاف "

لا تقولي هذا فلن أنام الليلة ولا كل ليلة بسببه "


تأففت بضيق منها وإن كانت لازالت أوصالها ترتجف خوفاً

تحاول إخفائه بحركتها الدورانية في المكان والتي عادت لها

مجدداً بينما كانت تشد يديها في بعضهما بقوة تحاول وبلا

فائدة طرد تلك الصورة من ذهنها فالأمر حقيقة لا نقاش

فيها، وقفت ونظرت للتي كانت تقرأ الآيات بين كفيها بهمس

مرتجف باكي وتمسح بها وجهها وأعلى جسدها وتكرر وتعيد

دون توقف وقالت تنظر لها بضيق

" هاتفي بقي هناك كما الأغراض التي أوقعتِها "


حدقت فيها جمانة بذعر تبعد يديها التي كانت تمسح على

رأسها وقالت

" لن أصعد للأعلى ولا على دق عنقي "


صرخت وضيقها يشتد وكأنها تفرغ انفعالها بهذا

" وبما ستبرري هذا غداً لزوجك ؟ "


قالت بانفعال واضح أيضاً

" لست أنا ولسنا نحن .. لا دليل لديهم "


قالت تلك من فورها وبنفاذ صبر وغضب

" وهاتفي يا حمقاء ؟ أم ستنجي بنفسك وتتركيني "
تبدل مزاج جمانة الباكي فجأة وقالت بحزم ترفع إصبعها

المرتجف أمام وجهها

" وإن كان هاتفي قسماً لن أصعد لجلبه وسأقول كل
ما رأيت هناك "


قالت أسماء بضيق

" مغفلة .. لن يعلم أحد بما رأيناه حتى نتيقن ما يكون "


نفضت يديها قائلة بانفعال

" وما يكون ! إنه رجل .. رجل "


وأشارت لنفسها بكلتا يديها متابعة

" هل نحن بحاجة للتأكد "
اقتربت خطوة منها وقالت بحدة تشير بسبابتها للباب

" من يكون ؟ وما يفعل هناك ! وكيف دخل ؟!
ألديك جواب لهذا ؟ "


عاد جسد جمانة للارتجاف وامتلأت عيناها بالدموع مجدداً

وقالت مرعوبة تحضن نفسها

" لا تذكريني بهذا أقسم أني أحتاج لدخول الحمام الآن "


تأففت في وجهها وتحركت من مكانها وقالت بحزم ما تعلم

بأنه سيجنبها هلاكها

" عليّا أن أجلب هاتفي وأن نغلق الباب "


حدقت فيها جمانة بذهول وهي تجتازها وتفتح الباب

وقالت بعدم تصديق

" ستعودين إلى هناك ! "


وراقبتها باستغراب بينما كانت يدها تدير المفتاح للمرة الثالثة

بسبب إغلاقها له بينما قالت بجمود وإن كان ظاهري فقط

" بعد ما رأيته أنا بحاجة لشهر كامل لأصعد "


قالت جمانة من فورها وباستغراب

" كيف إذاً ؟ "


وحدقت فيها بعدم استيعاب وهي تفتح الباب وتغادر فخرجت

خلفها وتبعتها مستغربة وهي تتوجه نحو السلالم ونزلت

خلفها تحضن نفسها وتنظر حولها بخوف فلازال جسدها

يرتجف وضربات قلبها المجنونة لم تنخفض فلم تتخيل

يوماً أن ترى ما رأته هناك .


وقفت منتصف السلالم بسبب وقوف السائرة أمامها لحظة

أن ظهرت لهما الخادمة الواقفة عند الباب بعيداً والتي تركتها

لتراقب قدوم أي أحد وخاصة وقاص وقد توجهت نحوهما

ما أن رأتهما ، وما أن صعدت ووقفت أمامها حتى قالت

أسماء هامسة تجاهد نفسها لتكون طبيعية

" إصعدي لجناح تلك القاتلة الآن وأجلبي هاتفي وعلبة
الدواء والحقنة "


حدقت فيها ببلاهة وتمتمت

" من هناك ! "


همست مجدداً وبضيق

" لا من هنا ..! من هناك بالتاكيد "


حدقت فيها الخادمة بصمت لبرهة تحاول فهم هذا أو حتى

إستيعابه وما أن قالت

" لكن .. "


قاطعتها بنفاذ صبر

" سأضاعف لك المبلغ الذي اتفقنا عليه فقط احضريهم
ولك مثله لتعودي وتغلقي الباب "


وما أن كانت ستتحدث قاطعتها مجدداً وبضيق

" لا أسئلة بعد .. الأمر بسيط للغاية وتعلمين جيداً النفع
الذي سيعود عليك "


همست مستسلمة وإن لم تقتنع

" حسناً .. لكن إن رآني أحد فسأقول ما لدي "


شدت أسماء على أسنانها بغضب فهذه الخادمة تبدو أخطر

مما كانت تتوقع وعليها أن لا تُظهر لها بأنها ضعيفة وبحاجة

لها بل العكس ، قالت بحزم ويدها تضرب كتفها تدفعها دفعاً

" لن يراك أحد تحركي هيّا أو لا عمل لك هنا وتعلمين جيداً
لما، بل ومصيرك سيكون السجن "


وكما توقعت تحركت من فورها منصاعة وإن كانت تنظر

لهما خلفها كل حين وحتى وصلوا السلالم المؤدي لذاك

الجناح وحينها انتهت رحلتهما لتكملها هي وحيدة بينما وقفتا

تنظران لها وهي تصعد ببطء وخطوات مترددة ولن تلومها

أي منهما على هذا وإن كانت تجهل ما وجدتاه هناك فالأمر

يدعو للريبة ومن الطبيعي أن تفكر في أنه ثمة ما يمنعهما

من العودة وهما كانتا في الأعلى، لكن لا حل أمامها سوى

الانصياع فهي باتت متورطة معهما ولن تختار ولا الطرد

من عملها هنا فكيف بالسجن ؟

لذلك سارت نحو مصيرها المجهول مكرهة وتركت خلفها

من كانتا تراقبان مكان اختفائها بتركيز وكل واحدة منهما

تنتظر قدومها الراكض صارخة كحالتهما سابقاً أو أن

لا ترجع أساساً .


وحدث ما لم تتوقعاه أبداً وهي تنزل بخطوات شبه راكضة

تمسك الهاتف في يد والقارورة والحقنة في اليد الأخرى وهما

تنظران لها باستغراب حتى وقفت أمامهما وقالت بنفس لاهث

مبتسمة وكأنها انتصرت على ما تجهله أساساً

" كيف يمكنني إغلاق الباب الآن ؟ "

حماسها لمضاعفة مكافأتها ثلاثة أضعاف تجاوزت معه

النظرات البلهاء التي كانتا تحدقان فيها بها وقالت أسماء

" هل وجدتِ النور مضاءً ! "


قالت من فورها مستغربة

" بل قمت أنا بتشغيله لأرى المكان "


نظرت حينها لجمانة والتي نظرت لها بدورها وقد فهمت

سريعاً ما تفكر فيه لذلك همست لها بخفوت وإصرار

" لن أصعد أبداً "


تجاهلتها ترمقها بضيق ونظرت للخادمة التي أخذت الهاتف

من يدها وفتحت البرنامج الذي دفعت مبلغاً كبيراً لمطور

برامج عبر الإنترنت لتحصل عليه ولتعلم رمز الباب من

خلال رقم الصندوق فيه ومدته لها وقالت

" قومي بضغط ذات الأزرار ونحن ننتظرك هنا "

حركت تلك رأسها موافقة وناولتها الحقنة وقارورة الدواء

وصعدت بالهاتف بخطوات راكضة هذه المرة عكس السابق

ونظرت جمانة لأسماء وهمست بعينين متسعة

" لم تجده ! "


قالت الواقفة بقربها بارتباك واضح

" عاد للعدم الذي خرج منه بالتأكيد "


عاد الارتجاف ليدي التي لم يغادرها حتى الآن وقالت خائفة

" لا يمكنني إقناع نفسي بأنه شبح فأين اختفى
ومن أين خرج ! "


حركت أسماء كتفها ورأسها بمعنى لا جواب لدي ونظرت

للخادمة التي عادت سريعاً ووقفت أمامهما وقالت بأنفاس

متقطعة تمد الهاتف لها

" لقد أغلقته "
أخذته منها وقالت ببرود تنظر للواقفة بجانبها

" أجرة عودتك للباب ستعطيك جمانة إياها "


وتابعت مغادرة من هناك

" الباقي سيكون لديك في الغد "


وابتعدت عنهما ونظرات جمانة الحانقة تلحقها وقد تبعت

خادمتها بها وإن في طريق آخر وتركتا التي ما أن اكتشفت

بأنها أصبحت لوحدها في المكان حتى قفزت مذعورة

وتحركت خطواتها الراكضة باتجاه ممر جناحها فلن

تطمئن إلا بباب مغلق عليها .


*
*
*

مرر إبهامه تحت جفنه يلامسه برفق وتجعدت ملامحه بألم

وأبعد يده ونظر ناحية هازار يقفان عند باب المستودع

الحديدي الضخم وما أن همس له بخفوت

" لا يبدو لي فكرة فك الأصفاد عن يديه صائبة "


تتبعت نظرات رواح نظره وحيث الجالس فوق صندوق

خشبي عند الجدار المقابل على مبعدة منهما لاتساع المكان

يُسند مرفقيه لركبتيه فارداً ساقيه وقد تدلت يداه نحو الأسفل

وآثار احتكاك الحديد بساعديه حين كان مكبلاً تركت

احمراراً واضحاً فيهما يجلس منحني الظهر قليلاً بينما كان

يرفع رأسه ونظراته المشتعلة كنمر هائج موجهة نحوهما

وإن كانت ملامحه تتسم بالجمود التام .


أبعد نظره عنه وكأنه يهرب من تلك العينان وهمس

" لن يفعل شيئاً والمفتاح الوحيد للمكان قد أصبح
في الخارج "


أومأ له برأسه في صمت ولم يعلق أيّا منهما فقد اضطر لفعل

هذا ورماه من أسفل الباب ليفقد الأمل في الحصول عليه لأن

ذاك ما كان سيحدث خاصة أنهما جلباه وقيداه بالحيلة وإلا لما

كان يمكنهما فعلها ورد فعله كان الدليل الأكبر أمامه ، رفع

نظره لهازار ما أن همس مجدداً وكأنه قرأ أفكاره تلك بينما

كان نظره موجه له هناك

" أراه سيعيدها في أي وقت فلن تتكهن بأفكاره .. "


وعاد بنظره له وهو يتابع هامساً بضيق بينما لامست يده

جانب ضلوعه اليسرى

" ما هذه القوة التي يمتلكها يا رجل !
أخشى أن نموت على يديه الآن وبعد أن تحررا "


بادله رواح الهمس أيضاً قائلاً

" لن يفعلها فغرضه كان الوصول لمفتاح الباب والمغادرة
أما الآن وكما تراه لم يعد مهتماً للأمر "


وتابع من فوره وبجدية

" ثم لا تنسى بأنه يملك شريحة مسمومة في معصمه والجرح
العميق فيه معناه موته خلال ثوانٍ معدودة كمحاولة لنزعها "


أومأ هازار برأسه هامساً

" معك حق "


ونظر من خلال شق الباب الضيق جداً وبعين واحدة حيث

لا شيء إلا الظلام وقال بصوت منخفض

" ومتى سيصل والده لنتحرر ؟ "


تنهد رواح بضيق وقال

" في أي وقت .. "


وتابع من فوره وبنبرة مستاءة

" وما بك خائف هكذا كالطفل ؟ "


أبعد هزار وجهه عن شق الباب ونظر له وقال بضيق مماثل

وإن هامساً لازالا يخشيان ثورة غضب جديدة من
الجالس هناك

" ولما لا أخاف ونحن نجهل ما حدث وسبب كل هذا ..؟

أشك بأنني فقدت كليتي وعليا زيارة الطبيب بشكل عاجل "

ارتفع رأس رواح ضاحكاً مما جعله يكشر هامساً بغضب

" ما المضحك في الأمر يا صعلوك ؟ أم تعجبك الجزيرة
الخضراء تحت عينك والتي لن تتخلص منها سريعاً "


وحرك رأسه جانباً متابعاً بضيق

" أخشى أن لا يأتي ونبقى محتجزين هنا في مكان ولا شبكة
اتصالات فيه "


تبدلت ملامح رواح للضيق حينها وقال

" وماذا كنت تريد أن نفعل ؟ كان سيغمى عليك بعد الركلة
الثانية من قدمه لا محالة وسيحصل على كلا المفتاحين حينها ويحرر نفسه ويفتح الباب ويغادر "


كان هازار سيتحدث والضيق لم يغادر ملامحه بعد لولا

توقف فجأة ونظر كلاهما نحو الباب الشبه ملتصقان به

ما أن سمعا صوت الخطوات في الخارج تلاها صوت تحرك

القفل وهو يُفتح فابتعدا قليلاً مع انسحاب الباب الحديدي

جانباً ودخل الشخص المنتظر والذي كان نظره منحصراً

على الذي وقف على طوله هناك عكسهما وهما ينظران

لشاهر تحديداً قبل أن تتبدل نظراتهما تلك للصدمة حين

وصل لهم الموجود هناك لم يغادر مكانه منذ وقت وبسرعة

لم يدركاها إلا وهما يريا يده تمسك بياقة قميص والده قبل

أن يسحبه نحوه وتقابل وجهيهما وخرجت الكلمات من بين

أنفاسه اللاهثة وأسنانه المطبقة بغضب مكبوت

" أنت من أمرهما بهذا ؟ "


كانت ملامح شاهر صلبة تماماً ويقف بثبات وكأنه لا يمسك

بثيابه كابن له وليس العكس وقال بجمود ينظر لعينيه

الغاضبة بما لم يعرفه سابقاً فيها وفي جميع حالات

غضبه المخيف

" أجل وعليك نسيان فكرة السفر نهائياً لأنه تم منعك من
دخول البلاد هناك رسمياً وكل ما ستفعله طائرتك أن تحلق في الجو وتعود أدراجها "


وتأوه بصوت عالي متألم اعتصر معه ملامحه بشدة وانهار

صموده ما أن دفعه نحو الباب الحديدي خلفه بقوة واصطدم

ظهره بالقطعة الحديدية البارزة فيه طولياً حتى شعر بها

كسلك كهربائي يضرب عموده الفقري وتجاهل كل ذاك الألم

وارتفعت يده المرتجفة جانباً يمنع رواح من التقدم نحوهما

فثمة ما عليه قوله وعليه سماعه قبل الشجار المتشابك

والمتوقع وليدحض أي شك قد ينتابه خاصة وهو يرى نظرة

التفكير العميقة والغاضبة في عينيه ومؤكد سيشك بأن الأمر

مدبر منهم لعلمه بكل هذا وأنه ثمة اتفاق بينهم وبين ماريه

لذلك رفع يده وأمسك بياقة قميصه أيضاً وفي حركة مشابهة

له وخرجت الكلمات منه بكل ما استطاع من قوة رغم ألمه

" ما الذي حدث بينكما؟ ما هذا الذي جعلك تفعل كل هذا ؟ "

وأغمض عينيه يكتم ألمه ما أن دفعه بيده أكثر وساعده

يلتصق بصدره كما وجهه الذي بات لا يفصله عنه شيء

وهمس من بين أسنانه

" أين هي ؟ ذهبت إليك أليس كذلك ؟ "


وقاوم ألمه مجدداً بكل ما يملك من قوة وقال بجمود وكلمات

متأنية لم تخف فيها بحة الألم ينظر لعينيه القريبة منه

" بل رفضت أن تكون معي وما أن توافق لن أسمح لك
بأخذها أبداً جزاء فعلتك وطردها بتلك الحال "


نفض حينها قميصه من يده بحركة قوية غاضبة ورفع سبابته

أمام وجهه بينهما وهمس بغضب مكبوت ينظر لعينيه بتحدٍ

وكلمات متأنية

" سنرى يا شاهر يا ابن كنعان "


وغادر من الجزء المفتوح من الباب والذي دفعه بيد واحدة

رغم ثقله مصدراً صوتاً قوياً مزعجاً واجتازه مبتعداً

بخطوات واسعة غاضبة مخلفاً صمتاً موحشاً وبينما كانت

نظرات هازار لم تغادرها الصدمة بعد ينظر لشاهر الذي

كان يرتب قميصه وسترته والألم يشوه صفحات وجهه

الجامدة مع كل حركة قال رواح بغضب ويده تشير نحو

المكان الذي خرج منه للتو

" لما رفضت أن أمنعه من معاملتك بتلك الطريقة
وأنت والده ؟! "


رفع نظره له حينها وقال بحدة

" لن يجدي تدخلك في شيء "


حرك رأسه في رفض غاضب وقال بضيق

" وما هذا الذي سيجدي مثلاً ؟ تركه يفعل ذلك ويغادر ! "


تنهد الواقف أمامه بعجز ولم يعلق فقال من فوره ينظر لعينيه

بتساؤل وريبة

" ماذا حدث ؟! "


كان يعلم بأن هذا السؤال قادم لا محالة وكان خياره الوحيد

هو التهرب من الإجابة عليه وقال ينظر للكدمة الواضحة عند

عظم جفنه الأيسر

"ما الذي حدث معك أنت !هل تعامل معكما بعنف هكذا !! "


ارتفعت يده لها بحركة لا إرادية وتألمت ملامحه ما أن

لامستها أصابعه وقال بضيق

" كنت سأقول لك ما أن تكون هنا ما هذا الوحش الذي
أنجبته ؟ لكن ما أن رأيت ما فعل معك عجز لساني عن
قولها فهي لا تكفي "


ابتسم بحزن وربتت يده على كتفه وقال

" بالنسبة لي أعذره بل وقد أكون أستحق هذا أما ما حدث
معكما فاقبلا اعتذاري عنه "


كانت عينا رواح تحدق فيه باستغراب بينما أبعد هو نظره

عنه لهازار والواقف خلفه تتفحص عيناه ملامحه فقال ذاك

ببرود يمسك وسطه بيديه

" لا يغرك عدم وجود كدمات في وجهي فقد تهشمت
ضلوعي بسبب ركلة واحدة منه طرحنا بها أرضاً ويداه
في الأغلال !! "


وكان رد فعله الصادم لهما أن ابتسم يحرك رأسه وكأنه تأقلم

مع تصرفات ابنه أو توقعها سلفاً وقبل أن يقول وهو ينقل نظره

بينهما

" أنا آسف بقدر ما أنا ممتن لكما فبتصرفه الطائش ذاك كان
سيتسبب بهلاك الجميع هنا "


قال رواح ينظر لعينيه بينما وجه كلامه للواقف خلفه

" هزار هل تنتظرني في الخارج ؟ "


فتحرك ذاك من فوره وغادر المستودع وتركهما لصمت

مريب لم يتركه رواح يدوم طويلاً وقد قال بجدية

" ستشرح لي ما حدث ومفصلاً ويبدو أن ماريه جزء منه !"


نظر شاهر لعينيه بصمت للحظات وقال كاذباً لعلمه بالعلاقة

التي تجمعه بابنه

" لا شيء لديا لأقوله فالأمر لازال بينهما حتى الآن وهي لم
تنطق بما حدث "


وتجنب ذكر الحقيقة له وحسب الاتفاق فلن يعلم بها غير

ثلاثتهم لكن الواقف أمامه يبدو لم يكتفي بذاك الجواب فقد

قال مباشرة وبعدم اقتناع ملوحاً بيده

" ما هذا الذي يجعله يجن هكذا ؟ ولما قلت بأنك تستحق
ما فعل بك ! "


قال مباشرة وبنفاذ صبر

" انسى الأمر يا رواح فهو وماريه انفصلا وانتهى "


اتسعت عينا رواح وهمس مصدوماً

" طلقها !! "


تمتم الواقف أمامه يبعد نظره عنه

" لم يفعل حتى الآن "


قال الذي ضاق منه ذرعاً

" لو أنك تقول عبارة تامة ومفهومة ! "


عاد بنظره له وقال بحزم

" أقول عد للمنزل فإن شعرت والدتك بغيابك ستقلق
ولا يمكنها الإتصال بك "


لكنه تجاهله وقال بإصرار وحزم ينظر لعينيه

" أين هي ماريه أريد أن أتحدث معها ؟ "


رفع سبابته ولوح بها نحوه قائلاً بشيء من التهديد

" رواح ليكون الجميع خارج الأمر رجاءً "


وغادر هو أيضاً وتركه واقفاً مكانه يتقاذف بين الحيرة

والاستياء يتساءل عن الأمر الذي جعل ابن خاله ذاك

يتصرف بجنون ودون تخطيط مسبق ولا موافقة ولما يستهين

والده بالأمر هكذا وكأنه يعلم ما قال بأنه يجهله !

بل ولما يتكهن بانفصاله الكلي عن ماريه ؟

وما الذي حدث بينهما ؟!

استغفر الله بهمس غاضب وتحرك من هناك أيضاً فقد تأخر

الوقت وعليه أن يكون في القصر قبل أن تشعر والدته بغيابه

ويصبح في مشكلة فلن تتركه حتى يتحدث بل وستجلب

والده لمقاضاته أيضاً .


ما أن أصبح في الخارج توجه نحو سيارته والتي كان هازار


لازال يقف خارجها وقد قال ما أن وصل إليه

" ما الذي يحدث ! "


وقف مقابلاً له أمام باب السيارة وقال ببرود

" لا أعلم وإن علمت ما أخبرتك "


تجعدت ملامحه بضيق وقال

" وقح لن تتغير أبداً "


ضحك وفتح بابه وقال وهو يجلس داخل السيارة

" هيا تحرك ودون ثرثرة جوفاء أو تركتك هنا وغادرت "


حرك رأسه بيأس منه ونظر له حيث كان يحدق فيه عبر

نافذته وقال ببرود

" عائلة غريبو أطوار بالفعل "


وتحرك من فوره حول السيارة بينما وصله صوت الذي قال

صارخاً بتعمد ليسمعه

" يشرفني سماع هذا من غيلواني "


كان حينها عند الباب الآخر فتحه وجلس في المقعد المريح

للسيارة الرياضية الفاخرة وضربه خلفه بقوة ونظر لعينيه

وقال بضيق

" لو كانت دماؤهم تسري في عروقي فعلاً لجعلت الزعيم
مطر يرضخ لرغباتي كما يفعل تيم إن بالطيب أو الإكراه "


قال يمسك ضحكته

" يبدو أن دماء والدتك ذات مفعول أقوى "


وكما توقع لكمته قبضته على ذراعه فتأوه ضاحكاً بينما قال

هازار بضيق

" أجل فالأمر لا يتعدى التسلية بالنسبة إليك "


تحركت السيارة مسرعة حينها تشق بنورها القوي الطريق

الخالي وقال ونظره عليه أمامه

" يا صديقي شقيقتك تزوجت ومن رجل زكاه مطر شاهين
بنفسه فلما تريد زيارة تلك البلاد الآن لا أفهم ! "


قال بضيق ويده تلامس صدره

" أراها .. أطمئن أنها بخير أليس من حقي ؟ "


قال رواح وبتفهم وهدوء

" أنت تعلم جيداً بأن سفرك ودخولك البلاد معناه خطر محتم
على الجميع يا هزار ولم يحن موعده بعد فلم يمنع الزعيم
مطر هذا ليحرمك منها بل لمصلحتك ومصلحة الجميع هنا "


نظر ناحيته وحرك يده بضيق قائلاً باحتجاج غاضب

" تيم فعلها ودخل وأخرج زوجته من هناك حين أراد هذا
فلما ممنوع عنا ! "


قال رواح بضيق مماثل ويده تتحرك أمامه أيضاً بينما نظره

على الطريق

" أنت تعرف تيم جيداً كما تجهل أيضاً ما تبعات الأمر
ويبدو لي ما يحدث الآن إحداها فليس جلبها هنا معناه أنه
أغلق الكتاب وانتهى كل شيء "


ونظر له وتابع بجدية يشير بأصابعه لصدغه

" عليك أن تفكر بعقل ولا تفعل ما سيكون فيه موتك قبل
وصولك لها وحرمانها منك وللأبد يا هَازار "


أشاح بوجهه عنه ونظر ناحية نافذته وتمتم بكلمات لم يفهمها

فتنهد بيأس يحرك رأسه بينما همست شفتاه باستياء وبما

سمعه وحده

" أعلم بأن نهايتنا ستكون بسبب إحدى النساء "



*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:11 PM   المشاركة رقم: 1664
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


شعرت بتوترها يزداد وهي تقف بجانب قائد حيث الطاولة

المخصصة لهما يمين منصة القضاة المرتفعة وحيث كانت

القاعة الأكثر اتساعاً في المبنى بأكمله حتى أنه ثمة سياج

خشبي يفصل مقاعد الحضور عن طاولات أصحاب القضية

والشهود والمدعي العام ، مكان يشعرك برهبته وإن كنت

مجرد ضيف يجلس هناك فكيف أن تكون صاحب الدعوى أو

المدعى عليه ؟ حتى أنه لها من الأبواب ثلاثة .. باب رئيسي

وآخر خلفي لمن يريد تجنب الازدحام والثالث خاص للخروج

بعيداً عن أعين الصحافة والذي لا يحدث لأي شخصٍ كان

كما هذه القاعة تماماً لا تُفتح أبوابها لأي قضية وأي شخصية

عامة حيث أنه من أقل أبواب المحكمة استخداماً وكان آخرها

عند وقوف بعض الوزراء وأعضاء البرلمان والسياسيين فيها

وبعد عودة الرجل الذي فتح دفاترهم السوداء للعلن وجردهم

من كل شيء وكان مصيرهم السجن بأحكام تناسب

جرائمهم .



رفعت نظرها حيث السيد عقبة والجالس في الأعلى وحيداً

دون مساعدين يناقش معهم الحكم كالمعتاد تقلب يداه أوراقاً

بدا منشغلاً معها وشعرت بالاحتياج للنظر لعينيه ولأن

تطمئنها ابتسامته بأن كل شيء سيكون على ما يرام وسيحدث

كما تريد وخططت له ، بينما تجنبت النظر لقائد والواقف

بقربها يُقلب أوراق ملف القضية وتمنت لو امتلكت واحدة

مثلهما وإن فارغة لعل دقائق التوتر وشد الأعصاب تمر

سريعاً ، بل وتتوق للحظة التي تغادر فيها الباب الذي دخلت

منه فالمكان بات يشعرها بالاختناق رغم اتساعه !


كانت ستسأل متذمرة لما يتأخر ذاك المحامي هكذا وهي تنقل

نظرها لباب القاعة الرئيسي وتوقفت الحروف في حلقها

وهي ترى مقبضه يستدير قبل أن يُفتح على اتساعه بدفعة

قوية حتى اصطدم مقبضه الحديدي بالجزء الخشبي الذي

يغطي نصف الجدار مصدراً صوتاً واضحاً واتسعت عيناها

وانتابها فقدان جزئي للشعور بكل ما حولها تنظر لما لم

تتوقعه أبداً .. لصاحب الملابس السوداء والوقفة المستقيمة

والذي كانت نظراته مصوبة للأمام لا ينظر لأي واحد من

ثلاثتهم وهو يتقدم بخطوة واحدة نحو الداخل يسير بشموخ

مرفوع الرأس ، وقد شكّل وجوده هنا صدمة للواقف بجانبها

والجالس في الأعلى أيضاً وليس لها وحدها وبدأت أنفاسها

تضيق حتى كانت تعلو معه تفاصيل صدرها المغطى بقماش

سترة بذلتها السوداء الأنيقة ونظرها يلتقط الصدمة الأشد

وجعاً والطعنة القاسية لكرامتها قبل قلبها ونظرها ينحسر

على التي كانت تقف خلفه تماماً وكأنها خرجت لها من تلك

الصور التي لم تفارقها لحظة تقتلها ودون رحمة ، بل

خرجت من عمق مأساتها التي كان عمرها بعمر صباها

الضائع وأحلامها الميتة .. حاضرها الأسود ومستقبلها

المجهول ، ولمعت عيناها بحزن ومرارة ونظرها ينتقل منها

لابنتها والواقفة بجانبها تنظر لها بشوق وحزن وعينان دامعة

نظرة عبّرت فيها عن كل ما تشعر به حينها وهي تدخل

المكان الذي تمَّ اختياره لقتل أحلامها التي لم تفارقها منذ

طفولتها وعاشت على أمل تحققها ولم تتخيل بأن الواقع أقسى

من ذلك بكثير فهنا وبكلمة واحدة من الجالس في الأعلى

سيتحول ذاك الحلم لأشلاء لذلك كانت تنظر لها وتتحسر بألم

بينما همست شفتا غيسانة التي كانت نظراتها الفضولية

لرؤيتها قد تبدلت للحنق فجأة متمتمة

" تباً لها ما أجملها "


كانت نظرات كلاهما ملتصقة بها وإن بمشاعر متفاوتة بينما

كانت هي قد فقدت السيطرة على المتبقي من مشاعرها

وأبعدت نظرها عن تلك الجهة بأكملها وأصبح ما يقابلهم

نصف وجهها تقريباً بينما ارتفعت يدها تلامس رحمها الذي

يخفيه الطاولة بقربها عنهم وارتجفت أصابعها تغمض عينيها

ببطء فلم يعد يمكنها الصمود أكثر من هذا فقد اختار أقسى

وأبشع الطرق لإيذائها وهو يجلبها وابنته معه ليوجه لها

ثلاث طعنات كل واحدة أقسى من الأخرى وهي تراها هكذا

تأخذ مكانها معهما في يوم أرادته المنصف لكرامتها والانتقام

العادل لكبريائها المذبوح وجراح قلبها النازفة .


كانت أصابعها تضغط على قماش بذلتها وحيث تشعر بتمزق

روحها الأخرى واحتضار أملها الوحيد والذي ستفقد عقلها

وحياتها وكل شيء يربطها بالحياة إن هي فقدته أيضاً ،

همست شفتاها المرتجفة بما لم يسمعه غيرها

" تماسك بني .. تماسك أرجوك "


اشتد جفناها وكتمت عبرتها تشد شفتيها بقوة ما أن شعرت

بالجسد الذي سقط عليها واليدان اللتان احتضنتاها بقوة

وصوت ابنتها الباكي الهامس يضرب جدران قلبها قبل أذنيها

" أحبك أمي لا تغضبي مني أرجوك "


وعلا نحيبها وتابعت تحضنها بقوة

" أمي أقسم بأني آسفة وإن كنت أجهل ما جعلك غاضبة
مني .. أعتذر عن جرمي في حقك أمي سامحيني أرجوك "


ارتفعت يداها خائرة القوى وحضنتها أيضاً وبشدة تخفي

وجهها ودموعها في نعومة قماش حجابها وقد انهارت

دفاعاتها دفعة واحدة تضمها لصدرها بقوة تستنشق رائحتها

مع كل عَبرة مكتومة تتسلل لداخلها ، تستنشق رائحة طفلتها

الرضيعة التي حُرمت منها ولم تعرفها سوى في أحلامها

الكئيبة والذكريات المؤلمة التي كانت تقتلها بقسوةِ أنها لا

تمتلكها فلازالت كلما احتضتها تستنشق فيها رائحة الطفلة

الرضيعة التي انحرمت من أبسط حقوقها نحوها تبحث

أنفاسها قبل حضنها عمّا لم تعرفه يوماً وحُرمت منه بقسوة .


ارتخت ذراعاها وأبعدتها عنها تمسك بذراعيها ونظرت

لعينيها الباكية بحزن وما أن همست شفتيها ببكاء حزين

" أمي أنتِ لن ترحلي وتتركيني أليس كذلك ؟ "


شعرت بكلماتها تصيب قلبها ومشاعرها وارتفعت يداها

لوجهها وحضنته بهما واقتربت منها حتى تلامست أنوفهما

في صورة لأجمل امرأتان باكيتان وإن كانت إحداهما تودع

دموعها في صمت بينما الأخرى ينتفض صدرها مع كل

شهقة وعبرة تنظر من خلف دموعها لعيني التي همست وقد

أغمضت ببطء

" عودي للوقوف بجانب والدك يا تيما "


وكان ذاك ما شطر قلبها نصفين وجعل عبراتها الباكية في

صمت تزداد حدة تخشى أن يكون هذا ما رفضته دائماً

وخشيته فقالت بعبرة

" أمي أنا لم ... "


ولاذت بالصمت تزم شفتيها الباكية ما أن قاطعتها هامسة

بجدية وإن كانت تنظر لها بعينن حزينة رموشها لازالت

مبللة بالدموع

" أعلم ما تريدين قوله وأفهمك جيداً ولست غاضبة منك بل
أنا من عليها الاعتذار لكن مكانك هناك دائماً لا تنسي هذا "


أومأت برأسها والدموع تعود للتكدس في عينيها وفهمت بأنها

تريدها أن تكون بجانب والدها وإن كانت في خيار بينهما

وكأنها ليست من حاولت وقت رؤيتها أول مرة أخذها منه !

فهل لأنها ترى نفسها وحيدة ومكسورة اليوم تطلب منها هذا؟

هل تحن لوالدها الذي رباها وتحتاج لوقوفه بجانبها وتدرك

معنى فقدانه والحرمان منه ؟

كانت جميعها تساؤلات تدور في عقلها بينما عيناها الدامعة

تنظر لعينيها برجاء حزين صامت فأفكارها أصابت الحقيقة

من جميع أوجهها لأن محن الواقفة أمامها علّمتها معنى

وجود الأب في حياتها .. معنى خسرانه وللأبد ومعنى فقدانه

وهو لازال على قيد الحياة كما يحدث وحدث معها فأحدهما

رحل وتركها وحيدة تواجه صعوبات حياتها وتقلباتها والآخر

لا تستطيع قدماه اجتياز باب المنزل المسجون فيه .


انزلقت دمعة يتيمة من عينها وهمست ببحة بكاء تنظر

لعينيها وبأصدق مشاعر عرفتها البشرية

" أحبك أمي ... أحبكما كلاكما وبذات القدر تأكدي من هذا "


ابتسمت لها بحزن خالطه الكثير من عاطفة الأمومة والحب

والتفهم ورفعت رأسها وأدنت جبينها بيديها الممسكتان

لوجهها وقبّلته مغمضة عينيها قبلة طويلة جعلت مشاعر كل

واحدة منهما تتشبع رغم الألم والمرارة قبل أن تبعد شفتيها

ببطء ونظرت لعينيها الدامعة وهمست بحزن

" إذهبي هيا "


فتحركت من هناك تجر خطواتها بصعوبة تمسح الدموع من

وجهها بقماش كم بلوزتها المدرسية تشعر بأن روحها تنتزع

منها وهي تترك نصف قلبها لتقف مع النصف الآخر والذي

ما أن وقفت أمامه ورفعت نظرها له حتى خرجت كلماته

الحازمة ينظر لعينيها الدامعة

" مكانك أعلى المنصة يا تيما "


لم تستطع تفسير الألم الذي شعرت به في قلبها حينها حتى

كانت تشعر بأنها ستفقد أنفاسها وللأبد ولمعت عيناها بمرارة

وألم وهمست بأسى حزين تستجديه

" أبي أرجوك لا يمكنني فعل هذا أقسم لك "



وكتمت عبرتها كما كلماتها ما أن قال بحزم آمر

" تيمااا "


فأخفضت رأسها والدموع تملأ عينيها مجدداً حين أيقنت بأن

الأمر أصعب ممّا تتخيل ومع كليهما وتحركت من مكانها

منصاعة تسحب خطواتها ناحية العتبات الخشبية حتى وقفت

خلف الطاولة المرتفعة المخصصة للشهود وأمام الميكرفونان

الصغيران الموجهان نحوها ونظرها على الملف الذي

وضعته عليها وانسابت دموعها في صمت ولا تفهم لما يختار

هذا ويقتلهما به ! هل يعاقبها لأنها أرادت الحضور أم يعاقب

والدتها بها ؟! لو كان رجل آخر لا تعرفه لصدقت هذا لكنها

تعلم جيداً عن أخلاق والدها ومبادئه فلما يريدها أن تقرأه هي

وأن تكون هنا ؟! هل لتقف في حياد ؟ لكن لما تقرأه هي تحديداً

وما الذي يحويه ؟!


رفعت نظراتها الحزينة الدامعة له في الأسفل ووجدته ينظر

حينها ناحية قائد والذي كان ينظر له بدوره نظرة هادئة لا أحد

يفهم مكنونها كنظرات والدها تماماً ليست مفهومة لكنها ليست

هادئة البتَّة بل جامدة وبكل ما تحمله الكلمة من معنى وشعرت

بضربات قلبها تضطرب بشدة حتى توقفت عيناها عن الجود

بالمزيد من الدموع وكأنها دخلت حالة من الترقب المريب !

واتسعت عيناها بصدمة في وضع لم تكن الوحيدة فيه ما أن ملأ

صوته الجهوري الحازم المكان الواسع ترافقه البحة العميقة

" أنتْ تغادر وعلى الفور "


كانت الصدمة من نصيبه هو قائد نفسه أيضا والواقفة على

مقربة منه تنقل نظراتها الذاهلة تلك بينه وبين الجالس في

الأعلى يراقب الأمر بذهول مماثل وصمت تام وكأنه رمى

بقنبلة صوتية على الجميع أصابتهم بالصمم والصدمة معاً ،

وكان قائد من كسر ذاك الصمت المشحون والأجواء المتلفة

للأعصاب وقد نظر لقاضي الجلسة تحديداً وقال بضيق ويداه

تشتدان بجانب جسده بقوة

" ما هو الحد المسموح به للإخلال بقواعد المحاكمات هنا ؟ "


وكانت رسالة واضحة له بأن هذه الجلسة قد فقدت جميع

معاييرها لأن تكون جلسة اعتيادية تُطبق حسب قواعد وقوانين

المحاكمات وفي العالم بأكمله وليس هذه البلاد فقط ينتظر منه

الموافقة على ما قال وهو حقيقي أو حتى توضيحاً للأمر لكن

كل ما صدر عنه تنهيدة عميقة ونظره ينزل ليستقر على

الأوراق أمامه ليوصل جوابه الصامت له والذي جعله يستاء

من كل هذا وبشكل أكبر بينما تكفل مطر بالحديث نيابةً عنه

ومن اعتبر هذا تحدٍ وتجاهل له قائلاً بأمر غاضب من خلفه

" حديثك معي وستخرج إن بالطيب أو الإكراه "


فنظر له حينها ولنظرته الغاضبة والتي يرتجف لها قلب أعتى

الرجال وكل ما فعله أن هرب منها إن كان جبناً أو تفادياً له لا

يهم لديه ونظر للواقفة قربه والتي كانت تنظر له بينما نظراتها

كما ملامحها تؤكد رفضها للأمر وما يمسكها فقط انتظارها

لرد فعله .


امتدت يده للملف الموضوع على الطاولة أمامه ورفعه ومده

لها قائلاً بصوت منخفض ونبرة قوية مشجعة

" يمكنك الترافع عن نفسك يا غسق فأنتِ لستِ وحيدة هنا ولم

تخسري أهم عنصر لازال موجوداً وهو القاضي العادل "


وما أن أنهى كلماته تلك وأمسكت يدها الملف منه حتى غادر

من هناك يتجنب نظراتها الرافضة والمستهجنة وإن رافقها

الصمت المميت لتنازله السريع عن دوره وحقه فقد انتهى ذاك

الدور وقال سيد المكان كلمته ، ولا يمكنه لوم أحد ولا السيد

عقبة على هذا فصلاحياته تتخطاه لكنه متأكد من عدله في

الحكم كتأكده من نزاهة وكبرياء الذي طرده من هنا فلن

يستخدم سلطته لتغيير حكم القضاء ومهما حدث .


وكان ثمة طريق واحد عليه أن يسلكه ليغادر من الباب

الرئيسي للقاعة وهو الطريق الذي يقف فيه مطر والذي ما أن

مرّ بجواره حتى أوقفته يده التي التفت أصابعها الطويلة حول


ياقة سترته في حركة جعلته يتوقف منصاعاً له دون أدنى

اعتراض خاصة مع النظرة التي وجهها لعينيه ملؤها غضب


مكبوت جعلت ساقيه تتيبسان مكانهما وزاده الهمس الغاضب


من بين أسنانه

" عليك أن تشكر شقيقتك حتى تموت لأنها من أنقذتك مني "


وتركه بحركة قوية وأشد فتكاً عليه من سابقتها ولازال واقفاً

مكانه كما لم تتركه عيناه ونظراته المشتعلة بينما قابلها قائد

بنظرة مختلفة تماماً اختلطت معانيها بين الهدوء ومحاولة

تهدئة النفس في مزيج يصعب فهمه أو تفسيره جعلت كلماته

تخرج بجمود حين قال

" لو كنتَ رجلاً آخر لاعتبرت هذا انتصاراً عليه
ولأفتخرت به "


وتابع بعد صمت لحظة ولازال ينظر للعينين المحتفظة

بمزاجها السيء القاتم

" لكن ليس قائد نصران من يدخل حرباً قد خسرها منذ وقت
طويل كما أن الواقف أمامي ليس رجلاً يُعلن انهزامه أو
خسارته ، كما أن إنسانيتي ومهنتي لا مكان للعواطف فيهما "


وسحب نفساً عميقاً لصدره وحرره قائلاً بإيماءة

من رأسه

" احترامي سيادة الرئيس "


وغادر ما أن أنهى عبارته تلك باتجاه الباب فهو أوصل له ما

يريد قوله وعليه معرفته فلم يخشى عقابه أبداً لأن وقوفه معها

كان سببه صلة الدم بينهما ومبادئه كمحامٍ فقط وهو ما كانت

تريده هي منه وموقن من أن ذاك الرجل يعلمه أيضاً

وإلا لما تركه معها في منزل وزير العدل حتى اللحظة وسمح

له بالترافع عنها لولا التغير المفاجئ الذي طرأ كما يبدو .


أغلق باب القاعة فور مغادرته مخلفاً صمتاً مريعاً وكأن

المكان لا أحد فيه فهو بالفعل بدأ يخسر أفراده بالتتابع ، وكانت

المبادرة من السيد عقبة والذي قال ناظراً للتي كانت تنظر

للملف بين يديها وفي جمود تام وكأنها تفقد أعمدة ثقتها تباعاً

" أعطني الأوراق التي لديك يا غسق "

كانت كلماته مفاجأة بالنسبة لها جعلتها ترفع رأسها في حركة


سريعة ونظرت له باستغراب بينما يده كانت تمتد نحوها


وشجعتها الإبتسامة الطفيفة التي شقت ملامحه المتجهمة

فتحركت خطواتها نحوه ببطء ومدت يدها به عالياً حتى

أمسكه منها وعادت للوقوف مكانها تتجنب النظر للجميع تشعر

بالامتنان العظيم له فآخر ما كانت تريد أو تفكر في فعله أن

تقرأ هي ملف التهم التي جمعتها ضده لصالحها لأنها لا تثق

في قوتها بعد كل ما حدث فقد تلقت عواطفها صدمات عنيفة

اليوم وتعلم بأنه ثمة المزيد مما يخفيه ذاك الرجل لتعلن

هزيمتها ويتوج انتصاره عليها ، لكن غرضها الوحيد هو

كسب القضية وإن بقلب محطم وروح ميتة وتثق جيداً في

نزاهة هذا القاضي والتي أوصلته ليكون وزيراً للعدل فيكفيها

الحكم العادل وإن أخبروها بأن تلك المرأة تكون زوجته .


سحبت نفساً عميقاً لصدرها تغمض عينيها ما أن وصل عقلها

لتلك الفكرة وكانت تنتظر سماع صوته في أي لحظة ليبدأ

بالترافع نيابة عنها وعن محاميها المطرود قسراً لكن ما لم

تتوقعه أبداً هو الصوت الأنثوي الرقيق للتي قالت بكلمات

إنجليزية طلقة سريعة مُتقنة

" عذراً منك سيدي يوجد ما عليا قوله أولاً "


وتقدمت بضع خطوات مجتازة مطر الذي تركته واقفاً مكانه

لم ينطق بأي كلمة ولم يمنعها بينما كانت نظراتها هي على

غسق التي استدارت نحو منصة القاضي بشكل كامل وجعلها

تصرفها ذاك تزم شفتيها تنظر لقفاها بضيق وهي توليها

ظهرها هكذا متعمدة وكأنها ترفض رؤيتها ورؤية وجهها !

وكانت قد أصابت جزء من الحقيقة فقط فليس الكره وحده ما

جعلها تفعلها بل والخوف من ضعفها ومن تدوين الإنتصار

الأكبر عليها حال انهيارها .


كان رد فعل غيسانة التالي أن تنهدت بضيق وأقنعت نفسها بأن


تتجاهل كل هذا فهي ليست هنا من أجلها في المقام الأول وإن

كانت السبب في وجود هذه القضية ، نظرت ناحية الجالس في

الأعلى والذي قال بصوت جهوري واضح زاده مكبر الصوت

الصغير المثبت أمامه

" إن كان لديك أمر مهم يخدم القضية فقط "


كورت شفتيها قبل أن تقول ببرود

" ولما أنا هنا إن لم يكن لديّا أمر مهم ! "

وانتفض جسدها بشكل خفيف ولا إرادي ما أن ضربت يده

سطح الطاولة تحتها في أول انفعال غاضب له وقال بحدة

وصوته يعلو أكثر مع وجود مكبرات الصوت

" للمحكمة قواعد عليك احترامها "


وكان ذاك ما جعلها تشتعل وهي ترى نظرات الاستهجان في

عينيه فقالت بضيق

" أي قاضٍ عادل أنت ؟ أتنحاز لطرف دون الآخر ! "


" غيسانااا "


كانت الصرخة التحذيرية تلك لمطر والواقف على بعد

خطوات خلفها مما جعلها تتحجر مكانها للحظات وقبل أن

تستدير ناحيته وفي حركة سريعة فسبقها قبل أن تقول ما يعلمه

ويتوقعه بينما خرج صوته حازماً قوياً

" تعاملي معه باحترام فهو أرفع مكانة منك "


جعلتها كلماته تلك تشتعل غضباً وهو يهينها هكذا وقالت

محتجة تنفض يدها

" وما الذي قلته غير حقيقي أو يهين مكانته ؟ "


وشعرت بتقلص لا شعوري في أمعائها ما أن تلونت مقلتاه

الغاضبة بسواد قاتم مخيف وقال بتهديد غاضب

" إن حكم عليك بالسجن فسيتم التنفيذ فوراً ولن يُخرجك
أحد ولا أنا "


شدت على أسنانها بغضب مكبوت ، وفي حركة لا إرادية

هربت من تلك النظرات الحارقة والملامح الغاضبة واستدارت

نحو المنصة مجدداً متمتمه لنفسها

" لا انتقامات أخرى جيسي وسينتهي الأمر سريعاً ولن تشعري

بالسوء أبداً "

رفعت رأسها بثقة ما أن أنعشت قلبها بتلك العبارات فعليها أن

تنسلخ عن ثوبها القديم وإن كان المفضل لديها ولبضع دقائق

فقط وينتهي الأمر ، كانت تنظر للجالس في الأعلى حين ملأ

صوتها الثابت المرتفع المكان الساكن قائلة

" كل من يقف أمامك مؤكد عليه قول اسمه وعمره وجنسيته
فأنا هي غيسانة شاهين الحالك "

قالتها هكذا وبكل بساطة وأريحية بالرغم من أنها تعلم بأنها

نزلت كصاعقة على من كانا يجهلان الأمر هناك وهو القاضي

الذي حدق فيها بنظرة دمجت الصدمة وعدم التصديق معاً

وكأنها مجنون يتحدث أمامه ، أما نصيب الأسد فكان للتي

فغرت فاها بصدمة لا يمكن وصفها تنظر لصاحب الملامح

المماثلة في الأعلى قبل أن تستدير نحوها تنظر لها بعينين

متسعة فوق اتساعها وخرج صوتها أخيراً من بين أنفاسها

المتقطعة وبما يشبه الهمس

" ماذا !! "

كان ذاك فقط ما جادت به شفتاها بل وعقلها فهي لا تستطيع

استيعاب هذا ولا بمرور عشرة أعوام فكيف بعشر ثوانٍ أو أقل

بكثير ! كانت تشعر بقلبها سيتوقف وروحها تغادرها

وأطرافها تتجمد وتخونها تدريجياً حتى استعانت بالطاولة

قربها لتسند نفسها بها فكيف تكون المرأة التي عاش صوتها

معها خمسة عشر عاماً يطاردها في نومها ويقظتها شقيقته !

المرأة التي تحدثت عبر هاتفه كعاشقين !! بل وكواحدة من

نسائه كما قالت تكون شقيقة له ..!

شقيقته !! ابنة شاهين الحالك !!


حركت رأسها بضياع لم تعرفه في حياتها ولم ولن تستوعبه

أبداً كما تُجزم تنظر لعيني التي حركت كتفها وقالت

بابتسامة ساخرة

" تلك هي الحقيقة أو لنقل كانت الحقيقة حتى وقت
قريب جداً "


وتابعت من فورها تنظر للعينان الجميلة المندهشة حتى اللحظة

بينما امتزجت تلك الابتسامة الساخرة بمرارة قاسية

" قبل أن أكتشف بأني كنت أعيش في أكذوبة عمرها أعوام
طويلة وبأني لا أقرب لعائلتكم ولا تمت لي بصلة "


كانت الصدمة الأكبر من نصيب تيما حينها والتي خرج همسها
المصدوم واضحاً بسبب مكبرات الصوت أمامها

" ماذا عمتي !! "

نظرت ناحيتها حينها وقالت وذات الابتسامة التي مزجت

السخرية والمرارة معاً تزين شفتيها

" تلك هي الحقيقة يا تيما والتي أخبرني بها والدك قبل يومين
فقط فأنا لست عمتك ولا والدك شقيقي ولا جدك عمي "


حركت الواقفة في الأعلى رأسها بضياع وحيرة لا تستطيع

استيعاب كل ذلك بينما قالت التي سخرت منها قبل نفسها

" كان عليك أن تكوني أذكى مني وتتوقعي هذا منذ أن طلب

منك إخفاء الأمر عن الجميع هنا وعدم التحدث عني مطلقاً

وفي كلا البلدين ، بل ولم يخبر والدتك عن هذا مطلقاً ....
فلماذا ؟ "


نقلت تيما نظرها بينها ووالدها ووالدتها وحتى قاضي الجلسة

الذي كان وعلى غير المعتاد مندهش مستغرب ومهتم بكل ما

يخص الموجودين أمامه وكأنها تبحث عن أجوبة لديهم أو حتى

أسئلة وأي شيء يجعلها تصدق أو تستوعب كل هذا !

وعادت بنظرها لها ما أن تابعت من نفسها تجيب نيابة عن

الجميع وما لا يمكنها نكرانه وبصوت ساخر كئيب

" لأنه يرفض أن يكذب عليها ، ولأن إخفاء الحقيقة عنها
أهون لديه من الكذب في علاقتهما معاً "


أنهت كلماتها تلك ونظراتها قد عادت للنظر للعينان السوداء

كالليل والواسعة كالبحر تجذبك ودون شعور للنظر لها

والسباحة فيها فكيف وهي تمتلئ بالدموع السابحة وسط ليل

رموشها القاتم وكأنها تستجديها أن تقول غير هذا وإن كان

أرحم من كل ظنونها السابقة نحوهما لكن لا كلماتها ولا حتى

نظراتها رأفت بحال تلك العينان التي دمجت الحسن والألم

والضياع معاً وباتت تعذر الواقف خلفها على هيامه بحبها

واعترفت بهذا وإن مكرهة وليس بسبب هذا الحسن الغريب

المنفرد فقط بل امرأة امتلكت كل هذا المظهر الخارجي مع

القوة التي جعلتها تتجرأ وتُدخله قاعة المحكمة وهو رئيس

للبلاد وزعيمها وموحدها ستستحق كل ذلك بالتأكيد .


أبعدت نظرها عنها تُجنب نفسها السلوك الغير سوي كي لا

تتحكم غيرة النساء فيما تريد قوله .. ومن تراها ولا تغار !

أمر اعترفت به لنفسها وإن مكرهة فهذه الحسناء لا يمكنها

تخيل كيف كانت قبل أربعة عشر عاماً وكيف هاجر الواقف

خلفها وتركها ؟ وما هي أكيدة منه أنها عانت بسبب هذا طوال

حياتها ومن النساء قبل الرجال ، ولكي لا تنزلق في تلك الهوة

ركزت نظرها على الجالس في الأعلى والذي كان كمن يشاهد

الحلقة الأخيرة من مسلسل الغموض والحقائق تنكشف أمامه

وليس القاضي والمتحكم والفاصل في الأمر وقالت تركز على

ما تقول أكثر من تركيزها على رد فعله فستشرح له وللجميع

ما لم تقله لأحد يوماً ولم تعترف به ولا لنفسها لذلك سمحت

للكلمات أن تنزلق من بين شفتيها تباعاً وتصنعت الصمود
وهي تقول


" أنا فتاة ولدت لأب عربي لا تعرف من يكون حتى اللحظة
لأنه إن علم بوجودها سيقتلها "


ولاذت بالصمت بعدها فقسوة تلك الكلمات عليها أكبر من

تجاوزه وكأنه شيء عادي ، وليس لذلك فقط بل وبسبب شهقة

تيما الواضحة والتي لم تستطع كتمانها كوالدتها التي كانت

تحدق بذهول ملتزمة الصمت الذي تشك بأنها قد تغادره قبل

وقت طويل ، نظرت ناحيتها في الأعلى هذه المرة وقالت

بسخرية هي أقرب للمرارة

" أجل فلا تتوقعي أن جميع الآباء كوالدك يضحي حتى من
أجل من لا يعرفهم "


وعادت بنظرها لعقبة ما أن رأت نظرات الشفقة في تلك

العينان الزرقاء لأنها تكره توجيه تلك المشاعر نحوها وإن

كانت ما تسعى له دائماً وبالكذب أيضاً لتنال ما تريد لكن

الوضع الآن مختلف والحقيقة أقسى من استغلالها أو تقبلها

فتابعت قائلة بنبرة متزنة وكأنها تتحدث عن نفسها في برنامج

تلفزيوني

" منذ أن بدأت أدرك وأعي الأمور كنت أعيش مع والدتي
نحن الإثنتان وحيدتان ، كانت تقول لي فقط بأني ابنة لرجل
عربي وكانت ترفض التحدث عنه كلما سألتهما كأي طفلة في
مثل عمري تحتاج وإن لتَعْلم أشياء بسيطة عنه تخبر بها
زميلاتها في المدرسة فهي أخبرتني بأنه متوفي ولم أكن أعلم
بأنه هجرنا وتركنا وحيدتين بل وحاول قتل والدتي وهي حامل
بي ولا يعلم "


قالت آخر كلماتها بحزن تغلب على صوتها فمعرفتها بتلك

الأمور كان حديثاً ويصعب عليها استيعابه في وقت قصير فأن

تكون ابن لشخص يرفضك وحاول قتل والدتك وسيقتلك ما أن

يعلم بوجودك هو أشبه بعدم الانتماء للبشرية ، لكنها وكعادة

شخصيتها المتحورة سرعان ما عادت لثباتها وتابعت تنظر

لعيني الذي كان ينظر ويستمع لها بتركيز وكأن قضيتها هي ما

سيتم الحكم فيها

" حين بلغت سن المراهقة أخبرتني بأنها وجدت شقيقي وبأنه
تواصل معها ومنذ ذاك الوقت عشت كابنة لشاهين الحالك
وتبدلت حياتنا تبدلاً كاملاً ، أصبح لدينا منزل جميل ونظيف
ليس كالشقق والغرف التي كنا نستأجرها وتعافها الجرذان ،
ولم تعد والدتي مضطرة للعمل وتحمل السب والشتائم من أجل
حفنة نقود بالكاد تكفي لطعامنا السيء فشقيقي هو إبن أحد أكبر
مشائخ بلاده بل وزعيم لأحد أقطارها حينها .. "

لاذت بالصمت لبرهة وتبدل مزاجها للسخرية فجأة متابعة

" ولم أكن أعلم بأنها كذبة جديدة عن ذاك الوالد المجهول وبأن
والدتي سرقت نسخة من أوراق مهمة جداً كانت تخصه
وسلمتها لدجى الحالك بعد هجران عشيقها ذاك لها بأعوام قليلة
وفرارها منه كي لا يحاول قتلها مجدداً حين اكتشف فعلتها
واختبأت منه في مدينة تدعى يورك شمال إنجلترا والتي كنت
أظن بأنها مسقط رأسي لأكتشف الآن بأنها كانت الفرار
برأسي منه "


كانت تشعر بارتجاف صوتها الذي لم تخرجه للعلن سابقاً ..

تشعر به في قلبها وهي تروي ماضيها بطريقة جديدة من الألم

فرفعت رأسها تخفي بشموخ نظرتها تلك حقيقة ما تشعر به

وهي تتابع ولازالت تحاول جاهدة الاحتفاظ بالابتسامة

الساخرة وإن لم تخفِ المرارة في صوتها تماماً

" فتحليل أبوة واحد يكفي لكشف من يكون صاحب تلك الأوراق ولهذا تم حمايتي من المجهول الذي لا يعلم أحد متى قد يظهر وأين يكون "
توقفت لبرهة وسحبت نفساً عميقاً في صمت المكان

الموحش حولها وتبدل صوتها للاستياء فجأة وهي تسرد

ماضيها وكأنها أصبحت في مكان آخر تماماً لا أحد يسمعها

فيه غير نفسها

" كانت سنوات عشت فيها سجينة شقة مع والدتي ثم
وحيدة بعد موتها ممنوع عني العيش كما تعيش الأخريات
.. فقط صديقتان متزمتتان ، كنت مقيدة ومراقبة طوال
الوقت ودون أن أعلم السبب أو الحقيقة مما جعلني أكره
المسلمين ودينهم لأنه السبب الوحيد الذي وجدته أمامي "



تركت نظراتها الجالس في الأعلى وغابت بنظرها للفراغ

وللمرة للأولى وإن لم تتخلى عن شموخها وتبدلت لهجتها

للمرارة متابعة



" لم يحدثني أحد عن السبب الحقيقي وراء سجني وتكبيلي

فجعلني كل ذلك أرى الحرص تقييد والتقييد سجن والسجن

موت فلم أكن أعلم أني مسجونة لحمايتي ولا أن الشقيق

الذي أراه يهملني كشقيقة له دائماً ويتجاهلني هو مجرد

شخص غريب عني يكره أن يحتك بامرأة لا تحل له حسب

دينه مما جعل مني فتاة متمردة عنيدة أهرب دائماً ليمسك

بي رجاله في كل مرة وأنال عقابي بالسجن في منزل

الريف حيث لا والدتي ولا الصديقتان الوحيدتان بل ولا العدد

القليل من المرات المسموح لي فيها بالخروج برفقتهن

حتى أُعلن عن توبتي وأتعهد بعدم تكرارها لكن سرعان ما

أعود وأكررها بكل تأكيد حتى تحطمت نفسيتي وأصبحت

أتوق للحرية التي أفعل فيها كل ما أريد فلم أكن أراه سوى

داعم مادي لي حتى كرهت ذاك المال الذي يغدقني به

وتمنيت أن يزول إن كان الثمن حريتي "



لاذت بالصمت فجأة ونظرت ناحية تيما التي كانت تمسح

دموعها متعاطفة مع كل كلمة تسمعها منها وقالت تتابع

سيل اعترافاتها

" حتى كان اليوم الذي أرسلتك فيه للملهى الليلي مقابل

سماع صوت والدتك ودفعت بك للخطر كما يقول والدك ومن
أجل قرص سخيف مثلما سماه "


وخرجت منها ضحكة قصيرة ساخرة وقالت


" وبينما كنت أنا أغامر بكل شيء للحصول عليه كي لا

يراه كان هو يعلم عنه ويسعى لاسترداده كي لا يكون سبباً

في هلاكي "



وتركت عيناها وعادت بنظرها ناحية الجالس أعلى المنصة



متابعة بضيق خالطه الكثير من المرارة والألم

" لكن عقابي لم يمر مرور الكرام ولم ينسى لي بأني آذيت

إبنته وكدت أتسبب في هلاكها فسجنني لدى شاهر كنعان

كخطيبة له وسافر وتركني ورماني ذاك الرجل في غرفة

مدبرة المنزل خارج شقته وعاملني كبهيمة في شركته ولم

يترك لفظاً مستنقصاً لم يلصقه بي ولم يتوانى لحظة عن

إذلالي وإهانتي ولم أجد الإنصاف ولا لدى من كنت أعتقد

بأنه عمي ووصلت لمرحلة أردت فيها الانتقام لنفسي فقط

ولم أفكر في شيء غير ذلك وأن يتذوق الجميع مرارة ما

أشعر به .. "



ولاذت بالصمت ونظرت ناحية غسق هذه المرة قبل أن تقر

معترفة وقد بدأ أصعب جزء من مهمتها تلك

" وكانت الفرصة المناسبة لي حين اتصلتُ برقمه الموجود
لدي وأنتِ من أجاب "


وحركت كتفها بسبب نظرة العتاب الممزوجة بالضيق التي

رأتها في عينيها وقالت

" ثم أرسلت الصور .. صور الرحلة الوحيدة التي كنا فيها

معاً وبطلب من عمه الذي ترجيته كثيراً أنا وحفيدته ليقنعه

بالذهاب معاً كعائلة "


وما أن حركت غسق رأسها بعدم استيعاب ممزوج بالصدمة

التي لم تغادر ولا ضربات قلبها التي كانت تشعر بها طعنات

قاسية تقتله قالت مقره فعلياً وبأصعب جزء من الحكاية

" أجل يا غسق أنا كذبت في كل كلمة قلتها في تلك المكالمة

وأعلم بأنك كنتِ تسمعينها كما أني من أرسل الصور كما

تعلمين والخطاب الذي كان مرافقاً لها وتحدثت فيه مع تيما

لتصلح العلاقة بيني وبين والدها كما كانت تفعل دائماً وكان

في الحقيقية موجه لك وليس لها "


وأبعدت نظرها عنها ما أن رأت نظرتها المستنكرة المستاءة

تخفي مشاعر تعلمها جيداً وهي الكره الحقيقي ورفعت

نظرها لقاضي الجلسة مجدداً فهو الوحيد في نظرها الذي لم

تؤذيه بما فعلت وقالت متنهدة

" أعلم بأن الجميع يراه تصرف لا أخلاقي وأنا أدرك هذا

لكني أردت حينها الانتقام لنفسي لأني وصلت لدرجة

الانهيار بسبب المدعو شاهر كنعان وتسليم شقيقي إياي له

وتخليه عني كشقيقة له ودون أي ذنب "



وحركت رأسها قائلة وباقتناع تام

" قد يراها الجميع ذنوب عظيمة لكني لم أراها يوماً كذلك

ولم يخبرني أحد بحقيقة وضعي لأعلم بأنها حماية لي من

الخطر والموت "


وفردت يدها وهي تخاطب الجميع لحظتها ونظرها ينتقل بين

ثلاثتهم عدا مطر

" ومؤكد علمتم الآن سبب طرده لذاك الرجل قبل قليل
فمسألة والدي تمس وطنكم بأكمله كما كانت ولازالت
تمسني "


واستدارت بكامل جسدها ناحية غسق هذه المرة ونظرت

لعينيها والنظرة التي تفهمها جيداً فيهما وبأنها تتمنى قتلها

عقاباً على ما تراه جريمة في حقها ورغم ذلك قالت ما

يهمها هي قوله ومهما كانت مشاعرها نحوها

" حقيقة الأمر زوجك يستحق وساماً على تكتمه عن

الأمور المؤدّية لتحطيم قلوب النساء .. "



وغزت المرارة نبرتها متابعة

" كما يستحق آخر على وفائه لك فلم تعرف عيناي رجلاً
ظَلَّ قديساً لامرأة واحدة أعوام طويلة مثله فحتى رجال
الوطن الأوفياء من الإنجليز لديهم تاريخ طويل مع الخيانة
وتعدد العلاقات بالنساء "


وتجاهلت مجدداً النظرة التي رأتها في عينيها حينها

وحركت كتفها وهي تقول ببساطة

" لن أقول بأنه كان يحتاج امرأة تفهمه فهذه ليست
موجودة في النساء بل امرأة تسأله وتصدقه "



وأبعدت نظرها عنها ما أن أنهت كلماتها تلك بل وقالت كل

ما لديها لتقوله وتركت لها مجال عيش الحقيقة مع نفسها

دون تطفل أو مواجهة بالأحرى فهي ستراها سبب ما هي

فيه اليوم بالتأكيد لذلك تهربت من نظراتها لها والتي لم تكن

تعلم بأنها توجهت لشخص آخر وهو مطر الذي نظرت

ناحيته ولأول مرة منذ وقوفه هناك وإن كانت نظراته بعيدة

عنها كما كانت ولازالت فمنذ دخوله هذا المكان تركز نظره

على كل شيء عدى الموجودين هناك وجميعهم ، كانت

نظرة مزجت جميع المشاعر التي عرفتها وشعرت بها منذ

عرفته وأحبته وتركها وهجرها وخذلها حتى اللحظة ، كانت

نظرة مزجت الألم والحزن الخذلان والعجز عن التصديق !

الأمل والمرارة الدموع واللوم والكبرياء والانكسار وكأنها

تخبره بكل شيء دفعة واحدة ولم تهتم إن كان لا يراها لأنها

كانت تعبر عنها لنفسها لمشاعرها نحوها هي بينما ارتفعت

تلك الأحداق السوداء والمتسمة بالجمود التام حتى اللحظة

نحوهم أخيراً لكن نظراته تلك لم تكن موجهة لها بل للتي

قال لها ببرود

" انتظريني في السيارة يا غيسانة "


وحين لمح منها رفضاً واضحاً يعرفه كما يتوقعه قال بأمر

حازم لا نقاش فيه

" للسيااارة "


فزمت شفتيها بحنق ولم تفتحهما معترضة كي لا تنتهي

للمصير الذي تعلمه جيداً وهو سحب رجاله لها مجبرة من

هنا فتحركت خطواتها الغاضبة نحوه حتى وقفت أمامه

مباشرة وقالت بضيق وصوت منخفض

" أتركني أعلم ما في ذاك الملف لدى ابنتك وإن امتناناً لي
على ما فعلت من أجلك "



" أنا لم أطلب منك فعل هذا "



قالها ببرود قاتل ينظر لعينيها فتنفست بحدة وقبل أن

تقول بضيق

"أجل نسيت أن أقول أمامهم هناك أن أعانها الرب عليك "



وغادرت مجتازة إياه نحو باب القاعة تلحق بسابقها لكن

خروجها كان مختلفاً عنه ويحاكي اختلاف شخصيتهما وهي

تضرب الباب بقوة مغلقة إياه بعدها مخلفة صمتاً مخيفاً

أيضاً بل وأسوأ مِن الذي تركه مَن غادر قبلها فبينما وقفت

غسق في مواجهة طاولة القاضي في الأعلى مجدداً تنظر

للأسفل ويداها تشتدان بجانب جسدها بقوة نظراتها لا تعبر

سوى عن امرأة رُميت فجأة في بُعد آخر كانت نظرات ابنتها

ملتصقة بها بحزن لأنها تفهم ما تقاسيه وإن كانت تجهل ما

يدور داخلها الآن وتمنت أن أعلنت والدتها انتهاء هذا

الأمر لعلّه يتم إجبار الكسور التي خلفتها أفعال من كانت

للحظات تظن أنها عمتها .. الأمور التي كانت كصدمة غير

متوقعها لها فكيف بمن يعنيها الأمر ؟


لكن شيء من ذلك لم يحدث ولم تتحدث من تأملت وانتظرت

أن تفعل ذلك بل تولى غيرها مهمة الحديث وما جعلها تنظر

ناحيته وقلبها يئن بشدة وملأت الدموع عينيها وما أن قال

بجمود ونظره موجه للمعني بحديثه

" سيد عقبة أتمم ما أوكلت نفسك له "


كانت كلمات حازمة آمرة لا نقاش فيها فاشتدت أصابعه على

الأوراق تحتها وهو يرفع نظره للواقفة في الأسفل ومن

ارتفع رأسها ونظرها له حينها وكأنه يريد أخذ رأيها في

الأمر فهو وجد نفسه في وضع لا يُحسد عليه .. قاضٍ

ومدعي عام ومحامي ذات الوقت ويكره حزنها وانكسارها

كما يرفض أن يكون إلا عادلاً ويخشى حال مواصلة هذا

الأمر أن يأخذهم للنتيجة ذاتها فها هي أول تهمة تقدمها

للعدالة سقطت ويفهم جيداً معنى سقوطها بالنسبة لها فلا

هي التي يمكنها السعادة بهذا ولا الحزن فهي خسارة لجولة

مهمة في القضية ومكسب مهم لها كامرأة تجلت لها حقيقة

خيانة زوجها .


لكنه لم يجد أي شيء مما كان يبحث عنه في عينيها ، لم

يجد إلا امرأة تقف على حافة الهاوية وتختار السقوط فيها

على البكاء عند أطرافها ، كان يرى في عينيها نظرة

مشوشة ضائعة كما يرى ألم الصدمة التي تتآكلها من

الداخل حتى الآن لكنه قرأ فيها أمر واحداً فقط وهو المطالبة

بسحب حقوقها لآخر بند في قضيتها وهو ما أثبته صمتها

التام فتنهد بعمق ونقل نظره للذي لازال ينظر له للّحظة

والتقت عيناه بالنظرة الواثقة ومن اختار المضي في الأمر

أيضاً وقال بآلية وكأنه يلقي خطاباً يحفظه عن ظهر قلب

بينما يده تقلب الصفحة دون أن ينظر لها ليملأ صوته

الجهوي المكان منبعثاً من مكبرات الصوت المعلقة في

زوايا القاعة الواسعة

" السيد مطر شاهين الحالك أنت أمام دعوة قضائية من
قبل الزوجة غسق دجى الحالك في قضية طلب الطلاق
للضرر وانتزاع كافة الحقوق وهي تقدم للقضاء أدلتها على
استحالة الحياة الزوجية بينكما ولك حق الرد ليأخذ القانون
مجراه بالحكم العادل "



لم يستطع إلا أن يحرر أنفاسه السجينة في صدره وهو

ينظر أسفل يديه يبعد الورقة الأولى جانباً وكأن وقع ما قال

على نفسه أشد من غيره وتابع

" السبب الأول تم إسقاطه قبل قليل والمتهم فيه بات
شخص ثالث تصرف دون علم المدعى عليه "



وتابع وقد عاد لرفع نظره له مجدداً


" السبب الآخر المقدم من صاحبة الدعوة ضدك هو حجب
نسبها عنها قبل الجميع بالرغم من تقديم إثبات صريح بوفاة
والدها وصاحب قضية الثأر لتعيش ازدواج الهوية دون
علمها ودون أسباب واضحة "




كان وكأنه يحدث نفسه بسبب الصمت التام كما الجمود

المميت لصاحب النظرة القوية الواثقة الموجهة نحوه

والعينان الحادة المحدقة فيه بجمود لكنه مجرد قاضٍ هنا

وعليه أداء دوره فقط دون حياد ولا تقصير فبدأ يسرد التهم

الموجهة ضده بالتتابع ونظره مركز على الأوراق التي كان

يبعدها بانتظام


" السبب الثالث تطليقها وإرجاعها في ذات اليوم بالتلاعب
بالقانون حيث تم بالوكالة ودون علمها وإخفاء الأمر عنها
وتركها معلقة مدة أربعة عشر عاماً مع الهجران التام
والمنع المتعمد والغير قانوني لزواجها بآخر .



السبب الرابع حرمانها من طفلتها وهي الأحق بحضانتها
قانونياً وبدون محاكمة ولا موافقتها في تصرف جائر أحادي
الجانب .

السبب الخامس والأخير التصرف الفردي بمصير ابنتها

وتزويجها دون علم الابنة وبدون توثيق قانوني في تلاعب
واضح وصريح بالقانون مطالبة بإلغاء ذاك الزواج وبالتالي
سحب الحضانة المطلقة لأبنائها لتكون لها وذلك حسب
المادة مئة وسبعون من قانون الأحوال الشخصية ومطالبة
القانون بمنحها الطلاق مع إيفاء كامل حقوقها وأبنائها
ومن دون قيود أو شروط "





ولاذ بالصمت لبرهة قبل أن يتابع ونظره على آخر ورقة

اضافها لسابقاتها

" وكل هذا موثق بالمستندات السليمة تماماً والخالية من
أي عبث أو تزوير ، ولكم أو لمحاميكم كامل الحق للإطلاع
عليها في حال تم طلب تمديد جلسات النطق بالحكم "




ورفع رأسه كما نظره وقد أغلقت يده الملف وقال ولازال

يخاطبه كمجموعة احتراماً له وكأنه يتخلص من عبء

كل ذلك

" هذا كل ما لدينا هنا وبما أن سيادتكم ألغيتم وجود
المحامي المقدم اسمه للمحكمة سلفاً فلكم حق الرد
والتوضيح أو الصمت ليتم النطق بالحكم مباشرة "




وأنهى مهمته المبدئية ولازال يوجه نظره نحوه تحديداً بينما

كانت نظراته قد أصبحت موجهة نحو شخص آخر وهي

غسق ولأول مرة منذ أصبح هنا .. نظرة جعلته يشعر

بقشعريرة لم يفهمها وهو يحاول تفسير تلك النظرة في

عينه فنظر لها أيضاً حيث اشتدت يداها تجمعهما معاً

ونظرها عليهما ومنذ انتهت أسطر مأساتها التي كانت تُسرد

أمامها والتي عاشتها تتجرع مرارتها في كل دقيقة خلال

تلك الأعوام ، لكن ما جعل أنفاسها تتوتر حينها أمر آخر

تماماً تدركه وإن كانت لا تراه وهي النظرة الموجهة منه

نحوها وهي نظرة من صُدم في أكثر شخص منحه ثقته

وهو يسلمها مفتاح مكتبه الخاص وأغمضت عينيها تتذكر

كلماته حينها

( لأني أثق بك أنتِ فقط يا غسق )



كان الصمت التالي موحشاً قاتلاً شعرت بأنه يسحب كل طاقة

تملكها وتعلم بأن الأمر ذاته السبب فيه فليس من السهل

أبداً أن تطعن المرأة ثقة الرجل بها ..

إنه أشد قسوة من طعن كبريائه ومشاعره لكنه من اضطرها

لكل هذا .. للكذب والتحايل وهي حقوقها جميعها وجرائم لا

يتهاون فيها القانون الذي يحميه ويمثله .


أغمضت عينيها بألم تشعر بلسعة الدموع فيهما ما أن ملأ

صوته الجهوي المبحوح المكان قائلاً بحزم

" تيما "


كانت كلمة وحيدة وكان آمراً فيها بما يعلمه الجميع مما

جعل مشاعرها تهوي للجحيم تمنع عيناها من التفريط في

الدمعة التي سقطت هناك عند طاولة الشهود وحيث فارقت

رموش التي نظرت لعينيه بحزن ورجاء ومرارة وقد علمت

بأن دورها قد حان تترجاه بعينين دامعة كسيرة وفي صمت

أن يعفيها من كل هذا لكنها لم تنجح سوى في إشعال سواد

تلك الأحداق وقد قال بحدة وصوت قوي آمر


" توقفي عن البكاء يا تيما فأنتِ ابنة مطر شاهين لن
يكسرك أي شيء إن في وجوده أو في غيابه "



كانت تلك الكلمات الأقسى في الوجود وليس عليها وحدها

بل وعلى التي كانت تريد أن تصرخ بأعلى صوتها

( أعترض سيادة القاضي )

فليس من حقه أن يستخدم ابنتهما لهذا ويقتلها أكثر مما

فعل لكنها عجزت عن تحريك لسانها وهي التي لم تقرأ ملف

التهم الموجهة إليه أيضاً وتركت غيرها يتولى الأمر عنها

لذلك استسلمت للواقع المرير واكتفت بمراقبتها بعينين

حزينة وقلب مكسور حيث لم تكن تنظر لها ولا تعلم عن

نظراتها تلك بل لوالدها وقد حركت رأسها بضياع تعلن له

عن عجزها لفعل ذلك فما حدث هنا بات فوق تحملها وأكبر

من صمودها قبل سنها وآخره أن تعلم بأن زواجها كان

شرعياً فقط ولم يوثق في المحكمة بعد !

أي أنه مجرد وثيقة وشهود وكأنه زواج عرفي والدها

موافق عليه ! ومؤكد بسبب تواجدهم في تلك البلاد ورفضه

لتزويجها تحت اسم غير اسمها الحقيقي ، وزاد الأمر

سوءاً ما سمعته من ذاك القاضي وطالبت به والدتها

فكيف تطالب بحضانتها وتريدها أن تكون بجانب والدها !

اغرورقت عيناها بالدموع وتحركت شفتاها المرتجفتان بما

تعلم بأنه يقرأه فيهما ودون صوت

" أبي أرجوك "


وارتجف جسدها ما أن صرخ في أول انفعال له منذ

أصبحا هنا

" ألستِ من أصر على المجيء ؟ إذاً أنتِ الأحق من أي
أحد بمعرفة هذا "



كانت نظراته قاسية غاضبة لم يبعدها عن عينيها الدامعة

كما لم يرحم مشاعرها نحوهما وهنا علمت لما اختارها

واختار لها هذا المكان تحديداً فهو يريدها أن تعلم فحواه

أيضاً وكجزء من كل هذا وأن تقف على حياد بعيداً عن

كلاهما فهي بالفعل من أرادت التواجد هنا كما قال ، بل

وقرأت في كلماته تلك بأن الموجود بين يديها هو ما قد

يوقف القضية ويحقق أمنيتها اليتيمة بانتهاء الأمر وكأنه لم

يكن ، لكنها خائفة أيضاً .. خائفة ومتوجسة منه ومما

يوجد فيه .


نظرت له بين يديها وعلى الطاولة تحتها نظرة استجداء

حزين وكأنه يمكنه رؤيتها أو سماع مناجاة قلبها ليكون

رحيماً بها بل وبهم جميعاً ! لكن كيف للجماد أن يشعر بما

عجزت عنه قلوب البشر ؟ أغمضت عينيها وتنفست بقوة

هامسة

" يا رب أنت رجائي "


وعادت وفتحتهما ببطء ورفعت غلافة ببطء أشد وظهرت

لها أول ورقة فيه ولا وقت أمامها لرؤية أسطرها قبل

قراءتها فحتى الصمت حولها كان ينتظر أن تملأه بصوتها

وعليها فعل هذا لينتهي الأمر بل ولعل مأساتهم بأكملها

تنتهي بانكشاف ما يخفيه .



ارتفعت يدها لعينيها ومسحتهما بحركة سريعة قبل أن

تعود وتنظر له بين يديها وتغضّن جبينها باستغراب تنظر

للتاريخ أعلى الورقة الصفراء القديمة وإن لم تتمزق

حوافها والذي كان عمره من عمر والدتها تقريباً !

نزل نظرها للسطر الذي كان يتوسط الورقة عند أعلاها

وشجعت نفسها وبدأت القراءة بصوت ملأ المكان رغم

انخفاضه وارتجافه بسبب مكبرات الصوت

" محكمة حوران الإبتدائية وثيقة تنازل لقضية ثأر "


شعرت بضربات قلبها ترتفع رغم علمها المسبق بأمر كهذا

لكن وجود هذه الورقة هنا واليوم تحديداً لابد وأنه يحمل

المزيد !

وذاك ما كان بالفعل وما كشفه صوتها قبل عقلها وما أن

علا رقيقاً حزيناً وضعيفاً يملأ صمت المكان مجدداً


" نجتمع هنا واليوم لإقرار عائلة شاهين الحالك بالتنازل
التام وفق الشروط والقوانين الحالية للبلاد لعائلة عبد
المجيد عمران غيلوان بموجب حكم قبائل الجنوب
وبحضورهم لفض نزاع الثأر مقرين بحقوقهم التامة
فيما يخص مقتل أبنائهم الثلاثة .. "




وبدأ صوتها يضعف والريبة تسكنها ما أن علمت العدد الذي

كانت تجهله لكنها تابعت تشجع نفسها لجهلها باقي الأمر

وبدأت تسرد أولاً الأسماء المدونة فيها


" يحي عبد المجيد عمران غيلوان وموسى عبد المجيد
عمران غيلوان وزكرياء عبد المجيد عمران غيلوان

معترفين بأحقية دمائهم عليهم بتسليم القاتل للقصاص
بالقتل وتسليم سلالته كاملة وبالدليل الثابت وشهود العيان
وهو دجى شا.. "




انقطع صوتها حينها كما انقطعت أنفاسها وارتفعت عيناها

المتسعة بذهول ناحية والدتها تحديداً والتي كانت تنظر لها

مصدومة أيضاً فكلتاهما المعنيتان بسلالته والأمر الذي كانتا

تجهلانه تماماً كجهلهما لعادات قبائل الجنوب وأحكامها التي

لا نقاش فيها وإن حكم القانون خلاف ذلك فكيف وتوقيع

كبير عائلتهم موجود وبوثيقة يملكون نسخة أخرى عنها ؟

فالمحاكم في الماضي كانت عبارة عن غرفة واحدة تضم

عقود الزواج والطلاق يرأسها مشايخ القبيلة في ذاك القطر

من البلاد كما قضايا الثأر التي كانت تعد جزء من القصاص

للجناة حينها .



بدأ صدرها يعلو بعبرات مكتومة وعيناها تمتلئ بالدموع

مجدداً ولازال نظرها على والدتها ولم تفكر في نفسها بل

بها وبوالدها فالذي قرأته الآن معناه أنها من حق تلك

العائلة أمر لا نقاش ولا للقانون فيه ، بينما كان تفكير التي

أسندت جسدها بالطاولة التي تقف قربها بسبب عجزها عن

الصمود أكثر من هول ما سمعته مشابهاً وهي تتخطى

نفسها وتفكر في صغيرتها تلك وهي في هذا السن يتم

تسليمها لرجال من عمر جدها ويزيد !

وتعلم جيداً معنى أن تكون السلالة ضمن قضايا الثأر

ومعنى أن تُسلم المرأة لعائلة القتيل .



استندت بظهرها على الخشب القاسي أكثر بينما كانت

أنفاسها تعلو بشدة تنظر للفراغ بعينين زائغة وكأنها لم

تخرج من زوبعة تلك الصدمة بعد فها قد علمت لما هجرهم

والدها ولماذا ترك زوجته وحرم نفسه منها ومن جنينهما ،

لما ماتت والدتها حسرة وحزناً ولما عاشت هي وتربت مع

عائلة ليست عائلتها ولا تعرفها بل وخارج حدود قبائلها ،

كل هذا كان بسبب تلك الوثيقة التي أُجبروا على توقيعها

فحكم القبائل لا يرحم فكيف وهم أسيادها ؟

كيف وهم يحكمون في النزاعات والجميع يخضع لحكمهم

كما أوامرهم ؟

وما أن لامست يد تلك القوانين ابنهم لم يخضعوا لها وهم

يخفون حقيقة علمهم بوجوده في صنوان بينما لم يستطع

شاهين الجد التملص من هذه أيضاً ووقّع لهم تنازلاً ليس

عن ابنهم ذاك فقط بل وعائلته التي كانو يعلمون

بوجودها حينها !



حقيقة مفجعة وقاسية شعرت بأنها تعيدها لزمن الرق

والعبيد الذي لم تعرفه يوماً وكأنهم سلعة مباعة يخفون أمر

وجودها عن مشتريها فحتى جنينها الموجود في أحشائها

الآن هو ملك لهم ليكون خادماً لديهم ما عاش بمجرد أن

يعلموا عن وجودها ونسبها الحقيقي .


رفعت نظراتها الدامعة الذاهلة حيث الجالس في الأعلى

والذي كان جلياً على ملامحه بأنه لم يتجاوز الصدمة بعد

وبأنه كان يجهل بالأمر ولن تستغرب هذا فهو عاش وتربى

في الهازان ولا يعلم عن ذاك الماضي شيئاً كما يبدو لذلك

لا أمل لديها في أن يُكذب هذا وأن يقول بأنه ليس حقيقياً أو

لا يجوز قانونياً فأحكام القبائل في الثأر تجتاز القانون ..

هو أمر يعلمه الجميع فكيف مع تلك الورقة والتوقيع

والختم والشهود ؟


اغمضت عينيها بألم ما أن عادت وسمعت صوت ابنتها

الباكي هذه المرة تعلن انهيار صمودها الهش لتتابع قراءة

الورقة التي تليها وكم تمنت أن توقف الأمر عند ذلك لأنه

وحده يكفي لقتلها وهزيمتها وإعلان انتصاره عليها لكن

هذا لم يعد بيد أي واحدة منهما وليس لها حرية رفضه

أو التحكم فيه خاصة وهي تسمع تاريخ آخر وأقرب من

ذلك بكثير .. تاريخ تعرفه جيداً فهي تعلم ذاك الشهر وتلك

السنة تحديداً والتي خسرت فيها كل أحلامها كامرأة

وصورتها أمام الجميع وحتى نفسها كأنثى ومشاعرها

كعاشقة وتم إرسالها كما ذهبت وحيدة لقبيلتها الفارق

الوحيد أنها كانت تحمل طفلة في أحشائها وجرحاً نازفاً في

قلبها فخسرت الطفلة وبقي ذاك الجرح ينزف حتى اليوم

واللحظة .


سالت دمعة يتيمة على وجنتها وببطء يشبه كلمات التي

قالت تنظر للأحرف من بين دموعها

" المكان جنيف سويسرا .. وفي الإجتماع السابع
والخمسون لفض النزاعات الدولية والداخلية للدول
الواقعة تحت الوصاية الدولية "


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 28-01-22, 09:16 PM   المشاركة رقم: 1665
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 






وارتخى صوتها الباكي وكأنها تخرج بالكلمات من روحها

ومن عمق مأساتهم مجتمعة


" نجتمع اليوم في مقر الأمم المتحدة بجنيف في واحد
من أهم الاجتماعات السرية وتحت مسمى اللجنة الثلاثية
حيث تم اختيار ثلاث شخصيات قيادية من كل قطر في
البلاد للتوصل لحل نهائي للنزاع الدائر وبعد الحرب
الطويلة على الهازان وخسارة الكثير من الأرواح
ودمار الأرض والنسل ولتجنيب صنوان ما آل إليه قطر
البلاد المجاور لها وويلات الحرب والحصار وتشتت
العائلات وموت الأطفال والأبرياء .. "





توقفت كلماتها فجأة تنظر للأحرف من بين دموعها بضياع

وحيرة لم تستطع معهما المتابعة فما تعلمه بأنها كانت حرب

نزيهة لم يدمروا فيها المنازل والحقول كما قيل هنا ولم

يقاتلوا إلا من خرج للقتال وأراد الحرب قبل أن تُسلم لهم

الهازان باقي مدنها طواعية لِما رأوه من عدل في المناطق

التي قام بضمها للحالك حينها !


استطاعت تجاوز كل ذلك وإن بصعوبة رغبة في اكتشاف

المزيد مما يخفيه كل هذا وعاد صوتها لملأ المكان الساكن

والآذان المترقبة وكان الفضول أكثر ما قادها لمتابعة

القراءة وبصوت أكثر اتزاناً هذه المرة وإن لم تغادره بحة

البكاء كما الحزن تسرد الأسماء التسعة المشاركة من البلاد

لعقد إتفاقية السلام وفض النزاع المذكورة أعلاه ، وكانت

المفاجأة الأخرى أنها لا تعرف أي إسم منها !

أي أنه لا إسم والدها من ضمنها ولا عمها صقر !

لا جدها شراع ولا أحد أبنائه !!

وذاك ما جعل الصمت يسود المكان وهي تعود بنظرها لهم

وكأنها تحتاج أن تتأكد من حقيقة هذا ، ولم يكن ذاك حالها

وحدها بل وحال التي كانت وعقبة ينظران لبعضهما

باستغراب وكأنهما يسألان ويجيبان في صمت فأي اتفاق

هذا الذي يكون فيه تحديد مصير البلاد حينها ولا يعلم عنه

أحد بينما الحضور فيه ومن جميع أقطارها لا يشمل

زعمائها بل وسري أيضاً !

والسؤال الأهم والذي كان يجول في ذهن كليهما ما الذي

تحويه بنود تلك الاتفاقية التي يقولون بأنها ما سيجنب

البلاد ويلات الحرب ؟

وكيف تم فرضها على مطر شاهين حينها ؟!


ولم يتأخر عنهما جواب ذاك السؤال والذي كان الصوت

الحزين المتوجس الطريق الوحيد للوصول إليه وقد عاد

وملأ المكان مجدداً

" في هذا اليوم وفي التاريخ أعلاه نجتمع لنقرر أمن

واستقرار بلادنا والمجتمع الدولي كاملاً يقف من خلف هذا

التحالف العظيم والاتفاق الموحد الشامل وكل من يخالف

بنوده وقرارته سيواجه المجتمع الدولي كاملاً والحرب

ضده من جميع الأطراف كسبب للحروب وجالب للدماء

والخراب وعليه اتفقت قبائل البلاد على التالي .. "



توقف صوتها للحظات تحاول تنظيم أنفاسها بل وضربات

قلبها التي ازداد وضعها سوءاً وقلبها يشعر بدنو الحقيقة

التي تعلم بأنها ستكون أقسى من استيعابها وعادت لمسح

عيناها مجدداً لعلها ترى الحروف بشكل أوضح فهي باتت

تفقد صلتها بكل شيء تدريجياً وموقنة من أن جسدها

سينهار قريباً متخلياً عنها ، ورغم كل ذلك شجعت نفسها

على المتابعة وسمعت صوتها وكأنها لا تعرفه وليس لها ما

أن تحركت شفتاها

" تطالب الهازان بحق إنشاء منشآت عسكرية تحميها بحكم
أنها أقل مدن البلاد إعماراً وأضعفها عسكرياً ، وتطالب
بتعويضات حرب لإعادة إعمارها ، ثالثاً والأهم مراكز
قيادية متقاسم عليها بالتساوي مع القطر الذي لن يحكم أحد
منه البلاد كرئيس لها ، رابعاً عدم المساس بعائلة زعيمهم
السابق ولهم حق العيش كغيرهم إن في البلاد أو خارجها ،
خامساً نرفض الثنانيين كجزء من البلاد ولا حقوق لهم ولا
يشملهم أي قانون وممنوعين من دخول غير مدنهم
والعيش فيها "



شعرت بقبضة تعتصر قلبها بقوة وهي تتذكر آستريا

والشخص الوحيد الذي عرفته من الثنانيين فلما كل هذا

الإجحاف في حقهم وتلك المرأة الشريفة الرائعة تكون ابنة

زعيمهم السابق وشقيقة الحالي !

وشعرت بفخرها بمن أنجبها يزداد حينها وهو من سعى

وفور وصوله للبلاد لإيجاد حل لمشاكلهم كشعب بلا وطن

وهم داخله وكيفية دمجهم مع غيرهم من العرب لتكون لهم

هوية وحقوق كمواطنين فيها على الأقل .


سحبت نفساً عميقاً لصدرها قبل أن تتابع بصوت متردد

مرتجف بسبب كلمة صنوان التي لمحتها أمامها

" تطالب صنوان بإيقاف مطر شاهين عند الخط الحدودي
الذي وصل إليه "


توقفت كلماتها عند ذلك وامتلأت عيناها بالدموع وأصابعها

تشتد بقوة على الورقة بينهم ولم تستطع رفع رأسها ولا

نظرها ناحية صاحب الاسم وهي تشعر بحجم الفاجعة الآن

وهي تقرأها فكيف بذاك الوقت ؟ كانت نبرة البكاء في

صوتها واضحة وهي تتابع بمرارة وحرقة وكأنها تقرأ

لنفسها وحيدة ترفض التوقف لتعلم

" وتطالب بنزع السلاح من جيشه وخروجه من المعاهدات
الجديدة ورجاله المقربين "



عند تلك الكلمات توقفت فعلياً تمسك عبرتها بيدها بينما

بدأت دموعها بالتقاطر فوق الكلمات والأسطر تحتها لازالت

تتجنب رؤية ما آل إليه حال غيرها وهم يسمعون هذا

ويعلمون عنه مثلها واختلط صوتها بعبرتها وقرأت ببطء

والكلمات تظهر لها بصعوبة من خلف دموعها


" نطالب بخروجه من البلاد ورجاله وإلغاء عقود التناسب
السابقة كشرط أساسي للسلام وحتى الفترة الانتخابية
القادمة والمُقدر بأربعة أعوام على أن يتولى شراع صنوان
الحكم هذه الفترة لتنفيذ كافة الشروط المتفق عليها وترشيح رئيس جديد للبلاد "


تركت يدها الأوراق حينها بحركة عنيفة ورفعت رأسها

صارخة ببكاء

" لا هذا ليس عدلاً "


وارتفع صدرها مع شهقاتها الباكية وهي تنظر لعينيه

ونظراته القوية الجامدة محدقاً بعينيها وشعرت بقلبها

يتمزق لملايين القطع ، هم قتلوه بهذا دمروا تضحياته

باعوه وحاصروه وجنوده بالدول جميعها فإما الانصياع

وإما أن يفقد رجاله وجيشه ويضيع حلم البلاد الواحد

الموحد ، هذه خيانة وليس له فقط بل ولشعب البلاد

بأكمله بمعاهدة في السر تم الاتفاق عليها مع أعداء الوطن

لخداعهم والالتفاف عليهم فيما بعد وبعد أن يخرج زعيمهم

من المعادلة ، هي المرأة وفي هذا السن استطاعت فهم هذا

ليس لأنها عاشت معه هناك ورأت بنفسها تضافرهم

وربطهم الليل بالنهار من أجل حمايته وهم خارجه

مطرودين منه بل لأنه أمر لا يصدقه عقل فكيف يهبونهم

السلام ووحدة الوطن وهم يطردون من اقترب من

تحقيقيه !

شعب بلاد كامل لا يعلم حتى اليوم واللحظة لما غادر مطر

شاهين وترك حلمه وكيف تحقق من بعده وهو السؤال

الأهم ؟!

فإخراجهم له في أوج انتصاره لم يكن لتحقيق ما أراد لَما

كانوا أخرجوهم بل لتدمير كل ما فعل ورجاله ومحاصرته

ليختار سلامة الوطن وسلامة جيشه والسعي وراء حلمه

وإن كان خارجه باستغلالهم لتلك الزمرة الغبية ذاك الوقت

والذين أُطلق عليهم اسم اللجنة الثلاثية وتشك أن يكونوا

من داخل البلاد بل ممن يعيشون خارجها منعمين لما كانوا

باعوه هكذا ! .


" تابعي يا تيما "


مسحت وجنتيها والدموع التي ترفض التوقف لازالت تنظر

لعينيه تشعر بكلماته تلك وصوته المرتخي وبحته العميقة

تصيب قلبها وهي تحاول فقط تصور الأربعة عشر عاماً

التي نُفي فيها من بلاده مكرهاً ومن حلمه وتضحياته

وبالرغم من كل ذلك تَمسك به ومن أجل كل من وثقوا بمطر

شاهين .. من أجل شعب كان يجهل الحقيقة القاسية وينتظر

تحقق حلمه على يديه فرفض خذلانهم وإن جهلوا أسبابه

الحقيقية وبأنه لم يتخلى عنهم بخروجه من هنا بل وهبهم

كل دقيقة من عمره يضحي دون مقابل ولا تصفيق .


نزلت بنظرها ليدها التي قلبت الورقة الرابعة لأخرى

بهامش مشابه لسابقاتها تماماً وملأت الدموع عينيها وهي

تلمح اسم الحالك هذه المرة وشعرت بارتجاف قلبها فهذا

الاسم يعني قبائله وقطر البلاد الذي كان زعيماً له وقد بات

يمثله ثلاث رجال فقط لا يعلمون عنهم ولا عن نياتهم شيئاً

ولم يشاوروهم في الأمر ، اختنق صوتها وهو يرتفع

بأسى حزين

" تطالب الحالك بإنهاء حكم شراع صنوان بأربعة أعوام
وترشيح من يختاره الشعب ، ثانياً تبطل جميع البنود أعلاه
وقت تسليمه الحكم وفي الموعد المحدد ، ثالثاً تتقاسم
المقاعد البرلمانية والوزارات مع الهازان بينما تُحرم
صنوان حتى ترك شراع صنوان للحكم ، رابعاً ترجع ابنة
شراع صنوان لقبيلتها والأبناء حق للحالك بحكم قانون
القبائل "




أمسكت فمها وعبراتها بيدها تنظر من بين دموعها التي

عادت وانهمرت دون توقف وعجزت عن التحكم بها

لوالدتها التي أمسكت يدها بخشب الطاولة لترنح جسدها

وبشكل واضح بينما كانت تنزل رأسها ونظرها للأرض

وكأنها تحاول الوقوف بثبات بقدر ما تستطيع من قوة ولن

تلومها وإن وقعت مغشياً عليها فهذه كانت الصدمة الأعنف

من سابقاتها فالحالك أرادت الانتقام من شرط صنوان

لاستعادتها منهم بقتلها هي بل بقتلهم ثلاثتهم فلا هو

استطاع أخذها معه ومواجهتهم بحقيقة أنها ابنة عمه ومن

الحالك كي لا يسلمها للغيلوانيين ولا ترك طفلتها لها ، بل

فهمت الآن معنى شرط صنوان بإلغاء عقود التناسب أي

زواجه أو أحد رجاله منهم ولهذا طالبت الحالك بحضانة

الأبناء انتقاما منهم فحرمته صنوان من زوجته مستنكرين

أن تكون ابنة زعيمهم زوجة له خاصة أنه تزوجها دون

الرجوع لهم ، وحرمتها الحالك من ابنتها لتوجه لصنوان

ذات الضربة القاسمة وكان انتقام قبلي وتفكير متعصب

جائر فلم تنسى صنوان أن ابنة زعيمهم سلمها شراع زوجة

له دون قرار ومشاورة كما لم تنسى الحالك ما فعلته

صنوان حين أعادت لهم نسائهم قبلها بأعوام وحرموهن من

أولادهن وجوزاء ابنة شاهين الحالك إحداهن لتدفع عائلتها

الصغيرة ثمن أحقاد وتراكمات الماضي والحاضر حينها ،

لكن السؤال الذي لا تجد له أي إجابة أو تفسير لما رضيَت

الحالك بكل هذا وهم في أوج انتصارهم ؟

ومن هؤلاء الذين باعوه بدم بارد وهم أبناء قبيلته !! .


نظرت من بين دموعها لآخر ورقة متبقية فثمة أمر لازال

يحتاج التوضيح ومؤكد ستجده فيها ، رفعت الورقة بيد

مرتجفة وظهرت لها أسطر الاتفاقية الأخرى والتي كانت

وكما توقعت تلي السابقة بأربعة أعوام وقرأت بصوت

مخنوق مرتجف


" اجتماع اللجنة الثلاثية الثاني وحسب قانون الاتفاق
السياسي السابق وفي اليوم والتاريخ المحددين ونظراً
لتوافق جميع الأطراف خلال السنوات السابقة وتظافر
الجهود وتوحيد مؤسسات الدولة ونجاح الاتفاقية الماضية
وبعد المطالبة والموافقة وبالإجماع تم الإتفاق على التالي "




شعرت بالأحرف ترتجف أمام عينيها حتى عجزت عن

رؤيتها وتعلم بأن ضربات قلبها كانت السبب تخشى مما

يحتويه السطر الذي يليه فهذا الاجتماع يفترض بأنه لإنهاء

فترة حكم شراع صنوان وبالتالي بطلان الاتفاقية السابقة

وعودة مطر شاهين ورجاله ، ولأنه لا خيار آخر أمامها

استسلمت لقدرها واخترقت العبرة صوتها وهي تتابع

بصعوبة تقرأ دون أن تعلم ما الكلمة التي تلي سابقتها

يختنق صوتها أكثر مع كل كلمة


" تمديد فترة حكم شراع صنوان عشرون عاماً بفترة
انتخابية مفتوحة وقد أبدى المجتمع الدولي موافقته
وترحيبه التام "



وكان ذاك ما جعلها تصرخ باكية وهي ترميهم بيدها جانباً

ونزلت العتبات الخشبية المخصصة وركضت نحوه وارتمت

في حضنه ويداها تشتدان حول خصره بقوة تدفن دموعها

وعبراتها ونحيبها الموجع في صدره فتلك كانت الخيانة

الثانية بل الطعنة القاتلة له ولهم فذلك حسب اتفاقهم السابق

معناه منعه ورجاله من العودة للوطن نهائياً أو بموت

شراع صنوان لتنتهي فترة حكمه وبذلك تُلغى بنود تلك

الاتفاقية التي دمروا بها حلمه ورجاله بل حلم شعب بأكمله

كما كانوا يخططون فما كان باستطاعتهم ترك البلاد مشتتة

مقسمة ينهبون خيراتها ومطر شاهين موجود داخلها

ويسعى لتوحيدها واسترجاع الحقوق منهم كما لم يتوقع أي

واحد منهم بأنه سيحاربهم وهو في منفاه وستتوحد البلاد

ورغماً عن أنوفهم جميعاً لذلك كانت المعاهدة سرية كي لا

يعلم الشعب بما حدث ويغضبوا لأجله ويعود ورغم أنوف

الجميع



" سامحني أبي أرجوك "


همست بها بعبرة ببكاء بحسرة وألم ولازالت تدفن وجهها

في صدره ، وبالرغم من أنها لم تلقي باللوم عليه يوماً إلا

أنها اعتذرت منه ولن يكفيها ولا جميع عبارات الاعتذار بل

وتراه لن يجبر كسوره ولا اعتذار كل فرد من هذه البلاد

على حِدى فلم تكن معاهدة سلام تلك بل وثيقة انتقام منه

وليس كرجل حروب فقط بل كإنسان جردوه من كل ما يملك

كما حرموا والدتها منهما تحت حكم قبلي متعصب جائر

أظهر الحقد الدفين بين الحالك وصنوان والذي حركته

أيادي خارجية واستغلته وبكل غباء منهم .


ابتعدت عنه ما أن أمسكت يداه بكتفيها ورفعت رأسها

وعيناها الدامعة الحزينة لعينيه التي رأت فيها نظرة مختلفة

عن كل ذاك الجمود القاسي أخيراً ، كانت نظرة احتواء

وتفهم رغم صمته ، نظرة اختفت سريعاً وبلمح البصر

وعلمت حينها بأنه يخصها بها وحدها وذاك ما ألمها كثيراً

فهمست بحسرة وعبرة سجينة

" لما لم تخبرها بكل هذا أبي .. لماذا ؟! "


انتظرت أن يقول أي شيء وأن يرحم كليهما بأي كلمة

تشفي وجع كل تلك الأعوام لكن كل ما فعله أن رفع يديه

من ذراعيها لوجهها وأحاطته أصابعه وكفاه الباردان

وأغمضت عينيها ببطء ما أن لامست شفتاه جبينها مقبِّلاً

إياه وكأنه يقول وبصمت ها هي ابنة مطر شاهين لم تحتج

تبريراً منه لتفهمه وتعذره بل واعتذرت منه وهي لم تذنب

في حقه .


كان ذاك فقط ما فعله وتحركت خطواته مجتازاً إياها قبل أن

يتوقف على بعد خطوتين منها وتركها خلفه تراقبه عيناها

الدامعة ونظراتها المحبة الحزينة وكأنه يصر على وقوفها

في حياد بينهما بينما ارتفعت نظراته للجالس في الأعلى

ومن لازال سجين صمته للحظة فما سمعه لا يمكن تجاوزه

بسهولة ، حقائق وأمور كان هو وزير العدل يجهلها !

بل ومخابرات دولة بأكملها تخفيها عنهم لتعيش في الظلام

وتموت فيه وفهم الآن لما تم سرقة الأرشيف كاملاً من

مبنى المخابرات ليلة مقتل شراع صنوان وهو ما يحدث

في أي دولة يشك المجتمع الدولي في تزعزعها ويخاف

انكشاف أسرار تخصه حولها والغرض واضح وبيّن منذ

البداية وهو خداع ضعاف العقول قبل النفوس

لتدمير بلادهم ..

رجال كان كل همهم ومطمعهم المناصب السيادية ومقاعد

البرلمان وغطرسة قبلية مقيتة تتشبع فقط بالانتقام

فأعماهم كل ذلك عن الحقيقة الوحيدة وهي أنهم مجرد

جسر لإبقاء البلاد في حالة حرب وفوضى والتخلص من

مطر شاهين ورجاله وقتل حلم البلاد الواحد الموحد ..

الحلم الذي لم ينجحوا في قتله بداخله بالرغم من كل ما

فعلوه به ، باعوه رجال من وطنه وهو اشترى رجاله ودماء

شعبه ولم يلتفت لكل ما فعلوه به بل نظر لكل أولئكَ

الأبرياء الذين لا يعلمون عن كل هذا شيئاً وضحى بكل ما

لديه كي يوصل البلاد لما هي عليه اليوم يحميها بصدر

عاري وهو مطرود منها وبدم بارد وكأنه لم يفعل كل ما فعل

لأجلها وأجلهم وترك الألسن بين متهم له بالتخاذل والهرب

وطاعن في شرفه ونزاهته وبأنه باع حلمه بالمال وهاجر

وتركه وآخر وإن قل متفهم وواثق بزعيمه الذي لم تنجب

البلاد مثيلاً له وعلى مر العصور .


تنهد نفساً عميقاً يبعد نظره عن تلك العينان الجادة الحازمة

كنظرته له .. كطريقة وقوفه كشموخه وكبريائه وكمطر

شاهين بأكمله وكما عرفه كل من رآه يوماً وها قد حان

بالفعل وقت النطق بالحكم على قضية ليست وليدة اللحظة

كما بدا لهم بل عمرها بعمر توحيد الأرض التي يقفون

عليها الآن وثمنها كان كل ما دفع لتكون ما هي عليه اليوم

بل وقبل ذلك بكثير وحين قدّمت عائلة الزعماء نفسها ثمناً

للثأر ولحكم القبائل المتعصب الجائر .


نظر للأوراق بين يديه وكم شعر بالضياع حينها فهو لم

يعرف سنوات عمله كمحامٍ وكقاضي بل وحياته بأكملها

قضية مشابهة وحقائق مماثلة تظهر فيها !

ارتفعت نظراته ودون شعور منه نحو الواقفة مكانها أسفل

طاولته الواسعة الضخمة لازالت على وضعها وليس حالها

لأنه لا أحد يمكنه ومن مجرد النظر لها أن يعلم به فكل ما

رآه امرأة لازالت ترتجي من الخشب البارد الصلب مساندتها

للوقوف تتكئ بظهرها عليه كالسند الوحيد لها في أرض

المعركة بينما لم يستطع رؤية ولا قراءة أي شيء في

العينان أو الملامح التي كانت لا تظهر له لانخفاض رأسها

نحو الأسفل ولم يستطع معرفة ما كان تأثير كل

ذلك عليها ..؟

ماذا قررت وماذا تريد ؟ وتسائل هل سيفيده معرفة ذلك ؟

لا بالتأكيد وهو القاضي العادل منذ عرف هذا المكان

والمنصب لا تعرف العواطف طريقاً لديه لكنه يقف اليوم

بين جبلين شامخين لكل واحد منهما مكانة في كل شيء

وحتى كل شبر في هذه البلاد .


ابتعدت نظراته عنها متنهداً بعجز ونظر هذه المرة للعينان

والمقلتان الزرقاء الدامعة ولصاحبة الملامح الجميلة البريئة

والتي كانت تنظر له بحزن ورجاء يائس تقف بينهما

كشمعة تحترق في صمت وأقسم في قرارة نفسه أنه لو

كان الأمر بيده وليس ثمة قانون وبنود هي الفيصل بينهما

لكان ترك الحكم لها ولتصدر القرارات التي تُلزم كليهما

بتنفيذها لكنه واثق ومتيقن ومن الوقت القصير الذي

عرفها فيه هنا أنه لو اتيحت لها الفرصة لهذا لرفضت

ولتركت الأمر له خشية أن تحكم بما قد يراه أحدهما ظلماً

في حقه .


تنهد بأسى يحرك رأسه متأسفاً وهو يعود بنظره لأوراقه

فعليه إتمام مهمته التي وافق على الخوض فيها حتى

نهايتها وأن يُحَكم مبادئه فقط فلو كان له خيار التخلي عنها

والانحياز لما استطاع أن ينحاز لأي منهما فكلاهما في نظر

نفسه ظلمه الآخر وهنا تكمن المشكلة أما هو فلا يراه إلا

ظُلم موجه ناحيتهما كليهما من طرف ثالث يصعب إصدار

أي حكم ناحيته وهو الوطن وحب الوطن والتضحية من

أجل ترابه الغالي .


أزاحت يده أوراق ملف القضية جانباً وفتح الملف الضخم

والمخصص بقضايا الأحوال الشخصية وإن كان مجرد

إجراء روتيني فهو اطلع عليه جيداً قبل أيام بل ويحفظ

أسطره منذ كان شاباً وامتهن المحاماة ، دفع بسبابته

النظارة الطبية أعلى أنفه المستقيم وخرجت الكلمات من

مكبرات الصوت وكأنها تسبق شفتيه ما أن قال وهو يتعمد

النظر للكلمات الصغيرة المصفوفة تحت أصابعه


" بعد الاطلاع على كل ما تم تقديمه للمحكمة من أدلة
وإدانات ونظراً لعدم وجود شهود ولا محامين مفوضين
لمناقشة البنود ونظراً لطلب كلا الطرفين بعدم التمديد للطعن
في الأوراق المقدمة أو الاعتراض عليها فسيتم وبتاريخ
اليوم الحكم في الدعوى المقدمة من قبل السيدة غسق دجى
الحالك ضد الزوج مطر شاهين الحالك لطلب الطلاق للضرر
وبذلك تحكم محكمة حوران الكبرى وبعد النظر في الأدلة
و لدعوى الطلاق ... "



ولاذ بالصمت للحظة وكأنه يستجمع كلماته قبل قواه

وقبل أن يقول

" بالرفض "

نطق بها ولا يعلم كيف خرجت منه وهو يحبس أنفاسه

لكنها الحكم العادل في نظره والكلمة الفاصلة والتي كان

وقعها الصمت المميت في المكان الواسع والموجودين

القلائل فيه .. كلمة لم يرى تأثيرها إلا على عينان واحدة

شعت نوراً لسماعها وملامح طغت السعادة على كل الحزن

والبؤس المرتسم فيها وهي ابنتهما وثمرة الأشهر القليلة

التي جمعتهما كزوجين بل وكل تلك السنوات التي كانت

ثمناً لذلك الزواج وكأن هذا ما كانت تنتظره ومن وقت

دخولها المكان ومهما كانت الأدلة والإدانات بينما كان حال

والدتها كما هو عليه لم يتغير لم يرتفع رأسها ولم ترحم

أصابعها وكفيها وهي تشدهما بجانب جسدها بقوة فلم تشعر

بأي شيء وهي تسمعها منه وذاك ما لم تتوقعه !

لم تشعر بالغضب ولا بالظلم ولا بمعاناة كل الأعوام

الماضية لأن الأمر قد تعداه بالكثير بالنسبة لها وما كان

قرار ذاك القاضي سيغير مشاعرها تلك اللحظة وإن نطق

بخلاف ذلك ووافق على طلب الطلاق فكانت ستشعر

بالمشاعر ذاتها في كلا الحالتين وهذا ما هي موقنة منه فلم

تنتظر شيئاً أبداً ومنذ بدأ يسرد الحكم فقد تساوت الأمور

لديها وقد قتل بما فعل أي مشاعر كانت ستنتابها إن

الغضب أو السرور .


ملأت الدموع عيناها المحدقة في الفراغ وهي تتذكر كلمات

والدها شراع قبل موته وحين طلب منها مسامحته بينما

كانت هي تترجاه باكية أن لا يتركها وحيدة وبأنها من عليه

الاعتذار فلم يفعل شيئاً في حياتها كاملة تسامحه عليه

فكانت آخر كلماته وبصوته المتعب حينها وعيناه تلمع

بدموع لم تنساها حتى اليوم واللحظة

( سيكون ثمة يوم عليك مسامحتي فيه يا غسق يا ابنتي ..
أعذري والدك فكل ذلك كان من أجل الوطن )


أغمضت عيناها بقوة وألم وتدحرجت الدمعة اليتيمة الحارة

منهما .. كان يعلم .. والدها شراع كان يعلم عن كل هذا !!

فهمت الآن معنى كلماته تلك فهو علم عن تلك الإتفاقية

واختار الصمت مع من اختاروا قتلها وقتل أحلامها في السر

وكل ذلك من أجل ( الوطن ) كلمة لو علموا جميعهم معناها

ما كانت فيما هي فيه اليوم .


وعادت بها عاصفة الذكريات لكل ما مرت به ومنذ كانت

طفلة تسمع وتعي وتتذكر وحتى اللحظة وكل ما قيل وحدث

في هذا المكان وتقطعت أنفاسها مع امتلاء عينيها الواسعة

بالدموع بسبب الألم الذي كانت تشعر به في كل مكان من

جسدها عدا قلبها الذي تحول لكتلة من الصوان فجأة تشعر

بأنها فقدته مع كل ما فقد هو في داخله وهمست شفتاها

بخفوت باكي

" ظلمتم غسق جميعكم "


وارتفعت يدها المقبوضة لحضنها وتمنت لحظتها أن

أطاعتها قدماها وغادرت المكان فالأمر انتهى ولا نفع من

بقائها فيه لكنهما خانتاها أيضاً ولا تعلم أي قوة أو فاجعة

جديدة بالأحرى ستكون قادرة على تحريكهما ؟


ولم يكم الأمر يحتاج لأن تفكر في ذلك فالقضية لم تنتهي

عند تلك الكلمة كما يبدو وكما كانت تظن وهي تسمع

خطوات الذي اقترب من مكانها تحديداً .. خطوات كان

وقعها قوياً في كل ذاك الصمت المميت تشعر بها وكأنها

تراها قبل أن يتداخل معها صوت الجالس في الأعلى وما أن

قال بصوته الجهوري المتزن

" المسألة الوحيدة التي سيكون لصاحبة الدعوى الرأي

فيها وتقديم طلب لمناقشتها هي عقد الزواج خارج علم

الزوجة لطلب الاستئناف أما ما سقط عنها هو طلب الخلع

لأنه لا يُقدم مع رفض دعوات الطلاق كما للزوج حق المتعة

وطلب الزوجة لبيت الطاعة "


وانقطعت كلماته فجأة مع توقف الخطوات قربها وشعرت

وكأن الأعوام المتبقية من عمرها توقفت أيضاً وها هو ما

لها لا يساوي البتة ما عليها مجدداً ليكون القانون العادل

بمثابة عصا الرحمة تؤذيك تحت مسمى مصلحتك لكن ما

يصلك منها الألم فقط ، وكان ثمة ثمن عليها دفعه في حال

سقوط الدعوة وذاك ما لم تطلع عليه أو تفكر فيه أساساً

ورفضت مناقشته ليقينها من قوة دعواها وترجيح النيل بها

وذاك كان غباء منها أدركته الآن فقط .


وظنت أن عقابها القاسي من القضاء الذي اختارته بنفسها

قد انتهى عند ذلك لكنها كانت مخطئة تماماً فالصمت التالي

كما اقتراب الذي أصبح يقف على بعد خطوتين فقط خلف

كتفها لم ينبئها بذلك وذاك ما جعل ضربات قلبها تتعالى

ورأسها يرتفع أخيراً وحدقت عيناها في عيني قاضي

جلستها تحديداً والذي كما توقعت كان ينظر لها وقرأت في

نظرته تلك أمراً لم تستطع فهمه ولا ترجمته وكأنه يختبر

قوة صمودها سلفاً ! وما توقعته حدث فعلاً وقد تحررت

كلماته ما أن ارتخى نظره وقال بصوت متشنج

" وفي حال تم رفض دعوى الطلاق المقدمة من الزوجة

تصبح حضانة الأبناء المطلقة للزوج في حال الطلاق

مستقبلاً ولأي سببٍ كان "


وكانت تلك الصفعة الأعنف التي وجهت إليها مما جعلها

تشهق في صمت شهقة كتمتها بآخر ما تبقى لديها من قوة

وارتفعت يدها لوجهها وغطت بظهرها شفتيها المرتجفة

بسبب الدموع التي انسابت تباعاً من العينان السوداء

الواسعة والمحدقة حتى اللحظة وبوجل بالذي شعر بسكين

حاد يخرج من قلبه ما أن قالت ببحة بكاء وفي أول خروج

لها من صمتها وبصوت مرتجف

" لا ليس طفلاي أرجوك "


فارتخى نظره وتمنى أن رفض القضية وللمرة الأولى منذ

لجأت إليه بل ولأول مرة في تاريخه الطويل بسبب حديثه

التالي والذي لا حيلة ولا قرار له فيه وقد قال بقلة حيلة

" إنه القانون المدرج تحت البند السبعون بعد المئة

والمقرر عبر دستور البلاد بالتصويت عليه ويستحيل رفضه

أو المطالبة بالتمديد من أجل الاستئناف بسببه "


كان ذاك فقط ما قاله ولازال يتجنب النظر لها بل ولثلاثتهم

فبالرغم من أنها قادت مملكة كاملة تحارب لأجل قضايا

المرأة كانت تغفل عن هذا لأنه ثمة محاميات كثر تستلمن

قضايا النساء ولأن هذا البند ليس من ضمن البنود التي تم

الطعن فيها من قِبل مملكتها قبل عامين تقريباً لأنه يُعد أحد

حقوق الزوج حال سقطت عنه دعوى طلاق سببها الزوجة


انحنى رأسها نحو الأرض مجدداً وملأت الدموع عينيها

ودون توقف وكأن صمودها الهش إنهار في دفعة واحدة

وحجبت عنها رؤية كل شيء وحتى من تجاوزتها خطواته

وقد مد يده ناحية الجالس في الأعلى وفي صمت تام والذي

ناوله أوراق القضية منصاعاً ودون اعتراض ولا يحق له

هذا وقد انتهى كل شيء فحتى طلب الاستئناف من أجل

البند الذي بات مسموحاً لها فيه وهو عقد الزواج خارج

علمها سيسقط الآن لأن ذلك معناه أن تتنازل عن طفليها له

حال قبلت المحكمة دعوى الطلاق ولا يظنها تفعل هذا

وليس ثمة أُم قادرة على فعلها إلا فيما ندر كما عرف

سنوات عمله في المحاماة والقضاء ، وكان أعلم الناس

بحالها وإن كانت قد أخفت ملاحها ودموعها مجدداً عنه

وعن الجميع حتى أنها لم تعد ترى ولا تعي شيئاً مما

حولها بسببها حتى تناثرت أوراق دعواها الممزقة تحت

قدميها ووصلها حينها الصوت والكلمات الجادة الجامدة


" لن يحتاج الأمر لكل هذا مستقبلاً لطلب الطلاق يا ابنة
دجى الحالك "


أغمضت عينيها الباكية وسحبت أنفاسها لصدرها بصعوبة

وهي تسمع خطواته تبتعد عنها مجدداً وبعد أن أخذ كل

شيء معه وتركها صفر اليدين خاوية القلب لا تعلم ما

يبقيها واقفة على قدميها حتى اللحظة !

تشعر بألم لا يمكن وصفه وفي كل خلية من جسدها وتشعر

بصرخة قوية مسجونة في قلبها قبل صدرها تتمنى أن

تتحرر وتخرج وتحرق كل شيء ، بل أن تتحرر قدماها

وتدمر بيديها كل ما هو موجود في تلك القاعة علّها تطفئ

القليل من النيران المشتعلة في داخلها .


تمنت أن صرخت وصرخت وحررتها قبل أن تقتلها

وأضلعها تتآكل بسببها بل وقبل أن يغادر متمماً انتصاره

عليها فهو لم يشعرها بالذنب ناحيته بل بالانكسار والهزيمة

وتعلم بأنه تعمد هذا لأنه لم يعد يريد اعتذارها ولا وجودها

في عالمه ولهذا لم يوقف قضية الطلاق ولم يسمح لأي فرد

من عائلتها بالوصول لها ومنْعها عمّا أرادت وترك القضاء

يفصل بينهما ليصل لهذه النقطة تحديداً ويسلبها كامل

حقوقها والأهم طفلاها .


استدارت بحركة بطيئة وعيناها الدامعة تراقب المتبقي مما

توقعته جيداً وهو وصوله لابنتهما وإمساكه ليدها وأخذها

معه نحو الباب الرئيسي وقد خطت خطواتها الأولى معه

مكرهة نظراتهما وعيناها الباكية تنظر لها للخلف وأوصل

تتمة رسالته

( إن أردتِ طفليك وعائلتك كأم لهما عليك أن تكوني حيث
يكونان وحيث اختار القضاء الذي جعلته الفيصل بيننا وإن
أردتِ الطلاق فهو لك لكن من دونهما )


لقد عرفت الكثير من النساء اللواتي اجبرتهن الحياة على

ترك أطفالهن حين كانت تترأس مملكة الغسق وألقت

خطابات كثيرة تشجعهن على تجاوز أزماتهن لكنها لم تعرف

يوماً صعوبة الخطوة المماثلة فهي حُرمت من ابنتها

مجبرة سابقاً ولم تعرف معنى أن تترك فلذة كبدها بقرار

منها وباختيارها فهو أقسى من التحدث عنه بكثير وعيشه

أشد صعوبة من تخيله .. واتخاذه أكثر مرارة من التشجيع

عليه فحتى الطفل الذي ينموا في أحشائها الآن سيكون

عليها تسليمه له وفور ولادته في حال قررت الانفصال عنه

وبالرغم من سقوط دعواها وتبرئته لنفسه وها هي تعيش

الإذلال الذي اختارته لنفسها بنفسها تظن بأنها ستداوي

جراح كرامتها لتكتشف بأنها رمتها تحت قدميه مجدداً .


نظرت بحزن وأسى لعيني صغيرتها .. طفلتها التي علّمها

فقدها معنى العيش وحيدة في عالم مليء بالأشخاص من

حولها تشعر فيه بالوحشة وبالوحدة لأنها فقدت جزء من

قلبها ومن روحها وتعلمت معنى تجرع المرارة التي لم

تفارقها ومهما طالت بها الأعوام فلم يفارقها صوت بكائها

وقت ولادتها لا في نومها ولا صحوتها حتى رأتها

وحضنتها وبكت فرحة رؤياها فكيف تَحرم نفسها منها

مجدداً بل وتعيش مأساتها السابقة مع طفل آخر قطعة من

كبدها ومن روحها ؟


كانت كل واحدة منهما تبحث عن الأمل في عيني الأخرى

عن الأحلام الضائعة والفراق الأخير إحداهما لازالت تنتظر

كلمة من التي تراها تستطيع أن تنهي بها كل هذا العذاب

الذي تسبب الجميع لهم فيه ودون رحمة وأخرى تودعها

في صمت ولا تعلم أهو الوداع الأخير أم حرب جديدة

ستعيشها بين كبريائها وقلبها الكسير ؟ .


نظرة طويلة رغم قصرها وعظيمة المعاني بالرغم من

الصمت فيها لم يستطع قطعها بل وإيقاف أي شيء في ذاك

المكان وحتى خطواتها المبتعدة عنها بل والزمن بأكمله

تنتظر بقلب مذبوح أن يُغلق باب القاعة بعد رحيلهما وتبقى

في منفاها وحيدة لا شيء لديها سوى الخسارة والألم .


كانت تنتظر تلك الحقيقة التي لا مهرب لها من عيشها كاملة

وتجرع تبعاتها لكن ما حدث حينها كان خارج توقعاتها بل

وتوقعاتهم جميعاً والباب يُفتح بالفعل لكن ليس بيد أحدهما

ولا لوصولهما إليه فقد توقفت خطواتهما أيضاً فجأة وقبل

بلوغه بسبب يد أخرى دفعته وعلى اتساعه قبل أن يبدأ

دخول من لم يستطع الحرس في الخارج منعهم لكثرة

عددهم وبسبب الأوامر الصارمة الموجهة لهم سلفاً بعدم

استخدام العنف والسلاح ضد أي أعزل فبدأت الأجساد

الرجولية باجتياز الباب الواحد تلو الآخر يترأسها من رفع

يده ومجموعة من الأوراق فيها قائلاً بصوت رجولي خشن

مرتفع

" لم تنتهي هذه الجلسة بعد أيها القاضي "

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 09:58 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية