لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-07-21, 11:20 PM   المشاركة رقم: 1581
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

ما أن وصل للردهة المشتركة بين أروقة الطابق الثلاثة توقفت

خطواته ينظر للتي كانت تجلس على الأريكة المقوسة حيث

الضوء الخافت تحيطها هالة نور صفراء مصدرها المصباح

المعلق في الأعلى وكأنها لوحة فنان تنبض بالحياة لوقوفها ما أن

رأته .. وانحرف نظره فوراً ناحية الممر الغربي وباب جناحها

المغلق ونسي تماماً بأنها لن تستطيع الدخول له وهو مقفل بالرمز

السري ويبدو كانت تتوقع قدومه لكانت نزلت بحثاً عنه أو عن

والدة رواح والتي تعلم طريقة فتحه أيضاً ؟ .


سار في ذاك الاتجاه قائلاً

" أعتذر لقد نسيت بأنه لا يمكنك فتحه "


بينما سارت هي خلفه دون أن تعلق بأي كلمة وما أن وصل الباب

فتحه سريعاً ودخلت قبله وفور تحركه الآلي فتحرك خلفها منادياً

" زيزفون "

كانت أمام باب غرفتها حين استدارت بجسدها له بينما رمى هو

الملف من يده على الطاولة الزجاجية قربه واقترب منها يدس يده

في جيب سترته وأخرج علبة دواء أسطوانية الشكل ومدها لها

قائلاً

" هذا سيساعدك لتنامي بشكل أفضل "

كانت عيناه تراقب نظراتها وهي تحدق بالعلبة في يده وتوقع أن

ترفض هذا بل وأن يكون لها تعليق قاسٍ على الأمر فهي لم تقبل

مساعدته يوماً ولا نصائحه لكنها خانت توقعاته وهي تأخذها من

يده فابتسم ينظر للحرير البني المائل للشقار والذي التف كموجة

خلفها ما أن استدارت بحركة واحدة للباب وفتحته ودخلت مغلقة

إياه خلفها فتحرك من مكانه ووضع حاسوبه على الطاولة أيضاً

وتوجه نحو الباب .. بل الصندوق المثبت بجانبه وقام بتغيير كلمة

السر فيه أولاً فإن كان الطعام السبب فهي لا تأكل إلا بالإكراه في

جميع الأحوال ومتأكد من أنها لن تؤذي نفسها وتفكر في

الانتحار .. ليس وشقيقها على قيد الحياة على الأقل لكنه لن

يطمئن على سلامتها في مكان دون حماية والقاتل لازال حراً

طليقاً ولم يصل لهويته بعد .


ما أن انتهى مما كان يفعل ترك باب الجناح مفتوحاً وعاد نحو

الداخل فهو لن يغادر من هنا حتى وقت ذهابه للنيابة العامة

صباحاً فجلس أمام الطاولة وفتح حاسوبه وأدار الملف الذي

احضره معه حتى أصبح مقابلاً له وفتحه وبدأ من أول ورقة فيه

وسرق كامل تركيزه ونظره ينتقل منه لحاسوبه كل حين فهو

يريده ملفاً لا ثغر قانونية فيه يستغلها أي أحد ، وتنهد مغمضاً

عينيه عند تلك الفكرة وتسائل هل ستوكل عائلته محامٍ ليقف ضده

في المحكمة ؟ أم سيكون في موضع اختيار بينهما يوماً ؟

إن أجبروه على فعلها فلن يتّبع إلا مبادئه ويقدم ما لديه للقضاء

ولن يتركهم يسلموها لهم ومهما كان ذاك الحكم وإن فر بها

وخالف القانون الذي يطبقه .

كانت الدقائق تمضي الواحدة تلحق الأخرى وهو على حاله ذاك

يتفحص جميع الأدلة المجموعة ويكتب التقارير المبدئية عنها

حتى شعر بالنعاس بدأ يُثقل جفنيه ويشتت تركيزه فأغلقهما

كلاهما ودفعهما جانباً واستلقى فوق الأريكة بينما نظره يراقب

زخارف السقف بشرود إحدى ساعديه يرتاح فوق جبينه ويده

الأخرى فوق صدره وتنهد بعمق مغمضاً عينيه لا يصدق أن ذاك

الكابوس المرعب الذي عاشه لساعات وكأنها أعوام طويلة

تلاشى وانتهى وهي بخير فعلاً ولم تتلقى العدوى منه .

وعادت التساؤلات تتقافز أمام ذهنه فصورة التقرير الذي أرسله

له آنسون كان موضحاً فيه التقدير الزمني لوجود المرض في

جسد شقيقه فهل كان نجيب يعلم وتجنب معاشرتها كزوجة أم كان

عاجز عن فعل ذلك أساساً ؟ أم أنها من منعته لذلك ضربها تلك

المرة ضرباً مميتاً !


عاد وأغلق باب تلك الأفكار فما يهمه في الأمر أنها بخير وهذا ما

كان يستبعد حدوثه لساعات .


أبعد ساعده عن جبينه وشد بأصابعه على عينيه المغمضتان

وتذكر شقيقه ذاك فجأة وكيف كان الهزال والتعب واضحاً على

جسده وملامحه مؤخراً حتى أنه في آخر مرة تشاجرا فيها لم يكن

الند القوي له كالسابق لكنه لم يلحظ ذلك ولم يكن ليتخيل أن ذاك

سبب تعبه وشحوب وجهه مرجحاً أن تكون السموم التي يتعاطاها

هي السبب ! وكم تمنى لو كانت علاقتهما مختلفة عن كل ذلك وإن

الفترة القصيرة قبل موته فهو ومنذ صغرهما يكرهه وبدون أي

سبب منطقي ! وكره رواح أيضاً لأنه كان مقرباً منه فهل اللوم

يكون على جدهم بالفعل أم والدته تلك ؟

قفز جالساً حين سمع صوت شيء ما تحرك من مكانه ونظر

باستغراب للجهة التي وصله منها الصوت فلا أحد ولا شيء هنا

غيره ! وقف وتحرك نحو تلك الجهة ونظر للأرض يتفحصها

بعينيه ولم يكن ثمة ولا فأر قد يكون سبب ذلك بالرغم من تأكده

من خلو القصر كاملاً من تلك المخلوقات وغيرها وبأن الحركة

التي سمعها لم تكن لشيء مماثل لما تفعله الفئران ولا باب هنا

ويبدو أنه كان يتخيل ليس إلا !


عاد للجلوس على الأريكة بينما نظره لم يفاق ذاك الجانب وكأنه

ينتظر أن يتكرر الصوت ليتأكد من حقيقة وجوده من عدمها .

وانتقل نظره للجانب الآخر ما أن تحرك مقبض باب غرفتها قبل

أن يُفتح ويندفع نحو الداخل ببطء وارتفعت نظراته من السيقان

البيضاء الناعمة للفستان القطني بلون القرفة والذراعان العاريان

يكاد يخفيهما شعرها الناعم المسترسل عليهما بنعومة فالوجه

والعينان النصف مفتوحة أو الذابلة بمعنى أصح ووقف دون

تفكير ولا قرار منه وتحركت خطواته نحوها واقترب منها

قائلاً بهدوء

" هل هي الكوابيس مجدداً ؟ "

كان جوابها إيماءة خفيفة من رأسها تؤكد شكوكه بينما جفناها

المسدلان ورموشها الطويلة كانت تخفي أي تعبير قد يراه في

عينيها واشتدت أصابع يمناه بقوة وهو يمنعها عمّا كانت ستتغلب

عليه فيه وهي تنوي فعلها وملامسة تلك البشرة النقية والوجنة

المشوهة بحمرة طبيعية سببها نومها الذي لم يدم طويلاً كما يبدو

وقال ولم يزح نظره عنها

" هل تناولتِ الدواء ؟ "

وتنهد بضيق يبعد نظره عنها ما أن حركت رأسها نافيه وفي

حركة وحيدة صدرت عنها ولم يستطع منع نفسه من أن يقول

وما أن عاد بنظره لها

" هل هو الرجل ذاته الذي كان يزور نومك سابقاً ؟ "

وتعجب من أنها لم تجب ولا بحركة من رأسها كسابقاتها وعلم

فوراً بأن جوابها النفي وهو ما شك به فسيكون شخص آخر

تماماً ! تركها وعاد ناحية الطاولة فتح الملف وأخرج منه

الصورة المطبوعة التي قاموا بسحبها من الفيلم الموجود في

القرص وعاد بها نحوها ووضعها أمام عيناها وقال بجدية

" هل سبق ورأيتِ هذا الخاتم يا زيزفون ؟ "

وراقبت عيناه حدقتاها اللتان جمدتا عليه تحديداً قبل أن تشيح

بوجهها هامسة ببحة رقيقة

" لم أره "

فتند بضيق يبعد الورقة بحركة عنيفة وقال

" متأكد من أنك تعرفين صاحب هذا الخاتم يا زيزفون "

رفعت نظرها له مجدداً وقالت بحدة

" قلت بأنني لا أعرفه .. ثم لما تسأل إن كنت واثقاً
من ظنونك ؟ "


عاد ورفع الورقة أمام وجهها وقال بضيق أشد

" زيزفون عليك مساعدتي لنقدم المذنب الحقيقي للعدالة "


ضربتها بيدها بحركة غاضبة وإن لم تتمكن من رميها بعيداً عنها

وصاحت بغضب

" أخبرتك أن تتوقف عن هذا يا وقاص فلن أقول غير ما قلت

سابقاً وأنا من قتله "


نفض يده والورقة فيها ولازال يرفعها أمامها وصرخ أيضاً

" توقفي عن التستر عن أفعال الغير فلن يكون شقيقك هذه
المرة بالتأكيد "

أدارت ظهرها له تنوي الدخول للغرفة ودون أن تعلق ولا تهتم لما

قال فأمسك بيدها قبل أن تجتاز الباب وأدارها نحوه بحركة قوية

فسحبت يدها منه بالقوة صارخة

" إبتعد عنا يا وقاص أنا لازلت أحذرك فلن أسمح لك بتقديم شقيقي لحبل المشنقة "

كانت لحظات صمت تلت كلماتها الصارخة تلك قبل أن يتحدث

الواقف أمامها بتساؤل ناظراً لعينيها

" وما علاقة الأمر بشقيقك ؟ "

فعلمت فوراً ومن نظرته تلك بأنه يحاول تفسير الأمر فقالت

بضيق تقطع حبل أفكاره

" وأنكر أنك لن تفتح الدفاتر جميعها "

" نحن في مقتل نجيب الآن "


كانت كلماته سريعة بمقدار جمودها وكأنه ضابط تحقيقات يمارس

وظيقته معها فقالت بالسرعة وبالجمود ذاته

" أنا من قتله "

قال مباشرة وبإصرار

" ليس صحيحاً "

انفعلت مجدداً تهدده بعينيها قبل كلماتها

" لن تُقنع القضاء والفاعل يعترف .. أنت تعلم ذلك جيداً "

قال بضيق يشير بيده جانباً والورقة فيها

" وما نفع تضحياتك إن تلقيتِ حكم الإعدام عنه ثم مات ؟ "

" لن يموت "

قالتها مباشرة وبنبرة قوية تحدق في عينيه التي تبدلت نظرات

الحنق فيها للاستغراب فجأة وتابعت مباشرة وبجدية

" هو لازال يتشبث بالحياة وبقوة لأنه يريد إيصال شيء ما لنا
ولن يموت "


همس ما أن وجد القدرة على فعل ذلك

" هو من أخبرك بهذا ؟! "

" أجل "


كان همساً مماثلاً منها ولازالت تحدق في عينيه ونظراته التائهة

تتنقل بين عيناها بضياع وسأل مجدداً

" وما يكون ذلك ! "

أبعدت نظرها عنه حينها بل وأشاحت بوجهها جانباً متمتمه

" لا أعلم "

تنقلت نظراته في جانب وجهها يحاول استيعاب كل ذلك وتذكر

معرفتها السابقة بالحادثة التي تعرض لها ومن خلف كل هذه

الأميال وامتدت يده لذقنها وأدار وجهها ناحيته وقال ينظر لعينيها

ويده تبتعد عنها

" لكنك استطعت معرفة كل هذا "


وظهر كل ما كانت تخفيه عنه في تلك الأحداق سمائية اللون

وهو بريق الألم وهمست بصعوبة

" لم أستطع .. حاولت ولم أستطع فعلها "

وحركت رأسها بأسى وتابعت بحرقة لا يعرفها أبداً في صوتها ولا

تلك العينان القوية دائماً

" كنت أسمع فقط رجاءه يطلب أن أساعده لكني لم أستطع معرفة
ما يكون ذلك "

وسحبت نفساً عميقاً لصدرها وكأنها تنعشه كي لا يفارق الحياة

ولمعت عيناها بدموع خفية وهمست بحسرة

" عجزت عن مساعدته ليفتح عينيه أو يوصل لي ما يريد "


كان يشعر بكلماتها جميعها طعنات توجه لقلبة الواحدة أقسى من

سابقتها ولا شيء يملكه ويقدمه سوى النظر والتحسر حتى كانت

الطعنة الأشد ألماً منهم جميعاً وهي تشيح بوجهها بعيداً عنه

متمتمه بكآبة

" لهذا عليا حماية مستقبله هو لا أنا "

استمرت تبعد وجهها كما نظرها عنه ولم ترى الدمعة اليتيمة التي

احتضنها كبريائه الرجولي يسجنها بين رموشه دون حراك بينما

خرجت الكلمات الحزينة من بين أنفاسها المتلاحقة وعيناها

السابحة بالدموع تنظر للأرض

" لأني أريده أن يعيش مستقبلاً مختلفاً عن ماضيه وحاضره ..
أريده أن يكون رجلاً يفتخر بنفسه وإن لم أكن موجودة
لأفتخر به "

فأغمض عينيه ببطء يشعر باحتراق جفنيه وبألم أقسى من ذلك

بكثير يعتصر الموجود وسط أضلعه قبل أن يكشف الجفنان

المحمران عن الأحداق المليئة بالألم وهمس بعزيمة وإصرار ينظر

للعينان التي لازالت تهرب بها بعيداً عنه

" سيكون كذلك يا زيزفون وستكونان معاً .. أعدك "

وزادت من ذبحها له ودون رحمة وهي تحرك رأسها نفياً دون أن

ترفعه ولا أن تنظر له وقد عادت الدموع للمعان في عينيها وأولته

ظهرها ودخلت الغرفة مغلقة بابها خلفها وتركته للحسرة والألم ..

لعجزه عن اللحاق بها واحتواء حزنها ووحدتها فرفع قبضته

ولكم بها الجدار بقوة يشد على فكيه وأسنانه وعاد وضربها

مجدداً متجاهلاً المه هامساً بقهر

" سحقاً لحظك يا وقاص .. سحقا ..ً سحقاً "


*
*
*

وضعت قطع اللحم في الطبق الخزفي البيضاوي الجميل وسكبت

بعض الحساء فوقها واكتملت قائمة طعام الغذاء بهذا وامتلأت

طاولة الطعام التي توسطت المطبخ الجميل المجهز بكل ما قد

تحتاجه امرأة في منزلها فبعد ساعتين من الجلوس في غرفته

حتى نخر الملل عظامها قررت الدخول هنا وإعداد غداء لن

تتناوله إلا وحدها بالتأكيد بالرغم من أنه لا رغبة لها في هذا فذاك

الزوج لن يكون هنا قبل المساء ولم تدفعها سوى الوحدة لفعل

كل هذا خصوصاً مع الأشياء التي تدفع المرأة للطبخ دون شعور

منها تملأ الثلاجة الواسعة فوجدت نفسها متحمسة وتطبخ وكأنها

في منزل والدها هناك فحتى الكمية التي أعدتها تكفي ثلاث

أشخاص كما كانوا تماماً واعتادت لسنوات .

توجهت لستائر النافذة الزهرية الجميلة وفتحتها على اتساعها

وغمر المكان نور طبيعي قوي لمع معه شعرها البني المجموع

في ظفيره على كتفها الأيمن تزين غرتها المقصوصة ذات الجانب

من وجهها بينما ترفع الخصلات القليلة في الجانب الآخر خلف

أذنها اليسرى يزينها قرط من العقيق الطبيعي المجموع باللون

الأزرق يشبه لون فستانها المنزلي الطويل قصير الأكمام .

نظرت خلفها وحيث هاتفها الذي ارتفع صوت رنينه وتوجهت

نحوه وابتسمت بحزن ما أن رأت اسم والدتها يزين شاشته

المضاءة وكأنها علمت بأنهم ما ينقصها الآن ليجلسوا كعادتهم

يتناولون الطعام تستمع لحديثهما الروتيني الذي لا يكتشف المرء

أهميته حتى يفقده في تفاصيل يومه .

رفعته وجلست أمام الأطباق التي كانت تخرج منها الأبخرة

ورائحتها الشهية ملأت المكان ووضعته على أذنها قائلة

بابتسامة صغيرة

" مرحباً أمي "

وصلها صوتها الحنون الباسم فوراً

" مرحباً جليلة كيف حالك بنيتي "

شدت شفتيها بين أسنانها ولمعت عيناها بحزن فيبدو أنها لم تعلم

بأمر قائد بعد وتراه من الجيد أنه لم يخبرهم أحد حتى تنتهي هذه

الأزمة ، قالت تستجمع قوتها مجدداً

" بخير أمي كيف حالك ووالدي ؟ "

وصلها صوتها الباسم سريعاً

" بخير جميعنا وها هي سعاد بجانبي وتسلم عليك "

مدت شفتيها بعبوس قبل أن تتمتم بنبرة باردة

" ألا يمكنها الاتصال وحدها ؟ "

قالت والدتها مبتسمة

" أنا من نبهت عليهن لأنك عروس جديدة وليس ثمة داعٍ من
إزعاجهن لك فلسن واحدة أو اثنتين "


تبدلت ملامحها للضيق قائلة

" وإن كنت عروساً هل ستأكل الخمس دقائق من
يومي الطويل ؟ "

وعمّ الصمت من الجانب الآخر للحظات قبل أن يصلها صوت

والدتها المعاتب

" جليلة ما بك باتت أعصابك مشتعلة دائماً ! فليس من العادة
أن يتصلن بك بل بي غالباً ولم تكن واحدة منهن تسكن العمران
أو تزورنا بشكل دائم !! "

أخفضت رأسها وفركت جبينها بيدها الحرة فهي بالفعل بات

توترها بسبب كل ما حدث يسيطر على انفعالاتها ، وكم سيتحمل

القلب البشري الموجود بداخلها فلا شيء منذ باتت هنا لا

يزعجها أو يقلقها ، همست تبعد غرتها عن وجهها

" أجل أمي أعتذر وبلغيهم سلامي "

سمعت صوت ضحكتها مع اختلاط بعض الأصوات قربها قبل

أن تقول مبتسمة

" هذه ناريمان تريد محادثتك "

وما هي إلا لحظات ووصلها صوت ابنة شقيقتها ذات التسعة

عشر عاماً بنبرة صوتها الرقيقة وبروحها الجميلة مثلها

" مرحباً خالتي جليلة "

ابتسمت بحب فهي المقربة لها من بنات شقيقاتها وقالت تمازحها

رغم الحزن في عينيها

" مرحباً بالقاطعة "

وصلها صوتها المتأسي سريعاً

" كان رغماً عني بسبب تحذيرات جدتي .. ولا تنسي بأنك أيضاً
نسيتني فجأة بسبب وجود أناس آخرين "

وضحكت بمكر وهي تقول كلماتها الأخيرة فتمتمت ببرود

تحرك رأسها

" أجل فكرة جيدة للهرب "

وكان رد فعل محدثتها ضحكة صغيرة قبل أن تقول

بسعادة وحماس

" في قلبي دائماً أقسم لك وما أن أتزوج سأكون معك قلباً وقالباً "

واختلطت آخر كلماتها بضحكة رقيقة جميلة بينما كان رد فعلها

هي التواء طرف شفتيها جانباً مما أبرز غمازتها في تلك الوجنة

قبل أن تقول ببرود

" ينتابني شك مريع حيال ذلك "

قالت تلك بحزن

" لما هذا التشاؤم ؟! "

لوحت بيدها قائلة بضيق

" لأنك منذ عامين تنتظرين الشهر القادم الذي لم يأتي حتى الآن
وحتى يضيع المزيد من سنوات عمرك "


وسحبت نفساً عميقاً لصدرها وسيطرت عليها فكرة أن ترى أي

امرأة أمامها تمر بذات تجربتها فكيف أن تكون من عائلتها ؟

فهي كانت في ذات عمرها حين اتبعت قلبها وقرارته التي جعلتها

تخسر ما هو أكثر من العمر بكثير ، وزاد كل ذلك صوتها الذي

وصلها بعد تنهيدة عميقة

" وما سأفعل مع قلبي وحظي ؟ "

فحركت رأسها بأسى حانق وكانت ستذكرها مجدداً بأن شقيقتها

التي تكبرها بعام أنجبت طفلها الأول للتو لولا أن سبقتها

قائلة بضحكة

" لو يجد له زوجك عملاً فسأكون في حوران مطلع
الشهر القادم "

لم تستطع هي إمساك ضحكتها حينها .. الضحكة التي افتقدتها

حقاً ومنذ متى لم تعد تذكر ! وفردت يدها قائلة ما أن انتهت بينما

لازالت الابتسامة تزين شفتيها

" هل يوجد أمر آخر تريدون لمارد المصباح أن يحققه لكم ؟ "

وصلها الصوت المتحمس الباسم سريعاً

" وثمة من يكون لديه فجأة مارد مصباح كزوجك ولا يتمنى ؟
ثم هو عمل بسيط لابن عم وخطيب ابنة شقيقة زوجته "

خرجت منها ضحكة أخرى وقالت

" أجل يالها من متاهة "


وحركت رأسها قائلة

" ثم ما الذي يعمله من لا شهادة لديه ؟ ليستمر في عمله
الحالي أفضل له وللجميع "


وصلها الصوت الرقيق المستاء

" ووثاب لا شهادة لديه وسيباشر عمله في شركة الكهرباء
في الأسبوع القادم "

اتسعت عيناها بذهول وقالت

" ومن أين له بهذا ! "

قالت التي اختلطت كلماتها بضحكتها

" من مارد المصباح بالطبع "

هبت واقفة على طولها وقالت بصدمة

" ماذا !؟ "

واشتدت أصابعها على الهاتف فيها بغضب بينما وصلها صوت

التي قالت باستغراب

" ظننت زوجك أخبرك "

قالت بصوت غاضب

" لو أخبرني ما تركته فعلها "

" لكن لماذا ! "


قالتها تلك بأسى بينما خرجت الكلمات منها هي حانقة تشد قبضة

يدها الأخرى بجانب جسدها بغضب

" لأن هذا كان غرض خالك ذاك منذ البداية ولن تكون
الأخيرة بالطبع "

همست محدثتها بحزن

" لكن ... "

وقاطعت نفسها لبرهة قبل أن تتابع قائلة

" هو لم ينجح في أي عمل سابقاً لذلك تفاءلنا بما أنه لا يشبه
أعماله القديمة "

قالت من فورها وبضيق

"ولن يُفلح في أي شيء ولن يتوقف عن فعل هذا أبداً "


ولوحت بيدها وهي تتابع بغضب وكأنها تحدث نفسها

" ولما الاستغراب فهو لم يهتم لكرامته فكيف أستغرب أن لا يهتم
لكرامة شقيقته "

وسحبت أنفاسها بغضب ووصلها صوت ابنة شقيقتها الهادئ

" ليس ثمة من لديهم نسيب مثل زوجك ولا يستافدون من
سلطته ، هذا أمر لا نقاش فيه يا جليلة "


قالت من فورها وبحدة

" لا بالطبع فلن يفعلها قائد أو وسام وإن ناما في الشارع لكن
وثاب فعليه قبض ثمن ما فعله بالتأكيد "


تنهدت التي قالت بحزن

" ما كنت أعلم بأن الأمر سيغضبك لما كنت تكلمت "

" ليتك لم تفعليها حقاً "

كانت كلماتها سريعة وخرجت من عمق شعورها بالألم والمهانة

وقالت من بين أسنانها

" إن كانت والدتي بقربك الآن أريد التحدث معها "

قالت التي وجدت مسلكاً لم تفوته

" نعم ها هي "

وما أن علمت من حديثهما البعيد أن الهاتف أصبح لديها

قالت بضيق
" أمي ما هذا الذي فعله ابنك ؟ ألا يستحي من نفسه أبداً "

قالت التي تنهدت باستسلام وقلة حيلة

" كنت أعلم بأن الأمر سيغضبك لكنك تعرفين شقيقك جيداً "

شدت على فكيها بغضب تشعر به يُحرق جميع أوردتها وكانت

ستنفس عنه في الحال لكنها لم تستطع قول أي شيء لتجمد

أطرافها كما لسانها بسبب صوت رنين المفاتيح من خلفها والذي

لن يكون له سوى مصدر واحد بالتأكيد فقالت بصوت بالكاد

استطاعت هي سماعه

" عذراً أمي سنتحدث فيما بعد "

وأنهت المكالمة معها ووضعت هاتفها على الطاولة أمامها تسمع

الآن جيداً خطوات الذي تحرك من خلفها وارتفعت نظراتها له ما

أن اجتازها وسحب الكرسي يمين الطاولة وفتح زر سترته

السوداء وهو يجلس والتصقت نظراتها المستغربة بملامحه

المسترخية بل والتي ارتسمت عليها ابتسامة رجولية صادقة

حين قال وهو ينقل نظره بين أطباق الطعام

" وصلت في الوقت المناسب إذاً "

ابعدت نظرها عنه ما أن نظر ناحيتها وغادرت مكانها ناحية

الخزانة المُعلقة وفتحت بابها تخرج طبقاً منها

( بلى وقت مناسب جداً )

همست بذلك لنفسها وهي تتحرك من خلفه ناحية الدرج الذي

أخرجت منه ملعقة له أيضاً وأراحها أنه كما يبدو لم يكن واقفاً

منذ وقت طويل خلفها ولم يسمع أو لم يفهم ما كان فحو المكالمة

بالرغم من أنها تمنت لو علم برفضها للأمر من قبل أن يفعله

لكن حالها كما وضعهما معاكس لكل ما يتوقع ويتخيل الجميع .

وقفت خلفه وامتدت يدها أمامه تضع الطبق والملعقة وشعرت

بتوتر حقيقي من اقترابها حتى بات عطره القوي مختلطاً مع

ذرات الهواء في رئتيها ووضعت المنديل بجانبه وابتعدت مسرعة

وكأنها تنتظر فقط أن تنتهي فكم هو غريب أمر المرأة حين

تجمعها الحياة مع رجل في مكان واحد وثمة حاجز بينهما يمنع

عيشهما كزوجين طبيعيين ! لم تكن تستطيع وصف ذاك الشعور

سوى بأنه كقراءة كتاب بدون عنوان تبدأ صفحاته لا تفهم منه

شيئاً تبحث بين أسطره عمّا قد يوصلك لنهايته دون أن تضعه

جانباً بملل .

كانت تريد مغادرة المكان لكنها لم تستطع التصرف بلا لباقة هذه

المرة وعليها تأدية الدور الذي وجدت نفسها فيه ، جلست مكانها

ورفعت ملعقتها وخطفت نظرها ناحيته فكان قد بدأ الأكل وبشهية

واضحة جداً ! لا تعلم ما الذي جاء به هكذا فجأة وهو لا يعلم

بأنها أعدّت طعاماً للغذاء ! بل ولم تراه يعتاد المجيء هنا في هذا

الوقت من الأيام القلية جداً لها هنا ! كان حظها جيداً أن فكرت

في إعداد الطعام إذاً لأنه لن يكون تناول غدائه في مكان
آخر بالتأكيد .
كانت تقلب الأرز في طبقها ولا تأكل إلا القليل بين الحين والآخر

لازالت تشعر بالغضب كلما تذكرت ما فعله شقيقها ذاك عكس

الذي كان يأكل قربها بشهية مفتوحة وقد وقف لمرة واحدة

ليجلب علبة مشروب غازي من الثلاجة فتحها على الفور وتابع

أكله ولم تستطع هي فعلها مجدداً وترفع نظرها ناحيته تنتظر فقط

اللحظة المناسبة التي تغادر فيها المكان أو يفعلها هو فحتى هاتفه

علا رنينه ثلاث مرات متفرقة ولم يهتم ولا لإخراجه ورؤية اسم

المتصل وقد باتت تشعر بأن أنفاسها ذاتها مقيدة ، ولأنها تعيش

غموض علاقتهما وكل شيء يخص هذا الرجل باتت تحبذ فعلاً

فترات تغيبه لأنه يشعرها بالسير في أرض ملغمة تخشى

المفاجآت المدوية في أي وقت .

" فعلت ذلك من أجلك فقط يا جليلة "

رفعت نظرها المصدوم له سريعاً وكان ينظر ليديه وهو يمسحهما

بالمنديل البني الناعم بحواف بيضاء مطرزة فها هو سمع أو فهم

ما كانت تتحدث عنه ، تنقلت نظراتها في جانب وجهه وملامحه

المسترخية والتي لم تدل أبداً عن ضيقه أو استياءه بالرغم من

أنها لم تُظهر شيئاً آخر أيضاً كتقبله لرأيها مثلاً ؟ نظرت ليديها

التي شدتهما بقوة في حجرها وقالت بصوت خفيض

" لو أنك سألتني ما تركتك فعلتها من أجلي "

وصلها صوته الجاد سريعاً

" سأكون أنا من قلل من شأنك أمام عائلتك حينها "

جعلتها كلماته تلك ترفع رأسها وتنظر له والتقت عيناهما وتابع

بذات النبرة الجادة ودون أن ينتظر أي تعليق منها

" لو كان زوجاً لإحدى شقيقاتك مكاني ورفض مساعدة عائلتك
ووالدك بأي أمر فما كانت ستكون نظرتك له ولحبه واحترامه
لها هي ؟ "


علا صدرها ونزل مع حركة أنفاسها وهمست بجمود

" عائلتي لم تحتج بل طلب منك بنفسه "

قال من فوره ولم يبعد نظره عن عيناها

" الأمر سيان "

حركت رأسها في رفض وهمست

" لو فعلها وسام ما غضبت "

" لأنه لن يفعلها وإن نام في الشارع ؟ "

قالها سريعاً وبحزم فعلمت حينها بأنه استمع لأكثر من نهاية

حديثها ذاك وقالت بضيق

" بل لأنه ... "


وضاعت الكلمات من عقلها قبل لسانها ولم تستطع إنهاء عبارتها

بما يغاير الحقيقة التي كان سيزل بها لسانها ، وحدث ما توقعته

ما أن قال بجدية

" أفهم بأن وثاب من أجبرك على الموافقة للزواج مني ؟ "

أخفضت نظرها كما رأسها وأخفت غرتها ملامحها عنه ولم

تستطع نكران الحقيقة التي جعلت قلبها يتحطم حينها وأرادت

فعلاً أن لا يرى القهر والمرارة في عينيها التي أخفتها عنه ،

وارتجف جسدها بشكل خفيف لم تستطع إخفائه ما أن شعرت

بملمس إبهامه على بشرة وجنتها وقد اخترقت أصابعه ذاك

الحاجز الذي رسمته نعومة خصلات غرتها بلون القهوة بينهما

وأغمضت عينيها وهو يبعد يده بينما وقف قائلاً وابتسامة

تخللت صوته الرجولي العميق

" سأعتبرها كعربون شكر له إذاً "

وتحركت خطواته التي شعرت بها تتحرك في داخلها ولم تستطع

رفع رأسها ولا النظر له وهو يسير من خلفها قائلاً بهدوء

" وأعدك أن لا أفعلها مجدداً بما أنك لا تريدين ذلك "

وغادر مبتعداً خارج المطبخ بأكمله فوقفت من فورها وخرجت

خلفه سائرة نحو باب الغرفة الذي تركه مفتوحاً بعده حتى وقفت

داخلها تنظر له وقد رمى للتو سترته على السرير وشعرت

بقدميها علقتا مكانهما بعد أن تحكمتا في خطواتها ودون إذن منها

في رسالة مررها لهما عقلها مباشرة .. لا بل هي أرادت أن

تعرف ما مصيرها هنا بعد أن علم المزيد عن طريقة زواجها به

وموافقتها ، لكن تقبله للأمر وكلماته عن احترام رغباتها فيما

يخص علاقته بعائلتها جعل لسانها يعلق حيث أصبح حذائها

المنزلي الأنيق الجامد مكانه يحملها فوقه وخشيت أن يسألها ماذا

تريد ولا تجد جواباً يترجم ما في عقلها بل ويبرر قول ما لم تعد

قادرة على قوله .

" جليلة "

التفتت خلفها ما أن وصلها الصوت المنادي من الخارج وكان

صوت عمته ميّزته سريعاً فنظرت ناحيته تستغرب أن نادتها هي

وهو هنا ! لكنها لم تترك لعقلها المجال ليحجز قدماها مكانهما

أكثر من ذلك فتحركت خطواتها ناحيته واقتربت منه بينما تجنبت

النظر لعينيه ما أن كانت قريبة منه وهمست ونظرها على باب

الغرفة المفتوح

" تعالى خلفي "

وسارت باتجاه الباب بخطوات مسرعة ما أن تكرر النداء في

الخارج بينما نظراته كانت تتبعها مبتسماً يشعر بالرضا التام عن

نفسه وعن اختياره لها رغم كل ما تمر به علاقتهما حالياً

وباختيار منه لأنه يريد أن يكسبها بأكملها .. يريدها بجمال جميع

تفاصيلها دون أن يشوه أي شيء منها ، فها هي يبدو أنها لا تريد

أن يعلم أحد من عائلته كما عائلتها عمّا يحدث بينهما .

تحركت خطواته خلفها كما طلبت وخرج ووجد عمته وحفيدتها

الصغيرة فابتسم لها رغم أنها قابلته بنظرة متفاجئة بينما ركضت

الطفلة نحوه مسرعة واستقبلها هو من فوره ورفعها من الأرض

وتمسكت ذراعها الصغيرة بعنقه فضحكت عمته وقالت تنظر لها

" أنتِ هنا لرؤية العروس أم العريس ؟ "

فضحك وقال يقرص خدها الصغير

" للضرورة أحكام بالتأكيد "


فضحكت وقالت محرجة

" المعذرة منك بني فلم أسمع صوت سيارتك وظننت أن جليلة
هنا لوحدها والطفلة تصر منذ وصولها هنا أن ترى العروس "

نظر لها وقال بعتب

" ولما الاعتذار عمتي ! أثمة من تعتذر من ابنها
لدخول منزله ؟ "


ابتسمت له بحب وقالت

" لا حرمني الله منك وأراني ابنك تحمله هكذا قريباً "

فهمس مبتسماً وهو ينزل الطفلة

" عليك بالدعاء المكثف إذاً "

ونظر للتي لم يكن ينقصها إلا ذلك حينها تشعر بوهج حرارة

وجنتيها تصل للجميع ، وزاد الأمر سوءاً ضحكة عمته فضربته

بمرفقها دون أن تنظر له قائلة بضيق

" لما لا تذهب لتستحم وتغادر لعملك "

فارتفعت ضحكته الرجولية العميقة في المكان وهو يدخل الغرفة

كما طلبت وتركها لابتسامة عمته التي قالت بحب

" أسعد الله قلبيكما "

فشكرتها هامسة بابتسامة مرتبكة بينما نظرها على يدها التي
لاعبت أصابعها الشعر الحريري للطفلة الواقفة قربها والتي قالت

لها جدتها تشير لها بيدها ناحية السلام

" هيا بسرعة ننزل فها قد رأيتها "

لكن الطفلة كان لها رأي آخر ويداها تمسكان بثوب جليلة ونظرت

لجدتها قائلة بعبوس

" أريد أن أبقى قليلاً فقط "

وما أن مدت يدها ناحيتها وكانت ستتحدث والحزم بادٍ على

ملامحها بوضوح سبقتها جليلة وهي تمسك بكتف الصغيرة

الممسكة بها

" لا بأس عمتي أتركيها معي قليلاً "

وما أن كانت ستتحدث سبقتها مجدداً قائلة

" عمير سيغادر ما أن يستحم فاتركيها "

تنهدت حينها مستسلمة ونظرت للصغيرة وهي تقول بحزم

تحرك سبابتها

" قليلاً فقط وتنزلي أو لن تصعدي هنا مجدداً مفهوم ؟ "

وغادرت ما أن همست حفيدتها بحسناً وإن كان بعدم رضا فنظرت

لها جليلة وقالت مبتسمة

" هل تذهب الجميلتان للمطبخ الآن فثمة الكثير من العمل
في انتظاري هناك "

اومأت لها الواقفة تحتها برأسها مبتسمة بحماس فأمسكت بيدها

وأخذتها معها من هناك لطوق نجاتها لأنه عليها أن تبتعد فعلياً

عن هنا فلا زالت تشعر بضربات قلبها تتسابق راكضة ولم

تنتظم بعد بسبب ما حدث وقيل .

ابتسمت بمرارة وانحنت للطفلة ورفعتها من خصرها النحيل

وأجلستها فوق المساحة الرخامية من الخزانة وقالت مبتسمة

" ستجلسين هنا ونتحدث حسناً ؟ "

حركت الطفلة رأسها بحماس موافقة وقالت بصوتها

الطفولي الرقيق

" كنت أريد الصعود هنا دائماً لكن والدتي لا تريد "

تنهدت بضيق وهي تجمع الطعام من الأطباق ولم تستطع ولا

التبرير لتلك الأم أمام صغيرتها بأنها ترفض إزعاجها فلا يبدو لها

البتة أنها تهتم بمشاعرها ولا إن كانت ستنزعج أم لا ، بل وترى

بوضوح نظرات الحقد التي ترسلها عينيها نحوها ومنذ أول مرة

رأتها فيها وكأنها من قتل والدها أو من كانت السبب في طلاقها !

وتذكرت فجأة النظرة التي كانت تودعه بها صباحاً والتي تبدلت

فجأة ما أن اكتشفت وجودها !!

همست مستغفره الله وهي تفتح باب آلة غسيل الأطباق وارتفع

نظرها للطفلة التي بدأت تلعب بقدميها في الهواء تنظر لكل شيء

حولها فتركت ما في يدها وتوجهت ناحية الثلاجة وفتحت بابها

وقالت مبتسمة

" ما رأيك في أن نتناول بعض الشكولاته والعصير ؟ "

" ملااااد "

ماتت ابتسامتها كما اختفت ضحكة الطفلة المتحمسة بسبب

الصوت الصارخ الغاضب باسمها في الخارج وكانت ستنزل

بنفسها وكادت تقع لولا أدركتها وأنزلتها ونظرها يتبعها وهي

تركض خارج المطبخ حتى سمعت صرختها الباكية فخرجت

أيضاً ووقفت تنظر للتي كانت تمسكها من ذراعها بقوة وهي

تبكي بينما كان نظرها هي على مكان آخر تماماً ! كان موجهاً

ناحية باب غرفته المفتوح والذي كانوا يقفون أمامه قبل أن يدخل

هو وتغادر عمته وتدخلا هما للمطبخ ..! نظرة مطولة درجة أنها

لم تراها وكأنها تنتظر خروج شخص ما من هناك !

اشتدت قبضتاها بقوة وشعرت بغضب لم تفهم سوى بأنه بسبب

التعدي على خصوصياتها هنا وبكل وقاحة وقلة تهذيب ، وبات

عليها تتغير أفكارها تلك كما فعلت مع والدتها قبل قليل وإن كان

واضحاً أن نواياهما تختلف كل الاختلاف فهذه لا يمكنها تفسير

تصرفاتها إلا بأمر واحد فقط واضح وجلي لازالت تتهرب من

التفكير فيه واتهام امرأة تجهلها في أخلاقها وإن كان بينها

وبين نفسها .


تحركت خطواتها ناحية الغرفة ذاتها تتعمد إظهار صوت حذائها

وهي تمر من أمامها متجاهلة لها تماماً حتى دخلت الغرفة

وأغلقت الباب خلفها ووقفت عليه تكتف ذراعيها لصدرها باستياء

بينما تركت خلفها تماماً امرأة واقفة مكانها بنظرات مصدومة قد

أصابت فيها هدفها تماماً وكما تريد وإن كانت تجهل كل ذلك

فلازال جسدها يرتجف من انفعالها وسئمت الحياة المكشوفة

للجميع هكذا وكأنها تعيش معهم في الأسفل .

حين سمعت صوت بكاء الصغيرة ورفضها الباكي للنزول يبتعد

علمت بأنها غادرت بها من هنا فتأففت نفساً طويلاً خرج من

عمق شعورها بالاستياء ، وابتعدت عن الباب كالملسوعة تنظر

ناحية باب الحمام حين توقف صوت المياه فجأة وخشيت أن

يخرج ويجدها هنا فبما ستبرر هذه المرة ولن تنقذها عمته

مجدداً .

ولم تمهلها مخاوفها وقتاً إضافياً لتهرب منها ومن تحققها وذاك

الباب يُفتح قبل أن تتحرك خطوة من مكانها وعلت شهقتها دون

شعور منها ما أن وقع نظرها على الخارج منه بمنشفة صغيرة

تغطي وسطه فقط وسقط جسدها للأرض دون انتظار دقيقة واحدة

وتبدلت الصورة أمامها لسواد قاتم قبل أن تفكر في تحريك

جفنيها .. سواد دام للحظات صغيرة فقط قبل أن تشعر بضيق في

صدرها ثم بشيء بارد يضرب على وجنتها واسمها يصلها بعيداً

وخضع جفناها لسلطتها أخيراً وهي تفتحهما ببطء ووقع نظرها

المشوش على الذي أبعد يده عن وجهها وتوقف عن مناداتها

والقلق بادٍ في عينيه التي هربت منها سريعاً لازالت تشعر

بجسدها يرتجف بسبب ما حدث وهي التي كانت طوال حياتها

تخجل من مجرد النظر في عيني رجل بخاطرها .. وحتى من

أحبته سابقاً كانت تتعامل معه بطبعها ذاته ترفض حتى لقاءتهما

وذاك ما كان يحبه فيها قبل سفره ذاك وما كان يجعلها تتعلق به

أكثر وهو احترامه لطباعها تلك ولم تتعرض لموقف مشابه من

قبل ولا مع أشقائها لتعتاده .

أغمضت عينيها بقوة ما أن وصلها صوته

" هذا كله بسبب إهمالك لطعامك "

كان في صوته ابتسامة واضحة وكأنه يستغل الموقف للتسلي بها

وتمنت لحظتها أن ماتت أو أن بقيت في المطبخ ولم تفكر بغباء

في تحدي تلك المرأة ، جمدت مكانها كالجثة الميتة حين ابتعدت

خطواته عن السرير بينما فتحت عين واحدة ونظرت لجسده ما أن

كان عند الخزانة التي فتح بابها وكان يلبس بنطلون بدلة

رصاصي غامق اللون وقميص داخلي وعلمت حينها بأن وقت

اغمائها كان أطول مما توقعت !

أخرج قميص أسود اللون وبدأ بارتدائه ولم تستطع انتهاز

الفرصة للمغادرة خشية أن تقع بسبب الارتجاف الذي لم يفارق

ساقيها بعد ، وبدلاً عن ذلك غطت وجهها باللحاف الأحمر تختبئ

منه تحته كطفلة حمقاء تتمنى فقط أن يغادر من هنا في أسرع

وقت فأقل ما يمكن أن تصف به شعورها حينها هو الرغبة

الملحة في البكاء .

وما أن سمعت صوت حذائه على الأرضية علمت بأنه بات مستعداً

للمغادرة أخيراً وكانت تنتظر تلك اللحظة التي يفتح فيها الباب

بفارغ الصبر لكن ما حدث أمر آخر تماماً وهي تشعر بثقل كبير

يسقط على رأسها كان سببه الوسادة الأخرى الموجودة على

السرير تلاه صوته المختلط بضحكة رجولية عميقة وهو يغادر

" اختبئي تحتها أيضاً "

رمتها كما اللحاف بعيداً عنها بغضب وهي تجلس تنظر بضيق

للباب الذي غادر وتركه مفتوحاً بعده .. ما الذي يتوقعه منها مثلاً

أن تقف مشدوهة تتمتع بالنظر له ؟!

غادرت السرير تشتم نفسها بتمتمات غير مفهومة وتوجهت نحو

غرفتها من فورها وضربت بابها خلفها واختبأت تحت لحاف

السرير مجدداً لازالت تشتمه ونفسها بغضب مثلما لازالت تشعر

بجسدها يرتجف وساقاها لا تقوى على حملها لتقف

بشكل طبيعي .


*
*
*

كان الوقت قد تجاوز الخامسة مساءً حين وصلت سيارته شوارع

البلدة وكانت وجهته ذاك المشفى القروي مجدداً فهو يعلم قليلاً

عن نظام عمل أمثالها وبما أنها كانت هنا صباحاً فأقل وقت قد

تغادر فيه هو مغيب الشمس نظراً لأن عادات القرى لا تشبه

المدن التي يكون مفروضاً على أمثالها دوام يوم كامل .

أوقف سيارته بعيداً هذه المرة كي لا يجد نفسه متورطاً في دماء

رجل آخر باستغلال منهم فيبدو أن ذعر الناس هنا من فزاعة

غيلوان تجعل منهم أجبن من مبادئهم ولن يتوانوا عن إلصاق أي

جرم به دون خوف من انتقام عائلته منهم لأنه غريب عن المكان

سينتهي وجوده من بينهم فقط وانتهى كل شيء .

وصل الباب ودخله بعزم فاق زيارته الأولى التي تردد فيها كثيراً

فعليه أن يُخلص عقله من التناقضات التي أرهقته بين تصديق

واستحالة ما سمعته أذناه بوضوح لا شك فيه ، عبر الرواق

الطويل ووجهته الغرفة ذاتها التي أشارت له الممرضة صباحاً

عليها ومؤكد لن تكون جالسة مكانها ذاته لكنه إن لم يجدها سيجد

غيرها هناك ليدله على مكانها هنا .

وما أن وقف أمام الباب المفتوح والذي طرقه بمفصل سبابته نظر

بعدم رضا رافعاً حاجبه للذي كان يجلس خلف طاولة مكتب حيث

كرسي جلدي أسود طويل الظهر بينما ابتسم ذاك وكأن شيئاً مما

حدث صباحاً لم يكن ! والأسوأ من كل ذلك وما جعله يزم شفتيه

غضباً خروجه من خلف مكتبه وتوجهه نحوه قائلاً وذات

الابتسامة تزين شفتيه العريضتان

" مؤكد ستنال مكافئة مجزية من عائلته "


ابتسم بسخرية قبل أن يقول

" علمتَ إذاً بأنه لم يمت ؟ لم أكن أتصور مقدار الجُبن الذي
يعتمر قلوبكم والذي انتم فقط السبب فيه "

قال الذي وقف أمامه وبابتسامة مائلة

" من اتقى شرار الناس حفظ نفسه "

خرج عن أدبه المعتاد والذي يراه لا يجدي مع البعض وقال

بضيق يشير برأسه للبعيد

" بأن تورطوا الغرباء لتحمل نتائج أفعالكم لهم ؟ "

وازداد غضبه ما أن قال ببرود

" الغريب ينصفه القانون هنا أكثر من القبيلة التي لا ترحم
قوانينها أبنائها "

فصرخ من فوره

" ما هذا الهراء ؟ أنا لم آتي من بلد آخر لتقنعني بهذا بل
من نسيج قبلي مثلكم وإن كانت مدينة أخرى "

وكان ذاك ما جعل الواقف أمامه يشتاط غضباً وهو يقول

" لا تقارن فأنت لا تعلم الجنوب وقبائله فالحالك لا تشبه الهازان
ولا صنوان وتوحيد البلاد لا يعني أنهم باتو سواء فعلياً "

فغر فاه في اندهاش غاضب قبل أن يقول بضيق

" لكني موقن تماماً أن القانون لن يظلم أحداً تحت مسمى
القبيلة فهو لا يعترف سوى بأن المذنب عليه أن يأخذ
جزائه وكائناً من يكون "

وكان الواقف أمامه من ابتسم بسخرية حينها وقال
" ليس حين تسلمك قبيلتك بنفسها لقبيلة أو عائلة من قبيلة
أخرى وحتى سلالتك معك إن اقتضى حكمها بذلك فقط لتتجنب
شرهم الذي لن يمنعه القانون عنك "

حدق فيه بصدمة لم يستطع معها قول شيء فقال الذي

يفهم ذلك جيداً

" من يعيش في الحالك لا يستغرب هذا مثلك لأنهم تربوا عليه
وألفته نفوسهم حتى باتت مخالفته تعني نبذ القبائل لك
لخيانتك أعرافها "

حرك رأسه بعدم استيعاب وهمس

" هذا جنون ! "

قال ساخراً

" لن يفهم هازاني معنى هذا مهما شرحت "


لم يعجبه ما قال فعلق بضيق

" ظننت أننا تخطينا هذه المسميات من أعوام طويلة كشعب
واعي مثقف "

واستقبل ذاك إهانته برحابة صدر أيضاً وقالت بابتسامة مائلة

" تتخطى البلدان ذات النسيج القبلي كل شيء إلا أعرافها تضل
بقاياها مهما تخلت عن البعض منها ، والمثقفون الذين تتحدث
عنهم يتركون هذه القرى لأنهم يرفضون الخضوع لقوانينها كما
ترفض قبائلها الأفكار التي يحاولون غرسها فيهم تحت مسمى
تفكيك القبيلة "


حرك يمان رأسه بعدم اقتناع لما سمع وقال

" الاعتراف بوجود القبيلة لا يعني الخضوع لقوانينها الجائرة فلا
أحد يمكنه تفكيك نسيج القبيلة مهما فعل لكننا لسنا مجبرين
على أن نعيش في جور قوانينها بينما يحكمنا قانون موحد ! "

أشار له الواقف أمامه بسبابته قبل أن يشير بإبهامه بعيداً

وهو يقول

" هذا تقوله أنت أما من يعيشون هنا فأفكارهم مختلفة تماماً "

شد على أسنانه بغضب قائلاً من بينها

" تباً لها من أفكار إن كانت ستجعلهم جبناء هكذا "

تمتم الذي ابتسم ساخراً

" عندما تكون في مواجهة قبيلة كغيلوان فالجبن أفضل مئة مرة
مما سينتظرك "

وتابع بجدية أمام نظرات عدم الاقتناع التي كان يرميه بها

" قانون قبائل الجنوب في مسألة القتل والثأر لا يرحم يا صديقي
ولم يستطع شراع صنوان سابقاً إخضاعه ولن يستطيع أي رئيس
بعده ولا أي بلاد مشابهة لنا .. إنه مادة في دستورها يتم تنفيذها
ولم تكتب فيه "

حرك رأسه بعدم استيعاب بينما تابع الواقف أمامه بجدية

" إن قتلت شخصاً هنا وقتلتك عائلته وجردت عائلتك من كل ما
تملك فلن ينصفهم أي قانون ولن يُسجن قاتلك ، وفي أفضل
الحالات كانت الحكومة تعوض أهله مادياً عمّا فقدوه بسبب عائلة
أو قبيلة القتيل بقيمة رمزية لا تعادل خسارة تلك العائلة أبداً "

ورفع سبابته متمتماً بسخرية

" هذا إن قتلت واحداً .. أما إن كان حظك سيئاً وقتلت أكثر
فمصاب عائلتك من بعدك لا يمكنك تخيله "

نظر له بصمت لبرهة وقبل أن يقول بضيق

" هذا حين تكون قاتلاً وليس متهماً بذنب لم ترتكبه "

تنهد حينها الواقف أمامه وقال معترفاً

" لم يكن الغرض إلباسك القضية بل أخذه للمستشفى بالفعل "

حرك رأسه مبتسماً بسخرية وقال مغيراً مجرى الحديث الذي

لا طائل من التحدث فيه يسأل عمّا هو هنا من أجله

" ثمة ممرضة هنا اسمها فجر كانت موجودة صباحاً مؤكد
لم تغادر بعد "

واستغرب من ضحكته ينظر له بتعجب قبل أن يقول ضارباً

يديه ببعضهما

" عن مثل هذا كنا نتحدث "
ازدادت علامات الاستغراب على ملامحه قبل أن تتحول لصدمة

حين قال

" لو كنت هنا قبل أكثر من ساعة لوجدتها أما الآن فعليك
شق الأرض والبحث عنها فيها "

" كيف !! "

همس بذلك بصدمة فقال الواقف أمامه ولازالت على ملامحه آثار

ضحكته تلك

" والدها هو من ضرب إبن غيلوان ذاك وحين شاع خبر أنه
لم يمت بات يعرف مصيره جيداً "

فتح فمه وأغلقه ولم يعد يعرف ما يريد قوله أو السؤال عنه وهل

ثمة ما يُقال ؟ بينما استلم الواقف أمامه الأمر وقال ساخراً

" كان يكرهه كثيراً لأنه من سلبهم أرض والده قديماً لكن أحداً
لم يكن يتخيل أنّ تلك المشكلة ستنتهي لهذا وأن يُقدم أحد على
فعلها أساساً "

لم يكن كل ما يقول سينفعه في شيء فقال في استعجال

" ما هو اسمه وأين يقع منزله ؟ "

حدق فيه باستغراب قبل أن يقول

" لن تجدهم فيه بالتأكيد "

فحرك رأسه وقال يحثه

" أنت فقط أعطني عنوانه في أي طرف من القرية "

حرك ذاك كتفيه باستسلام وشرح له كيف يصله فتركه مسرعاً ما

أن انتهى كلامه ودون أن يعلق بشيء وركب سيارته وتحرك بها

مسرعاً الغبار يشكل سحابة خلفها بسبب سرعة عجلاتها فوق

الطريق الترابي على أمل أن يجدهم يجمعون أغراضهم ولم

يغادروا بعد ، وما أن وصل المكان الذي وصفه له تحديداً والذي

عرفه من وقوف البعض أمام أبواب منازلهم وحركتهم في الحي

الطويل بمنازله القديمة أوقف سيارته ونزل منها وسأل شخصاً

كان يقف عند باب منزله المغلق عن طريق اسم والدها فأشار له

برأسه على باب كان خلفه تحديداً وظهرت أسنانه السوداء

المعوجة حين ابتسم وقال

" لو أنك كنت هنا قبل ساعة لوجدته "


التفت حينها ونظر بغضب للباب المغلق بقفل كبير وعلم بأنهم

غادروا من دون أن يأخذوا شيئاً معهم وبالتأكيد لن يضيعوا الوقت

في جمع أغراض منزل كامل وجلب سيارة كبيرة لفعل ذلك

ليمسك به أبناء تلك القبيلة ويحاكم في محكمتهم الجائرة تلك دون

النظر للسبب الذي جعله يضربه .


عاد ونظر للواقف مكانه يراقبه وقال

" هل تعرف أين ذهب ؟ هل أخبر أحداً عن وجهتهم ؟ "

حرك ذاك كتفه وقال
" لم أكن هنا وقت رحيلهم وأعتقد بأنه سيكون من الغباء
أن يُعلم أحداً بذلك "

انفتح حينها باب ملاصق لباب بيتهم المغلق وخرج منه فتى في

الرابعة عشرة تقريباً فسأله ودون يأس

" أكنت هنا حين غادروا ؟ "

وحين أومأ له برأسه إيجاباً قال سريعاً

" ألم تسمع أحداً منهم تحدث عن وجهتهم أو شخص قريب
لهم تعرف مكانه ؟ "

حرك ذاك رأسه وقال

" لا أعلم عنهم شيئاً فنحن من خارج القرية ..."

وتابع يشير برأسه للمنزل الذي خرج منه خلفه

" اشترينا منزل جسار غيلوان من وقت قريب ولا نعرف
الكثيرين هنا "

انفتحت حينها عيناه من الصدمة وهمس بغير تصديق
" كان يعيش هنا في منزلكم ! "

قال من لم يعطه فرصة ليستوعب الفاجعة

" نعم واشتريناه منه منذ أشهر لكننا سكناه من أسابيع قليلة لأننا
أجرينا عليه بعض التعديلات "

تركه حينها وركب سيارته وضرب بابها بقوة قبل أن تدور

عجلاتها بقوة فوق التراب تحتها ويغادر من هناك أسنانه تكاد

تتحطم من شده عليها غضباً ، وما أن غادر الأحياء الشمالية لتلك

القرية سلك بسيارته الطريق المؤدي للجبل المسمى هناك بجبل

الزعفران يريد الابتعاد عن كل شيء الآن والبقاء وحيداً ..

لا يريد أن يرى أحداً وخصوصاً هي كي لا يتصرف تصرفاً

هو نفسه لا يعرفه في نفسه .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 20-07-21, 11:23 PM   المشاركة رقم: 1582
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

فتحت عيناها وغطتهما بكفها ما أن واجهتها أضواء السقف

القوية تشعر بصداع خفيف يهاجم صدغيها في نوبات متفرقة

جعلها تمسكهما بقوة مغمضة عينيها تتذكر الحلم أو الكابوس

الذي أزعج نومها المضطرب أساساً وكل ما رأته هو ابنة عمته

تلك في صور مختلفة ولا تفهم لما تراها في منامها !

ألا يكفي يقظتها ؟ كانت المرة الأولى بعد قدومها إلى هنا التي

ترى في نومها صورة لغير شقيقها قائد !.

جلست مستغفره الله بهمس وغادرت السرير تدس خصلات غرتها

خلف أذنيها وتوجهت للحمام من فورها على أمل أن يخفف الماء

المنعش من شعورها بالصداع ، وبعد حمام قصير صلت العصر

وغادرت الغرفة يغطي جسدها فستان من قماش الشيفون باللون

الأصفر طبعت عليه ازهار بيضاء كبيرة تجاوز طوله ركبتيها

بقليل له أكمام تصل لمرفقيها بقصة دائرية تجمع شعرها الرطب

بمشبك بلاستيكي كبير دون أن تجففه ولا تشعر مع الصداع القوي

بأي رغبة لفعل أي شيء وستجرب شرب بعض القهوة لعلها

تكون مجدية .

وتوجهت ناحية المطبخ من فورها ووقفت أمام بابه تنظر له

بتعاسة فهي نسيت بأنها لم تنهي عملها هنا بعد وشعرت

بصداعها يزداد سوءاً وهي تمسك جانب رأسها بيدها لكن ورغم

كل ذلك توجهت لآلة غسيل الأطباق أولاً وضعت فيها باقي

الأواني المتسخة وقامت بتشغيلها وملأت آلة إعداد القهوة

وبصعوبة أكملت تنظيف الطاولة وجلست تمسك رأسها بكلتا يديها

تسند مرفقيها عليها مغمضة العينين فكل حركة تفعلها تشعر بها

تضرب في رأسها وشعور خفيف بالدوار يصاحبها .

" جليلة !! "

رفعت رأسها ونظرت سريعاً للتي كانت تقف عند الباب دون أن

تشعر بها والتي اقتربت منها تنظر باستغراب لعينيها المتعبة قائلة

" طرقت باب الغرفة ولم تجيبي حتى سمعت الصوت فعلمت
أنك هنا "

ابتسمت بشحوب وقالت بنبرة اعتذار

" آسفة عمتي لم أسمع بسبب ضجيج آلة الغسيل "

قالت مبتسمة بإحراج
" لا عليك بنيتي وأنا من عليه أن يعتذر لأن عمير من طلب
مني الصعود لك "

تبدلت نظرتها للاستغراب بينما قالت التي فتشت بنظرها وكأنها
تبحث عن شيء ما

" قال بأنه يتصل بك منذ وقت ولا تجيبين "

انتقلت العدوى لها ونظرت حولها قبل أن تقول

" هاتفي في الغرفة وكنت نائمة ولم أنتبه له "

حركت رأسها وقالت وهي تجلس على الكرسي بقربها بينما

نظراتها القلقة لم تفارقها

" صحيح أنه أغمى عليك اليوم ؟ تبدوا ملامحك متعبة فعلاً "



أخفضت رأسها حينها تغرس أصابعها في غرتها الرطبة تفرغ

انفعالها فيها فها هو مجدداً يرسلها للأعلى دون أن يهتم بأن تعلم

بأنه لكل واحد منهما غرفة ! رفعت رأسها تمرر يديها للخلف

تجمع غرتها عالياً وقالت وهي تقف

" هو صداع خفيف فقط عمتي وسأكون بخير ما أن
أشرب القهوة "

قالت التي تبعتها بنظراتها وهي تتحرك نحو الآلة التي علا

صفيرها مرتفعاً

" أي صداع هذا ووجهك شاحب هكذا !! "

واستمرت تتابع حركتها وهي توقفها وتسكب القهوة منها بينما لم

تعلق وظنت أنها لم تسمع بسبب ذاك الصفير المرتفع حتى عادت

للجلوس مكانها وقالت

" أنا لا أنام هذا الوقت في العادة لذلك هاجمني الصداع "

نظرت لها بعدم اقتناع بينما كانت هي تشغل نفسها بكوب القهوة

في يديها وكان صوت رنين هاتفها ما منعها من قول ما تريد فما

أن نظرت للإسم على شاشته حتى أجابت من فورها

" نعم بني "

فعلمت الجالسة بجانبها فوراً هوية محدثها فلا ابن لها غيره

واتكأت بجانب وجهها على راحة يدها تنظر للجانب الآخر ما أن

قالت الجالسة بقربها

" نعم وكانت في المطبخ وهاتفها في الغرفة لذلك لم تسمعه "

واستمعت لباقي المكالمة أحادية الجانب والصوت القلق

للجالسة قربها

" قالت بأنها تشعر ببعض الصداع لكن وجهها لا يعجبني ..
لا يبدو أنها تأكل جيداً ! "

" وبما سأقنعها أنا ! أنت زوجها وتعيش معها "

اغمضت عينيها وتنفست بقوة تشعر بأنها طفلة يتناقشان في

طعامها ونومها وذاك الأحمق يؤدي الدور كاملاً وكأنه لا يعلم

شيئاً ؟ نظرت لها ما أن أنهت مكالمتها تلك وقالت تنظر لها

" قال بأنه سيرسل مع أحدهم دواءً للصداع وأراه أفضل من
هذه القهوة التي ضررها أكثر من نفعها "

وتابعت من فورها وقبل أن تعلق بأي شيء

" وستتناولين طعام العشاء معنا ولا عذر لك "

كانت ستتحدث لكنها سبقتها مجدداً وبإصرار

" لا نقاش في هذا يا جليلة ولن ترديني خائبة بالتأكيد "

قالت مباشرة

" حاشا لله عمتي لكني حقاً لا أريد أن تتعبي ولا أن أزعجكم
سآكل هنا أعدك بذلك "

كانت تريد فقط أن تهرب من مقابلة ابنتها تلك أكثر من تهربها

من تناول الطعام فنظراتها وكلماتها التي تصوبها كالرصاص

نحوها كفيلة بجعلها تكره الطعام لأسابيع ، ولن تمنعها تربيتها

فقط من الرد عليها بل وطيبة وكرم هذه المرأة التي لا تصلح

مطلقاً أن تكون ابنه لها .

شعرت براحة غامرة حين قالت التي طبطبت بيدها على كفها الذي

كانت تريحه على الطاولة وقالت وهي تقف

" سأجلب لك الطعام هنا إذاً ولا عذر لك "

وابتسمت وهي تتابع ونظرها على عينيها التي تعلقت بها

مع وقوفها

" لو أنكما متزوجان من أسابيع لأقمت احتفالاً اليوم بقرب
مجيء ابنكما "


وضحكت ما أن سعلت التي أخفضت رأسها وغصت بريقها من

الصدمة ومسحت يدها على ظهرها قائلة بضحكة

" أطال الله في عمري لأرى ذاك اليوم "

وغادرت وتركتها لحرجها الشديد ونزلت السلام مبتسمة تتذكر

وجهها الجميل المصدوم ورد فعلها وهمست بسعادة وهي تنزل

آخر العتبات بصعوبة

" لازال ثمة نساء يعرفن الحياء والحمد لله "

توجهت من فورها للمطبخ وحيث تركت ابنتها وحفيدتها هناك

وقالت وهي تجلس مكانها السابق

" سنعد الطعام لنا ولجليلة الليلة "

وكما توقعت قالت التي لم يعجبها ذلك وبضيق

" ولما ! ألا يدين لها ؟ "

سحبت طبق الخضار الذي كانت تقطعه قبل صعودها وقالت ببرود

وهي تأخذ حبة فلفل حلو كبيرة

" بل لأنها متعبة وأغمي عليها اليوم وفعلاً وجدتها متعبة "

ونظرت لها بحزم لتنفيذ أوامرها دون جدال أكبر فتأففت بغضب

تنفض يدها وأدارت ظهرها لها وعادت لتحريك القدر بحركة

غاضبة وها قد علمت لما اتصل بها عمير فهي منذ اللحظة التي

رأتها فيها تدخل الغرفة وهو هناك تشعر بالنيران تأكل جوفها زاد

عليها اتصاله لتصعد عمته لها وكأنهم خدم لديها ، ثم عليها إعداد

الطعام لتأكل سيدة المنزل لأنه أغمي عليها .

حركت الملعقة بقوة متمتمه بغضب مكتوم

" ليتها تموت وليس يغمى عليها فقط "

التفتت برأسها للخلف حين غادرت والدتها تتحدث مع ابنتها

تريدها أن تأخذها للحمام ورمت الملعقة من يدها في حوض

الغسل وتوجهت للثلاجة وفتحتها بحركة غاضبة متمتمه

" أنا من تعرف كيف تتخلص من وجودك نهائياً "

أخرجت علبة حبوب مسكنة ومنومة ونظرت للباب أولاً ثم

أخرجت منها أربع حبات وتوجهت ناحية الباب بنفسها هذه المرة

ونظرت للخارج تتأكد من أن والدتها لازالت بعيدة عن هنا وعادت

مسرعة ووضعت الحبوب فوق الطاولة الرخامية وطحنتها

بمقبض السكين قبل أن تجمع القطع الصغيرة في كفها ووضعتها

في كوب زجاجي كبير سكبت عليه من العصير الطبيعي الذي

أعدتاه معاً وخبأته أسفل الثلاجة ليكون جاهزاً وقت أخذ العشاء

لها ، أغلقت باب الثلاجة بقوة وهمست مبتسمة بسخرية

" سنرى كم من الوقت تحتاجين لتغادري من هنا
يا ابنة الفلاّحة "

*
*
*



كتف ذراعيه لصدره يتكئ بظهره على النافذة الطويلة خلفه بينما

نظره على الجالسين بعيداً عنه وقال موجهاً حديثه تحديداً للذي

كان يوقع بعض الأوراق بالتتابع ونظره عليها

" عليك أن تقرر بشأن اولئك المتمردين يا مطر فصمتك عنهم
سيزيد من عددهم وعدتهم أيضاً "

قال أحد الجالسين أمامه

" بِشر معه حق فأنت كنت قادراً وبأمر واحد وقوة صغيرة على
ضربهم في معاقلهم وإنهاء تلك المشكلة "

وقال آخر وهم خمس رجال ملتفين حول مكتبه

" أنت بحاجة للقسوة على شعبك وليس العدل فقط فأنت لم تغير
ولا الوزارات السابقة وتركت كل واحد في المنصب الذي اختاره
له شراع صنوان عدا من حمل ملفه أي نوع من الفساد ولم
يعجبهم ذلك ! "

كان جوابه الصمت التام ويده تكتب على الورقة تحته في حركة

سريعة من اليسار لليمين ففرد تميم يديه وقال بضيق

" أدخلوا عناصر متطرفة ثم كانوا يريدون إغراق البلاد بالسلاح
وكان المقابل تدمير اليرموك أكبر ثكنة عسكرية لدينا وأكبر مخزن
سلاح في غرب البلاد وأنذرتهم قبل ضربها لتنقذ حياتهم بالرغم
من أنهم لا يستحقون إلا الموت "

جمع حينها الأوراق وسلمها لقاسم الذي كان يقف عند الجدار

المحاذي لطاولة مكتبه فأخذها منه فوراً وأمسكها بعد أن ادارها

في شكل اسطواني وعاد لتكتيف ذراعيه لصدره ووقف وقد علت

الأنظار جميعها أمامه مع وقوفه وقال بحزم بعد حركة خفيفة من

رأسه وكأنه يشير للبعيد

" وكأنكم لم تكونوا معي هناك وتعلمون خطورة ما نواجه "

لم يعلق أحد منهم بينما تابع هو بلهجة قوية ينقل نظره بينهم

"ما الذي سنستفيد منه حين نحقق غرض عدونا وعدو البلاد؟ "

كان الصمت جوابهم أيضاً أعينهم تحدق فيه بكل إنصات فضربت

يده على الطاولة تحته وقال بحدة

" هل يملك أحدكم جواباً ؟ "

وحرك رأسه مجدداً وقال بضيق هذه المرة

" أم أنساكم العيش هناك أن عبارة انتهاء القبيلة مجرد كذب
على الإعلام "

وأشار بيده بعيداً وهو يتابع بغضب

" أم لا تعلمون أن التهور ثمنه غالٍ جداً وأن العالم بأسره
سيتحرك ضدنا وينتهزون الفرصة إن نحن آذينا تلك المدن ؟ "

قال تميم ما أن فهم من صمته أن حديثه انتهى وبنبرة تنطق

احتراماً وتقديراً

" وصمتنا عنهم معناه أن يصبح لديهم في الغد مجلس تسييري ثم
برلمان ثم رئيساً مؤقتاً وبعدها سيطالبون بالإنفصال وتجزئة البلاد
من جديد وبحدود فعلية وموافقة دولية هذه المرة "

نظر له وقال بجدية

" وحربهم معناه الوصول لهذا في وقت أسرع وبحماقة لا يمكن
إصلاحها أبداً "

وعاد ونقل نظراته الصقرية الحادة بينهم وقال بجمود

" مهلتي لمشايخ صنوان لم تنتهي بعد وإن لم يفعلوا شيئاً
فسيصلهم ردي حينها وتحت غطاء من قبائلهم ذاتها "

حرك الجالس يميناً رأسه موافقاً وقال معترفاً

" حين يكون الشعب في صفك ليس لقوة أن تغير شيئاً
فيما تريد "


وانتقلت الأنظار جميعها منه للواقف خلف طاولة مكتبه والذي

سند يديه للطاولة تحته منحني الظهر قليلاً وقال بحزم

القائد الواثق

" قد يسخر قادة العالم من قدرة الشعوب على فرض ما تريد
لأنهم لم يواجهوا رفضهم يوماً والأحمق فقط من يظن بأنه
قادر على هزيمة شعب كامل أو أنهم ليسوا بقادرين على
فرض ما يريدون "

وأشار برأسه موافقاً للأفكار التي يراها في أعينهم وإن لم ينطقوا

بها وقال

" نعم كما فرضتكم الحالك والهازان على صنوان وقت عودتنا ولو
اتخذت الهازان موقفاً مشابهاً لهم لعادت الحرب ولن نستطيع
السيطرة عليها أبداً "

تحرك بِشر من مكانه واقترب منه خطوتين وقال وكأنه يتمم

حديثه بل وكأنهم عقل رجل واحد يتحدث

" لهذا على صنوان أن توقف أولئك الشرذمة عند حدهم أو
سترضى بما سينالها وهم يدركون ذلك جيداً لَما طلبوا المهلة
قبل الحرب "

وكان قاسم من تحدث بعده مباشرة وقال بجدية

" وأعيننا وسطهم هناك أي خيانة منهم سنعلم بها على الفور "

قال تميم الذي لم يتنازل بسهولة عن رأيه المتخوف

" أخشى أن تحمل صنوان السلاح جميعها حينها سيدعمها
الأعداء في الخارج بسهولة وبكل أنواع أسلحة الحرب "

صرخ حينها مطر ضارباً بيده على الطاولة تحتها

" لن أرضى بأن تخون صنوان المواثيق بعد موت شراع ، هذه
خيانة سيكون ثمنها كل سنوات اغترابنا وتعبنا من أجل
هذا الوطن "

تبادلوا النظرات جميعهم دون أن يتلفظ أي منهم بالسؤال الذي

عاشرهم لأعوام طويلة لا يجدون أي جواب له واحترموا جميعهم

صمته عنه ، ولم يتوقع أي منهم لحظتها ذاك الصوت الذي

تحدث وكان لتميم حين قال ناظراً له

" أكان موت شراع صنوان الأمر الذي سمح برجوعنا ؟ "

كان جواب مطر الصمت والأحداق جميعها معلقة به والمكان قد

تحول لسكون تام قبل أن يكسره قاسم قائلاً

" أما كان الأوان قد آن حينها لنعلم عن تلك الاتفاقية ؟ "

وازداد الترقب في الأعين المتوجسة تنتظر جواب سؤال عجزت

السنين المتعاقبة عن جعلهم ينسوه وإن لم يتلفظوا به ولا بين

بعضهم في غيابه ثقة عمياء به واحتراماً له حتى قال بجمود

ونظراته القاسية تحدق في الفراغ

" لو علمتم عنها ما انتظرتم أوامري لضربهم "

علت حينها الدهشة وجوههم جميعاً ودفعة واحدة وإن كانت بنسب

متفاوتة وتبادلوا النظرات المتسائلة رغم يقينهم من عدم امتلاك

أي واحد منهم للجواب عدا قاسم الذي تنقلت نظراته بينهم

بفضول فقط فهو لم يغادر معهم .

فُتح الباب حينها مانعاً أي سؤال آخر ممن استغربوا أساساً أن

يقول قائدهم كل ذلك وإن القليل الذي تحدث به وانتقلت الأنظار

جميعها لعمير الذي دخل ولم يصدر عنه سوى إيماءة بسيطة

ليوصل للواقف خلف مكتبه بأنه فعل ما طلب منه وأضاف أيضاً

ينظر لعينيه

" رعد شراع هنا ويريد رؤيتك "

جلس حينها والأنظار جميعها قد عادت للتحديق به بينما كان

نظره مركزاً على القلم الذي كان يحركه بين أصابعه وكأنه

يستقطع لنفسه لحظة صمت قصيرة قبل أن يرميه من يده

وقال بجمود

" اتركه يدخل واتركونا لوحدنا "

فتحرك الجميع حينها بالتتابع مغادرين في صمت وكأنهم يخشون

وحشة المكان الواسع بعد خروج أجسادهم الكفيلة بملئه بقوة

حضورها مهما اتسع حتى لم يعد موجوداً فيه سوى الجالس خلف

المكتب الفخم وكأن كل واحد منهما يُكمل الآخر يفرد ذراعيه

بينما ترتاح ساعديه على طاولته كأسد لا يليق غيره بعرينه

ونظره مُرتكز على الباب المفتوح وعلى الذي أصبح يقف أمامه

ما أن غادر آخر رجاله وأشار له بيده إشارة فهمها فوراً فأغلقت

يده الباب دون أن يلتفت له وتجمد مكانه ما أن قال الذي قست

نظرته الحادة وقد ملأ صوته الجهوري المبحوح صمت

المكان الواسع

" إن كنت هنا لطلب رؤيتها فلا تتعب نفسك يا رعد "


شد على فكيه بقوة وتقدم خطوتين للأمام وقال بجمود

" أعلم بأنك لن توافق على هذا وما جئت لأجله ولن أفعلها "

وتنفس بعمق حين طال صمته وكأنه ينتظر فقط أن يقول ما لديه

ويغادر ، إن كان عليه تهنئة شقيقته على أمر فسيكون إرجاعها

لمطر شاهين الماضي بكل صفاته فإن كان قد أصبح يبتسم أحياناً

فها قد صار ذلك من الماضي ايضاً ، قال بعد صمت لحظة

" جئت أسالك عن أمر واحد أريد جوابه "

وتابع حين لم يعلق بأي شيء أيضاً

" والدي قبل وفاته بدقائق فقط طلب رؤيتها ولا أحد يعلم لليوم ما
دار بينهما ولا يعلم أحد أيضاً بأني كنت آخر من رآه قبل موته
وليس هي "

شعر باهتمامه لما يقول من اقتراب حاجباه الطويلان شديدا

السواد فتنفس بعمق مجدداً وقال

" طلب أمراً لم أفهمه حتى اليوم .. لا سببه ولا الغرض منه "

واشتدت قبضتاه بجانب جسده وكأنه يفرغ أي انفعال فيهما

وكلماته تخرج بجمود بينما نظراته لم تفارق العينان

السوداء الحادة

" قال سيعود ابن شاهين الآن وعليك أن تعدني بأن ترجعها له
ولا تسمح بطلاقها منه ومهما كانت الأسباب "

ونظر بترقب وضربات قلبه تتعالى للذي أدار مقلتيه جانباً يبعد

نظره عنه دون أن يحرك رأسه ودون أن تتحرك شفتاه بكلمة

واحدة فعلم بأنه يتوقع ذلك أو يعلمه ! أو لم يستغربه ويهتم له ؟

فسحب نفساً عميقاً آخر لصدره وقال

" لا أفهم لما أراد ذلك وأخذ مني عهداً به ! وموقن من أن ما
دار بينها وبينه يشبه الأمر ذاته "

تحركت حينها يد الجالس أمامه وطرقت أصابعه على الأوراق

تحتها في حركة متناغمة ونظره عليها وكأنه لا يسمعه أو لا يهتم

بما يقول أو لا يريد القول كما يُجزم ؟ وذاك ما جعل نبرته تنتقل

للجدية وقال

" ما الذي حدث وكان يحدث في الخفاء ويعلمه والدي ولا نعلمه
نحن عنه يا مطر ؟ "


" رحمة الله عليه "

كان ذاك فقط ما همست به الشفتان الجادة ولازال يبعد نظره عنه

فاشتدت قبضتاه بجانب جسده بقوة وعلم حينها بأنه لن يجيب لأنه

رجل لا يغير قراراته كما عرفه دائماً فقال بضيق خرج

عن سيطرته

" من حقنا أن نعلم فهي شقيقتنا وإن لم تجري دماؤنا في
عروقها "

نظر له حينها صارخاً

" هي من باعت هذا وأنكرته ولست أنا "


جعلته كلماته تلك يتجمد بصمت وليس بسببها فقط بل وكلماته

التي خرجت بعدها بغضب يرمي بسبابته جانباً

" وليس وحدكم بل ومن تجري دماؤهم في عروقها أيضاً "

عاد لشد قبضتيه بقوة كما فكاه اللذان برزا بوضوح وخرجت

الكلمات منه جامدة جمود الصخر

" ما الذي حدث جعلها تتصرف هكذا ؟ ثمة سبب بالتأكيد "

" لأنها حمقاء وبلا عقل "

أبعد نظره عنه ما أن وصلته تلك الكلمات الصارخة وشعر بها

كصفعات قوية لوجهه ، وكما توقع لم ينتهي الأمر عند ذلك وقد

تابع بحدة وبعد أن ضرب الطاولة تحته بقبضة يده

" تحكم فقط ودون أن تسأل ورفضت في كل مرة أن أتحدث
لأتحول لأحمق مثلها وبسببها "

وتلى كلماته تلك صمت وسكون مريب وكأن أحدهما ترك لنفسه

مجالاً ليحرر أنفاسه الغاضبة وترك له الآخر مساحة ليستقبل

سؤاله التالي وهو يرفع نظره به مجدداً وقال بجمود

" ما الذي سيحدث الآن "

وحدقت عيناه بفضول في الذي قال مباشرة وبجمود

" ما أرادته بالطبع "

اتسعت عينا رعد بذهول للحظات وكأنه يتوقع غير ذلك

وهمس بصعوبة

" هل وافقت على القضية ! "

وقف حينها ورفع رأسه بشموخ وقال ببرود وكلمات متأنية

" نعم وإن حكم القاضي بما تريد فهي طالق "

اتسعت عينا رعد حينها وخرج عن هدوئه مجدداً وصرخ بانفعال

" ما هذا يا مطر ! أنت تسبقها بالطلاق هكذا "

قال بحزم ونظرة قاسية

" لم أفعل "

وكان صراخ رعد مصاحباً لرده الغاضب يشير له بسبابته

" بل فعلت وحين سيحكم هو بطلاقها ستكون طلقتها حسب
كلامك هذا "

وتلقف أنفاسه الغاضبة بوجه محمر ولازال ينظر للعينان الحادة

والنظرة المشتعلة في جمود وتناسق غريب ! وخرجت الكلمات

من بين أنفاسه

" متى ستكون تلك الجلسة يا مطر ؟ "

وحين لم يصدر عنه أي رد وقد اكتفى بالنظر لعينيه بجمود بينما

تمسك يده اليمنى ساعد اليسرى خلف ظهره صرخ

مجدداً وبانفعال

" لا تكن مجحفاً في حقها هكذا يا ابن شاهين فهي لها حقوق
كباقي شعبك تماماً "

" ما هو الإجحاف في نظرك يا رعد ؟ "

كانت صرخته مماثلة وإن لم يتغير في وقوفه ولا ملاحه شيئاً

وكأنه يخرج من قلب صخرة صماء وقد عاد للصراخ في

وجهه مجدداً

" تحدث ما يكون ؟ "

وكان جواب رعد الصمت بينما لازالت أنفاسه المتسارعة تعبث

بتفاصيل صدره العريض من تحت السترة السوداء المفتوحة

واحمر جفناه وعيناه تتسع ما أن قال الذي ضرب بقبضته على

صدره وكأنه درع من فولاذ وصوته الغاضب يملأ المكان

" إن كان غرضها بما فعلت إصابتي في مقتل فقد فعلتها وأصابت
هدفها بدقة "

ازداد ارتجاف جفنيه كما احمرارهما وارتفعت قبضته أمامه ودون

شعور منه وكأنه ينوي تحطيم نفسه بها فلم يشعر بأنه ثمة عبارة

قاسية قد يسمعها من رجل كتلك ! وما كان سيكون لها التأثير

ذاته لو سمعها من غيره فهو اعتراف يأبى رجال الحروب الإدلاء

به فكيف إن كان زعيم تلك الفئة من الرجال ؟

تحركت مقلتاه مع حركة الذي غادر طاولته وتحركت خطواته

الثابتة نحوه نظراته القوية كصقر محلق في السماء لم تفارق

عينيه بينما أصابت كلماته عمق قلبه ما أن قال بجمود

وهو يجتازه

" سنترك القضاء يقول كلمته كما أرادت وسيسري كامل حكمه
على الجميع وهي أولهم "

وأغمض عينيه ما أن ضرب الباب الموجود خلفه بقوة وتركه

وحيداً في مكان بدأ يشعر به يضيق رغم اتساعه وارتفعت أصابعه

المرتجفة لربطة عنقه وأبعدها عن مجرى تنفسه بحركة غاضبة

وانهار جسده عند أول كرسي استطاع الوصول له وحضن رأسه

بيديه بينما استند مرفقاه على ركبتيه ينظر للأرض تحته وآخر

كلماته تلك لازالت تضرب أذنيه حتى اللحظة واغمض عيناه ببطء

وهو يهمس

" ليرحمك الله يا غسق إن كان سيعاقبك بالقانون ذاته "


*
*
*

شد خصره بيديه يراقب العمال الذين يحملون قطع الحجارة من

الأرض ليرموا بها لآخرين أعلى شاحنة كبيرة لوضعها هناك بعد

أن اختفت تلك البئر الحجرية القديمة من مكانها وأصبحت أرض

منبسطة تغطيها أتربة رطبة لا دليل على وجوده السابق سوى

تلك القطع الكبيرة من الحجارة المكومة في المكان والتي ستختفي

أيضاً بعد لحظات .

نظر ناحية الذي وقف بجانبه وقال ببرود يراقب ما يفعلون

" أخشى أن اختفائه هو ما سيجلب الشبهات "

أشار شعيب بيده نحوهم وقال بضيق

" بئر قديمة وأزلناها لما ستكون هناك شبهات ؟ "

حرك عيسى رأسه ولازال نظره عليهم متمتماً

" اتمنى هذا فعلاً "

فحرك الواقف بجانبه رأسه متأففاً قبل أن ينظر لجانب وجهه

وهمس بكلمات حادة

" بقاؤها هو ما بات خطراً الآن وأنا طلبت فعل هذا منذ أشهر
لكن شقيقك ذاك لا يفعل إلا ما يريد "

وكان تعليقه الصمت التام لازال نظره على ما يفعل عمالهم

بالتتابع قبل ان يقول بجمود

" متى قال الطبيب بأنه يمكنه مغادرة المستشفى ؟ "

تمتم شعيب ببرود تراقب نظرته الضيقة وجهه

" عليه البقاء ليومين آخرين "

أدار وجهه حينها ونظر له وقال يشير برأسه جانباً

" تفاهم مع والدتك إذاً فهي لا تتوقف عن مطالبتي بأخذها له
كلما رأتني "

كان شعيب من نظر لما يحدث أمامه حينها وقال بجمود

" ستراه حين يكون هنا وأخبر أنت شقيقتاك بأمر الضيوف
وسيحمل العمال الذبائح للمنزل لإعداد الطعام لهم منذ الليلة "

ونظر له وهو يتابع بأمر

" وقم بالإشراف عليهم بنفسك والتأكد من جلبهم لكل ما تحتاجان
من السوق "

شد شفتيه بعدم رضا واشار بيده جانباً وقال بضيق

" وحتى متى سيأكلون وينامون هنا ؟ كيف ستعلم متى يكون
وقت تلك المحاكمة ؟ "

ابتسم بسخرية وهمس ينظر لعينيه

" وضعت من يراقب مبنى المحكمة كما منزل وزير العدل ولن
يكون ثمة ما هو أسهل من معرفة وقتها ولا تنسى بأنها ليست
أي جلسة عادية ليتم وضع وقت بعيد لها أو تأجيلها "


وعاد بنظره للحجارة التي بدأ يقل عددها بشكل ملحوظ وقال

بجدية يرفع حاجبه الأيسر

" وساعتان فقط سيكون وقتاً كافياً لنكون هناك "

حرك عيسى رأسه موافقاً وقال ينظر لجانب وجهه

" لا تنسى إذاً بأنه ليس لتلك المحكمة باب واحد فقط "

وراقبته نظراته وهو يتحرك من مكانه ويسير أمامه متمتماً

" أعلم .. افعل أنت فقط ما طلبت منك "

وغادر مبتعداً نظراته تتبعه وحرك رأسه بإيماءة خفيفة هامساً

" إن فوتنا هذه الفرصة فلن نحصل على مثيل لها يا شعيب ..
لابد وأنك واثق تماماً من هذا "



*
*
*

رمى حجر آخر من يده بحركة كسولة فتدحرج لأسفل الجبل

مصدراً صوتاً خفيفاً في السكون حوله سوى من صوت الريح

وبعض العصافير التي بدأت بالعودة لأعشاشها بينما نظره يهيم

في الفضاء الواسع بشرود لا شيء حوله وأمامه سوى الوديان

الرطبة والتلال المغطاة بالحشائش الخضراء والقليل من الأزهار

البرية تتراقص مع الريح قد امتدت في مجموعات متفرقة حتى

أرض الجبل الصغير تحت قدمية .

رمى حجراً آخر تبع العشرات قبله بذات الحركة الآلية وكأنه رجل

آلي مبرمج لا يفارق التجهم ملامحه كما حدقتاه الرمادية الجامدة

جمود الصخور حوله وذات الأحداث تدور وتكرر نفسها في رأسه

لكن بحركة عكسية منتظمة .. ما حدث معه اليوم وأهمه اختفاء

تلك الممرضة وللأبد واكتشافه القاسي بأنهما جارتان أيضاً ..

موت زوجة والده وسجن والده وانضمام شقيقيه لقائمة

مسؤولياته .. قدومه للجنوب وزواجه الغريب وفرحته المبتورة

بأنه سيؤسس عائلة له أخيراً زوجة تتفهم ظروفه وأبناء يربهم

ليكونوا ما يريدون هم عكس ماضيه تماماً .. وعاد لسبب قدومه

للجنوب أساساً لمنزلهم القديم لشقيقته لمعاناتهما والتي هيئت له

أمنياته الحمقاء بأنها مرحلة عذاب طويلة وانتهت أخيراً بالرغم

من كل ما خلفته في نفسيهما ليكتشف أنه والهموم والخذلان لا

يفترقان أبداً .

رفع حجر آخر ورماه بعيداً بطول يده وكأنه يرجم كل تلك

الذكريات والمآسي المتتابعة والتي لا يمكنه نسيانها ولا إخراجها

من قلبه لأنها السبب في كل ما وصل له وما سيصير إليه كرجل

فاشل لا يعرف من الحياة سوى الحُمق وحسن النية ولا يُفلح

لشيء غير أعمال من لا شهادة لديهم .


استغفر الله بهمس أجش ونظر لساعته قبل أن ينظر غرباً حيث

توارت الشمس الباهتة خلف الجبال البعيدة وبدأ لون الشفق

يتسلل واضحاً للسماء فوقف ونزل بخطوات سريعة لجذب

الأرض لجسده وتوجه ناحية سيارته أخرج السجادة التي يحتفظ

بها فيها وصلى المغرب أولاً لا يُسمع في ذاك الصمت الشديد

الواسع سوى صوته الجهوري لتلاوته للآيات بتأني وتكبيراته مع

كل حركة خلال الركعات الثلاث التي ما أن سلم منها غادر من

هناك يقود سيارته بشيء من السرعة عكس وقت قدومه لهذا

المكان تردد شفتاه تسابيح ما بعد الفروغ من الصلاة متوجهاً

ناحية البلدة المتكونة من قسمين قسم للمباني القديمة المتراصة

تنتهي بأحياء أفضل منها حالاً وقسم للمزارع التي اتخذت مساحة

واسعة لا يمكن للنظر إدراكها ولا من مكان مرتفع تتوسطها

منازل مالكيها متفرقة وبعيدة .

توجه بسيارته لتلك الناحية وبدأت عجلاتها العالية تخترق

طرقاتها الترابية حتى ظهر له المنزل الواسع الذي يمثل منزله

جزءاً منه .. المنزل الطيني الذي تم تجديده بشكل كامل عدا

الجزء الذي يخصه منه وإن كان خضع للصيانة أيضاً لما استطاع

العيش فيه وكل ما يخشاه أن يفقده يوماً ما ليصبح بلا مأوى

يمكنه تحمل تكاليف أجرته .

ضرب بكفه على جبينه يوبخ نفسه على نسيانه التام لمكالمة

أويس والذي أخبره منذ الصباح بأنه ينتظره هنا قبل مغادرته

لحوران لكن انشغاله بنقل ابن غيلوان ثم خبر فرار تلك الممرضة

مع عائلتها أنساه كل ما كان يريد فعله .

أوقف سيارته أمام باب المنزل وأخرج هاتفه واتصل به فوراً

فهو لم يرى سيارته أمام باب منزله وهو قادم ، وبعد رنين دام

لعدة ثواني فُتح الخط وكما توقع وصله صوته البارد مباشرة

" لما لا تضبط ساعتك جيداً أو تنظر لمغرب الشمس "


لم يستطع منع الابتسامة الخفيفة التي تسللت لملامحه المتجهمة

وقال معتذراً

" أنا آسف حقاً يا أويس وقسماً أني غادرت في استعجال ونسيت
الأمر تماماً ... المعذرة منك "

وصله صوت تنهده الواضح قبل أن يقول

" حسناً لابأس سنتحدث صباح الغد "

فتح باب السيارة وقال وهو ينزل منها

" هل ستبيت الليلة في حوران ؟ "

قال ذاك من فوره

" لا .. أنا في الطريق الآن نصف ساعة تقريباً وأصل "


قال وهو يغلق باب السيارة

" سأنتظرك إذاً ونتحدث عمّا كنت تريد أن نناقشه "

وتنهد بعمق ما أن وصله صوته الهادئ

" اترك الأمر للغد فسأكون موجوداً في أباجير .. كلانا متعب الآن
وبحاجة للأكل والراحة "

حرك رأسه موافقاً وهمس

" حسناً كما تشاء "

وتابع من فوره محرجاً

" وأعتذر مجدداً يا أويس "


وشعر بالارتياح ما أن وصله صوته مختلطاً بابتسامة صادقة

" لا تهتم للأمر يا صديقي .. نلتقي في الغد "

همس مودعاً له قبل أن تتجمد أطرفه وتتسع عيناه ونظراته

المستغربة تنتقل غرباً وأرهف سمعه وكأنه يريد التأكد من

سماعه لتلك الخطوات وكان سيتحرك في ذاك الاتجاه لكنه تراجع

في قراره لازالت نظراته الغائمة تحدق في تلك الجهة تحديداً حيث

صهريج المياه والساقية تحفها أشجار السرو المتراصة من

الخلف في صف طويل والتي يتم استخدامها لصد الرياح القوية

المغبرة عن المزروعات والأراضي الزراعية ينتظر أن يتكرر

الصوت مجدداً لكن لا شيء سوى صوت حفيف أوراق

الأشجار العالية !.

وقف مكانه للحظات ولم يدخل منزله يريد التأكد من شكوكه

ومرت الدقائق متعاقبة ولا شيء يُسمع حوله حتى كان سيستدير

متجهاً لباب المنزل لكنه توقف مكانه وغضن جبينه باستغراب

ينظر لذات الجهة قبل أن تتسع عيناه بصدمة حين تكرر صوت

الخطوات مجدداً وكانت وكأنها تبتعد على فترات متقطعة

فاضطرب قلبه وعادت خطواته لحثه على التحرك هناك والتأكد

من هوية ذاك المتسلل فلا وجود لأي حيوانات هنا ولن تكون

الأقدام إلا لبشري ! لكن عقله رفض مجدداً ففي تلك الجهة

خمسون متراً فقط ما يفصل أرض أويس عن أراضي أولئكَ

الوحوش وهو وعده منذ استأجر لديه وعمل معه هنا بأنه لن

يقترب من اراضيهم أو يدخلها وهذا حال عمّاله أيضاً تلك الجهة

محرمة تماماً عليهم تجنباً لأي مشكلات معهم ولكي لا يعطوهم

الفرصة لسلب أرضه منه كما فعلوا مع الكثيرين بحجة يقدموها

لمشايخ القرى ولا أحد يمكنه معارضتهم حينها .

شد قبضتاه بقوة ولازال ينظر لتلك الجهة بنظرات تبدلت للغضب

بسبب عجزه عن الركض هناك والإمساك بعنق ذاك الشخص ،

وانتقلت نظراته لباب منزله وتعالت أنفاسه وهو يتذكر حديث

أويس هنا سابقاً وحرك رأسه بعنف مستغفراً الله بهمس فيكفيه

حتى هذه النقطة لا ينقصه المزيد لليوم .

فتح باب منزله ونظر مرة أخيرة لتلك الجهة الساكنة تماماً ثم دخل

مغلقاً إياه خلفه وتقدمت خطواته نحو الداخل .. كان السكون يعم

المكان لا صوت كرة لا صراخ وضحكات وعلم فوراً بأنهما نائمان

ونظر لساعته فهذا ليس وقت نوم !.

نظر ناحية المطبخ ما أن صدر من تلك الجهة صوت حركة خفيفة

ووقع نظره فوراً على التي وقفت أمام بابه ، كانت تنظر له

بصمت بينما أشاح هو بوجهه ونظره عنها سريعاً وكأنه يخفي أي

مشاعر تظهر فيهما .. أي غضب وكراهية منها قبل نفسه وتمنى

أن وجدها نائمة أيضاً ولم تستيقظ حتى الصباح .

" تأخرت يا يمان !! "

كان صوتها حزيناً قلقاً كما نظراتها له بينما لازال هو يتجنب

النظر لها أصابعه تشتد على المفتاح فيها بقوة وملامحه لا يكسر

جمودها سوى الحدة في حاجبيه المعقودان فوصله تبريرها

بصوت حزين

" شقيقاك لم يتوقفا عن السؤال عنك وبكى جاد كثيراً يظنك

رحلت أيضاً وتركتهم حتى غلبه النعاس ونام "

عم الصمت المكان حتى يئست العينان الخضراء الحزينة من

انتظار أي تعليق منه ليناقض توقعاتها وهو يرفع نظره لعينيها

وإن كانت نظرة قاسية تعبر عمّا كان يريد قوله حينها بجمود

" نقلت نوح غيلوان لمستشفى إحليل بعدما حاول أحد سكان
البلدة قتله "

ارتفعت يدها لصدرها وشهقت مصدومة فلم تكن تتخيل يوماً أن

يتجرأ أحد على التفكير في فعلها ! وتجاوزت استغرابها في أن

يكون هو من أسعفه بصدمتها الأخرى فأن يحكي لها ما حدث معه

وفعل أمر اختفى وانتهى منذ تلك الليلة ! لكنها لم تكن تعلم بأن

لهذا سبب أيضاً وبأنه كان سبيلاً لكلماتها التالية حين

قالت بترقب

" ومن هذا الذي يفعلها ! "


فاستدار ناحيتها بكامل جسده حينها وارتسمت ابتسامة ساخرة

على شفتيه وقال ينظر لعينيها تحديداً

" والد ممرضة في مشفى القرية تدعى فجر "

ولم يستغرب الشهقة التي كتمتها حينها بين اضلعها كي لا تخرج

وقال بابتسامة مائلة لم تعبر عن النار المشتعلة داخله كما

نبرته الباردة

" تعرفينها بالتأكيد فهي التي عاينتك وقت الحادث "

تلعثمت وانعقد لسانها للحظات قبل أن تحرك رأسها كالمنومة

تومئ بنعم فلن تستطيع نكران ذلك بينما انتظر هو أكثر منه وبأن

تعترف بأنها كانت تسكن بالمنزل الملاصق لمنزلهم لكنه يعلم

أيضاً بأنه عبثاً ينتظر وبدأت خيالات صوت الخطوات في الخارج

تهاجمه مجدداً ولم يكن يعلم بأن نظراته كانت تتحدث نيابة عنه

وبأنها أوصلتها للهاوية تصرخ وهي تهوي ولا أحد يسمعها ،

وتدلت الدمعة اليتيمة من رموشها ما أن استدار مولياً ظهره لها

وتحرك باتجاه الغرفة التي دخلها ضارباً بابها خلفه بقوة أرتجف

جسدها الذي انتفض بأكمله ودخلت المطبخ راكضة كجريان

دموعها فوق وجنتيها حتى التصقت بجداره وتركت العنان

لعبراتها تلصق وجهها به بينما تضربه بكفها وكأنها تستجديه

النطق وإخبارها بما عليها فعله فها هي شكوكه أخذته لتلك

الحادثة والتقرير الذي أخبرته به فجر وزورته وبالتأكيد ستنتابه

الشكوك حول الأمر وبأن الحادث لم يكن السبب بل أمر قبله

تخفيه عنه .

كتمت عبراتها تشهق في صمت ومسحت عيناها بطرف أكمام

فستانها ما أن سمعت باب الغرفة يُفتح ثم صوت خطواته تلاه

صوت باب الحمام الحديدي فتوجهت نحو قدر الطعام وأشعلت

النار تحته وبدأت تعد الصينية وتضع الزيتون والخبز فيها تمسح

عيناها كل حين تمنع تسلل أي دمعة أخرى منهما ، وما أن سخُن

الحساء سكبته في طبق عميق ووضعته في الصينية وحملته

برفق وتوجهت ناحية الغرفة بخطوات حرصت لتكون سريعة

ومتزنة ذات الوقت كي لا يقع طعام عشاءهم من يديها وكي

تغادر الغرفة قبل خروجه فحين وصلتها كان بابها مفتوحاً كما

أن شقيقاه جالسان كليهما فتلك الضربة القوية للباب كانت

ستحيي ميت وليس توقظ طفلاً من نومه .

كانا منشغلان بهاتف بسيط الشكل والذي علمت سريعاً بأنه

اشتراه لنفسه بينما استثناها هي وتراجع عن كلامه السابق

بشراء واحد لها أيضاً ولن يفعلها بالتأكيد بعد أن أصبحت مشوهة

وامرأة مشبوهة في نظره .


ملأت الدموع عيناها ووضعت الصينية قربهما وحيث سيجلس

بالتأكيد وهمست ببحة وهي توزع الخبز فيها بحركة سريعة

" لا تقربا الحساء فهو ساخن حتى يعود يمان "

وغادرت من فورها دون أن تسمع أي تعليق منهما ولن تتوقع

ذلك مع انشغالهما الفضولي مع الهاتف وإن كان بسيطاً

ومختصراً ، عادت للمطبخ وجلست مكانها عند نهاية الجدار

تحضن ركبتيها لصدرها وتنظر للفراغ بشرود حزين تستمع

لصوت الباب ثم خطواته ثم إغلاقه للباب الآخر فرفعت رأسها

عالياً تتكئ به على الجدار خلفها وامتلأت عيناها بالدموع تشعر

بها وكأنها عشرات الأبواب تُغلق بينهما ولا يمكن فتحها مجدداً ،

وكم تمنت لحظتها أن كان لها مكان تذهب إليه فشهامة هذا الرجل

وحدها التي منعته من طردها للشارع حتى الآن ومؤكد لن تسمح

له كرامته كرجل بأن يغفر لها ما فعلت إن علم بالحقيقة كاملة

وباعتراف منها لكنها كحيوان شريد لا أصل ولا عائلة لها ..

لا هي ابنة من تحمل اسمه ليكونوا عائلتها ولا هي

ابنة من اعترف بأنها من صلبه لتجدهم سنداً لها فلا شعيب

وإخوانه يريدونها أو يعترفون بها ولا أويس الذي يكرهها

أضعاف كرههم لها ، أما والدتها فلا تنتمي لهذه البلاد بأكملها

وتركوها هكذا كريشة تتقاذفها الرياح حيث تشاء .


دفنت وجهها في ركبتيها وساعديها وهمست باكية بحرقة

" يا رب إن كنت تعلم أن موتي خيراً لي فخذني إليك فلا مكان
يقبل بي غير قبري "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 20-07-21, 11:25 PM   المشاركة رقم: 1583
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

غادرت غرفتها وقبلها سريرها بعد أن جافى النوم عينيها رغم

محاولاتها الفاشلة لساعات ، وكيف لها أن تنام وهي تشعر بكل

ذاك الغضب يغلي في عروقها وصولاً لرأسها من كل شيء ومن

الجميع وحتى من نفسها ، وصلت باب الغرفة ومقصدها الأساسي

وحركته نحو الداخل ببطء حتى ظهر لها جسد النائمة هناك

وتغضّن جبينها باستغراب ما أن وقع نظرها على وجهها وعلى

وجنتيها المحمرتان بشدة والأنفاس التي كانت تخرج متلاحقة

من بين شفتيها المرتجفة والعرق الذي كان يتصبب من جبينها

مما جعل خصلات من غرتها تلتصق به وبجانب وجهها فدفعت

الباب بقوة وتوجهت نحوها بخطوات مسرعة ورغم تيقنها من

ظنونها إلا أنها لامست جبينها براحة يدها وكما توقعت كانت

ساخنة للغاية فأزالت اللحاف من على جسدها بحركة واحدة

سريعة وضربت براحة يدها على وجنتها بخفة مناديه

" ماريه "

لكنها لم تستجب لها أو تفتح عينيها رغم تكرارها لضربها

ومناداتها حتى ارتجفت شفتاها أكثر وخرج همسها المتعب

المتقطع ولم تفتح عيناها بعد

" أمي .. أبي "

فعادت لضرب وجهها مجدداً قائلة برجاء حزين

" افتحي عينيك ماريه أرجوك "

وكانت النتيجة ذاتها لا شيء سوى همسها الحزين المرتجف

والمنادي لهما وترجيها بأن لا يتركاها فعلمت بأنها غائبة عمّا

حولها تماماً وبأن حرارتها ستكون وصلت لمرحلة الحمة الشديدة

فغادرت الغرفة بخطوات راكضة حتى كانت في بهو المنزل المظلم

الساكن تماماً واتجهت يساراً ومقصدها غرفة والديها لكنها غيرت

رأيها فجأة كما اتجاهها ذاك حين تذكرت ما حدث سابقاً وحين تم

نقلها للمستشفى بسبب الحادث الذي تعرضت له وأين انتهى بها

الأمر فكانت وجهتها الجديدة علبة الإسعافات المعلقة على الجدار

سحبت كرسياً وصعدت لها فلن يفعل لها الأطباء أفضل مما

ستفعله هي .


أخذت منها ما تحتاجه وعادت بخطوات راكضة باتجاه الغرفة وما

أن دخلتها توجهت نحو التي لازالت على ذات الحال الذي تركتها

عليه فوضعت ما في يديها على السرير الذي جلست عند طرفه

ملاصقة لجسدها وسحبت يدها وساعدها الساخنان بشدة

ووضعتها في حجرها وقامت بربط الحزام المطاطي الخاص حول

ذراعها وعقمت باطن مرفقها قبل أن تجهز الحقنة وتحقنها ببطء

في وريدها نظرها ينتقل بين ما تفعل يداها وتألم تلك الملامح

بحركة طفيفة حتى انتهت ووقفت حينها وتخلصت من الحقنة

وغادرت الغرفة مجدداً وبذات الخطوات الراكضة حافية القدمين

ووجهتها هذه المرة المطبخ والذي خرجت منه بعد لحظات

قصيرة سبقها صوت ضجيج واضح في الداخل تحمل في يديها

إناء به ماء بارد ومنشفتان صغيرتان وعادت للتي وجدتها على

حالها سوى أن هذيانها المتقطع قد توقف فجلست بقربها ولم

تتوقف عن تغيير المنشفة بالأخرى حتى عادت حرارتها لمستواها

الطبيعي فتنهدت حينها بارتياح ومسحت يدها على وجهها تنظر

بحزن لملامحها المتعبة وقد انتظم تنفسها ونامت أخيراً ، وكم

آلمها أنها لم تنادي أحداً غير والديها في عالمها ألا واعي ولا

حتى ذاك الرجل الذي كانت متعلقة به حد الجنون !

انحنت نحوها وقبّلت جبينها وغطت جسدها باللحاف الخفيف

تدعوا الله هامسة بحنق أن ينتقم من كل من آذاها ويرى بأنه لا

أحد لها يردعه عن فعل ما يريد بالرغم من أن ما في قلبها لا

يطابق تلك المواصفات سوى شخص واحد تكرهه كل يوم أكثر .

مسحت بعدها الماء الذي تناثر منها على الأرض وحملت كل ما

تبقى هناك وأعادتهم مكانهم قبل أن تعود للغرفة مجدداً تأكدت

بأنها بخير ونائمة فعلاً وغادرت حينها مغلقة الباب خلفها بهدوء

وعادت لغرفتها ، صلت الفجر الذي كان قد مضى على وقته

قرابة النصف ساعة حينها لكن الشمس لم تشرق بعد وفشلت

مجدداً في أن تحصل وإن على القليل من النوم عيناها تنظران

للسقف كقطة وحيدة في الظلام وفكرة واحدة تسيطر على عقلها

وهي أن تكون مكانها الآن وتُظلم وتُضام ولا أحد يهتم لألمها

وتُهمل من الجميع حولها لأنه لا أحد لها يقول لهم توقفوا عن

فعل ذلك .

نظرت جهة النافذة المتوارية خلف ستار سميك وقد بدأ النور

يتسلل خفيفاً بين فتحاتها وتنهدت نفساً عميقاً تتذكر لوم والدتها

الدائم لوالدها في طفولتها تُحمله ذنب تحويلها لرجل بدلاً من

امرأة فكان تعليقه في كل مرة بأنه لا يريد لابنته أن تتألم يوماً

حين لا تجد من يقف أمامها ويحميها فهو رزق بها وقد بلغ

الخمسين عاماً وعلمت الآن بأنه فعل الصواب تماماً ، بينما شارك

الجميع في جعل ماريه فتاة حساسة ضعيفة تحتاج دائماً لمن يقف

معها ويردع الخطر عنها حتى بات الجميع يقرر عنها دون

احترام لرغباتها .. جميعهم وحتى تيم الفتى ووالدته المتوفاة في

رأيها يحملون الذنب ذاته بل وأكثر من البقية فلو أنهم علموها أن

تدافع عن نفسها بدلاً من حمايتها والدفاع عنها لما كان يستطيع

أي شخص الآن كسرها أو جرحها أو حتى إكراهها على ما لا

تريد خاصة ذاك الرجل الذي يتحكم بها وكأنها دمية لعب في

يديه يأخذها حين يشاء ويرميها خارج منزله وحياته متى

وكيف يشاء .

رمت اللحاف عن جسدها وجلست حين أعلنت يأسها مجدداً في أن

يتغلب النوم على عينيها وعقلها قبلهما وغادرت غرفتها متجهة

للغرفة القريبة منها فتحت الباب بهدوء ونظرت للنائمة كما

تركتها فيبدو أن خافض الحرارة قد جعلها تنام وهذا جيد .

دخلت مغلقة الباب خلفها وسحبت كرسي طاولة التزيين وجلست

عليه قربها تنظر لملامحها النائمة بسكينة رغم احمرار جفنيها

وتورد وجنتيها وشعرت بالحيرة فهل يمكن لهذه الملامح البريئة

والقلب الطيب أن تتغير لو أنها تربت في بيئة مختلفة ؟

أم أنها تجسدت مع تكوين جسدها وملامحها الجميلة !

كيف لها أن تكون النقيضان حينها بين ملامحها وشخصيتها ؟!

أبعدت نظرها عنها وتنهدت بأسى متمتمه

" كان بإمكانها قول كلمة لا على الأقل "

وابتسمت كالبلهاء حين شعرت بثقل جفنيها معلنان رغبتهما في

النوم فارتمت بنصف جسدها على السرير أمامها واتكأت بجانب

وجهها على ساعديها مغمضة العينين فيبدو أنها لم تستطع النوم

لأنها ابتعدت عن مصدر أفكارها .


*
*
*

رتبت الأطباق في الصينية ونظرت لابنتها التي جلبت كوب

العصير من الثلاجة ووضعته فقالت وهي تنظر له

" لو أنك وضعتِ لها إبريقاً صغيراً أفضل من هذا "

فاستعجلتها وهي ترفع الصينية كي لا تفسد مخططها قائلة

تتجنب النظر لها

" هذا كي لا تشربي منه أمي فهو بارد "

أخذت الصينية منها رغم عدم اقتناعها لكنها أطاعتها ممتنة أن

دست لسانها في فمها وهما تطبخان طعام العشاء على غير

العادة حين تكون جليلة في الأمر !

وخرجت بالصينية تدعو الله في قلبها أن يريح قلب ابنتها تلك

ويهديها الصواب كي لا تكون نهايتها في هذه الحياة سيئة بسبب

لسانها وسواد قلبها .. ولن تلوم أحداً غير نفسها لأنها من ربتها

مدللة رغم قلة حيلتهم ذاك الوقت لكنها اعتادت أن تنال كل ما

تريده وإن كان في يد غيرها ولم يكن في نيتها سوى تعويضها

عن فقدها لوالدها فكانت تحرم نفسها من كل شيء كي تشتري

لها ما تريد وتعمل بيديها ولا تنام الليل بطوله لتجني القليل من

المال ثم تصرفه على طلباتها التي لا تنتهي كي لا تحرمها أي

شيء يوفره الرجال لبناتهم ولا ترى في عينيها نظرة كسيرة لأنها

لا تملك مثله ، وحين خطبها عمير عاملها ذات المعاملة وتعلم

السبب لأنه أحبها فعلاً وتغاضى عن كل عيوبها ولم يتأخر

زواجهما لوقت سفره إلا بسبب شروطها التي لم تكن تنتهي أبداً

وهو شاب في بلاد حروب بالكاد جمع الدرهم فوق الآخر ودون

مساعدة من والده وبنى منزلاً مستقلاً له وكلما نهتها غاضبة قال

مبتسماً

( اتركيها تطلب ما تريد عمتي )

وظهرت الحقيقة القاسية عند أول منعطف واجههما ومن قبل أن

يتزوجا ، واكتشفت بشكل أوضح نتائج تربيتها السيئة لها حين

تزوجت بعد رحيله ولم تهتم كما تخلت عن زوجها ذاك عند أول

مشكلة واجهته ولم تهتم أيضاً ولم تقف بجانبه كأي زوجة صالحة

تتذكر له حسن معاملته لها وأنه لم يحرمها شيئاً كانت تجلبه

أمواله فحين اختفى المال انتهى دوره بالنسبة لها .

صعدت عتبات السلم تنهي كل أفكارها تلك فلوم نفسها لن يجدي

في شيء وقد نالت عقابها وهي تراها تخطئ كل يوم مقتنعة

تماماً بأنها على صواب بينما تعاني هي ويلات غضبها ألا مبرر

في نظرها .

ابتسمت وتغير كل مزاجها ذاك ما أن وصلت للأعلى ووقع نظرها

على المتكئة بالعرض فوق الأريكة تنظر لشاشة التلفاز الضخمة

المعلقة على الجدار تتكئ برأسها على مسندها وتدلت يدها وجهاز

التحكم فيها نحو الأسفل تحركها بعشوائية وبدت في فستانها

الأصفر الجميل كقطعة حلوى .. فمن هذا الذي يرى أن المرأة إن

بلغت الثلاثين عاماً كبرت فليأتي ليغير نظرته تلك بالكلية !.

ما أن تقدمت بضع خطوات ناحيتها وشعرت بوجودها حتى جلست

مسرعة ووقفت وتوجهت نحوها بخطوات واسعة وأخذت الصينية

منها قائلة بإحراج

" أتعبت نفسك عمتي "

فقالت تنظر لها مبتسمة وهي تسير بها باقي المسافة

" وما التعب ونحن نعد الطعام إن معك أو بدونك "


قالت مبتسمة تضع الصينية الكبيرة على الطاولة

" سلمت يداك ولا تعيديها مجدداً "

ضحكتا معاً بينما أمسكت جليلة بيدها وقالت تسير بها

نحو الأريكة

" ستتناولين الطعام معي فلن آكل كل هذا وحدي بالتأكيد "

جلست حيث أوصلتها وقالت مبتسمة

" بالتأكيد سأتناول الطعام معك لكن ليس لكثرته بل لأتأكد
من أنك تناولت عشاءك بشكل جيد "

فضحكت وقالت وهي تسحب الكرسي لتجلس مقابلة لها

" من حسن حظي أني تركت والدتي هناك في العمران
لأجدها هنا "


وجلست تنظر لها مبتسمة بصدق يوثق كل كلمة قالتها فهذه

المرأة فعلاً يمكنها أن تكون والدة لكل شخص يعرفها ويتعرف

عليها ولولا سلوك ابنتها ناحيتها لكانت من نفسها نزلت وقضت

يومها معها تطبخان وتتحدثان وتتسامران بدلاً من مواجهة

الجدران هنا فحتى التلفاز جلست اليوم أمامه في انتظارها فقط

لأنها تعلم بقدومها فلم تكن يوماً من عشاق الجلوس أمامه وكان

يومها مزدحماً ولديها دائماً ما تفعله .

ماتت ابتسامتها وارتفع نظرها لها ما أن قالت باسمة

" انتظرت عمير أن يأتي وتتعشيا معاً لكن رجال مطر شاهين
لا يوفون بوعودهم للنساء أبداً "

فأخفت حدقتاها بإنسدال جفنيها الواسعان عليهما ولم تعلق تنظر

للكوب الذي وضعته لها أمامها قائلة

" هذا نعده نحن هنا في المنزل وسيعجبك طعمه كثيراً "

ونظرت لها وقالت مبتسمة ما أن عادت جالسة مكانها تنهي

ما قالته سابقاً

" مؤكد ستنتهي ظروف البلاد سريعاً وسيتغير نظام عمله "

رفعت الكوب بين يديها وقالت ونظرها شارد في لونه الغريب

لاختلاط الفواكه المتعددة فيه

" أنا أعلم جيداً بأي رجل تزوجت فلن أتصرف كمراهقة صغيرة
تطالبه بالتواجد معها طوال الوقت "

ابتسمت لها تلك العينان المُحبة وقالت صاحبتها مبتسمة

" زادك الله عقلاً .. سبحانه من كملك به "

ابتسمت لها بامتنان ورفعت الكوب لشفتيها ورشفت منه رشفة

صغيرة ووضعته مكانه ما أن قالت الجالسة أمامها

" لا تشربي العصير فقط فتمتلئ معدتك عليك أن تأكلي أيضا "

ابتسمت وقالت

" طعمه رائع فعلاً "

حركت رأسها وقالت باسمة

" أجل فبثينة تبدع في إعداده منذ أعوام "


ماتت ابتسامتها في رد فعل لا إرادي وشعرت بذاك الانقباض

الغريب كلما رأتها أو سمعت اسمها أو حتى تذكرتها وخرج

السؤال دون شعور منها حينها وهي ترفع نظرها بالتي بدأت تضع

اللحم أمامها

" منذ متى وهي مطلقة ؟ "

تنهدت التي استبدلت صحن الخضار ليصبح أمامها وقالت

" بعد عودة عمير فهو من سعى لإجبار زوجها على أن يطلقها "

" أجبره ! "

همست بتلك الكلمة اليتيمة في صدمة وقالت التي رفعت

نظرها لها

" نعم فهو تزوج عليها ثم اشترط بقائها إن أرادت أبنائها
لأنه يريدهم معه ورفض تطليقها كي لا تنال حضانتهم
حسب القانون "

حركت رأسها في ذهول وهمست

" وكيف استطاع إجباره دون تنازل ! "

حركت تلك كتفيها وقالت ترفع الملعقة

" بالتراضي فعمير استطاع أن يعلم بذكاء الرجل أن الطرف
الآخر يمكن التعامل معه بالحسنى ، وكان ذاك أيضاً يدرك بأنه بعد
عودته لم تعد بثينة المرأة التي لا سند لها ومؤكد خشي على
نفسه من أن يؤذيه وهو رجل مطر شاهين المقرب فتفاهما على
أن يطلقها وينال حقه في رؤيتهما دائماً ودون دفع نفقتهما "


وابتسمت بسخرية وهي ترفع الطعام لفمها قائلة

" لو فكر قليلاً في أنه يشبه زعيمهم في عدله ما كان خاف من
رد فعله حيال رفضه "

كانت تحدق فيها بتفكير وابتسمت ما أن أشارت لها وهي تمضغ

الطعام لتأكل فرفعت ملعقتها وبدأت في الأكل وإن كان ذهنها

منشغل تماماً بما قالت حتى أنها لم تكن تعلم ما أكلت تحديداً ، ولم

تستطع نهاية الأمر منع السؤال الذي خرج متحرراً منها

" ولما تطلقا بما أنه حسن خلق ؟! "

كانت تعلم بأنه سؤال غير لائق وكأنها تقول لها ابنتك هي السيئة

بما أنه لديهما أبناء ، وتوقعت أن تجد أعذاراً لها كأي أم تخجل

فقط من قول الحقيقة وهي من ربت تلك الابنة لكنها حطمت جميع

توقعاتها حين قالت بعد تنهيدة طويلة وبنظر شارد

" ابنتي تكره فكرة أن تعيش في هذا العالم دون أن تمتلك كل ما
تتمناه وتريده وانتكاسة زوجها المالية فاقمت المشاكل بينهما مما
جعله يتزوج بأخرى ويعيشان شبه منفصلين كلياً لا يدخل المنزل
سوى لرؤية أبنائه وكانا يتشاجران أيضاً في تلك الزيارات وتعذّر
عن زواجه بأخرى أنه لم يعد يطيق العيش معها "


ورفعت نظرها بها وهي تتابع بحزن

" ثم بدأ يتحدث عنها بسوء وأنها كانت كذلك طوال سنوات
زواجهما وأنه كان يسكتها بماله فقط "


أخفضت رأسها وشعرت بالندم وهي ترى الإحراج في ملامحها

كما الحزن في عينيها التي هربت بهما منها ورفعت نظرها لها

مجدداً وقالت

" لا يحق له قول ذلك عنها ولو كان صحيحاً "

ونظرت لها باستغراب ما أن تبدلت ملامحها للابتسام فجأة وقالت

" لم يكن ثمة ما يمنعه سوى عودة عمير والذي قال عبارة

واحدة فقط حينها

" إن أرادت هي الطلاق منه فعليه فعلها وإن كانت مخطئة ولا
يعتقد بأنه لا أحد وسند لها ولوالدتها "

ولمعت عيناها بحزن وهي تلامس صدرها بيدها ونظراتها تهيم

للفراغ وقالت

" كان رحمة من الله لنا فما كانت لتستطيع ولا إعالة ابنيها إن
هو طلقها وتركهما لها "

وابتسمت بحزن وهي تنظر لعينيها مجدداً متابعة

" وتعهد بأن يهتم بي وبها وأبنائها وها نحن نتقاسم معه حتى
منزله وحياتكما الخاصة "

شعرت بغصة في حلقها وندم قاسي لتضايقها سابقاً منهم ومدت

يدها وأمسكت بيديها اللتان كانت تضمهما في حجرها وقالت

" كيف تقولين هذا عمتي فالمنزل لكم أنتم عائلته أنا امرأة جلبتها
كلمة رجال وتغادر بكلمة واحدة منه كما تجلب أخرى "

قالت مسرعة تمسك بكفها ذاك

" لا فرق الله بينكما يوماً بنيتي "
وابتسمت بحب متابعة

" عمير يستحق امرأة مثلك ولن يجد أفضل منك أبداً "

ابتسمت لها ممتنة وهي تبعد يدها وقالت وبكل صدق رغم كل ما

تراه من ابنتها تلك

" أتمنى من الله أن يعوضها خيراً مما فقدت فالرجل بالفعل إن لم
يخف الله فلن يخاف سوى أهل الزوجة أما إن لم يجد من يخافه فسيظلمها دون تراجع "

قالت الجالسة أمامها بضحكة صغيرة

" وهل ستهتم المرأة لعوض بعد أبنائها ؟ ستكرس نفسها
فقط لتربيتهم "

وأشارت بيدها للطعام قائلة

" هيا مدي يديك وكلي من كل هذا ... "

واشارت للكوب أمامها متابعة

" وأريدك أن تشربي كوب العصير كاملاً "

ضحكت وقالت

" لن أنام الليلة بسبب التخمة "

ضحكت وقالت ترفع ملعقتها مجدداً

" بل ستنامين نوماً هانئاً ويستعيد جسدك عافيته "


*
*
*


نزل مغلقاً باب السيارة خلفه ووقف ونظره على الملف المطوي

في يده يشعر بأنه يحمل أسراراً أبعد من قدرات خياله البشري

فحين اتصل به عمير وطلب مقابلته في مكتبه كان يعتقد أنه

سيتحدث معه بخصوص والد يمان ولم يكن يتوقع أبداً أن يكون

رسول خاله إليه وأنه يحمل له فاجعة وليس مفاجأة وهو يخبره

بأنه سيكون في مبنى محكمة حوران عصر الغد متعمدين إخباره

بذلك الليلة فقط مع التوصيات المتكررة منه حتى كانت تكاد تصل

للتهديد بأن لا يعلم أحد ولا من عائلته بأمرها وبموعدها تحديداً
لتتوالى عليه الصدمات ما أن علم سيترافع نيابة عن من ! ثم

صاحب الدعوة ثم سبب القضية .. وكان يشعر وكأنه يسمع كلاماً

لا يخرج من شفتي الجالس مقابلاً له خلف مكتبه بل وكأنه يقول

أموراً أخرى وهو يسمع صوتاً مغاير تماماً !

فكيف لمن تَخرج حديثاً ومهما كان مقدار تفوقه أن تكون أول

تجربة عملية له قضية كهذه !

كانت ستكون من أسهل القضايا عليه لو لم يكونا هما صاحبا

الأسماء فيها فإما أن خاله يريد خسارة القضية بدفعها نحوه

لدراستها في ليلة واحدة فقط أو أن الأمر من السرية والخطورة

أن يرفض تسليمه لشخص لا ينتمي له ويستأمنه عليه ؟!.


اشتدت أصابعه على الملف والأوراق فيها وهو يتذكر كلمات

عمير الجادة ينظر لعينيه تلك النظرة القوية التي لا يرى أحداً

يتقنها سوى خاله ورجاله

( ثمة أمر مهم عليك معرفته يا أبان فأنا نفسي لا أعلم ما بداخل
هذا الملف ولا أي رجل من رجاله ولم يكن أمامنا إلا السمع
والطاعة لثقتنا به فإن كان بإمكانك أن تبات الليلة مفتوح العينين
تحرسه فافعل ذلك )

وعلم حينها بأنه يحوي أسراراً كبيرة يبدو أنها كانت السبب

وراء خروجهم جميعاً من البلاد ! أمور كان مجبراً على إخفائها

عنهم هم أنفسهم ومن التفوا حوله لأعوام لم يدفعهم وفاؤهم له

وثقتهم به ولا لمجرد سؤاله لما نحن هنا ولما تحكم صنوان

البلاد بينما وافقت قبائل الحالك ! .

زفر نفساً طويلاً من بين شفتيه خرج من عمق ضياع أفكاره

وتحرك من مكانه مبعداً نظره عنه ووجهته باب المنزل فعليه أن

يكون أهلاً للثقة التي مُنحت له على الرغم من جهله لهدف خاله

منها ! هل ليكسب القضية ويتم إلغاء طلب الطلاق أم فقط توضيح

مسبباته ؟! وعليه في جميع الأحوال أن يمارس ما درسه وتعلمه

والقرار الأخير للقاضي وحده يحكم فيه بعدل مطلق .

دخل المنزل مغلقاً الباب خلفه بينما نظره على المجتمعين عند أحد

الصالونات و كانوا بثينة ويمامة التي تولي الباب ظهرها تقرآن

شيئاً في كتاب مفتوح بينهما على الأريكة وتجلس قربهما والدته

التي كانت تمسك ابنتها الصغرى ذات الثلاثة أعوام والتي تبدو

نائمة وكانت وحدها التي تنظر ناحيته فابتسم لها ابتسامة يعلم

أنها تفهمها جيداً فلم يدخل المنزل أو ينزل من شقته في مرة

وكانت يمامة هنا في الطابق السفلي وليست مرافقة لها إلا في

النادر جداً لاضطرارها ولا تكون بعيدة عن مكانها بالتأكيد .

تحركت خطواته ونظره لازال عليهم ودس يده الحرة في جيبه

وصفر بشفتيه نحوهن ونادى مبتسماً

" يمامة "


فارتفع جسدها المنحني قليلاً جهة الكتاب كما رأسها وهي تديره

نحوه وتنظر له كما هو حال شقيقته ووالدته التي هو موقن من

أن مجساتها الحسية استنفرت جميعها لحظتها ، فلم يستطع كتم

ضحكة صغيرة خرجت منه بسبب نظرتها تلك وأخرج يده من

جيبه وفيها قطعة الشكولاته الموجودة فيه ورماها نحوها بقوة

فقفزت مبتسمة لتلقطها ورفع رأسه نحوهم وقال بمكر

" لا تعطي منها لتلك القبيحة فثمنها أغلى منها بأكملها لكنها
لا تساوي رؤية ابتسامتك هذه "

وغمز لوالدته ضاحكاً وهو يتوجه ناحية السلالم وصعد لشقته من

فوره بل ولغرفته تحديداً وأغلق بابها خلفه ووضع الملف من يده

على الطاولة ونظره عليه وهو يفتح أزرار قميصه العلوية يتذكر

كلمات عمير عن حراسته له فهو لن ينام في كل الأحوال لثقته

بأن ما سيحمله بين أوراقه سيفقده النوم لأيام وليس ليلة

واحدة فقط .

توقفت يداه بعد زرين وثالث نصف مفتوح ونظر لباب الغرفة الذي

فُتح بدون طرق وللشخص الذي ما كان ليتوقع غيره بالتأكيد فعاد

بنظره ليديه وهو يواصل فتح الأزرار قائلاً ببرود

" كل ما في الأمر لوح شكولاته أمي لا داعي لاجتياح
المكان وتعنيفي "

لكنها لم تهتم لكلامه وهي تدخل الغرفة وتغلق بابها بقوة وقالت

تنظر له ببرود

" أعلم أنك لا تأخذ الأمر أكثر من تسلية لإغاظتي .. وبالرغم من
أني ربيتك وأعرفك جيداً لكني لن أنكر خوفي عليها منك "

كان قد فتح آخر زر حينها فأمسك خصره من تحت القميص
وقال بضيق

" عليك أن تحددي نوع هذا الخوف أمي فإن كان من أن
أُفسد طباعها فهي إهانة لن أقبلها منك أبداً وإن كان خوف
من أن أنظر لها كزوجة فعلياً الآن وأفعل ما يحلو لي فهذه
أشد وأعظم من تلك "


حركت رأسها وقالت بذات برودها السابق

" جيد فها أنت إذاً تعلم وتدرك بأن كلاهما جريمة يرفضهما
عقلك قبل مبادئك "


نزع قميصه ورماه على السرير بإهمال متمتماً بضيق

" أجل كوني مطمئنة "

تنهدت حينها بحنق وقالت

" ولست هنا من أجل ذلك "

ضيق عينيه وهو ينظر لها وقال

" خطة جميلة يا ابنة الشاهين "

حركت رأسها بيأس منه وقال

" بل لأخبرك بأنك من سيأخذ يمامة وبثينة للمدرسة صباحاً "


نظر لها نظرة أعيدي فلم أسمع فقالت بجدية تتجاهل كل ذلك

" وسترجعهما نهاية الدوام المدرسي أيضاً "

وكان ذاك ما جعله ينطق برفض محتج

" ولما وثمة سائق لديكم عجوز هرم بالكاد يرى الطريق
ليوافق شروطك "

وتابع بضيق وتملق ومن قبل أن تعلق

" ثم كيف وثقت بأبان هكذا فجأة ولم تتركيها سابقاً ولا تذهب
للسوق معي ! "


وهددها بسبابته كي يتهرب مما يعلم ما يكون

" إن كنتِ صدقتِ كلامي السابق فها أنا أُحذرك أمي فلن
أضمن نفسي "


وكان تهديدها جاهزاً أيضاً تنطق به عيناها قبل لسانها

" بل ستفعلها ويومياً حتى ينتهي العام الدراسي ورغماً عن
أنفك وبثينة معها لن تفعل شيئاً "

نفض يديه وقال بضيق محتج

" أمي بالله عليك أي جريمة في حقي هذه ! لن أكون مقيد الحركة
بسبب إحضارهما من المدرسة كل يوم وفي وقت محدد لا يمكن
التأخر عنه "


قالت هي بحدة حينها

" لست مجبراً على مغادرة الحميراء وإن حدث ذلك فيمكنك
فعلها بعد الظهر "


استدار جانباً وتأفف يضرب يديه ببعضهما قبل أن ينظر لها

وقال بضيق

" كان السائق من يأخذ بثينة يومياً ولأعوام فما تغير الآن ؟! "

قالت من فورها

" تغير أن خالك مطر من أمر بهذا "

نظر لها باستغراب هامسا

" خالي !! "

قالت بجدية

" نعم وتحدث معي بنفسه وكان رافضاً بالكلية خروج يمامة ولا
للمدرسة وطلب أن تدرس في المنزل وتتقدم للإمتحانات فقط
لولا أن أصررت عليه وأخبرته بمدى رغبتها في الذهاب لها
خاصة مع ظروف عائلتها الحالية فقد تساعدها في تجاوز
حزنها والتفكير فيهم "

وسكتت لبرهة تنظر لعيناه المحدقة فيها باستغراب قبل أن تتابع

" فوافق وإن مرغماً واشترط أن لا يوصلها لمدرستها ويعود بها
للمنزل شخص غير رجال العائلة ولا أحد غيرك فبالرغم من
إخباري له عن سائقنا الذي يعمل لدينا من أعوام لكنه رفض "

" ولما !! "

همس بتلك الكلمة اليتيمة ينظر لعينيها بتفكير فحركت

كتفيها وقالت

" لا أعلم لأنه لم يجبني سوى بأن الفتاة أمانة في عنقي
وأن نحرص جيداً على حمايتها "


أبعد نظره عنها ومرر أصابعه على قفا عنقه يفكر أو يحاول أن

يُحلل السبب وراء حرصه الشديد عليها وهو لا يعرفها ! حتى أن

زوجة والدها التي حاولت إحراقها سابقاً ماتت ! هل يخشى عليها

من قاتل تلك المرأة ؟ نظر لها ما أن قالت بجدية وكأنها

تقرأ أفكاره

" وعلينا أن لا نحاول تفسير ذلك بل أن ننفذ ما طلب لأني مثله
بل وأكثر منه لا أريدها أن تتأذى وأظنك مثلي تماماً كي لا تواجه
ثقة صديقك بك بالخذلان "

لو كان في وضع غير هذا لأتحفها بتعقيب مما يحبه قلبها لكنه

اكتفى بأن شد شفتيه المطبقتان بضيق ولم يعلق بينما لم تهتم

هي بكل ذلك وفتحت باب الغرفة وقالت وهي تغادر

" عليك أن تكون جاهزاً عند الثامنة صباحاً "

نزع القميص الداخلي متأففاً ورماه على السرير أيضاً وغادر

باتجاه الحمام وبعد أسرع حمام عرفه في تاريخه توجه للخزانة

لبس بنطال رياضي وقميص أسود طبعت عليه أثار مخالب نمر

باللون الأبيض ورتب شعره الرطب بأصابعه للأعلى بحركة

سريعة وهو يجلس أمام الملف الذي سيطر على تفكيره منذ

علم بأمره وبات بين يديه .

سمى بالله وهو يفتح غلافه وكأنه يخشى على قلبه مما سيقرأ

فيه لكنه لم ينظر للأسطر أمامه بل للهاتف الثابت بجانبه ورفع

السماعة وضغط أحد الأزرار وأزال أصبعه ما أن فُتح الخط

وقال من فوره

" أريد كوباً كبيراً من الشاي "

وصله صوت المرأة الخمسينية سريعاً

" انتهى الوقت الذي تسمح فيه السيدة بإعداد أي شيء كما
لا يمكنني جلبه لك "


تأفف وقال بضيق

" سأنزل أنا لأخذها سيدتي فأنا الخادم الفعلي هنا "

وصله صوتها المحرج مباشرة

" لا أستطيع سيدي فستغضب السيدة جوزاء مني "

أغلق الخط بضربه للسماعة متمتماً بحنق

" ما هذا المعسكر ! "

ولم يضف المزيد لأنه يعلم ما يكون رأي والدته وبأنه يملك في

مطبخ شقته كل ما يحتاجه لإعداده بنفسه فللخادمات وقت محدد

للصعود هنا كما للمطبخ وقت معين تنتهي فيه أعمالهن ويعلم إن

هو ناقش واعترض ما سيكون تعليقها

( هم ليسوا عبيداً لديك ولهم الحق في الراحة كغيرهم )

رفع الأوراق بيد واحدة وحركة غاضبة متمتماً

" لا أعلم كيف لم يتم اختيارها كسفيرة للنوايا الحسنة ؟ "


وانشغل سريعاً بتقليب الأوراق بين يديه ولم يعد يبحث عن ضالته

بينهم فجميعها كانت تحمل الوصف ذاته ونظراته المندهشة تتنقل

بين الأسطر حتى بات يسمع صوت ضربات قلبه كالطبول في

أذنيه وارتفع نظره المصدوم عنها للفراغ هامساً

" يا إلهي ما كل هذا !! "


*
*
*

نزل من سيارته مغلقاً بابها وصعد عتبات الباب الرخامية وما أن

فتح باب المنزل ودخل حتى قابلته عمته مبتسمة وعلى غير العادة

وجدها مستيقظة ويعلم جيداً لما فابتسم لها بدوره ولم يكن يتوقع

أن تقابله بغير نظرات الاستهجان والضيق لكنها أيضاً قالت

ما توقعه

" عدت مبكراً ؟ "

كانت تذكره بالوقت الذي يعرفه جيداً ففرد يديه وقال مستسلماً

" لو كان الأمر بيدي لعدت قبل هذا الوقت لكني لم أستطع "

قالت بعتاب محب


" من المفترض أن لا يكون هذا وقت وصولك دائماً وليس اليوم
فقط فلازلت لا تعود إلا متأخرا من وقت خروجك فجراً "

تتنهد يحرك رأسه موافقاً ولم تترك له المجال ليتحدث متابعة

" أنت تزوجت من أيام قليلة فقط وجليلة لازالت عروس لتتركها
وحدها هنا طوال اليوم .. هذا خطأ في حقها وحق نفسك بني "

تنهد بعمق ورفع يده جانباً قائلاً

" معك حق عمتي لكني كنت مجبراً والزعيم مطر كان خارج
البلاد والمشاكل توالت علينا "

لكن عذره وجوابه ذاك يبدو لم يقنعها وقد قالت بضيق

" متأكدة من أن ابن شاهين نفسه يترك لعائلته متسعاً من وقته
وأنت تزوجت حديثا فأقل ما كان عليك نيله كمكافأة أسبوع
إجازة تكون فيه مع زوجتك وإن في المنزل "


أخفض نظره وحرك رأسه موافقاً لكل ما تقول ولا يمكنه فعل غير

هذا ولا قول المزيد وشرح الحقيقة الغائبة عنها فبقاؤه من عدمه

هنا سيان فلن يفعل شيئاً سوى الجلوس في غرفته وحيداً ، ولأن

الأمر باختياره فعليه الصبر والصمت فقط ، نظر لها وقال مغيراً

مجرى الحديث

" هل تناولت عشاءها ؟ "

فابتسمت أخيراً وقالت

" نعم ولم أنزل حتى تأكدت من أنها أكلت حتى شبعت "

جعلته كلماتها يصاب بالعدوى منها وظهرت ابتسامة صادقة

على شفتيه وهمس

" شكراً لك عمتي "

لامست يدها ذراعه وقالت مبتسمة بحب

" لا داعي للشكر بني فهي تستحق أكثر من هذا بكثير "

ولمعت عيناها بمشاعر حقيقية وهي تتابع مبتسمة

" لم ترى عيني من في روعة حديثها وأدبها وحلاوتها .. كان
زواجك بها أكثر قرار صائب اتخذته في حياتك "

ضحك بخفوت ونظر لمفاتيحه التي بدأ يحركها في يده وقال

" المهم أن أستحقها عمتي "

خرجت منها شهقة صغيرة دون صوت وقالت

" وكيف لا تستحقها ؟! لن تجد هي ولا غيرها زوجاً أفضل منك
ولو جابت البلاد بأكملها "

رفع نظره لها حينها وقال بضحكة

" هذا لأني ابن شقيقك "

ابتسمت وأصابعها تشد على ذراعه وقالت

" لا بالطبع فشقيقي نفسه لم ينجب مثلك "

وارتخت أصابعها وطبطبت يدها على تلك الذراع وتابعت

" هيا اصعد لزوجتك ولترتاح لا حرمني الله من رؤيتكما معاً "

ابتسم وهمس ويده تمسك بيدها يرفعها لشفتيه

" ولا حرمني منك يا أمي التي لم أعرفها "


وقبّلها قبل أن يمسك رأسها ويقبله بينما اغرورقت عيناها

بالدموع وشفتاها لازالت تهمس بدعواتها له وتمنى لها ليلة

سعيدة وهو يصعد السلالم ليواجهه الصمت التام ما أن وصل

للأعلى فاتجه لباب غرفتها من فوره واقترب منه حتى أمسك

مقبضه ولم يسمع أي صوت يخرج من هناك فأداره ببطء وفتح

الباب بحركة اقل بطئاً فواجهه الهواء البارد وكأنه فتح باب

ثلاجة ! نظر باستغراب للنائمة توليه ظهرها بينما لا يظهر من

جسدها المغطى بلحاف خريفي خفيف سوى شعرها البني الطويل

خلف رأسها ! دخل الغرفة ونظره على جهاز التكييف واستغرب

درجة البرودة المنخفضة فيه فهو لم يراها تستخدمه طيلة الأيام

الماضية والطقس لم يصبح حاراً بعد ! سحب جهاز التحكم

الخاص به متمتماً

" أتنوي قتل نفسها من البرد ! "

أطفأه كلياً وتوجه نحوها بحركة دائرية حول السرير حتى قابله

وجهها وكانت نائمة يخفي أغلب ملامحها كفها الذي كانت تضع

ظهره عليه وامتدت يده لها ولامس برفق أطراف أناملها وكانت

باردة كالجليد فأبعد يده خشية أن تشعر به وتوجه للنافذة أبعد

الستائر وفتحها ليتغير هواء الغرفة ولا يفهم كيف لم تشعر بكل

هذا البرد وتستفيق لتطفئه ! حتى أن حرارتها ليست مرتفعة !!


نظر ناحيتها مرة أخيرة وتحرك باتجاه باب الغرفة ليوقفه بعد

خطوتين صوت رنين هاتفها فنظر ناحيته باستغراب قبل أن ينظر

لساعته وللوقت فيها ! وما أن توقف الرنين حتى عاد مجدداً

فاقترب منه ونظر له من دون أن يحركه من مكانه وانعقد حاجباه

باستغراب وهو يرى الرقم الغير مدون بأي إسم ! نظر ناحيتها

ولجسدها الذي لم يتحرك رغم رنينه المرتفع قبل أن ينظر ناحيته

حين علا رنينه متواصلاً للمرة الثالثة على التوالي ! كانت قدماه

تحثه على التقدم نحوه كما يداه لمعرفة سبب هذا الاتصال وفي

هذا الوقت لكن عقله رفض الانصياع فهو تزوجها ويعلم جيداً

من تكون وكيف كانت ولن يسمح للشيطان باللعب بعقله فمثلما

استخدمه بحكمة وهو يختارها عليه أن يحكمه في أي أمر يمس

ثقته بها .

تحرك باتجاه باب الغرفة مقتنع تماماً بما يفعله فالجميع مُعرض

لمثل تلك المكالمات المجهولة وعليه أن يثبت لنفسه قبل أن

يثبت لها بأنه أحسن الاختيار .

وما أن لامست يده مقبض الباب ليغلقه بعد خروجه توقف ونظر

ناحيته ما أن علا رنينه معلناً وصول رسالتين متتابعتين هذه

المرة فنقل نظره بينها وبينه وبدأت تلك الوسوسات تخترق حاجز

عقله السميك بأنه لا يعرفها وأنها تنام هنا وحدها ترفضه ومجبرة

على الزواج منه وبأن الأخلاق ليست الصورة الحقيقة لأي

شخص نراه لنحكم عليه ، كانت أصوات تتداخل وتخترق عقله في

تزاحم كل واحدة منها تريد أن تكون الأولى وتفوز بالسيطرة على

عقله فاشتدت أصابعه الطويلة على المقبض النحاسي وكأنه

سيكسره وحرك رأسه بقوة وأجبر يده على سحبه خلفه وهو

يخرج متعوذاً من الشيطان بهمس خافت فعلاقة لم تكن الثقة

عمادها الأساسي لا تستحق تضييع الوقت من أجلها .


وأقسم في قرارة نفسه بأنه لن يمس هاتفها ولا للتأكد غداً من

فحو الرسائل ولن يراقبه أيضاً فحتى مكالماتها السابقة راقبها

لأنها كباقي عائلة شقيقها ذاك تم مراقبة هواتفهم جميعاً حتى

وقت معرفة مكانه بينما تكفل هو برقمها رافضاً أن يقوم الفريق

الفني المخصص بذلك وانتهى الأمر بعثورهم عليهما .


*
*
*

فتحت عيناها ببطء تشعر بتصلب مريع في ظهرها وهي تحاول

رفع رأسها ونست للحظات أنها نائمة في غير سريرها وغرفتها

حتى جلست تمد يديها للأمام بأنات صغيرة متألمة .

لا تعلم كم من الوقت نامت لكنها لم تنم كثيراً حسب اعتقادها ،

نظرت ناحية النائمة قربها وابتسمت ما أن وجدت عيناها

مفتوحتان تنظر لها تتوسد ذراعها بينما تضطجع على جانبها

وقالت تبعد شعرها خلف أذنيها

" كيف تشعرين الآن ؟ "

وابتسمت رغم التعاسة في ملامح التي همست ببحة وهي تبعد

نظرها عنها

" الحمد لله "

فوقفت وقالت وهي تتجه لنافذة الغرفة

" وأنا واثقة من أنك ماريه القوية ذاتها "

وانشغلت بفتح النافذة بعدما أبعدت الستائر عنها ولم ترى التي

شردت نظراتها للفراغ مبتسمة بحزن ابتسامة سرعان ما تبدلت

للسخرية من نفسها وحالها واعتقادها بها فهي لم ترى نفسها

يوماً قوية ولا سيدة نفسها كما تريد جميع النساء ويحب جميع

الرجال فيهن .

كانت تقول لها زهور في الماضي

( ليست المرأة القوية التي تصرخ وتعاند وتتواقح بلسانها
السليط إنها التي تقف كلما وقعت وتساند نفسها كلما انكسرت
وتنظر للأمام مهما سحبها الماضي للوراء .. إنها التي تشرق مع
شروق الشمس وتبكي وحدها في الظلام )

لكنها لم تجد نفسها في كليهما لا هي التي تأخذ حقها بلسانها

ويدها ولا هي التي تساعد نفسها على تخطي آلامها ولا حتى

ماضيها .


مسحت عيناها قبل أن تفكر في ذرف أي دمعة وجلست ببطء تسند

نفسها بمرفقها حتى استوت جالسة وأبعدت خصلات غرتها عن

وجهها للأعلى تمرر أصابعها فيها ونظرت للتي توجهت نحوها

وكانت تريد قول شيء ما لولا أوقفها صوت الباب الذي انفتح بعد

طرقتين متتاليتين فنظرتا كليهما للتي أصبحت تقف أمامه وقالت

بابتسامة تنظر لماريه تحديداً

" ها هي ساندرين لا تتذمر أخيراً بسبب يوم الإجازة "

فحاولت بكل ما تملك من قوة أن ترسم ابتسامة على ملامحها

التعيسة المتعبة وإن لمجاملتها بينما فتحت ابنتها فمها في صدمة

صامتة وكانت ستتحدث لولا قاطعها أمر آخر هذه المرة وكان

صوت جرس باب المنزل وتبادلت ووالدتها نظرة صامتة فكل

واحدة منهما تعلم سلفاً من سيكون هذا الزائر عند الصباح

الباكر .


وما هي إلا لحظات ووقف الحارثة عند باب الغرفة نظر لزوجته

ثم ابنته وفي صمت قبل أن ينظر للتي قال لها بهدوء

" شاهر يريد رؤيتك ماريه "

فأشاحت بنظرها عنه ونظرت أمامها وكل ذاك الحزن والتعاسة

في العينان بلون الذهب تبدلت لجمود لم يفت ايًّا منهم ملاحظته

وكان لديها المزيد وهي تهمس ببرود

" أخبره بأني لا أريد رؤيته "

تبادل ثلاثتهم نظرة صامتة مستغربة قبل أن يتخلل صمتهم ذاك

الصوت الرجولي الهادئ الذي تسلل من الباب

" المعذرة منكم أيمكننا أن نكون لوحدنا "

فنظر ثلاثتهم للذي أصبح يقف أيضاً عند باب الغرفة بينما كان

نظره هو على التي لازالت تنظر للفراغ أمامها بجمود تكتف

ذراعيها لصدرها فأشار الحارثة لهما برأسه وما أن كانت

ساندرين ستتحدث أشار بسبابته على شفتيه ينظر لها بتهديد

فتحركت بخطوات غاضبة تتبعه ووالدتها خلفها وكان لكل واحد

منهم نظرة أهداها للواقف مكان عبورهم فبينما ابتسم له الحارثة

مومئًا برأسه نظرت له زوجته نظرة استجداء صامتة فهي تراه

أملهم الأخير لإنصاف الفتاة المسكينة ، وكانت نظرة الشقراء

الأصغر سنناً مختلفة تماماً نظرة جعلته يبعد نظراته عنها سريعاً

وكأنه يهرب من مواجهتها حتى كان الجميع في الخارج فأغلق

الباب حينها ونظر للتي لازالت على وضعها وحالها السابق ودس

يديه في جيبي بنطلون بذلته السوداء بينما اتكأ بظهره على الباب

خلفه وسحب لصدره نفساً عميقاً قبل أن يقول بهدوء وتأني

" لا يمكنك لومي ماريه فهو من قرر وأنتِ من وافق قراره "

ابتسمت شفتاها بسخرية وعاد الألم لاجتياح عينيها وإن لم تنظر

ناحيته وهمست

" أكان لديا خيارات أخرى ؟ "

اشتدت قبضته ولازالت سجينة لجيبه يحرك أصابعه وهو يقبضها

بقوة وقال ونظره لم يفارق جانب وجهها المقابل له

" أخبرتك بأنك قادرة على الرفض دون أن تخبريه برفضك "


نظرت ناحيته بحركة قويه وقالت بضيق بالرغم من لمعان

عينيها بأسى

" وكان سيفعل ما قلت أنت بأنه لن يملك خياراً غيره .. هل لك
أن تخبرني ما سيكون خياره ذاك لأختار ؟ "

أنزل رأسه وسحب نفساً عميقاً لصدره قبل أن يحرره قائلاً

" لقد أحرق الشقة قبل أن يختفي البارحة "

فامتلأت عيناها بالدموع وجميع تلك الصور لتدميره للمكان

تتزاحم أمامها وهمست بأسى وبحة بكاء نظرها على الذي لازال

ينكس رأسه للأسفل

" سيفعل ذلك بالتأكيد فأنا في نظره أصبحت نجسة وكل ما لمسته
يداي هناك بات نجساً "

وراقبت من خلف الدموع السجينة في عينيها الذي حرك رأسه
بأسى وهمس دون أن يرفعه

" أنا لم أتوقع هذا ! "

اشتدت قبضتاها في حجرها وسالت أول دمعة من طرف رموشها

نزولا لقماش بيجامتها وقالت بتعاسة ظهرت في كل شيء

وأولهم صوتها

" وما الذي تتوقعه من رجل اكتشف بأن زوجته خانته في غيابه
وبعلاقة كاملة مع رجل غيره "

" ماذا !! "

رفع نظره لها بدهشة حينها ولم يستطع التفوه بغير تلك الكلمة

ولا أن يحرك جفناه ليرمش بهما ينظر للعينان التي تساقطت منها

الدموع بينما صرخ صوتها ببكاء

" وما كنتم تتوقعون منه ؟ ما الذي كان سيفهمه مثلا ؟ "

قال والذهول لم يفارق ملامحه بعد بينما اشارت يده جانباً وخرج

صوته حاداً

" ليس ذاك ما أردناه وتعلمين ذلك جيداً فلما لم توضحي
له الأمر ؟ "

ضربت يدها في حجرها وقالت ببكاء غاضب

" أنا لم أستطع ولا التحدث معه لأتمكن من الشرح ..
ثم ما كنت سأقول ؟.. "


وتابعت من فورها بتملق وإن كانت الدموع تغطي وجنتاها

" أقول له انتظر لأشرح لك خطتنا فأنت تجاوزت توقعاتنا ؟ "

حرك رأسه بذهول شارد وهمس

" يالا الهول "

فمسحت وجنتاها بظهر كفها بحركة قوية وقالت بحدة تشير

بسباتها نحو الأسفل

" أخبر زعيمكم ذاك الآن بأني أريد العودة للوطن "

حدق فيها باستغراب هامساً

" تعودين للوطن ! "


ملأت الدموع عيناها وقالت تشير لنفسها

" أليس من حق جثماني أن يتم دفنه في موطنه "

قال مباشرة وببرود

" لن يوافق "

صرخت محتجة

" ولما ! "

" لأنه الصواب ماري دفنست "

حدقت فيه بذهول بينما كانت ملامحه جامدة تماماً كما نظرته

لعينيها يذكرها بحقيقة كلماته تلك وما صارت عليه منذ دخلت هذه

البلاد فاشتدت أصابعها في قبضة واحدة وقالت برفض

" يمكنه فعلها إن أراد ولن يعلم عن وجودي هناك أحد "

حرك رأسه برفض وقال بهدوء

" الأمر ليس في رؤيتك هناك بل ما ستعلمه عائلة ماري
باختفائك "

تعالت حركة صدرها مع أنفاسها وكأنها تبحث عن الهواء لرئتيها

وحركت رأسها برفض وهمست بصوت كئيب والدموع تتكدس

في عينيها

" أنا لا يمكنني البقاء هنا .. لا يمكنكم تعذيبي بهذه الطريقة
المشينة "

وانسابت دمعة جديدة فوق وجنتها وقالت بأسى تضرب بسبابتها

على صدرها

" لا أريد رؤيته ولا أن أرى النظرة التي أتوقعها في عينيه لما
لا يرحمني أحد "

عاد وأنزل رأسه واغمض عيناه بقوة وألم قبل أن يحرك رأسه

متنهداً باستسلام وكأنه يهرب من العينان التي تعذبه بحزنها

وبراءتها قبل عجزه عن فعل شيء من أجلها

" هو من يملك جميع أوراقك وجوازي سفرك أيضاً أي أن قرار
سفرك بيده وحده "

ضربت قبضتها على فخذها وقالت بغضب محتج

" دمرتم ما بيننا وربطتم مصيري به إذاً ؟ "


رفع رأسه ونظر لعيناها الدامعة المحمرة المجهدة والتي تجعلك

تنهار دون حديث وقال بحزن

" لا يمكنك إلقاء اللوم علينا ماريه فأنا واثق من أنك أحرصنا
جميعاً على سلامته لَما كنت وافقتِ على ذلك "

قالت مباشرة

" ودوري انتهى وأريد أن أغادر "

حرك رأسه برفض هامساً بقلة حيلة

" ليس الأمر بيدك ولا بيدي "

تقاطرت الدموع من عينيها مجدداً وصرخت ببكاء تضرب

بقبضتها جهة قلبها

" ماذا أفعل بهذا ؟ كيف تريد أن أرى الكره والاشمئزاز في
عينيه ؟ كيف يمكنني العيش بعد الآن ! "

وحين أخفض عينيه يخفي الألم والعجز فيهما بل والنظر لها

والذي يشعر به يدمي قلبه صرخت مجدداً وبانهيار باكي

" أنا أكرهكم ... أكرهكم جميعكم "

أطبق جفناه يشعر بكلماتها كنصل سكين حاد مزق قلبه وتحركت

شفتاه وقال بهدوء حزين ولازال يتجنب النظر لها لا يعلم يهرب

منها أم من نفسه

" وأنا لا يمكنني مبادلتك ذات الشعور ماريه وجئت أريد أن آخذك
معي لشقتي "

" ماري دفنسنت لا تقرب لك إن نسيت "

تحمل كلماتها القاسية تلك وإن كانت تحكي الواقع وليس الرفض

، وما أن رفع نظره لها حتى واجهته بالمزيد قائلة بغضب وإن

ملأت الدموع وجنتاها

" حينما يطلقني إبنك وهذا ما سيحدث قريباً بالتأكيد أريد أن
ارحل من هنا وللأبد "

شعر بكلماتها كشاحنة عملاقة صدمته بقوة تسحقه تحت عجلاتها

وحرك رأسه وكأنه يرفض فكرة أن يفعلها ويفكر في تحريرها منه

وفسخ عقد الزواج الذي تمسك به لأعوام ومنذ كانت طفلة وهي

بعيدة عنه وقال ما هو مرغم عليه وليس مقتنعاً به

" لا يمكننا فعل هذا دون موافقته وموافقة الزعيم مطر "

وغادر تاركاً الباب مفتوحاً وسار في الممر القصير تتبع خطواته

الكسيرة كلماتها الصارخة ببكاء

" أريد الرحيل عن هذه البلاد ولا أريدكم ... لاااا أريدكم "

حتى وصل لمن كانوا يقفون في انتظاره نظرات ثلاثتهم على

عينيه الحزينة بينما لازالت كلماتها الصارخة ببكاء مؤلم تصلهم

كسهام مسمومة قاتلة

" أريد الرحييييل .. لا يمكنكم قتلي أكثر مما فعلتم "

فأبعد الحارثة نظره وكأنه يرفض إظهار مشاعره لحظتها بينما

ملأ الحزن عيني زوجته تنظر حيث مصدر ذاك البكاء الموجع ..

وكان الغضب المكبوت من نصيب ساندرين تكاد قبضتاها أن

تتمزق من شدها لهما بينما نظرها على شخص واحد وهو الذي

تحرك مجتازاً لهم يتجنب النظر لأي واحد منهم يتلقى اللوم ومن

الجميع وفي صمت .. لومها ولومهم ثم لوم ابنه حين يعلم

الحقيقة وسيدفع ثمن الحفاظ على سلامته وغالياً جداً .

خرجت الكلمات منه هادئة تعاكس داخله ما أن قال وهو يتوجه

نحو باب المنزل

" إن جاء لأخذها فلا تمنعوه وإن غيّرت رأيها في رفض طلبي
فمنزلي مفتوح لها "

وغادر بهدوء مغلقاً الباب خلفه وترك صمت موحش لا يتخلله

سوى صوت البكاء المكتوم بعيداً عنهم معلناً انهيار المرأة

الصامدة منذ دخلت منزلهم البارحة فتحرك الحارثة حينها يجر

خطواته ووجهته ممر غرفته نظرات ابنته تتبعه قبل أن تنظر

لوالدتها المحدقة في الفراغ بملامح كئيبة وقالت بحدة

" ما معنى هذا ! "

فحركت رأسها بعجز دون أن ترفعه ولا أن تنظر لها فصاحت

تضرب الأرض بقدمها بغضب

" أين رد الفعل الذي سيفعله كما قلتِ البارحة ؟ "

نظرت لها حينها وأشارت بيدها ناحية باب المنزل وقالت بضيق

" وما الذي فعله والده ؟ "


قالت بحدة مماثلة تنظر لعينيها تحديداً

" وكان أبي سيفعل شيئاً إن تقاعس والده أم نسيتِ ما قلته ؟ "

وحين لم يصدر عنها إلا الصمت وتعلم بأنها لن تستطيع قول أي

شيء همست تنظر لعينيها باشمئزاز منهما

" ليستمروا في جبنهم هذا حتى الموت "

" سااااندي "

ما كانت صرختها المهددة تلك لتجعلها تتراجع أو تخاف وإن

أشبعتها ضرباً هذه المرة وليس صفعة وحيدة فتراجعت للوراء

خطوة وقالت من بين أسنانها

" الحل لديا إذاً ولتفعلها النساء "

واستدارت بقوة مغادرة لولا أوقفتها يد والدتها التي التفت

أصابعها حول ذراعها موقفة إياها وأدارتها نحوها قائلة

" ما الذي تنوين فعله ساندي ؟ "

سحبت ذراعها منها بحركة عنيفة صارخة

" ما عجزتم عنه جميعكم بالطبع وما سيجعل ذاك الجبل
الجليدي يحترق "

وغادرت باتجاه ممر غرفتها متابعة صراخها الغاضب

" عليه أن يمس النجوم قبل أن يفكر في أخذها لأي مكانٍ كان "


واختفت عنها خلف ذاك الممر فضربت يديها ببعضهما متمتمه

" لا حول ولا قوة إلا بالله "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 20-07-21, 11:28 PM   المشاركة رقم: 1584
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

دخل المنزل المظلم والساكن تماماً وكأنه عاد مهجوراً أو لازال

فهو حاله في أغلب الأوقات فكيف في وقت متأخر هكذا ؟

أصدر صوت إغلاقه للباب صدى مرتفع في المكان الواسع

وتحركت خطواته ناحية ممر مكتبه من قبل أن يفكر في الصعود

لغرفته ، فتح الباب وأشعل النور الذي عمّ المكان الساكن البارد

وتوجه نحو أدراج طاولة مكتبه وفتح أحدها ووضع الأوراق فيه

وأغلقه بضربة واحدة وارتفع نظره للجسد الذي ملأ الباب

الغارق في الظلام الجزئي وقد تقدم صاحبه عدة خطوات نحو

الداخل ينظر لعينيه في صمت فأبعد نظره عنه وهو يبعد يده

ويستوي في وقوفه ودس يديه في جيبي بنطلون بذلته وهو

يستدير نحوه وما أن اخترقت كلماته الجادة صمت المكان

" سأعود لبريطانيا وسأخذ ابنتي معي يا مطر "

لم يسمع منه أي تعليق ولم ينتظر ذلك وهو يتابع بنبرة أكثر جدية

" وتيما إن أرادت الذهاب معنا فعلى الجميع احترام قرارها "

عم الصمت المكان للحظات قبل أن يتحدث من انتظره أن يفعلها

حينها تحديداً

" ولما تأخذ ابنتك معك ؟ "

ضربت أصابعه على صدره وقال بحدة

" لأنها ابنتي .. هل سآخذ الإذن من أحد في ابنتي ؟ "

" وتيما ابنتي "

قالها له بحدة مماثلة وصوت قوي يذكره بحقوقهما المتساوية

بينما كانت نظرات دجى الثابتة مكانها تثبت بأن صمته اللحظي

كان لأن عقله يعطيه فرصة استيعاب ما سمع قبل أن ينفض يده
بقوة قائلاً باحتجاج غاضب

" هل ستمنعها إن هي اختارت والدتها ؟ "

وكان جوابه سريعاً وبحزم وثقة فاقت قوة نبرته تلك

" ابنتك اختارت القانون فلنرى إن أعطاها الحق في هذه أيضاً "

لاذ الواقف هناك بالصمت نظراته الغائمة وحاجباه المعقودان

بقوة فقط ما عبّر عن دواخله بينما عجز لسانه عن مجابهته

وهو يواجهه بالقانون الذي لجأت له ابنته أن يعطيها الحق في

أخذ تلك الإبنة منه مما أعجزه عن الرد للحظات على الذي قال

مجدداً وسبابته تشير نحوه قبل أن تتحرك جانباً

" ولعلمك فقط عمي فهذه التي تريد تركها والذهاب جاءت هنا
وطلبت أن أمنعك من الابتعاد عنها "

اشتدت قبضتاه بجانب جسده بقوة وقال بجمود

" أنا لا أريد تركها "

" تريد أخذها مثلاً ؟ "

أشعلته النبرة الساخرة في صوته وهو يقول تلك الكلمات وإن

كانت بعيدة كل البعد عن المزاج الساخر فتعالت أنفاسه

وقال بحدة

" تيما لها زوج وإن أرادت ذلك ووافق هو لا حق لك في
أن تمانع "

قابله بالحدة ذاتها صارخاً

" ومطر شاهين هو من دمر عائلتك وعليهم الابتعاد عنه وعليه
تركهم أليس كذلك ؟ "

لاد ذاك بالصمت ولم يعلق بينما صرخ مطر بغضب

" أهذا ما تريد قوله ؟ "

تحدث حينها وبجمود تام

" أنت تؤذيهما تحت مسمى الحماية يا مطر "

ابتسم بسخرية وحرك رأسه وكأنه يسمع ما لا يمكن استيعابه

وأشار لنفسه وقال

" أضعت عمري من أجل كل ذلك وأصبحتُ الملام الآن ! "

قال الذي خرجت الكلمات من صميم ألمه وقد أشار أيضاً لنفسه

" بل أنا الملام الحقيقي في نظرك دائماً لأني القاتل
أليس كذلك ؟ "

وأنزل يده بقوة يقبض أصابعها وقال بجمود

" وأنا سأتحمل نتائج فعلتي "

كلماته تلك جعلت الواقف بجانب طاولة مكتبه يفقد التحكم في

انفعالاته مجدداً وصرخ بغضب وقد رمى بيده جانباً

" بعد ماذا ؟ بعد ماذا يا دجى الحالك !؟ "

وأشار له بسبابته يحركها ناحيته صائحاً بنبرة قوية

" هل ستهرب من ماضيك بفرارك بهما من هنا ؟ هل ستكون

طوق النجاة لك ولهما إن وصل لكم أولئك الغيلوانيين ؟


وكانت نبرة دجى بذات القوة وإن قالها بصوت أقل ارتفاعاً

" لن أتخاذل عن حمايتهما "

ضربت يده حينها على خشب الطاولة بجانبه بقوة وقال

" إذاً فسلطتك على ابنتك فقط "

قال دجى بضيق

" هل ستجبر تيما إن هي أرادت الرحيل ؟ "

قال من فوره وبحدة

" هي لن تقرر هذا "

لاذ دجى بالصمت لبرهة وقبل أن يقول ببرود ونظرة تحدي

" إن اختارت البقاء معك فلتفعل لكن إن هي قررت الرحيل فعليك
أن لا تمنعها "

وراقبته نظراته وهو يستدير بجسده جانباً يداه في جيبي بنطلونه

بينما أنفاسه تخرج كإعصار يعلو معها صدره العريض وينزل

ونظره شارد في الفراغ تحته فقال بحزم

" هو العدل يا مطر "

استدار نحوه حينها بحركة واحدة وضرب بقبضته ناحية

قلبه صارخاً

" الموجود هنا ليس محرك دبابة عمي"

جعلته كلماته تلك يفرغ كامل انفعاله في قبضتيه المشدودتين

بجانب جسده وقال بما استطاع جلبه من هدوء

" لا أريد لإبنتك أن تطالب القضاء يوماً هي الأخرى
لتتحرر منك "

" لن تفعلها ابنتي "

قالها بقوة وثقة عيناه الغائمة بغضب أسود لم تفارق عينا الذي

تمتم ببرود

" لا تراهن يا مطر "

فقال من فوره وبنبرة قوية واثقة يشير بسبابته بعيداً

" بلى وما أن تقرر أمراً سأنفذه دون قضاء "

أومأ له بحركة قوية من رأسه وقال وهو يستدير مغادراً

" لا تنسى هذا إذاً "

وغادر ما أن انهى عبارته تلك خلف الظلام والسكون مخلفاً صمتاً

موحشاً آخر أشد قسوة وبرود تخلله سريعاً صوت اصطدام تمثال

الحصان الخشبي الأسود الصغير بالأرض بسبب الذي ضربه بيده

بقوة وغضب من فوق الطاولة بجانبه .


*
*
*

نظرت للصندوق المخملي بين يديها قبل أن ترفع نظرها للباب

أمامها وقاومت ترددها ويدها تمتد له فهي لن تكون هنا بعد يوم

غد ، لا تنكر بأنها اعتادت على وجودها بينهم وإن لم يدم إلا لأيام

قليلة .. بل الأحرى وصفه بالساعات لكنها اعتادت زيارتها لها

بكوب الحليب والطعام الذي تجبرها على تناوله وعلى رؤية

الوجه الجميل والعينان الفاتنة وتلك الابتسامة الساحرة وإن كانت

ترى الحزن والأسى في جميع معانيها وتشعر بالحزن فعلاً لذهابها

وهو الأمر المسلّم به وكم تتمنى لها السعادة فليست سوى امرأة

كُسر قلبها وفقدت أحلامها وتغربت وسط عائلتها إن كانت على

خطأ أم على صواب .


لم تطرق الباب خشية أن تكون نائمة وتفسد نومها فهي بحاجة

لكل دقيقة منه الليلة لذلك أمسكت بمقبض الباب وأدارته ببطء

ودفعته بحركة أقل بطئاً حتى ظهر لها السرير والضوء الخافت

حوله وتمنت لحظتها لو طرقته أولاً وقد وقع نظرها على الجالسة

فوق السرير والتي مسحت عيناها سريعاً وهي تجلس مستوية

وتُنزل قدماها الحافية للأرض بينما قامت يدها بتشغيل الزر

قربها قائلة

" تفضلي يا خالة "

وعم نور أصفر خفيف كامل تلك الجهة مصدره أضواء خفية تأخذ

هيئة قوس فوق السرير أظهر جمال شقيقة الحور الجالسة

بفستان الذي بالكاد غطى ركبتيها وبدون أكمام قد كشف ذراعيها

وساعديها الأبيضان وهامت عيناها وهي المرأة مثلها في ذاك

الجمال الرباني وحارت كيف لامرأة كهذه أن تكون تعيسة باكية !

تُجزم أن كل من يراها يتملكه ذات الشعور بأنها أسعد نساء

الأرض وأن لها زوجاً إن طلبت منه النجوم لنثرها بين كفيها وما

كانت ترى امرأة تليق بذاك الرجل في كامل البلاد مثلها أبداً لكن

ما أغرب حياة وقصصها !

تقدمت خطواتها نحوها قائلة بإحراج

" المعذرة منك خفت أن تكوني نائمة فلم أطرق الباب "


نظرت لها وقالت سريعاً

" كيف تقولين هذا يا خالة فالمنزل منزلك "

لكنها توقفت فجأة وماتت ابتسامتها تنظر للشعر الذي تناثر على

ذراعيها وبالكاد وصل طوله لمرفقيها وهي التي تذكر ذاك الشلال

الحريري شديد السواد جيداً طوله يتجاوز وركيها ! ولم تراه

مفتوحاً في المرات التي دخلت فيها الغرفة هنا ولم تكن بحجابها

إلا نادراً ولم تنتبه له أبداً ! ارتفعت يدها له تلامسه بجانب رأسها

بينما نظرها على العينان التي تخفيها جفناها المسدلان للأسفل

تلمع رموشها الكثيفة في النور الخفيف بسبب بقايا الدموع التي

لازالت تبللها وها قد علمت متى يكون صمودها ذاك هشاً

وضعيفاً ، وتساءلت كيف لعقلها أن يقارن هذه الكسيرة الوحيدة

الحزينة بمن بنت مملكة كاملة تأسست بأيدي نساء تعيسات

جردتهن الحياة من كل شيء ليصبحن الأعمدة القوية لتلك المملكة

حتى كانت حديث العالم بأكمله كأول مدينة تكون مملكة للنساء

فقط تدعم كل قضياهن ونالت جوائز لا حصر لها ، امرأة اختارها

أعظم رجل في البلاد .. رجل تحدث العالم لأعوام عديدة عن

توحيده لبلد ممزق مشتت نخرت الحروب الأهلية هيكله حتى

الجذور لتكون زوجة له متحدياً بذلك كل الحدود والعادات والتقاليد

وقدمها لقبائله رغم نسبها لصنوان حينها كشريكة له !


قالت بحزن تغلب على نبرتها الهادئة الحنون

" عليك أن تكوني قوية بما يعادل قرارك يا غسق كي لا يكون
سبباً في انكسارك وللأبد "

وشعرت بقبضة قوية اعتصرت قلبها حين خرج همسها المرتجف

من خلف خصلات الشعر الحريري الذي انسدل كستار بينهما

لإنزالها لرأسها

" اشتقت لإبنتي "

فأغمضت عينيها بألم وشعرت بحرقة الدموع فيهما وقد غطت

مقلتيها كستار زجاجي ما أن فتحت عينيها ونظرت للتي تابعت

بذات الهمس الموجع ولم ترفع رأسها ولا نظرها

" لم أكن أتخيل يوماً أني أحبها أكثر من الكاسر الذي ربيته
في حضني ! "

وختمت عبارتها تضم يداها لصدرها لازالت تنظر للأسفل بينما

سقطت دمعتها تلمع في النور الخافت ليتشربها قماش فستانها

الناعم وتابعت بحرقة وعَبْرة ظهرت بوضوح في

همسها الباكي

" أشعر بنار في داخلي كلما تذكرت سنوات عيشي بدونها "

واختنق صوتها بعبرتها وسقطت دمعة أخرى وهي تتابع

" لا يمكنني تخيل فكرة ابتعادها عني مجدداً "


مسحت يدها على شعرها مجدداً وخرجت كلماتها الحزينة متأنية

" هذا شعور طبيعي بنيتي منبعه الأمومة "

وتابعت وابتسامة حزينة تزين شفتيها

" وابنتك أصبحت شابة وهي من سترفض الابتعاد
عنك صدقيني "

وراقبت بحزن ملامحها الباكية التي لازالت لا تظهر لها وقد

ارتفعت يدها لوجنتيها تمسح الدموع عنهما وخرج همسها

المبحوح الحزين

" والدي أيضاً سيكون غاضباً مني "

وعاد الألم الباكي لصوتها المتكسر متابعة

" أنا لا أريد أن أخسر عائلتي بسبب لحظة ضعف "

قالت التي لمعت عيناها بالدموع مجدداً بينما لازالت يدها تلامس

الشعر الحريري برقة

" من يحبك يعذرك يا غسق تأكدي من ذلك .. وحده من يحبك
يمكنه ذلك "

رفعت رأسها ونظرت لها وقالت بأسى وعينان دامعة

" شعرت بالخذلان منهم وأنا أراهم في تلك الصور ، لم أستطع
لحظتها أن أفكر في أي شيء "


ضمتها بذراعها لحضنها برفق يتكئ رأسها على كتفها ومسحت

يدها على شعرها وهمست بحزن عميق

" أراح الله قلبك يا غسق .. أراح الله قلبك بما يحبه ويرضاه "

وراقبتها باسى حزين وهي تبتعد عنها سريعاً تمسح عيناها بقوة

قبل أن ترتفع يداها لشعرها وأبعدت غرتها عن وجهها وجمعت

شعرها للخلف فاشتدت يدها على الصندوق تحتها والموضوع في

حجرها وشعرت بالتردد قبل أن تمده لها قائلة

" أريدك أن تتذكريني بها فقلبي يقول بأنك تفكرين في مغادرة
البلاد بعد يوم غد "

وكما توقعت فقد أخذته منها دون أن تنفي ظنونها تلك وفهمت

الآن لما تبكي شوقها لإبنتها وشعرت بقلبها يتمزق عليها فمن

الطبيعي لمن في مثل وضعها أن تفكر في الابتعاد لأبعد مكان

لتقنع نفسها بالنسيان .. وحار قلبها ما الذي تتمناه لها ؟!

واكتفت بأن راقبتها في صمت وقد همست تشكرها قبل أن ترفع

غطائه وملأت الدموع عيناها وهي ترى الحذاء الصغير

المصنوع باليد .. كان كقطعة فنية جميلة ونظرت لها ما أن

قالت مبتسمة

" هدية من جدته وإن كانت قبل أوانها فيبدو أنها لن تراه "

وانتظرت منها مجدداً أن تنفي شكوكها لكن الأمر لم يكن يحتاج

ذلك وقد قالت مبتسمة بامتنان

" كم هي هدية رائعة "


ابتسمت لها ولم تستطع قول غير الذي عجزت عن إخفائه أكثر

وتلك الابتسامة تختفي من شفتيها تدريجياً

" غسق أنتِ لن تتركي ابنتك بالتأكيد ؟ "

وشعرت بألم قاسي في قلبها وهي ترى لمعان الدموع في عينيها

بينما لم يفارق نظرها الحذاء بين يديها فقالت بحزن ويدها تمسح

على شعرها مجدداً

" هي أيضاً عانت ألم فراقك والعيش بدونك وسيكون هذا قاسٍ
عليها مثلك تماماً "

قالت التي تغلب الألم على نبرتها وغشت سحابة دموع رقيقة

مقلتاها الواسعة ونظرها لم يفارق ما تشعر بنعومته كالحرير

بين يديها

" لو كنت مكانها لكنت اخترت ومهما كان الخيار قاسياً
لكنها لن تفعل "

وحركت رأسها بأسى حزين متابعة

" هي لن تختار أيّاً منا .. هي لا تشبهني ولا تشبه
والدها أيضاً "

أبعدت يدها عنها وقالت بحزن

" لا أحد يمكنه الاختيار "

نظرت لها حينها وقد سقطت دمعة أخرى من طرف رموشها

وكان القماش الناعم مقبرتها وخرجت كلماتها متأثرة بالعبرة

التي لازالت تسجنها باستماته وسط أضلعها

" بل جميعنا نختار حين نكون مجبرين على ذلك لكنها لن
تفعلها أبداً "

حدقت فيها باستغراب وهمست

" هل تختار زوجها عليكما ! "

أبعدت نظرها عنها للفراغ أمامها وحركت رأسها هامسة بألم

" لا أعلم لكنها كانت مختلفة دائماً مستقلة و... "

لاذت بالصمت للحظة قبل أن تتابع بحزن لازالت نظراتها الدامعة

الحزينة تهيم في الفراغ

" لم أتوقع مطلقاً أن يعيدها لي امرأة لا تحتاج مني سوى كلمة
ابنتي ولا تعطي سوى كلمة أمي "


قالت التي ابتسمت بحزن

" شوقتني للتعرف عليها "

نظرت لها وقالت بضيق

" صنع منها امرأة قبل وقتها .. أي إجرام هذا ! "

أمسكت يدها التي لازالت تمسك بالصندوق الصغير وشدت عليها

وقالت تنظر لعينيها الحزينة الدامعة

" أنت بنفسك قلت بأنها لا تشبهه أي أنه ليس من فعل ذلك "

حركت رأسها قائلة بضيق متأسي

" وهذا ما يدفعني للجنون كلما فكرت في الأمر أو صدر
عنها رد فعل أكد لي ذلك "

ابتسمت لها بحزن وقالت

" هي ابنة الشاهين .. هي مزيج من فردين من ذات العائلة
فقط .. جدها شاهين وجدها دجى والدها مطر شاهين ووالدتها
غسق وجدة والدتها ابنة الشهبان فلن تكون أي فتاة "

سقطت دمعة أخرى من رموشها المشبعة بها وقالت بهمس باكي
تشير لنفسها

" هي حُرمت من كلينا لم نربها ولا تفعل الجينات كل ذلك "

نظرت لها بصمت للحظة وقالت

" هل تشككين في حبها لك يا غسق ؟ "

" أبداً "


قالتها سريعاً تحرك رأسها برفض فلامست يدها برفق قائلة

" إذاً لا تتركي للشيطان مجالاً ليتلاعب بأفكارك "

وتابعت من فورها بابتسامة حزينة

" قلبك فقط لم يتقبل فكرة أن تنشأ بعيداً عنك .. فكرة أن
الرضيعة التي حُرمتِ منها لم ترجع لك قبل هذا الوقت كطفلة "

امتلأت عيناها بالدموع التي لم تتوقف عن السباحة فيها وقالت

بعبرة مكتومة

" وهي طفلة ... إنها بالكاد بلغت الخامسة عشر "

قالت التي ابتسمت

" لكنها مختلفة كما تقولين .. هي تشبه جدتها التي تزوجت في
السادسة عشر من دجى الحالك وجدتك التي تزوجت في
سن أصغر من ذلك من شاهين الجد نفسه "

وابتسمت بحنان وقالت وهي تنقل نظرها في ملامحها الفاتنة

" أنتِ في سنها كانت النسوة في البلاد تحكي عن حسنك
ولباقتك كامرأة ليس كطفلة ، كان الجميع يعلم عنك ومن لم يرى ابنة شراع صنوان كان يدفعه الفضول لذلك "

وراقبت انسدال جفنيها دون أن تعلق بشيء وأمسكت يدها بكلتا

يديها وقالت

" هل يمكنك وصف مشاعرك اتجاه والدك دجى ؟ "

رفعت نظرها لها وقالت سريعاً

" لا ... أحبه كثيراً فقط "


ابتسمت لها وقالت

" هل سألتِ نفسك كيف يرى هو تلك المشاعر ؟ "

وكان جوابها أن حركت رأسها نفياً فمسحت بكفها على يدها التي

لازالت تمسكها بين يديها وقالت

" ماذا إن كانت تشبه نظرتك لمشاعر ابنتك "

حركت رأسها برفض مجدداً لكنها واجهتها بعكس ذلك وما هي

أكيدة منه قائلة

" إنها الفجوة ذاتها يا غسق فهل جعلك تشعرين بذلك ؟ "

أشارت لنفسها وقالت بأسى حزين

" هم سبب كل هذا .. هم من صنعوا كل ذلك وليس غسق "

وتكدست الدموع الحارة في عينيها وخرج صوتها ببحة بكاء

لا وجود له وهي تشير بيدها لنفسها مجدداً

" لقد ماتت روحي وشقيقي الكاسر يموت ثم وابنتي تؤخذ
مني دون وجه حق ومات والدي شراع وترك روحي ممزقة "

وحركت رأسها بقوة والدموع تشبع رموشها الكثيفة وقالت

ببكاء مكتوم

" لما لم يخبروني عن وجود والدي الحقيقي !
ماذا كان سيحدث إن علمت ؟ "

وتساقطت حبات المياه النقية من طرف رموشها وقالت ببكاء

" لما لم يأخذني ووالدتي معه وتركنا لرجل غريب عنّا لأتلقى
أول طعنة قاسية في حياتي وأنا أعلم مصادفة أنهم ليسوا
عائلتي ؟ "

وتحررت عبرتها الباكية وهي تتابع بألم

" لما لم يترك لي ذاك الرجل ابنتي أو أخذني معها ؟
لما قتل روحي بهما معاً ؟ "

وحركت يدها وهي تتابع ببكاء مرير

" ثم وبعد كل هذه الأعوام وبدلاً من لملمة روح غسق الممزقة
لعشرات الأجزاء لا تنتهي مأساتها بل تُعاد بصيغ أخرى أشد
قسوة مطالبة ومن الجميع بتأدية دورها الجديد دون رفض ولم
تمانع .. فما الذي ينتظره الجميع مني ماذا ؟ "


وضربت بطرف أصابعها على صدرها هامسة ببكاء موجع

" لقد تعبت ... أقسم أني تعبت "


ملات الدموع عيني التي مسحت يدها على ظهرها قائلة

ببحة وحزن

" لا تقسي على نفسك يا غسق من أجل ابنك بنيتي "

وراقبتها بحزن وهي تتكئ على الوسائد المكدسة على ظهر

السرير تحضن الحذاء الصغير الذي جلبته لها وقد أغمضت

عيناها ولازالت أنفاسها تندفع لصدرها بقوة فربتت بيدها على

ذراعها ووقفت وغادرت دون أن تضيف أي شيء وتركتها

لحزنها تحضن ما لم يُذكرها بطفلها كما أرادت هي بل بطفلتها

التي ودعتها منذ أعوام طويلة دون أن تراها ولا أن تستنشق

رائحتها وسُلبت معها أمومتها منها وبكل قسوة لتعايش ندمها

لأعوام وفي كل ثانية أنها لم تراها ولم تحضنها وإن لمرة واحدة

ومهما كانت قسوة فراقها لها بعدها فكانت ستكون ارحم من

خيارها القاتل حينها .

اشتدت يداها على قطع القماش الصغيرة في حضنها أكثر وهمست

ببكاء موجع سالت معه دموعها من بين رموشها المطبقة

" أحبك بنيتي "

ولم تكون تعلم بأن نداء قلبها الخفي ذاك قد اخترق المسافات

حطم الحواجز الجليدية وتساقطت معه قساوة الزمن وأن تلك

الشفاه الزهرية الحزينة للنائمة فوق وسادتها قد همست أيضاً

وصاحبتها تغمض عيناها الدامعة بحزن

" أحبك أمي "


*
*
*


أغلقت باب غرفتها ونظرها على الذي اضجع فوق السرير متنهداً

بعمق تنهيدة تحاكي تعبه الشاق مع مهام مركزه التي باتت لا

تناسب عمره ورغم ذلك لازال يتمسك به حتى يخرج الوطن من

عنق الزجاجة الحالي كما يصفه .

اقتربت منه وجلست على حافة السرير بينما كان قد أغمض هو

عيناه يجمع كفاه فوق صدره وكانت تعلم بأنه لم ينم بعد فأبعدت

نظرها عنه ليديها في حجرها وقالت

" أيمكنك إيقاف القضية في الغد يا عقبة "

وكما توقعت فما أن نظرت له وجدته ينظر لها ولم يعلق بأي

شيء مما كانت تنتظره فقالت

" أعلم بأنك رجل عادل ولن ترفض لجوأها لك لكن ... "

قاطعت نفسها وحركت رأسها بضياع وقالت بحزن

" لا أعلم لما أشعر بأنها ستكون نقطة بداية لندم الكثيرين
وأنت منهم "

حدق في عينيها بصمت للحظات وقال

" ولما أندم ولستُ سوى قاضٍ يستمع ويحكم بما يُعرف عنه في
القضايا المشابهة ؟ "


حركت رأسها وهمست بضياع

" لا أعلم لكن قلبي لا يخطئ أبداً "

نظر للسقف فوقه وقال بهدوء

" لا أحد يمكنه إيقافها غير صاحبة الدعوة ومطر شاهين "

" مطر شاهين ! "

همست بذلك مستغربة فقال ولازال نظره للأعلى

" نعم وهل تتوقعي مثلاً أن أوامره ليست سارية عليا
ودون نقاش "

همست بذهول

" ولم يفعل ! "


وانتظرت بفضول شفتاه التي تحركت بكلمة واحدة

" البتة "

أمسكت فمها بيدها تنظر له مصدومة من الفكرة التي لم تخطر

ببالها ابداً وقالت ما أن استوعبت ذلك

" هل لأنه يريد هذا ؟ "

وكان همس الذي أغمض عينيه ببطء

" لا أعلم "

فتنهدت بأسى تنظر للفراغ بحزن وتعلم بأنه ثمة احتمالات كثيرة

يمكنه قولها لها والتفكير فيها لكنه لم يفعل مما يعني أنه ينفيها

جميعها فذاك الرجل كان بإمكانه تطليقها دون داعٍ لكل هذا خاصة

بعد أن علم عن أمر القضية فلما لا يطلقها ويختصر كل ذلك !

أم أنه متأكد من أن الدعوة سيتم رفضها ؟

لكن لما لا يوقف كل شيء إذاً وبأمر واحد منه كما قال زوجها !

أم يريدها أن تنال ما تريد وبالطريقة التي أرادت !

" هو يمنع جميع عائلتها من الوصول لها ومن معرفة موعد
القضية "

نظرت بصدمة لصاحب تلك العبارة والصوت الرجولي المرتخي

المتجهم والذي كان لازال مغمضاً عينيه وكأنه يفصل نفسه في

عالم خاص به ليرميها بالفواجع تباعاً وهمست بعدم استيعاب

" هل يخشى أن يقنعوها بالعذول عن قرارها ؟! "

همس بصوت عميق

" لا أعلم "

حدقت فيه بضياع وها هو يرمي بها لدوامة الألغاز التي لا حل لها

مجدداً وكأنه يختبر قدرات ذكائها ! لكنها ليست كما يتخيل أيضاً

لذلك قالت

" كيف لا تعلم وأنت من سبق وترافعت وحكمت في آلاف القضايا
المشابهة منذ كنت شاباً وحتى صرت قاضياً قبل أن تصبح
وزيراً ! "


فتح عينيه حينها وتنهد بعمق يحدق للسقف بصمت قبل أن ينظر

ناحيتها وقال

" ومن هذا الذي يفهم كيف يفكر عقل المحاربين ؟ "

وحرك يديه من فوق صدره متابعاً

" وكيف إن كان ذاك العقل مطر شاهين ذاته ؟ "

أومأت برأسها بحزن توافقه وأكمل عقلها نيابة عنه

: عقل من وحد به بلاد كاملة لتتحول من أرض جرداء لا تفوح

منها سوى رائحة الدماء لمدن ومباني وناطحات سحاب ، وشبان

ينالون الشهادات العليا بدلا من التشرد والسرقة والنهب عبر

حدود وهمية صنعها سافكوا الدماء أنفسهم ، وتبدل الجهل بالعلم

بالمدارس والجامعات ، والجوع والفقر والتشرد لمطاعم ومقاهي

ولأكبر بلاد مصدر للحبوب ، الفوضى والنهب والسرقات لأول

بلاد يقوم بإلغاء اتفاقية النفط مقابل الغذاء من دون قرار دولي

لتصبح من الدول المصدرة له بدلاً من التي يتم سرقته منها تحت

بنود قوانين جائرة أو بدونها .

لكن ما تخشاه أن لا يجني قلب تلك المرأة التائهة بين مشاعرها

وعائلتها وكبريائها من كل هذا سوى الخسران والألم فلا تسترد

كرامتها كامرأة ولا قلبها كأنثى فأقسى أنواع الندم هو ذاك الذي

تسببه القرارات المتسرعة ، وحين لا يكون بإمكاننا إصلاح ما تم

إفساده تكون الكارثة الأعظم .


رفعت نظرها له وقد عاد لإغماض عينيه لكنها لم ترحمه من

أسئلتها بعد وقالت بفضول وترقب

" ومن الذين يمكنهم التواجد في القاعة ؟ "

قال بضحكة مرتخية ولازالت عيناه مغمضتان

" لن تفكري في حضور الجلسة بالتأكيد "

ضحكت أيضاً وقالت مبتسمة وهي تندس بجانبه تحت

اللحاف الناعم

" لن تسمح لي بالتأكيد لكنت فعلت "

نظر ناحيتها وقال مبتسماً

" ما أحب النساء لحشر أنوفهن "

قالت بضحكة تنظر لعينيه

" هذا يسمونه فضول طبيعي "

قال بابتسامة مائلة

" أخبري فضولك إذاً أن لا يتعب نفسه فلا أحد غيري والمحاميان
وموكلاهما يُسمح لهم بالدخول "

همست بفضول
" سيكون موجوداً ؟ "

نظر عالياً مجدداً وقال بصوت مرتخي يغمض عينيه ببطء

" لا أعتقد فلم يعطي المحكمة العلم بذلك وما كان ليكلف
محامٍ ينوب عنه "


همست من فورها بذهول

" ينوب عنه ! "

لم تسمع منه أي جواب أو توضيح وأنفاسه تعلو قبل أن تنتظم

وعلمت فوراً بأنه نام ولن تجد جواباً لسؤالها ، اتكأت على

ذراعها وشردت في جانب وجهه تفكر في كل ما قالاه .

لقد حاولت وبكل الطرق الممكنة لديها أن تعدلها عن قرارها دون

أن تذكر لها ذلك مباشرة كي لا تشعر بأنها غير مرحب بها هنا

أو تعتقد بأنها تخشى على زوجها من الخوض في الأمر لكن جرح

ذاك القلب يبدو أكبر من أي قوى للتسامح قد تؤثر عليه وها هي
فشلت مع زوجها أيضاً وأملها الأخير .

نامت على ظهرها تنظر للسقف المظلم فوقها بحزن وهمست ب

( يا رب ) وهي تغمض عينيها وتمنت من قلبها أن يخطئ حدسها

هذه المرة وينتهي يوم غد على خير .


*
*
*

فتحت عينيها وأغلقتهما سريعاً بسبب نور الشمس المتسلل من

النافذة المفتوحة وجلست مسرعة حين أدركت بأنها نامت منذ

البارحة ولم تصلي الفجر فغادرت السرير تستغفر الله بهمس

وشعرت بدوار خفيف فور وقوفها وسندت نفسها بمد يدها للجدار

بينما تخللت أصابع يدها الأخرى خصلات غرتها وحركت رأسها

بشكل خفيف ولا تفهم ما يحدث معها وكيف نامت هكذا كالجثة

الميتة ! والغريب أنها لازالت تشعر بأن جفناها سيغلقان من

نفسيهما !

تحركت نحو باب الحمام بخطوات كسولة تتثاءب دون توقف ..

توضأت وخرجت سريعاً ونظرت للنافذة تفكر في الذي سيكون

فتحها بالتأكيد فكيف دخل وغادر دون أن تشعر به !


وما أن وصلت للباس الصلاة الخاص بها وقفت تنظر باستغراب

لجهاز التحكم الخاص بجهاز التكييف الموضوع فوق الطاولة

وليس في مكانه المخصص ورفعت رأسها له عالياً فهي لم تقم

بتشغيله فلما يغير مكانه ولم يشغله !

تنهدت مستغفره الله بهمس وفرشت سجادتها وصلت ما فاتها

وجلست مكانها شفتاها تردد التسابيح مع حركة إبهام يمناها على

أصابعها تحاول طرد أي أفكار تنتابها خلال ذلك سوى فيما تتمتم

به شفتاها حتى انتهت ووقفت حينها ونزعت لباس الصلاة

وتوجهت لهاتفها لترى الساعة فيه وكم من الوقت نامت لكنها لم

تنظر لها بل للرسائل الموجودة على شاشته واتسعت عيناها

بذهول وهي تقرأ كلماتها

( أجيبِ يا جليلة أو كان لي تصرفاً آخر معك )

( تعلمين جيداً ما يمكنني فعله بك )

( إن وصلت لزوجك وأخبرته بالحقيقة فلن تلومي إلا
نفسك حينها )

أمسكت فمها بيدها بصدمة ونظرت ناحية الباب المغلق لا شعوريا

تشعر بجسدها بأكمله يرتجف حتى لم تعد ساقاها تحملانها فانهار

جسدها على السرير قربها تمسك الهاتف بكلتا يديها وعادت

نظراتها للتنقل بين أسطر تلك الرسائل تشعر بأنفاسها تتوقف مع
كل كلمة فيها ولا تفهم معنى هذا ومصدره !

أزالت الرسائل من واجهته ونظرت لإشعار المكالمات وما أن

فتحته صُدمت لرؤيتها لذات الرقم وقد اتصل بها منتصف الليل !!

أبعدت نظرها عنه للفراغ أمامها بشرود وملامح شاحبة لم

يغادرها الذهول بعد وقد سقطت يداها في حجرها وكأنها فقدت

التحكم بها وهمست شفتاها بذهول

" ما هذا !! "

وشعرت بتنفسها يضيق وضربات قلبها تتعالى حتى شعرت

بحرارة شديدة تجتاح جسدها فمن هذا الذي يهددها هكذا وهي

التي عاشت سنوات عمرها كاملة تضع ثقة أهلها بها نصب

عينيها وتفكر بهم أكثر من تفكيرها في نفسها ولم تفعل أمراً

واحداً مشيناً يمكن تهديدها به !

ولم يكن لديها ولا أعداء قد يفكر أحدهم في ابتزازها الآن !

وأي حقيقة هذه التي يهدد بإخباره بها ؟

رفعت رأسها سريعاً ونظرت يميناً ما أن سمعت باب الغرفة

بجوارها يُفتح فوثبت واقفة على طولها وتحركت نحو الباب دون

تراجع أو تفكير ، صحيح أنها منذ تزوجته تنتظر تلك اللحظة التي

تعلم أنها آتية لا محالة وهي خروجها من هنا مطلقة لكن ليس

متهمة في عفتها وتربيتها وعليها أن تكون الأسبق له من هذا

المجهول فليست تؤمن بتلك الأفعال التي تلجأ لها النساء في أغلب

المواقف المشابهة وهي الصمت عن المصيبة حتى تتحول لكارثة

رغم أن معالجتها في وقتها كانت ستكون أقل ضرراً ومهما وصل

مبلغ ذاك الضرر ، فهي كانت زوجة لرماح شراع سبعة أعوام لم

تحدثه فيها ولا بالهاتف وقبلها عرفت شاباً واحداً لم تكن بينهما

أي علاقة سوى ثلاث رسائل بكلمات قليلة على قصاصات ورق

ووعد مبتور كان ثمنه عمرها وعمر رماح معها ، كان قد خطبها

قبلها ورفضه والدها وقتها لأنه لا يملك عملاً ولا منزل ولم

تتواصل معه بعد سفره أبداً سوى من مكالمة واحدة وبعلم

وترتيب من رماح وكان يوم سفره ذاك .


فتحت الباب ونظرت ناحية الذي رفع نظره من الساعة التي كان

يكمل إغلاقها أمام باب غرفته فشدت يدها على الهاتف فيها بقوة

تحارب أي تردد يعيقها عن قرارها ذاك وتحركت خطواتها نحوه

تشجع نفسها بأن رد فعله وهو يعلم منها ستكون أقل ضرراً

فهي لم تفعل شيئاً تخشى منه .

كانت خطواتها مرتجفة تشعر بها كوميض كهرباء في رأسها

فلازالت تشعر بذاك الخدر والوهن الغريبان !

ورغم كل ذلك سارت نحوه تلك الخطوات القليلة بثبات حتى كان لا

تفصلهما سوى خطوتان ومدت الهاتف له دون أن تتحدث فنقل

نظره بينه وبين عينيها ولم يعلق .. لم يسأل ولم يدّعي

الاستغراب أيضاً وهو يرفع يده له واندهش فقط لعدالة الله فهو

انتصر على نفسه البارحة وجعل ثقته بها تسبق تهوره كرجل

فكانت المكافئة بالمثل وخلال ساعات فقط لتبادله الثقة بأخرى

مثلها وموقن بأن ما تريده أن يراه لن يكون هيناً لما جعلته يطّلع

عليه ولا يفعل ذلك سوى البريء الواثق تماماً من براءة نفسه
.
أخذه منها ونظر بحاجبين معقودين لكلمات تلك الرسائل يقرأها

الواحدة بعد الأخرى قبل أن ينظر لها وقال باستغراب

" من هذا ؟ "

همست من فورها تنظر لعينيه

" لا أعلم "

كانت أقوى حرب عاشتها مع نفسها ومع تلك العينان كي لا تبتعد

وتهرب وإن خجلاً منه فتظهر بمظهر الجبان الذي يخفي أكثر

مما يُظهر وحاولت التحكم في أنفاسها وقد قال ونظراته

المستغربة لا تفارق عيناها

" هل حدث هذا من قبل وفي أي وقت سابق ؟ "

حركت رأسها نافية دون حديث فاستدار لباب الغرفة وأغلقه

هامساً بعبارة واحدة

" لن ينجو بفعلته "


وأخرج هاتفه من جيب سترته وغادر باتجاه السلالم وهو يقول

لمن يبدو فتح الخط سريعاً

" سأرسل لك رقماً وأتصل به أريدك أن تحدد موقعه فوراً "

فاتكأت بكتفها على الجدار بين غرفتيهما حين شعرت بعجز كبير

عن الوقوف أكثر وثقل كبير في جفنيها تحمد الله في سرها أنه لم

يخن توقعها بينما قال من تابع نزوله بخطوات سريعة قائلاً

بأمر حازم

" ما أن أتصل تحدد الموقع فوراً وأبلغوا شركة الاتصالات
أريد معلومات تامة عن مالكه "

وغادر باب المنزل مغلقاً إياه خلفه وثمة عينان تراقبه من خلف

عمود السلالم الشبه حلزوني تسمع كل ما قال وهو يغادر

فأخرجت هاتفها سريعاً وبحركة مرتبكة بسبب سرعتها أخرجت

الشريحة التي أضافتها له مؤخراً وكسرتها بين أصابعها نصفين

قبل أن ترميها في سلة المهملات قربها وغادرت بخطوات

مسرعة ناحية باب المطبخ ورائحة الخبز الطازج التي تفوح منه

وهي تهنئ نفسها على ما ظنته نجاحاً لخطتها وهمست لنفسها

بابتسامة انتصار

" لم تري شيئاً بعد من بثينة "

وابتسمت بسعادة لوالدتها التي نظرت لها باستغراب وقالت وهي

تسحب الكرسي وتجلس

" أتحدث مع نفسي أمي "

فحركت تلك رأسها بيأس منها وعادت لما تفعل بينما لم تهتم هي

لكل ذلك وأمسكت الملعقة وقامت بدهن الخبز بالجبن تدندن بلحن

خافت ووضعته في الطبق قرب إبنتها التي كانت منشغلة بثلاث

قطع مكعبات كبيرة أمام يديها الصغيرتان تقوم بتركيبها وفكها

دون ملل .


*
*
*

فتحت باب الغرفة ونظرت بضيق للنائمة فوق سريرها بالعرض

لا تعلم شيئاً عمّا حولها وتحركت نحوها وهزت كتفها بقوة

قائلة بسخط

" هيا بثينة استيقظي إنها السابعة "

وتأففت تمسك وسطها بيديها حين انقلبت للجانب الآخر متمتمه

بضيق وصوت خدر

" يمامة أتركيني أنام قليلاً فنصف ساعة يكفي لأكون جاهزة "

وما ستقول هي التي لم تنم سوى لساعتين بعد الفجر وجافاها

النوم طوال الليل ؟ ولا تعلم من شدة حماسها أم توترها الرهيب

وتفكيرها في أول يوم لها في حياتها ترى فيه مدرسة وطالبات

بل وفتيات فهي لم تعرف حياتها سوى الأغنام والدجاج وأعمال

المنزل ، حتى الزيجات البسيطة التي كانت تقام في بلدتهم كانت

محرومة من الذهاب لها ، وإن جاء ضيف ما لزيارة زوجة والدها

تمنعها من مغادرة الغرفة ورؤيته فاقتصرت حياتها على عائلتها

الصغيرة تلك وعالمها على منزلهم ومزرعتهم .

قالت وهي تغادر باتجاه باب الغرفة المفتوح

" سأخبر أمي إذاً بما قلته "

وتوقفت مبتسمة قبل أن تلتفت للتي غادرت السرير صارخة

تحذرها واتجهت نحو حمام الغرفة تتأفف وتتمتم دون توقف

وأغلقته بقوة خلفها فحركت كتفيها مبتسمة وعادت باتجاه غرفتها

وتأكدت من أنها أخذت كل ما تحتاجه ثم أغلقت حقيبتها ووضعت

كلتا حزاميها على كتف واحد وعادت باتجاه غرفة بثينة التي

كانت تلبس حذائها الابيض الجديد جالسة على طرف السرير

فوقفت عند باب الغرفة تنتظرها حتى انتهت وتوجهت نحو

حجابها الأبيض الجاهز قبل أن تقف أمام المرآة تلبسه وقرصت

خديها وهي تقول مبتسمة ناظرة لصورتها فيها

" وأخيراً متنفسنا الوحيد المدرسة "

وتحركت نحو حقيبتها ضاحكة ورفعتها وتوجهت نحو الواقفة

تنظر لها مبتسمة وغادرتا معاً تنزلا سلالم الطابق بزي

واحد ذا اللون الأزرق الغامق والقميص الأبيض الناصع

لا تظهر منه سوى أكمامه الطويلة والحجاب الأبيض وهو الزي

المخصص لجميع الطالبات ضمن المرحلة الإعدادية .

نزلت بثينة تسبقها لاعتيادها منذ صغرها قفز واختصار عتبات

ذاك السلم الرخامي بينما ضحكت هي تحاول اللحاق بها ، وما أن

كانتا في الأسفل وبينما كانت نظرات بثينة مصوبة نحو الباب

الزجاجي الفتوح لتسبقها له أيضاً انحرف مسار نظرات يمامة

ناحية التي خرجت من جهة المطبخ ولوحت لها مبتسمة وبادلتها

تلك التحية بابتسامة حنون تبدلت للحزن ما أن اختفت من أمامها

مغادرة المنزل تدعو الله أن يحفظها لتراها امرأة رائعة كما
تريد وتتمنى .

بينما نزلت هي عتبات الباب واتجهت للسيارة الجيب بلون

الكراميل المتوقفة على بعد خطوات منه وكانت حينها بثينة قد

فتحت الباب الأمامي وجلست بينما اتجهت هي للباب الخلفي

وجلست خلفها تماماً ونظرت للذي خرج من الباب ذاته ينظر

لهاتفه في يده وهو ينزل عتباته يلبس قميص بلون الزيتون

وبنطلون جينز أسود اللون وقالت بثينة بضحكة تنظر ناحيته أيضاً

" ظننته سيتأخر متعمداً ليتهرب من إيصالنا مستقبلاً "


وتابعت بصوت منخفض تمسك ضحكتها لاقترابه منهم رغم أنه

لم يرفع نظره عن الهاتف

" كان يفعلها حين يتغيب السائق لأي سبب فلا تطلب منه والدتي
إيصالي خوفاً من فعلها مجدداً وإضاعة يوم دراسي كامل "

ضحكت يمامة بينما كان هو قد فتح الباب وجلس حينها مبتسماً

قبل أن تموت تلك الابتسامة ما أن نظر للجالسة في الكرسي

المجاور له وقال ببرود

" ما أعلمه أن الزوجة تجلس في الأمام وليس الشقيقة "

ابتسمت له ابتسامة متسعة وقالت

" أوامر القيادة العليا "


ضيق عينيه بحنق وقال

" وماذا أعطتك من أوامر أخرى ؟ "

رفعت قبضتها في وجهه وقالت بمكر وهي تفرد أصابعها تعد له

" أن أرى وأسمع وأتكلم "

تنفس في وجهها بضيق وقام بتشغيل السيارة التي تحركت بهم

من فورها ونظر نحوها وقال ببرود

" ومتى تمرضين في العادة وتتغيبي عن المدرسة ؟ "

ضحكت كثيراً وقالت

" أمرض نعم لكن لم أغب يوماً "


حدق فيها باستغراب قبل أن تتبدل نظراته للشك فقالت بعبوس

" كانت والدتي تعطيني الدواء ليلاً وترسلني للمدرسة صباحاً "

حرك رأسه ينظر للطريق التي دخلته السيارة قبل أن يرمقها

بطرف عينيه متمتماً

" أشم رائحة كذب في الموضوع "

ضحكت وقالت

" سترى بنفسك وتتأكد "

" تباً لك من شقيقة "

همس بها من بين شفتيه وسيارته تجتاز الإشارة قبل أن تتبدل
للحمراء فضيقت عينيها وهي تنظر له وقالت

" ماذا قلت ؟ "

رفع سبابته وقال ونظره على طريق

" قلت وقت الإنصراف أجدكما قرب الباب .. "

وتابع بتهديد يشير بإبهامه للخلف بينما نظراته ترمقها جانباً

" لا أريد لما كان يحدث في الماضي حين اضطر لإيصالك أن
يتكرر وأقف أنتظر نصف ساعة لتخرجي لي "

لوحت بيدها قائلة بضيق

" ليس حباً في البقاء لكن للضرورة أحياناً "

نظر في المرآة أمامه وقال للتي لازالت تنظر للخارج حيث


نافذتها وكأنها ترى الشوارع والطرقات لأول مرة

" يمامة تخبريني بما كانت تفعل قبل انصرافكما اتفقنا "

وأتاه الرد سريعاً بصوتها الرقيق الباسم

" حسناً "

ابتسم بمكر ينظر للتي كانت ترمقه بضيق قبل أن تلتفت للخلف

قائلة للتي لا تظهر لها جيداً

" أنا من سيعلمك قول كلمة لا "

ضحك أبان وقال والسيارة تقف أمام بوابة المدرسة التي كانت

تدخلها الطالبات

" علمتها قبلك أن تطيع زوجها "

نظرت له وقالت بمكر

" ولا شيء أسهل من جعل الزوجة تتمرد على زوجها "

تجعدت ملامحه قال بضيق

" أنتِ في الثالثة عشر أم الثلاثين ! "

أشارت بسبابتها لصدغها تعني عقلها وضحكت بمكر فشد شفتيه

بضيق وما أن كانتا ستنزلان قال وهو يدخل يده في جيب قميصه

" انتظري يا يمامة "

وأخرج ورقة نقدية واستدار بنصف جسده نحوها ومدها لها

فنظرت لها دون ان تأخذها وفي صمت فلوح بها أمامها

وقال مبتسماً

" خدي هيا لتشتري ما تشائين "

فمدت يدها بتردد وأخذتها وهمست تشكره مبتسمة فغمز لها

باسماً ونظر لشقيقته والتي كانت تنقل نظرها بينهما في ذهول

وقالت ما أن استقر نظرها عليه تفرد أصابع يديها أمامه

" عشر جنيهااات ! "

رفع رأسه ضاحكاً قبل أن ينظر لها وقال

" من يراك لا يصدق أنك إبنة الشعّاب ! "

أمسكت خصرها بيد ورفعت سبابة يدها الأخرى أمام

وجهها وقالت

" لم تعطني يوماً قرشاً واحداً "

ابتسم بسخرية وقال يرمقها بطرف عينيه

" أوامر القيادة العليا "

تأففت في وجهه ونزلت وضربت الباب خلفها بقوة وتوجهت

ناحية باب المدرسة الحديدي الكبير المفتوح بخطوات غاضبة

ويمامة من خلفها مناديه

" بثينة انتظري "

بينما كانت ثمة حافلة كبيرة وقفت أمام الباب وأخفتها عنها

فوقفت تنتظرها عند البوابة حتى وصلت من بين جموع الفتيات

اللاتي غادرن الحافلة حتى وصلت عندها وقالت بأنفاس لاهثة

وملامح مذعورة

" ألا تعلمين بأني لا أعرف أحداً هنا ؟ "

وبخت نفسها وهي ترى التوتر والخوف على ملامحها الجميلة

فهي نسيت بأنه يومها الأول في المدرسة بل ورؤية كل هذا العدد

من الفتيات ومكان غريب عنها ، شدتها من يدها وقالت

تدخلان معاً

" كل هذا بسبب زوجك "

وتابعت بضيق وهما تجتازان الممر الحجري المقوس الواسع

" لا أعلم كيف سأتحمله عاماً كاملاً ذهاباً وإياباً "

بينما كانت نظرات يمامة تتفحص كل شيء حولها .. الساحة

الواسعة المليئة بالطالبات والأحاديث بين الضحك والصراخ

المنادي .. مبنى المدرسة الكبير المرتفع .. النافورة الحجرية

الضخمة المتوقفة وأحواض النباتات المحيطة بها وشعرت

بتوترها يزداد وتمنت أن عادت للمنزل الآن .

نظرت للخلف ولمكان سيارة أبان الخالي منها وخشيت أن تسخر

بثينة منها إن قالت ذلك وبأنها تريد المغادرة فتمسكت أصابعها

بيد بثينة أكثر وشعرت برغبة كبيرة في البكاء كطفلة تترك

والدتها وتذهب للمدرسة في يومها الأول تشعر بكل شيء حولها
مخيف والجميع حيوانات مفترسة مؤذية .

" بثييينة "

توقفت مع توقف السائرة معها شبه ملتصقة بها واستدارت معها

حيث الصوت الأنثوي الصارخ خلفهما وكانت فتاة في ذات طول

بثينة تركض نحوهم وقد صرخت لها وهما تحضنان بعضهما بقوة

استدارتا بسببها في مكانهما ضاحكتين ، وما هي إلا لحظات

ووصلت أخرى راكضة أيضاً وقفزت تحضنهما معاً وتداخلت

كلماتهن مع ضحكاتهن حتى ابتعدن عن بعضهن وكل واحدة

تضرب الأخرى على كتفها وتتبادلن الأسئلة والأحاديث

الضاحكة حتى قالت بثينة

" وأين هي البطريق لم تصل معكما ! "


نظرت الواقفة أمامها للخلف وقالت ضاحكة

" غادرنا الحافلة معاً ! "

وضحكن ثلاثتهن ما أن وجدن ضالتهن فتاة بدينة بزي مدرسي

كبير تمضغ وهي تحرك فكاها بقوة وتبحث عيناها الخضراء

الواسعة في المكان ورأسها يستدير مع تحركها للأمام بينما تمسك

في يدها رغيف خبز كبير ملفوف بورق قصدير ، وما أن وقع

نظرها عليهن حتى ابتسمت وركضت ناحيتهن بخطوات ثقيلة حتى

وقفت أمامهن وقالت لاهثة وبفم ممتلئ

" ظننت بأنكن في الداخل من دوني "

قالت بثينة تشير للرغيف بيدها

" ماذا ستأكلين في الفسحة يا شرهة "

ابتسم فمها الصغير بالمقارنة لوجنتيها الممتلئتان

والمتوردتان وقالت

" أحضرت معي اثنان "

ضحكن جميعهن وهي معهن عدا التي سحبتها بثينة من يدها

نحوهن وقالت

" أعرفكم بزميلتنا الجديدة يمامة "

ابتسمت بحياء وهي تبادلهن السلام بيدها وشعرت بلسانها انعقد

ولم تستطع ولا قول كلمة ترحيب واحدة تجاري كلماتهن السريعة

الباسمة التي غمرنها بها وقالت إحداهن تنقل نظرها بينهما

" وماذا تقرب لك يا بثينة ؟ "

وما أن كانت ستتحدث علا صوت الرنين المرتفع وكان مصدره

مبنى المدرسة فتحركن جميعهن حيث بدأت الطالبات بالتجمع

وقالت بثينة تسحبها معها راكضتين

" أسرعي لا نريد أن ننظف حمامات المدرسة كعقاب "



*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 20-07-21, 11:31 PM   المشاركة رقم: 1585
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

انتظر السكرتيرة التي مرت من أمامه تحمل أوراقاً في يدها حتى

خرجت وأغلقت الباب خلفها ونظر حينها لوالده والجالس خلف

مكتبه وقال ما هو هنا من أجله تحديداً

" ماذا ستفعل الآن بشأنها ؟ "

قال الذي لم يرفع نظره عن الأوراق يقلبها بين يديه

" لا خيار أمامي سوى إرجاعها للمصح "

نظر له بذهول لبرهة وقال

" لن يقبل وقاص بهذا وهو يربط الليل بالنهار من أجل القضية "

وحرك رأسه بيأس وتنهد بعجز حين لم يسمع منه أي تعليق وقال

" هل تحدثت معه ؟ "

جمع الأوراق ورماها جانباً قائلاً بضيق

" وهل بات بشراً يمكن التحدث معه ؟ "

تنهد مغمضاً عينيه ونظر له وقد فتح الدرج يفتش فيه وقال بصبر

" هو كان دائماً بمنزلة ابنك لا حفيدك "

رفع نظره له وقال بضيق يشير بيده

" كان ذلك حين كانت كلمتي لا ثانيه لها لديه وحين كان يدرك أن
ما أفعل وأقول يصب في مصلحته المُطْلقة "


كان سلطان من أشار بيده حينها لكن جانباً وهو يقول بجدية

" وتوتر العلاقة بينكما لن يوصلنا لأي حل وأخشى أن يتطور
الأمر لما هو أسوأ "

قال الذي لم يفارق الضيق صوته كما ملامحه القاسية وبعد أن

ضرب الدرج المفتوح بيده بقوة يغلقه

" أنا لست طفلاً لأتشاجر معه وإن باتت أفكاره كما أفعاله
تُنسب للأطفال "

قال الواقف أمامه والضيق يسيطر على نبرة صوته أيضاً

" لما لا تحترم قراراته وإن كانت ضد رغبتك فهو
لم يعد طفلاً ؟ "


وكان ذاك ما جعله يشتعل أكثر وقال بغضب

" كيف تحترم أمراً أنت تراه خاطئاً ! "

حرك رأسه بيأس منه وإن لم يتركه يسيطر على عزيمته وقال

بحدة يشير بيده بعيداً

" تلك الفتاة السبب في كل المشاكل بينكما أبي وأخذها للمصح
لن يزيد علاقتكما إلا فتوراً وأخشى أنّ رد فعله هذه المرة لن
يكون كالسابق أبداً "

وقف الجالس خلف مكتبه على طوله وقال بانفعال غاضب

" وتركها لحبل المشنقة هو الحل برأيك ؟ "

حرك رأسه برفض وقال والهدوء يعود لصوته تدريجياً

" وقاص يقول بأنه ثمة شخص ثا... "

قاطعه الذي صرخ يشير بيده له

" هذا ما يقوله وقاص لكن ما تقوله هي مختلف تماماً والقضاء
لن يترك اعترافها ليستمع لكلام ابنك "

رفع يديه جانباً وقال بجدية

" وماذا إن وصل للقاتل الحقيقي وإن كانت ترفض
ذكر اسمه ؟ "


وشد شفتيه بقوة ما أن قال الواقف خلف مكتبه بحدة

يشير لصدغه

" لا أفهم أي عقل تفكر به هذا يا سلطان "


فأشاح بوجهه بعيداً عنه أنفاسه تخرج بقوة وابتلع إهانته بينما

تابع ذاك صراخه المنفعل

" من هذا الذي دخل وقتل وغادر ولم يراه أحد وجميعنا سمعنا
صوت إطلاق النار وركض الحراس لتلك الجهة من فورهم ! "

نظر له حينها وقال بلهجة قوية يشير له برأسه

" ألا تصدق أنت ما يقول وقاص ؟ هو يملك أكثر من دليل
على وجود شخص آخر "

فصرخ وهو يشير له بسبابته قبل أن يرمي بها بعيداً

" سيكون أنت أو إحدى زوجاتك أو أبنائك حينها "

وتابع بحدة وسباته تحولت للطاولة تحته يضرب بها عليها

" والجميع أثبتوا مكان تواجدهم وحتى الخادمات والحرس
فمن سيكون ؟ "

" ماذا عن الأدلة ! "

قالها بقوة وثبات وانتظر بشغف تعليق الذي قال بحدة

" ولما تصمت هي عن قاتل تُقدم نفسها للسجن بدلاً عنه ! "

أسكتته عبارته تلك تماماً وإن مكرهاً أيضاً لأنها واقع وتابع

ذاك من فوره وبنبرة أشدُّ حدة وقوة

" نحن نرى الأشياء بمنظور مخالف لما ينص عليه القانون
وابنك يعلم ذلك جيداً وأكثر منّا وبأن القضاء لا تتحكم فيه
العواطف ولا يأخذ بغير الأدلة الثابتة "


أخفض نظره ينكس رأسه للأسف وقبضتاه تشتدان بقوة بجانب

جسده بسبب الحقائق التي لا مهرب منها ، وبالرغم من كل ذلك

رفعه مجدداً ونظر له وقال بإصرار

" سيطلب الاستئناف في كل مرة وسيجد القاتل أنا أثق
في إبني "


ونظر بأمل كسير للذي لم يهتم بكل ذلك وهو يضرب الطاولة تحته

بيده بقوة وصرخ قائلاً

" ليفعل ما يريد لكن بقاء زيزفون خارج المصح ليس في
صالحها وعليه أن يقتنع أو يوافق مكرهاً أنا لا أنتظر رأيه
ولا موافقته "

تنهد يحرك رأسه بعجز ويأس ويعلم جيداً عواقب كل هذا ويكره

الوصول لما يتوقع ويخشى فقال ودون يأس وبنبرة حاول أن

يجعلها أكثر اتزاناً

" لا أريد للأمور أن تصل لأن يترك القصر ويغادره للأبد
وأعرفه يفعلها "

وتنفس بضيق بسبب الذي عاد للجلوس على كرسيه الجلدي قائلاً

بلا اهتمام

" كل ما أريده أن تكون موجوداً واترك الباقي لي "

جعله ذلك يشد قبضتيه بقوة أكبر وكان يشعر بألمهما أهون من

كل ما يشعر به حينها وفي قلبه تحديداً وقال بصعوبة وكلمات

متأنية

" أنا لست على استعداد لأن أخسر ابن آخر من أبنائي "

وكما توقع فلم يهتم الجالس أمامه يقلب الأوراق التي أخرجها من

الدرج سابقاً لكل ما قال وهو يرفع يده نحوه دون أن ينظر له

قائلاً بجمود

" أترك الأمر لي يا سلطان وعليك العودة لمشروع
الجزيرة الآن "

لاذ بالصمت للحظات قبل أن يرفع رأسه وينظر له من علياء

وكأنه يثبت له قبل نفسه عزمه على ما يريد قوله وإن كان

لا ينظر له وقال بجمود

" عليك البحث عن غيري أنا لن أغادر مجدداً ولأي مكان "


رفع رأسه ونظر له حينها وقال عاقداً حاجباه بقوة

" غيرك من تحديداً تقصد ؟ "

قال ببرود

" لا أعلم ولا أهتم ولن أترك عائلتي وأبنائي مجدداً فهم أحوج
إلي من أي مشروع ومهما كانت ستكون إيراداته "

وكما توقع بل وكان متأكداً اشتعلت تلك العينان بغضب أسود

ظهر سريعاً في صوته الغاضب وقد أشار بيده جانباً وبحركة

قوية غاضبة

" بعد كل هذا الطريق الذي قطعناه والأموال التي قمنا بدفعها ؟ "


تمسك بجمود ملامحه وقال بذات البرود المعاكس لاشتعال

المقابل له

" يمكنك بيع أسهمنا في المشروع وستجد الكثيرين ممن
يرحبون بذلك "

صرخ ذاك مباشرة

" ويضيع كل التعب والجهد الذي بذلناه ؟ "

وتابع من فوره وبضيق

" كل هذا لعائلتك وأبنائك أيضاً أنا لن أعيش لأستفيد منه "

تنهد نفساً عميقاً وقال بألم

" وعائلتي التي تتحدث عنها لن نجد منها أحداً على هذا الحال
فرواح الوحيد الذي بات يُدير أعمالنا معنا ولن أستغرب أن يحذو
حذو وقاص قريباً "

قال الذي وضع يده بقوة على الأوراق التي لم تسرق اهتمامه

وبنبرة جادة قوية ينظر لعيناه

" وقاص كان يمتلك شخصية مستقلة منذ صغره ولم أستغرب
قراره حين اتخذ حياة عملية خاصة به ورغم كل ذلك كان بمثابة
المستشار القانوني لنا دائماً وإن كان يرفض تقاضي
مقابلاً لكل ذلك "

وتابع بذات النبرة الجادة يشير برأسه جانباً

" ضرار لازال صغيراً ودراسته ستنتهي يوماً ويجد ما يؤمن
مستقبله كما شقيقه رواح من قبله "

لكن كل ذلك لم يُقنع الذي همس والقهر يظهر بوضوح في عيناه

" ونجيب ؟ "
ولم يفته ملاحظة العينان التي اختفت خلف جفنيها وهو يسدلهما

عليها ينظر ليده فوق الأوراق تحته لكنه لم يتوقع ايضاً ما قاله

حينها بجمود وما أن رفع نظره له

" لا يحتاج الأمر أن أذكرك بأننا أعطيناه فرصة كبيرة وما
انتهى الأمر له "

فلاذ بالصمت مكرهاً يشد شفتيه بقوة يخفي ألمه وانكساره بينما

تابع والده جلده وبقسوة

" لم تنسى بالتأكيد الخسارة التي تسبب لنا بها وما كانت
نتائج أفكارك "

قال والأسى لازال يسيطر على عينيه وصوته

" أنت تعلم أكثر مني لما طلبت منك منحه تلك الفرصة ، وكان
محقاً حين قال بأنه المستثنى عن كل شيء "

قال ضرار بحدة

" لأنه كان فاشلاً في دراسته وفي كل شيء .. التجارة لا مكان
فيها للعواطف يا سلطان والدليل أتاك حين اتبعت عواطفك نحوه "

أبعد نظره عنه بسبب قسوة الحقيقة التي لا يمكنه تقبلها في كل

الأحوال بعد أن فقده وقال بحزن عميق ولازال يتجنب النظر له

" واستقصائه لم يكن حلاً البتة بل زاد الأمور تعقيداً واشتد
كرهه لشقيقه "

وأغمض عينيه ما أن صاح الجالس هناك بحدة

" الذنب عند السبب الأساسي في ذلك وليس أنا فلما لا تعيد
الأمور لمسبباتها "


رفع نظره له حينها وفقد السيطرة على انفعالاته أيضاً وهو يراه

يبرر لنفسه طوال الوقت وقال بحدة

" ولن نلوم والدته وحدها في هذا فموته جعلني أدرك الكثير
مما كنت أخطئ فيه وما اخطأنا فيه جميعنا "

ولمعت عيناه بأسى حزين ودموعاً رقيقة تملأهما واختنق صوته

هامساً بوجع يشير لنفسه

" تمنيت لو يرجع ليوم واحد للحياة لأعتذر منه على الأقل "

وأولاه ظهره يمسك عيناه بأصابع يده يمنع تلك الدموع من

التسرب منها يشعر بالعجز التام عن إقناع نفسه بما يقول والده

وكبحها عن الشعور القاتل بالندم فمسحهما بقوة واستدار نحوه

وقال بجدية

" لذلك لن أغادر من هنا مجدداً ولن أترك أبنائي ولن أفعل ما
يدفعهم للإنتهاء لنهايته أبداً "

قال الذي نظر له بقسوة

" وما معنى هذا ؟ "

قابل سؤاله القوي ذاك بقوة نظراته له حينها وبأن قال وبكل جدية

" معناه أن وقاص يحب ابنة عمه تلك وعليك تزويجها له بما
أن نجيب توفي "

ولم يستغرب النظرة المتسعة التي قابل بها الجالس هناك كلماته

بل وصرخ يشير له بيده

" ما هذا الجنون يا سلطان ! الفتاة تنتظرها ثلاث قضايا الآن
ولم تشفى نفسيتها بعد "

وكان ذاك ما جعله يشتعل أيضاً وقال بانفعال يدافع عن رأيه

" لكنه يريدها وعليك تزويجهما وإن ليوم واحد .. لا تتركها في
نفسه أبي "


وقال آخر كلماته بما يشبه الرجاء لكن الذي وقف على طوله

مجدداً قابل كل ذلك بأن قال بحدة يشير لرأسه

" لا أعلم إذا فهمت ما أقول أم لا تسمع البتة ! "

ابتلع إهانته مع ريقه الجاف وقال بجمود يخفي خلفه أي

مشاعر أخرى

" ليست حجة أبي فأنت زوجتها لنجيب وهي كذلك "

صرخ من فوره

" كان خطئاً ولن يتكرر مجدداً "

شعر بكلماته تذبح روحه وهو يرفض ما يعلم جيداً بأنه سيكون

سبب فقده لإبنه الآخر وقال بأسى وخذلان

" لو كانت إبنة عائلة أخرى لفعلت المستحيل ليوافقوا لكني لن
أترجى جده ليمنحه أول شيء يتمناه ويطلبه منه في حياته وهو
الذي لم يعصي له أمراً يوماً "


وما أن أنهى كلماته تلك أولاه ظهره وتحرك من مكانه مغادراً

فأوقفه صوته الآمر

" سلطااان "

فتوقفت خطواته قرب الباب ووصلته كلماته الحادة من خلفه

" لن تُحب وقاص أكثر مني وأنت والده "

استدار نحوه وما أن كان سيقول بأنه كان يظن ذلك لكنه اكتشف

العكس سبقه وقد قال بجدية

" هذه القضية ستفتح ملفات القضايا السابقة وستُجمع لها هنا
جميعها ولن يُسمح بمحاكمتها إلا هنا أو في بلادها هناك "

حدق في عينيه بصمت للحظات وكأنه يترجم ما سمع للتو وقال

ما أن استوعب كل ذلك

" أرجعها هناك إذاً وسنعمل بكل جهدنا وإن لتخفيف الحكم "


لكنه قابل اقتراحه ذاك بابتسامة ساخرة وهو يحرك رأسه وقال

" ما أسهل أن تتمنى ذلك لكن تطبيقه مستحيل "

نظر له بعينين تملؤها الحيرة وقال ذاك ما كان يعلمه بأنه ينتظره

منه وهو الشرح والتوضيح بينما لازالت نبرة صوته جادة قوية

" سيكون محكوماً عليها بالسجن المؤبد هنا وبالقصاص والموت
شنقاً هناك فأي الخيارات الثلاث تختار لها إن أضفت المصح
النفسي لهم ؟ "

كان سؤالاً التفكير فيه أقسى من الإجابة عليه فحرك رأسه في

حيرة وعجز يشعر بالضياع ولا يمكنه تحديد ما سيكون مجدياً من

عدمه ومن رأيه الصواب ومن المخطئ ! وهمس بأسى

" ما نفع ما يفعله وقاص إذاً ؟ "

قال بجمود

" أن لا يلوم نفسه مستقبلاً فقط "

كانت كلماته تلك كسكين حاد غرسه في قلبه جعلته يغمض عيناه

ويسحب الهواء بقوة لصدره وهمس يزفره بقوة

" لا يمكن هذا ... "

وفتح عينيه ونظر له وقال بأمل كسير

" لما لا نأمل في أن يفعلها ؟ "

وكانت النتيجة كسابقتها وهو يواجهه بالواقع المرير وبجمود

وكأنها ليست حفيدته ومن لحمه ودمه

" فشل الكثيرين سابقاً وهيئة محلفين كاملة أيضاً وللسبب ذاته

لأنها تصر على أنها الفاعلة "

ضرب كفيه ببعضهما يحرك رأسه بأسى بينما تابع ذاك يذكره بما

حاول نسيانه من أجل ابنه

" لن يحمي القانون مذنباً يعترف على نفسه يا سلطان "

فأومأ برأسه بحزن يبعد نظره عنه للفراغ أمامه واعترف مجبراً

وإن بينه وبين نفسه وإن لم يتقبلها قلبه وهي الحقيقة القاسية

فحتى الفاعل يوصيه محاميه بأن ينكر لآخر لحظة ليجد له ثغرة

ما ينقذه بها ، واستدار للباب مجدداً وإن بخطوات كسيرة وقال

وهو يفتحه

" أنا لست مسؤولاً عمّا سيصل له الأمر إذاً وسأتوقع كل
شيء منه "

وغادر مغلقاً إياه خلفه وترك الذي انهار جسده على الكرسي

تمسك يداه بطرف الطاولة أمامه وقد نظر للهاتف فوقها لوقت

قبل أن تمتد يده له ورفع سماعته قائلاً بجمود

" أوصليني بالدكتور ﻓﻴﺮﻧﺴﺒﻲ "


*
*
*

دخلت غرفتها مغلقة الباب خلفها ورمت حقيبتها الخاصة بعملها

وعلى الرغم من شعورها بالتعب خاصة وأنها تغادر المطار يوم

الإجازة بعد الظهيرة إلا أنها أخرجت هاتفها من جيب سترتها أولاً

قبل أن تستحم أو تنام ولا حتى أن تأكل ، جربت الاتصال به مجدداً

وما أن علا صوت المجيب الآلي رمته نحو السرير بغضب فها هو

يغلق هاتفه اليوم أيضاً مما يعني أنه خارج بلاده وسيكون في

رحلة بالتأكيد ولا تعلم هل من حسن حظه أن يختفي حتى يهدأ

غضبها مما حدث أم هو حسن حظها هي أن لا يظهر له اهتمامها

بحفل الزواج منه ؟

لكن هذا من حقها وكأي فتاة أخرى وإن حفل بسيط هنا في أحد

الفنادق تجمع فيه عائلتها وأصدقائها .

لكن كيف تحتفل الآن ورواح شقيقه ميت من أيام قليلة فقط ؟

حتى عمتها وعلاقتهم الشبه منقطعة بسبب خلاف والدها معها

تبقى عمتها وهو ابن زوجها أي لا احترام لذاك الرجل الذي يكون

نسيباً لوالدها بذلك ، ولا احتفال هناك أيضاً وكأنه لا يمكنهم

التأجيل لبعض الوقت !!

وشعرت بغضبها يزداد بسبب صمت والديها وعدم احتجاجهما

أو رفض أي أمر تقرره تلك العائلة وعادت للمربع ذاته والذي

لا مخرج منه ولا حل له .


تأففت تبعد كل تلك الأفكار من رأسها وتوجهت ناحية الحمام

لتتوقف خطواتها فجأة ونظرت ناحية باب الغرفة الذي فُتح بعد

طرقتين متتاليتين وقالت والدتها مبتسمة

" ساندرين هنا وتريد رؤيتك "

همست باستغراب

" ساندرين ! "

ونظرت للساعة على الجدار وكأنها تتأكد من الوقت ففي العادة

هي لا تخرج للتنزه أيام العطلة في هذا الوقت ولم تخرجا معاً منذ

وقت طويل ! قالت وهي تتجه نحو الخزانة

" سأغير ملابسي وأخرج لها "

لكن ذلك أيضاً لم يحدث بسبب التي دفعت الباب ودخلت قائلة

" لا .. لا تغيري ثيابك "

وابتسمت للتي كانت تقف عند الباب تنظر لها باستغراب وقالت

" شكراً لك يا خالة سأتحدث معها هنا "

فغادرت تلك من فورها مع التواء شفتي ساندرين وهي تنظر

لكنانة الواقفة تنظر لها ايضاً وقالت بعبوس

" بالرغم من أني غسلت قدماي عشر مرات قبل مجيئي ! "


فلم تستطع كنانة إمساك ضحكتها التي خرجت في قهقهة عالية

وأغلقت ساندرين الباب وقالت تنظر لها بضيق

" ما المضحك في الأمر؟ والدتك يبدو لا تحبني ودون أي
سبب منطقي ! "

قالت تلك من بين ضحكها الذي لم تعد تستطيع التحكم به

" كان عليك إخبارها بهذا "

رمقتها بحنق وقالت تمسك وسطها بيديها

" حمقاء أنتِ ووا... "

قاطعتها بتهديد

" هيه ساندي لن أسمح لك بإهانة والدتي "


رمت يدها نحوها دون اهتمام وقالت

" دعينا من كل هذا الآن وهيا سنخرج لأمر مهم "

حدقت فيها باستغراب وقالت

" وما يكون هذا الأمر الذي يلزم أن أكون فيه بثياب عملي ؟! "

نظرت للباب خلفها قبل أن تعود بنظرها لها وقالت

بصوت منخفض

" سنذهب لنورثود "

قالت واستغرابها يتبدل للذهول

" وماذا نفعل هناك ! "


قالت موضحة أكثر

" أقصد نورثود مقر البحرية الملكية هناك "

" ماذا !! "

اتسعت عيناها بصدمة وهي تهمس بتلك الكلمة وتابعت بصوت

مرتفع ما أن استوعبت ما سمعته

" ما الذي تريدينه من البحرية الملكية وكيف ستدخلين
هناك يا حمقاء ! "


همست لها بضيق وهي تحرك يدها

" أخفضي صوتك لا أريد أن تسمعنا والدتك وتخبر والدتي "


رمقتها بطرف عينيها متمتمه بشك

" ساندي .. ماذا ورائك هذه المرة ؟ "

أمسكت خصرها بيديها وقالت بحنق

" لا شيء ... ثم ما قصدك بهذه المرة ؟ "

قالت كنانة من فورها وبجمود تكتف ذراعيها لصدرها

" لأنه لك أفكار مجنونة دائماً ولا تفكرين في العواقب أبداً "

ابتسمت بسخرية وقالت بقهر

" وما معنى حياة الجبناء المملة ؟ "


حدقت فيها باستغراب قائلة

" ماذا تقصدين بهذا ؟ "

تأففت في وجهها وقالت بضيق

" ما بك كنانة كلما قلت شيئاً .. ماذا تقصدين "

وقالت آخر كلمتها تقلدها وهي تلوي لسانها متعمدة وما أن

رأت الضيق في عيني التي كان واضحاً أنها ستعلق على

ما قالت سبقتها قائلة

" علينا أن ندخل هناك لأمر مهم جداً كوينو "

قالت التي حركت رأسها بعدم استيعاب

" وما يكون هذا الأمر الذي يجعلك تفكرين في دخول ذاك
المكان ! "


ولوحت بسبابتها نحوها متابعة

" وما لا تعلمينه ساندي بأنه مقر للعمليات المشتركة بين قيادات
الأسطول البحري والقوات المسلحة البريطانية وقوة الناتو
الإقليمية أي أنه ليس معرضاً فنياً يدخله كل من يشاء "

حركت رأسها بسخط لتشرح بأنها تعلم عن كل ذلك واقتربت منها

بنصف دورة حول السرير وأجلستها عليه وجلست أمامها وبدأت

تحكي لها بشبه همس ما حدث وما تريد فعله بحماس تارة

وغضب واستياء تارة وحزن تارة أخرى وهي تستمع لها بمشاعر

متقلبة أيضاً بين الصدمة والدهشة والاستغراب حتى انتهت فقالت

بعدم استيعاب

" عمي شاهر قال ذلك فعلاً ! "

قالت من بين أسنانها المطبقة بغضب

" أجل وإن لم أفعل شيئاً فسأجن "

قالت التي لم يغادرها الاستغراب بعد

" وما الذي قالته ماريه وما قررت ؟ "

" لا أعلم ولم أسألها "

قالت تلك الكلمات بأسى وتابعت من فورها بحزن

" لم أستطع مواجهتها اليوم ولا النظر في عينيها ولم تغادر
هي الغرفة "

حدقت فيها وكأنها تراها لأول مرة في حياتها وهي التي تعرفها

وتعرف شخصيتها جيداً وهمست

" ولما ! "

قالت بغيظ وهي تمسك قميصها قرب ياقته وكأنها ستمزقه

عن جسدها

" أشعر بالخزي من تخاذلهم معها والسماح لذاك المتحجر بفعل
ما يريد وسأرى مصيري في عيناها ما أن أنظر لهما "

حدقت فيها بصمت لبرهة وقبل أن تتمتم ببرود

" لا تقارني رواح بتيم "

وكان ذاك ما أشعل فتيل غضبها فلوحت بيدها قائلة بغضب

" جميعهم متشابهون وإن شعر الرجل بأنه لا ظهر قوي يقف
خلفك سيعاملك معاملة بهيمة "

شدت شفتاها تطبقهما ونظرت ليديها في حجرها ولم تستطع قول

شيء ولا مجادلتها وهي تقارن نفسها بما قالت فها هما والداها

أيضاً يسيران على الطريق ذاته .. وشعرت بالألم في قلبها من

فكرة أن تواجه الظلم من ذاك الرجل مستقبلاً ولا أحد يقف في

وجهه ويساندها ضده ، رفعت عيناها التي سيطر عليها الألم

وقالت بأسى حزين تنظر لعينيها

" أتعلمين أين يكمن الخطأ ؟ "

وخفت صوتها المتأسي وهي تتابع

" في أن تقبل عائلتك بتزويجك لمن لا يناسبك اجتماعياً "


قالت بضيق

" نحن لم نجبر أحداً كنانة هما من تزوجانا رغم رفضنا لهما "

لكن ذلك لم يغير موقف التي قالت تواجهها بواقعها

" هل يمكنك إنكار أن عائلتك لا يناقشونه في أي أمر يريده
هو أو عائلته ؟ "

زمت شفتيها بقهر ولم تستطع نكران ذلك فكل ما يقوله زير

النساء ذاك لا يعارضانه فكيف إن تحدث والده أو جده ؟

واعترفت في قرارة نفسها بأنها محقة فإن كان الأمر معاكساً لكان

يهز ذنبه كالجرو ولا يجرء على قول شيء ، تنهدت بضيق تمد

شفتيها بعبوس ورغم ذلك قالت بكلمات سريعة جادة

" لكن ماريه تملك ثروة ضخمة وانظري ما يفعل بها كتلة
الغرور ذاك ؟ "

حركت رأسها بيأس منها وقالت

" رواح يحبك ساندي وهو لا يشبه تيم لتقارنيه به "

شخرت بسخرية قبل أن تتمتم

" يحبني !! "

وتابعت من فورها وبضيق تحرك يدها بعشوائية

" ابن عمتك ذاك يحب جميع شقروات الكرة الأرضية وهو على
استعداد لشراء ماكوك فضائي إن علم بأنه ثمة أخريات فوق
المريخ "




حركت رأسها بيأس مجدداً بينما تابعت التي لم ينتهي ما لديها بعد

" كل من تجري في عروقهم دماء الهازان خونة ومتعالين ، عليك
أن تحمدي الله أن زوجك من صنوان ووالدته من الحالك "

حدقت فيها باستياء وقالت

" وأنا من الهازان ووالدي وشقيقي أيضاً "

رمت يدها نحوها ببرود قائلة

" أنتِ امرأة وشقيقك لم نرى أفعاله بالنساء ... "

وتابعت تمسك ضحكتها وقد تغير مزاجها فجأة

" أما والدك فيبدو أن دمائه تطهرت من كثرة الغسل
بالماء والصابون "

ولم تستطع منع نفسها من الضحك رغم قولها معتذرة بسبب التي

أمسكت خصرها تنظر لها بضيق

" قسماً بأنه يستحق وساماً يا كنانة "

قالت تنظر لها باستياء ما أن أنهت ضحكها

" هذا لأنه يحبها وجميعنا كذلك فهي تعاني مرضاً يحتاج لمراعاتنا لا أن نكرهها أو نسخر منها "

تنهدت بضيق وقالت

" لم أقصد إهانتها لكنك تعلمين جيداً بأنها لا تحبني وما الذي
كانت تقوله عني "


قالت بعدم اقتناع

" كان ذاك في طفولتنا لكنها الآن لم تمانع يوماً صداقتي بك
ولا خروجنا معاً "

أمسكت خصرها بيدها وقالت تنظر لها بنصف عين

" هل طلبت منك يوماً دعوتي لمنزلكم بالرغم من أنني صديقتك المقربة ؟ اعترفي بالصدق كنانة "

تأففت وقالت ساخطة

" أنتِ هنا لتحللي شخصيتها ساندي ؟ "

تذكرت فجأة ما لم تنساه أساساً ووقفت وقالت

" بل لأذهب فوراً لنورثود فلا يمكنني انتظار يوم آخر والدماء
تغلي في عروقي هكذا "


رفعت نظرها معها وقالت بتردد

" هذا جنون ساندي أنا لا يمكنني الدخول إلى هناك "

شدت شفتيها بضيق وقالت تشير لجسدها بسبابتها

" إنزعي ثيابك لألبسها أنا إذاً وتولي أنتِ مهمة إشغال الحراس "

حدقت فيها بذهول وقالت

" وهذه اسوأ من سابقتها .. ثم البطاقة في السترة تحمل
صورتي فمن أين لك بالشعر الأسود ؟ "

قالت من فورها وبحزم

" لهذا أنتِ من عليها الدخول فأنا ابن عمك ذاك يعرفني
أما أنتِ لا "


قالت بتشكيك

" ومن أين تأكد لك بأنه لن يتعرف علي ؟ "

تنهدت بضيق وقالت

" هل لك أن تخبريني ما هي آخر مرة رآك فيها ؟ "

كورت شفتيها وقالت ببرود

" قولي ما هي الأولى لتكون هناك أخيرة فأنا لم ألتقي به منذ
رأيته ووالدي يحدثه قبل أربعة أعوام ولم يكن هو يراني حينها "

قالت مبتسمة

" ممتاز فهو لا يعرف من تكونين وإن رآك سابقاً "

نظرت لها بتفكير للحظة قبل أن تقف مقابلة لها وقالت

" أنا لست مقتنعة وعليك إيجاد طريقة أخرى لفعل ما تريدين "

عبست ملامحها وقالت

" لم أتوقع البتة أن تتخاذلي في مساعدة ماريه يا كنانة "

وتابعت من فورها بضيق

" اليوم هي والدور غداً على إحدانا "

تنهدت بحزن وقالت

" أنا لا أرفض مساعدتها بل وأريد ذلك لكن لا يمكنني منع نفسي
من التفكير في عواقب الأمر إن حدثت مشكلة ما هناك "

قالت من فورها تشجعها

" لن يحدث شيء فلا أحد يعرفك في ذاك المكان "


نظرت لها بضياع فأمسكت بيدها وسحبتها معها وقالت وهي تتجه

بها ناحية باب الغرفة

" ماريه تستحق كل هذا ولنثبت لأنفسنا قبل الجميع أننا قادرات
على الوقوف وحدنا "

*
*
*



وضعت آخر كتاب في حقيبتها وأغلقتها ثم لبستها حول جسدها

وأصبحت بهذا مستعدة لأول يوم دراسي هنا بل وفي حياتها كاملة

تقريباً فهي لم تذهب لمدرسة بشكل نظامي يوماً وكانت

الامتحانات فقط تخضع لها في مدارس تتغير كل عام وممنوع

عنها الإحتكاك بأي أحد ويتم امتحانها في مكان مستقل عن باقي

الطلبة كما ممنوع عنها الخروج إلا للضرورة ومرات قليلة جداً

تلك التي خرجت فيها للتنزه وكانت لأماكن ليست عامة ولا يوجد

فيها الكثير من البشر حتى اعتادت أن لا يكون هذا الترفيه نظاماً

في حياتها يفتقده عقلها ولا قلبها .

وقفت أمام المرآة تتأكد من حجابها وكانت ترتدي الزي الخاص

بمدرستها وكان عبارة عن سترة طويلة تصل لركبتيها وبنطلون

بذات اللون الرصاصي وذات القماش أيضاً وكان لها مجموعة

ازرار متقابلة في صفين تبدأ من الصدر نزولاً لخصرها وشريط

وردي اللون متصل بينها ينتهي بعقدة جميلة عند نهايتهم في

الأعلى وكانت السترة بحمالات عريضة ولا أكمام لها بينما تحتها

القميص المخصص أيضا وباللون الزهري وأكمام طويلة تنتهي

بثلاث ازرار تحمل لون الزي المدرسي وحجاب زهري

أيضاً أظهر جمال بشرتها ولون وجنتيها لتبرز العينان الواسعة

والمقلتان الزرقاء تحيطها رموش كثيفة كفراشة تطير فوق

زهرة برية جميلة .

فردت ذراعيها ونظرت لجسدها وكأنها تتأكد من أن الصورة هناك

مطابقة للواقع ولم يعجبها أن كان مبرزاً لتفاصيل جسدها هكذا ،

نظرت للمرآة مجدداً وتمتمت بعبوس

" يبدو أن هناك من اخطأ في تقدير قياسي قبل إرساله "

تنهدت بقلة حيلة وتوجهت لباب الغرفة وغادرتها فلا يمكنها

تغييره الآن ولا قوانين المدرسة تسمح بارتداء غيره وستتحدث

معهم عن الأمر اليوم ، ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها

ما أن وصلت بهو المنزل وقابلها صقر فارداً ذراعيه لها وقال

بابتسامة مرحة

" ما كل هذا الحسن ؟ "

لوحت بيدها نحوه قائلة وهي تسير يساراً وبعيداً عنه

" كله ثوب مدرسي .. يا لكم من منافقين أنتم الرجال "

وتابعت سيرها يرافقها صوت ضحكته وتعلم بأنه هنا لإيصالها

فبالتأكيد لن يرضى والدها بأن يصحبها أحد الحرس كما كان

ولايزال ، وصلت باب غرفة جدها وطرقت عليه قبل أن تفتحه فلا

يمكنها الذهاب دون رؤيته وإن كانت لن تتغيب سوى لساعات

قليلة وتمنت أن رأت والدها أيضاً لكنه يخرج من قبل أن
تشرق الشمس .

ابتسمت بحزن وهي تنظر لقفاه منشغل في فك المذياع القديم

هوايته المحببة التي طالما حكا لها عنها وأنها كانت ونيس

وحدته هناك قبل أن يسافر والدها وتتحول حياتهم لجنود يعملون

في الخفاء ، ما أن شعر بها ورفع رأسه والتفت ناحيتها ركضت

نحوه وحضنته من ظهره يلتف ساعداها حول عنقه وقبّلت خده
وقالت بحب

" صباح الخير "

قبّلت شفتاه إحدى يديها الملتفتان حوله وقال بهدوء

" صباح النور "

وتابع وقد عاد لما يفعل رغم أنها لم تبتعد عنه

" كيف الاستعداد لأول يوم دراسي ؟ "

ابتعدت عنه حينها قائلة

" جيد جداً "

وكورت شفتيها من ورائه فقد قالت ذلك كاذبة فهي لم تشعر بكل

تلك المشاعر التي كانت تتوقعها ولا بالتوتر الطبيعي الذي يرافق

ذهابها وللمرة الأولى لمكان لم تزره يوماً فلم يكن لديها ولا

صداقات ولم تختلط بالطلبة سابقاً ولا بفتيات في مثل عمرها .. لا

تعلم بسبب مربيتها تلك والتي غرست فيها أموراً كثيرة وكانت

نافذتها للعالم الذي لم تكن تختلط به أم لأن مشاعرها تبلدت

تماماً !

" لا أريد لمعدلك أن يكون ذات النسبة "

ابتسمت لعبارته التي قطعت أفكارها ولازال منشغلاً بما يفعل

وقالت تنظر لقفاه

" لا بالطبع فليس أقل من الإمتياز "

استدار نحوها مجدداً والتفت ذراعه حول ظهر الكرسي وقال

بشبه ابتسامة

" سيكون الأمر مختلفاً عن نظام دراستك السابق لكن وجود
الكاسر معك سيساعدك كثيراً "


ابتسمت وحركت كتفها ناحيته تنظر له من فوقه وغمزت له قائلة

" أنا ابنة الشاهين أم نسيت ؟ "

ضحك وعاد للأجزاء الصغيرة المتناثرة على الطاولة أمامه وقال

" لا لم أنسى بالتأكيد وقد يكون وجودك هو المفيد له "

ضحكت وقبّلت خده مجدداً وودعته مغادرة الغرفة وماتت تلك

الابتسامة ما أن أصبحت وحيدة تسير في الرواق القصير فهي

تعلم بأنها تُجبر نفسها على ذلك كما توقن بأن الجميع يشبهها في

هذا يحاولون فقط تخفيف ألم بعضهم بإظهار مشاعر مخالفة

لدواخلهم ، لذلك عليها أن تفكر فقط بأنهما بخير وأحياء أما أحلام

طفولتها تلك فقد تنازلت عنها وأعلنت هزيمتها في حربها مع

الواقع المرير وبات عليها التخلي عن تلك الأحلام الطفولية فلن

تغير أقدار الله حسب رغباتها وهذا هو قدرها الذي اختاره لها

وعليها القبول به .

وصلت حيث صقر واقف ينتظرها وينظر لساعته قبل ينظر لها

وقال مبتسماً يشير بيده ناحية الباب

" ليس لأنه مسموح لك اليوم بالوصول متأخرة تضيعي
الوقت في التنزه هنا "

مدت شفتيها بعبوس فضحك وحضن كتفيها بذراعه وقال وهو

يسير بها نحو باب المنزل المفتوح

" هيا يا مدللة العائلة فكلها ساعات قليلة وتكونين معه "

وما أن تجاوزا باب المنزل وأصبحا في الخارج قال صقر بضحكة

وهو يشير بيده للسيارة السوداء المتقدمة نحوهم

" ها هو سبب دلالك الآخر وصل "

ضربته بمرفقها محرجة وضحك هو وقال بصوت مرتفع للذي فتح

باب سيارته في الأسفل ونزل منها

" لو أنك أخبرتني عن نواياك الخبيثة ما كنت لأتعب نفسي "

فعاد المرفق الانثوي لوكزه مجدداً مما جعله يضحك مرة أخرى

بينما علقت نظراتها هي بالذي نظر لها فور نزوله وقد سند

ساعده بباب السيارة المفتوح وماتت ابتسامتها وهي تراه ينزل

بنظره لجسدها قبل أن تظهر علامات عدم الرضا على ملامحه في

لمحة صغيرة ما كانت لتنتبه لها لولا تركيزها عليه وقد تغيرت

للجمود فجأة وهو يرفع نظره للذي قال له يرمقه ببرود

" ولو أنك أنت أخبرتني ما أتيت "

نظر لها صقر حينها مبعداً ذراعه عن كتفيها ففغرت فاها بذهول

قبل أن تقول محتجة

" لا لن تترك الخيار لي بالتأكيد "

فضحك ورفع يده معلناً هزيمته قائلاً للواقف في الأسفل لازال

يسند ساعده بباب سيارته

" سألحق اجتماع الوزارة إذاً "

قال ذاك من فوره

" انتظرني هنا سنغادر معاً "

ولم يجد صقر وقتاً ليعلق بسبب صوت الدراجة النارية الذي ارتفع

بتدريج سريع وهي تقترب منهم وظهرت من بين الشجيرات على

الممر الحجري العريض بلونيها الأحمر والأسود تلمع تحت ضوء

الشمس وكأنها خرجت من مكان شرائها للتو حتى توقفت أسفل

السلالم أيضاً ونزع الجالس فوقها خوذته المشابهة لها في اللون

ونقل نظره بينهم قائلاً بابتسامة

" ما سر هذا الاجتماع هنا ؟ "

وغمز للتي ابتسمت له بحب خالطه الكثير من الاشتياق فشعورها

بارتباطها الروحي به لا يمكنها تفسيره ولا التعبير عنه ، ضحك

حينها صقر وقال وهو ينزل العتبات القليلة العريضة واتجاهه

للسيارة التي لازال يقف صاحبها خارجها

" يبدو أننا سنغادر الآن "

وتجنب نظرات قاسم الباردة التي تبعته وهو يدور حول سيارته

ويركبها ونظر بعدها ناحية الكاسر وقال بهدوء وملامح خالية
من أي تعبير

" لن أوصيك بالطبع "


فأشار له بإبهامه مبتسماً بينما جلس هو في كرسيه مغلقاً الباب

على صوت صقر الذي قال بضحكة

" الخاسران عليهما المغادرة معاً "

نظر له وقال ببرود

" أنا أقرب لها منك وهو أقرب لها مني "

ابتسم وهمس يرمقه بنظرة ماكرة

" قرابة الدم تقصد أم أمر آخر فهمته ! "

تجاهله وهو يستدير بسيارته بينما نظره على المرآة الجانبية

والنازلة عتبات السلم بخطوتين اختصرت فيها عتباته المرتفعة

حتى اختفت عنه لابتعادهم بينما وقفت هي عند دراجة الكاسر

قائلة بحماس

" سنغادر بها !؟ "

قال من فوره مبتسماً

" بالطبع ولن تتخيلي حجم المتعة "

ابتسمت بحماس قبل أن تختفي ابتسامتها وقالت

" وماذا عن الحرس ؟ "

أشار برأسه للمكان الذي جاء منه وقال مبتسماً

" سترافقنا سيارة تنتظرها واحدة مشابهة لها في الخارج جاءت
معي فكل ما عليك هو نسيانهم "


وتابع وهو ينزع خوذة اخرى ويمدها لها

" وهذه ستخفي ملامحك نهائياً "

أخذتها منه ولبستها وضحكت قائلة وهي تعدلها فوق رأسها

" إنها أخف مما تخيلت "

ضحك وقال

" لأنه علينا أن لا نحكم على ظاهر الأمور .. هيا اجلسي خلفي "

فعلت ما طلب منها على الفور وقال وصوت المحرك يعلو في

صمت المكان ما أن أعاد تشغيله

" تمسكي بي جيداً "


فأحاطت ذراعاها خصره وتحرك به من فوره وقال بضحكة

وصوت مرتفع لتسمعه وهو يشق بهما أحواض الحديقة المنسقة

" لو كانت والدتك هنا لقطعت رأسينا "

ابتسمت بحزن وملأت دموع رقيقة عينيها وعاد شعورها

بالاحتياج لها في هذا اليوم تحديداً ليكون آخر صوت سمعته

البارحة ونامت عليه هو صوتها وكلماتها المشجعة لها وأن تكون

أول شخص رأته اليوم وآخر شخص أيضاً وهي تودعها ، هي لم

تعد طفلة بالتأكيد لكن ثمة أمور كان يجب أن تجتازها وهي طفلة

بينما تعيشها الآن .


ازاحت كل تلك الأفكار عن رأسها بعدما همست بخفوت حزين

" أحبك امي "

واكتفت بها كرباط بينهما وإن كان من طرفها فقط رغم يقينها من

مشاعر تلك الأم ناحيتها وشهقت بضحكة ما أن قفزت بهما

الدراجة عند عتبة الباب النصف دائرية ووصلها صوت الكاسر

قائلاً بضحكة وهو يستدير بها نحو الطريق

" لم تري شيئاً من الحماس بعد "

وكان الأمر كما قال تماماً اجتياز السيارات بحركة سريعة وتخطي

مطبات الطرق دون تخفيف السرعة أمر حماسي وجنوني أيضاً
وفهمت لما ترفض والدتها أن يقوده ولما هو متأكد من أنها لن

تسمح لهما إن كانت موجودة في أحد المنزلين بسبب تهوره
في السرعة .

دخل بها بوابة المدرسة المفتوحة ما أن وصلاها وأوقفها داخلها

بحركة دائرية فنزلت حينها وأزالت الخوذة قائلة وهي ترميها له

" أنا التي لن أركب معك مجدداً "

ضحك وقال وهو ينزل أيضاً

" لم أعرفك جبانة هكذا ! "

قالت بضيق تعدل وضع حزام حقيبتها فوق كتفها

" لا لم أخف لكن الحرس سيخبروا والدي عن قيادتك

المجنونة بالتأكيد "
كان فناء المدرسة خالٍ تماماً فجميع الطلاب أصبحوا في فصولهم

منذ نصف ساعة تقريباً ، نظرت للمبنى القابع أمامها بطوابقه

الثلاث وشكله النصف دائري تتخلله أعمدة حجرية قد قسمت

عتباته لثلاث أقسام متجاورة وكان كما رأته في الانترنت البارحة

تماماً .

أبعدت نظرها عنه للذي تحرك نحوها وسارت باتجاه باب المدرسة

الداخلي وهو بجانبها وقال ببرود وهما يصعدان عتباته العالية

" كان عليهم استقبالنا عند الباب الخارجي عديمي الذوق "

لم تستطع إمساك ضحكتها وقالت

" هل ستدفع لهم مالاً أكثر من غيرك مثلاً ؟ "


نظر ناحيتها وهما يسيران نحو الداخل وقال بتعالي متعمد

" يكفيهم شرف أن يدرس حفيد شراع صنوان وابنة مطر شاهين
لديهم ... إنها شهادة شرف لمدرستهم ستجلب لهم طلبة أخرون "

ضحكت مجدداً وقالت

" واثق تماماً ! "

تمتم ببرود يسير معها في الاتجاه الذي سلكته

" ستري بعينيك "

وتوقف فجأة ونظر حوله وقال ما أن نظر لها وقد وقفت تنتظره

" هيه إلى أين تأخذيننا ؟ "


قالت تمسك ضحكتها بينما أشارت بيدها يساراً

" الإدارة من هنا "

حدق فيها ببلاهة قبل أن يقول بتملق

" وفي أي حلم رأيتها ! "

قربت وجهها منه وحركت رأسها قائلة

" في الانترنت يا ذكي "

اتسعت عينها قبل أن يتمتم ببرود

" يا لك من خبيثة "

أمسكت بذراعه وسحبته معها وسارا معاً قائلة

" وتريدنا أن نقف ننتظر من نسأله عنها أم نبحث في كل
هذه الممرات المتشعبة ؟ "

وصلا حينها لباب عُلقت بجانبه على الجدار لافتة مستطيلة الشكل

ذهبية اللون وصغيرة كُتب عليها بخط أسود أنيق ( الإدارة )

فتركت ذراعه وهمست مبتسمة وهي تجتازه

" أرأيت ؟ "

فلحق بها من فوره متمتماً ببرود

" هذا يومك الأول في المدارس أم أنا ! "

ودخلا لغرفة واسعة أرضيتها مغطاة ببساط أحمر اللون وعند

النافذة الكبيرة كان يوجد مكتب أسود كبير وخزانتان ضخمتان قد

غطتا الجدران الجانبيان إحداها زجاجية معتمة تماماً والأخرى

مليئة بكؤوس وجوائز وشهادات شرف وكان يجلس خلف طاولة

المكتب رجل فيما يقارب الستين من العمر أمامه تجلس امرأة

تجاوزت الأربعين عاماً وهما مدير المدرسة وزوجته ونائبته

واللذان وقفا معاً ما أن دخلا ملقيان التحية عليهما وقال الواقف

خلف مكتبه مبتسماً وإن كانت شخصيته لا تدل على تلك البشاشة

" تشرفت مدرستنا بأن تكونا من ضمن طلبتها "

ابتسما له بإحراج ووكزها مرفق الكاسر وهمس لها بخفوت

" أما كان على والدك أو عمه أو أحد أعمامي أن يكونا معنا
بدلاً من هذا الإحراج لنا ولهما ؟ "


وكزته هي بمرفقها هذه المرة ليصمت فارتفع حاجباه وهو ينظر

لها ما أن قالت مبتسمة

" نعتدر على قدومنا وحيدين فوالدي وعمي صقر في اجتماع مهم
وخالي رعد لا يمكنه التغيب عن جلسة البرلمان اليوم "

قالت الواقفة أمام مكتب زوجها مبتسمة

" لا يحتاج الأمر أن يتعبوا أنفسهم فقد وصل إخطار من وزارة
التعليم بتواجدكما هنا اليوم "

وتحركت من مكانها واجتازتهما قائلة

" تفضلا معي لأوصلكما لفصليكما "

وغادرت باب الإدارة وهما خلفها على بعد خطوات وهمس الكاسر

للسائرة بجانبه ببرود يقرب رأسه منها

" ليس ثمة شيء لا تفلحن فيه إلا حمل السلاح "

امسكت ضحكتها ورمقته بطرف عينيها وهمست بمكر

" لأننا لا نحتاجه لقتلكم "

نظر لها بصدمة وقال بعينين متسعة

" يا ويلي "

أمسكت ضحكتها بيدها بينما رفع هو رأسه عالياً كما كفيه هامساً

" حمداً لله ... اللهم أجرنا "

وصلت بهم بعد السير في رواق طويل بأبواب مغلقة لباب كُتب

على لوحته الذهبية ( أول ج ) ودخلت مع الكاسر بينما انتظرت

تيما في الخارج لأنه أحد الفصول المخصصة للذكور ، ولأن أمر

فصل المدارس بين الذكور والإنات كلٌ لوحده صدر مقربة بداية

العام الدراسي كان من الصعب تنفيذه هذا العام وتم تأجيله للعام

القادم لحصر عدد الطلاب في كافة مدن البلاد وعدد المدارس

والأساتذة والمعلمات كي لا يكون هناك أي خلل واكتفوا هذا العام

بفصلهم في الفصول الدراسية فقط ليدرس الإناث معاً والذكور معاً

بينما كان لهم فناء مشترك كما ساحات الرياضة والأماكن

الترفيهية .

وقفت تنظر من أحد النوافذ الكثيرة الممتدة على طول الممر

مقابلة لأبواب الفصول الموصده وكان مطلاً على ساحة رياضية

واسعة مضاءة بشكل ممتاز وانبهرت من وجودها هنا وكانت

بيضاوية الشكل وواسعة وعلمت حينها بأن مبنى المدرسة لم يكن

نصف دائري كما توقعت بل بيضاوي الشكل ومؤكد في كل طابق

تحتل هذه المساحة في المنتصف مكاناً مميزاً كهذا بينما النوافذ

محمية تماماً لتكتم أي أصوات تصدر من هناك وعلمت حينها لما

تأخذ كل تلك الشهرة في عاصمة البلاد .

التفتت للتي خرجت مغلقة الباب خلفها وقالت مبتسمة

" تأخرت ؟ "

حركت رأسها بالنفي هامسة

" لا أبداً "

وسارت خلفها وقد عادت بها من حيث جاءوا وسارت بها في

الاتجاه الآخر للطابق فعلمت بأن تلك الفصول ستكون جميعها

للذكور ، كانت عيناها تراقب اللوحات المعلقة في الأروقة التي

يمرون بها حيث كان نصف جدرانها السفلي مغطى بطبقة من

الخشب اللامع المضلع والنصف العلوي زينته لوحات بعضها

لنشاطات طلابية وأخرى لصور مباريات وتسلم جوائز وكل شيء

كان نظيفاً مرتباً حتى أكاليل الأزهار الاصطناعية المنتشرة في

الزوايا لا توجد بها ولا لمحة غبار ولا واحدة منها تحركت
من مكانها .


وصلا لممر مشابه للذي كانا فيه وكأنه نسخة عنه سوى في أن

مكان الأبواب والنوافذ معاكس له لتصبح نوافذ الجانبين متقابلة

ووقفت حيث توقفت مرافقتها أمام أحد الأبواب وطرقته بمفصلها

قبل أن تفتحه وتدخل وتبعتها هي بعد نظرة منها لها للخلف

مبتسمة ووجدت نفسها داخل غرفة لا تختلف عن تلك الممرات

التي سلكتها خلفها غير أنها احتوت على مقاعد خشبية جديدة

وفتيات بذات زيها وقفن على الفور جميعهن كما المعلمة التي

غادرت مكتبها الصغير عند الزاوية واقفة باحترام لنائبة المدير ،

كانت المقاعد عبارة عن ثلاث صفوف كل صف به ثلاث مقاعد

وكل مقعد تجلس عليه طالبتان عدا مقعد واحد كانت تجلس عليه

طالبة واحدة علمت بأنه مكانها الشاغر ، نقلت نظرها سريعاً على

أجساد الفتيات الواقفات وعلمت حينها بأنهم لم يخطئوا في تحديد

قياسها بل أرسلوه حسب تقديرهم لرغبات الطالبات

أو لم تفهم لما !

لفت نظرها واحدة كانت ترتدي حجاباً مختلفاً كان كبيراً يغطي

كامل صدرها من الأمام ويصل طرفاه لخصرها كما يغطي كتفيها

وذراعيها ولا يظهر منه سوى وجهها الدائري وملامحها التي

شعرت بارتياح غريب لها سريعاً ! كما أن سترة زيها لم تكن

تظهر تفاصيل خصرها .

نظرت للواقفة بجانبها والتي قالت تنظر للطالبات أمامهم بينما

أشارت يدها لها

" أعرفكم بزميلتكم هنا ابنة الزعيم مطر شاهين واسمها تيما "

ابتسمت لها أولاً ولاحظت أنها تجنبت قول اسمها كاملاً و يبد

احتراماً لاسم والدها وابتسمت أكثر وهي تنظر لهن وما أن

قالت إحداهن مبتسمة

" مرحباً بك بيننا ابنة زعيمنا "

حتى توالت عبارات الترحيب بعدها بكل أدب ودون فوضى كل

واحدة تنتظر السابقة لها أن تصمت وغادرت حينها مرافقتها التي

جلبتها إلى هنا معتذرة لتواصل المعلمة حصتها والتي نظرت لها

وقالت تشير بيدها ناحيتهن

" يمكنك اختيار مكان لك "

فنظرت ناحية المقعد الشاغر وكانت لتجلس فيه بكل تواضع دون

أن تغير شيئاً هنا بمزاجها ولا تجرح زميلتها وشريكتها فيه لكنها

تبعت اختيار قلبها ونظرت ناحية الفتاة صاحبة الحجاب المحتشم

والزي الواسع وقالت

" أنا أفضل المقاعد بقرب النافذة كما أكره أن اجلس في أول
الصف كي لا أُضايق من تكون خلفي وتستحي من قول ذلك "


وكانت بذلك قد اختارت مقعد تلك الفتاة دون أن تُحرج نفسها ولا

تجرح أحداً ، فابتسمت تلك برحابة ولأنها لم تكن تجلس في جانب

المقعد المحاذي للنافدة علمت بأن المعلمة ستنقل الجالسة بجانبها

وذاك ما حدث فعلاً حين قالت

" رجاء انتقلي هناك فضلاً "

فابتسمت التي قالت وهي ترفع كتابها

" إسمي نجلاء "

فضحكن الطالبات ضحكات مكتومة بينما ضحكت المعلمة قائلة

وهي تنظر لها وقد أخذت حقيبتها مغادرة المقعد

" سأحتاج لبعض الوقت لحفظ أسمائكن بالتأكيد "


تحركت حينها تيما من مكانها حتى وصلت للمقعد الذي اختارته

وجلست واضعة حقيبتها أمامها ونظرت للجالسة بجانبها

وقالت مبتسمة

" اعتذر إن أبعدت صديقتك "

ابتسمت صاحبة الملامح البريئة الجميلة وقالت

" لا أبداً فهنا لا أحد يعرف الآخر لأننا في السنة الأولى واليوم
الأول وكل واحدة ممن تريهن هنا جاءت من مدرسة مختلفة "

اومأت برأسها مبتسمة وهمست لها

" حقيقة الأمر أردت فقط الجلوس بجانبك "


شع وجهها بابتسامة حقيقية وأكثر عمقاً وهمست أيضاً

" أنا سعيدة حقاً بذلك ولن أتصور كيف سيكون شعور والدي
حين أخبره "

حدقت فيها باستغراب فتابعت مبتسمة

" كان متخوفاً جداً من هذه المرحلة الدراسية والمدارس
المختلطة بعد المرحلة الإعدادية ووالدتي هي من اختارت هذه
المدرسة وأصرت عليها "

همست باستغراب

" ولما التخوف ! "

وتبعت نظراتها التي أبعدت نظرها عنها ليديها على طاولة المقعد

قبل أن تنظر لها مجدداً وقالت

" والدي رجل متدين كثيراً كان يريد أن أدرس هذا العام في
المنزل حتى يتم تطبيق القانون الجديد بفصل الطلبة الذكور عن
الإناث في المدارس الثانوية "

ابتسمت لها بحب شعرت بأنه استوطن قلبها ناحيتها مما جعلها

تبتسم أيضاً وقالت

" ليس لك أن تتصوري سعادته بقرار الزعيم مطر وعودته وقد
قال حينها بسعادة : ها قد جاء من سيفرض شرع الله على
الجميع "

وتابعت مبتسمة بسعادة

" لقد كسر قاعدة أن الدستور الذي يحدده الشعب هو ما
يحكم البلاد "


ابتسمت لها بحب وشعرت بحسن اختيارها لها وبالفخر الكبير

لأنها ابنة ذاك الرجل وإن كان ثمة الكثير يعارضون التقيد بمبادئ

شريعتهم لتحكمهم لكن ثمة من هم أكثر منهم بكثير ينتظرون فقط

من يحقق لهم هذا كوالد هذه الفتاة ، كما تَفهم معنى وسبب

تخوفه فالمدارس الابتدائية كما الإعدادية لا اختلاط بها بالرغم من

أنه يفترض بأن يكون العكس إن مثلاً سُمح بذلك !

ولهذا يبد اختارت والدتها هذه المدرسة الأكثر انضباطاً كما

الأعلى تكاليفاً في البلاد .

نظرتا كليهما للمعلمة التي قالت مبتسمة تنظر لهما

" يكفيكما هذا التهامس كتعارف وعلينا أن نرجع لدرسنا "


فضحكتا بصمت كل واحدة تنظر للأخرى قبل أن تنظرا لها وما أن

كانت ستتحدث حتى علا صوت رنين جرس مصدره مكبر صوت

صغير معلق في أحد زوايا الفصل معلناً انتهاء تلك الحصة

فتوجهت لطاولتها قائلة بضحكة

" سنضطر لإعادة ذات الدرس في الحصة القادمة "

وقالت وهي ترفع كتابها وحقيبتها

" أريدكم أن تطّلعوا عليه في المنزل وسأكمل باقي الشرح
حصتنا القادمة "

وغادرت مغلقة الباب خلفها وكان لدى الطالبات حينها خمس

دقائق قبل دخول المعلمة الأخرى فوقفت واحدة تمسح اللوح

المليء بالأرقام وانشغل البقية بتغيير كتب الحصص والأحاديث

المتفرقة بأصوات منخفضة نوعاً ما بينما التفتت واحدة تجلس

عند اول مقعد في المنتصف ناحية تيما وقالت بابتسامة مشاكسة

تشبه شخصيتها الواضحة

" أنتِ حقاً ابنة الزعيم مطر أم مزحة هذه ! "

واتبعت عبارتها بضحكة تنظر للتي ابتسمت لها وتابعت بضحكة

" لأخبر عائلتي بهذا عند عودتي فلن يصدقوني أبداً "

اختلطت ضحكاتهن وقالت الجالسة في المقعد الخلفي لذات الصف

تنظر لها أيضاً

" لم أكن أتوقع أبداً أن تكوني هكذا ! "

نظرت لها باستغراب وقالت

" ماذا كنتِ تتوقعين ! "

غادرت مقعدها وقالت ضاحكة وهي تسير بين صفي المقاعد

رافعة انفها للأعلى

" توقعتك هكذا "

فعدن للضحك جميعهن وهي معهن وقالت

" ولما وجميعنا بشر ؟ لم يربني والدي على هذا "

وتابعت مبتسمة تنقل نظرها بينهن

" ثم كل واحدة منكن والدها مسؤول كبير وذو نفوذ بالتأكيد "

قالت الفتاة البشوش التي بدأت الحديث مبتسمة

" ليس الجميع فأنا عمي من تكفل بتكاليف دراستي هنا مع
ابنته وهي تسبقني بعام "

قالت الجالسة بجانبها

" أنا والدي عضو في البرلمان وهو يعرف خالك رعد جيداً "

ابتسمت مومئة لها برأسها وقالت

" سعيدة حقاً بمعرفتك "

قالت أخرى

" حدثتني ابنة عمي عن طالبة في صفهم ابنة وزير التربية "


وتجعدت ملامحها متابعة

" قالت بأنها مغرورة ولا تتحدث معهن وتشعرك بالمرض "

ضحكن على حديثها وقالت إحداهن تنظر لتيما

" قد تخجل من نفسها حين تراك "

وقالت الجالسة بجوار تلك

" أنتِ جميلة للغاية سمعت أن والدتك فاتنة كثيراً "

وضحكت وهي تتابع

" ستكونين حديث طلبة السنوات المتقدمة "

وضحكن جميعهن عداها وهي تبتسم بخجل وعلمت مدى الصواب

في قرار والدها وصدق مخاوف والد الجالسة بجانبها .

قالت المدعوة نجلاء تنظر لها باستغراب

" عيناك زرقاء ! "

نظرت لها ولم تعرف كيف تصوغ جوابها فلا يمكنها قول الحقيقة

وبأن جدتها خماصية فحتى والدتها وجدتها منسوبتان لقبائل

غزير في صنوان والتي تأخذ سمات الحالك ، تنفست بارتياح حين

علا صوت الجرس مجدداً وجلست كل واحدة منهن معتدلة وما

هي إلا لحظات ودخلت المعلمة الأخرى لتبدأ حصتهم الجديدة .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 07:19 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية