*
*
*
غادرت غرفتها وقبلها سريرها بعد أن جافى النوم عينيها رغم
محاولاتها الفاشلة لساعات ، وكيف لها أن تنام وهي تشعر بكل
ذاك الغضب يغلي في عروقها وصولاً لرأسها من كل شيء ومن
الجميع وحتى من نفسها ، وصلت باب الغرفة ومقصدها الأساسي
وحركته نحو الداخل ببطء حتى ظهر لها جسد النائمة هناك
وتغضّن جبينها باستغراب ما أن وقع نظرها على وجهها وعلى
وجنتيها المحمرتان بشدة والأنفاس التي كانت تخرج متلاحقة
من بين شفتيها المرتجفة والعرق الذي كان يتصبب من جبينها
مما جعل خصلات من غرتها تلتصق به وبجانب وجهها فدفعت
الباب بقوة وتوجهت نحوها بخطوات مسرعة ورغم تيقنها من
ظنونها إلا أنها لامست جبينها براحة يدها وكما توقعت كانت
ساخنة للغاية فأزالت اللحاف من على جسدها بحركة واحدة
سريعة وضربت براحة يدها على وجنتها بخفة مناديه
" ماريه "
لكنها لم تستجب لها أو تفتح عينيها رغم تكرارها لضربها
ومناداتها حتى ارتجفت شفتاها أكثر وخرج همسها المتعب
المتقطع ولم تفتح عيناها بعد
" أمي .. أبي "
فعادت لضرب وجهها مجدداً قائلة برجاء حزين
" افتحي عينيك ماريه أرجوك "
وكانت النتيجة ذاتها لا شيء سوى همسها الحزين المرتجف
والمنادي لهما وترجيها بأن لا يتركاها فعلمت بأنها غائبة عمّا
حولها تماماً وبأن حرارتها ستكون وصلت لمرحلة الحمة الشديدة
فغادرت الغرفة بخطوات راكضة حتى كانت في بهو المنزل المظلم
الساكن تماماً واتجهت يساراً ومقصدها غرفة والديها لكنها غيرت
رأيها فجأة كما اتجاهها ذاك حين تذكرت ما حدث سابقاً وحين تم
نقلها للمستشفى بسبب الحادث الذي تعرضت له وأين انتهى بها
الأمر فكانت وجهتها الجديدة علبة الإسعافات المعلقة على الجدار
سحبت كرسياً وصعدت لها فلن يفعل لها الأطباء أفضل مما
ستفعله هي .
أخذت منها ما تحتاجه وعادت بخطوات راكضة باتجاه الغرفة وما
أن دخلتها توجهت نحو التي لازالت على ذات الحال الذي تركتها
عليه فوضعت ما في يديها على السرير الذي جلست عند طرفه
ملاصقة لجسدها وسحبت يدها وساعدها الساخنان بشدة
ووضعتها في حجرها وقامت بربط الحزام المطاطي الخاص حول
ذراعها وعقمت باطن مرفقها قبل أن تجهز الحقنة وتحقنها ببطء
في وريدها نظرها ينتقل بين ما تفعل يداها وتألم تلك الملامح
بحركة طفيفة حتى انتهت ووقفت حينها وتخلصت من الحقنة
وغادرت الغرفة مجدداً وبذات الخطوات الراكضة حافية القدمين
ووجهتها هذه المرة المطبخ والذي خرجت منه بعد لحظات
قصيرة سبقها صوت ضجيج واضح في الداخل تحمل في يديها
إناء به ماء بارد ومنشفتان صغيرتان وعادت للتي وجدتها على
حالها سوى أن هذيانها المتقطع قد توقف فجلست بقربها ولم
تتوقف عن تغيير المنشفة بالأخرى حتى عادت حرارتها لمستواها
الطبيعي فتنهدت حينها بارتياح ومسحت يدها على وجهها تنظر
بحزن لملامحها المتعبة وقد انتظم تنفسها ونامت أخيراً ، وكم
آلمها أنها لم تنادي أحداً غير والديها في عالمها ألا واعي ولا
حتى ذاك الرجل الذي كانت متعلقة به حد الجنون !
انحنت نحوها وقبّلت جبينها وغطت جسدها باللحاف الخفيف
تدعوا الله هامسة بحنق أن ينتقم من كل من آذاها ويرى بأنه لا
أحد لها يردعه عن فعل ما يريد بالرغم من أن ما في قلبها لا
يطابق تلك المواصفات سوى شخص واحد تكرهه كل يوم أكثر .
مسحت بعدها الماء الذي تناثر منها على الأرض وحملت كل ما
تبقى هناك وأعادتهم مكانهم قبل أن تعود للغرفة مجدداً تأكدت
بأنها بخير ونائمة فعلاً وغادرت حينها مغلقة الباب خلفها بهدوء
وعادت لغرفتها ، صلت الفجر الذي كان قد مضى على وقته
قرابة النصف ساعة حينها لكن الشمس لم تشرق بعد وفشلت
مجدداً في أن تحصل وإن على القليل من النوم عيناها تنظران
للسقف كقطة وحيدة في الظلام وفكرة واحدة تسيطر على عقلها
وهي أن تكون مكانها الآن وتُظلم وتُضام ولا أحد يهتم لألمها
وتُهمل من الجميع حولها لأنه لا أحد لها يقول لهم توقفوا عن
فعل ذلك .
نظرت جهة النافذة المتوارية خلف ستار سميك وقد بدأ النور
يتسلل خفيفاً بين فتحاتها وتنهدت نفساً عميقاً تتذكر لوم والدتها
الدائم لوالدها في طفولتها تُحمله ذنب تحويلها لرجل بدلاً من
امرأة فكان تعليقه في كل مرة بأنه لا يريد لابنته أن تتألم يوماً
حين لا تجد من يقف أمامها ويحميها فهو رزق بها وقد بلغ
الخمسين عاماً وعلمت الآن بأنه فعل الصواب تماماً ، بينما شارك
الجميع في جعل ماريه فتاة حساسة ضعيفة تحتاج دائماً لمن يقف
معها ويردع الخطر عنها حتى بات الجميع يقرر عنها دون
احترام لرغباتها .. جميعهم وحتى تيم الفتى ووالدته المتوفاة في
رأيها يحملون الذنب ذاته بل وأكثر من البقية فلو أنهم علموها أن
تدافع عن نفسها بدلاً من حمايتها والدفاع عنها لما كان يستطيع
أي شخص الآن كسرها أو جرحها أو حتى إكراهها على ما لا
تريد خاصة ذاك الرجل الذي يتحكم بها وكأنها دمية لعب في
يديه يأخذها حين يشاء ويرميها خارج منزله وحياته متى
وكيف يشاء .
رمت اللحاف عن جسدها وجلست حين أعلنت يأسها مجدداً في أن
يتغلب النوم على عينيها وعقلها قبلهما وغادرت غرفتها متجهة
للغرفة القريبة منها فتحت الباب بهدوء ونظرت للنائمة كما
تركتها فيبدو أن خافض الحرارة قد جعلها تنام وهذا جيد .
دخلت مغلقة الباب خلفها وسحبت كرسي طاولة التزيين وجلست
عليه قربها تنظر لملامحها النائمة بسكينة رغم احمرار جفنيها
وتورد وجنتيها وشعرت بالحيرة فهل يمكن لهذه الملامح البريئة
والقلب الطيب أن تتغير لو أنها تربت في بيئة مختلفة ؟
أم أنها تجسدت مع تكوين جسدها وملامحها الجميلة !
كيف لها أن تكون النقيضان حينها بين ملامحها وشخصيتها ؟!
أبعدت نظرها عنها وتنهدت بأسى متمتمه
" كان بإمكانها قول كلمة لا على الأقل "
وابتسمت كالبلهاء حين شعرت بثقل جفنيها معلنان رغبتهما في
النوم فارتمت بنصف جسدها على السرير أمامها واتكأت بجانب
وجهها على ساعديها مغمضة العينين فيبدو أنها لم تستطع النوم
لأنها ابتعدت عن مصدر أفكارها .
*
*
*
رتبت الأطباق في الصينية ونظرت لابنتها التي جلبت كوب
العصير من الثلاجة ووضعته فقالت وهي تنظر له
" لو أنك وضعتِ لها إبريقاً صغيراً أفضل من هذا "
فاستعجلتها وهي ترفع الصينية كي لا تفسد مخططها قائلة
تتجنب النظر لها
" هذا كي لا تشربي منه أمي فهو بارد "
أخذت الصينية منها رغم عدم اقتناعها لكنها أطاعتها ممتنة أن
دست لسانها في فمها وهما تطبخان طعام العشاء على غير
العادة حين تكون جليلة في الأمر !
وخرجت بالصينية تدعو الله في قلبها أن يريح قلب ابنتها تلك
ويهديها الصواب كي لا تكون نهايتها في هذه الحياة سيئة بسبب
لسانها وسواد قلبها .. ولن تلوم أحداً غير نفسها لأنها من ربتها
مدللة رغم قلة حيلتهم ذاك الوقت لكنها اعتادت أن تنال كل ما
تريده وإن كان في يد غيرها ولم يكن في نيتها سوى تعويضها
عن فقدها لوالدها فكانت تحرم نفسها من كل شيء كي تشتري
لها ما تريد وتعمل بيديها ولا تنام الليل بطوله لتجني القليل من
المال ثم تصرفه على طلباتها التي لا تنتهي كي لا تحرمها أي
شيء يوفره الرجال لبناتهم ولا ترى في عينيها نظرة كسيرة لأنها
لا تملك مثله ، وحين خطبها عمير عاملها ذات المعاملة وتعلم
السبب لأنه أحبها فعلاً وتغاضى عن كل عيوبها ولم يتأخر
زواجهما لوقت سفره إلا بسبب شروطها التي لم تكن تنتهي أبداً
وهو شاب في بلاد حروب بالكاد جمع الدرهم فوق الآخر ودون
مساعدة من والده وبنى منزلاً مستقلاً له وكلما نهتها غاضبة قال
مبتسماً
( اتركيها تطلب ما تريد عمتي )
وظهرت الحقيقة القاسية عند أول منعطف واجههما ومن قبل أن
يتزوجا ، واكتشفت بشكل أوضح نتائج تربيتها السيئة لها حين
تزوجت بعد رحيله ولم تهتم كما تخلت عن زوجها ذاك عند أول
مشكلة واجهته ولم تهتم أيضاً ولم تقف بجانبه كأي زوجة صالحة
تتذكر له حسن معاملته لها وأنه لم يحرمها شيئاً كانت تجلبه
أمواله فحين اختفى المال انتهى دوره بالنسبة لها .
صعدت عتبات السلم تنهي كل أفكارها تلك فلوم نفسها لن يجدي
في شيء وقد نالت عقابها وهي تراها تخطئ كل يوم مقتنعة
تماماً بأنها على صواب بينما تعاني هي ويلات غضبها ألا مبرر
في نظرها .
ابتسمت وتغير كل مزاجها ذاك ما أن وصلت للأعلى ووقع نظرها
على المتكئة بالعرض فوق الأريكة تنظر لشاشة التلفاز الضخمة
المعلقة على الجدار تتكئ برأسها على مسندها وتدلت يدها وجهاز
التحكم فيها نحو الأسفل تحركها بعشوائية وبدت في فستانها
الأصفر الجميل كقطعة حلوى .. فمن هذا الذي يرى أن المرأة إن
بلغت الثلاثين عاماً كبرت فليأتي ليغير نظرته تلك بالكلية !.
ما أن تقدمت بضع خطوات ناحيتها وشعرت بوجودها حتى جلست
مسرعة ووقفت وتوجهت نحوها بخطوات واسعة وأخذت الصينية
منها قائلة بإحراج
" أتعبت نفسك عمتي "
فقالت تنظر لها مبتسمة وهي تسير بها باقي المسافة
" وما التعب ونحن نعد الطعام إن معك أو بدونك "
قالت مبتسمة تضع الصينية الكبيرة على الطاولة
" سلمت يداك ولا تعيديها مجدداً "
ضحكتا معاً بينما أمسكت جليلة بيدها وقالت تسير بها
نحو الأريكة
" ستتناولين الطعام معي فلن آكل كل هذا وحدي بالتأكيد "
جلست حيث أوصلتها وقالت مبتسمة
" بالتأكيد سأتناول الطعام معك لكن ليس لكثرته بل لأتأكد
من أنك تناولت عشاءك بشكل جيد "
فضحكت وقالت وهي تسحب الكرسي لتجلس مقابلة لها
" من حسن حظي أني تركت والدتي هناك في العمران
لأجدها هنا "
وجلست تنظر لها مبتسمة بصدق يوثق كل كلمة قالتها فهذه
المرأة فعلاً يمكنها أن تكون والدة لكل شخص يعرفها ويتعرف
عليها ولولا سلوك ابنتها ناحيتها لكانت من نفسها نزلت وقضت
يومها معها تطبخان وتتحدثان وتتسامران بدلاً من مواجهة
الجدران هنا فحتى التلفاز جلست اليوم أمامه في انتظارها فقط
لأنها تعلم بقدومها فلم تكن يوماً من عشاق الجلوس أمامه وكان
يومها مزدحماً ولديها دائماً ما تفعله .
ماتت ابتسامتها وارتفع نظرها لها ما أن قالت باسمة
" انتظرت عمير أن يأتي وتتعشيا معاً لكن رجال مطر شاهين
لا يوفون بوعودهم للنساء أبداً "
فأخفت حدقتاها بإنسدال جفنيها الواسعان عليهما ولم تعلق تنظر
للكوب الذي وضعته لها أمامها قائلة
" هذا نعده نحن هنا في المنزل وسيعجبك طعمه كثيراً "
ونظرت لها وقالت مبتسمة ما أن عادت جالسة مكانها تنهي
ما قالته سابقاً
" مؤكد ستنتهي ظروف البلاد سريعاً وسيتغير نظام عمله "
رفعت الكوب بين يديها وقالت ونظرها شارد في لونه الغريب
لاختلاط الفواكه المتعددة فيه
" أنا أعلم جيداً بأي رجل تزوجت فلن أتصرف كمراهقة صغيرة
تطالبه بالتواجد معها طوال الوقت "
ابتسمت لها تلك العينان المُحبة وقالت صاحبتها مبتسمة
" زادك الله عقلاً .. سبحانه من كملك به "
ابتسمت لها بامتنان ورفعت الكوب لشفتيها ورشفت منه رشفة
صغيرة ووضعته مكانه ما أن قالت الجالسة أمامها
" لا تشربي العصير فقط فتمتلئ معدتك عليك أن تأكلي أيضا "
ابتسمت وقالت
" طعمه رائع فعلاً "
حركت رأسها وقالت باسمة
" أجل فبثينة تبدع في إعداده منذ أعوام "
ماتت ابتسامتها في رد فعل لا إرادي وشعرت بذاك الانقباض
الغريب كلما رأتها أو سمعت اسمها أو حتى تذكرتها وخرج
السؤال دون شعور منها حينها وهي ترفع نظرها بالتي بدأت تضع
اللحم أمامها
" منذ متى وهي مطلقة ؟ "
تنهدت التي استبدلت صحن الخضار ليصبح أمامها وقالت
" بعد عودة عمير فهو من سعى لإجبار زوجها على أن يطلقها "
" أجبره ! "
همست بتلك الكلمة اليتيمة في صدمة وقالت التي رفعت
نظرها لها
" نعم فهو تزوج عليها ثم اشترط بقائها إن أرادت أبنائها
لأنه يريدهم معه ورفض تطليقها كي لا تنال حضانتهم
حسب القانون "
حركت رأسها في ذهول وهمست
" وكيف استطاع إجباره دون تنازل ! "
حركت تلك كتفيها وقالت ترفع الملعقة
" بالتراضي فعمير استطاع أن يعلم بذكاء الرجل أن الطرف
الآخر يمكن التعامل معه بالحسنى ، وكان ذاك أيضاً يدرك بأنه بعد
عودته لم تعد بثينة المرأة التي لا سند لها ومؤكد خشي على
نفسه من أن يؤذيه وهو رجل مطر شاهين المقرب فتفاهما على
أن يطلقها وينال حقه في رؤيتهما دائماً ودون دفع نفقتهما "
وابتسمت بسخرية وهي ترفع الطعام لفمها قائلة
" لو فكر قليلاً في أنه يشبه زعيمهم في عدله ما كان خاف من
رد فعله حيال رفضه "
كانت تحدق فيها بتفكير وابتسمت ما أن أشارت لها وهي تمضغ
الطعام لتأكل فرفعت ملعقتها وبدأت في الأكل وإن كان ذهنها
منشغل تماماً بما قالت حتى أنها لم تكن تعلم ما أكلت تحديداً ، ولم
تستطع نهاية الأمر منع السؤال الذي خرج متحرراً منها
" ولما تطلقا بما أنه حسن خلق ؟! "
كانت تعلم بأنه سؤال غير لائق وكأنها تقول لها ابنتك هي السيئة
بما أنه لديهما أبناء ، وتوقعت أن تجد أعذاراً لها كأي أم تخجل
فقط من قول الحقيقة وهي من ربت تلك الابنة لكنها حطمت جميع
توقعاتها حين قالت بعد تنهيدة طويلة وبنظر شارد
" ابنتي تكره فكرة أن تعيش في هذا العالم دون أن تمتلك كل ما
تتمناه وتريده وانتكاسة زوجها المالية فاقمت المشاكل بينهما مما
جعله يتزوج بأخرى ويعيشان شبه منفصلين كلياً لا يدخل المنزل
سوى لرؤية أبنائه وكانا يتشاجران أيضاً في تلك الزيارات وتعذّر
عن زواجه بأخرى أنه لم يعد يطيق العيش معها "
ورفعت نظرها بها وهي تتابع بحزن
" ثم بدأ يتحدث عنها بسوء وأنها كانت كذلك طوال سنوات
زواجهما وأنه كان يسكتها بماله فقط "
أخفضت رأسها وشعرت بالندم وهي ترى الإحراج في ملامحها
كما الحزن في عينيها التي هربت بهما منها ورفعت نظرها لها
مجدداً وقالت
" لا يحق له قول ذلك عنها ولو كان صحيحاً "
ونظرت لها باستغراب ما أن تبدلت ملامحها للابتسام فجأة وقالت
" لم يكن ثمة ما يمنعه سوى عودة عمير والذي قال عبارة
واحدة فقط حينها
" إن أرادت هي الطلاق منه فعليه فعلها وإن كانت مخطئة ولا
يعتقد بأنه لا أحد وسند لها ولوالدتها "
ولمعت عيناها بحزن وهي تلامس صدرها بيدها ونظراتها تهيم
للفراغ وقالت
" كان رحمة من الله لنا فما كانت لتستطيع ولا إعالة ابنيها إن
هو طلقها وتركهما لها "
وابتسمت بحزن وهي تنظر لعينيها مجدداً متابعة
" وتعهد بأن يهتم بي وبها وأبنائها وها نحن نتقاسم معه حتى
منزله وحياتكما الخاصة "
شعرت بغصة في حلقها وندم قاسي لتضايقها سابقاً منهم ومدت
يدها وأمسكت بيديها اللتان كانت تضمهما في حجرها وقالت
" كيف تقولين هذا عمتي فالمنزل لكم أنتم عائلته أنا امرأة جلبتها
كلمة رجال وتغادر بكلمة واحدة منه كما تجلب أخرى "
قالت مسرعة تمسك بكفها ذاك
" لا فرق الله بينكما يوماً بنيتي "
وابتسمت بحب متابعة
" عمير يستحق امرأة مثلك ولن يجد أفضل منك أبداً "
ابتسمت لها ممتنة وهي تبعد يدها وقالت وبكل صدق رغم كل ما
تراه من ابنتها تلك
" أتمنى من الله أن يعوضها خيراً مما فقدت فالرجل بالفعل إن لم
يخف الله فلن يخاف سوى أهل الزوجة أما إن لم يجد من يخافه فسيظلمها دون تراجع "
قالت الجالسة أمامها بضحكة صغيرة
" وهل ستهتم المرأة لعوض بعد أبنائها ؟ ستكرس نفسها
فقط لتربيتهم "
وأشارت بيدها للطعام قائلة
" هيا مدي يديك وكلي من كل هذا ... "
واشارت للكوب أمامها متابعة
" وأريدك أن تشربي كوب العصير كاملاً "
ضحكت وقالت
" لن أنام الليلة بسبب التخمة "
ضحكت وقالت ترفع ملعقتها مجدداً
" بل ستنامين نوماً هانئاً ويستعيد جسدك عافيته "
*
*
*
نزل مغلقاً باب السيارة خلفه ووقف ونظره على الملف المطوي
في يده يشعر بأنه يحمل أسراراً أبعد من قدرات خياله البشري
فحين اتصل به عمير وطلب مقابلته في مكتبه كان يعتقد أنه
سيتحدث معه بخصوص والد يمان ولم يكن يتوقع أبداً أن يكون
رسول خاله إليه وأنه يحمل له فاجعة وليس مفاجأة وهو يخبره
بأنه سيكون في مبنى محكمة حوران عصر الغد متعمدين إخباره
بذلك الليلة فقط مع التوصيات المتكررة منه حتى كانت تكاد تصل
للتهديد بأن لا يعلم أحد ولا من عائلته بأمرها وبموعدها تحديداً
لتتوالى عليه الصدمات ما أن علم سيترافع نيابة عن من ! ثم
صاحب الدعوة ثم سبب القضية .. وكان يشعر وكأنه يسمع كلاماً
لا يخرج من شفتي الجالس مقابلاً له خلف مكتبه بل وكأنه يقول
أموراً أخرى وهو يسمع صوتاً مغاير تماماً !
فكيف لمن تَخرج حديثاً ومهما كان مقدار تفوقه أن تكون أول
تجربة عملية له قضية كهذه !
كانت ستكون من أسهل القضايا عليه لو لم يكونا هما صاحبا
الأسماء فيها فإما أن خاله يريد خسارة القضية بدفعها نحوه
لدراستها في ليلة واحدة فقط أو أن الأمر من السرية والخطورة
أن يرفض تسليمه لشخص لا ينتمي له ويستأمنه عليه ؟!.
اشتدت أصابعه على الملف والأوراق فيها وهو يتذكر كلمات
عمير الجادة ينظر لعينيه تلك النظرة القوية التي لا يرى أحداً
يتقنها سوى خاله ورجاله
( ثمة أمر مهم عليك معرفته يا أبان فأنا نفسي لا أعلم ما بداخل
هذا الملف ولا أي رجل من رجاله ولم يكن أمامنا إلا السمع
والطاعة لثقتنا به فإن كان بإمكانك أن تبات الليلة مفتوح العينين
تحرسه فافعل ذلك )
وعلم حينها بأنه يحوي أسراراً كبيرة يبدو أنها كانت السبب
وراء خروجهم جميعاً من البلاد ! أمور كان مجبراً على إخفائها
عنهم هم أنفسهم ومن التفوا حوله لأعوام لم يدفعهم وفاؤهم له
وثقتهم به ولا لمجرد سؤاله لما نحن هنا ولما تحكم صنوان
البلاد بينما وافقت قبائل الحالك ! .
زفر نفساً طويلاً من بين شفتيه خرج من عمق ضياع أفكاره
وتحرك من مكانه مبعداً نظره عنه ووجهته باب المنزل فعليه أن
يكون أهلاً للثقة التي مُنحت له على الرغم من جهله لهدف خاله
منها ! هل ليكسب القضية ويتم إلغاء طلب الطلاق أم فقط توضيح
مسبباته ؟! وعليه في جميع الأحوال أن يمارس ما درسه وتعلمه
والقرار الأخير للقاضي وحده يحكم فيه بعدل مطلق .
دخل المنزل مغلقاً الباب خلفه بينما نظره على المجتمعين عند أحد
الصالونات و كانوا بثينة ويمامة التي تولي الباب ظهرها تقرآن
شيئاً في كتاب مفتوح بينهما على الأريكة وتجلس قربهما والدته
التي كانت تمسك ابنتها الصغرى ذات الثلاثة أعوام والتي تبدو
نائمة وكانت وحدها التي تنظر ناحيته فابتسم لها ابتسامة يعلم
أنها تفهمها جيداً فلم يدخل المنزل أو ينزل من شقته في مرة
وكانت يمامة هنا في الطابق السفلي وليست مرافقة لها إلا في
النادر جداً لاضطرارها ولا تكون بعيدة عن مكانها بالتأكيد .
تحركت خطواته ونظره لازال عليهم ودس يده الحرة في جيبه
وصفر بشفتيه نحوهن ونادى مبتسماً
" يمامة "
فارتفع جسدها المنحني قليلاً جهة الكتاب كما رأسها وهي تديره
نحوه وتنظر له كما هو حال شقيقته ووالدته التي هو موقن من
أن مجساتها الحسية استنفرت جميعها لحظتها ، فلم يستطع كتم
ضحكة صغيرة خرجت منه بسبب نظرتها تلك وأخرج يده من
جيبه وفيها قطعة الشكولاته الموجودة فيه ورماها نحوها بقوة
فقفزت مبتسمة لتلقطها ورفع رأسه نحوهم وقال بمكر
" لا تعطي منها لتلك القبيحة فثمنها أغلى منها بأكملها لكنها
لا تساوي رؤية ابتسامتك هذه "
وغمز لوالدته ضاحكاً وهو يتوجه ناحية السلالم وصعد لشقته من
فوره بل ولغرفته تحديداً وأغلق بابها خلفه ووضع الملف من يده
على الطاولة ونظره عليه وهو يفتح أزرار قميصه العلوية يتذكر
كلمات عمير عن حراسته له فهو لن ينام في كل الأحوال لثقته
بأن ما سيحمله بين أوراقه سيفقده النوم لأيام وليس ليلة
واحدة فقط .
توقفت يداه بعد زرين وثالث نصف مفتوح ونظر لباب الغرفة الذي
فُتح بدون طرق وللشخص الذي ما كان ليتوقع غيره بالتأكيد فعاد
بنظره ليديه وهو يواصل فتح الأزرار قائلاً ببرود
" كل ما في الأمر لوح شكولاته أمي لا داعي لاجتياح
المكان وتعنيفي "
لكنها لم تهتم لكلامه وهي تدخل الغرفة وتغلق بابها بقوة وقالت
تنظر له ببرود
" أعلم أنك لا تأخذ الأمر أكثر من تسلية لإغاظتي .. وبالرغم من
أني ربيتك وأعرفك جيداً لكني لن أنكر خوفي عليها منك "
كان قد فتح آخر زر حينها فأمسك خصره من تحت القميص
وقال بضيق
" عليك أن تحددي نوع هذا الخوف أمي فإن كان من أن
أُفسد طباعها فهي إهانة لن أقبلها منك أبداً وإن كان خوف
من أن أنظر لها كزوجة فعلياً الآن وأفعل ما يحلو لي فهذه
أشد وأعظم من تلك "
حركت رأسها وقالت بذات برودها السابق
" جيد فها أنت إذاً تعلم وتدرك بأن كلاهما جريمة يرفضهما
عقلك قبل مبادئك "
نزع قميصه ورماه على السرير بإهمال متمتماً بضيق
" أجل كوني مطمئنة "
تنهدت حينها بحنق وقالت
" ولست هنا من أجل ذلك "
ضيق عينيه وهو ينظر لها وقال
" خطة جميلة يا ابنة الشاهين "
حركت رأسها بيأس منه وقال
" بل لأخبرك بأنك من سيأخذ يمامة وبثينة للمدرسة صباحاً "
نظر لها نظرة أعيدي فلم أسمع فقالت بجدية تتجاهل كل ذلك
" وسترجعهما نهاية الدوام المدرسي أيضاً "
وكان ذاك ما جعله ينطق برفض محتج
" ولما وثمة سائق لديكم عجوز هرم بالكاد يرى الطريق
ليوافق شروطك "
وتابع بضيق وتملق ومن قبل أن تعلق
" ثم كيف وثقت بأبان هكذا فجأة ولم تتركيها سابقاً ولا تذهب
للسوق معي ! "
وهددها بسبابته كي يتهرب مما يعلم ما يكون
" إن كنتِ صدقتِ كلامي السابق فها أنا أُحذرك أمي فلن
أضمن نفسي "
وكان تهديدها جاهزاً أيضاً تنطق به عيناها قبل لسانها
" بل ستفعلها ويومياً حتى ينتهي العام الدراسي ورغماً عن
أنفك وبثينة معها لن تفعل شيئاً "
نفض يديه وقال بضيق محتج
" أمي بالله عليك أي جريمة في حقي هذه ! لن أكون مقيد الحركة
بسبب إحضارهما من المدرسة كل يوم وفي وقت محدد لا يمكن
التأخر عنه "
قالت هي بحدة حينها
" لست مجبراً على مغادرة الحميراء وإن حدث ذلك فيمكنك
فعلها بعد الظهر "
استدار جانباً وتأفف يضرب يديه ببعضهما قبل أن ينظر لها
وقال بضيق
" كان السائق من يأخذ بثينة يومياً ولأعوام فما تغير الآن ؟! "
قالت من فورها
" تغير أن خالك مطر من أمر بهذا "
نظر لها باستغراب هامسا
" خالي !! "
قالت بجدية
" نعم وتحدث معي بنفسه وكان رافضاً بالكلية خروج يمامة ولا
للمدرسة وطلب أن تدرس في المنزل وتتقدم للإمتحانات فقط
لولا أن أصررت عليه وأخبرته بمدى رغبتها في الذهاب لها
خاصة مع ظروف عائلتها الحالية فقد تساعدها في تجاوز
حزنها والتفكير فيهم "
وسكتت لبرهة تنظر لعيناه المحدقة فيها باستغراب قبل أن تتابع
" فوافق وإن مرغماً واشترط أن لا يوصلها لمدرستها ويعود بها
للمنزل شخص غير رجال العائلة ولا أحد غيرك فبالرغم من
إخباري له عن سائقنا الذي يعمل لدينا من أعوام لكنه رفض "
" ولما !! "
همس بتلك الكلمة اليتيمة ينظر لعينيها بتفكير فحركت
كتفيها وقالت
" لا أعلم لأنه لم يجبني سوى بأن الفتاة أمانة في عنقي
وأن نحرص جيداً على حمايتها "
أبعد نظره عنها ومرر أصابعه على قفا عنقه يفكر أو يحاول أن
يُحلل السبب وراء حرصه الشديد عليها وهو لا يعرفها ! حتى أن
زوجة والدها التي حاولت إحراقها سابقاً ماتت ! هل يخشى عليها
من قاتل تلك المرأة ؟ نظر لها ما أن قالت بجدية وكأنها
تقرأ أفكاره
" وعلينا أن لا نحاول تفسير ذلك بل أن ننفذ ما طلب لأني مثله
بل وأكثر منه لا أريدها أن تتأذى وأظنك مثلي تماماً كي لا تواجه
ثقة صديقك بك بالخذلان "
لو كان في وضع غير هذا لأتحفها بتعقيب مما يحبه قلبها لكنه
اكتفى بأن شد شفتيه المطبقتان بضيق ولم يعلق بينما لم تهتم
هي بكل ذلك وفتحت باب الغرفة وقالت وهي تغادر
" عليك أن تكون جاهزاً عند الثامنة صباحاً "
نزع القميص الداخلي متأففاً ورماه على السرير أيضاً وغادر
باتجاه الحمام وبعد أسرع حمام عرفه في تاريخه توجه للخزانة
لبس بنطال رياضي وقميص أسود طبعت عليه أثار مخالب نمر
باللون الأبيض ورتب شعره الرطب بأصابعه للأعلى بحركة
سريعة وهو يجلس أمام الملف الذي سيطر على تفكيره منذ
علم بأمره وبات بين يديه .
سمى بالله وهو يفتح غلافه وكأنه يخشى على قلبه مما سيقرأ
فيه لكنه لم ينظر للأسطر أمامه بل للهاتف الثابت بجانبه ورفع
السماعة وضغط أحد الأزرار وأزال أصبعه ما أن فُتح الخط
وقال من فوره
" أريد كوباً كبيراً من الشاي "
وصله صوت المرأة الخمسينية سريعاً
" انتهى الوقت الذي تسمح فيه السيدة بإعداد أي شيء كما
لا يمكنني جلبه لك "
تأفف وقال بضيق
" سأنزل أنا لأخذها
سيدتي فأنا الخادم الفعلي هنا "
وصله صوتها المحرج مباشرة
" لا أستطيع سيدي فستغضب السيدة جوزاء مني "
أغلق الخط بضربه للسماعة متمتماً بحنق
" ما هذا المعسكر ! "
ولم يضف المزيد لأنه يعلم ما يكون رأي والدته وبأنه يملك في
مطبخ شقته كل ما يحتاجه لإعداده بنفسه فللخادمات وقت محدد
للصعود هنا كما للمطبخ وقت معين تنتهي فيه أعمالهن ويعلم إن
هو ناقش واعترض ما سيكون تعليقها
( هم ليسوا عبيداً لديك ولهم الحق في الراحة كغيرهم )
رفع الأوراق بيد واحدة وحركة غاضبة متمتماً
" لا أعلم كيف لم يتم اختيارها كسفيرة للنوايا الحسنة ؟ "
وانشغل سريعاً بتقليب الأوراق بين يديه ولم يعد يبحث عن ضالته
بينهم فجميعها كانت تحمل الوصف ذاته ونظراته المندهشة تتنقل
بين الأسطر حتى بات يسمع صوت ضربات قلبه كالطبول في
أذنيه وارتفع نظره المصدوم عنها للفراغ هامساً
" يا إلهي ما كل هذا !! "
*
*
*
نزل من سيارته مغلقاً بابها وصعد عتبات الباب الرخامية وما أن
فتح باب المنزل ودخل حتى قابلته عمته مبتسمة وعلى غير العادة
وجدها مستيقظة ويعلم جيداً لما فابتسم لها بدوره ولم يكن يتوقع
أن تقابله بغير نظرات الاستهجان والضيق لكنها أيضاً قالت
ما توقعه
" عدت مبكراً ؟ "
كانت تذكره بالوقت الذي يعرفه جيداً ففرد يديه وقال مستسلماً
" لو كان الأمر بيدي لعدت قبل هذا الوقت لكني لم أستطع "
قالت بعتاب محب
" من المفترض أن لا يكون هذا وقت وصولك دائماً وليس اليوم
فقط فلازلت لا تعود إلا متأخرا من وقت خروجك فجراً "
تتنهد يحرك رأسه موافقاً ولم تترك له المجال ليتحدث متابعة
" أنت تزوجت من أيام قليلة فقط وجليلة لازالت عروس لتتركها
وحدها هنا طوال اليوم .. هذا خطأ في حقها وحق نفسك بني "
تنهد بعمق ورفع يده جانباً قائلاً
" معك حق عمتي لكني كنت مجبراً والزعيم مطر كان خارج
البلاد والمشاكل توالت علينا "
لكن عذره وجوابه ذاك يبدو لم يقنعها وقد قالت بضيق
" متأكدة من أن ابن شاهين نفسه يترك لعائلته متسعاً من وقته
وأنت تزوجت حديثا فأقل ما كان عليك نيله كمكافأة أسبوع
إجازة تكون فيه مع زوجتك وإن في المنزل "
أخفض نظره وحرك رأسه موافقاً لكل ما تقول ولا يمكنه فعل غير
هذا ولا قول المزيد وشرح الحقيقة الغائبة عنها فبقاؤه من عدمه
هنا سيان فلن يفعل شيئاً سوى الجلوس في غرفته وحيداً ، ولأن
الأمر باختياره فعليه الصبر والصمت فقط ، نظر لها وقال مغيراً
مجرى الحديث
" هل تناولت عشاءها ؟ "
فابتسمت أخيراً وقالت
" نعم ولم أنزل حتى تأكدت من أنها أكلت حتى شبعت "
جعلته كلماتها يصاب بالعدوى منها وظهرت ابتسامة صادقة
على شفتيه وهمس
" شكراً لك عمتي "
لامست يدها ذراعه وقالت مبتسمة بحب
" لا داعي للشكر بني فهي تستحق أكثر من هذا بكثير "
ولمعت عيناها بمشاعر حقيقية وهي تتابع مبتسمة
" لم ترى عيني من في روعة حديثها وأدبها وحلاوتها .. كان
زواجك بها أكثر قرار صائب اتخذته في حياتك "
ضحك بخفوت ونظر لمفاتيحه التي بدأ يحركها في يده وقال
" المهم أن أستحقها عمتي "
خرجت منها شهقة صغيرة دون صوت وقالت
" وكيف لا تستحقها ؟! لن تجد هي ولا غيرها زوجاً أفضل منك
ولو جابت البلاد بأكملها "
رفع نظره لها حينها وقال بضحكة
" هذا لأني ابن شقيقك "
ابتسمت وأصابعها تشد على ذراعه وقالت
" لا بالطبع فشقيقي نفسه لم ينجب مثلك "
وارتخت أصابعها وطبطبت يدها على تلك الذراع وتابعت
" هيا اصعد لزوجتك ولترتاح لا حرمني الله من رؤيتكما معاً "
ابتسم وهمس ويده تمسك بيدها يرفعها لشفتيه
" ولا حرمني منك يا أمي التي لم أعرفها "
وقبّلها قبل أن يمسك رأسها ويقبله بينما اغرورقت عيناها
بالدموع وشفتاها لازالت تهمس بدعواتها له وتمنى لها ليلة
سعيدة وهو يصعد السلالم ليواجهه الصمت التام ما أن وصل
للأعلى فاتجه لباب غرفتها من فوره واقترب منه حتى أمسك
مقبضه ولم يسمع أي صوت يخرج من هناك فأداره ببطء وفتح
الباب بحركة اقل بطئاً فواجهه الهواء البارد وكأنه فتح باب
ثلاجة ! نظر باستغراب للنائمة توليه ظهرها بينما لا يظهر من
جسدها المغطى بلحاف خريفي خفيف سوى شعرها البني الطويل
خلف رأسها ! دخل الغرفة ونظره على جهاز التكييف واستغرب
درجة البرودة المنخفضة فيه فهو لم يراها تستخدمه طيلة الأيام
الماضية والطقس لم يصبح حاراً بعد ! سحب جهاز التحكم
الخاص به متمتماً
" أتنوي قتل نفسها من البرد ! "
أطفأه كلياً وتوجه نحوها بحركة دائرية حول السرير حتى قابله
وجهها وكانت نائمة يخفي أغلب ملامحها كفها الذي كانت تضع
ظهره عليه وامتدت يده لها ولامس برفق أطراف أناملها وكانت
باردة كالجليد فأبعد يده خشية أن تشعر به وتوجه للنافذة أبعد
الستائر وفتحها ليتغير هواء الغرفة ولا يفهم كيف لم تشعر بكل
هذا البرد وتستفيق لتطفئه ! حتى أن حرارتها ليست مرتفعة !!
نظر ناحيتها مرة أخيرة وتحرك باتجاه باب الغرفة ليوقفه بعد
خطوتين صوت رنين هاتفها فنظر ناحيته باستغراب قبل أن ينظر
لساعته وللوقت فيها ! وما أن توقف الرنين حتى عاد مجدداً
فاقترب منه ونظر له من دون أن يحركه من مكانه وانعقد حاجباه
باستغراب وهو يرى الرقم الغير مدون بأي إسم ! نظر ناحيتها
ولجسدها الذي لم يتحرك رغم رنينه المرتفع قبل أن ينظر ناحيته
حين علا رنينه متواصلاً للمرة الثالثة على التوالي ! كانت قدماه
تحثه على التقدم نحوه كما يداه لمعرفة سبب هذا الاتصال وفي
هذا الوقت لكن عقله رفض الانصياع فهو تزوجها ويعلم جيداً
من تكون وكيف كانت ولن يسمح للشيطان باللعب بعقله فمثلما
استخدمه بحكمة وهو يختارها عليه أن يحكمه في أي أمر يمس
ثقته بها .
تحرك باتجاه باب الغرفة مقتنع تماماً بما يفعله فالجميع مُعرض
لمثل تلك المكالمات المجهولة وعليه أن يثبت لنفسه قبل أن
يثبت لها بأنه أحسن الاختيار .
وما أن لامست يده مقبض الباب ليغلقه بعد خروجه توقف ونظر
ناحيته ما أن علا رنينه معلناً وصول رسالتين متتابعتين هذه
المرة فنقل نظره بينها وبينه وبدأت تلك الوسوسات تخترق حاجز
عقله السميك بأنه لا يعرفها وأنها تنام هنا وحدها ترفضه ومجبرة
على الزواج منه وبأن الأخلاق ليست الصورة الحقيقة لأي
شخص نراه لنحكم عليه ، كانت أصوات تتداخل وتخترق عقله في
تزاحم كل واحدة منها تريد أن تكون الأولى وتفوز بالسيطرة على
عقله فاشتدت أصابعه الطويلة على المقبض النحاسي وكأنه
سيكسره وحرك رأسه بقوة وأجبر يده على سحبه خلفه وهو
يخرج متعوذاً من الشيطان بهمس خافت فعلاقة لم تكن الثقة
عمادها الأساسي لا تستحق تضييع الوقت من أجلها .
وأقسم في قرارة نفسه بأنه لن يمس هاتفها ولا للتأكد غداً من
فحو الرسائل ولن يراقبه أيضاً فحتى مكالماتها السابقة راقبها
لأنها كباقي عائلة شقيقها ذاك تم مراقبة هواتفهم جميعاً حتى
وقت معرفة مكانه بينما تكفل هو برقمها رافضاً أن يقوم الفريق
الفني المخصص بذلك وانتهى الأمر بعثورهم عليهما .
*
*
*
فتحت عيناها ببطء تشعر بتصلب مريع في ظهرها وهي تحاول
رفع رأسها ونست للحظات أنها نائمة في غير سريرها وغرفتها
حتى جلست تمد يديها للأمام بأنات صغيرة متألمة .
لا تعلم كم من الوقت نامت لكنها لم تنم كثيراً حسب اعتقادها ،
نظرت ناحية النائمة قربها وابتسمت ما أن وجدت عيناها
مفتوحتان تنظر لها تتوسد ذراعها بينما تضطجع على جانبها
وقالت تبعد شعرها خلف أذنيها
" كيف تشعرين الآن ؟ "
وابتسمت رغم التعاسة في ملامح التي همست ببحة وهي تبعد
نظرها عنها
" الحمد لله "
فوقفت وقالت وهي تتجه لنافذة الغرفة
" وأنا واثقة من أنك ماريه القوية ذاتها "
وانشغلت بفتح النافذة بعدما أبعدت الستائر عنها ولم ترى التي
شردت نظراتها للفراغ مبتسمة بحزن ابتسامة سرعان ما تبدلت
للسخرية من نفسها وحالها واعتقادها بها فهي لم ترى نفسها
يوماً قوية ولا سيدة نفسها كما تريد جميع النساء ويحب جميع
الرجال فيهن .
كانت تقول لها زهور في الماضي
( ليست المرأة القوية التي تصرخ وتعاند وتتواقح بلسانها
السليط إنها التي تقف كلما وقعت وتساند نفسها كلما انكسرت
وتنظر للأمام مهما سحبها الماضي للوراء .. إنها التي تشرق مع
شروق الشمس وتبكي وحدها في الظلام )
لكنها لم تجد نفسها في كليهما لا هي التي تأخذ حقها بلسانها
ويدها ولا هي التي تساعد نفسها على تخطي آلامها ولا حتى
ماضيها .
مسحت عيناها قبل أن تفكر في ذرف أي دمعة وجلست ببطء تسند
نفسها بمرفقها حتى استوت جالسة وأبعدت خصلات غرتها عن
وجهها للأعلى تمرر أصابعها فيها ونظرت للتي توجهت نحوها
وكانت تريد قول شيء ما لولا أوقفها صوت الباب الذي انفتح بعد
طرقتين متتاليتين فنظرتا كليهما للتي أصبحت تقف أمامه وقالت
بابتسامة تنظر لماريه تحديداً
" ها هي ساندرين لا تتذمر أخيراً بسبب يوم الإجازة "
فحاولت بكل ما تملك من قوة أن ترسم ابتسامة على ملامحها
التعيسة المتعبة وإن لمجاملتها بينما فتحت ابنتها فمها في صدمة
صامتة وكانت ستتحدث لولا قاطعها أمر آخر هذه المرة وكان
صوت جرس باب المنزل وتبادلت ووالدتها نظرة صامتة فكل
واحدة منهما تعلم سلفاً من سيكون هذا الزائر عند الصباح
الباكر .
وما هي إلا لحظات ووقف الحارثة عند باب الغرفة نظر لزوجته
ثم ابنته وفي صمت قبل أن ينظر للتي قال لها بهدوء
" شاهر يريد رؤيتك ماريه "
فأشاحت بنظرها عنه ونظرت أمامها وكل ذاك الحزن والتعاسة
في العينان بلون الذهب تبدلت لجمود لم يفت ايًّا منهم ملاحظته
وكان لديها المزيد وهي تهمس ببرود
" أخبره بأني لا أريد رؤيته "
تبادل ثلاثتهم نظرة صامتة مستغربة قبل أن يتخلل صمتهم ذاك
الصوت الرجولي الهادئ الذي تسلل من الباب
" المعذرة منكم أيمكننا أن نكون لوحدنا "
فنظر ثلاثتهم للذي أصبح يقف أيضاً عند باب الغرفة بينما كان
نظره هو على التي لازالت تنظر للفراغ أمامها بجمود تكتف
ذراعيها لصدرها فأشار الحارثة لهما برأسه وما أن كانت
ساندرين ستتحدث أشار بسبابته على شفتيه ينظر لها بتهديد
فتحركت بخطوات غاضبة تتبعه ووالدتها خلفها وكان لكل واحد
منهم نظرة أهداها للواقف مكان عبورهم فبينما ابتسم له الحارثة
مومئًا برأسه نظرت له زوجته نظرة استجداء صامتة فهي تراه
أملهم الأخير لإنصاف الفتاة المسكينة ، وكانت نظرة الشقراء
الأصغر سنناً مختلفة تماماً نظرة جعلته يبعد نظراته عنها سريعاً
وكأنه يهرب من مواجهتها حتى كان الجميع في الخارج فأغلق
الباب حينها ونظر للتي لازالت على وضعها وحالها السابق ودس
يديه في جيبي بنطلون بذلته السوداء بينما اتكأ بظهره على الباب
خلفه وسحب لصدره نفساً عميقاً قبل أن يقول بهدوء وتأني
" لا يمكنك لومي ماريه فهو من قرر وأنتِ من وافق قراره "
ابتسمت شفتاها بسخرية وعاد الألم لاجتياح عينيها وإن لم تنظر
ناحيته وهمست
" أكان لديا خيارات أخرى ؟ "
اشتدت قبضته ولازالت سجينة لجيبه يحرك أصابعه وهو يقبضها
بقوة وقال ونظره لم يفارق جانب وجهها المقابل له
" أخبرتك بأنك قادرة على الرفض دون أن تخبريه برفضك "
نظرت ناحيته بحركة قويه وقالت بضيق بالرغم من لمعان
عينيها بأسى
" وكان سيفعل ما قلت أنت بأنه لن يملك خياراً غيره .. هل لك
أن تخبرني ما سيكون خياره ذاك لأختار ؟ "
أنزل رأسه وسحب نفساً عميقاً لصدره قبل أن يحرره قائلاً
" لقد أحرق الشقة قبل أن يختفي البارحة "
فامتلأت عيناها بالدموع وجميع تلك الصور لتدميره للمكان
تتزاحم أمامها وهمست بأسى وبحة بكاء نظرها على الذي لازال
ينكس رأسه للأسفل
" سيفعل ذلك بالتأكيد فأنا في نظره أصبحت نجسة وكل ما لمسته
يداي هناك بات نجساً "
وراقبت من خلف الدموع السجينة في عينيها الذي حرك رأسه
بأسى وهمس دون أن يرفعه
" أنا لم أتوقع هذا ! "
اشتدت قبضتاها في حجرها وسالت أول دمعة من طرف رموشها
نزولا لقماش بيجامتها وقالت بتعاسة ظهرت في كل شيء
وأولهم صوتها
" وما الذي تتوقعه من رجل اكتشف بأن زوجته خانته في غيابه
وبعلاقة كاملة مع رجل غيره "
" ماذا !! "
رفع نظره لها بدهشة حينها ولم يستطع التفوه بغير تلك الكلمة
ولا أن يحرك جفناه ليرمش بهما ينظر للعينان التي تساقطت منها
الدموع بينما صرخ صوتها ببكاء
" وما كنتم تتوقعون منه ؟ ما الذي كان سيفهمه مثلا ؟ "
قال والذهول لم يفارق ملامحه بعد بينما اشارت يده جانباً وخرج
صوته حاداً
" ليس ذاك ما أردناه وتعلمين ذلك جيداً فلما لم توضحي
له الأمر ؟ "
ضربت يدها في حجرها وقالت ببكاء غاضب
" أنا لم أستطع ولا التحدث معه لأتمكن من الشرح ..
ثم ما كنت سأقول ؟.. "
وتابعت من فورها بتملق وإن كانت الدموع تغطي وجنتاها
" أقول له انتظر لأشرح لك خطتنا فأنت تجاوزت توقعاتنا ؟ "
حرك رأسه بذهول شارد وهمس
" يالا الهول "
فمسحت وجنتاها بظهر كفها بحركة قوية وقالت بحدة تشير
بسباتها نحو الأسفل
" أخبر زعيمكم ذاك الآن بأني أريد العودة للوطن "
حدق فيها باستغراب هامساً
" تعودين للوطن ! "
ملأت الدموع عيناها وقالت تشير لنفسها
" أليس من حق جثماني أن يتم دفنه في موطنه "
قال مباشرة وببرود
" لن يوافق "
صرخت محتجة
" ولما ! "
" لأنه الصواب ماري دفنست "
حدقت فيه بذهول بينما كانت ملامحه جامدة تماماً كما نظرته
لعينيها يذكرها بحقيقة كلماته تلك وما صارت عليه منذ دخلت هذه
البلاد فاشتدت أصابعها في قبضة واحدة وقالت برفض
" يمكنه فعلها إن أراد ولن يعلم عن وجودي هناك أحد "
حرك رأسه برفض وقال بهدوء
" الأمر ليس في رؤيتك هناك بل ما ستعلمه عائلة ماري
باختفائك "
تعالت حركة صدرها مع أنفاسها وكأنها تبحث عن الهواء لرئتيها
وحركت رأسها برفض وهمست بصوت كئيب والدموع تتكدس
في عينيها
" أنا لا يمكنني البقاء هنا .. لا يمكنكم تعذيبي بهذه الطريقة
المشينة "
وانسابت دمعة جديدة فوق وجنتها وقالت بأسى تضرب بسبابتها
على صدرها
" لا أريد رؤيته ولا أن أرى النظرة التي أتوقعها في عينيه لما
لا يرحمني أحد "
عاد وأنزل رأسه واغمض عيناه بقوة وألم قبل أن يحرك رأسه
متنهداً باستسلام وكأنه يهرب من العينان التي تعذبه بحزنها
وبراءتها قبل عجزه عن فعل شيء من أجلها
" هو من يملك جميع أوراقك وجوازي سفرك أيضاً أي أن قرار
سفرك بيده وحده "
ضربت قبضتها على فخذها وقالت بغضب محتج
" دمرتم ما بيننا وربطتم مصيري به إذاً ؟ "
رفع رأسه ونظر لعيناها الدامعة المحمرة المجهدة والتي تجعلك
تنهار دون حديث وقال بحزن
" لا يمكنك إلقاء اللوم علينا ماريه فأنا واثق من أنك أحرصنا
جميعاً على سلامته لَما كنت وافقتِ على ذلك "
قالت مباشرة
" ودوري انتهى وأريد أن أغادر "
حرك رأسه برفض هامساً بقلة حيلة
" ليس الأمر بيدك ولا بيدي "
تقاطرت الدموع من عينيها مجدداً وصرخت ببكاء تضرب
بقبضتها جهة قلبها
" ماذا أفعل بهذا ؟ كيف تريد أن أرى الكره والاشمئزاز في
عينيه ؟ كيف يمكنني العيش بعد الآن ! "
وحين أخفض عينيه يخفي الألم والعجز فيهما بل والنظر لها
والذي يشعر به يدمي قلبه صرخت مجدداً وبانهيار باكي
" أنا أكرهكم ... أكرهكم جميعكم "
أطبق جفناه يشعر بكلماتها كنصل سكين حاد مزق قلبه وتحركت
شفتاه وقال بهدوء حزين ولازال يتجنب النظر لها لا يعلم يهرب
منها أم من نفسه
" وأنا لا يمكنني مبادلتك ذات الشعور ماريه وجئت أريد أن آخذك
معي لشقتي "
" ماري دفنسنت لا تقرب لك إن نسيت "
تحمل كلماتها القاسية تلك وإن كانت تحكي الواقع وليس الرفض
، وما أن رفع نظره لها حتى واجهته بالمزيد قائلة بغضب وإن
ملأت الدموع وجنتاها
" حينما يطلقني إبنك وهذا ما سيحدث قريباً بالتأكيد أريد أن
ارحل من هنا وللأبد "
شعر بكلماتها كشاحنة عملاقة صدمته بقوة تسحقه تحت عجلاتها
وحرك رأسه وكأنه يرفض فكرة أن يفعلها ويفكر في تحريرها منه
وفسخ عقد الزواج الذي تمسك به لأعوام ومنذ كانت طفلة وهي
بعيدة عنه وقال ما هو مرغم عليه وليس مقتنعاً به
" لا يمكننا فعل هذا دون موافقته وموافقة الزعيم مطر "
وغادر تاركاً الباب مفتوحاً وسار في الممر القصير تتبع خطواته
الكسيرة كلماتها الصارخة ببكاء
" أريد الرحيل عن هذه البلاد ولا أريدكم ... لاااا أريدكم "
حتى وصل لمن كانوا يقفون في انتظاره نظرات ثلاثتهم على
عينيه الحزينة بينما لازالت كلماتها الصارخة ببكاء مؤلم تصلهم
كسهام مسمومة قاتلة
" أريد الرحييييل .. لا يمكنكم قتلي أكثر مما فعلتم "
فأبعد الحارثة نظره وكأنه يرفض إظهار مشاعره لحظتها بينما
ملأ الحزن عيني زوجته تنظر حيث مصدر ذاك البكاء الموجع ..
وكان الغضب المكبوت من نصيب ساندرين تكاد قبضتاها أن
تتمزق من شدها لهما بينما نظرها على شخص واحد وهو الذي
تحرك مجتازاً لهم يتجنب النظر لأي واحد منهم يتلقى اللوم ومن
الجميع وفي صمت .. لومها ولومهم ثم لوم ابنه حين يعلم
الحقيقة وسيدفع ثمن الحفاظ على سلامته وغالياً جداً .
خرجت الكلمات منه هادئة تعاكس داخله ما أن قال وهو يتوجه
نحو باب المنزل
" إن جاء لأخذها فلا تمنعوه وإن غيّرت رأيها في رفض طلبي
فمنزلي مفتوح لها "
وغادر بهدوء مغلقاً الباب خلفه وترك صمت موحش لا يتخلله
سوى صوت البكاء المكتوم بعيداً عنهم معلناً انهيار المرأة
الصامدة منذ دخلت منزلهم البارحة فتحرك الحارثة حينها يجر
خطواته ووجهته ممر غرفته نظرات ابنته تتبعه قبل أن تنظر
لوالدتها المحدقة في الفراغ بملامح كئيبة وقالت بحدة
" ما معنى هذا ! "
فحركت رأسها بعجز دون أن ترفعه ولا أن تنظر لها فصاحت
تضرب الأرض بقدمها بغضب
" أين رد الفعل الذي سيفعله كما قلتِ البارحة ؟ "
نظرت لها حينها وأشارت بيدها ناحية باب المنزل وقالت بضيق
" وما الذي فعله والده ؟ "
قالت بحدة مماثلة تنظر لعينيها تحديداً
" وكان أبي سيفعل شيئاً إن تقاعس والده أم نسيتِ ما قلته ؟ "
وحين لم يصدر عنها إلا الصمت وتعلم بأنها لن تستطيع قول أي
شيء همست تنظر لعينيها باشمئزاز منهما
" ليستمروا في جبنهم هذا حتى الموت "
" سااااندي "
ما كانت صرختها المهددة تلك لتجعلها تتراجع أو تخاف وإن
أشبعتها ضرباً هذه المرة وليس صفعة وحيدة فتراجعت للوراء
خطوة وقالت من بين أسنانها
" الحل لديا إذاً ولتفعلها النساء "
واستدارت بقوة مغادرة لولا أوقفتها يد والدتها التي التفت
أصابعها حول ذراعها موقفة إياها وأدارتها نحوها قائلة
" ما الذي تنوين فعله ساندي ؟ "
سحبت ذراعها منها بحركة عنيفة صارخة
" ما عجزتم عنه جميعكم بالطبع وما سيجعل ذاك الجبل
الجليدي يحترق "
وغادرت باتجاه ممر غرفتها متابعة صراخها الغاضب
" عليه أن يمس النجوم قبل أن يفكر في أخذها لأي مكانٍ كان "
واختفت عنها خلف ذاك الممر فضربت يديها ببعضهما متمتمه
" لا حول ولا قوة إلا بالله "
*
*
*