كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
*
*
*
حين توقفت سيارة أويس أمام باب منزله كان أحدهما نائم على
كرسي السيارة في الخلف حيث يجلسان والآخر نائم على فخذ
شقيقه ذاك ، فما أن أصبحت سيارتهم تشق الأراضي الزراعية
المتشابهة تغلب النعاس على الطفلان كأقرانهم في المواقف
والاماكن المشابهة ، وكانا قد ناما لأكثر من ساعتين حينها فنزل
يمان وأيقظهما رافضاً اقتراح أويس بأن يحملاهما للداخل دون أن
يفسد نومهما فرفض فكرة أن يتواجه ومايرين مجدداً فالأمر يراه
يخصه وهي زوجته ولا يريد لأحد أن يبدي ولا رأيه في الموضوع
ولولا أنه من وجدها وجلبها إلى هنا ما كان ليخبره أبداً بما حدث
وبخروجها من هنا ، ومن الجيد أنه لم يتحدث في الأمر مجدداً
لأنه كان سيضطر حينها لإخباره بأنه يحترم خصوصيات الناس
كما يحب أن يحترموا خصوصياته ليفهم موقفه من الأمر ..
ولا طريقة لبقة أبداً لقول ذلك غيرها .
فتح باب المنزل يساعد كل واحد منهما على حده لاجتياز عتبته
المرتفعة قليلاً فالنعاس لازال يسيطر حتى على خطواتهما الغير
ثابتة ، وبينما كان عنان يتثاءب طوال الوقت بعينين مفتوحتين
كان جاد يسير وعيناه مغمضتان معتمداً على يد شقيقه الأكبر في
سيره ، وما أن أغلق باب المنزل انحنى نحوه ورفعه ذراعه
تحيط بساقيه وسرعان ما سقط على كتفه نائماً بينما أمسكت يده
الأخرى بيد عنان ودخل بهما ليجد أمامه الواقفة عند باب الغرفة
ولم يستطع بسبب الجهة المظلمة التي تقف فيها أن يرى
ملامحها جيداً ولا عيناها التي كانت تنظر للصغيران نظرة حزن
وشفقة فهي سبق وأخبرتها يمامة عنهما في اليومان اللذان
قضياهما هناك في منزل زوجها .
ابتعدت عن الباب ما أن وصل له وخشيت أن تقترح مساعدته في
أخذه منه ويرفض ، وكل ما فعلته أن لحقته مسرعة ما أن دخل
ووضعت الوسادة حيث كان ينوي وضع شقيقه ثم أخذ الوسادة
الأخرى منها ووضعها على الفراش الآخر فوق رأس الذي تابع
نومه دون حراك وقال للواقف قربه
" هيا يا عنان نم هنا "
فأطاعه على الفور مرتمياً على الفراش وسرعان ما أغمض
عينيه وعاد لعالم النوم الذي فارقه قبل لحظات وخرج حينها
لحقيبتهم التي تركها عند الباب بينما وقفت هي مكانها تنظر
مبتسمة بحزن لملامحها الجميلة والمتشابهة في كل شيء مما
جعلها تغرق في مشاعر غريبة لم تستنكرها أو تحاول فهمها فهي
تعلم بأن ذاك شعور كل من يجد نفسه أمام توأمان متشابهان في
كل شيء وجميلان هكذا .
نظرت خلفها حيث الذي دخل يسحب حقيبة كبيره وفتحها ما أن
وضعها قرب الباب وأخرج منها لحافان برسومات لسيارة كبيرة
كلٌ بلون غطاهما بهما بعد أن نزع منهما السترة والقميص ليناما
بطريقة أفضل ، وما أن استوى واقفاً همست الموجودة
خلفه بتردد
" هل أحضر لك شيئاً تأكله ؟ "
" لا "
كتمت غصتها وابتلعتها مع ريقها ونظرت للأرض بحزن وهو
يجتازها مغادراً الغرفة للطريقة الجافة التي رفض بها بالرغم من
أنه تحدث ولم يتجاهلها ككل مرة تحدثت معه مؤخراً .. لكنها كانت
جارحة ومؤلمة منه أكثر من صمته وهو من كان سابقاً كلما
رفض شيئاً يتبعه بعبارة ( شكراً لك ) وكأنه يخشى أن تجرح كلمة
لا مشاعرها دون قصد منه ، ويبدو أن موقفه منها لم يتغير
بالرغم من شرحها لما حدث قبل مغادرته ولديها شاهد على كل
ما قالت وهي والدة أويس فلما يستمر في ظلمه لها ويرفض
تصديقها ؟
تحركت من مكانها واندست في فراشها ما أن دخل ينزل أكمامه
يستعد ليصلي العشاء الذي لم يصليه بعد وأولته وصوته
الجهوري المرتخي بتعب ظهرها تنظر للجدار أمامها بحزن لا تعلم
على حالها أم حاله هو ؟ ففوق مسؤليتها التي يبدو باتت عبئاً
ثقيلاً عليه وقد يتخلص منها قريباً ها هو يجد نفسه مسؤلاً عن
شقيقاه الصغيران أيضاً وكل ما قد يحتاجانه مستقبلاً وما أكثر
هذا الذي سيحتاجاه وسيكون عليه توفيره وهو الذي بالكاد يملك
قوت يومه وراتب ضئيل من شركة زراعية لا تجد دعماً ولا من
وزارة البلاد .
ما أن أنهى صلاته ونام أيضاً حتى عم الغرفة سكون تام قاتل
وكأنه لا أحد يوجد فيها حتى كاد يسحبها لعالم النوم مثلهم لولا
صوت الأنين الطفولي الذي جعلها تجلس بسرعة تنظر في الغرفة
الشبة مظلمة للجسد الصغير الذي جلس فجأة يهمس منادياً ببكاء
" أمي ... أمي "
وكان ذاته الذي أدخله يمان نائماً فتوجهت نحوه مسرعة لحظة
جلوس يمان الذي يبدو استفاق بسبب صوته رغم انخفاضه
وكانت هي من وصلت له أولاً وضمته لحضنها الذي تعلق به
سريعاً ومسحت يدها على شعره ونزلت دموعها الصامتة مع
بكائه رغماً عنها تتألم لحاله وهي من سبق واختبرت معنى فقدان
الأم بالرغم من أنها كانت أكبر منه سناً حين توفت والدتها إلا أن
المعاناة التي يراها المرء بعد فقده لها تدمره أكثر من لحظة
الفراق ذاتها .
أمسكت يد يمان بذراعه الصغير يسحبه منها برفق وهمس منادياً
إياه بإسمه لكنه رفض تركها بل وتعلق بها أكثر لا تعلم يظنها
والدته أم أن ما يحتاجه الآن هو حضن امرأة وأياً كانت ؟
همست ما أن أبعد يده عنه
" سأضعه في فراشه ما أن ينام لا تقلق بشأنه "
وكان تعليقه الصمت التام وهو يعود ناحية فراشه والتزمت هي
الصمت أيضاً تنظر للفراغ المظلم بشرود حزين ويدها لازالت
تمسح على الشعر الحريري برفق وحنان وقد بدأ صوت بكائه
يخف تدريجياً حتى نام مجدداً ، وما أن وضعته مكانه السابق
وعدلت ساقيه وقدميه وغطته بلحافه حتى تعلقت إحدى يديه
بقماش فستانها والأخرى بذراعها وعاد للبكاء مجدداً يرفض
إبتعادها عنه فجلست تمسك يدها بيده بينما تمسح الأخرى على
شعره تطمئنه هامسة بأنها لن تتركه حتى نام مجدداً فوقفت
وانتبهت حينها بأن يمان كان ما يزال جالساً ويبدو لن ينام مجدداً
حتى يطمئن أنه نام فعلاً !
انتقلت لفراشها وسحبته جهة الفتى الصغير ونامت بجانبه
لتختصر الأمر ليس على نفسها ولا على الصغير الباكي بل على
الذي يبدو قرر أنه لن ينام إلا إن نام شقيقه ، وابتسمت بحزن ما
أن اندس في حضنها وضمته بذراعها من فورها فهما يبدو لم
يجتازا الرابعة من عمرهما وصغيران جداً على استيعاب
ما مرا به .
*
*
*
رمت هاتفها جانباً ونظرت للساعة المعلقة على الجدار وكأنها لم
تراها في هاتفها منذ قليل وكانت xxxxبها تشير للساعة الثانية
عشرة ولا ترى أن ذاك الرجل يفكر في الرجوع لمنزله الليلة !
ولا تنكر أن ذاك أراحها لكنها تستغربه أيضاً فهو بالكاد يدخله
ليعود ويخرج مجدداً فلما يتزوج وهو يعلم بمشاغله التي لا مكان
للزوجة فيها ولا وقت ؟!!
تأففت من أفكارها تلك وضمت ركبتيها بذراعيها ونظرت للساعة
مجدداً كالبلهاء وتعرف لما ..؟
بلى تعلم .. لأنها متوترة وخائفة من مواجهته فهي أطلقت وعوداً
حان وقت الإيفاء بها خاصة أنه حقق طلبها ولا مجال للتهرب
وستتخلى عن كل ما كانت مصرة على الاستمرار في رفضه حتى
تخرج من هنا وتعود لمنزل والدها كما كانت وبعد القليل من
الهرج والمرج بالطبع لتتناقلها ألسن الناس مجدداً ثم ينتهي كل
شيء فهي اعتادت ذلك وألفته لأنها اختبرته مراراً وعلمت أن
اجتيازه يحتاج فقط للقليل من الصبر تم ستنساها الناس وتلتفت
لما هو أهم وقد ظهر حديثاً لتكون أصبحت هي وحكاياتها من
الماضي .
وقفت وتوجهت ناحية النافذة المفتوحة ووقفت أمامها تشد
أصابعها بتوتر ولا تفهم لما لا تتوقف عن التصرف كمراهقة
صغيرة مضحكة فستجعل من نفسها سخرية أمامه على هذا
الحال .
رفعت نظرها للسماء المرصعة بالنجوم وهمست برجاء آسي
" يا رب أكثر من مشاغله الليلة ولا يأتي إلى هنا "
ولم تجد متسعاً من الوقت لتضحك على نفسها ودعواتها الساذجة
تلك بسبب صوت صرير الباب الخارجي للمنزل مما جعل ضربات
قلبها تتسابق بجنون وأصابعها تشتد أكثر وانحنت من النافذة قليلاً
تنظر للخارج وكأنها تمني نفسها أن يكون مصدر الصوت لأحد
أبواب الفيلات المحيطة بهم وخاب ذاك الأمل وتبخر وهي ترى
نور السيارة القوي الذي اخترق ظلال الأشجار يقترب ويتسع
تدريجيا يصحبه صوت المحرك القوي ، وابتعدت عن النافذة ما
أن ظهر لها مصدر ذاك الضوء والمتمثل في الأضواء الأمامية
للسيارة البيضاء الفاخرة وتحركت في الغرفة بعشوائية تبعد
خصلات غرتها خلف أذنيها تارة وتعاود جمع شعرها الطويل على
كتفها تارة أخرى والتصقت بالباب نهاية الأمر تحاول السماع من
شقه المغلق فصوت خطواته بل خطوات حذائه المميزة تلك لازالت
تحفيظها منذ الليلة التي زار فيها شقة شقيقها .
كانت تعلم بأنها لن تستطيع سماع خطواته من كل هذا البعد
والباب مغلق أيضاً لكنها ستعلم على الأقل إن كان سيخطط
لزيارتها هنا أولاً أم لا ، وتنفست الصعداء مبتعدة حين سمعت
باب غرفته يغلق مما يعني أنه دخل هناك مباشرة ومن الجيد أنه
فعل ذلك فلو فتح الباب لوجدها أمام وجهه فهي لم تسمع شيئاً
البتة !.
انتقلت جهة سريرها وجلست على طرفه تراقب قدماها الحافيتان
تغوصان في السجادة الكثيفة الناعمة تضغط على أصابعها داخلها
بحركة قوية وكأنها تفرغ توترها فيها ! وانتهى كل ذلك نهاية
الأمر ورفعت رأسها متأففة نفساً طويلاً تلعن جبنها فأين كان كل
هذا عندما كانت تستجديه متوسلة أن تكون له وكما يريد فقط
ليوافق على أخذها لمن قد ينهي حياة شقيقها وبأمر واحد منه
ودون أن يغادر مكانه ؟ حضنت نفسها وارتجاف أطرافها التي
ارتعدت من مجرد التفكير في الأمر وتأملت في أن تكون الكلمات
القليلة التي قالها ذاك الرجل كما فهمتها هي تماماً فسترضى بأن
يحرمه من كل شيء وحتى عمله وجميع مكاتبه الخاصة فقط لا
يحرمهم هم من رؤيته فلن تتخيل ما سيكون رد فعلها إن هي
فقدته وهو شقيقها المحبب فكيف بوالدتها التي تحملت كل شيء
من أجله ومن أجل شقيقه ؟ تعلم بأنه كان يقصد بما قال موته
على يديه لكن أن يتركه بدون عقاب فلن تحدث أبداً وهي من
تعرف ردود أفعال ذاك الرجل جيداً في الأمور المشابهة .
ومرت الدقائق وهي على ذاك الحال تتقافز بأفكارها من مكان
لآخر حتى لم تترك أحداً له صلة بها ولم تفكر فيه في دائرة
متشعبة والذي لم يكن سوى هروباً وبجبن مما تعلمه جيداً فوقفت
نهاية الأمر وحزمت أمرها فهي وعدت وعليها الإيفاء ولا ضرر
في هذا فنهايتها هنا واحدة ولن يتغير شيء إن هي تقمصت دور
الزوجة كفترة متعة لزوج لن يبحث لديها عن شيء مختلف عن
أقرانه الرجال فهدفهم من هذا الرباط واحد تغطيه أي امرأة
في غياب أخرى .
دست قدميها في الحذاء الناعم وتوجهت ناحية الباب مباشرة وإن
كانت تدفع خطواتها دفعاً وكأنها مقيدة بأغلال ثقيلة تجبرها بالقوة
على إطاعتها حتى وصلت إليه وفتحته وغادرته تغلقه خلفها
بهدوء ، وبدأ الأمر يزداد صعوبة وهي تنظر ناحية الباب المغلق
هناك وحيث مقصدها ووجهتها الأساسية فشجعت نفسها وتحركت
دون تفكير هذه المرة كي لا تعود أدراجها وذاك ما كان سيحدث
بالتأكيد ، ليته فقط ساعدها في هذا وكان هو من اقتحم غرفتها
وأجبرها على تنفيذ وعدها وما يريد لكان اختصر عليها عناء كل
هذه اللحظات المتلفة للأعصاب وتوّج انتصاره عليها ولنفسه
بالطريقة التي ترضي الغرور الذكوري المقيت .
وقفت مكانها ما أن وصلت باب الغرفة وانقبضت أصابعها في
حركة لا شعورية متمنعة وكأنها ترفض من نفسها فعل ما تريد
منها لكنها رفعتها بالقوة وأمسكت مقبضه على الفور متمتمه
لنفسها بضيق
" هيا يا جبانة فهذا ما تستحقين "
وأدارته سريعاً وإن بحركة بطيئة فهذا هو الفصل الأخير وبعده لا
تراجع وستنتهي معاناتها مع نفسها على الأقل ، وذاك ما كان في
مخيلتها فقط فما أن أصبحت في الداخل اصطدمت بجدار الواقع
الذي جعل كل شيء يتحول لظلام قاتم أمامها ولا تعلم أن سببه
ليس سوى إغماضها لعينيها بقوة وانتكاس رأسها للأسفل ولم
تشعر بنفسها ولا بأنها تراجعت للوراء مغلقة الباب الذي اصطدم
به جسدها فقد فقدت كل ما يربطها بما حولها ما أن وقع نظرها
على الذي كان يقف قرب السرير الواسع للغرفة يمسك في يديه
قميصاً قطنياً بأكمام قصيرة يفرده بينهما وكأنه ينوي ارتدائه للتو
بينما كان يرتدي بنطلون رياضي مريح وطويل وقميص داخلي
بدون أكمام شعره الرطب يشرح سبب رائحة الصابون العطرة
التي تملأ المكان وقد تجمد هو مكانه أيضاً وتوقفت يداه عما كان
يفعل لكن بشكل مختلف تماماً عن التي ينظر لها مبتسماً تقف
ملتصقة بالباب خلفها وحتى يداها تخبئهما خلف جسدها كما
أخفت عنه غرتها الناعمة ملامحها التي تنزلها ناحية الأرض ،
وتنقلت نظراته على جسدها حيث البيجامة القطنية الناعمة التي
تغطي تفاصيلها الأنثوية الممتلئة قليلاً بتناسق مغري حد الألم
وكانت بقميص بلون الكريما ياقته المستطيلة بشكل عرضي تكاد
تكشف كتفها بلون القهوة كما أطراف أكمامها التي تجاوزت
مرفقيها بقليل وكذلك لون الزهرة المطبوعة في منتصفه وبشكل
مائل تتخللها نقوش ذهبية واضحة بشكل أكبر تتبع جميع
تفاصيلها .. وكانت ببنطلون بلون القهوة الداكنة أيضاً يصل طوله
لنصف ساقيها وكتابة إنجليزية نقشت بالعرض على إحدى ساقيه
وباللون الذهبي اللامع أيضاً وكأنها تمزج لون ذاك الحرير البني
الكثيف المجموع عند كتفها بما ترتديه .. بل وكأنها تنوي قتله
ودون سلاح .
شد على شفته وابتسامته بأسنانه بقوة ولبس قميصه بحركة
سريعة كي لا يغمى عليه مجدداً وتحركت خطواته نحوها يعدل
أطرافه فوق بنطلونه ونظراته لا تفارقها فهو يفهم تماماً سبب
قدومها بل ويفخر بأنها لم تخن توقعاته ناحيتها والتي بناءً عليها
اختارها زوجة وشريكة له ومتأكد من أنها تمتلك بداخلها جوهراً
فريداً من نوعه تفتقر له أغلب النساء فهو لم يسمح هذه المرة
لقلبه بأن يحدد اختياره وحيداً ولم ينساق خلف إعجاب عينيه بها
فقط ما أن رآها أول مرة وإن كان مجرد النظر لها ومن بعيد
يجعلك تتأكد من أنها مختلفة عن جميع النساء .. وجاءه ابن
شراع بالخبر اليقين حين علم بخفايا قصتها معه ، وهو على
استعداد لتقديم كل ما لديه ليكسبها بأكملها له زوجة وحبيبة
وأم لأبنائه الذين يرفض أن تربيهم امرأة أقل منها .
توقفت خطواته أمامها مباشرة مما جعل ضربات قلبها المجنونة
أساساً تزداد شدة حتى كانت أكيدة من أنها انتقلت له عبر الأرض
تحتها وشعر بها فأخرجت يديها من خلف جسدها ورحمت
أظافرها من الاحتكاك البطيء بخشب الباب وضمتهما لبعضهما
ولم ترفع رأسها تشعر بكل ذرة في جسدها تصرخ متوسلة إياها
لتفتح الباب وتفر هاربة من هنا تنظر لأصابعها وبقايا رسوم
أزهار الحناء الباهتة عليها والتي تكاد تختفي ، ومنعت نفسها
بصعوبة من فعل ذلك حقيقة ما أن امتدت يده ليديها وأمسك
بإحداها بينما ارتفعت يده الأخرى للجدار بجانب الباب ولامس
بأصابعها زر الإنارة الذي جعل الغرفة تغرق في الظلام التام
فشدت شفتيها بأسنانها بقوة تكاد تبكي توتراً وخوفاً أو لا تعلم
كراهية لكل هذا إن أمكن !
وما أن سحبها من يدها ببطء تحركت من مكانها خطوتين تشعر
بقدميها تتخدران حتى كانت تكاد تعجز عن حملهما والسير
وتجمدت مكانها ورفعت وجهها وعيناها بصدمة ما أن انفتح
الباب خلفها واستدار رأسها تباعاً ناحية الذي كان قد أصبح
بجانبها تقريباً بسبب خطوته الواسعة نحو الباب الذي فتحه ورأت
بوضوح ملامحه حين واجهه النور القوي المنبعث من الباب
أمامه والتي كانت مسترخية تماماً وإن لم تحمل أي تعابير
أخرى !!
وازدادت دهشتها حين تحرك مجدداً يسحبها من يدها معه وغادر
بها الغرفة بخطوات واسعة جعلتها تتبعه مسرعة متوجهاً للباب
الذي غادرته قبل قليل وفتحه ودخل بها ووقف مكانه وأدارها
حتى أصبحت تقف أمامه مباشرة تتلقف أنفاسها المرتجفة لا تعلم
بسبب سيرها مسرعة خلفه أم انفعالها السابق الذي يكاد يجعلها
تسقط مغشياً عليها ؟ بينما تعلق نظرها بعينيه ما أن قال وقد
حرك رأسه مع كلماته
" ليس هكذا .... ليس وأنت مكرهة يا جليلة "
فانفجرت شفتاها وأصبح صراعها مع أنفاسها المضطربة يزداد
حدة وأرادت أن تتحدث لكنها عجزت عن قول أي شيء بل لم تكن
تعلم ما ستقول أساساً ! بينما لم ينتظر الواقف أمامها ذلك منها
وقد تابع بجدية وسبابته تشير حيث غرفته خلف الجدار
المحاذي له
" كان بإمكاني فعل هذا منذ الليلة الأولى لك هنا لكني أرفض
النوم مع امرأة كجسد بلا روح تؤدي فقط واجبها نحوي إن
مجبرة أو حتى صاغرة مثلك الآن "
وأنزل يده وتابع ولازال ينظر لعينيها التي توقفت تماماً عن العمل
وتجمدت حال باقي جسدها
" لا يمكنني أخذ حقي منك لأوليك ظهري وأنام دون أن أهتم
للدموع التي أعلم بأنها تُسكب من عيناك حينها ، لا أريد هذا
وإن كانت النتيجة أن لا ألمسك مطلقاً "
ولم يكن يعلم بأنه فعلها حينها والدموع الحارة تملأ عيناها وخرج
صوتها أخيراً هامسة بخفوت
" لما تزوجتني إذاً ؟ "
فابتسم يزيد من رصيد ألغازه لديها وارتفعت يداه لوجهها وأمسكه
بهما يمرر إبهاماه تحت جفنيها الواسعان يمسح الدمعة التي لم
تتعدى رموشهما الكثيفة وقال
" لا أراه الوقت المناسب لأجيب عن سؤالك هذا لكن ثمة جواب
وتفسير له بالتأكيد وسأخبرك عنه في الوقت المناسب لكلينا "
وما أن أنهى عبارته تلك نزلت يداه ببطء نحو عنقها وهو يدنيها
منه وأغمضت عيناها الدامعة ما أن شعرت بملمس شفتيه على
جبينها قبل أن يختفي كل ذلك معهما .. ملمس يديه وجوده
الطاغي وحتى رائحته اختفوا جميعهم وتركها واقفة مكانه تراقب
الباب الذي خرج منه بعينين دامعة سرعان ما تدلت القطرة
المالحة من أطرافها في خطين مستقيمين وهوت جالسة على
الأرض ودفنت وجهها في ذراعيها فوق السرير قربها تبكي
بصمت يتحرك معه كتفاها بقوةِ عبراتها المكتومة .
*
*
*
اقتربت من الباب الزجاجي العاكس ونظرت من خلاله وكأنها
تتوقع أن تجد سيارته هناك لأنه يجلس فيها منذ وقت يرفض
النزول ! لكن أفكارها الساذجة تلك أيضاً كانت أبعد عن الواقع
بأميال عديدة ولا أثر له ولا لسيارته وقد تأخر الوقت ولم يرجع
بل ولم يزر المنزل منذ غادر غاضباً من هنا .
ابتعدت عن الباب لكنها لم تستطع العودة للمكان الذي خرجت منه
لأن صاحب الكرسي الكهربائي الذي سمعته يقترب أصبح هنا
ورآها وانتهى الأمر وهي من كانت تظنه نائماً كحال البقية ..!
هذا إذا ناموا ولم يكونوا مثله ومثلها لم يغمض لهما جفن حتى
الآن .. والغريب في الأمر أن هذه ليست عادته ولا تطابق النظام
الصحي الذي يتّبعه حسب وصايا الأطباء والتي السهر ونقص
ساعات النوم مخالف لها تماماً ! مما يعني أنه ثمة ما يؤرقه
وجعله يفقد أي رغبة في النوم مثلها ؟ وياله من سؤال أحمق
بالفعل فهل ما حدث وعلموا به يترك أي رغبة في النوم ؟ .
ارتفعت يدها ولا شعوريا لحجابها تتأكد من أنه لازال مكانه
وحمدت الله أنها خرجت به فهي لا تفعلها وتخرج من دونه وفي
أي وقتٍ كان بوصايا من رعد ويبدو معه حق .
أخفضت نظرها حياءً ما أن قال الذي أوقف كرسيه على مبعدة من
مكان وقوفها
" ألم يعد بعد ؟ "
فحركت رأسها في إيماءة خفيفة ودون أن تتحدث وسمعت
بوضوح تمتمته المتضايقة وإن لم تفهمها ووصلها صوته
الجاد مجدداً
" هل اتصلت به ؟ "
فشعرت بخجلها منه يزداد أكثر فرماح شخصية تراها مختلفة عن
شقيقه رعد وقد يكون نظام عمله العسكري سابقاً السبب !
حتى أنها قلما توجه حديثاً له بل وفي الضرورة فقط بينما لا يفعل
هو ذلك وطوال الفترة التي عاشتها هنا وإن قصرت مدتها فلم
يتواجدا معاً في مكان واحد ولم يتبادلا أطراف الحديث وهذه المرة
الأولى التي يسألها عن أي أمر يخصها وكل ذلك جعلها تغرق في
خجلها الآن بل وبصعوبة خرجت الكلمات التي لا تعلم كيف وصلت
له وسمعها لانخفاضها
" لا ... لقد خشيت أن يكون مستاءً ولا يعجبه هذا "
ولم تضف حرفاً ولم يعلق هو بشيء أيضاً مما جعلها ترفع نظرها
له وحدقت بتوجس في الهاتف الذي أخرجه من المكان المخصص
له في كرسيه وشعرت بالخوف بسبب ملامحه العابسة التي لا
تنذر إلا بإحتمال شجار قريب بين الأخوين سببه هي ، وتأكدت
شكوكها حين قال بجدية هي أقرب للحدة ما أن أجاب من في
الطرف الآخر
" أين أنت ؟ "
وارتفعت يدها لشفتيها ما أن قال بضيق
" لا شيء بنا .. هل للمشاكل فقط سنطلبك ونسأل عنك ؟ "
ويبدو أن مزاج من في الطرف الآخر لم يكن بأفضل منه فقد أجاب
عليه سريعاً وبضيق أشد هذه المرة
" لا بالطبع لست طفلاً وليست المرة الأولى وليس من أجلك
اتصلت بل من أجل زوجتك التي لم تفكر يا راشد بأنها ستكون
قلقة عليك ولم تعنيك لا هي ولا ابنك منها "
فأنزلت رأسها للأسفل حتى كاد أن يسقط بين كتفيها وشعرت
بنفسها ستغرق في ثيابها خجلاً توبخ نفسها بكل ما تعلمه من
كلمات عربية وثنانية ، وارتفع رأسها ودون شعور منها ما أن
وكما يبدو تغير مجرى حديثهما عن شخص آخر فقد قال الذي
أصبح يوليها جانب وجهه بعدما أدار كرسيه وقت بدء مكالمته
" وتذهب لمنزله لما ؟ من الطبيعي أن يرفضوا إدخالك هناك "
وهنا علمت بأنه يبدو حاول الوصول لشقيقته حيث تكون الآن
وراقبت بتوجس الذي عاد للتحدث قائلاً بحدة
" هذا وأنت لا تريد التدخل في الأمر برمته كما تقول ..؟
أم ذاهب فقط للشجار معها وتوبيخها ؟ "
غرست أسنانها في طرف سبابتها المثنية توبخ نفسها على كل ما
يجري الآن لأنها السبب فيه ، وسرعان ما عادت وأبعدتها
وملأت الدموع عينيها ما أن قال وهو يدير كرسيه مجدداً ليوليها
ظهره بل وبكلمات غاضبة هذه المرة
" لا لست أناقض نفسي ولم أقل بأنها لم تخطئ لكننا جميعنا
معرضون للخطأ في حياتنا أم أنك ترى ما فعلته الثنانية وهي
تهرب من قبائلها وأشقائها بل والرجل الذي يفترض بأنها
ستتزوجه وهي تفر لرجل آخر غريب عنها أمر واقعي ومباح
لديك لكن ما فعلته غسق لا ؟ "
ولم تعد تستطيع سماع كل ما يقول بوضوح بسبب الطنين المرتفع
في أذنيها ترفع ظهر أصابعها لشفتيها بينما قال بعد صمت لحظة
يستمع للهجوم الحاد في الطرف الآخر
" أنت من تتوقف عن خلط الأمور وتعود للمنزل الآن ، لا أريد
أن تكتشف عمتي غيابك أيضاً وتقلق عليك هي الأخرى "
" وداعاً "
قالها جافة حازمة لا تعلم لأن المكالمة انتهت أم أنه أنهاها
من نفسه ؟
بل ولم يتسنى لها معرفة المزيد لأنها كانت قد اجتازته مغادرة
حينها كي لا تكون في مواجهته ويكفيها ما تسببت به حتى الآن
لغيرها ولنفسها أيضاً .
وما أن دخلت غرفتها نزعت حجابها ورمته حيث جلست على
طرف السرير وكتفت ذراعيها لصدرها تنظر للأرض تعاند
بصعوبة دمعتها عن النزول ووقفت على طولها حين دار مقبض
الباب ونظرت باستغراب للذي دخل منه يمسك سترته في يده فلم
تكن تتوقع بأنه كان قريباً هكذا ! أبعدت نظرها عنه تمسح عيناها
والدموع التي لم يترك لها وقتاً لتمسحها قبل قدومه الذي لم
تتوقعه سريعاً هكذا !
ووقع نظرها على حذائه الجلدي اللامع حين وقف أمامها ورمى
سترته على السرير خلفها أولاً وأمسك وجهها ورفعه له وهمس
بعتاب رجولي رقيق
" آستريااا !! "
وكان همساً معاتباً غلفه الكثير من الرقة جعل عيناها تمتلئ
بالدموع مجدداً وهمست ببحة وحزن
" لقد خرجت مستاءً من هنا ولم تعد وأقلقتني عليك "
مسحت أصابعه الدموع عن وجنتيها قائلاً
" كنت مع صديق لي توفي والده الذي تم إدخاله اليوم للعناية
المركزة ولم أستطع المغادرة وتركه وإن لم يكن وحيداً
في المستشفى "
أمسكت يده التي لازالت تحضن وجهها وقالت ونظراتها الحزينة
الدامعة لازلت معلقة في عينيه
" لماذا لم تتصل وتخبرني بأنك ستتأخر والسبب وراء تأخرك "
لامس ابهامه طرف أذنها ولازالت أصابعها تحضن يده جهة فكها
وقال بابتسامة كم كان واضحاً جهاده المستميث لترتسم
على شفتيه
" لم أكن أعلم بأن لك أفكار حمقاء كرماح لكنت أخبرتك "
اعترفت مقرة بندم واضح
" كله كان بسببي ... أنا آسفة حقاً "
جعل ذاك ملامحه تتبدل لجمود أوجسها وقال بنبرة لم تختلف
قَط عن ملامحه
" كنت بقربه حين تحدث معي ؟ "
ولم تجد مفراً من الاعتراف وأومأت برأسها دون أن تتحدث ولم
تستطع الكذب عليه فقد يكتشف الأمر لاحقاً ، وبعيداً عن كل ذلك
هي منذ اعتنقت هذا الدين وعلمت بأنه يحرم الكذب عاهدت
نفسها أن لا تفعلها مطلقاً ، نزلت دموعها ورغماً عنها حين
حضنها لصدره بقوة تحيطها ذراعاه القويتان وقال بهدوء حزين
" لا تغضبي مما قال حبيبتي فرماح هذا طبعه ما في قلبه على
لسانه ولم يقصد جرحك بل تذكيري أنا "
ابتعدت عنه تمسح دموعها وقالت بحزن تتجنب النظر له تنظر
لأصابعها من بين دموعها
" لم يقل شيئاً لا وجود له ولم يكذب أو يبالغ ، أنا نفسي ما كنت
لأستطيع ولا إبداء أي رأي فيما حدث لأني أعلم بأني تهورت بما
يفوق ما يحدث معها هي الآن بكثير وكدت أفقد شرفي وأتسبب
بحروب كثيرة سببها غضب الثنانيين واليرموك التي قُدمت ثمناً
لتحريري "
ورفعت نظرها له ما أن تنهد بعمق وقال شارداً بعينيه
الحزينتان للبعيد
" أنت لم تخطئي آستريا لأنك فررتِ من هموم واقعك للرجل
الذي تحبين لكن غسق تفر من الرجل الذي تحبه لهموم واقع
لا تعلمها "
شعرت بغصة مؤلمة في حلقها لا بل في قلبها بسبب ما قال وزاده
أن أضاف وهو يرفع نظره لها وبنبرة حزينة
" ومن أجل هذا أنا أخشى عليها وها هو يمنعنا نحن عائلتها
من الوصول لها جميعنا "
فملأت الدموع عيناها مجدداً ليس بسبب ما قال فقط بل والحزن
والطريقة التي قالها بها فهل يفعل مطر شاهين ذلك فعلاً ؟
لكن ما غرضه من ذلك ؟!
قالت بأسى حزين تنظر لعيناه التي عادت لتحدق في الا شيء
" كم أتمنى من الله أن تخيب ظنونك وتتغير حياتها للأفضل
وتسعد فيها فيبدو أنها تعبت وتعذبت كثيراً "
وأغمضت عينيها بألم ما أن حضنها مجدداً يشد ذراعيه حول
جسدها وقال بلمحة حزن واضحة آلمت قلبها قبله
" أجل تعبت كثيراً وكثيراً جداً والكارثة أن جميع همومها تلك
كان سببها الفراق الذي تسعى له الآن "
*
*
*
|