لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-04-20, 08:21 PM   المشاركة رقم: 1501
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

مسح وجهه بكفيه يسحب لصدره نفساً عميقاً قبل أن يمسك

خصره بيديه ونظر لضابطا الشرطة اللذان وقفا أمامه بعدما

انتهت مهمتهم وقال أحدهما

" بما تأمرنا أيضاً سيدي ؟ "

قال من فوره

" اتصلت بأدريان وسيتكفل بكل شيء حتى أكون معكم هناك ،

خذو شهادة الحراس وأضيفوها لمحضر الجريمة "

أومأ له أحدهما موافقاً وقال

" وماذا عن الموجودين هنا ؟ "


حرك رأسه برفض قائلاً

" ليس الآن يا برايدن سنتدبر أمر هذا فيما بعد "

وتابع ينقل نظره بينهما

" سأكون في مكتبي بعد ساعة أو اثنتين وسننهي باقي الإجراءات

القانونية .. أنا أعتمد عليكم الآن وحتى وصولي إلى هناك "

ربت الأقرب في وقوفه له على كتفه وقال بحزن

" لا أعلم ما الذي تقولونه في مثل هذه المواقف ؟ "

فأخفى الحزن في عينين بانسدال جفناه ببطء وهمس بوجوم

" ليرحمه الله ... شكراً لكما "


فغادرا من فورهما ليلتحقا بالفريق الذي كان في انتظارهم بينما

من تركاه خلفهما كان لازال واقفاً مكانه نظره الشارد بحزن لم

يفارق الأرض تحته لازالت صورة شقيقه الغارق في الدماء لم

تفارق مخيلته وشعر بمرارة لا يفهم معناها وشريط حياته أو ما

جمعه به منه يمر أمامه ببطء .. وتلك تعويذة أخرى للموت

تشعرك بأنك لم تفكر يوماً بأنه قد يأخذ ذاك الشخص من

حياتك ليصبح لا وجود له !

لم تكن علاقته بشقيقه ذاك حسنة ومنذ صغرهما لكنه لم يكرهه

يوماً .. الحاجز الوحيد الذي زاد تلك العلاقة سوءاً هي زيزفون

ومنذ أن أصبحت زوجة له وبقرار مجحف لا يفهم كيف لجده أن

يتخذه ! وزاده ضربه القاسي لها ثم قراره بتحويلها لنسخة عنه

مستغلاً ما علمه عن شقيقها وقضيتها وتضحيتها من أجله ، لكن

كل ذلك لم يجعله يفكر في لحظة أن يتمنى له الموت أو أن يكون

هذا مصيره بالرغم من أنه مصير البشرية جمعاء لكنه بالفعل أكبر

حقيقة يعيشها الإنسان على أنها أكذوبة ليس لها وجود .

رفع نظره وأدار وجهه جانباً حيث تجلس زوجات والده بعيداً في

إحدى صالونات بهو المنزل الواسع ووالدة رواح تحضن والدة

نجيب المنهارة في بكاء مستمر وندب منذ وقت حتى أن سبها

وشتائمها لمن كانت تنعتها بالقاتلة لم تتوقف حتى الآن بينما

كانت والدة ضرار تجلس بجانبها تنظر لها بحزن فلم تستطع

تخطي الصدمة حتى الآن وبالرغم من كل ما قالت وفعلت حتى

أنها هاجمت زيزفون وقت تواجدهم في الغرفة التي نقلت منها

جثة ابنها وحاولت ضربها وقد نجحوا في إبعادها سريعاً حيث أن

ضحيتها لم تفكر ولا مجرد التفكير في الدفاع عن نفسها ..

وتلك إحدى نوادرها بل والأغرب على الإطلاق !

تحول نظره منهن ناحية جده والجالس بعيداً عنهم يجمع كفيه في

قبضة واحدة ويتكئ بجبينه عليهما وكأنه يحمل هموم العالم أجمع

فوق رأسه .. وهو هم كبير بالفعل ولا يعلم هو نفسه كيف لازال

واقفاً على قدميه حتى الآن ؟

صوت صفير سيارة الإسعاف التي تحركت في الخارج جعل صوت

نحيب وبكاء زوجة والده يزداد وهي تقرر توديعه لآخر لحظة

يوجد فيها هنا وإن كان في سيارة خارج المنزل ! فتحركت

خطواته ناحية جده والذي لازال على حاله السابق لم يغيره وكم

تمنى أن علم ما يفكر فيه أو ما يخطط له .. تسليمها للقضاء أم

للمصح النفسي مجدداً ؟ فمؤكد هما حلاه الذي لا ثالث لهما وهذا

ما لن يسمح به مطلقاً وإن خالف القانون الذي أحترمه

طوال حياته .

" جدي "


كان همسه خافتاً كئيباً لكنه متأكد من أنه وصل له ، وحين لم

يرفع رأسه أو يبدي أي ردة فعل تابع بصوت منخفض هادئ

" سأغادر لمبنى النيابة بعد قليل وسأعمل جهدي لتركها هنا

حتى تنتهي القضية والتحقيقات "

" ثم ماذا ؟! "

شعر بكلماته المختصرة تلك والتي همس بها دون أن يرفع رأسه

تخترق قلبه كسكين حاد يشبهها تماماً ( قاسي وصلب وبطيء )

فاشتدت قبضتاه بجانب جسده بقوة وقال ونظره على الرأس

بالشعر الرمادي الذي لم يرتفع بعد وبكلمات حازمة قوية
" لن تدخل السجن وإن دخلته أنا مكانها "

رفع حينها رأسه ونظر له للأعلى نظرة قوية غاضبة بل ووقف

على طوله أيضاً فسبقه من قبل أن يفكر في التحدث بل والصراخ

بغضب كما يجزم وقال بجدية وصوت منخفض

" هي لم تفعلها جدي "

ولم يستغرب قَط نظرة الاستنكار التي رآها في عينيه وكأنه

مجنون يتحدث أمامه ويقول مالا يصدقه العقل وقال بضيق ما

أثبتته عيناه

" جننت بالتأكيد ؟ من فعلها إذاً ؟ كيف ستثبت هذا وثمة شهود

كثر هنا ؟! "


انحبست أنفاسه في صدره وقال يخرجها مع كلماته ببطء

" لن أعجز عن كتابة مذكرة تدينني إن أردت "

كانت نيران الغضب واضحة في عيني الواقف أمامه ولن يتوقع

غير ذلك وهو يخبره صراحةً بأنه سيتحمل الجريمة بدلاً عنها

فسبقه مجدداً وقبل أن يفكر في التعليق على ما قال قائلاً

بجدية وعناد

" ولن يحتاج الأمر فهي ليست الفاعلة "

" وقااااص "


وكانت تلك الصرخة العالية بإسمه فقط ما بدر عنه ينظر له

بغضب قاتل ولم يتركه يضيف حرفاً آخر وهو يغادر من أمامه

بإتجاه الممر المؤدي لجناحه فأطلق نفساً قوياً غاضباً ونظر

بإتجاه من جذبهم صوت جده الصارخ .. أو معظمهم فوالدة

نجيب لازالت تخفي عيناها في كف يدها التي سندت مرفقها

بمسند الأريكة الجالسة عليها وجسدها يهتز للأمام والخلف مع

صوت نحيبها المرتفع فتحرك أيضاً من مكانه لكن في الاتجاه

الآخر وسلك ممر آخر وقادته قدماه فوراً بإتجاه باب الغرفة

المفتوح ووقف أمامه ووقع نظره وعلى الفور على الجالسة فوق

سريرها تحضن ذراعاها ركبتيها لجسدها بقوة بينما تحدق

مقلتاها الزرقاء الباهتة في الفراغ .. جامدتان ميتتان وكأنها

صوره معلقة على الجدار حتى جفنيها لا يصدران أي حركة

ومنفصلة عن كل ما حولها وكأنها في غيبوبة عميقة بالرغم

من أن عيناها مفتوحتان ! نزل نظره للمكان الذي كان منذ

دقائق ثمة جسد غارق في دمائه ملقى عليه واختفى كل ذلك

سوى من رائحة الدماء التي لازالت تفوح فيه تشعرك

بالاختناق .

تحركت خطواته نحو الداخل ببطء ونظره لم يفارقها حتى جلس

على طرف السرير قرب قدميها الملتصقتان ببعضهما ونظره لم

يفارق وجهها وملامحها الجامدة تماماً وارتفعت يده رغماً عنه

ودون أن تستأذنه وبالكاد لامس إبهامه وجنتها حتى سحبها بعيداً

عنها وكأنه يتأكد بأنها مخلوق بشري بالفعل وليست تمثال

شمعي جامد ميت لا حياة فيه !

غضن جبينه باستغراب ما أن وقع نظره على جانب عنقها حيث

الإحمرار الخفيف وأثر يشبه غرزات أسنان !!

وارتفعت نظراته مجدداً لعينيها المحدقة في الفراغ يحاول أن يجد

عاملاً وحيداً يربط كل هذه الأمور ببعضها .. ؟

شهادة الحراس ونافذة الغرفة المفتوحة وهذا الأثر في عنقها كما

الخدوش البسيطة في الجانب الآخر من وجهها وعنقها بل وكتفها
ولم يسمع أحد خارج المنزل ولا داخله صوت صراخها !

والمسدس !!.

ارتفعت يده لليد المقابلة له من يديها المشدودتان حول ساقيها

والتفت أصابعه حولها وقال بهدوء ناظراً لعينيها

" أنا بجانبك يا زيزفون ولن أتخلى عنك أبداً "

وراقبت نظراته ملامحها الجامدة التي لم ويبدو لن يصدر عنها اي

رد فعل حتى يئس تماماً قبل أن تخون توقعاته وتحركت شفتي تلك

الصورة الميتة أخيراً وببطء قاتل لكنه أكثر رحمة من همسها

الذي خرج جامداً منخفضاً

" أنا من قتله "


فأنزل رأسه وضغط أصابعه يزداد قوة على يدها وأغمض عينيه

بألم .. لا بل بقهر فها هو التاريخ يعيد نفسه لتدفع بنفسها مجدداً

للتضحية من أجل من هم أهم لديها من نفسها فمن سيكون هذه

المرة ؟! من هو ولما !!

تركت يده يدها وهو يقف بينما نظراته تأبى ترك ملامحها ولم يعد

يعلم متى ستكون تلك المرة الأخيرة التي سيراها فيها فلا تبقي له

سوى ذكراها مطبوعة في عقله يطاردها بين أطياف من رحلوا

عنه ولأسباب متفرقة ؟


أغمض عينيه وتنهد نفساً عميقاً واستدار قبل أن تلتقطها نظراته

مجدداً وبالتالي تطيع قدماه قلبه ويعجز عن الابتعاد والمغادرة .

غادر الغرفة وإن ترك قلبه هناك خلفه فثمة مكان آخر يحتاجه

أكثر الآن ومن أجلها أيضاً ، وما أن وصل بهو المنزل والمكان

الذي لم يختفي منه صوت النحيب والبكاء بعد صعد السلالم

المؤدي للطابق الثاني من فوره بل ولباب جناحه ما أن كان في

الأعلى وفتحه ودخل وأول ما وقع نظره عليه باب غرفتها المغلق

وتساءل كيف لم تجعلها كل تلك الأصوات والجلبة تخرج بل ولا

صوت إطلاق النار !!

لو كانت غادرت المنزل كما كانت تنوي لكانت والدة رواح

أخبرته في اتصالها ذاك !

توجه ناحيته بخطوات سريعة واسعة وفتحه على اتساعه ما أن

وقف أمامه وغضن حبينه ينظر باستغراب لجسدها المنكمش

تحت اللحاف الحريري الناصع البياض والمطرز بخيوط من الذهب

ولا يظهر منها سوى خصلات من شعرها الأسود الناعم قد تناثرت

من تحته ، تركزت نظراته المستغربة على طاولة السرير وهو

يدخل الغرفة حتى وصل لها ورفع علبة الدواء المنوم من عليها

يقلبها ينظر للمكتوب على الملصق الخاص بها قبل أن يرميها

على الطاولة الخشبية حيث كانت وغادر تاركاً باب الغرفة مفتوحاً

وتوجه ناحية مكتبه هناك وجمع بعض الأوراق التي دسها جميعها

في ملف واحد وثناه ممسكاً إياه بيد واحدة وغادر مجدداً فعليه أن

يكون في مبنى النيابة سريعاً ويشرف بنفسه على كل ما

يخص القضية .

نزل السلالم بخطوات سريعة وما أن كان في الأسفل اقترب من

الجالسات مكانهن هناك ووقف على مسافة خلفهن ونادى

بصوت منخفض

" خالتي "

فالتفتت والدة رواح ناحيته سريعاً فوحدها من تحمل ذاك اللقب

في المنزل الكبير بساكنيه القلة ووقفت من فورها وتحركت

نحوه وما أن وقفت أمامه أمسك بذراعها وابتعد بها قليلاً عن

الجالستان هناك وقال بصوت خفيض ينظر لعينيها الدامعة

" لا أوصيك على زيزفون ، قومي بزيارة غرفتها من حين

للآخر وكوني قريبة منها حتى أرجع "

وحين لم يبدر منها أي رد فعل ولم تتغير ملامحها الكئيبة ولم

تتحدث قال بضيق

" خالتي زيزفون شهدت أكثر من جريمة أمامها في طفولتها

أسوأها موت والدتها محترقة أمامها وأضيفي له جدتها وزوج

والدتها ، وحتى الرجل الذي اعتنى بها طفلة لفظ أنفاسه الأخيرة

أمامها هي وزوجته "

فنظرت له بدهشة تغيرت معها ملامحها السابقة جميعها

فقال بإصرار

" كوني بقربها أو اطلبي من إحدى الخادمات أن تلازم غرفتها ،

أخشى أن تنهار أو تؤذي نفسها لكنها لن تؤذي أحداً ثقي بذلك

كما أني أكيد من أنها ليست من قتل نجيب "

نظرت له بحزن على مشاعره التي لا تتغير نحو تلك الفتاة ليس

إلا والتي جعلته لا يرى أي حقيقة تدينها أمامه وقالت بتعاسة

" من إذاً والمسدس كان في يدها ؟ "

تنهد بضيق وقال

" ليس هذا وقت الحديث عن الأمر خالتي فقط افعلي ما

طلبت منك اتفقنا ؟ "

أومأت له بحسناً دون أن تتحدث فشكرها هامساً وغادر من فوره

ناحية باب المنزل المفتوح نظراتها الحزينة تتبعه وتنهدت

بحزن متمتمة

" أعانك الله على قلبك بني "


*
*
*

فتحت عيناها ببطء وغضنت جبينها تنظر للواقفة منحنية فوقها

تمسك كتفها الذي كانت تهزه بحركة خفيفة منذ قليل وقد قالت

وهي تبعد يدها عنها

" آنستي السيد مطر وصل منذ قليل "

فقفزت واقفة على طولها خارج السرير فهي لم تشعر بنفسها ولا

حين نامت منكمشة فوق سريرها وهاتفها موضوع أمام وجهها

تحدق فيه بحزن وعينان دامعة حتى نامت ولهذا لم تسمع صوت

سيارته وهي تدخل أسوار المنزل وتقترب منه كما لم تكن تعلم

وقت عودته وكم ستطول رحلته تلك ، وبعد أن عاد جدها لسجن

نفسه في غرفته كانت جدران غرفتها الباردة الكئيبة ملاذها

الوحيد ولا شيء لديها سوى انتظار أي خبر يصلها عن أحدهما ،

نظرت حولها بتشتت قبل أن تنظر مجدداً للواقفة أمامها وقالت

" أين هو الآن ؟ "

قالت تلك من فورها

" في غرفته في الأعلى والسيد قاسم وصل معه "

تركتها حينها وغادرت الغرفة بخطوات راكضة تشعر بها تضرب

في قلبها المنفعل بجنون حتى أصبحت في طرف بهو المنزل

ووقف تتلقف أنفاسها تنظر للواقف هناك يديه في جيبيه وقد نظر

اتجاهها نظرة لم تفهمها أو لم تستطع تفسيرها ! ولم تنتظر أيضاً

ليفعل عقلها ذلك وهي تقترب منه ونظراتها معلقة على السلالم

المؤدي لغرفة من علمت بأنه فيها الآن حتى وقفت أمامه ونظرت

حينها لعينيه وهمست بريبة

" علم بالأمر ؟ "

وشعرت بقلبها سحق وبقوة وبجفاف مريع في حلقها وكادت تفقد

وعيها حين أشار برأسه في إيماءة صامتة وتحركت شفتاها في

صمت وكأنها تستجدي الكلمات أن تخرج ولا شيء يصدر منها

سوى أنفاسها الساخنة ولم تعرف تحديداً ما الذي تسأل عنه أولاً؟

ورحمها الواقف أمامها من عناء كل ذلك حين قال بصوت

منخفض كم شعرت بأنها تجهله وكأنها لم تعرفه فيه سابقاً

" لم يفعل أي شيء حتى الآن ، دخل لمكتبه هنا لبعض الوقت

وما أن خرج منه صعد للأعلى وها نحن ننتظر "

ارتفعت قبضتها اليمنى لقلبها وكأنها تمنعه من اختراق أضلعها

وتحطيمها والخروج منها بينما امتلأت عيناها بالدموع في صمت

وقد تعلقت في السلالم الخشبي العريق كتاريخ بنائه مما جعل

الواقف أمامها يخفض رأسه وقد فقد أي شجاعة يمكنها أن

تساعده في إخبارها بورقة المحكمة والموجود فيها لا يعلم رحمة

بها من تتابع الهموم عليها أم رحمة به هو كي لا يرى دموعها

التي تسكبها كالحمم على قلبه ؟

ورفعه واستدار سريعاً ناحية الذي نزل السلالم بخطوات مسرعة

منادياً بصراخ غاضب

" أمااااامة "

وما هي إلا لحظات ودون أن يحتاج الأمر لأن يكرر ندائه مجدداً

خرجت المعنية بالأمر من الباب المؤدي للمطبخ جسدها بأكمله

ينتفض من قوة ارتجافها المذعور ، ولم يحتج الأمر أن يشرح

أكثر من الكلمات المختصرة الصارمة التي وجهها لها ما أن

أصبح في الأسفل

" لديك ما تقولين أم أسأل أنا ؟ "


فارتجف جسدها منتفضاً بقوة وبدأت دموعها بالنزول تباعاً

وانحرفت عيناها تستجدي الرحمة من التي كانت تنظر لها بصدمة

مانعة إياها ليس من التحرك فقط بل ومن قول أي شيء وعلمت

حينها بأن موقفها يزداد سوءاً وعليها خوض حربها الخاسرة

وحيدة فقالت ببكاء تحضن يديها قرب شفتيها المرتجفة

" كا ... كنت ... ككككانت ... "

" تحدثي بسرعة "

صرخته الغاضبة تلك لم تزد الأمر إلا سوءاً فكان يكفيها النظرة

المشتعلة في عينيه لتجعلها تفقد حاسة النطق نهائياً فكيف

بصوته المزمجر بغضب ؟

لكنها تعلم مصيرها جيداً إن هي أصيبت بالخرس الآن فحاولت

التحدث مجدداً وبصوت مرتجف

" كككگ كنت سأخبر الآنسة.... "

" إختصري "

فكان قد أسكتها بذلك وبأمر حازم لكن ليس رأفة بحالها ولا

بأحرفها المتقطعة بالتأكيد وعلمت حينها بأنه يعلم وبطريقة ما

عن أغلب التفاصيل فحاولت تهدئة نفسها لتتمكن من قول ما لديها

قبل أن تتسبب لنفسها بمصيبة أخرى سببها غضبه من خوفها

وتلعثمها وقالت بثبات أفضل قليلاً من السابق وإن كانت أطرافها

لازالت ترتجف

" السيدة غغغسق من طلب منا سابقاً ... أأن نخبرها عن أي

شيء يصل من إنجلترا ، وقد وصل أكثر من طرد و.... "

وقفزت في مكانها وركضت من حيث جاءت حين صرخ بها بأمر

" هاتي الآخر "

وعلمت أن مصيبتها أعظم مما توقع وأنه علم حتى بأنه ثمة آخر

لم يعد هنا في المنزل وقد ناداها هي تحديداً وكأنه كان يراهم !!

لكنها زوجته وما عملته كان بأوامر منها وكم تتمنى أن يشفع لها

ذلك فهي تعلم الكثير عن عدل وشهامة هذا الرجل وإن لم تكن أحد

أبناء شعبه ، كما وتعلم أيضاً عن شخصيته القوية المحاربة التي

وحدت بلاداً كاملاً قد مزقته الحرب لأشلاء وهذا جل ما تخشاه أن

لا ترى منه إلا هذا الجانب .

وكانت لحظات تلك التي مرت على من تركتهم خلفها في أجواء

صامتة مشحونة بضجيج مرتفع وإن لم يكن له وجود !

وبينما كانت نظرات التي فردت كفها وأصابعها على صدرها

بصدمة تنتقل بين والدها وزوجها كانت نظرات قاسم المصدومة

أيضاً مركزة على مطر فقط والذي لم تفارق عيناه الغاضبة المكان

الذي اختفت منه من كانت هنا منذ قليل حتى خرجت مجدداً تحمل

مغلفاً ورقياً بني اللون سلمته إياه من فورها قائلة

بصوت مرتجف

" الحرس هم من أدخلوه سيدي ولا أعلم سبب هذا وكل ما فعلته

هو ما أمرتني به السيدة غسق والحرس لم يمنعوا هذا أنا فقط

أعطيته لها .. "

كانت تتحدث وحكاياتها تتداخل في بعضها بخوف بينما من سحب

المغلف منها بقوة يبدو لم يكن منتبهاً أو مهتماً بما تقول وهو

يقلبه أمام عينيه ومن الإشارة الحمراء الصغيرة بما يشبه الختم

المطبوع والموجودة في أحد زواياه اتضح له بعضاً مما يجهله

وما جعل هذا الشيء يدخل منزله دون الرجوع له ، وبدأت أصابع

يده الأخرى بفتحه بحركة غاضبة وما أن أخرج أول صورة منه

دسها فيه سريعاً وأسنانه تكاد تتحطم من قوة ضغطه عليها

بغضب مكتوم لم تخفيه ملامحه أبداً وأخرج هاتفه من جيبه وهو

يتجه ناحية باب المنزل المفتوح وقال على الفور وهو يجتازه

وقاسم في إثره سريعاً تاركاً التي لم تجتز صدمتها بعد واقفة

مكانها

" صلوني بمكتب وزير العدل وأرسلوا قوة لتطويق منزله

ومراقبته "

وما أن كان في الخارج نظر لعمير الذي كان واقفاً ينتظر خروجه

هناك ومد له شريحة هاتف صغيرة بينما يده الأخرى لازالت

تمسك الهاتف على أذنه وقال بجدية وحزم

" أريد تسجيلاً بجميع المكالمات وليكن هذا تحت إشرافك أنت يا

عمير لا أريد المزيد من العبث "

وما أن أخذها عمير منه غادر من أمامه وركب سيارته وغادر

صرير عجلاتها يصم الآذان من خلفها بينما تركهما واقفان

مكانهما خلفه وقد تبادلا نظرة صامتة ما أن ابتعدت سيارته وقال

عمير بترقب

" ماذا حدث ؟! "

وكان تعلق قاسم المبدئي أن تنفس بقوة محركاً رأسه قبل أن

يتمتم ببرود

" تباً لسذاجتنا يا رجل "

فحدق فيه عمير باستغراب جعل ملامحه تتقلب للضيق بينما قال

الواقف أمامه مشيراً بيده حيث غادرت السيارة السوداء اللامعة

قبل قليل

" فعل في دقائق معدودة ما لم ننم نحن بسببه يومان كاملان

دون جدوى ! "


وتركه وتحرك ينزل عتبات الباب بخطوات قوية قائلا بضيق

" آمنت الآن بأننا لن نفلح في التحكم في شبر من هذه البلاد

بدونه ولسنا سوى أكذوبة "


وضرب باب سيارته بقوة ما أن ركبها وآخر كلماته الحانقة تتبعه

" بل جعل منا أضحوكة لأنفسنا "

وغادرت سيارته على الفور تتبع الذي خرج منذ قليل بينما تنهد

من تركه خلفه بضيق وتحرك ناحية سيارته المتوقفة في الأسفل

أيضاً وغادر من هناك والأمر الوحيد الذي فهمه بأنه لوزير العدل

ذراع في الأمر مما يعني بأنهما سيكونان لديه والدليل هي ورقة

المحكمة .. ويالهم من حمقى بالفعل !! .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 08:24 PM   المشاركة رقم: 1502
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

تأفف أبان هامساً للواقف بقربه يسند يده على الجدار

" كل هذا الوقت من أجل إجراءات تسليم ؟! "

بينما كان تعليق أويس الصمت ونظراته قد انتقلت للجالس على

الكرسي الجلدي يستند بمرفقيه على ركبتيه منحنٍ للأسفل ونظره

لم يفارق الأرض منذ أصبحوا هنا ولم يفهم نوع المشاعر التي

انتابته حينها ؟ فلم تمحى من ذاكرة أياً منهما وليس وحده بالتأكيد

الطريقة التي عامله بها والده ..!

بل ووصل به الأمر أن صفعه أمامهم وكأنه فتى صغير !

وما كان ليتوقع من يمان ردة فعل مغايرة لِما كانت عليه حينها

وما كان لشخصيته أن تترجم ردة فعل مختلفة ليس ضعفاً منه كما

يجزم ولا خوف من ذاك الوالد بل لأنه يحترمه لكونه والده حتى

إن كانا وحدهما فكيف بوجود صديقاه معه ؟

ولن يستغرب هذا قطعاً بعد تعامله مع المدعوة مايرين فأقل ما قد

يفعله بها هو إن كان مكانه أن يجعل قصتها على كل لسان قبل

أن يطلقها ويرميها في الشارع لتتعلم معنى أن تترك زوجها نائماً

وتغادر منزله تتنقل كل ليلة في الأراضي المليئة بالرجال

والعمال .


نظر ثلاثتهم للباب الذي انفتح أخيراً وللذي قال ينظر تحديداً

ليمان الذي وقف على طوله

" اتبعني لتأخذهما معك "

فتحرك من فوره وخرج يتبعه وكلاهما خلفه حتى أصبحا يسيران

بجانبه ودخلوا المصعد معاً وقد ارتفع بهم من فوره طابقين

متتاليتين في صمت لا يسوده سوى صوت ضجيجه الكهربائي قبل

أن يفتح بابه من جديد وخرجوا خلف من خرج أولهم وساروا

خلفه عبر رواق طويل أغلب أبوابه كانت مفتوحة لم تستهوي أيا

منهم للنظر ناحيتها حتى وصلوا للباب الذي وقف أمامه دليلهم

هنا وأمسك مقبضه بيده اليسرى وفتحه على اتساعه ومن دون

أن يتركه من يده ونظر ليمان الذي تقدم ناحية الغرفة أولهم ولحقا

هما به من فورهما ليظهر لهم السريران الحديديان الموجودان

بالغرفة الخالية سوى من طاولة تشبهما وسرق انتباههم فوراً

الجالسان فوق أحدهما ملتصقان ببعضهما وأحدهما يمسك هاتفاً

في يده بينما ينظر الآخر له معه منشغلان به تماماً قبل أن يرتفع

رأسيهما ونظرا جهة الباب ما أن دخلوا وقد صرخا معاً مغادران

السرير ركضاً

" يماااااان "

ووصلا له في الوقت ذاته بينما جثى هو على ركبتيه واستقبلهما

في حضنه يشد ذراعيه حولهما بقوة ورأساهما مدفونان كل في

جهة من عنقه في مشهد جعل الواقفان خلفه يراقبانه بابتسامة

معبّرة وكأنها نسخت على وجهيهما ...!

كانا توأمان بالفعل فحتى طولهما متقارب بشكل كبير بل حتى

جسميهما وشكليهما والشعر الأسود الناعم الذي يحف حاجبيهما

الرقيقان بينما وصل طوله من الخلف لياقة قمصانهما ينزل

بنعومة الحرير .. الإختلاف الوحيد كان في لون العينين ففي حين

كان لأحدهما عينان رماديتان كوالده وشقيقيه كان الآخر بعينان

سوداء ، يرتديان بنطلونا جينز وبينما كان أحدهما يلبس معه

سترة جينز من الأعلى كان الأخر يرتدي قميص جينز مفتوح

أيضاً وتحته قميص أبيض مغلق بياقة مفتوحة كما شقيقه تماماً .

وما أن أبعدهما عنه تمسح يديه على رأسيهما قال أحدهما بحزن

" أين أنت ذهبت وتركتنا يا يمان ويمامة أيضاً ؟ "

فابتسم بحزن لم يختفي من عينيه وقال ويده تمسح على شعره

الأسود الحريري

" أنا لم أترككما كنت فقط أعمل في الجنوب وها قد عدت "

قال الآخر بحزن أعمق

" لما نحن نائمان هنا ؟ أين هي والدتي ؟ "

وكان ذاك السؤال الذي دمر البقية المتبقية من صموده وحضنهما

مجدداً ولم يستطع منع دموعه من النزول ولا بنشيجه الرجولي

الباكي من الخروج يحضنهما بقوة فمهما كانت معاملة تلك المرأة

له ولشقيقته سيئة في الماضي إلا أن فكرة موتها موجعة خاصة

ووالده يعترف بقتله لها وتبقى والدتهما وتحبهما ويحبانها

وحسنتها الوحيدة أنها لم تجعلهما يكرهان شقيقاهما أبداً ، وهو

من سبق واختبر معنى اليتم والحرمان من حنان الأم وعطفها

ووجودها ويفهم معنى ما يمران وسيمران به حتى حين يصبحا

رجلان فكيف وقصة قتلها ستتبعهما أبداً ما عاشا ، وكم حمد الله

أنهما لم يرياها مقتولة ولا كيف قُتلت .

يد أبان التي مسحت على كتفه بحنو يهمس له بحزن أن يذكر الله

ويسترجع نيابة عنهما جعلته يبتعد عنهما مجدداً ومسح الدموع

من وجهه في كم قميصه وأمسكت كل يد من يديه بكتف أحدهما

وخرج صوته مبحوحاً متأثراً ببكائه السابق بينما نظره ينتقل

بينهما

" أتذكران ما كان جوابي حين سألتماني عن والدتي ووالدة

يمامة ولما ليست ذاتها والدتكما ولسنا أيضاً إبنان لوالدتكما ؟ "

كانت إشارة صامتة من رأسيهما هي الرد المبدئي ينظران له

بحزن قبل أن يقول أحدهما

" هي تحت الأرض وطارت في السماء "

شقت ابتسامة وجهه الحزين وقال

" هذا فقط ما حفظتماه ؟! "

ومسحت يداه على شعريهما الشديد النعومة وقال بكل ما استطاع

من قوة وصمود

" أخبرتكما أن الله خلقنا ويرانا دائماً وهو فوق السماء وجميعنا

يوماً ما ستصبح أرواحنا لديه هناك ويدفنوننا تحت التراب حين

نموت "

فملأت الدموع العينان الرمادية والتي همس صاحبها بحزن

" هل ماتت والدتي ؟ "

فشعر بقلبه تمزق وبعنف وذاك ما توقعه منه فهو كان دائماً ذكياً

لماحاً ، أمسك وجهه بكلتا يديه وقال ناظراً لعينيه الدامعتان

الحزينتان بحزن أعمق يحاول وبشق الأنفس أن لا يبكي كامرأة

فقدت كل من لها في الحياة

" نحن لا نختار هذا الله من يفعله فقط لأنه يحبنا "

ووقف على طوله ينهي كل ذاك الحديث فمهما شرح ليس لعقلي

صغيران بالكاد قاربا الرابعة من العمر أن يفهماه ، نظر لهما وقال

" هيا سنغادر من هنا الآن "


فركض صاحب العينان الرمادية ناحية السرير الذي كانا يجلسان

فوقه ورفع الهاتف من عليه وعاد به لكن ليس جهة شقيقه

الأكبر بل اجتازهم حتى وصل للذي كان لايزال يقف عند الباب

ومده له قائلاً

" شكراً لك "

فابتسم له وأخذه منه بينما لعبت يده الأخرى بخصلات شعره

الحريري يبعثرها بيده التي لامست قمة رأسه وقال

" أراك قريباً هنا مثلنا كما تمنيت يا بطل حسناً ؟ "

فأومئ له موافقاً ومبتسماً قبل أن يضرب له التحية بيده كما

يفعلون فضحك ولعبت أصابعه بخصلات شعره مجدداً وراقبته

نظراته الباسمة وهو يرجع ناحية شقيقيه وقد أمسك كل واحد

منهما بيد من يديه وخرج بهما من هناك ، وما أن وصلوا

المصعد وجد احتجاجات التوأم الآخر في انتظاره وهو يرفض أن

يدخله خوفاً منه بعد تجربته السابقة حين صعدوا بهما إلى هنا

فاستسلم له نهاية الأمر ونزل بهما من السلالم ورفض أبان وحتى

أويس أن يفترقوا ليجمعهم الطابق الأول واستخدموا السلالم

معهم .

وبدأت الأسئلة التي لا تتوقف وأساسها كان يمامة والتي احتاج

لمسافة السلالم كاملة حتى الطابق الأرضي كي يشرح لهما أنها

أصبحت متزوجة ولن تعيش معهم مجدداً ولا يمكنهما سوى

زيارتها لفترات متباعدة ومرات محدودة .

وما أن أصبحوا في الخارج رفع أحدهما رأسه ونظره لشقيقه

والذي كان يمسك بيده بقوة وتطايرت خصلات شعره الأسود

الحريري وضيق عينيه في مواجهة الهواء القوي بعض الشيء

وقال برجاء طفولي يشبهه

" لنذهب لرؤيتها الآن يمان أرجوك "

فتنهد بضيق وما أن كان سيتحدث سبقه الذي وضع يده على كتفه

وقال بهمس من خلف أذنه

" سيكون هذا أفضل يا يمان فمؤكد يمامة متشوقة لرؤيتهما "

أدار له رأسه ونصف جسده تقريباً ونظر لعينيه وبادله الهمس

قائلاً

" أتركها تعلم بالأمر وما حدث أولاً لا أريد لما حدث المرة

الماضية أن يتكرر "

فأبعد أبان يده ولم يناقشه أكثر وبدا مقتنعاً وإن جزئياً بما قال

ففكرة رحيلها معهم ستتشبث في عقلها أكثر الآن ، قال مستسلماً

نهاية الأمر

" قم بزيارتنا في وقت قريب إذاً "

ونظر بعدها للطفلان المحدقان به ورفع كفه لكل واحد منهما

ليضربه بكفه وقال مبتسماً

" أراكما قريباً في منزل شقيقتكما يمامة يا بطلان اتفقنا ؟ "

وكان كل واحد منهما يحاول جعل ضربته لكفه تكون الأقوى

مبتسمان بينما ادعى هو التأوه متألماً في كل مرة على صوت

ضحكاتهما الفخورة بما فعلاه وغادر بعدها باتجاه سيارته

'بعد أن حياهم جميعاً بيده مبتسماً وراقبت نظراتهم سيارته تدخل

الطريق المزدحم وإن لم تكن السيارات متوقفة فيه تنتظر ونظر

لهما أويس وقال مبتسماً يشير بإبهامه لسيارته خلفه

" هيا بنا إذاً لنغادر "


فقال الذي مد شفتيه بعبوس وقد أشار بسبابة يده الحرة حيث

غادرت سيارة أبان منذ قليل

" لما لم نركب في تلك ؟ إنها أجمل "

فضحك وقال رافعاً كفيه

" وسيارتي جميلة وجديدة لقد كلفتني الكثير لشرائها "

قال يمان بابتسامة صغيرة وإن لم تستطع أن تصل لعينيه

" بالنسبة لهما تلك أجمل لأنها مرتفعة وبعجلات كبيرة ..

هذا هو السبب فقط "


ونظر لهما وقال بهدوء

" علينا الذهاب معه لأنه من سيوصلنا للجنوب .. أبان منزله

ليس هناك حيث منزلي "

" سنذهب لمنزلك ؟ "

كان ( عنان ) وصاحب العينان الرماديتان هو من تحدث الآن

أيضاً بل وصاحب الأسئلة الذكية كما يسميه دائماً فقال يبتسم له

" أجل وثمة أراضي واسعة هناك تلعبان فيها ولديا سيارة جديدة

أيضاً ستركبانها وآخذكما تتجولان بها في أراضي الجنوب فهي

أجمل حتى من أغادير "

قال الآخر ولم يفهم النظرة المترددة التي رآها في عينيه

" هل سيذهب والدي معنا ؟ "

ولم يستغرب قطعاً أن تكون تلك مشاعره ناحية الوالد الذي لم

يحضن أيا منهما يوماً كإبن له بل ولم يروه يبتسم يوماً لأحد ولا

هما ، خاصة مع شخص مرهف وحساس ك ( جاد ) فتنهد وقال

" لا "

قال عنان هذه المرة

" هل مات هو أيضاً ؟ "

نظر له وقال يجاهد نفسه ليكون قوياً صامداً فهو سيجيب عن كل

هذا إن الآن أو لاحقاً

" لا هو لم يمت بل سافر لبلاد بعيدة وسيرجع في أي وقت "


" ماذا عن ثيابنا وحاجياتنا ؟ "

كاد أن يحضن جاد شاكراً لأنه أنهى بذلك أسئلة شقيقه التي لن

تتوقف بالتأكيد وكل واحد منها سيكون أكثر خطورة من سابقه ،

وذاك ما حدث فعلاً فقد قال مبتعداً عن كل ما يخص الأمر

" أجل وسيارتي الجديدة التي أحضرتها خالتي لي "

لكن مهربه يبدو أسوأ من مأزقه السابق فتنهد بعمق ماسحاً

وجهه بيده ونظر لأويس الذي قال بهدوء

" هيا إذاً سنمر بمنزلكم أولاً لنصل قبل حلول الظلام "


همس له بما يشبه الاعتذار

" ليتك تركتني أحضرت سيارتي فما كان.... "

لكنه قاطعه ويعلم ما سيقول

" لا يا يمان ما كنت لأتركك تأتي وحدك ولم أندم لهذا ولست

منزعجاً وسآخذكم حيث تريدون وإن اضطررنا للمبيت هنا

فلا مانع لدي " .



*
*
*

أغمضت عينيها بقوة ما أن تسلل لها نور النافذة القوي حين

فكرت في فتحما وانقلبت على جانبها الآخر بانزعاج تخفي أغلب

وجهها في ذراعها بينها بالكاد كان يظهر باقيه بسبب خصلات

غرتها والبعض من شعرها العالق به ومتناثراً فوقه بنعومة ووقع

نظرها المخدر بسبب النوم وعيناها شبه مفتوحتان على الواقف

عند باب الغرفة يتكئ عليه بكتف يده المدسوسة في جيب بنطلونه

الرياضي بينما يمسك بالأخرى تفاحة قد شوه جمالها وحمرتها

الداكنة قضمه كبيرة من أسنانه بينما كانت تحطمها أضراسه

وفكيه القويان ينظر لها ببرود ممتع لا يتقنه سواه ولا يمكن لأحد

غيرها قراءته كما الاستمتاع به .

لم يكن نومها مريحاً لكنه كان أفضل بكثير من الساعات القليلة

التي نامتها بالأمس ورغم ذلك لم يتركها الكابوس ذاته الذي كان

يتكرر في كل مرة ونزعها من نومها عدة مرات تراه فيه يبتعد

ويتركها في صحراء موحشة آخر ما طبع في ذاكرتها نظراته

الغاضبة في صمت بينما ودعته هي بالصمت ذاته ودموعها تسقي

وجنتيها لم تفكر ولا في اللحاق به أو الصراخ لتناديه وتركته

هكذا يبتعد ويتركها .
دست وجهها بأكمله في ذراعها وتمتمت بضيق تعلم بأنه يصله

" كان عليك تسليمي جميع مفاتيح الغرفة "

ولم يصلها منه أي تعليق ولم تسمع ولا صوت خطواته وهو

يقترب منها حتى شعرت بثقل ركبته تُميل السرير جهتها وانتقل

لطرفه الآخر متعمداً احتكاك جسديهما ورمى الدمية التي كانت

هناك بعيداً ناحية الخزانة بينما من كانت تدفن وجهها في ذراعها

أكثر تشد على شفتها المبتسمة بأسنها بسبب ما فعل لم تفكر بعد

في تغيير طريقة نومها تلك لازالت تسمع صوت قضمه للتفاحة

وتحطم صلابتها بين أسنانه حتى أن رائحتها المنعشة شعرت بها

تدغدغ أنفها وكأنها لم تعرف هذه الفاكهة حياتها ولم تتذوقها !

ويبدو أن معدتها الخاوية السبب فهي لم تأكل شيئاً منذ يومين

وبالرغم من ذلك لازالت تشعر بأحشائها جميعها ترفض الطعام .

تبدلت ملامحها للحزن ما أن وصلها صوته العميق الهادئ وإن

كان يميل للبرود الذي لا يفارقة دائماً

" هيا ماريا اجلسي ثمة ما أريدك أن تريه "

لكنها لم تستجب له كانت تدفن عيناها أكثر في ذراعها تمنعها من

ذرف الدموع وأسنانها تشد على شفتها أكثر بسبب الألم القاسي

في قلبها هذه المرة ، ولأول مرة منذ أصبحت هنا تتمنى مكرهة

أن يغادر الغرفة ولا يكونا معاً ، لكن وما أن رفع قدمه الحافية

يرفع بها طرف اللحاف الثقيل ورماه بعيداً عن جسدها حتى

جلست مسرعة تعدل قميص بجامتها التي كانت في حالة فوضى

كبيرة بسبب تقلبها الكثير في نومها الغير مريح ورفعت خصلات

شعرها عن وجهها متأففة بضيق فمنذ أن أصبحت هنا معه لم

يتركها تستمتع بيوم إجازة تنام فيه كما تريد .

أنزلت قماش بنطلونها القطني الطويل الذي كان مجموعاً لما

يقارب ركبتها ونظرت بضيق للذي كان ينظر لحركة إبهامه على

شاشة هاتفه في يده وعلى شفتيه إبتسامة تسلية خفيفة وأشار

لها بيده ذاتها بحركة خفيفة ودون أن ينظر لها قائلا

" تعالي وأنظري لهذه "


وذاك ما جعل جميع خلاياها الحسية تستنفر فهذه معناه أنثى !

وإن لم تكن حيواناً فهي بشرية بالتأكيد ؟ وذاك ما جعلها تزحف

ناحيته وجلست بجانبه لكن بعيداً عن ظهر السرير الخشبي الذي

كان هو يتكئ عليه ومدت رأسها تنظر بفضول للشاشة أمامها

لكنه أبعده لأن يده وذراعه الآخر قد تسللت خلف كتفيها وشدها

نحوه حتى كانا رأسيهما متجاوران تقريباً وظهرها يستند على

كتفه وذراعه بينما أصبحت يده والتفاحة فيها أمام وجهها

والأخرى لازالت تمسك الهاتف الذي كانت تراقبه عيناها بفضول

وإن لم تفهم ما يوجد فيه حتى شعرت بالملمس البارد على يدها

فأنزلت نظرها لها فكان مصدرها تفاحته التي كان يطلب منها وفي

صمت أن تأخذها منه ولم تمانع هي ذلك وأخذتها من يده وعادت

بنظرها لهاتفه الذي رفعه أمامهما بينما انغرست أسنانها وشفتيها

حيث الحفرتان الكبيرتان اللتان أكل ناحيتهما وراقبت عيناها

بفضول التسجيل المصور الذي فتحه وكان لامرأة بالفعل جالسة

على الأرض على ركبتيها ويديها فوق فخذيها وثمة شخص

ملتصق بكل كتف لها أي تجلس بين شخصان أو مجموعة في

مكان شديد الخضرة من الأوراق الكبيرة النافرة من السيقان

الموجودة خلف ظهرها وكأنها أدغال أو ما شابه ! كانت تبدو

فيما يقارب الأربعين عاماً بملامح غريبة وكأنها أحد أفراد قبائل

أمريكا اللاتينية عيناها صغيرة وحدقتاها سوداء وشعرها

المجموع في ضفيرتان للخلف شديد السواد أيضاً وبشرتها قد

لوحتها الشمس حتى أظهرت خطوطا عميقة في وجنتيها ووجهها

المستدير ! فهل التقط هذا في رحلتهم الأخيرة ؟ .

توقفت حركة قِطع التفاحة الصغيرة في فمها وتوقفت عن مضغها

تراقب بتركيز التي كانت ترفع رأسها عالياً تنظر لشخص أو ربما

مجموعة أشخاص كانوا يقفون أمامهم تماماً بينما كانت نظراتها

غاضبة بل وملامحها عابسة قاسية أيضاً وبدأت فجأة بالتحدث

بكلمات سريعة حانقة لم تستطع فهم شيء منها ليس لسرعتها في

التحدث فقط بل ولغتها الغير مفهومة بتاتاً لها ! حتى توقفت فجأة

وظهر صوت ضحكات لرجال يبدو أنهم الواقفون أمامها وكانت

توجه حديثها لهم حتى تحدث أحدهم وكانت كلماته إنجليزية

واضحة قائلاً بضحكة رجولية عميقة

"يبدو أنها علمت بأنك قائد المجموعة يا تيم وحديثها موجه لك"

وعند هنا كان التسجيل قد انتهى ولم تسمع أي تعليقات أخرى

غير ضحكاتهم التي انطلقت عالية ي مجدداً فأدارت رأسها ناحيته

وقد نظر لها بدوره وقالت سريعاً

" من هذه ؟! "


فالتوي طرف شفتيه بما يشبه إبتسامه لا يُفهم معناها وقال ينظر

لعيناها المحدقتان به بفضول

" كانت مهمتنا تحرير مجموعة مختطفة من السفارة ووجدنا أنهم

يحتجزون أشخاصاً محليين معهم أيضاً تم تسليمهم لحكومتهم

للنظر في أمرهم "

قالت مباشرة وقد فقدت اهتمامها بجنسيتها ومن تكون

" وماذا كانت تقول ؟ "

عادت تلك الابتسامة للارتسام على شفتيه وأمال جبينها ليتكئ

على جبينها وقال ناظرا لعينيها

" كانت تشتكي من زوجها ولا تريدنا أن نعيدها له وبأنه علينا

اعتقاله ورميه في مكان بعيد عنها "

كانت ترجمته تلك لتجعلها تضحك لولا أن أتبعها بعبارته الباردة

وهو يرمقها مضيقاّ عينيه ولازال يتكئ برأسه على رأسها

" وأراك تشبهينها كثيراً الآن "

كانت طُرفة سيئة لأنه يهينها بها كعادته مزاحه يشبه مزاجه

الدائم ورغم ذلك ضحكت .. ضحكت تدس دموعها في كتفه

وذراعها تحضن خصره بقوة فهو أصاب الحقيقة لكن بشكل

مختلف تماماً أكثر قسوة ومرارة مما يتوقع وتريد .

اتكأت برأسها على كتفه ما أن انتهى ضحكها الممزوج بكل ذاك

الألم الخفي وقالت ببحة تغلبت على صوتها

" وما الذي فعلتموه ؟ "

وراقبت نظراتها بفضول شاشة هاتفه الذي رفعه مجدداً وتمتم

وهو يمرر بإصبعه التسجيل التالي

" ها هو ذا "

وخرجت ضحكتها رغماً عنها ما أن ظهر أمامها الرجل المربوط

اليدين للأعلى معلقاً بجذع شجرة بينما أصابع قدميه فقط ما

يلامس الأرض وحذائه معلق معه يضرب بوجهه كلما تحرك

وقالت من بين ضحكاتها القصيرة المتعاقبة

" لن يتعرض لها مجدداً ومهما فعلت "

قال الذي قام بإظلام شاشة هاتفه

" أجل فهو يظن بأننا سنفعل به هذا كلما أساء إليها واستدعتنا ،

خاصة بأنه في أعرافهم الرجل لا يطلق زوجته أبداً ويعيشان معاً

حتى يموت أحدهما "

" ياله من عرف رائع "

قالت ذلك مبتسمة وهي تحاول اختطاف هاتفه من يده لكنه

وكالمتوقع تماماً أبعده من بين أصابعها بلمح البصر وقبل أن

تشعر بملمسه فقالت بضيق تمد يدها له

" أتركني أرى ماذا يوجد أيضاً "


فرفعه بعيداً عن يدها الممدودة ناحيته دون توقف متمتماً ببرود

" لا ممنوع "

فابتعدت عنه وأمسكت خصرها بيديها قائلة بنظرة اتهام

" ما الذي تخبئه ولا تريد أن أراه؟! "

ابتسم بتهكم رماه في الهواء ليعود ليده بعيداً عنها وقال

" هذه أمور تخصني .. هل تسمحي لي أنت بتفتيش هاتفك ؟ "

" لا بالطبع "

قالتها مندفعة ودون شعور وبطريقة لم تستطع ولا هي استيعابها

قد ارتجف معها جسدها وتصلبت ملامحها حتى شعرت بشفتيها

تبردان حد التجمد وعقلها يرفض الفكرة التي يفترض بأنها تسعى

لها حتى رأت ذلك في ملامحه وقد انتبه لتبدلها بالتأكيد ، وبدلاً

من أن تدفعه لرؤيته كما يخططون ها هي تتهرب بخوف بل ويبدو

خدمت مخططهم وإن بحركة بطيئة للغاية .

عادت وأنقذت نفسها نهاية الأمر ضاربة بكل عرض الحائط وهي

تلوح بيدها ناحية هاتفه قائلة

" لما ترفض أنت ؟! أنا أيضاً لن أسمح لك "

وفاجأها بأن مده ناحيتها وابتسامة مائلة تزين شفتيه فتمتمت

قائلة بجمود تخفي به انفعالها القوى داخلياً

" هو تبادل إذاً ؟ "

رماه في حجرها ومد يده وأخذ التفاحة من يدها وقضمها مجدداً

وقال وهو يمضغها

" لا بالطبع "

فشعرت بالارتياح لإبطال ذاك المخطط من جديد أو تأجيله حتى

ينتهي عمرها إن كان كما تتمنى ، ولم ترفض الدعوة مطلقاً

ورفعته قبل أن تعود لحضنه وعادت ذراعه وساعده للاستناد على

كتفيها ولم تتردد لحظة في التقليب في باقي التسجيلات الموجودة

فيه وكان لها جميعها ذات الطابع الإجرامي المخيف ولم تفكر ولا

في فتحها .


وبحركة من سبابتها غادرت تلك الأيقونة بالكامل وشدت طرف

شفتها بأسنانها مبتسمة وهي تدخل لمتصفحه الخاص وخرجت

منها ضحكة مكتومة ما أن همس قرب أذنها مميلاً رأسه

" جاسوسة مبتدئة "

وتابعت ما تفعل دون تراجع بالرغم من أنها فقدت نصف تركيزها

بسبب شفتيه التي انتقلت لعنقها تعبث قبلاته المتفرقة على بشرته

كل واحدة أعمق من الأخرى حتى كان جسدها يتقلص في حركة

خفيفة مع كل قبلة تحاول بحركة كتفها أن تبعده بينما تمتمت

مبتسمة

" يكفي يا محتال "

لكنه لم يتوقف بل وسحبت يده الهاتف منها ورماه خلف ظهره

وهو يستدير بجسده ناحيتها متمتماً

" المحتالة هي التي تخلف بوعودها "

وجلس على ركبتيها مثبتاً كتفيها بيديه مانعاً أي فكرة للهرب بينما

قالت التي تململت بألم

" لا تتهمني بما لم أفعل "

رفع جسده وانحنى فوقها ويداه لازالت تثبت كتفاها على السرير

تحتها وتمتم ببرود ونظرة متوعدة

" من هذه التي نامت قبل وقت عودتي البارحة ؟ "

فتمتمت مثله وبنبرة باردة أيضاً بينما نظرها على عينيه فوقها

" سأكون أكثر حمقاً من التي قضيت السهرة معها إن جلست

أنتظرك "

قرب وجهه منها وهمس من بين ضحكته الخافتة

" خائنة "

لكن صوت هاتفها الذي كانت توقته على موعد استيقاظها منع كل

ذلك ليفتح بعد إغلاقها له وصوت الرسائل المعلقة تخرج منه

برنين مرتفع متتابع شعرت به كرصاص رشاش متلاحق يوجه

نحو قلبها ، كما جعله ينظر ناحية المكان الذي يخرج منه مما

جعلها تنتفض جالسة ومبتعدة عنه تنظر ناحية درج طاولة

السرير المغلق والذي تضعه فيه وكأنها تهرب به بعيداً عن كل

شيء وأوله الجالس أمامها نظره ينتقل بينها وبين مصدر ذاك

الرنين الذي لم يتوقف بعد وقلبها يكاد يتوقف ، وما كان ليستغرب

بالتأكيد لولا تصرفاتها الغريبة فبعض المواقع تتميز بهذه الصفة

المزعجة وهي ترسل التنبيهات المتتابعة فها هي تدخله بنفسها

لمصيدتهم ودون عناء .

نظراته الثابتة ناحية ذاك الدرج هو ما جعل خوفها يتعاظم أكثر

وحاولت أن تدعي اللامبالاة حين نظر ناحيتها بينما جسده يميل

نحوها ويده تلتف حول خصرها مجدداً لا تفهم حقاً ما ينوي فعله

العودة لما كان يفعل سابقاً ودون أن يهتم أم سيحاول بطريقة ما

إبعادها عن هنا ليتأكد من شكوكه ؟ ويبدو لا مهرب لها هذه المرة

من أحد الأمرين والمرجح هو تحقيق وعدها الأخير له أحبت ذلك

أم رفضته ، أو هكذا كانت تظن لأن رنين آخر هذه المرة جعلها

تجفل مبتعدة مجدداً من قبلاته كالحمقاء كل ما له علاقة بالرنين

يجعلها تنتفض ذعراً ! وكان هذه المرة مصدره باب المنزل

فارتفع نظرها للذي ارتفعت يده لخصلات شعره الناعم ورفعها

للأعلى بحركة عنيفة غاضبة بعثرته ما أن تحرر من أصابعه

ونزل من السرير متمتماً بحنق

" سحقاً للبشرية بأكملها "

فراقبته نظراتها الدامعة مبتسمة بحزن وهو يخرج من الغرفة

قاصداً مصدر كل ذاك الرنين المتواصل مغلقاً الباب خلفه ووقفت

أيضاً خارجه تمسح دموعها واقتربت من الباب وفتحته قليلاً تنظر

من خلاله لمنقذها الجديد فما تعلمه أن زوار هذا المكان نادرين

جداً وهذا ليس وقت زيارات تلك الحمراء ! .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 08:26 PM   المشاركة رقم: 1503
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*

نظرت للساعة في معصمها وتنهدت بضيق ولا تفهم لما أرسلها

هذا الوقت تحديداً !! دست الورقة في جيب سترتها ما أن دار قفل

الباب أمامها قبل أن ينفتح وكما توقعت هي واستبعد والده

وجدته في وجهها نظرته الحادة وحاجباه الصارمان كانت لترهب

أي شخص وتجعله يتراجع لكن ليس هي بالتأكيد فقد أبعدت

قلنصوة سترتها وهي تحشر جسدها في المكان المفتوح من

الباب والذي يسده بجسده ليبتعد عن طريقها ونجح الأمر ودخلت

لكنها لم تجتازه بل كان عليه تجربة الطقوس التي استقبلت بها

زوجته سابقاً وهي تحضنه ضاحكة مرغماً في مشهد جعل الواقفة

عند باب غرفتها تبتسم بحزن تحول لضحكة خفيفة ما أن أبعد

ذراعيها قائلاً بضيق

" ابتعدي عني يا امرأة "

فضحكت وهي تجتازه لتسلم على التي قالت لها هامسة بابتسامة

وهي تقبل خدها

" سأتركك تقصين لي شعري انتقاماً لغيرة النساء .. فقط لا

تغضبي مني "

فابتسمت لها بصمت تنظر لعينيها بمشاعر تجهلها هي نفسها لا

تعلم تعبر عن الامتنان أم الدهشة ! وراقبتها وهي ترمق من

تركته هناك بطرف عينيها بينما توجه حديثها لها مبتسمة

" أتمنى أني لم أفسد مزاج الصباح الجميل للجميلة "

وكان التعليق من الذي ضرب باب الشقة بقوة قائلاً بضيق

" أهنئك على إفساد الكثير أيضاً "

مما جعل عيناها كما شفتاها تتسعان بصدمة تنقل نظرها من التي

تلون خداها إحراجاً بدهشة للذي وما أن نظرت ناحيته كان قد

أصبح في منتصف صالون الشقة الواسعة ولم يترك لها مجالاً

للتحدث وقد لوح بسبابته ناحيتها قائلاً ببرود

"ولتكن هذه الزيارة الأولى والأخيرة ولا تلتصقي كثيراً بزوجتي "


وأولاهما ظهره ما أن أنهى كلامه ذاك متجها لباب غرفته المفتوح

تاركاً خلفه التي صاحت من فورها

" يالك من وقح ..! احترمني وإن كزوجة لوالدك يا معقد "

وكان رده الوحيد أن صفق باب غرفته بقوة بعد أن دخلها فنظرت

للتي كانت تراقب الأمر باستغراب وقالت بضيق

" كيف تستحملين هذا المخلوق الحجري ؟ "

فتبدلت ملامحها كما نظراتها للحزن وهي تهمس وعيناها

الدامعتان تتجهان للباب الذي اختفى خلفه

" ما أعلمه فقط أني أحبه وكيف ما كان "

فتنهدت بعجز رغم أنها تعذرها فكيف لامرأة أن لا تحبه وسحبتها

من يدها ناحية المكان الذي علمت بأنه مطبخ متمتمة

" فعلاً أنه أصاب من قال : ومن الحب ما أصاب الدماغ بالشلل "

وكانتا داخل المطبخ الواسع حينها وقالت وهي تخرج الورقة من

جيبها تبتسم لعيناها الحزينتان

" لكني أعلم أيضاً بأنه غير ذاك الوجه الوسيم يملك قلباً جميلاً

بعض الشيء "

وابتسمت نهاية عبارتها تلك ودست الورقة في يدها قائلة

" هذه من والده لأسلمها لك وحدك "

جعدتها بين أصابعها بقوة تشعر بضربات قلبها تنخر أذنيها

وهمست بتوتر

" ماذا تحوي ؟ "

رفعت كتفيها قائلة

" لو كنت أعلم لما أعطيتها لك ، ويبدو أنه لا يستطيع الاتصال

بك ليكلفني بالمهمة فهذا فقط ما قاله وهو يخرج مستعجلاً "

فلاذت بالصمت تنظر للفراغ بشرود حزين بينما كانت الواقفة

أمامها تنظر لها بصمت مشابه وكانت تلحظ كل ذاك الحزن في

عينيها الجميلتين واضحاً ويبدو مشكلتها المجهولة تلك لم تنتهي

بعد ، ومنعت نفسها بصعوبة من سؤالها فهي تبقى خصوصيات

لو أرادت لأطلعتها عليها بنفسها أو والد زوجها ذاك فاستسلمت

للصوت الصغير الداخلي الذي كان ينهاها عن فعلها وتابعت وهي

تجلس على كرسي الطاولة القريب منها

" ويبدو لأنه كان يخمن بأن إبنه قد يكون في الجنازة الآن وجد

أنه الوقت المناسب "

حدقت فيها التي قالت باستغراب

" جنازة من ؟ "

وفعت رأسها ونظرها لها وقالت

" ما فهمته أنها عائلة شقيقته المتزوجة من ابن

ضرارالسلطان "


فارتفت يدها لصدرها وهمست بصوت مصدوم

" يا إلهي ... من مات منهم ؟ "

قال التي رفعت كتفيها دلالة عدم الفهم

" لم أفهم الكثير ماريه فقد تلقى اتصالاً هاتفياً وهو يحتسي قهوته

في المطبخ وما فهمته أن المقتول اسمه نجيب "

" مقتول !! "

وذاك كان ما جعلها تهمس بتلك الكلمة بصدمة بينما تابعت التي

ظهر الحزن في عيناها وإن كانت تجهل من يكون

" أجل والقاتل شخص أسمه زيزفون "


وتابعت بتفكير وحدقتاها تبتعد جانباً لم تنتبه معه للتي شحب

وجهها حتى أصبح وأرضية البورسلين تحتها بلون واحد

" يبدو اسماً لامرأة بالرغم من أني أستبعد أن تقتل النساء !

لكنه لن يكون اسم رجل بالتأكيد "

فانهارت حينها الواقفة قربها والتي لم تعد قدماها تقويان على

حملها جالسة على الكرسي قربها وهمست بعينين دامعة

" يا إلهي لا أصدق هذا ... وزيزفون !!

مستحيل هي ليست قاتلة ، لا يمكنني تصديق ذلك ! "

حركت كتفيها مجدداً قائلة

" حسناً هذا سيحكمه طبيعة صلتهما ببعض وعلاقتهما أو.... "

وقطعت كلماتها ما أن سمعت باب غرفة ما يُفتح في الخارج

وهبت واقفة وأسرعت نحو الباب قائلة للذي كان يتجه لباب

الشقة ينوي الخروج

" انتظر لتوصلني معك لا أحب سيارات الأجره كثيراً "

لكنه تابع طريقه دون أن يكلف نفسه ولا بالنظر ناحيتها وهي

تسرع نحوه وخرج وأغلق الباب خلفه ووقفت مصدومة أمام

خشبه المصقول تماماً ما أن دار قفل الباب مما يعني بأنه أغلقه

من الخارج ! فضربته بقبضتها مناديه بضيق

" أحمق ... انتظر هنا قلت لك "


ونظرت على الفور ناحية التي أصبحت تقف عند باب المطبخ

وأمسكت خصرها النحيل بيديها قائلة بذات ضيقها السابق

" قولي بأنك لا تملكين مفتاحاً للباب وبأني سجينة معك هنا ؟ "

فابتسمت لها العينان الحزينتان والتي كم عشقت العلاقة الغريبة

بينهما فهو أبدى انزعاجاً واضحاً منها لكنه لم يكن كرهاً كالذي

يوجهه ناحية كل من يمت لماضيه بصلة !

وحتى كونها زوجة لوالده تأخذ مكان المرأة التي دفنت في قلبه

قبل أن تدفن تحت التراب وعاشت فيه وهي ضمن الأموات !! .

قالت وهي تتجه ناحية غرفتها

" بلى أملك مفتاحاً له "

فتبعتها التي قالت بحنق

" الأحمق كان غرضه فقط أن يتخلص مني إذاً ؟ "



*
*
*

أنزل شقيقه من السيارة بعد إصرارهما المزعج ليكونا معه وقد

استسلم نهاية الأمر فقط من أجل أويس لأنه رفض ومنذ البداية

أن يتركهما معه فقد يزعجاه بعبثهما الطفولي وشجاراتهما بالرغم

من أنه كان يصر على أن يتركهما وينزل وحده ويفهم أسباب

رفضه ومقتنع بها تماماً لكنه أيضاً لا ذنب له في أن يتحمل

صراخهما وبكائهما وهو من يعرفهما جيداً حين تمنعهما عما

يريدان وكيف تكون ردة فعلهما العنيفة فقرر أن ينزلا معه نهاية

الأمر .

ولأن أويس أوقف السيارة خارج حدود مزرعتهم ولم يدخل بها

كان عليهم السير داخلها ليصلو للمنزل وكانت المرة الأولى التي

يدخلها فيها بعد الحريق وانتقاله للجنوب .. والمرة الأولى أيضاً

التي تدوس فيها قدماه تربتها الرطبة ولا يشعر بأنه ينتمي لها

مطلقاً ... بل شعر بأنه يكرهها !!.

شعور غريب عنه لكنه حقيقي ولا يستطيع نكرانه ولا تكذيبه

فبسببها عاش مزارعاً طوال حياته ولازال ، وبسببها عملت

شقيقته كفلاحة وخادمة وراعي أغنام ذات الوقت ، ومن أجلها

تحول والدهم لكتلة من القسوة هدفه الوحيد في الحياة زراعتها

وحرثها وسقايتها وقطف محصولها .. حلمه الوحيد أن تكبر

وتزداد اتساعاً ليتحول الحلم لكابوس هما بطلاه ومستقبلهما

ضحيته .

تنهد بعمق مستغفراً الله وشد يديه بقوة على اليدان الصغيرتان

فيهما وتجنبت نظراته كل ما كانوا يمرون به فالتفكير في الماضي

وفي كل هذا الآن حماقة فلا شيء مما كان يمكن العودة له

وتغييره وعليه أن يفكر في شقيقيه فقط وفي المسؤلية الجديدة

التي أصبحت على عاتقه فلا أحد لهما غيره بعد أن فقدا والديهما

معاً وفي وقت واحد ، بل ولن يعيدهما له وإن تم إثبات براءته

وغادر السجن فهو لن يسمح بأن يكون مصيرهما كمصيره هو

وشقيقته يعيشان تحت رحمة زوجة أب جديدة سيكون هو أقسى

عليهما منها ويعرفه جيداً لن يتحمل مسؤليتهما لوحده .

ما أن ظهر له المنزل تباطئت خطواته ينظر له باستغراب ،

صحيح أنه احترق وبشكل كامل في ذاك الحادث لكن هذا الذي

أمامه لا يشبهه سوى في هندسته المعمارية فحتى الطلاء

الخارجي لجدرانه لم يكن يحلم يوماً أن يراه عليه !! وما أن

وصلوا بابه المفتوح ودفعه ودخل وقف ينظر بدهشة أكبر للتغيير

الجذري في الداخل والذي فاق جمال خارجه وحتى قطع الأثاث

كانت جديدة جميعها ويستحيل أن يملك والده كل هذا المال الذي

رممه به واشترى به كل هذه الأشياء !! وشعر بغضب كبير

داخله من فكرة أن يكون أبان أو والده وراء هذا .. ولا أحد غير

تلك العائلة سيفعلها بالتأكيد وجل ما يخشاه ويغضبه أن يكون

والده من طلب هذا .

" الدماء لازالت هنا ! "

نظر ليد شقيقه التي أشارت سبابتها للبعيد وصاحب الصوت

الحزين وشعر بقلبه يعتصر ألماً وهو ينظر حيث أشار للدماء

المتناثرة على الأرضية وأسفل الجدار وسحبهما سريعاً في الاتجاه

الآخر قائلاً

" هيا عليكما جمع ثيابكما جميعها لنغادر "

وما أن أنهى عبارته تلك حتى ركضا تاركان يديه باتجاه باب

غرفتهما سابقاً ذاتها ودخلاها راكضين أيضاً يتحدثان ذات الوقت

بينما غابت نظراته هو حيث بقع الدم الكبيرة التي تركوها خلفهم

وعاد ذات الشعور بالألم لموتها كما عاد يحمد الله أن شقيقاه لم

يريا إلا هذا لأنهما كانا نائمان .

ولا يعلم لما تذكر حينها ضربها الدائم ليمامة وتركها تنام على

أرضية المطبخ بدون فراش ولا غطاء كعقاب دائم لها وإحراقها

لمخزن الأعلاف فقط لتتلقى هي العقاب من والدها وهو الجلد

ودون رحمة بسوط الأحصنة ، بل وكانت تنوي حتى قتلها محترقة

، وكره مشاعر الانتقام التي تولدت لديه حينها والتي جعلته يفكر

بأنه أرادها أن تعيش لسنوات أكثر لتراها وهي امرأة رائعة قوية

في كل شيء وأفضل منها .

حرك رأسه بقوة مستغفراً الله وتوجه ناحية الحمام وأخرج منه

دلو ماء وفرشاة التنظيف الخاصة به وتوجه ناحية بقع الدماء

وسكب الماء عليها وجثى على ركبتيه يفركها بالفرشاة اليدوية

بكلتا يديه بقوة ليزيلها وإن جزئياً ونزلت دموعه رغماً عنه

وتمنى لو أن مأساتهم الطويلة يمكن إزالتها معه هكذا وبسهولة

ليجد نفسه كما أراد وتمنى أن يكون وأن تكون شقيقته كأقرانها

من فتيات بلدتهم تعيش مدللة وتكبر كأميرة وتصبح في منزل

زوجها ملكة على كل شيء وامرأة تملك نفسها ، لكن كل ذلك لن

يحدث الآن فلا الماضي يمكنه أن يعود ولا الأقدار ستتغير كما لن

ترجع صاحبة هذه الدماء للحياة من جديد .


توقف عماً كان يفعل ومسح الدموع من عينيه بقوة واستدار

برأسه ونصف جسده حيث صوت الخطوات البطيئة خلفه ونظر

للعينان السوداء الدامعة التي قال صاحبها بعبرة مخنوقة

" ألن نرى أمي مجدداً يا يمان "

مما جعل عيناه تدمع مجدداً ورمى ما كان في يده وفتح له

ذراعيه فركض نحوه مسرعاً وتوأمه في إثره وارتميا في

حضنه لا يعلم هل يبكي لبكائهما .. عليهما أم على نفسه ؟! .


*
*
*


أبعدت اللحاف بعيداً عن رأسها ونصف جسدها وأمسكت صدغيها

تضغطهما بأصابع يدها ولم تفتح عينيها بعد فتلك الحبوب اللعينة

جلبت لها النوم لكنها كانت أسوأ نومة مرت عليها سابقاً وتشعر

برأسها سينفجر ، فتحت عينيها وجلست ورفعت هاتفها من على

طاولة السرير تنظر مستغربة لعلبة الدواء المرمية في الأسفل

وهي تركتها واقفة فوقه !! وانتقلت نظراتها المستغربة للباب

المفتوح الذي لم تلاحظه إلا حينها فثمة شخص واحد قد يدخل هنا

ويزورها ؟! نظرت لشاشة هاتفها ما أن أضاءتها واتسعت عيناها

بصدمة وهي تنظر للوقت أعلاها وقفزت واقفة خارج السرير فلم

تكن تتوقع أن تكون نامت لكل هذا الوقت !.

وضعت هاتفها مكانه وتوجهت ناحية الحمام ترفع شعرها عن

وجهها في جديلة وهمية دون رباط قبل أن تفلته مسترسلاً على

كتفيها وتأففت نفساً قوياً من شفتيها ورمت ثيابها عنها ما أن

دخلتنه فلعل المياه المنعشة تخفف من هذا الصداع وتحسن

مزاجها الذي اجتمع عليه ما حدث ودورتها الشهرية التي تجعل

منه زوبعة ثائرة دون عناء من أحد .

وكم تتمنى أن يأتي اليوم الذي لا تراها فيه لأنها تحمل طفله وكم

سيكون الأمر رائعاً وسيغير من مجرى حياتها معه بل والأهم

علاقتهما وللأبد ، فها هو حين خسرت الكثير من وزنها وباتت

الفرصة متاحة أمامهما اعتصم عنها في غرفة لوحده .. بل

ووجود تلك الحشرة التافهة السبب في كل شيء لكانت أمور

كثيرة في علاقتهما تغيرت ونحو الأفضل ، شعرت بجسدها

يرتجف بغضب تحت المياه الفاترة واصطكت أسنانها بسبب

النيران التي اشتعلت فجأة داخلها وهي تتذكر ما حدث وشعرت

بصداعها يزداد حدة فأغمضت عيناها بقوة تفرك أصابعها في

شعرها بحركة بطيئة تدلك رأسها برفق فهو سينفجر على

هذا الحال .


وبعد حمام سريع خرجت تلف جسدها في منشفة زهرية مطرزة

بأزهار بيضاء صغيرة تجفف شعرها بواحدة تشبهها في اللون

والنقوش تخالفها فقط في الحجم والتفصيل ، توجهت ناحية

الخزانة وأخرجت فستاناً بلون الخوخ من القماش المخملي

الخفيف ولبسته ونظرت لنفسها برضى في المرآة تمشط خصلات

شعرها الرطب بيديها فقد كان بأكمام ضيقة تصل لمرفقيها وياقة

مربعة الشكل بينما كان مشدودا على خصرها ويتسع في الأسفل .

وكانت محطتها الأخرى طاولة التزيين وضعت قرطين في أذنيها

وسلسال خفيف وسوار مماثل له ومررت أحمر شفاه بلون

الفستان على شفتيها وحددت جفناها بالأسود الخفيف ورمت

العلبة في الدرج قبل أن تغلقه بحركة قوية ورفعت زجاجة عطرها

الخاص وأغرقت نفسها به وغادرت الغرفة ما أن أنهت مهمتها

بحذاء أسود أنيق ذو كعب عالي وأحزمة عريضة تحيط بكاحليها

تنتهي بزهرة من ذات الجلد الطبيعي الذي صنع منه .

وما أن كانت في ردهة الجناح نظرت أولاً ناحية غرفته المفتوحة

والمظلمة مما يعني أنه ليس موجوداً فيها ولن تتوقع غير ذلك فلم

يهتم ولا بسجنها لنفسها في الغرفة ولما سيهتم ؟ تنهدت بضيق

وتحركت ناحية الثلاجة الموضوعة في زاويته البعيدة فكل هذا

سيتغير ما أن ينجح مخططها ويغادرا هذا المنزل فإن فشل هذه

المرة فلن يفشل دائماً ، أخرجت قارورة ماء وعلبة حبوب مسكنة

لآلام الرأس وأخذت منه قرصين وبلعتهما بالماء عل هذا الصداع

يخف وإن قليلاً .

غادرت الجناح بعدها تدير السوار الماسي حول رسغها الممتلئ

قليلاً بل وقليلاً جداً أمام ما كان عليه في الماضي فلن تسمح

لشيء أن يعكر مزاجها أكثر من ذلك ولا تلك المغرورة المدعوة

زيزفون وما تريده سيحدث نهاية الأمر وسيظهر حينها من

الخاسر منهما .

وما أن وصلت السلالم نزلت منه بخطوات بطيئة تنظر باستغراب

للأسفل وحيث النساء المجتمعات هناك ولوالدة نجيب التي كانت

تتوشح بالسواد التام تبكي في صمت وعيناها المتورمتان من

البكاء معلقتان في الفراغ والجالسة على يمينها تمسح على

ظهرها بحزن وذاك كان حال ملامح المحيطين بها ! وقفت مكانها

منتصف السلالم تنظر للأسفل باستغراب ومن حسن حظها أن

كانت شقيقتها جيهان أول من رآها فأشارت لها برأسها بعينين

غاضبة لتبتعد قبل أن تقف معتذرة ممن حولها وتوجهت خطواتها

الأنيقة نحو السلالم وصعدت عتباته مسرعة ما أن وصلته حتي

كانت عند الواقفة ملتصقة بالجدار خلفها وأمسكتها من يدها

وصعدت بها نحو الأعلى لم تجب عن أي شيء من أسئلتها

المتتابعة حتى كانتا في جناحها وأغلقت بابه بقوة قبل أن تنظر

لها وقالت بضيق

" جيد أنك استفقت .. ظننتك أنت الميتة وليس هو "

اتسعت عيناها بصدمة وقالت

" من الذي مات ؟! "

قالت الواقفة أمامها بضيق

" بالطبع لن تعلمي بشيء ولم تسمعي أي شيء ، كم حبة منوم

ابتلعتها لتنامي كالجثة الهامدة ؟ رغم جميع محاولاتي لم أنجح

ولا في جعلك تشعرين بي ! "


حدقت فيها باستغراب كالبلهاء هامسة

" حاولتِ إيقاظي !! "

وذاك ما جعل توأمها تزداد اشتعالاً وقالت بضيق

" بل لم يبقى إلا إبريق الماء لم أسكبه على رأسك "

بينما استمرت هي في طرح الأسئلة التي لا تعني أحداً غيرها

قائلة

" أنت من فتح باب الغرفة إذاً ؟ "


فتأففت في وجهها قائلة

" لا بل وجدته مفتوحاً "


مما جعلها تشهق بصدمة وشفاه مبتسمة وقالت

" هو كان هنا إذاً ؟ "


وذاك ما جعل الواقفة أمامها تمسك رأسها بيديها قائلة بحنق

" يا إلهي !! هل استفاقت هذه الحمقاء فعلاً أم لازلت نائمة ؟ "

فمدت شفتيها تشدهما بضيق فشقيقتها لا تتوقف أبداً عن تذكيرها

بأنهما توأمتان في تاريخ الميلاد فقط ، رمت كل تلك الأفكار من

رأسها كالعادة وقالت بفضول

" ماذا حدث وما بها عمتي أسماء ! خبر من وصلها من

عائلتها هناك ؟ "


قالت الواقفة أمامها بسخرية

" عائلتها هناك ؟ بل إبنها الذي قُتل "

أمسكت فمها بصدمة هامسة

" قُتل !! "

قالت جيهان بضيق بل وبلهجة توبيخ صارمة وكالعادة وكأنها

شقيقتها الصغيرة الطفلة

" لو كنت بكامل وعيك لسمعت صوت إطلاق النار كالبقية لكنك

حمقاء كالعادة ، والأكثر حمقاً أنه لم يشعر أحد بغيابك حتى

أصبحنا هنا وجيد أني أنا من صعد ليناديك وتحججت لك أمامهم ،

ومن الجيد أيضاً أنني أول من رآك تنزلين لهم وأنت متأنقة هكذا

وشقيق زوجك ميت للتو "


فقالت بصدمة وكأنها لم تهتم بكل ذاك الموشح الطويل


" إطلاق نار !! هل قُتل هنا ؟! "

قالت ببرود تكتف ذراعيها لصدرها

" أجل أو كيف ستتمكنين من سماعه إذاً ؟ "

قالت التي لم تجتز الصدمة العنيفة بعد أو الصدمات المتلاحقة

" من قتله ؟ "


وازداد استغرابها وهي ترى الابتسامة التي أشرق بها وجه

شقيقتها التي لم تتوقف عن توبيخها والتحدث بضيق منذ دخلت

بينما قالت

" المجنونة بالطبع "

فلم تشعر بنفسها وقد امتزجت صدمتها بضحكة خرجت عالية من

فمها المتسع بصدمة أيضاً على نظرات شقيقتها الباسمة وقالت

بسعادة لم تستطع إخفائها

" قولي قسماً فعلتها ؟! "


قالت التي لم تخفت ابتسامتها الشامتة بعد

" حين دخلوا الغرفة بعد سماعهم صوت الرصاصة كان هو مرمي

أرضاً غارقاً في دمائه والمسدس في يديها فمن سيكون مثلاً

الأميرة النائمة هنا ؟ "

قالت بحماس تتجاهل كلماتها الأخيرة والتي تخصها

" وأخذتها الشرطة ؟ "

فتبدل مزاج شقيقتها المزهو للتو وتمتمت بما يشبه الحقد

" لا بالطبع بالرغم من أن ذلك يفترض بأن يكون مصيرها "

وتابعت من فورها وبضيق تنظر للتي كانت تحدق فيها باستغراب

لم تستوعب بعد سبب ما قالت

" وزوجك الشهم السبب بالطبع ، بل وسيتركها هنا حتى وقت

انتهاء المحاكمة التي لم تقرر النيابة العامة بعد متى ستنقل

القضية لها ولم يؤخذ بشهادة الموجودين هنا أيضاً .. بل ولم

يؤذن ولا بدفنه وحتى حين لم يحدد بعد ، أي أنها باقية هنا لفترة

طويلة كما يبدو "

انتفضت الواقفة أمامها محتجة بحدة

" ولما ؟! ألا ينظر لها ولا كقاتلة لشقيقه ! "

وكان حال شقيقتها مماثلاً إذ همست من بين أسنانها

" وهذا ما يقتلني غيضاً "


وحركت يدها مع حركة رأسها بسخرية كارهة وهي تتابع

" لا وتلك التي ربته تبرر له بطريقة سخيفة أمام الموجودات

وبأنه كان سيفعلها مع أي فرد في العائلة حتى تأخذ العدالة

مجراها ، كانت كالطفلة التي تتحدث عن أمر لا تفهم فيه شيئاً "

واستمرت في هجومها الحاقد تشير بإبهامها خلف كتفها

" لولا مركزه المهم في مكتب المدعي العام لما استطاع فعلها

ولجرها رجال الشرطة كالشاة من هنا لكن زوجك وحماقته لا

يتغير أبداً "

ذبلت ملامح الواقفة أمامها كما حماسها وسعادتها التي ماتت قبل

أن تولد وقالت بتوجس

" تظنين أنه سيخرجها منها ؟ "

قالت جيهان سريعاً

" لا بالطبع ولا أعتقد بأن مبادئه قد تخونه والجريمة تلبستها

ولا مهرب لها منها "

أشعلت لها بذلك فتيل حماسها الذي انطفئ للتو وقالت

بابتسامة واسعة

" أجل ونهايتها واحد من اثنين إما السجن أو المصح النفسي

الذي جاءت منه ولن تخرج منه أبداً هذه المرة "

وضحكت بانتصار ضحكة عالية وتوجهت للخزانة وفتحت بابها

على اتساعه فقالت التي استدار جسدها معها تنظر لها باستغراب

" ماذا تفعلين ؟ "

قالت بحماس وسعادة تسحب فستاناً أسود اللون من علاقته

" سأنزل لأكون شاهدة على كل شيء بالطبع فأنا كنة

العائلة الوحيدة "

فقالت التي كتفت ذراعيها من خلفها وبنبرة باردة حانقة

" عليك أن تعلمي إذاً بأن كبير العائلة أمر بأن لا يتحدث أحد من

أفرادها عما حدث أمام المعزين ويتحجج كما قيل بأنه احتراماً

لحفيده المتوفى "


قالت التي استدارت نحوها تمسك القماش الأسود بين

يديها وبضيق

" بالطبع سيأمر بذلك ومن أجل حفيدته وليس حفيده فالجميع

يعلم بالجريمة بالتأكيد فلما سيرفض التحدث عنها وهو ميت ؟ "

حركت تلك كتفيها بمعنى لا أعلم ولا أهتم أيضاً وحذت هي حذوها

غير مبالية واجتازتها متوجهة لباب الحمام متمتمه

بابتسامة انتصار

"هذا انتقام القدرة الإلاهية مما فعلته بي يا تربيةالفلاحة الجاهلة"


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 08:29 PM   المشاركة رقم: 1504
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

نزع خوذة الحماية من رأسه وابتسم للذي كان ينزل من سيارته

مغلقاً بابها وقد بادله الابتسام وإن كان يستغرب التكلف في تلك

الابتسامة وكأنه يجامله ليس إلا !

اقترب منه يمسك الخوذة تحت ذراعه الأيسر ومد له يده اليمنى

قائلاً بابتسامة أوسع

" يبدوا أن تلك الطفلة الحمقاء تشوه سمعتي ... ما هذه

الابتسامة البشعة يا رجل !! "
وكان رد فعل قاسم ضحكة صغيرة خرجت رغماً عنه

وصافحه قائلاً

" كيف حالك يا كاسر ؟ "

قال مبتسماً

" بخير شكراً لك "

وتابع يثبت ما في يده في مكانها المخصص في دراجته النارية

التي تشبهها تماماً قد دمجت اللونين الأزرق والأسود

" لم أستطع انتظار عودة خالي رعد وبما أن والدتي ليست

موجودة هناك ركبت دراجتي وأتيت "

وضحك عند آخر عبارته تلك فربتت يد قاسم على كتفه دون أن

يعلق ودفعه ليدخلا معاً وصعدا عتبات الباب القليلة لازال يحتفظ

بصمته ، وما أن كانا في الداخل وكما توقع ظهر لهما عند بداية

الممر الشرقي الجسد الأنثوي الرشيق وصاحبة الملامح الفاتنة

الحزينة تحضن خصلات شعرها الحريري المموج وجهها

وكتفيها .. التي وقفت فجأة بعد خطوات مسرعة خرجت بها من

غرفتها ما أن سمعت صوت سيارة تقف أمام باب المنزل وهذا

حالها لا شيء لديها سوى انتظار أي وافد منهم يتحدث معها على

الأقل .. يسمعها ويجيب عن الأسئلة التي سينفجر رأسها من

كثرة التفكير فيها .


كانت نظراتها الضائعة تتنقل بينهما لتعود وتستقر على الكاسر

وما توقعته حدث فلن يطيقه صبر ليكون في مكان ووالدته في

مكان آخر ولا تعلم إن كان قاسم أخبره أم لم يعلم بالأمر بعد ؟

لكن ابتسامته التي لم تستطع إهدائه ولا واحدة مشابهة لها لم تكن

تدل على ذلك لما كان سيفكر في الابتسام أساساً ! كل تلك الأفكار

جعلت نظراتها تتركز على عيني الواقف بجانبه والذي بحثت عن

الإجابة لديه في صمت وتعلم بأنه يفهمها بينما كان الكاسر هو

من نقل نظره بينهما باستغراب هذه المرة وآخر ما توصل له بأنه

ثمة شجار نشب بينهما في وقت سابق أو قد يكون خلافاً ما بسبب

رأيهما المتضارب حول مصير زواجهما المجهول ؟

فتجاهل كل ذلك نهاية الأمر وقال بابتسامة واسعة

" ما أخبار العروسان وشهر العسل ؟ "

وكان قاسم من حدق فيه باستغراب هذه المرة قبل أن ينقل نظره

للتي قالت من بعيد معترفة بحزن

" والدي فقط كان مسافراً وعاد اليوم "

وجعل ذلك عيناه تتسع بصدمة وقد عاد لتوزيع نظراته بينهما

بعدل وبالتساوي قبل أن يستقر عليها نهاية الأمر وقال ولم يجتز

صدمته بعد

" لكنك ... أنت قلت .. !! "


وقاطع نفسه وقال بوجل ينقل نظره بينهما

" أين هي والدتي إذاً ؟ "

قالت تيما مجدداً تخرج كل ما أخفته عنه ولم يعد لذلك من

داعٍ كما ترى

" ليست هنا "

فاتسعت عيناه بصدمة ولم يترك له قاسم أي مجال لأن يسأل

أو يتحدث وهو يقول

" تعالي يا تيما فثمة ما عليكما معرفته "


فحدقت فيه بتوجس يشابه الذي كانت عينا شقيقها ترسله نحوه

وإن اختلفت كمية معلوماتهما عن الأمر ومنعها الارتجاف في

ساقيها من التحرك من مكانها تنظر لعينيه برجاء حزين وعينان

التمع فيها بريق الدموع وكم ترعبها فكرة أن تتوقع فقط ما

سيقوله .. وأعظم مخاوفها كان أن يكون ثمة مكروه أصاب

والدتها وقد تم تكليفه هو بإبلاغها بالخبر .

واستطاعت أخيراً أن تتحرر من تيبس قدميها وتحركت خطواتها

ببطء ناحيته حتى وقفت أمامهما نظراتها الضائعة لازالت ملتصقة

بعينيه كما نظرات الكاسرة التائهة بين الحيرة والاستغراب ينتظر

بترقب مريع ما سيقوله الذي سحب نفساً عميقاً قبل أن يخرج

صوته منخفضاً بجمود

" لقد وجدناها "

فاشتدت أصابعها في قبصة واحدة جهة صدرها وهمست بصعوبة

وبعينين امتلأت بالدموع

" هل هي بخير ؟ "

وهذا ما كان أعظم مخاوفها وغيره يمكنها تقبله وكيفما كان

ومهما كانت قسوته عليها ، وانحبست أنفاسها تراقب شفتاه التي

تحركت أخيراً ورحمتها

" هي بخير "


فتحررت أنفاسها التي كادت تعلق داخلها وللأبد وقال الكاسر هذه

المرة ينقل نظراته الحائرة بينهما

" ماذا يحدث هنا وأين هي والدتي ؟ ألم تأتي إلى هنا وذاك ما

قالته لعمتي جويرية ؟ "

وكان قاسم من تحدث حينها وقال ناظراً له

" أجل هي كانت هنا وتعبت قليلاً وتم نقلها للمستشفى ثم غادرت

من هناك ولم نكن نعلم عن مكانها "

حدق فيه بصدمة بسبب الفواجع المتتالية وقال ما أن استطاع

تحريك لسانه

" ولكن كيف ؟ لما تعبت وأين هي ؟! "


كانت نظرات تيما الدامعة تراقبه بصمت وحزن على حاله المشابه

لحالها بينما تولى قاسم والذي كم حمدت الله أن كان هنا وقت

قدومه باقي المهمة مجيباً على تساؤلاته بهدوء واتزان يشبهانه

" جواب سؤالك الأول ليس لديا حالياً ويبدوا أن زوجها وحده من

يملكه ، أما أين هي ففي منزل السيد عقبة وزير العدل "

وكانت تلك صدمة لهما معاً هذه المرة ولم تستطع ولا ابنتها والتي

كانت شاهدة على كل ما حدث استيعاب أو فهم سبب تواجدها

هناك ورغم ذلك قالت ما تراه الأهم بالنسبة إليها

" المهم أنها بخير "

أو هذا فقط ما كانت تظن فقد كان ثمة المزيد في انتظارها وأكده

الذي تمتم ببرود

" ثمة ما هو أهم من كل ذلك "

فحدقا فيه بترقب مريع كان سيدمر قلب من كانت تعلم أغلب ما

حدث فكيف بمن لم يعلم إلا الآن ؟ بينما قال هو وبعد نفس طويل

يكره أن يكون من يزف لهما هذا الخبر تحديداً

"لقد وصلت ورقة من المحكمة لمكتب والدك وهي دعوى طلاق "

ولم يترك جسدها المتهاوي نحو الأرض الفرصة ولا لشقيقها

ليستوعب الأمر وأيديهما تمسك جسدها عن السقوط أرضاً مغمى

عليها ورفعها قاسم بين ذراعيه سريعاً وسار بها بخطوات

مسرعة ناحية غرفتها ودخل بها والكاسر يتبعه مسرعاً حتى

وضعها على سريرها برفق وضرب وجنتها المشتعلة بإحمرار

بكفه برفق قائلاً

" تيما افتحي عينيك ... تيماً "

ورفع يدها سريعاً يمسك برسغها يتحسس النبض فيه قبل أن

يجلس على حافة السرير وقد عاد لضرب وجهها لكن بقوة أكبر

قليلاً هذه المرة يناديها قبل أن ينظر للكاسر والواقف خلفه

متسمراً دون حراك ينظر لها بعينين مذعورتين وقال سريعاً

" أحضر كأس ماء يا كاسر بسرعة "

فتحرك حينها راكضاً جهة الباب وترك الذي كان يحاول رفع

رأسها قليلاً لتتنفس بشكل أفضل حتى يرجع من عاد خلال لحظات

يحمل الكوب الذي لم يبقى فيه سوى النصف ومده لمن كان يبعد

غرتها عن جبينها تمسح يده على شعرها بينما كانت هي غائبة

عن كل ما حولها ، التفت له وأخذه منه وسكب منه القليل في كف

يده الآخر ومسح بها وجهها برفق مما جعل ملامحها الساكنة

تتغير بتغير أنفاسها وفتحت عيناها ببطء وقد ظهرت دموعها

ما أن وقعت نظراتها الحزينة المرهقة عليهما فوقها تمسك

عبراتها في صدرها المنتفض بينما مسحت يد قاسم على وجهها

يجفف الماء عنه قائلاً بقلق

" هل أنت بخير يا تيما ؟ هل نطلب الطبيب ؟ "

وكان تعليقها الوحيد أن أدارت ظهرها لهما ودست رأسها تحت

الوسادة الأخرى .. لم تتحدث لم تبكي ولا أي رد فعل مما جعلهما

يتبادلان نظرة صامتة لم يستطع أياً منهما قراءتها أو فهمها في

عيني الآخر !!

وقال الكاسر بحزن ما أن نظر لرأسها المختفي عنه لا يرى سوى

خصلات شعرها المتناثرة خلفها

" تيما ... "


فقاطعه صوتها الذي خرج من تحت الوسادة بجمود ونبرة

جوفاء متعبة

" أريد أن أبقى لوحدي "

فتقوست شفتاه بحزن كطفل صغير حرم من أجمل ما يعتبر نفسه

يملكه بينما وقف قاسم وأشار له بيده فقط بأن يفعلا ما طلبت

وغادر جهة الباب وهو يتبعه مكرهاً يسحب قدميه يجبرها على

إطاعته حتى كانا خارج الغرفة وأغلق قاسم الباب بهدوء فقال

الكاسر بضيق

" لما خرجت ؟ هي تحتاجنا الآن أكثر من أي وقت بل

وأنت تحديداً "

قال قاسم من فوره يدس يديه في جيبي بنطلونه

" لو كنت أعلم بأنها تحتاجني لبقيت ، هذه المرة الأولى التي

تطلب فيها أن تكون لوحدها وهي تشعر بالحزن والتعاسة "

فلم تزد عبارته تلك الواقف أمامه إلا ضيقاً وقال

" ها أنت قلتها بنفسك لم تطلبها سابقاً .... "

فقاطعه بجدية ينظر لعيناه المدججة بالحزن والألم والغضب معاً

" كاسر .. يبدو لي أنك لم تعرف تيما جيداً حتى الآن فهي آخر

امرأة في الوجود قد تحتاج أن تعامل كطفلة وتُجبَر على ما

ترفضه لأننا نراها تحتاجه ، اليومان الماضيان جعلاني أراها

بشكل مختلف تماماً عما كنت أظن "

وتابع حين لم يعلق الواقف أمامه وقد طغى الحزن في عينيه عن

أي مشاعر أخرى ورغم قسوة ما سيقول حتى خرج صوته

بلمحة حزن رجولية رخيمة

" ويبدو لي أنها باتت تقتنع تماماً بأن أحلام طفولتها التي تشبثت

بها لأعوام من الممكن أن لا تتحقق "

فحرك الكاسر رأسه بحزن وأسى وكأنه عاجز عن فهم أو حتى

الاقتناع بكل ما يسمع ويرى وقال بتوتر ظهر جلياً في نبرة صوته

" وما بها والدتي ! ماذا حدث ! "


وراقبت نظراته الذي لامس ظهره بيده وقال يدفعه ليسير معه

" تعالى لنجلس ونتحدث بروية فوالدها أمر أن أكون هنا ولا

أغادر أحببت هذا أم كرهت وكأنه يخشى أن تلحق بها ! " .



*
*
*

حركت الملعقة في الطبق تراقب حبات البازلاء السابحة في

الحساء وقد فقدت الرغبة سريعاً في إنهائه تشعر بكل شيء

موضوع في الأطباق أمامها يشعرها بالغثيان من مجرد التفكير

في تناوله .. بل ومن رائحته التي كانت ستكون بالتأكيد أشهى ما

يكون إن كان الوقت غير هذا الوقت والظروف غير الظروف ،

لون الحزن عينيها وتبدل لون القهوة النقية فيهما للشحوب فقد

مر النهار بطوله وشارفت الشمس على المغيب ولم يرجع من

غادر منذ الصباح ولا وسيلة لديها غيره لتعلم ما الذي يحدث وما

وصلت مصيبتهم له لما كانت انتظرته ولا لتنتظره وتتمنى

عودته .


وضعت الملعقة من يدها لحظة ارتفاع نظرها للذي أصبح جسده

يملأ باب المطبخ وكأنه خرج من أفكارها بل ومن أمنياتها

وانحبست أنفاسها تنظر لعينيه بينما تقدمت خطواته نحو الداخل

وسحب كرسي آخر من الكراسي المحيطة بالطاولة الخشبية

دائرية الشكل وقال وهو يجلس ونظره على الأطعمة فوقها

" يبدو لم تأكلي شيئاً بعد ! لا أنصحك بإضاعة الفرصة فطعام

عمتي لا يمكنك تذوقه في أي مكان "


واستدار بجسده للخلف ومد يده بطول ذراعه وسحب ملعقة من

الحاملة الخشبية المزينة تأخذ شكل زهرة مفتوحة للأعلى ، وما

أن عاد واستقر في جلسته بدأ بالأكل ونظراتها المستغربة تراقبه

وهو منشغل بطعامه ! أو هذا ما يبدو لها فحواسه كانت جميعها

موجهة نحوها وإن كان ثمة جيشاً مدججاً من الخلايا الحسية التي

يدخل في مواجهة عنيفة معها وفي كل مرة كي يمنع عيناه من

التحديق بها فكيف أن يحاربها كي لا تلمسها يده ؟

ولن يستغرب هذا منها فهي بالتأكيد توقعت سلوكاً مغايراً منه بعد

نقاشهما الحاد صباحاً ، وابتسم حين عجز عن إمساك نفسه أكثر

مما جعل نظرات الاستغراب في عينيها تزداد فنظر لها وقال قبل

أن تتهمه بينها وبين نفسها بالجنون

" وجدناهما وهما هنا في حوران "

وأمسك يداه بالقوة عن سحبها لحضنه حين ابتسمت وعيناها

تمتلئ بالدموع وظهرت الغمازتان الغائرتان بجانب شفتيها والتي

يراها لأول مرة حتى لم يستطع إبعاد نظراته عنها وأراحت يدها

المزينة بخاتم زواجهما على صدرها وهي تهمس بخفوت

" حمداً لله ... يا إلهي ظننت أن لا أسمع خبراً كهذا مطلقاً "

وارتفع كفها لعينيها ومسحتهما بظهره سريعاً وقالت ما أن نظرت

له مجدداً

" وأين هما الآن وأين كانا ؟ "

فنزع نظراته بصعوبة من وجهها كي لا يتهور بالفعل هذه المرة

وقال يشير للأطباق أمامه بحركة خفيفة من رأسه

" سأخبرك بكل شيء بعد أن تتناولين الطعام "

وابتسم يراقبها وهي ترفع ملعقتها وتأكل وتبدو على استعداد

لأن تأكل الأطباق أيضاً مقابل ذلك ! وأبعد نظره ينشغل بطعامه

كي لا تنقلب الأدوار وتصبح هي من تراقبه هذه المرة وعيناه

ملتصقتان بها ، رفع قطعة لحم الغنم ووضعها في طبقها قائلاً

" جربي هذه وأعدك أنك لن تتوقفي حتى تنتهي "

ووقف بعدها ووجهته ثلاجة المطبخ الضخمة ونظراتها تراقبه

حتى وصلها وفتح بابها وأخرج علبتا مشروب غازي فعادت

بنظرها لطبقها ورفعت الشوكة وأكلت من قطعة اللحم التي تكاد

تصبح قطعة زبدة من طراوتها ! وقد تم طبخها في صلصة

الطماطم والخضار والبهار الخاص في آنية فخارية وكانت كما

قال عنها لم تتذوق مثيلاً لها من قبل .

امتدت يده بجانبها وقد وضع لها علبة المشروب وكوباً طويلاً

لامعاً وسرقت نظرها بتجاهه ما أن جلس مكانه مجدداً ووضع

علبته وفتحها ليخترق صوت تسرب الغاز منها صمت المكان

وعادت تشعل نفسها بالطعام الذي لولا خبر إيجادهما ومزاجه

الذي تراه تغير جذرياً عن الصباح دليل صدق كلامه لما استطاعت

أن تأكل منه شيئاً .

ارتفعت نظراتها مع جسده ما أن وقف وحمل علبة المشروب بيده

وغادر المطبخ تنظر لمكان اختفائه باستغراب تعلن عجزها التام

عن فهم هذا الرجل ! فقد دخل وجلس وتناول طعامه ببدلته

واشترط عليها أن تأكل ليخبرها بكل شيء ووقف وغادر دون أن

يتحدث !! اتكأت بجبينها على راحة يدها تسند مرفقها بالطاولة

تحتها وتخللت أصابعها غرتها التي تحررت حينها من المشبك

الكريستال الصغير الذي كانت تثبتها به كما اختارت واحداً كبيراً

مشابهاً له لشعرها الطويل الكثيف لجمعه في لفافة كبيرة مرتخية

أسفل عنقها وهامت نظراتها الحزينة في أزهار قماش الدانتيل

الأبيض وأحد طبقتي مفرش الطاولة الأزرق الغامق ولا تعلم تفكر

في ماذا وتهرب بماذا من الأفكار ؟

فهي لا تفهم ولا تقلبات حياتها منذ أصبح هنا ! .

وقفت مستغفره الله بهمس وبدأت بجمع الأطباق وتنظيفها بسرعة

حتى أنها كسرت طبقين خزفيين ولم تهتم لتصبح سلة المهملات

مكانهما فلم يعد يمكنها الانتظار أكثر من ذلك لتعلم ما في جعبة

الذي غادر من هنا وكأنه لم يعدها بالتحدث ما أن تأكل ! .

جففت يديها جيداً في المنشفة الجديدة المعلقة في حامل خاص بها

وخرجت ووجهتها باب غرفته المغلق رغم حنقها الشديد منه

وكأنه يتعمد أن تلحق به هناك ! أدارت مقبض الباب وفتحته

دون أدنى تراجع أو تفكير وتسمرت مكانها تشعر بدلو ماء بارد

كالثلج يسكب على رأسها ما أن وقع نظرها على الذي كان يوليها

ظهره وقد نزع سترته وربطة العنق وكان قد بدأ بفك أزرار

قميصه وهي الحمقاء لم تفكر ولا في طرق الباب ومن حسن

حظها أنها استعجلت كثيراً كي لا تجده دون قميص أو حتى

بنطلون ! شعرت بوجنتيها تشتعلان درجة أن أحست الدماء تغلي

في رأسها وهي تنزل بنظرها ليديها اللتان اشتبكت أصابعهما

بتوتر ما أن استدار نحوها وقالت متلعثمة وكأنها طالبة مدرسة

صغيرة تقف أمام مديرها

" أخبر ... أخبرني ماذا علمت عنهما ؟ "

وتشجعت ورفعت رأسها ما أن رتبت جملتها أخيراً ونظرت

بأعصاب مشتعلة كالبركان للذي رفع علبة المشروب وشرب ما

تبقى فيها يرفع رأسه عالياً وكأنها لم تسأله وواقفة تنتظر !!

أنهى ما في علبته ورماها في سلة المهملات الأنيقة المخصصة

للغرفة والموضوعة في زاويتها قرب باب الحمام لتسقط فيها بعد

اصطدام طفيف بطرفها وجلس على حافة السرير وقال يفتح أزرار

أكمام قميصه ويخرجها منه ونظره على ما يفعل

" تعالي اجلسي "

فاشتدت أسنانها بقوة تنظر له بضيق بينما كان مايزال منشغلاً

بنزع الزر الأسود الذي كان يزين كم قميصه الناصع البياض

وتنفست بعمق تهدئ من توترها وخوفها كي يخرج صوتها

بجمود متزن على الأقل وقالت

" اشترطت أن آكل وأكلت فأرح قلبي وارحمه "

ودون شعور منها خرجت آخر كلماتها بلمحة حزن خفي جعلتها

أكثر هدوءاً وروية فرفع نظره لها وقال بتأني يثني أكمامه

للأعلى قليلاً

" عليك أن تعلمي إذاً بأني لن أستطيع القفز من هنا لمكانك

هناك حينما يغمى عليك .. "

وتبدلت نبرته للتسلية وهو يتابع باقي حديثه

" وعليك أيضاً إخباري قبلها بطريقة مجدية غير العطر

لأجعلك تفتحي عينيك مجدداً "

وكانت النتيجة ستكون مشابهة لمخاوفه تلك وهي ترفع ظهر

أناملها لشفتيها تخفي بها شهقتها المنخفضة الصامتة وعيناها

المغرورقه بالدموع تحدق فيه بجزع فضرب بيديه على فخذيه

ووقف موبخاً نفسه بتمتمات غير مفهومة فهو شرح لها الأمر

بسوء لا وجود له ودون قصد منه .

ما أن وقف أمامها أمسكت أصابعه بذراعيها المغطاة بقماش

بيجامتها الحريري وقال بجدية ناظراً لعينيها الدامعة

" جليلة أخبرتك بأنهما موجودان وبخير أيضاً وأقسم لك على

ذلك فتوقفي عن تعذيب نفسك ... "

وتابع يبعد يديه ويدسهما في جيبي بنطلونه وبنبرة بدت باردة

" فلن أكسب شيئاً إن فقدتك أنت وهما أحياء "

فهربت بنظراتها عن عينيه وشعرت بكلمات أحرقتها أكثر من

ملمس يديه على ذراعيها والذي أرجف جسدها بأكمله ،

وأغمضت عينيها ما أن أصبح المقابل لهما جسده المشدود

وباتت تخشى أن يغمى عليها بالفعل هذه المرة بسبب ارتجاف

دواخلها والإحراج وخرجت الكلمات من شفتيها تعبر عن كل ذلك

وكأنها توشك على الإنفجار باكية

" مؤكد لك شقيق وتفهم معنى أن يكون في خطر ولا تعلم

عنه شيئاً "

كانت ما تزال تغمض وبألم عيناها المخفيتان عنه بسبب خفضها

لرأسها ولم تترك لنفسها فرصة أن ترى الابتسامة المماثلة لألمها

ترتسم على شفتيه وقال ونظره على خصلات غرتها الناعمة ما

جُمع منها تحت المشبك المرصع بالفصوص وما انفلت منه قائلاً

" كان لي شقيقان أحدهما مات في حروب البلاد الأخيرة قبل

أربعة عشر عاماً والآخر في حادث سيارة وفقدت والدي بسبب

المرض ولم أراه منذ غادرت من هنا ، أما والدتي توفيت وأنا

رضيع لكني أعرف حتماً معنى أن يكون أحدهم في خطر "

رفعت حينها رأسها وعيناها الدامعة له وكانت ستعتذر وعن

ماذا تحديداً لا تعلم ! لكن كل ما خرج من شفتيها المرتجفة

الهامسة كان مخالفاً لذلك تماماً

" أين هما ؟ "

فعقلها كان متوقف تماماً عن العمل في غير ذاك المنحى وتعلقت

نظراتها بعينيه التي أبعدها عنها وهو يشيح بوجهه جانباً

وأمسكت يداه بخصره مما جعلها تعيش ذات تلك اللحظات حين

أخبرها في شقة شقيقها عن اختفائه ومن كانت معه وراقبت

بوجل شفتاه حين تمتم قائلاً بجمود

" في منزل السيد عقبة سلمان "

فانفرجت شفتاها بصدمة هامسة

" وزير العدل !! "

فعاد ونظر لعينيها المتسعة بصدمة فوق اتساعها وكسر قواعده

الجديدة في التأني لإخبارها أي فاجعة يتغلب عليه طبعه القديم

ورماها بها وفي وجهها ودون رحمة قائلاً بجمود

" أجل وابنة خالتك ترفع قضية طلاق وشقيقك نصب نفسه

محاميها الخاص كما يبدو "

وتجمدت كلماته كما أطرافه جميعها ما أن رفعت يدها لشفتيها

مجدداً تكتم عبرتها الباكية وأول دمعة تجد طريقها من رموشها

لوجنتها حتى بات يرى صورته في عينيها المصدومة والمغطاة

بطبقة كثيفة من الدموع وقال بضيق نافضاً يده جانباً

" جليلة بالله عليك ارحمي نفسك وارحميني فهو بخير وإن ... "

وكانت هي من نفضت يدها مقاطعة له بل وصارخة بحدة

" هل أصاب الجنون عقل ذاك الأحمق ؟ "

فتنفس بضيق وقال


" بل يبدو لي ثمة من يمتلكون شجاعة كبيرة درجة التهور !

ولست أعلم فعلاً هل أهنئه على هذا أم أنعته بالمجنون مثلك ؟ "

فانزلقت دمعة جديدة من عينها وقالت بذات ضيقها

" بل مجنون ولا يستحق سوى .... "

وبترت جملتها تمسك جانبي رأسها بيديها مفرودتان وهامت

نظراتها المشتتة الدامعة في الفراغ هامسة بضياع وكأنها

تحدث نفسها

" يا إلهي ...!! سامحك الله يا قائد على ما فعلته وتفعله بنا

قبل نفسك "

ورفعت نظرها سريعاً للعينين التي كانت تراقبها بوجل يمسك

صاحبها نفسه بصعوبة بل ويداه تحديداً عنها وقالت سريعاً

" أريد أن أراه "

فاتسعت عيناه بصدمة وقال

" تريه كيف والمنزل تحاصره قوة كاملة تمنع الجميع تقريباً

من الدخول له !! "

" ليس قائد أقصد "

قالتها مباشرة ورمته بها في قلبه وكأنها تنتقم منه بالمثل !

ولم يفق من الصدمة الأولى لتتبعها بأخرى قائلة ونيتها

التوضيح له

" خذني لمطر شاهين أريد أن أتحدث معه "

فاتسعت عيناه بصدمة قائلاً

" جننت يا جليلة ؟! "

ويبدو جملته تلك لم ترق لها مما جعلها تعلق مندفعة ودون تفكير

" أجل فلن أختلف عن شقيقي في هذا "

" جليلة !! "

طريقته التحذيرية في نطق اسمها لم تجعله يتحكم بالأمر كما يبدو

فقد عادت لتقول بضيق وإن لم يكن موجهاً له

" مجنون أم لا عليا الحد من عقبات جنونه هذا "

" بالجنون ؟! "


قالها بقوة يذكرها بالتشابه بين أفكارها وأفكار شقيقها لكن رأيها

كان مخالفاً تماماً وهو ما أوضحته سريعاً

" بل بالعقل فثمة ما يوجد منه في رأس ذاك الرجل بالتأكيد

وعليا رؤيته والتحدث معه "

لكن ذلك أيضاً لم يجعله يغير رأيه وقال بحزم ملوحاً بسبابته

جانباً وبرفض

" لا يا جليلة لست موافقاً فنحن رجاله لم نناقشه فيه ولا نعلم

ردة فعله على الأمر حتى الآن ونتوقع كل شيء منه فإن كان

صامتاً فصمته يتحدث نيابة عنه "


تعالت أنفاسها بسبب كلماته تلك وقالت بثبات وإن كان

ظاهرياً فقط

" هو لم يقرر أو يفعل شيء حتى الآن إذاً فاتركني أراه وأتحدث

معه ، هو رئيس بلادي ولا خطأ في هذا "

عقد حاجبيه بقوة بسبب ما قالت وكان صوته حازماً هذه المرة

" أنا لم أرفض لأني أراه خطأً بل لأني أعي أكثر منك حساسية

الأمر ومعنى الخوض فيه وهو يرفض التحدث عنه "

امتلأت عيناها بالدموع ترى أملها يموت وليداً بسبب رفضه ،

وحطمت جميع القيود التي صنعتها ووضعتها حول نفسها بل

وحتى كبريائها وعزة نفسها وأمسكت يدها بساعده وقالت راجية

تنظر لعينيه

" حلفتك بالله وأترجاك أن تفعلها من أجلي ومن أجل عائلتي ، إن

أردت سأكون خادمتك ما حييت فقط خذني لأراه وأتحدث معه

فوحدك من سيوصلني له ، أنقذ شرف عائلتي وابنها أرجوك "

كانت تنظر لعينيه برجاء حزين وعينان دامعة عبرتها المكتومة

تضطرب لها أنفاسها بقوة فسحب ساعده من يدها وقال بضيق

"جليلة أنت أعز وأرفع من أن تترجيني أو سواي افهمي هذا ؟ "

وكانت وكأنها لا تسمعه فعقلها كما قلبها لا يسمعان ولا يريان

سوى مستقبل شقيقها وعائلتها بأكملها فرفعت يدها لقميصه هذه

المرة وأمسكت قماشه ناحية صدره وقالت ببكاء تنظر

لعينيه تحديداً

" بلى وأتراجع عن كل ما قلت سابقاً وسأرجع لغرفتك وأعيش

خادمة لديك فقط اتركني انقذ شقيقي من هلاكه المحتم فلم يقده

لكل هذا سوى شهامته الحمقاء كمحامٍ "

أمسك بيدها بكلتا بديه يبعدها عن قميصه برفق هامساً بلا حول

ولا وقوة إلا بالله وتركها وعاد ناحية سترته المرمية على

السرير ورفعها وأخرج هاتفه منها وأجرى اتصالاً لم يجب صاحبه

كما يبدو وخمنت الواقفة هناك تمسح دموعها وتراقبه بصمت

بأنه سيكون زعيمه ذاك دون شك لأنه تأفف قبل أن يضع الهاتف

على أذنه مجدداً وقال لمن فتح الخط سريعاً على هذه المرة "

قاسم أين هو مطر الآن ؟ "

فشعرت بضربات قلبها ترتفع بجنون تدعو في سرها أن لا يجد

عذراً يتحجج به كي لا يأخذها له ، وشعرت بمقدار لا يمكنها

وصفه من الارتياح حين نظر ناحيتها وما أن قال

"جيد لا تتركه يغادر إن فكر في ذلك وبأي حجة كانت حتى آتي "

فتحركت حينها ومن قبل أن ينهي مكالمته قائلة باستعجال

" سأغير ثيابي سريعاً "


وغادرت الغرفة مسرعة لا تصدق أنه وافق فهو وسيلتها الوحيدة

لرؤيته فلن يسمح لها حرس منزله بالدخول ولا في أي مكان

غيره وإن حفيت خلفه وخلفهم .

أغلقت باب غرفتها وركضت ناحية الخزانة تفتح أزرار بيجامتها

وغيرت ثيابها سريعاً ولبست عباءتها بعد أن فكت شعرها ودسته

تحتها كي لا يظهر من تحت حجابها منتفخاً وهذه عادتها الدائمة

وكلما خرجت من منزل عائلتها سابقاً ، سحبت حجابها تركض

ناحية الباب ما أن طرقه الواقف في الخارج بما يبدو مفتاحاً

يستعجلها ، وما أن فتحت الباب وجدته أمامها وقد لبس سترته

مجدداً ودون ربطة عنق وقال وهو يسير أمامها

" إن لم ندركه في منزله فسيكون بسببك وأنا من سيترجاك

حينها لإنقاذ سمعتي فلن تحلمي مطلقاً بأن أدخل بك للقصر

الرآسي "

فحدقت فيه باستغراب قبل أن تتبعه تلف حجابها جيداً حول رأسها

ولم تعلق ، وإن كانت في ظروف أخرى بل مع شخص آخر

لضحكت حتى فقدت أنفاسها بسبب ما قال ! ولازالت تحار في

هذا الرجل الذي عرفته لدقائق قليلة فقط إن قامت بحسابها بدقة

منذ أصبحت هنا وقد خان جميع الصور التي رسمتها له كرجل

لمطر شاهين أولاً وكرئيس لمخابرات بلاد كاملة ثانياً والأهم !!.



*
*
*


وقفت منتصف صالون المنزل نظراتها الراجية الحزينة تتبع الذي

خرج من غرفته يلبس سترة بذلته الرمادية تتبعه زوجته تعدل

يداها ياقته من الخلف وقالت بأمل شبه معدوم

" أبي أرجوك فهذه الرحلة لن تتكرر قبل أعوام ووجودكما يكفي

لما أذهب أنا ؟ "


وقف حينها ونظر لها وقال بضيق

" ساندرين لا أريد أن أشرحها لك بطرق لن تعجبك أبداً لأنك

ترفضين فهمها كمخلوق بشري "

فحدقت فيه بصدمة قبل أن تضرب الأرض بقدمها قائلة

" أفهم من حديثك أني أصبحت حيواناً في نظرك ؟ "

وكان مصيرها كسابقه وقد رفع سبابته مهدداً إياها

" ساندي لا نقاش في أمر ذهابك معنا مفهوم ؟ كان ما تقولين

يمكن الموافقة عليه إن لم تكوني فرداً من تلك العائلة الآن

والميت هو شقيق زوجك ، يكفي أننا لسنا هناك منذ الصباح "


ضربت الأرض بكعب حذائها بقوة وحنق مجدداً ولاذت بالصمت

بل ولحقت بهما مستسلمة وقد فقدت الأمل نهائياً وهي من كانت

تحييه في قلبها طوال الساعات الماضية وحتى آخر لحظة تتمنى

أن يغير رأيه فلا يمكنها الذهاب لبريستول والعودة ثم اللحاق بهم

قبل أن تقلع الطائرة وضاعت رحلة الأدغال التي انتظرتها لأيام

بتشويق وحماس لم تعرفهما يوماً .


ما أن جلست في المقعد الخلفي لسيارة والدها أخرجت هاتفها

وأرسلت رسالة سريعة ( حدث أمر طارئ ولا يمكنني الذهاب

معكم يا إيمّا أبلغي مدير الفريق والمشرفة المسؤولة عن الرحلة )

ثم أغلقته نهائياً ودسته مجدداً ونظرت جهة نافذتها بعبوس بل

ورفعت مرفقها تسنده بإطارها واتكأت على يدها تنظر للشوارع

وحركة المارة فيها بقهر لا تتوقف عن التأفف بتذمر والتنهد

بحنق طوال الوقت فآخر ما قد تهتم به هو موت ذاك الرجل ...

صحيح أنه شعور لا إنساني لكنها مشاعر تتغلب عليها فهي من

شهدت سابقاً جرمه البشع في حق الفتاة المسكينة التي كاد يقتلها

من شدة ضربه لها ، بل ولم تلتقيه يوماً وإن نذر ذلك إلا ونظر

لها بإزدراء وتعالي وكأنها حشرة تحت قدميه !



بل ووالدته لم تكن على علاقة وطيدة بوالدتها .. ومنذ صغرها

كانت تلحظ كرهها الشديد لضرتها والدة رواح والتي كانت

الصديقة المقربة لوالدتها فقط بسبب مشاكل الهازان وعائلة

كنعان وما فعله مطر شاهين ، لتصبح إحداهما مساندة للدخول

العسكري لزعيم الحالك لأراضيهم في الهازان والأخرى لا تراها

سوى خائنة كعائلتها التي أباد ابن راكان أغلب رجالها وحتى

اليافعين منهم بتهم الخيانة ، وبالرغم من مرور أعوام عدة على

ذلك حتى نسيه أهل تلك البلاد وعاشوا في بلد جديد موحد آمنين

وتحت حكم رجل آخر ليس ابن شاهين ولا ابن راكان إلا أنها ترى

أن تلك المرأة لا تنسى أبداً ! بل وجعلت ابنها نسخة أخرى

كريهة عنها .


رفعت رأسها واستوت جالسة وقالت تنظر الجالسان في الأمام

تتدخل في حديثهما الطويل الكئيب فجأة بل وبضيق بدا واضحاً في

نبرة صوتها الرقيق

" لا أصدق أن تفعلها زيزفون ! وإن فرضنا ذلك مثلاً فهو

يستحق "


فكانت شهقة والدتها المرتفعة رد الفعل الأول على ما قالت وتبعها

صوتها قائلة بضيق تشير لها بسبابتها دون أن تلتفت لها

" ساندرين أتركي آرائك لنفسك رجاءً ولا أسمع هذا ونحن هناك

ولا بينك وبين نفسك مفهوم ؟ "

فضربت قبضتها على ظهر كرسيها أمامها وقالت بضيق مماثل

" نحن لسنا هناك الآن ولا أراكما سوى ظالمان مجحفان لتحكما

على شخص لم تعرفاه بينما كلاكما يعرف نجيب ذاك جيداً "

وكان والدها من تحدث حينها قائلاً بجدية وحزم

" الرجل ميت الآن ولا يجوز ذكر مساوئه فإن كان لديك كلمة

طيبة عنه تكلمي أو أصمتي نهائياً "

قالت من فورها وبحنق

" واتهامها هي هكذا لا بأس به ؟ "

قالت الجالسة أمامها

" لم يتهمها أحد فوالدتك تحدث عن الأمر كونه مأساة ولا خطأ

في أنه معه حق وكان عليهم أن لا يخرجوها من المصح بما أنها

لم تتعافى بعد "

ضربت براحة يدها فخذها المغطى ببنطلون جينز ضيق

وقالت بضيق

" بل هي أعقل منا جميعاً "

وأضافت من فورها وبضيق أكبر

" ومعكما حق فأنتما لم تريا ما رأيت والطريقة الوحشية التي

ضربها بها سابقاً .. ومن حماقتي أطعتهم في أن أصمت عن

الأمر ، وبما أنها جريمة قتل كما تقولان فلست ملزمة بالتعامل

مع الأمر معاملة ميت لا نتحدث سوى عن محاسنه بل وإن

احتاجت المحكمة لشهادتي فلن أتردد أبداً في الإدلاء بها "

وما أن انتهت زوبعة صراخها الحانق همست والدتها للجالس

بجانبها

" لو أنك تركتها تذهب معهم أفضل لها ولي ، متأكدة من أنه

لن يهنأ لها بال حتى تتسبب لنا بفضيحة هناك "

" سمعتك أمي "


قالتها بضيق تضرب بقبضتها على ظهر كرسيها مجدداً فاستدار

رأسها لها هذه المرة ونظرت لها بحزم وقالت بتهديد

" وبما أنك سمعتها فها أنا أحذرك يا ساندي فابلعي لسانك لأن

عقابي لن يكون هيناً أبداً ، وحين تستدعيك المحكمة كما تقولين

تحدثي بكل ما لديك أما ما نحن ذاهبون له الآن لا وجود

للقضاة فيه "

نفضت حقيبتها في حجرها متأففة بصوت واضح وعادت للإتكاء

على إطار النافذة والنظر للطريق المحاط بسياج خشبي أبيض

طويل ممتد مع طوله يفصله عن الأشجار والشجيرات الشديدة

الخضرة على جانبيه لأن سيارتهم أصبحت تسير خارج شوارع

لندن وقررت الصمت نهائياً ، قسماً لو كانت أحد القضاة الذين

تتحدث عنهم لأعلنت براءتها على الفور فلن تصدق أبداً بأنها

فعلتها ومؤكد سيكون هو من حاول قتلها بعد أن ضربها ولم تفعل

ذلك إلا دفاعاً عن نفسها لكي لا تكون هي الضحية ، دست

شفتيها في ساعدها وتمتمت بضيق

" يبدو كان عليا دراسة الحقوق لأدافع عن النساء ليس

لأعالجهن "


واستمرت باقي الطريق على ذاك الحال تخبئ نصف وجهها في

ساعدها نظرها على الطبيعة في الخارج بينما لم تستطع منع

نفسها عن التمتمات المتفرقة تدلي برأيها فيما يقولانه بين الحين

والآخر وإن كانا لا يسمعانه حتى توقفت سيارتهم أمام البوابة

الخارجية لقصر العائلة حيث تجمعت سيارات أخرى ولم يفتح

الحرس الباب لهم مما يعني بأنه يُمنع دخول أي أحد بسيارته ؟!

وما أن أصبحوا في الداخل علمت السبب وهو اتخاذ جانب كبير

من حديقة المنزل كمكان لتلقي التعازي خاص بالرجال حيث

وضعت مجموعة كبيرة من الصالونات الكاملة هناك وحيث

مجموعة كبيرة أيضاً تجلس عليها وحتى بعض الإنجليز بالرغم

من أن التعازي هنا تقدم في المدافن وتلك هي عاداتهم !!.


ما أن اقتربوا من المكان الذي يقف فيه ضرار وابنه سلطان

يستقبلان المعزين وقف ثلاثتهم وحذت هي حذو والديها تعزيهما

فأحدهما والد زوجها كما يقولان والآخر جده .. وقد كانت

ملامحهما تكسوها مشاعر متقاربة وإن كانت إحداها جامدة

متجهمة والأخرى عابسة حزينة ، وكم كانت ممتنة وسعيدة لأنها

لم تجد زير النساء ذاك معهما وثمة بصيص نور صغير في يومها

الكئيب هذا ويبدو ليس سيئاً بأكمله .

ولم تستطع منع عيناها من النظر ناحية الجالسين على بعد أمتار

بسيطة عنهم ولمحته يجلس مع الموجودين هناك ويبدو استلم

هو تلك المهمة بما أنها لا ترى وقاص هنا ! لكن سعادتها تلك لم

تدم طويلاً فما أن أبعد نظره عن الجالس قربه يتحدث معه ونظر

ناحيتهم بل ولها تحديداً حتى وقف على طوله وتوجه نحوهم بينما

كان والدها يسأل حينها عن وقاص الذي أخبره جده بأنه منذ

غادر لمبنى النيابة فجراً لم يرجع حتى الآن فلم تشعر بنفسها إلا

وقدماها تهربان بها من هناك معتذرة منهم بكلمات سريعة حيث

كان هو قد وصل عندهم حينها وقد انشغل ضرار وابنه مع أحد

أصدقاء العائلة الذي وصل وقتها ، بينما صافحته والدتها تعزيه

وقالت محرجة من تصرف ابنتها

" لا تلمها فهي غاضبة لأنها حُرمت من رحلة المنظمة للأدغال

الفرنسية "

ونظرت ناحية زوجها الذي وكزها ويبدو بعد فوات الأوان

فتبريرها قد لا يكون سوى مصيبة أخرى تعني أنها لا تهتم

بمصابهم وبموت شقيقه ، ونظرت له ما أن قال بابتسامة صغيرة

لم تغير شيئا في عيناه الكئيبتان

" لا بأس عمتي فمشاعرها ناحيتي واحدة وإن كنت أنا الميت "

شهقت حينها بصدمة وقالت

" لا قدر الله بني وحماك الله ورعاك وترى أبناء أبنائك "


فابتسم لها بلباقة وصمت واعتذرت هي مغادرة وتركت زوجها

ينظم للبقية ، وما أن اقتربت لباب المنزل وجدتها تنتظرها هناك

وقد قالت من قبل أن تتحدث

" رجاءً أمي لا توبيخ لا طائل منه الآن "

ورجائها ذاك يبدو لم يجد صداه عند التي قالت بضيق

" لا أفهم لما تعشقين وضع والدك في مواقف سيئة

بل ومحرجة ؟ ما في الأمر إن مددت يدك لتعزيته في شقيقه ؟ "

زمت شفتيها بضيق قبل أن تقول

" أنا لم أضع والدي في أي مواقف محرجة لما كنت هنا من أجله

فقط ، وأعتقد أنني هنا من أجل عمي سلطان ووالده ليس من أجل

زير النساء ذاك "

وحين كانت الواقفة أمامها ستهاجمها بغضب مجدداً سبقتها

قائلة بضيق

" أمي بالله عليك ارحميني يكفيني نكبات لهذا اليوم فقد اكتفيت "

لكن محاولتها تلك لم تجدي أيضاً وقد قالت التي رفعت سبابتها في

وجهها مهددة

" أنت من عليها أن تصمت ونهائياً وادخلي ورائي الآن ولا

أسمع صوتك ولا تمتماتك الغير مفهومة هل فهمتي هذا ساندي

أم أعيد ؟ "


فنفضت حقيبتها بيدها قائلة بضيق

" أفهم أمي أفهم ولدقائق معدودة رجاءً فإن كان هو ... "

وتابعت تمطط كلماتها متشدقه

" رحممممة الله عليه .. لا يطاق فوالدته أسوأ منه معي "

وراقبت نظراتها بحنق التي أولتها ظهرها ودخلت المنزل متمتمه

" لا حول ولا قوة إلا بالله "

فتأففت وتبعتها بخطوات غاضبة حتى كانتا بالداخل حيث تجمع

آخر لكن نسائي وفي أماكن متفرقة وإن كانت قريبة من بعضها

في صالونات البهو الضخم واقتربت بخطوات بطيئة تتبع والدتها

حيث وقفت والدة رواح وضرتها الأصغر بينهن واقتربتا وتبادلن

السلام والقبل وقدمت هي أيضاً العزاء لهما قبل أن تنتقلا ناحية

التي كانت تهيم بنظرها للفراغ بحزن ملامحها وعيناها متورمتان

بشدة من كثرة البكاء ودموعها لازالت تتقاطر منهما في صمت

تمسك مجموعة مناديل ورقية في يدها التي تريحها على مسند

الكرسي الجالسة عليه وقد وقفت ما أن وصلتا لها وتلقت

تعازيهما بصمت وكأنها فقدت صوتها ! قبل أن تعود للجلوس

ولوضعها السابق وبينما جلست والدتها في أقرب مكان شاغر

حيث تجلس والدة المغدور كما يسمونها قررت هي الجلوس

بجانب ضرتها الأكبر ووالدة من يسمى أيضاً بزوجها وبالرغم من

أنها والدة ذاك الكريه إلا أنها الأفضل سلوكاً في نساء هذه العائلة

كما ترى ولا تصلح لتكون والدة لذاك الطفرة الجينية الذي يبدو لم

يأخذ من دماء والدته شيء عكس شقيقه الأكبر والذي كما يبدو

هو من لم يكن له من دماء عائلة السلطان الموقرة نصيباً ! .

ابتسمت للخادمة تشكرها حين قدمت لها كوب قهوة رفضته بلباقة

واستغلت فرصة حجبها لهما عن البقية بجسدها الممتلئ قليلاً

تقدم القهوة السوداء لهم فمالت قليلاً نحو الجالسة قربها

وسألتها هامسة

" أين هي زيزفون عمتي ؟ "

وبادلتها تلك الهمس سريعاً ودون أن تنظر لها

" في غرفتها "

فابتسمت بارتياح وكانت موقنة بأن نظرتها لذاك النبيل الوسيم

لن تخونها أبداً ولم يترك عزاء شقيقه عبثاً ، وبأن تلك الفتاة

الوحيدة وسط عالم الوحوش هذا لن تضام وهو موجود

وحي يتنفس .

بحثت نظراتها بين الموجودين قبل أن تهمس للجالسة

بجانبها مجدداً

" وأين هي زوجة وقاص ؟! "


وكان ردها سريعاً هذه المرة أيضاً وهامساً

" نائمة في الأعلى ، لقد ذهبت شقيقتها لتخبرها "

فحدقت في جانب وجهها بصدمة فما تعلمه أنه توفي منذ ساعات

فلما ليست هنا وكيف لا تعلم ؟!

مطت شفتيها بضيق وتمتمت

" كنت أقول دائماً بأن الباندا البشرية لديها فترات سبات أيضاً

ولا أحد يصدقني "

فتنحنحت الجالسة بجانبها وتحركت في مكانها مما جعلها تعض

على لسانها داخل فمها موبخة ونظرت لا شعورياً اتجاه والدتها

التي وكما توقعت وجدتها تنظر لها بتركيز عاقدة حاجبيها وكأنها

تحاول سماع ما تقول من كل تلك المسافة ! أبعدت نظرها عنها

ولاذت بالصمت فما علاقتها هي بها أين تكون وأين تذهب؟!

لكن الأمر يحدث رغماً عنها فهي لا تحب هذه الأجواء وتحاول

دائماً تشتيت انتباهها بأي شيء حين تكون في وضع مماثل ، لا

تراها أجواء مملة كما يقر الأغلب دائماً لكنها تشعرها بالتوتر

وينتابها شعور داخلي غريب يشبه الخوف فهي تعيش في عائلة

مكتملة الأفراد .. والداها وشقيقها الوحيد وإن كان من والدتها

فقط إلا أنها تحبه بجنون ولا يمكنها تخيل أن تفقد أحدهم يوماً

وأن تكون مكان المرأة المحطمة الباكية بصمت هناك ، وحضور

هذه المناسبات ومثيلاتها يذكرها بتلك الحقيقة التي لا مفر لها

منها بالتأكيد لذلك تكره التواجد فيها وتتوتر كثيراً بسبب أفكارها

تلك فليس سهلاً على المرأة تصور أن تفقد أحد الأقرباء المقربين

لها وأن تقف موقف والدتها حين مات زوجها وتركها وإبنه ..

ولا والداها حين ماتت زوجته وجنينها معها في حادث سير ، ولا

أي مواقف مشابهة لتفقد أحدهم ... حسناً لابأس ستختار أن تكون

أرملة على بافي الخيارات جميعها ، كتمت ضحكتها واستدارت

مقلتاها الزرقاء الغامقة جانباً دون أن تتحرك تتخيل أن تسمع

الجالسة بجانبها الآن أفكارها تلك ، ستطردها ووالدتها من هنا

بالتأكيد بل وستلحقهم للخارج لتطرد والدها معهما .


ارتفع نظرها حيث اللتان ظهرتا من منتصف السلالم تنزلان

عتباته معاً وتجعدت ملامحها وهي تنظر لصاحبة الفستان الأسود

بأكمامه الطويلة والتي ما أن وصلتا للأسفل توجهت من فورها

لزوجة والد زوجها الباكية وما أن وقفت لها تلك حضنتها تبكي

بنواح مبالغ فيه جعلت الأخرى تبادلها البكاء بعبرات مرتفعة

باكية فتململت في مكانها بضيق وأبعدت نظرها عن تلك

الجهة كاملة .

وبعد أن انتهى مهرجان النواح أحادي الجانب هناك لم يكن ثمة

مكان لها لتجلس قربها فاختارت أقرب مكان لها هناك وكان

الأقرب لهن هنا أيضاً وشقيقتها بجانبها وانطلقت التي لازالت

تنوح دون دموع تضرب بيدها على فخذها وتمسح بها عليه

" قتل الله كل من قتل نفساً بغير حق "

فرمقتها بطرف عينيها ببرود وشقيقتها تطبطب على كتفها بحركة

بدت قوية بعض الشيء وكأنها تأمرها بالصمت وعدم التمادي

أكثر في تمثيلها الفاشل كما تراه ، وما أن قالت شقيقتها ومن

تعتبرها صاحبة العينان الشريرتان والحاجبان المرفوعان بشر

وما أن أبعدت يدها عن كتف شقيقتها

" لا حق يضيع وراءه قانون "


حتى كانت تلك القشة الواهنة بينها وبين لسانها فقالت ببرود دون

أن تنظر ناحيتهما وبصوت تعمدت أن يصلها بوضوح

" بالطبع سيأخذ العدل مجراه الحقيقي كما حدث مع الشاب

الرسام جوش ، لقد أظهر صديق وقاص وببراعة براءة المتهم

بقتله وظهر أن زوجة شقيقه هي من دفعه للجرم في حق نفسه

وألبست جريمتها لشخص بريء "

جعلت عبارتها تلك المكان بأكمله يعم بالصمت ونظرات ضحيها

وشقيقتها الجالسة بجانبها تكاد تأكلها من الغضب والصدمة وهي

تشبهها بتلك المرأة .. بل ووالدتهما من مكانها هناك وكأن

صاعقة ما نزلت عليها لكنها لم تكن ترى سوى عينا والدتها التي

كانت تكاد تأكلها ولا تستبعد أن تقفز ناحيتها في أي لحظة

وتغرس أظافرها في عنقها فأبعدت نظرها عن الجميع وسعلت

قليلاً تخفي شفتيها خلف قبضتها وفتحت حقيبتها وأخرجت هاتفها

منها وفتحته تتجنب النظر لجميع الموجودين وانفتحت عيناها

على اتساعها بصدمة تنظر لأحرف الرسالة التي وصلت ما

أن فتحته

( لديا خبر رائع سيعجبك ... لقد أخرجونا من صالة المسافرين

وألغيت الرحلة وتم تأجيلها عدة أيام بسبب أوامر مفاجأة باتصال

من مدير المنظمة )
ولم تدرك بأنه ثمة شهقة مصدومة خرجت ودون شعور منها

حين رأت الخبر إلا وهي ترفع رأسها وتنظر للأعين المحدقة فيها

باستغراب فدست هاتفها في حقيبتها مجدداً وأبعدت نظرها عن

الجميع الى اللوحات الضخمة المعلقة على الجدار البعيد يساراً

وأولهم والدتها التي لم تكلف نفسها عناء النظر ناحيتها لتعلم

ردة فعلها .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 08:32 PM   المشاركة رقم: 1505
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

خرجت من غرفتها بعد وقت طويل قضته في سريرها تنظر للجدار

المقابل لها يراجع عقلها كل ما مرت به في حياتها منذ عرفت من

تكون وما أجبرها عليه واقعها وحتى هذه اللحظة التي اعترفت

فيها مرغمة بأن حلمها الصغير الذي كبر معها لم يتعدى عتبات

وسادتها الصغيرة الزهرية اللون التي كانت تنام عليها طفلة

وتحلم بأن تكون في منزل يحضن عائلتها بدفء ، صحيح أنها لم

تجد ذاك الحلم طوال سنوات طفولتها ومع ذلك عاشت على أمل

تحققه وإن أصبحت شابة أو حتى عجوز لكنها آمنت الآن بأن

أحلام الطفولة السخيفة لا تصلح سوى لحكايات الليل ولأطياف

الأحلام الوردية ونحن نيام ثم تنتهي بمجرد أن ننام أو نستفيق

ولا نذكرها مجدداً لأننا نعلم بأنها لا تمت للواقع بأي صلة .

توقفت خطواتها ما أن التقت بالخادمة عند نهاية ممر

غرفتها وقالت

" أين والدي ؟ "

فهي سمعت صوت سيارته قبل قليل بينما لم تغادر بعد وهذا ما

أكدته الواقفة أمامها حين قالت باحترام

" في مكتبه سيدتي "

سألتها من فورها

" وقاسم معه ؟ "

حركت رأسها نافية وقالت

" خرج هو والسيد كاسر للخارج "

فأومأت لها شاكرة بهمس وتحركت تلك مجتازة لها قبل أن توقفها

كلماتها البطيئة

" أين هي أمامة "

فوقفت واستدارت نحوها وقالت بلمحة حزن

" لقد تم نقلها للسفارة بطلب من السيد مطر ولا أعلم

ما قرر بشأنها "

تنهدت نفساً عميقاً وأصابعها تشتد على قطعة القماش الملفوفة

والتي تمسك بها وتابعت طريقها وتركتها خلفها ، وما أن كانت

في بهو المنزل سمعت صوت الموجودان في الخارج ويبدو

يتحدثان عن دراجة الكاسر النارية فأولت كل ذلك ظهرها وسارت

باتجاه ممر مكتب والدها ووصلت بابه المغلق ووقفت وطرقته

حتى سمعت الصوت الجاد ببحته المميزة يسمح لها بالدخول

فتنهدت بعمق تغمض عينيها ومشجعة نفسها أيضاً ، فليختر كل

واحد منهما ما أراد هي باتت مقتنعة بأن تكتفي بحبها لهما

وبوجودهما ضمن الأحياء وإن لم يكونا معاً .

فتحت الباب ببطء حتى ظهر لها الجالس خلف مكتبه يوقع أوراقاً

بتتابع ويضعها فوق بعضها جانباً ولم يرفع رأسه ولا نظره لها إلا

أن أغلقت الباب واقتربت خطواتها منه وتمنت لحظتها أنه لم

يفعل وبقي مشغولاً مع مسؤولياته التي تراها تحيل حتى بينه

وبين التفكير فيما يحدث معهم جميعاً وليس معه فقط ، وشعرت

بألم قاتل في قلبها وهي ترى والدها الذي عرفته سنوات غربتهم

كاملة في تلك البلاد البعيدة يعود مجدداً بعد أن بدأت تراه يتغير

تدريجياً منذ أن أصبحوا هنا .

ابتلعت ريقها الجاف ومرارتها معه وقالت بحزن تنظر لعينيه

المحدقتان بها بجمود

"جدي يسجن نفسه في غرفته وقد قرر العودة لبريطانيا مجدداً "

واختنق صوتها وهي تتابع برجاء حزين

" لا تتكره يبتعد عنا ويغادر أبي أرجوك "

" ولما قرر هذا ؟ "

شعرت بقلبها تقلص بسبب نبرته الجافة وتلعثمت قائلة

" لأن .... لأن والدتي كانت ... "

وعادت تشجع نفسها لتخرج بجملة مفيدة بعد أن رأت أن نظرته

لم تتغير بالرغم من ذكرها إياها وقالت بحزن عميق

" قبل أن تتعب وننقلها للمستشفى كانت منهارة وغاضبة

كثيراً منا و..... "

وعادت الكلمات لخيانتها وعجزت عن قولها ولم يساعدها أبداً
الذي لم تترك عيناه الجامدتان عيناها واندفعت الكلمات وكأنها

تفر منها

" هي قالت بأنه ليس والدها وبأني لست أبنتها ولا تعترف

بنا عائلة لها "

وارتجف جسدها ما أن أنهت كلماتها القاتلة لها بالدرجة الأولى

فكيف أن تقولها أمامه ؟

وملأت الدموع عيناها ما أن لمحت وميض الغضب الذي اشتعل

في العينان السوداء الواسعة وإن لم يظهر على ملامحه

وقالت برجاء

" أبي أرجوك لا أريد أن أخسره هو أيضاً "


وما أن علمت بأنه سيتحدث بعد كل ذاك الصمت وتعرف لما

قالت تسبقه

" لا تقل بأنه لديا زوج وحياة لا تحتاج غيره فأنا أحتاجكم جميعاً

وإن كنتم مستغنون عني "

وتدحرجت دمعة واحدة فوق وجنتها اليمنى ما أن أنهت عبارتها

الحزينة البائسة تلك وقال الذي تحدث أخيراً وبجمود يشبه

ملامحه كما نظراته

" حسناً ... وطلبات أخرى ممنوع يا تيما "

حركت رأسها نفياً ورفعت ظهر كفها لوجنتها تمسح الدمعة

المنزلقة عليها تفهم ما يقصد تماماً وما يتوقع أن تطلب منه

أيضاً وهو أكثر ما يؤلمها ، ورغم ذلك قالت وبأسى

" أؤمن بأن لوالدتي أسباباً نجهلها كما بت متيقنة من أنها لم

تعد جزءاً من حياتنا لكن جدي سيكون وحيداً هناك ولن يشعر

بالسعادة وإن كان حراً طليقاً كما يقول ويريد "

وما أن أنهت عبارتها تلك تقدمت من مكتبه ووضعت لفافة

القماش على الطاولة أمامه وقد انفتحت من فورها كاشفة عن

خصل الشعر السوداء الناعم المجموعة فيها وقالت بهمس

مخنوق تنظر لملامحه وعيناه اللتان جمدتا عليه دون حراك

ولا أي تعبير يرتسم فيهما

" هذا آخر ما تركته قبل رحيلها "

وأولته ظهرها ودموعها محتجزة في عينيها وغادرت جهة الباب

راكضة وبالكاد استطاعت من خلف دموعها أن ترى الخادمة

التي وجدتها أمامه وما ان فتحته وخرجت بينما وقفت تلك عند

الباب قائلة

" سيدي ثمة امرأة هنا تريد رؤيتك "


*
*
*

اشتدت قبضتاها بجانب جسدها بتوتر حاولت تبديده بالنظر

للمكان حولها ولتفاصيل المنزل العريق الذي لم يخفي التجديد

ولا اللمسات الحديثة عراقته وجماله ، ولم يزد ذلك حالها إلا

سوءاً وهي ترى قوة ذاك الرجل في منزله قبل أن تراه مما جعل

مهمتها تزداد صعوبة وهي من تعرفه جيداً من المرة الوحيدة

التي رأته فيها .. لكنها عازمة على ما تريد فعله ولن تقف

مكتوفة اليدين تراقب نهاية عائلتها كاملة بسبب تهور شقيقها

قبل نهايته هو وبيدها شيء تفعله قد ينقذ على الأقل حياته

ولن نقول مستقبله .

إبتعد نظرها عن خشب السلالم المشغول بما يعرف الأربيسك

العربي الأصيل ليكون تحفة منفردة لوحده ونظرت للتي خرجت

من حيث غادرت الخادمة قبل قليل والتي وقفت مكانها تنظر لها

بعينان دامعة قبل أن تركض نحوها واستقبلتها هي تحضنها بقوة

تمسك نفسها بصعوبة عن البكاء وإن لم تبكي هي فاحتضانها

القوي لها يتحدث ويبكي وينوح نيابة عنها ، رفعت يد مرتجفة

لرأسها ومسحت على شعرها هامسة بحزن

" لقد عرفت والدتك جيداً يا تيما وكبرنا سوياً .. هي تفعل

أي شيء من أجل عائلتها ولن تفكر في أذيتهم "


وراقبتها بحزن وهي تبتعد عنها وتتحرك مسرعة ناحية ممر ما

يفتح على ذات البهو الواسع بخطوات شبه راكضة وفي صمت

يشبه دموعها التي كانت تكتفي بمسحها وحيدة حتى اختفت عنها

تشعر بقلبها يتمزق معها .. وها هي عائلة أخرى تتحطم بسبب ما

حدث ولم تكن هي الوحيدة .

أبعدت نظرها عن هناك ونظرت ناحية الذي جعل ضربات قلبها

تشتد بانفعال قوي ما أن ظهر أمامها وإن كان بعيداً عنها بعض

الشيء .. صاحب البنطلون الأسود والقميص الناصع البياض مع

ربطة عنق فقط بينما يمسك بسترته من ياقتها في يده ولم يكلف

نفسه ولا عناء أن يلبسها وهو يجهل هوية زائره بالتأكيد !

وقد وقف ينظر لها بصمت وملامح صلبة قاسية جعلت أطرافها

ترتعش تحت قماش عباءتها الواسعة .. لم يصرخ لم يطردها ولم

يأمر حرسه وخدم منزله برميها خارج أسوار منزله كونها شقيقة

قائد نصران كما كانت تخشى وقد نسف جميع سيناريوهات عقلها

الوهمية تلك بالرغم من أن نظرته كانت كفيلة بالقتل ودون

رحمة ، ولا تعلم لما شعرت فجأة بأن هذا الجبل الشامخ القوي

يخفي خلفه قلب تضرر وبقوة يرفض ولا التفكير في إظهار

ذلك ؟ وبالرغم من تفهمها لما مرت به ابنة خالتها ومعاناتها

التي أخفتها عن الجميع لأعوام تتجرع أوجاعها وحيدة إلا أنها

تعلم أيضاً بأن كسر الرجال قاسي وقاسي جداً أيضاً .. وحين

يقف الرجل في وجهه ليكون أقوى منه يكون الأمر أكثر قسوة .

ازدردت ريقها بصعوبة وتحدثت حين علمت بأن هذا ما ينتظره

وكأنه يتوقع أن تقول ما لديها وتغادر مختفية من أمامه

" أنت أخبرتني يوم التقينا في جمعية الغسق بأنك مدين لي

وبأنه ثمة دين قديم في عنقك وأعرفك رجل كلمته تسبق كرامته

وبأن عدله أكبر من عظمة رجولته "

وسحبت نفساً عميقاً لصدرها وتابعت حين لم يعلق بشيء تُرضخ

نفسها مجدداً من أجل شقيقها

" وأنا أرجوك سيدي أن لا تنتقم مما فعله شقيقي وأقسم لك بمن

خلقه وخلقني بأنه نسي أمر غسق منذ علم بأنها لا تكن له أي

مشاعر ولا يتصرف الآن إلا كمحامٍ لجأت له قريبته وصديقة

طفولته "

وغمرت الدموع عيناها وهي تتابع ببحة تحاول التحدث مع القلب

الذي لم ينطق صاحبه بشيء حتى الآن

" وأتمنى أن ترأف بقلب والدته كي لا نخسرها بعده على الفور "

وأغمضت عيناها تسجن تلك الدمعة وتحبس معها نفساً سحبته

لصدرها بقوة ما أن تحرك من مكانه حتى تخطاها مجتازاً لها دون

أن يتحدث بشيء وكأنه يقول لها وبلباقة قاسية

( سمعت ما لديك وانتهى )

وذاك ما اعتقدته حتى شعرت بسكين قاسي يطعن ظهرها حين قال

بجمود من ورائها وهو يغادر

" لست أنا من يبيع مبادئه من أجل امرأة .. ولا بسببها "

هكذا فقط وهذا فقط ما قاله وغادر وكان كافياً ومغنياً عن قول

الكثير فمسحت بقوة دمعة كانت ستقفز من عينيها وكم كرهت

حينها قائد وابنة خالته معه بل ونفسها أيضاً ولم تعد تعلم مع

من تتعاطف ومن هو المذنب ومن هو الضحية ؟!

وما أن تأكدت من مغادرته وهو وما أكده لها صوت السيارة

في الخارج خرجت أيضاً نظرها على خطواتها متجهة على الفور

ناحية السيارة البيضاء التي جلبتها إلى هنا لم تنظر ولا للذي

تبعها من فوره وقد جلست في كرسيها من قبل أن يفتح بابه تنظر

لنافذتها بل للإنعكاس الباهت لصورتها في زجاجها اللامع

ولملامحها البائسة الكئيبة ترفض أن يرى كل ذلك أي أحد وحتى

الذي جلس خلف المقود وقد قام بتشغيل السيارة لتنطلق بهما

من فورها .

صحيح أن ذاك الرجل لم يرفض طلبها وإن كان تعليقه الوحيد

مبهماً ويحمل جميع الاحتمالات ولم يطردها أو يصرخ بها غاضباً

ليذكرها وبصمت بما أقدم عليه شقيقها وإن كان بطلب من ابنة

خالتها بنفسها إلا أنها كانت ترفض أن يرى الجالس بجانبها الألم

المرتسم على وجهها أو أن يسألها عن نتائج لقائها القصير ذاك

برئيسه وصديقه ، وذاك ما لم يفعله هو أيضاً وسيارته تعبر

شوارع العاصمة وحتى وصل منزلهما لم ينطق بأي حرف ولم

يسألها وكم كانت ممتنة لكل ذلك وأوله ثقته بها ليتركها تقابله

وحيدة وإن كان في بهو منزله ، بل ولم يجب ولا على هاتفه

الذي لم يتوقف تقريباً عن الرنين حتى توقفت سيارته أمام الباب

الخارجي للمنزل ففتحت بابها ونزلت دون أن تنتظر أن يدخل

بالسيارة ليوصلها للداخل واكتفت بعبور البوابة التي فتحت أمام

سيارته واغلقت خلفها على الفور فتحررت حينها الدموع التي

سجنتها طويلا تسقي وجنتيها في صمت مما جعلها تقطع طريقها

نحو المنزل وتقف قرب إحدى الأشجار تتكئ بكتفها على جذعها

تخفي عبراتها وشهقاتها الصامتة بظهر يدها ولم تعد تعلم من

تبكي تحديداً ؟ ويبدو لم يتعدى الأمر بكائها على نفسها ! .


*
*
*

خرجت من باب المطبخ تحمل الطبق المسطح متوسط الحجم

والمغطى بمنشفة مطبخ جديدة ونظرت حولها وهي تسير ببطء

وخطوات خافتة باتجاه السلالم تلتفت في كل اتجاه خشية أن تظهر

لها والدتها أو أحد ابنيها من أي مكان ويفشل مخططها .. بل

وستقع في مأزق سيء إن كانت والدتها من أمسك بها .

اتسعت خطواتها ما أن كانت في بهو المنزل حتى وصلت مقصدها

وهو السلالم الذي سيخفيها عن ممر غرفهم الموجودة خلفه

وصعدت حينها عتباته بخطوات مسرعة حتى كانت في الأعلى

وزفرت نفساً طويلاً ونظرت من أعلى السلالم نحو الأسفل تتأكد

من خلو المكان ، فبعد أن غاب عن المنزل لساعات طويلة قد

تلت شجارهما ذاك في الحديقة صباحاً عاد ليغادر مجدداً ولكنه

أخذها معه هذه المرة ؟!

قد لا تفهم شيئاً مما يجري بصعودها إلى هنا لكنها لن تستبعد

أن تجد ما يجيبها وإن على سؤال واحد من الألغاز التي تدور

حول زواجه الغريب بها ! .

وضعت الطبق من يدها حيث أقرب طاولة وصلتها ونظرها على

باب غرفة نومهما ونظرت خلفها قبل أن تتحرك نحوها مسرعة

وفتحت الباب ببطء ونظرت للغرفة المرتبة وكأن لا أحد يعيش

فيها ! تعلم بأن عمير شخص مرتب للغاية واعتاد أن يعيش

وحيداً ويهتم بجميع أموره ولم يتغير هذا ولا بعد أن أصبح بكل

هذا المركز ويمتلك ما يمتلكه من مال لكن أن تكون غرفتهما

هكذا وهما غادرا فور وصوله تقريباً فليس بالأمر المنطقي !!

نظرت للمكان خلفها وللسلالم الغارق في الصمت التام ودخلت

تاركة الباب مفتوحاً ونظرت حولها قبل أن تقرر التوجه للخزانة

وسحبت بابها المغطى بمرآة كبيرة ووقفت تنظر باستغراب لثيابه

وحدها والمعلقة هناك !

وعادت وأغلقتها سريعاً وغادرت الغرفة تغلق بابها ونظرها يسقط

تلقائياً على الجهة اليمنى حيث السلالم والمكان الوحيد الذي قد

يوصل أي شخص إلى هنا .


فتحت عدة أبواب في المكان الغارق في الصمت والظلام الجزئي

فكانت واحدة لغرفة مكتب وأخرى مخصصة للتلفاز وواحدة فارغة

تماماً وأحد الأبواب كان لحمام خارجي ، وآخر باب قررت فتحه

وهو الأقرب للغرفة من الجانب الآخر جعلها تقف متسمرة مكانها

وقد اختلطت في ملامحها الدهشة والصدمة والسعادة الغامرة

ذات الوقت وهي تجد ما كانت تبحث عنه .. بيجامة نسائية مرمية

على السرير الموجود في الغرفة وفرشاة شعر ومشبك كريستالي

مرميان بجانبها مما يعني بأنه يستخدم تلك الغرفة بينما تستخدم

هي هذه ولا وجود لعروس عمير سوى في ورقة عقد

زواجهما ! .
انتفض جسدها بقوة وأغلقت الباب بحركة لا إرادية حين سمعت

باب المنزل يغلق في الأسفل فهم عادة لا يغلقونه نهاراً والشمس

لم تغب بشكل كامل بعد وقد لا يكون هذا الشخص والدتها ولا أحد

أبنائها !!

تحركت باتجاه السلالم من فورها ونزلت منه وتوقفت مكانها ما

أن ظهرت لها التي بدأت صعود عتباته للتو وقد وقفت أيضاً تنظر

لها باستغراب بينما كان وضعها هي مشابهاً وهي تحدق في

عينيها التي ظهر أثر البكاء عليها واضحاً وكادت ملامحها أن

تشع سروراً شامت في وجهها لولا أدركت نفسها ، وبالرغم من

ذلك شقت ابتسامة عريضة شفتيها وهي تشير بيدها للأعلى قائلة

" صنعنا الخبز للعشاء بأنفسنا لأن والدتي لا تأكل الخبز الجاهز

وحملت لكما جزءاً منه لكني لم أجد أحداً فتركته على الطاولة

قرب الجدار "

ولاذت بالصمت ما أن أنهت عبارتها الجاهزة سلفاً من أجل

المواقف الطارئة كهذا الآن تنظر للتي صعدت باقي العتبات ترفع

عباءتها الطويلة بيدها واجتازتها دون أن تنظر ناحيتها ولا أن

تتحدث أو حتى لتشكرها وقد استدار رأسها معها حتى اختفت في

الأعلى وحينها فقط تحركت متمتمه بحقد

" يالك من مغرورة وضيعة "


وما أن وصلت للأسفل دارت حول السلالم متجهة لممر غرفهم

تدندن لحناً قديماً بسعادة ولم يكن أي لحن ذاك بل أغنيتها

المفضلة في الماضي والتي كان يحب سماعها بصوتها دائماً

فقط لأنها تحبها .


*
*
*

ترك سيارته خارج أسوار المنزل ودخل سيراً على قدميه ، كانت

الساعة قد تجاوزت منتصف الليل ولا شيء في ذاك المنزل الكبير

أو حديقته والذي كان مليئاً بالمعزين نهاراً سوى السكون

والصمت التام الذي أحاطه من كل جانب حتى أصبح في الداخل

ووقف ينظر للشخص الوحيد الموجود هناك والذي ما كان عليه

أن يتوقع أن ينام قبل وصوله ونظر لطيف المرأة التي وقفت فور

ظهوره ونظر لملامحها ما أن ظهرت له بوضوح أكبر في الأنوار

الصفراء الباهتة للمكان الواسع والمصممة للإستخدام الليلي هنا

وقد قالت ما أن وقفت أمامه تنظر لعينيه وملامحه المجهدة

" تأخرت كثيراً يا وقاص ! "

وكان صوته لا يقل إجهاداً عن ملامحه حين قال ببحة

تعب واضحة

" كان ثمة الكثير عليا فعله قبل أن أكون هنا كي لا أجد أنه

لا مفر من تسليمها للشرطة .... كيف هي الآن ؟ "

قال آخر كلماته بهمس حمل الكثير من المعاني التي لم يكن التعب

وحده المسيطر عليها مما جعل الواقفة أمامه تتنهد بحزن ولا تعلم

على حال أي منهما تحديداً ستحزن وقالت

" كان اليوم حافلاً بالمعزين ولم أستطع التردد على غرفتها كثيراً

لكنها لم تفارقها ولا سريرها أيضاً كما لم تأكل ، وقد مررت

بغرفتها قبل قليل وكانت نائمة "

فأبعد نظره عنها ناحية ممر غرفتها المظلم بينما قالت التي لازالت

نظراتها معلقة بوجهه

" كان عليك أن تكون هنا منذ وقت على الأقل لترى والدك فهو

ابنه إن استثنينا بالطبع كل المعزين الذين سألوا عنك "

وتابعت ما أن نظر لها مجدداً

" زر جناح أسماء أولاً فهو هناك ومؤكد لم ينم حتى الآن "

قال يشتت نظره بعيداً عنها

" متعب خالتي ولا يمكنني رؤية أحد ولا التحدث معه ولا أريد

أن يعلم غيرك وأيا كان بوصولي "

حدقت فيه باستغراب وقالت

" وأين ستذهب !! "

تركها وتحرك مبتعداً ناحية السلالم الذي لم يكن يقصده قائلا

" سأكون في الغرفة المجاورة لغرفتها ، لا يمكننا تركها وحيدة

الليلة تحديداً "

فراقبته متنهدة بأسى وقلة حيلة تستغرب القلب الذي لا يجعله

يراها كقاتلة لشقيقه وقد تؤذيه أيضاً !

هل هي بريئة فعلاً كما قال ؟

من قتله إذاً ولما في غرفتها وتمسك هي المسدس وتلتزم

الصمت ولم تدافع ولا عن نفسها ؟!

تركت كل تلك الأفكار خلفها فلا طائل من التفكير فيها وغادرت

جهة السلالم متمتمه بأسى

" رحم الله قلبك بني قبل قلبها "

بينما من تركته بعاطفة أمومة هناك تابع طريقه حتى وصل باب

غرفتها المغلق ووقف أمامه متردداً قبل أن تمتد يده لمقبضه

وأداره ببطء يدفعه برفق أكبر وكأنها نسمة هواء خفيف تحركه

ورقّت ملامحه بحزن وهو ينظر للنائمة تجمع كفيها تحت وجنتها

بينما تنام في سكينة .. فقط احمرار وجنتيها وتعاقب أنفاسها من

بين شفتيها المنفرجتان قليلاً ما يؤكد أي نوم سيء لازالت

تتشبث به .

أخذته خطواته نحوها ودون أن تستأذنه حتى وصل عندها ورفع

اللحاف يغطي جسدها جيداً وتحسس بظهر أصابعه جبينها ولم

تكن حرارتها مرتفعة كما يبدوا واعتقد ، أحكم أولاً إغلاق النافذة

التي كانت شبه مفتوحة ويبدو لم ينتبه لها أحد تتسرب منها

النسائم الربيعية الباردة وغادر الغرفة دون أن يطفئ أنوارها

وترك بابها مفتوحاً أيضاً ودخل الغرفة الأقرب لها وإن كانت

تفصلها عنها مسافة تكاد تساوى اتساع الغرفتين المتجاورتين

كاملاً وفتح بابها ودخل .

كانت الغرفة التي تم استقبال ماريه فيها سابقاً والتي لم تغادرها

سوى صباح الأمس لازال يستنشق رائحة عطرها النسائي

الخفيف المميز فيها وترك بابها مفتوحاً أيضاً وهو يتوجه نحو

السرير الواسع ونزع سترته ورماها على طرفه وأتبعها بربطة

العنق وفك زرين من ياقة قميصه أتبعها بأزرار أكمامه وثناها لما

يقارب مرفقيه قبل أن يرتمي بثقل جسده جالساً بتعب على السرير

ورفع قدميه يثني إحدى ركبتيه ناصباً ساقه بينما يفرد ساق

الأخرى على استقامتها يريح ساعده على ركبته وقد ارتفعت يده

الأخرى لعينيه يضغط عليها بقوة يتكئ برأسه على ظهر السرير

خلفه بينما يرتاح ظهره على الوسائد الناعمة المكدسة ورائه ،

واشتدت أصابعه على العينان المجهدة بقوة يشعر بكل ما حدث

اليوم يمر أمامه كشريط مصور وبالحركة البطيئة أيضاً وصوت

ضابط الجنائية يتردد في رأسه وكأنه يسمعه الآن

( التقرير المبدئي للطبيب الشرعي يؤكد تعرضه لكدمة قوية في

المعدة والتواء خفيف في معصم اليد اليمنى مما يدل على تعرضه

لإعتداء جسدي قبل وفاته بدقائق قليلة وقد يثبت ذلك ما قلت أنت

بأن المسدس كان في يده بداية الأمر ، وإن لم تكن المتهمة ممن

يتمتعون بلياقة بدنية عالية لا يمكنها فعل ذلك مطلقاً )


( وكنت لأتهمك بالجنون في تحليلك للأمر لولا وجود أثر الدماء

على طلاء الحافة الإسمنتية للنافذة من الخارج مما يعني أنه ثمة

شخص خرج منها بما أن المغدور لم يبرح مكانه ومات خلال

ثواني معدودة لن تكفيه ليتحرك ناحيتها ويرجع ، كما ولا أثر

للدماء لا في جسد ولا ثياب المتهمة .. وبما أن شهادة الحرس

واضحة وواحدة بأن شقيقك لم يدخل المنزل من بوابته بينما غادر

منها ووجود النافذة في الغرفة مفتوحة بينما بابها مغلق معناه

دخوله منها فلما سيفعل ذلك وما الذي يضطره له وهو أحد

ساكنيه ويدخل ويخرج حيث ومتى شاء ؟!

لكن المعضلة تبقى في شهادة الجاني نفسه ولا يمكنك بكل هذه

الأدلة أن ترفع التهمة عنها بسهولة إن كانت هي تصر على

العكس )


وكان ذاك نتاج يوم كامل لم يجلس ويرتاح فيه دقيقة واحدة ، وما

كان ليستطيع فعل كل ذلك لولا مركزه كنائب للمدعي العام حيث

المحكمة التي سعى وفوراً لضم القضية لها كي لا يتم تحويلها من

مركز شرطة بريستول لمحكمته قبل نقلها للجهة المختصة

وينتهي دوره حينها ومهما حاول فهو كان على استعداد لفعل أي

شيء ولا تنام ليلة واحدة في الزنزانة وإن اختطفها وأخفاها عن

الجميع وأنكر معرفته بمكانها حتى تنتهي القضية ويثبت براءتها

التي يراها رأي العين وواثق منها ثقته في استحالة أن

تكون قاتلة .

لكن من يكون هو المجرم الحقيقي ولما تتستر عليه بعناد هكذا ؟!

إن كان شقيقها في غيبوبة لم يفق منها بعد فمن هذا أيضاً الذي

هي على استعداد لدخول السجن من أجله !!

يكاد رأسه ينفجر ولا يستطيع فهم أو معرفة السبب وما حدث ؟

بقي شهادة ساكني المنزل ليثبت كل واحد منهم أين كان وقت

الجريمة ليتسع نطاق البحث بعدها لخارجه .


قفز واقفاً خارج السرير بل وركض خارج الغرفة على الفور ما

أن وصله صوت الصراخ الأنثوي الذي توقعه وكان ينتظره في أي

لحظة ، وخلال ثواني معدودة كان يدخل الغرفة متمسكا بإطار

بابها بيده بينما جسده داخلها قبل أن يواصل ركضه ناحية التي

كانت تجلس فوق السرير وبينما عيناها مغمضتان بقوة وكأنها

تمنعها من رؤية شيء ما يستحيل عليها الهرب منه

كان صراخها الباكي يرتفع بهستيريه أصابعها تقبض بقوة على

قماش اللحاف الذي لازال يغطي نصف جسدها .

وما أن وصل عندها ودون أدنى تردد ولا تفكير كان جالساً

بجانبها يشدها لحضنه ذراعيه القويتان تحيطانها بقوة رغم

تمنعها ومحولاتها ضربه والابتعاد عنه وكأنها لم تتعرف عليه بعد

والذي بدأ يخف تدريجياً أمام إصراره القوي والمغلف بالرقة في

آن معاً وبدأ يدسها في حضنه أكثر تتخلل أصابع يده خصلات

الشعر الحريري الذي يغطي رأسها المدفون حيث أضلعه

يهمس بتأني

" انتهى ... هو كابوس وانتهى يا زيزفون أنا معك لا تخافي "

وكان ذاك ما جعل حتى أنفاسها المتلاحقة بقوة وكأنها كانت

تركض لأميال طويلة بدأت تهدأ وتنتظم ببطء ، لم يكن يعلم إن

كانت مستيقظة إن كانت واعية لما حولها أم لا تزال نائمة ؟

كل ما يعلمه بأنها تقتله بكل عبرة صامتة تكتمها في أضلعها

تخرج بين الحين والآخر في شهقات مكتومة فهو لم يعرفها

ضعيفة هكذا سوى في تلك المرة التي هاجمتها فيها ذكريات

ماضيها وهي نائمة ومؤكد ما حدث البارحة أعاد لها ذكرى ما

حدث في الماضي وهي ترى شخصاً يُقتل أمامها مجدداً ، وإن

استثنى بالطبع المرة التي بكت فيها ونادت شقيقها وهي تشعر به

يتعرض للأذى وهم يجهلون ، ويرى كلا الأمرين واحد وهو لحظة

الضعف الأندر لشخصيتها القوية الصامدة ونقطة الضعف الوحيدة

فيها وهي شقيقها وماضيها معه .

ما أن شعر بجسدها ارتخى تماماً بين ذراعيه نظر لها يبعدها

برفق ورأسها يسقط للأسفل ببطء فعلم بأنها عادت للنوم مجدداً

أو استكانت في نومها الذي يبدو لم تغادره بعد فأسند رأسها

بذراعه ووضعه على الوسادة ببطء ثم سحبها من تحتها برفق

وغطاها جيداً باللحاف الناعم المكون من طبقتين من القطن

الثقيل ووقف لبرهة ينظر لملامحها التي يبدو أنها استرخت أكثر

من السابق من انتظام أنفاسها ولم يستطع البقاء أكثر من ذلك

ولو كان الأمر بيده لما غادر الغرفة حتى تستيقظ لكنه عاجز حتى

عن تقديم ما يحرمها الجميع منه وهو الشعور بالأمان في أكثر

أوقات احتياجها له ، كما لا يريد موقفاً مشابهاً للذي شهدته


جمانة سابقاً ما أن تطلع شمس الصباح وإن كان يختلف عنه إلا

أن فهمهم له سيكون واحداً وبعيداً عن كل ذلك لذلك لا يمكنه

قضاء الليل في غرفتها هنا وحتى مربيتها لم يعد لها وجود فلا

حل أمامه سوى العودة للغرفة التي جاء منها .

غادر الغرفة تاركاً بابها مفتوحاً هذه المرة أيضاً ودخل غرفته

السابقة وتوجه نحو الستائر في الطرف الآخر وأبعدها بحركة

واحدة قوية وفتح النافذة قليلاً لا يعلم ليقلل شعوره بالإختناق أم

ليمحو رائحتها من ثيابه ؟ بل ومن كل خلية في جسده بهواء أكثر

قوة وبرودة .


جلس على حافة السرير من تلك الجهة يولي الباب في الجانب

الآخر ظهره واتكأ بمرفقيه على ركبتيه يشبك أصابعه ببعضها

ونظره عليها وهي تشتد مع اشتداد أفكاره التي كانت تدور في

ذات المسار فإقناع من تعيش هنا في وسطهم ببراءتها يراه أكثر

صعوبة من إقناع القضاء ففي المحاكم يأخذون الأدلة البسيطة

بعين الإعتبار لكن البشر لا يعترفون بذلك وإن صدر الحكم

ببراءتها ففي بعض الأحيان تموت حتى المشاعر الإنسانية ،

ولهذا تَهرّب من رؤيتهم جميعاً فأول ما سيهاجم به هو دفاعه

الشرس عن قاتلة كما يعتقدون وتركها هنا بينهم خاصة وأن أكثر

من نصف ساكني المنزل هنا لم يستسيغوا وجودها هنا منذ

البداية فكيف الآن ؟!

عاد لجلوسه السابق واتكأ برأسه للخلف وأغمض عينيه

المجهدتان حد الألم الذي يشعر به يضرب في صدغيه يغوص في

أفكار عديدة وإن كانت تصب في ذات النقطة حتى انتظمت أنفاسه

وغلبه نعاس خفيف لم يكد يغرق به في نوم حقيقي حتى عاد

وفتحهما مجدداً واستوى في جلوسه ينظر حيث باب الغرفة الذي

تحرك فجأة وارتفع نظره للجسد الأنثوي الواقف أمامه حتى

وصل به للعينان المحدقتان به بصمت لازالت آثار النوم عليهما

تطالب بالمزيد قبل أن تسدل جفنيها تخفي الزرقة الجميلة

المشوشة فيهما عنه وتحركت خطواتها نحو الداخل حتى وصلت

السرير يراقبها باستغراب وريبة تبدلت للدهشة سريعاً وهي تندس

تحت اللحاف بجانبه وانكمش جسدها تحته في وضعية الجنين

تولي ظهرها له لا يظهر منها سوى رأسها وشعرها الذي أخفى

ما يظهر من ملامحها التي تدفن أغلبها في الوسادة تحتها !

وتصلبت ملامحه ما أن خرج صوتها الهامس بخفوت

" لا أريد البقاء وحدي هناك "

فأغمض عينيه ببطء ووبخ نفسه سريعاً فكيف لم يفكر في هذا

وبأن لمكان الجريمة أكبر تأثير على نفسية حتى الأصحاء فكيف

بمن مرت بمآسي مشابهة في الماضي ؟

وما أن عاد وفتحهما توقفت نظراته عندها بل وتشابكت أفكاره

العاجزة عن فهمها ..!!

وكان عليه وخلال ثواني فقط أن يقرر قراراً حاسماً يترك السرير

أم الغرفة بأكملها لها ؟

لكنه خشي ذات الوقت أن تعتبره هروباً أو تهرباً منها مما

أعجزه عن اتخاذ ذاك القرار أو حتى التفكير فيه وساقاه تتخدران

يشعر بهما أثقل من أي شيء قد يفكر في حمله أو تحريكه !

وذاك ما جعله يتجمد مكانه كالصخرة الصماء كل ذاك الوقت حتى

بدأت أنفاسها بالإنتظام محررة إياه من القيود الوهمية التي كبلت

كل شيء فيه عن الحركة بل وإصدار الأوامر أو تلقيها ووقف

حينها مبتعداً عن السرير ببطء ونظره عليها لا يعلم

ما يلعن تحديداً ؟

نفسه لأنه السبب في عجزه عن احتوائها واحتضانها أم غيره

ليقف موقف العاجز عن فعل أي شيء من أجلها خارج أسوار

مبنى النيابة العامة هناك ؟

راقبت نظراته الحزينة المتفهمة جسدها وخصلات شعرها الطويل

المتناثرة خلفها فبالرغم من كل ما تعانية في نومها المليء

بالكوابيس لازالت كما يبدو تتمسك به وتعود له سريعاً وكأنها

تتخذه ملاذاً من واقعها وبالرغم من كل بشاعته !

فهل ستحظى ببعض السكينة فيه بمجرد ابتعادها عن

تلك الغرفة ؟


كان سؤالاً جوابه أقرب مما يتخيل وقد بدأ صوت أنينها المتقطع

يخرج متعاقباً منها فجلس مجدداً يثني ساقه تحته وقبل أن تمتد

يده لها ليوقظها جلست فجأة بشهقة قوية مصدومة خرجت

مرتفعة مرتعبة زلزلت أعماقه قبل أضلعها المرتجفة بأنفاس

متلاحقة ، ودون شعور منه وجد نفسه يجلس فوق السرير بقربها

ويده تبعد شعرها عن طرف وجهها هامساً ونظره على عيناها

الشاخصتان في الفراغ

" زيزفون أنت بخير إنه مجرد حلم "

فكان رد فعلها الوحيد أن مسحت بيديها على شعرها للخف وكأنها

تبعده عن وجهها تتنفس بعمق وقوة قبل أن تعود للإستلقاء

مكانها ووضعها السابق تولي ظهرها له ودفنت ملامحها هذه

المرة في ساعدها وذراعها تثنيهما تحت رأسها ليدمره وبشكل

نهائي صوت أنينها الباكي والذي خرج مكتوماً موجعاً وكأنه

يخرج من قلب مأساتها ومنذ بدأت فانهار جسده على ظهر

السرير يتكئ عليه بكتفه وجانب رأسه ينظر بإنكسار حزين

لجسدها المرتجف الباكي وهو يعلن تمرده على صمودها وانهياره

التام أمام قسوة ما تمر به ، وفي لحظة كانت أعظم من أن

يسميها ضعفاً امتدت يده ببطء ناحيتها حتى لامست أصابعه وكفه

نعومة شعرها واستقرت فوق رأسها وتنفس بعمق نفساً طويلاً

قبل أن يخرج صوته ببحة عميقة وهو يتلو الآيات القرآنية

بصوت عميق رخيم زادته نبرة الحزن فيه عمقاً ، وهذا جل

وأعظم ما يمكنه فعله من أجلها وهو يدرك ما يواجهه قلب الأنثى

الضعيف الليلة ومهما كان قوياً ، بل وكان موقناً من أنه سبيله

الوحيد ومنجاها الأكيد أيضاً وأنين عبراتها الموجعة قد بدأ يخفت

تدريجياً حتى لم يعد يملأ المكان الواسع البارد سوى صوته

الجهوري العميق لازال يتلو الآية تلو الأخرى ويده على رأسها

ونظراته الحزينة لا تفارقها .


*
*
*


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 09:28 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية